تعریف بکتاب : طریق الحج الاحسایي

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

المستخلص

نظراً لمنهج مجلة «ميقات الحجّ»، وعنايتها بالشؤون الثقافية والتاريخية والسياسية والاجتماعية للحجّ ودائرته المباركة...، فتحت بابها لا فقط لاستقبال ما يتفضل به الكتّاب، ويبادر به العلماء والمحققون من بحوث ومقالات من أفكار وآراء حول عنايتها المذكورة، وإن لم تكتفِ بانتظار ما تجود به معرفتهم وأناملهم، بل راحت إدارتها تسمع وتقرأ وتلاحق ما يكتب هنا وينشـر أو يُلقى هناك؛ ما دام يصبُّ في دائرتها المعرفية؛ لإعطائه مساحة مناسبة في المجلة، حرصاً منها في إغناء مكتبتها الخاصة وتراثها المعرفي، ومشاركةً منها في نشر ما تصبو إليه من أهداف كبيرة؛ تتمدّد على مساحة واسعة من الحرمين المباركين مكة المكرمة والمسجد النبوي وما حولهما من طرق وأماكن ومواقع.
إنّ هذا الکتاب «طريق الحج الأحسائي» لمؤلفه سماحة الشيخ محمدعلي الحرز، كتاب جيد لما تتوفّر فيه من أهمية تاريخيّة وفوائد ميدانيّة ومعرفة لحدود هذا الطريق ومعالمه، و قديماً كان هذا طريقاً للحجاج الإيرانيين .
فطوبى لمؤلفه الشريف، الذي تحمّل كثيراً من المعاناة؛ لإيجاد هذا السفر القيّم، نسأله تعالى أن يؤجره أجراً كبيراً، ويؤجر سماحة الشيح حسين الواثقي، الذي اقترح أن يحتلّ هذا الكتاب مكانته في هذه المجلة.

جاء في مقدمة البحث:

«طالما راودتني فکرة التطرّق لموضوع الحج الأحسائي من الناحية التاريخية؛ والتعريف بالعلاقة الکبيرة بين الأحساء وبلاد الحجاز، وأهم الطرق التي يسلکونها في المسير لأداء فريضة الحج، والعقبات التي تواجه الحاج الأحسائي تحديداً من صعوبات ومعوِّقات، حاله حال الکثير من الحجاج في مختلف المنافذ المتجهة إلی مکة المکرمة، نظراً للتغافل الکبير من المهتمين بتاريخ الحج وطرق الحاج، وذلك لصعوبة البحث وندرة المصادر التي تناولت معالم هذه الطرق.

لذا اکتفی معظم الباحثين بتناول الطرق المشهورة والمعروفة؛ مثل الشامي والعراقي والمصري واليمني والعماني وغيرهم، دون تجاوز هذه العتبة خشيةً من وعورة الطريق والبحث في هذه النقطة المعتمة...».

الکلمات المفتاحية:

المصاعب والعناية بطريق الحجّ الأحسائي، الجهود المبذولة في تأمين الحجّ، معالم طريق الحجّ الأحسائي، بيان بعض المصطلحات القديمة، العوامل المؤثرة في تحديد طريق الحجّ، الطرق المباشرة إلى مکة المکرمة، طرق ومنازل الحاجّ من الأحساء إلى مکة المکرمة . . .

* * *

... الفصل الثاني: المصاعب والعناية بطريق الحج الأحسائي

مصاعب و مخاطر طريق الحج:

يصادف الحاج في رحلته العبادية لأداء فريضة الحج مجموعة من العقبات والتحديات، تبدأ من أول مرحلة من مراحل الحج وهي الاستعداد، ولا تنتهي إلّا بعودته عند باب داره في أرض الوطن.

هذا الأمر هو ما يجعله في حالة توتّر شديد وقلق کبير لايفارقته، وهنا نورد عدد من هذه الصعوبات والتحديات التي يشهدها طريق الحج نذکرها بإيجاز، لنستشعر طبيعة الرحلة الإلهية وما يکتنفها والحالة النفسية التي يعيشها الحاج في حالة تجمع بين الفرح والسعادة التي لا توصف وهو يستشعر أنه في طريقه لأداء شعيرة إلهية عظيمة قد وفقه الله لأدائها، وبين الشعور بالخوف والقلق أنه لا يسلم على حياته فضلاً عن سرقته من قبل قطّاع الطرق، وبالتالي قد لا يرجع لأهله ووطنه سالماً.

وهذه المصاعب المؤرّقة يمکن تلخيصها في التالي:

1ـ الانفلات الأمني:

الهاجس الأمني والخوف على الأرواح من أکثر الأمور التي عانى منها الحاج من مختلف المناطق وطرق الحج المتعددة، بلغ درجة أن تتخلف بعض المناطق عن الحج لسنوات إذا علمت بفقد الأمن و وجود قُطّاع الطرق في الطريق، حتى لقد بلغ إيذاء الحاج في بعض السنوات منتهاه، حتى أنه ينقل عن العلامة الشيخ محمد الرملي الشافعي (القرن العاشر).[1]

ـ بسبب ما لاقاه من شدة وأذى والمشقة أفتى بعدم وجوب الحج في هذه الأزمنة.[2]

ـ طالما فيه خطر على النفس البشرية. ففي سنة 1142هـ، هجم بعض قُطّاع الطرق من قبيلة مطير على الحاج الأحسائي في منطقة الحنو.[3]

ـ وقتلوا منهم وسلبوهم بعدما أخذوهم للحسوة.[4]ـ وهي منطقة تقع في جنوب شرق المدينة المنورة، وتبعد عن مدينة ينبع البحر حوالي 350 کيلومتر کما تعتبر داخل حدود منطقة المدينة المنورة، وسکانها غالبهم من قبيلة مطير، وشيوخها منهم.

مجزرة ابن حثلين لحاجّ الأحساء:

من الشواهد التاريخية التي تبيّن حجم المأساة التي يعاني منها الحاج ومستوى القسوة التي مارسها لصوص الحاجّ وامتلاکهم قلوب هي إلى الحجارة أقرب، بلا رحمة ولا شفقة.

ففي حوادث سنة 1261هـ، وهي الحقبة التي کانت الأحساء خاضعة للدولة السعودية الثانية، أقبل حاجٌ کثيرٌ من الأحساء والبحرين والقطيف، ومن أهل سيف البحر، ومعهم عجم کثير، فرصد لهم في الطريق فلاح بن حثلين رئيس العجمان، ومعهم أناس من عربان سبيع، وکان حزام بن حثلين مع الحاج، فشنوا عليهم غارة، شردوا من الحاج نحواً من نصفه، وذلك من سرِّ قدرة الله وتدبيره، وقد مات فيها خلق کثير، بينما أُسر البعض الآخر.

فاستنفر الإمام فيصل بن ترکي جيشه فرکب من الرياض آخر ذي القعدة،[5] وقد استنفر معه القبائل المختلفة وأصبح يطارده فلمّا سمع ابن حثلين بذلك لجأ إلى بني خالد عدوان الإمام فيصل، ولکن لما وجدوا عظم الأمر ذهب أعيانهم وشيوخهم ألّا يأخذ البريء بالمسيء، وتمّ طرد ابن حثلين وبقي مشرّداً يبحث عن ملجإ، حتى تمّ القبض عليه سنة 1262هـ، واعتقاله وأخذه إلى قصر الکوت عند أحمد السديري الذي قام بإعدامه بقطع رأسه.[6]

وهذه الحادثة تؤکّد - رغم ا لصعوبات التي تکتنف طريق الحج - بأنّ الوفود السائرة للحج من خلال عبوره تعدّ کبيرة نسبياً، لأنها تجمع الحاج من الأحساء والقطيف والبحرين ومناطق الساحل سواء من قطر أو عُمان، ويتبعهم القادمون عبر البحر من أهل الفرس والهند، وهي تحمل معه الغنائم والأموال التي أرادوا بها الکفاية لأداء فريضة الحج والعودة إلى أوطانهم، خاصة وأنّ الرحلة قد تستغرق عند البعض من المناطق البعيدة قرابة النصف سنة بعيداً عن أهله ووطنه.

وفي سنة 1310هـ، نشطت بعض القبائل من أهل البادية لسـرقة الحاج وسلبهم. وتجمع منهم أکثر من 300 رجل، بتمرّد خطير فهاجموا قافلة مسافرة من الهفوف إلى العقير في حراسة فرقة ترکية من 25 جندي فقتلوا 15 منهم وجرحوا 10، وحملوا معهم 50 ألف روبية نقداً وما قيمته 20 ألف من البضائع، کما نهبوا أيضاً 40 حاجّاً کانوا مسافرين بصحبه القافلة وبدأت حوادث سرقات عديدة،[7] وهي بلا شك تشمل وفود الحجاج القادمين عبر الميناء وکذلك القوافل التجارية.

2ـ قلة الماء والآبار:

من العوامل المؤثر في اختيار الطريق من عدمه، أو کثرة العبور من خلاله أو ترکة، وفرة الماء ووجود الآبار في الطريق، وهنا يأتي دور الأمير وقائد الرحلة في معرفة الطرق وتمتعها بهذه الخاصية أو لا، لذا يستعان في مثل هذه الرحلات بالدليل الخبير بالصحراء من رجال البادية، حيث يتولى قيادة الرحلة وانتقاء الطرق المناسبة.

فالحاج في رحلته الشاقة والطويلة والتي تستغرق في الغالب حدود 25 يوماً؛ ستة من الأحساء إلى الرياض، و 18 يوماً من الرياض إلى مکة المکرمة، والتي قد تصل إلى شهر بعض الأحيان، يکون في أمس الحاجة إلى التزوّد بالماء خلال الطريق، خاصة عندما يکون الموسم في فصل الصيف الذي يشتد فيه العطش، وتظمأ الدواب، بل وينفق بعضها بسبب العطش والتعب، وفي هذا الحالة نجد الدليل ينتقي الطرق والمنازل التي تتوفر فيها الآبار والکلأ وإن أدى ذلك إلى طول الطريق وبُعد المسافة.

ففي سنة 833هـ، أصاب الحاجّ المصري بين (الإزلم) و(ينبع)، شدة عظيمه من الحرّ والعطش، مات فيها ثلاثة آلاف نفس، ويقال خمسة آلاف.[8]

وفي السنة التالية عام 834هـ، توفي العديد من الرجال والنساء ممن هلك بالعطش من الحاج فدفن منهم بالآلاف.[9]

ومن هنا تأتي أهمية معرفة الدليل وخبرته بمخارج الطريق وأماکن الآبار والمسافات طولاً وقصراً، فالأرواح تکون معلّقة بين يديه، والخطأ هنا يعني موت الحاج والدخول في متاهات قد لا يؤمن عواقبها.

وقد نقل في التاريخ الأحسائي الشفهي، موت بعض الحاج بسبب الضياع، وقلة الماء، إما لعدم وجود آبار أو لجفاف المياه منها، وهذا يشکل تحدي کبير لقافلة الحاج ومصدر قلق لا يمکن التهاون فيه.

3ـ طول الطريق:

خمسة وعشرون يوماً من السير على ظهر الإبل، أو سيراً على الأقدام، في رحلة مليئة بالتعب ومحفوفة بالعناء وقسوة الحياة، ومصحوبة بالکثير من المخاطر، من وحوش الصحراء کالذئاب والعقارب والثعابين تارة وقُطّاع الطرق أصحاب القلوب البشعة والقاسية تارة أخرى.

فإذا أخذنا في الاعتبار وجود عدد غير قليل من کبار السنّ والنساء ضمن رکب الحاج، ندرك مدى المشقة والصعوبة في هذه الرحلة، وأنها تستغرق وقتاً طويلاً بسبب المراعاة لأضعف الحاج، کما قد يختار أمير الحاج طريقاً أبعد، عندما يجد أنّ الطريق القريب يتخلّله بعض المخاطر کوجود قُطّاع طرق تتربص بالمارين فيه، أو تفشـي المرض بين عموم الحجاج، أو خلّوه من الآبار والمياه، في وقت تکون القافلة في أمسّ الحاجة لها، لذا قد تطول الرحلة إلى 40 يوماً لمثل هذه العوامل وغيرها.

فإذا أضفنا عملية الحج وطقوسه وما يتخلّلها من مشقة عطفاً على قوله تعالى: (وَلِلّهِ على النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)،[10] وبما فيها من طواف وسعي ورمي جمرات ووقوفيْن بعرفات والمشعر الحرام، ندرك جيّداً حجم المشقة التي يعيشها الحاج والوقت الذي يستغرقه عمل المناسك، ثم تبدأ الرحلة إلى المدينة المنورة، وأخيراً خط العودة والذي لا يقل خطورة وصعوبة عن رحلة  الذهاب، مما يجعل الرحلة في مجموعها قد تستغرق بين ثلاثة إلى أربعة أشهر.

من خلال کلّ هذا ندرك خطورة الأمر ومدى کلفته على العجزة من النساء وکبار السنّ في رحلة طويلة يکتنفها المشقة والتعب في جميع مراحلها.

4ـ ضعف الدراية بطرق الحجِّ المناسبة:

واحدة من أهمّ صفات أمير الحاجِّ وقائد الرحلة، هو درايته بالطرق المختلفة المؤدِّية إلى الديار المقدسة، وهذه تتکوّن نتيجة خبرة طويلة وسفرات متعدد (متعددة) إلى الحجاز يتعرَّف فيها على معالم الطريق وصعوباته ومميزات کلِّ طريق منها، أو لا أقلّاً يوجد حوله من يمتلك هذه الدراية.

لذا يتجنب عن قيادة الحاجِّ من ليس له خبرة بالطرق أو من يتصف بالعناد والاستبداد بالرأي، وقد وقعت حادثة لحاجِّ الأحساء نتيجة عدم امتلاك أمير الحاجِّ لمثل هذه الخبرة والحنکة.

فقد تمَّ تنصيب الأمير محمد المحاري (المحاوي) أميراً على الحاجِّ الأحسائي من قبل أمير الأحساء الشيخ سليمان بن محمد بن عريعر الخالدي سنة 1142هـ، ولم يکن بذي خبرة في إدارة الأمور مما جعله لقمة سائغة لقُطَّاع الطرق من قبيلة مطير، وتسبَّب في إحداث مجزرة في الحاجِّ قرب منطقة الحنو،[11] وقد سبق الإشارة لهذه الحادثة في الصفحات السابقة.

5ـ تفشّي الأمراض والأوبئة الفتّاکة:

نتيجةً لضعف الرعاية الصحّية لدى الحجّاج القادمين من مختلف الأقطار الإسلامية بسبب الفقر وقلَّة الأطباء، فکثير ما يأتي بعض الحجّاج وهم محمّلين بالأمراض والأوبئة، ناهيك عن الحالة العامّة نتيجة للازدحام وقلَّة النظافة في الوضع العام سبباً في تفشّي الأمراض في صفوف الحجّاج.

وقد ذکر التاريخ العديد من الأمراض التي انتشرت بين الحجيج؛ ففي سنة 837هـ، انتشر وباء في اليمن ووصل إلى مکة المکرمة في شهر شعبان، فکان يموت في کلِّ يومٍ خمسين.[12]

وفي رحلة داود السعدي إلى الحجِّ مع حاجِّ الأحساء سنة 1388هـ، أرخَّ تفشّي مرض «الکوليرا» بين الحاجِّ فقال:

«يوم الأربعاء ومنها إلى قرب (رابغ)،[13] رعياً فقط، واعترى الحاج علة القوليرا (الهيضة)،[14] ومات سبعة أشخاص، وذکر عند وصولهم (رابغ) وهي بلدة معمورة، وفيها مات عشرة نفر، وعبد حبشي للسعدي».

وتعدّ هذه الحالة من عشرات الحالات التي تحدث موسميًّا في الحج حيث انتشار الأمراض والأوبئة المعدية التي تفتك بحياة مئات الحجاج في ظلِّ قلَّة المعالجات وهشاشة الوضع الطبي وضعف الثقافة الصحية لدى غالبيّة الحجّاج.

6ـ ارتفاع الأسعار والمعيشة في الديار المقدسة:

تضطرب الأسعار في موسم الحج فلا تکون الأسعار في مکة مستقرة أو على حالٍ واحد، ففي بعض السنوات کان الغلاء في الحجاز قد أخذ منتهاه، مع وجود قلَّة ذات اليد والحاجة في صفوف الحجّاج، نتيجة لکلفة السفر ومؤنته، مما يجعلهم في أضعف أحوالهم عند وصولهم لمکة المکرمة.

وقد ذکرت المصادر التاريخية العديد من هذه الحالات، ففي أحداث سنة 831هـ، يذکر بن فهد المکي عن أحداثها قائلاً: «وفيها اشتد الغلاء بمکة المشـرفة لعدم المطر فيها»،[15] وهذا نموذج وشکل من أشکال الغلاء، وإلّا دواعي الغلاء کثيرة ومتعدّدة الأسباب، من بينها قلة البضائع التي عادة ما يجلبها بعض الحجّاج معهم من بلدانهم،  أو انخفاض العطايا التي يقدّمها أمراء الحاجِّ لفقراء البيت الحرام.

وقد يطال الغلاء الماء لشحته وقلَّة الأمطار ففي سنة 834هـ، قلَّ الماء بمکّة في موسم الحجِّ حتى بيعت الراوية بمکة أيام الصعود إلى عرفة بأغلى الأثمان.[16]

7 ـ الصراعات السياسية في المنطقة:

الصراع السياسي في المنطقة له تأثير مباشر على الحاجِّ و سلامتهم سواء في بلاد الحجاز مکة والمدينة أو في مراحل الطريق المختلفة، وفي الغالب عند نشوب أي صراع بين أطراف سياسية تنعکس سلباً على الحاجِّ، لما يترتب عليه من الفوضى، وانحلال عقد الأمن والسلام، فکان اللصوص والاستقلاليون يستفيدون من مثل هذه الحقب الزمنية لصالحهم والنيل من الحجّاج وسلب ممتلکاتهم أو فرض الضرائب عليهم.

کما أنّ مکة المکرمة نفسها کثيراً ما تحدث فيها صراعات بين أقطاب الحکم من الأشراف، أو مواکب الحجِّ الکبيرة القادمة کموکب الحجِّ المصري والشامي والعراقي و غيرها.

وقد رصد التاريخ العديد من الصراعات التي کانت تنشب بين مواکب الحج المختلفة بسبب خلاف بين الحاجِّ، أو نزاع نتيجة الرغبة في محلِّ نزول الرکب وقافلة الحجّ، وقد تکبر المشکلة إذا کانت بين طرفين من کبار موکب الحج کالشامي والعراقي والمصري، والتي تکون بأعداد کبيرة.

هذه الأمور تنعکس على الحجّاج وقد يتسبب في فوضى عارمة تنال أطرافاً کثيرةً من الحجّاج ممن لم يکن طرفاً في المشکلة ولکن أصابه شررها.

8 ـ الضرائب التي تفرضها القبائل على الحاج:

في المراحل المتعددة التي يسير فيها الحاج من الأحساء مکة المکرمة، يدخل خلال الرحلة في أراضي عدد من القبائل العربية المختلفة، منهم من ينظر إلى الحاجِّ على أنهم وفد الله وضيوفه، وفي خدمتهم مکرمة عظيمة وأجر کبير فيتسابقون على ضيافتهم وتسهيل رحلتهم عبر أراضيهم بل توفير الحماية لهم وتزويدهم بالمؤن والمساعدات المختلفة، کما أنهم يتبادلون السلع والمنتجات والمحاصيل تجاريًّا معهم مما يشعر الحاج بالراحة والارتياح.

في المقابل هناك عدد من القبائل تنظر إلى الحاج أنه وسيلة من وسائل الغنى وجمع المال عبر سنّ وفرض الضرائب الثقيلة على الحجّاج، والتي تکون مجحفةً في حقهم، مقابل سلامتهم وأمنهم عند عبورهم من أراضيهم، وهي في العادة تکون مبالغ باهظة وفوق طاقة الحاج، وتتکرر في عدة أراضي مما يجعل الحاج يفقد کلّ ممتلکاته و مدخراته في رحلة الحج قبل وصوله إلى الديار المقدسة.

وقد عانى الحجّاج الأحسائيون من القبائل العربية التي کانت تشکل رعباً وهاجساً مخيفاً نتيجة التجارب المختلفة التي مرّوا بها خلال سنينه من هذه القبائل من القتل والسلب الذي زُهقت فيه الأرواح في عمليات بشعة في حوادث بقيت محفورة في الذهنية الأحسائية لفترات زمنية طويلة.

وفي الختام علينا أن ندرك إن الحجَّ رحلة بقدر ما فيها من فرحة عظيمة عند الحاجِّ وفوز کبير لا يوصف، فإنها مقترنة بأشکال متنوعة من الصعوبات والمخاطر استطاع الحاج الأحسائي أن يتخطاها ويؤدي فرضه امتثالاً لأمر الله تعالى. حيث يقول جلّ من قائل: (وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).[17]

الجهود المبذولة في تأمين طريق الحج:

إنَّ المتتبّع لحرکة الحاج الدؤوبة أثناء مروره على کثير من المنازل والهجر والقرى المتآخمة  لطريق سيره نحو مکة المکرمة يلحظ مدى الجهود التي بذلت تباعاً لتأمين الطرق والمسالك، وهذه الجهود يمکن لنا استشفافها من خلال رصدنا لطرق الحج المختلفة، وهي على النحو التالي:

1ـ الحراسة المشدّدة:

استمر الاهتمام البالغ والعناية الفائقة بطريق الحاج حتى أصبح من ضمن أولويات الدول المتعاقبة على حکم الأحساء، ومحل عنايتها وأهم أهدافها.

وقد استمرت هذه الحملات الأمنيّة من قبل دولة الجبريين بين عامي 851ـ929هـ باتجاه قبائل الدواسر المشاغبة والفضول، بسبب تعدّيهم المتکرر على القوافل التجارية التي تسلك طريق الأحساء والقطيف وطريق التجارة الواقع على إقليم نجد خاصة  الواصل إلى بلاد الحجاز «طريق الحجيج»، نظراً لأهميته لقوافل الحجيج، وذلك لأنّ الجبور کانوا يعتمدون اعتماداً رئيسيّاً في اقتصاد دولتهم على التجارة وتأمين طريقها مثلهم في ذلك مثل الدولة العصفورية.[18]

ومظهر آخر للدلالة على ما أعطته الدولة الجبرية من أهمية قصوی لطريق الحاج الأحسائي والاهتمام بأمنه وأمانه وقطع دابر قُطّاع الطرق يتمثّل بالخروج في مواکب عظيمة تبلغ الآلاف من الحجّاج والعسکر في منظر يثير الرعب في نفوس من تسوّل له نفسه الوقوف في طريق الحاجّ، إضافة إلى الخروج بأنفسهم لقيادة الحجيج، يقول الحميدان في دراسته عن الدولة الجبرية:

«وقد حرص أمراء الجبور على تأمين هذا الطريق - طريق الحاجّ - وما قيام أمرائهم شخصيّاً بقياده قوافل الحجيج إلّا تعبيراً عن حرصهم على سلامة هذا الطريق الحيوي. وإذا ما عرفنا بأنَّ قوافل الحجيج کان يرافقها عدد غير قليل من المحاربين لحراستها أدرکنا أنَّ أمراء الجبور کانوا في الواقع يقومون عند مرافقة قافلة الحجّ بمظاهرة عسکرية لزرع الخوف في نفوس معارضيهم من رؤساء القبائل المختلفة، إضافة إلى کسب الأصدقاء».[19]

2ـ تأديب القبائل المعتدية:

في تاريخ الدولة العيونية کان الأمير محمد أبوسنان العيوني (520ـ538هـ)، تولی بلاد البحرين في أعقاب اغتيال والده الفضل، وقد اشتهر هذا الأمير العيوني ببسالته ونشاطه في القضاء على المفسدين والمعتدين في أصقاع الجزيرة العربية وعلی الخصوص المعترضين طريق الحاجّ، حتى قال في شأنه علي بن المقرّب العيوني:

منا الذي أصحب المجتازَ من حلبٍ

إلى العراقِ إلى نجدِ إلى أدما.[20]

فقد کانت القوافل التي تقطع الطريق بين الأحساء إلى نجد إلى مکة المکرمة تعاني من مشاکل قُطّاع الطرق، فکان لهذا الأمير اليد الطولی في الحد من خطورتهم وتأمين وطمأنة الحاجّ إلى حدٍّ کبير.

يقول شارح ديوان ابن المقرّب العيوني عند الحديث عن محمد بن أبي سنان العيوني أنه: «کان على صلاتٍ قويّة مع الخليفة العباسي الناصر لدين الله، واشتهر بقضائه على قُطّاع الطرق الذين يعترضون الحجّاج في طريقهم إلى مکة، وأخذ على أيدي مفسدي العرب حتى صار الراکب يسير إلى عمان من الأحساء وإلی العراق وإلی نجد وإلی الشام فلا يفزعه أحد، وکذلك القافلة أين أدرکها الليل باتت لا تخاف من أحد».[21]

کما حرصت الدولة الجبرية منذ بدايتها على يد زعيمها الأول زامل بن حسين على تأمين طريق الحاجّ والقوافل التجارية التي تسير عن طريق أراضيها ومنها إلى نجد، وذلك عبر النيل من القبائل النجدية التي تعترض طريق القوافل التجارية والذاهبة إلى الحجّ، وقد شنَّ لذلك حملات متعددة على نجد منها ما وقع في سنة 851هـ، حيث يقول ابن بسام: «وفي سنة 851هـ، غزا زامل بن جبر العقيلي العامري ملك الأحساء والقطيف، ومعه جنود عظيمة من البادية والحاضرة وقصد الخرج وصبح الدواسر، وعايذ على الخرج، وحصل بينهم قتال شديد قتل فيه عدّة رجال من الفريقين، ثم سارت الهزيمة على الدواسر وعايذ، واستولی زامل على محلتهم وأغنامهم وإبلهم وأقام في الخرج نحو عشرين يوماً ثم قفل عائداً إلى وطنه».[22]

وکانت له حملة  قوية على نجد سنة 855هـ، ثم أتبعها بحملة  شرسة سنة 866هـ أخضع خلالها القبائل النجدية التي کانت تترصّد وتعترض طريق القوافل وتبطش بالحجّاج على حدٍ سواء.

هذا الأمر يقودنا إلى إدراك إنَّ بني جبر کان لهم اهتمام بجانبين:

الجانب الديني:

ويتمثل في الحج الذي هو من أرکان الدين و شعيرة عبادية عظيمة حثت النصوص على أدائها،  لذا ينبغي ردع کلّ من يحاول أو تسول له نفسه التعرض لحجّاج بيت الله الحرام بالسوء، ومن هنا تجلى هذا الجانب في الدولة الجبرية بکونها دولة دينية تهتمّ بالعلم والعلماء وتولي لهما أهمية کبيرة.

الجانب الاقتصادي:

باعتباره مصدر تمويل الدولة  وقوتها وعزّتها أمام الأعداء، وأنهم دولة  تحمل فکراً اقتصادياً وتجارياً مترامي الأطراف، حيث أولت الدولة الجبرية الحج منذ النشأة اهتماماً خاصّاً، وأدلّ دليلٍ على ذلك مشارکة أمرائها في موکب الحجيج في کلّ عام بأعداد کبيرة من الحجاج والجند، مما يعطي موکبهم هيبة عظيمة أمام الناظرين.

ومما يفسّر السرّ وراء هذا العدد من المرافقين في الرکب الأحسائي في الحجّ، إنّ سلاطين الجبّور حرصوا على تأمين طرق التجارة في بلاد البحرين و نجد، وکان سلاطينهم يقومون بقيادة قوافل الحجيج شخصياً، وهذا يعدّ تعبيراً صريحاً على حرصهم على سلامة الطريق الحيوي، وما يؤکّد ذلك أنه في عام 893هـ، خرجت حملة  بقيادة السلطان أجود ضد الدواسر، کما سبق ذکره في واحة الخرج لإخضاعهم،  وقد ذکر المؤرخون أنّ السلطان أجود قد قام بالحجّ في تلك السَّنة.

ونستنتج من خروج السلطان أجود وتوجّهه لتأديب قبيلة الدواسر التي ربما خرجت لتهديد قوافل الحجيج المتوجّهة إلى مکة، لذا لازم السلطان أجود تلك القوافل العابرة لطريق الحجاز والذاهبة إلى مکة وحتى يؤمّنها من تعدي القبائل النجدية الأخرى إذا کان طريق قوافل الحجيج يعبر منطقة نجد إلى مکة.[23] وسبق أن أشرنا في تاريخ الحجّ الأحسائي ما اکتنف رحلة الحج من صعوبات على مرّ التاريخ زهقت أرواح مئات الحجّاج ضحيتها في بعض الفترات.

3ـ توفير خدمات الطريق:

ونعني بتوفير الخدمات، حفر الآبار في طريق سير الحاجّ، إضافة إلى الخانات وأماکن الراحة التي تعدّ مستراحاً للحجيج من عناء السفر ومشقّته، وقد حرصت الدول الإسلامية والزعامات السياسية سواء في العهد الأموي أو العباسي وحتى الدول المتعاقبة على المنطقة خلال القرون المختلفة بالعناية بهذه الجانب، لما يمثله الحجّ من شعيرة دينية مقدسة فيها الأجر والمثوبة، وعليها يتنافس المؤمنون في البذل والعطاء، فيقيمون الأوقاف على سقيا الحاجّ وإطعام الدواب، وإيواء المشـرّدين، وإسکان القادمين، وغيرها من الخدمات المختلفة التي تخفّف على الحاجّ عناءه وتسهّل عليه أداء فرضه.

4ـ اختيار الطريق المناسب:

من المهام الکبيرة المنوطة بأمير الحاجّ أو من يتولى قيادة الحجيج أن يکون ذا خبرة و  دراية واسعة بالطرق المختلفة المؤدية إلى الديار المقدسة، ليقوم باختيار الطريق الأنسب والأفضل للحجيج، سواء لمناسبته بسبب عامل ازمن بأن يکون أکثر اختصاراً من غيره، أو للبعد الأمني، أو من حيث توفّر مصادر المياه، الأمر اللازم لسير قافلة الحجيج براحة وسلام.

وقد ذکرنا خلال الحديث عن العهد العثماني في الأحساء کيف تعتني الدولة العثمانية باختيار أنسب الطرق وأفضلها لتسهيل طريق الحاجّ، عبر توصيات خاصة لمتصرّف الأحساء بهذه المهمة.

5ـ جعل المخصصات المالية لتأمين الطريق:

امتلأ طريق الحاج من مختلف اتجاهات بقُطّاع الطرق واللصوص الذين يفرضون ضرائب باهظة وثقيلة على الحاجّ للسماح لهم بالعبور أو القيام بقتلهم وسلب أموالهم، حتى أصبح الحجّ من الأمور التي لا يأمن الحاجّ عودته سالماً إلى أهله ووطنه فکانوا يکتبون وصاياهم ويودّعون أهاليهم وداع من لا يحتمل عودته،  وقد حفل التاريخ الأحسائي بالعديد من المحن والحوادث التي ذهب ضحيتها عدد من الحجّاج.

فکان أحد الحلول الناجعة جعل عطايا سنوية لأمراء  المناطق وزعماء القبائل الواقعة على طريق الحاجّ، مقابل قيامهم بحماية الحجيج أثناء عبورهم في أراضيهم، ومنع قُطّاع الطرق وأبناء القبيلة من اعتراض الحجيج، وقد ذکرنا بعض هذه المبالغ والعطايا والمنح التي خصّصتها الدولة العثمانية لأمراء المناطق في نجد، مقابل تأمين وصول الحجّاج وتسهيل عبورهم في أراضيها مع توفير الخدمات اللازمة لهم.

 

 

 

 

الباب الثاني

معالم طريق الحج الأحسائي

و فيه:

* بيان بعض المصطلحات القديمة

* المسافة بين الأحساء والحجاز

* العوامل المؤثرة في تحديد طريق الحج

* * *

* بيان بعض المصطلحات القديمة:

قبل التطرّق والکتابة عن المسافة التي يقطعها الحاج من الأحساء إلى بيت الله الحرام بمکة المکرمة، يجدر الإشارة إلى توضيح بعض المصطلحات التي کانت معروفة ومتداولة في تلك الأزمنة الغابرة، والتي تتمثّل في وحدات قياس المسافة والزمن، وذلك على النحو التالي:

البريد:

وهو أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال، فإذا کان الميل يساوي (609/1کم)، فيمکن تحديد المسافة بالکيلو ليکون مقدار الفرسخ يساوي (827/4کم)، فإذا قلنا البريد أربعة فراسخ فالنتيجة تکون أنَّ البريد يساوي (308/19کم) تقريباً.

الذِّراع:

وهي من رأس أطول أصبع في اليد إلى نهاية عظم المرفق (من ذراع الآدمي المعتدل الخلقة)، والذراع المعتدل بمقاييس الطول الحديثة يساوي قرابة (48/.متر).

الفرسخ:

الفَرسَخ: جمع فَرَاسِخ، وهو من مقاييس المسافة قديماً. وأصل الکلمة فارسية معربة من کلمة (پرسنگ) أو (پارسنگ)، وتجمع أغلب المراجع اللغويّة على أنّ الفرسخ يعادل ما بين أربعة وستة کيلومترات في النظام الدولي الحالي،[24] وعرّفه البعض فقال: الفَرْسَخ بفتحٍ فسکون لفظٌ معرّب، وجمعه فراسخ، وهو مقياس من مقاييس المسافات مقدره ثلاثة أميال أي إثنا عشر ألف ذراع مما يساوي (544/5کم).

المرحلة:

هي مسيرة يوم کامل للإبل، ويقدّر خبراء الإبل بأنّ أقصى ما تمشيه الإبل في اليوم هي مسافة تقدر ما بين 70 إلى 80 کم، ومقصودهم في النهار، أما الليل ففي العادة تتوقّف القافلة  عن المسير من أجل النوم والراحة، وقد تقصر المسافة نظراً لتعرّج الطريق وانحنائاته ووعورته فتصل المسافة اليومية المقطوعة إلى 40کم، وهناك تعريف آخر للمرحلة وهو کما يلي: المرحلة: بريدان والبريد:  أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال عباسية، فتکون المسافة ثمانية وأربعين ميلاً.[25]

الميل:

وهو من وحدات القياس الطوليّة التي ذکرها الرحّالة الأقدمون في حسابهم للمسافات، وهو بحسب المقاييس الحديثة المعتمدة فإنَّ الميل الواحد يعادل (609/1کم).

منزل:

وهو مصطلح يطلق على المکان الذي تتوقّف فيه القافلة بعد مسيرها الطويل من أجل التزوّد بالمؤن وأخذ قسطٍ من الراحة، ويکون (المنزل) إما مأهولاً بالسکان کالقرى حيث الآبار وتوفّر الماء حول الواحات، وقد تکون فقط مناطق معروفة ومشهورة تقع ضمن طريق الحاجّ، وهي على مسافات مختلفة قد تطول وتقصر.

ولهما مسمّيات معروفة ومتداولة بين الرحّالين، فيقولون مثلاً بين البصرة ومکة المکرمة 28 منزلة، أي محل للنزول والتوقف، أو نقطة عبور يتم المرور عليها، ويختلف عددها و مسمياتها من طريق إلى آخر من ناحية العدد والأماکن، علماً أنّ بعض الطرق تتقاطع في بعض المواقع و تفترق في أخرى.

يوم:

وهو في حقيقته يعود إلى (المرحلة)، حيث يقصدون به مسيرة يوم بالإبل، فيقولون بين الأحساء والعارض ستة أيام، وبين العارض ومکة المکرمة ثمانية عشـر يوماً وهکذا...، وهي عبارة عن مسيرة يوم للإبل في حالته الطبيعية المستوية، مع حساب التوقفات المعتادة، فهو حساب تقريبي وليس على وجه الدقة، وقد يختلف من وقت لآخر تبعاً لبعض الظروف، وحجم القافلة وأعداد مرافقيها.

فعلى سبيل المثال المسافة بين الأحساء إلى البريمي في عمان يرى (لوريمر) أنه يمکن قطع المسافة بين الهفوف والبريمي في عشرة أيام،  أما القوافل فتقطع المسافة في مدة  شهر،[26] ونلحظ مقدار التباين في الوقت بين الأفراد والقافلة.

وتکمن أهمية تحديد الأيام والمراحل في تقدير الوقت الذي تستغرقه الرحلة ليکون الإستعداد بحسبها من حيث التزوّد بالمؤن.

* المسافة بين الأحساء والحجاز:

تعدّدت الأقوال في تحديد المسافة بين الأحساء وبلاد الحجاز تبعاً لإفادات مختلفة من المؤرخين، وذلك بشأن تقدير المسافة الطولية والزمنية التي استغرقوها أثناء رحلاتهم التي قاموا بها بين الأحساء والحرمين الشريفين مکة المکرمة والمدينة المنورة، وهنا سنحاول استعراض عدد من هذه الأقوال لنتعرّف على المسافة وتقديراتها، من خلال عدّة  اعتبارات مختلفة:

أولاً: من خلال الطريق المباشر، المسافة بين الأحساء ومکة المکرمة:

وردت في المصادر القديمة عدّة تقديرات للمسافة بين الأحساء ومکة المکرمة تبعاً لتجربة الرحالة أو صاحب قافلة الحجّ، وهي في حقيقتها تقديرية لاختلاف المسافة تبعاً لعوامل عديدة نأتي عليها فيما بعد، فقد ذکر الجغرافيون والمؤرخون والرحالة المسافة التي يقطعها الحاج من الأحساء إلى مکة المکرمة، ولهم في ذلك أقوال مختلفة.

يقول ناصر خسرو (ت481هـ) في کتابه (سفرنامه):

«بعد إتمام الحج استأجرت جملاً من أعرابي لأذهب إلى الحسا، وقيل إنهم يبلغونها من مکة في ثلاثة عشر يوماً»،[27] وهو کلام غير دقيق، إلّا إذا کان الحديث عن الأفراد ومن يحثّون السُّری ليلاً ونهاراً، ولا يتوقّفون إلّا لساعاتٍ قليلة.

بينما يقدّر المؤرِّخ عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الأنصاري الجزيري (911ـ977هـ) في مطاوي کتابه «درر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مکة المعظمة»، المسافة بقوله: «بين الأحساء ومکة المکرمة ثلاثمئة وثلاث وثلاثون ميلاً، بما يعادل مئة وإحدی عشر فرسخ، في الجهة الغربية منها».[28]

والکلام هنا لا يخلو من مبالغة کسابقه، فالمسافة أطول مما قاله بکثير، وکلامه مبني على السماع لا على التجربة وخوض الطريق.

وممن قام بتحديد المسافات بين الأحساء والديار المقدسة، والمناطق الأخری التي على طريق الحاج الأحسائي وقد استفاد منه من جاء بعده هو حاجي خليفة المعروف بـ «کاتب جلبي»، (1017ـ 1068هـ) حيث يقول:

«فصل بيان نجد (العارض)... بلد واسع يخترقه جبل يسمونه جبل العارض ويسمونه الآن جبل العمارية، إلّا أنهم لا يدخلون في طاعة الأشراف، وبداية هذا الجبل تبعد عن الحجاز ثلاثة مراحل، ويمتد أحدها إلى نجد العارض، وغرب هذا الجبل يقف مثل الجدار من الحجر الأبيض، والوجه الشرقي منه أرض رملية، وتقع حجر اليمامة في وسط وجه الحجر الشرقي، وهي تبعد عن الوجه الحجري من اليمامة مرحلتين، وتقع سرين في وسط العارض ويوجد في هذا الجبل وادٍ يسمونه وادي بني حنيفة وفي هذا الوادي توجد المياه والأشجار والنخيل في غاية من الجمال وقد زينت في أطرافها القری، ويوجد في أعلاها بلدة الدرعية، وفي أسفلها ضبيع، وأهلها بنو تميم وشيخهم آل مريد، والدرعية تقع على طريق حجّاج الأحساء، وواديها في غاية الصعوبة، وبلاد العارض تقع على هذا الوادي، ويوجد بالقرب منها جبل أبو عوف، والعيينة بلدة جميلة وهي تقع في الشمال الغربي من الدرعية وبها عنب فاخر وخوخ وتمر وخوخها ينبت من نفسها، أما ملهم فتبعد ست مراحل من الأحساء ويوجد بها قصب السکر والتمر والعنب والخوخ».[29]

إلی أن يقول:

«أما مراة (مرات)،[30] فهي تبعد عن الدرعية مرحلتين، وبها ماء ونخيل، ووقف مراة يبعد شمال غربها ستة أميال وبها نبع مياه، وتبعد عن الدرعية مرحلتين، ومن شقراء خمس مراحل ولها واديان يقعان بالقرب منها،  وفي شقير، يوجد أثمار، وبلدة الرياض تقرب من الأحساء، وهي تشمل على بلدات وقری من بلداتها منفوحة، وهي تبعد عن الأحساء ست مراحل، وبقرب قصـر الدرعية توجد معکال، في شرق الدرعية وهي تقع في مرحلة واحدة من اليمامة».[31]

وأوضح «کاتب جلبي» منازل وطرق حجاج الأحساء التي تمر بالعارض، فأشار بالقول: «إلی جُودة ومنها إلى ضان إلى الدهناء إلى دحل وإلی جبل عرنة، ومنها إلى ملهم إلى جفر إلى ربض - لعلها الرياض - إلى الدرعية إلى حيسية إلى مراة (مرات) إلى الشعراء».[32]

«أما حاج السلمية والدلم فيخرجون منها إلى وادي بريك ونعام، ثم يتجهون غرباً (غرب العارض).

ويمر على هذا الوادي أيضاً طريق رکب الحساء والقطيف، وفيه يقول الشاعر:

لَعَلَّكَ تُوطِينِي نَعَاماً وَأَهْلَهُ

وَلَوْ بَانَ بِالحُجَّاجِ عَنْهُ طَرِيقُ

وهذا الوادي من أکبر الطرق المعتبرة للقوافل التي تمتار من الحوطة والحريق والخرج مقبلة من العالية وعائدة إليها ومعه طريق حجّاج تلك الجهة وما يصاقبها،[33] شرقاً».[34]

ففي هذا الکلام تتضح بعض معالم الطريق التي تتخلّل طريق الحاجّ من الأحساء إلى الديار المقدسة، لکنّ «کاتب جلبي»، لم يعطِ مسافاتٍ دقيقة أو مترابطه نستطيع من خلالها تحديد معالم الطريق الذي أراد بيانه، بغرض معرفة مجموعة من أهم المحطات والمعالم التي يتوقّف عندها الحاج الأحسائي في طريقه وما تمتاز به من خصب ورعي وجبال.

وهنا نشير إلى أنّ ابن علوان الدمشقي سلك طريق الحاجّ الأحسائي في زيارته للأحساء، وذلك عندما قفل راجعاً من حجّه لبيت الله الحرام وزيارة المسجد النبوي مريداً بذلك زيارة العتبات المقدسة بالعراق وذلك عام 1121هـ، فحينما سئل عن المسافة بين الأحساء ومکة المکرمة ذکر أنه قطعها مع الرکب في ثمانية عشر يوماً، وإنَّ الإياب من مکة إليها يبلغ خسمة وعشرين يوماً.[35]

المسافة بين الأحساء والمدينة المنورة:

توجد عدّة تقديرات للمسافة بين الأحساء والمدينة المنورة، إذ يُقدِّر الجغرافي «الإصطخري» في کتابه «المسالك والممالك» المسافة من البحرين إلى المدينة المنورة بنحو خمس عشرة مرحلة.[36]

أما صاحب «أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك»، فيذکر بأنّ المسافة بين الأحساء والمدينة المنورة 21 يوماً، حيث يقول واصفاً الأحساء:

«وهي ذات نخيل کثيرة ومياه جارية ومنابيعها حارَّةٌ شديدة الحرارة، وهي في البرية،... وليس للأحساء سور، وبين الأحساء واليمامة مسيرة أربعة أيَّام»،[37] ثم يذکر أنّ المسافة المقدّرة بين اليمامة والمدينة المنورة هي خمس عشر مرحلة.[38]

ثانياً: من خلال الطريق غير المباشر:

ويمکن حساب المسافة بطريقة أخرى، وذلك باعتبار تقسيم المسافة إلى نصفين من الأحساء إلى اليمامة، ومن اليمامة إلى مکة المکرمة وهي کما يلي:

المسافة من الأحساء إلى اليمامة:

هناك عدة تقديرات للمسافة نذکرها، وهي:

المسافة بالفراسخ:  

فقد ذکر «ناصر خسرو» المسافة ناظراً لعدد الفراسخ التي تفصل بين البلدين، فيقول: «وَمن الْيمَامَة إلى الحسا أَرْبَعُونَ فرسخاً وَلَا يَتَيَسَّر الذّهاب إليها إِلَّا فِي فصل الشتَاء حِين تتجمّع مياه الْمطَر فيشرب النَّاس مِنْهَا، وَلَا يکون ذَلِك فِي الصَّيف».[39]

ووفق هذا التقدير لو أردنا ترجمة المعنى المقاييس الحديثة فإنّ المسافة بحسب قوله تکون کالتالي:

* الفرسخ ثلاثة أميال = 3× 609/1=827/4کم

* المسافة کاملة: 40 × 827/4=08/193کم

والصحيح أنّ المسافة بحساب الکيلومتر هي 450کم، فحتى لو قلنا باختلاف الطرق بين الماضي والحاضر فمن غير المعقول أن يکون الفارق بهذا الحجم الکبير.

وهذا يعطينا اعتقاداً جازماً بعدم صحة کلام ناصر خسرو، من حيث أنَّ کلامه أبعد ما يکون عن الواقع واعتماده على النقل في تحديد المسافة.

المسافة بالأيام:

أما صاحب (أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك)، فقد حسب المسافة باعتبار آخر وهو عدد الأيام التي يستغرقها الطريق بين البلدين، حيث يقول: «وليس للأحساء سور، وبين الأحساء واليمامة مسيرة أربعة أيَّام، وأهل الأحساء والقطيف يجلبون التمر إلى الخرج وادي اليمامة، ويشترون بکل راحلة من التمر،  راحلة من الحنطة».[40]

وهذا خلاف ما ذکره «الحموي» في معجمه من أنَّ المسافة بين البحرين واليمامة مسيرة عشرة أيام.[41]

وقد اختلفت التقديرات بين أربعة أيام إلى عشرة أيام، فإذا قلنا بأنَّ المسافة اليومية التي يمکن قطعها في حدود 70کم تقريباً فإنَّ المسافة تستغرق ما تعادله بالأيام حسب الآتي:

* 4أيام = 280کم

* 10 أيام = 700کم

وکلا القولين بين المبالغة والتقصير في تقدير المسافة، بينما حدّده البعض بسنة أيام، وهو الأکثر دقة وعليه يکون:

* 6 أيام = 420کم.

المسافة من اليمامة إلى مکة المکرمة:

في حين ذکر بعض البلدانيين أنّ المسافة بين اليمامة ومکة المکرمة خمس عشـرة مرحلة.[42] فإذا قلنا بأنَّ مسير الإبل في اليوم حدود (70) کم، فإنّ المسافة تکون بين اليمامة ومکة حدود (1050) کم، وهي مسافة ليست بعيدة عن الواقع، لو کان الطريق مباشراً وقليل التعرّجات التي نجدها اليوم في سير السيارات الحديثة.

* العوامل المؤثرة في تحديد طريق الحج:

الراصد لخط سير الحجّاج مِن و إلى الأحساء والمتتبّع لحرکتهم و تنقلاتهم يلحظ تباين التقديرات الحسابية للمسافات المقطوعة بين مختلف القرى والمحطّات والمنازل من لدن المؤرخين والرَّحالة، ولعلّ مردّ ذلك عدّة عوامل شاخصة ينبغي أخذها بعين الاعتبار، وأهمّها ما يلي:

1ـ اختلاف الطرق:

کثيرة هي الطرق المسلوکة من الأحساء إلى اليمامة أو من الأحساء إلى مکة المکرمة، وقد تختلف المسافات باختلاف الطريق التي هي متباينة طولاً وقصراً وهذا ما سنلاحظه خلال الصفحات القادمة في تحديد المناطق التي يمرّ عليها الحاجّ الأحسائي، أو الطرق بين الأحساء ومکة المکرمة، والتي ذکرها الجغرافيون في مدوّناتهم وتصانيفهم.

وهذا الاختلاف البيّن في المسافات بين النُّزل القائمة على الطريق أتاحت لقوافل الحجّ فرصة للمراوغة والوصول إلى الديار المقدسة بعيداً عن الطرق المعهودة والتي يترصّدها عادةً قُطّاع الطرق من القبائل القاطنة وسط الصحراء، وتشکل عقبة  کَأْدَاء أمام الوصول بسلام لمکة المکرمة.

2ـ حالة الطقس حين المسير:

فقد ذکر المهتمّون بدراسة الطرق والمسالك أنَّ الحجّاج کانوا يسلکون طريقاً معيّناً إذا کان موسم الحجّ في فصل الصيف، مختلف عنه في فصل الشتاء، وذلك أنه في الصيف تحتاج القافلة إلى البحث عن منابع الماء والمنازل طوال الطريق للتوقّف عندها من أجل التزوّد بالماء، وسقي الإبل من جهة أخرى، وهذا قد يحرفهم عن الجادّة لمسافات طويلة تسهم في تأخر الوصول وطول المسافة.

بخلاف لو کان موسم الحجّ يصادف فصل الشتاء فإنَّ الحاجة للماء تکون أقل والدوابّ أکثر تحمّلاً للعطش، وبالتالي يأخذ الطريق مساراً آخر، يتناسب مع طبيعة الطقس، فيکون انتقاء أقرب الطرق الموصلة إلى مکة.

يقول الشبانات في کتابه عن بلاد الصمّان حول مسير القوافل من البحرين إلى الحجاز:

«تتنقل برّاً بواسطة الجمال إلى أواسط نجد،  ومنها إلى الحجاز کقوافل الحجّاج، وکانت قوافل الإبل المحملة بالبضائع والمؤن والمسافرون تشق طريقها في الصحراء عبر دروب متعددة حسب جهتها، وهذه القوافل تمرّ في طريقها بصحراء الصمّان،  فيعمد سالکوها المرور بموارد الماء الموثوق بها، خصوصاً في فصل الصيف، وفي الشتاء يسلکون دروباً غير مشهورة لا تمرّ بموارد الماء لکونها أقصـر مسافة، ولأنّ الإبل لا تحتاج إلى الماء في الشتاء مثل الصيف».[43]

ومثل هذا الکلام تکمن أهميته أنه لا يختص بالسائرين على طريق الصمّان إلى اليمامة فقط، وإنما يشمل جميع مراحل الرحلة إلى الديار المقدسة سواء في الذهاب أو الإياب، حيث يکون هناك منازل، وصحاري يعبر عبرها الحاج، منها ما هو طويل المسافة، ومنها ما هو أکثر اختصاراً، إلّا أنه أحد العوامل المؤثرة في اختيار الطريق هي مسألة الطقس حارّاً أو بارداً.

ومن جهة أخرى - في مثل هذه الظروف رغم البحث عن الطرق القريبة لقلة الحاجة للماء - فإنه ينبغي مراعاة تجنب السير بين الجبال والأودية قدر المستطاع لما قد يحدث فيها من سيول جارفة نتيجةً لوقوع الأمطار على قمم الجبال، مما يجعل السير والعبور منها من الأمور العسيرة ويکتنفها الکثير من المجازفة والمخاطرة.

3ـ البعد الأمني في الطريق:

عطفاً على ما سبق استطراده من بيان في مطاوي البحث فإنّ طريق الحاج محفوف بالمخاطر ومليء بقُطّاع الطرق وممن يأخذون ضريبة العبور من رجال البادية، مما يرهق الحاجّ ويکلفه الکثير، لذا يراعي أمير الحاج توخّي الحذر أبان سيره بالبعد عن مواطن تجمع قُطّاع الطرق، أو مخيمات البدو ذوي السمعة السيئة في طريق الحجّاج.

وقد سبق أن أشرنا لبعض الحوادث المتعلقة بطريق الحاجّ الأحسائي، وإن کانت المأساة عامة شاملة لجميع الطرق المختلفه، فهناك تقاسم داخلي بين القبائل للصحراء وطرق الحاجّ بحيث تتولى کلّ قبيلة جزءاً منها تتصيد من خلاله القوافل الواصلة بغرض فرض ضريبة وإلزامهم بدفعها طوعاً أو کرهاً مقابل قطع هذا الجزء من الطريق، بحيث إن الحاجّ لو تجاوز عقبة لا يضمن نجاته من الأخرى، وحتى قدرته الماليّة قد تتضعضع جرّاء ما يستنزفه على شکل ضرائب.

لذا قد يصادف في بعض الأعوام إنّ الحجّاج يرجعون من حيث أتوا نتيجة للأزمات والصعوبات التي تکتنف الطريق، فلا يکون حجّ في ذلك العام نظراً لضيق الوقت وفوت الموسم عليهم.

وقد يلجأ قائد القافلة وأمير الحاجّ إلى اللجوء للطريق البحري بأن يرکب البحر من ميناء العقير إلى جدّة ملتفاً على الجزيرة العربية، ومنها إلى مکة نظراً لقصر المسافة وقلة القبائل المتواجدة عليه، بالإضافة إلى حرص الدول الحاکمة على تأمين طريق الحاجّ قدر المستطاع وحماية  سالکيه.

4ـ خبرة الدليل:

لا يمکن لأي رکب أن ينطلق إلّا بوجود دليل ومرشد خبير بمواقع النجوم والمنازل والطرق بتعرجاتها ووعورتها، فإذا کان على دراية کبيرة جنّبهم وعورة الطريق والمسافات الطويلة عبر اختيار أحسن وأفضل الطرق للوصول إلى مکة المکرمة.

لهذا برزت مجموعة ممن لديهم خبرة بطرق الحاجّ سواء من أهل المنطقة أو دليل من أهل البادية، ويشترط فيه معرفته بالمسافات وأماکن الآبار والمنازل التي يتوقف عندها الحاجّ، کما يشترط أن تکون لديه إحاطة تامّة بالطرق البديلة التي يمکن أن يسلکها الحجّاج عند انغلاق طريق الجادّة.

کما أنَّ هناك جانب مهمّ في شخصية الدليل لا يمکن تغافله، وهو خبرته ودرايته وعلاقاته العامّة بالقبائل التي تعيش في طريق الحاجّ، علاوةً على ذلك معرفته بمساحة تمدّدها الجغرافي وحدود نفوذها ليتجنب القبائل ذات الصيت السـيء المشهورة بقطع الطريق واستغلال موسم الحج في النهب والسلب.

5ـ حجم القافلة:

إنَّ حجم القافلة وضخامتها له أثر في سرعة وبطىء سير القافلة، فکلما کبر العدد کلما کان هناك حاجة لکثرة التوقفات ومراعاة الضعيف فيهم، کما أن توقفاتهم للطعام أو لقضاء الحاجة تطول مما يسهم بدرجة في طول المسافة.

6ـ اقتناء البضائع والمؤن:

عادةً ما يأخذ الحجّاج سواء عند الذهاب أو الإياب بضائع ومنتجات وحرفيّات من بلدهم إلى مکة المکرّمة، مما يسهم في تثاقل حرکة النقل والمشـي في القافلة، وهنا لفتة مهمة أشار إليها ابن علوان عندما سأل الحجّاج عن المدّة يستغرقها الطريق بين الأحساء ومکة المکرمة ذهاباً وإياباً، فقال: «وذُکِرَ لنا أنّ المسافة من الحسا إلى مکة أتوها الحاجّ بثمانية عشر يوماً، وإنَّ الإياب من مکة إليها يبلغ خمسة وعشـرين يوماً».[44]

من هذا الاقتباس نلحظ أنَّ الفارق هو (7) أيام زيادة لصالح الإياب، وذلك بسبب الهدايا التي يحملها الحاج معهم لأهليهم وأقاربهم کبرکة من الديار المقدسة، وقد يکون الإنهاك والتعب في العودة ممن يجعلهم أضعف وأکثر حاجة للراحة. کما يمکن للقوافل في طريق العودة أن تتخذ مساراً مختلفاً عن طريق الذهاب تحسباً لوجود من يکمن لهم في الطريق ويترصدهم، لأنّ الحاجّ بعد فراغه من أداء المناسك همّه الأکبر الوصول سالماً بغضّ النظر عن الوقت الذي يستغرقه ذلك، لذا يعمدون لطرق بعيدة لکي تکون أکثر أمناً وسلامة من الطرق المختصرة والمطروقة من الحاجّ.

7ـ العامل التاريخي:

ونقصد به التعاقب التاريخي للحقب الزمنيّة، فقد نلاحظ محطّات ومنازل متآخمة لطريق الحجّ تتغيّر مسمّياتها وحتى مواقعها من فترة إلى أخرى،  وقد يصل الأمر إلى اندثارها وطمس معالمها.

ذکر المؤرّخون والجغرافيون الأوائل أنَّ للحاجّ الأحسائي عدّة طرق مختلفة تبعاً لما سمعوه، أو ما لمسوه من خلال تجاربهم الشخصيّة، وذلك لرحلة الحجّ من الأحساء إلى مکة المکرمة أو العکس.

وهذا قد يتأثر نتيجةً لاندثار المعالم والشواهد العلامات وبروز معالم أخرى في نفس المکان أو ما جاوره، فما کان عامراً ومزدهراً في حينٍ من الوقت وسبباً لاتخاذه طريقاً في زمنٍ من الأزمنة، قد يصبح مهجوراً ومتروکاً في زمن آخر، وتبعاً لهذا يتغير الزمن والمسافة.

* الفصل الأوّل: الطرق المباشرة إلى مکة المکرمة

طرق ومنازل الحاجّ من الأحساء إلى مکة المکرمة:

وردت في المصادر التاريخية مجموعةٌ من الطرق التي سلکها حجّاج الأحساء على مدى العصور الإسلامية، حيث استطعنا رصد مجموعة منها من خلال المصادر التاريخية وما سطّره الرحّالة في مدوّناتهم، وهي کما يلي:

الطريق الأول، الطريق القديم من الأحساء إلى مکة:

سلك الأحسائيون خلال تاريخهم الطويل عدّة طرق إلى الديار المقدسة تبعاً للظروف المختلفة، حيث عاصروا الحقب التاريخية التي أسهمت في تغيّر الطرق والمنازل التي اعتاد الحجّاج التوقف عندها للتزوّد والراحة.

وسنعرض هنا واحداً من الطرق التي تعود إلى القرن الثالث الهجري، والذي يعد من أقدم الطرق التي تمّت الإشارة إليه للحاجّ الأحسائي، وقد رصدناه من خلال ثلاثة جغرافيين لهم باعٌ واسع في معرفة الطرق والمسالك بمختلف البلدان، حيث أشار کلُّ واحدٍ منهم إلى جزئية من الطريق لتکتمل الحلقة من ا لأحساء إلى مکة المکرمة، وهي على ثلاث مراحل:

* المرحلة الأولى، من الأحساء إلى اليمامة:

تعدّ الأحساء البوابة البحرية لمنطقة نجد وما حولها، کما أنّ نجد هي طريق القوافل الخارجة من الأحساء والمتجهة لوسط الجزيرة العربية من أجل التجارة أو إلى الحجّ، وحيث أنّ منطقة الخرج هي أقرب المناطق للأحساء من جهة تهامة، لهذا کانت قوافل أهل نجد من الدواسر إلى حوطة بني تميم يأتون إلى الخرج لمرافقة القوافل الميمّمة شطر الأحساء عبر (الوسيع) أو (أبوجفان)، ويتبعهم أهل شمال نجد وحجر اليمامة لبدء رحلتهم إلى الأحساء، وذلك لأنَّ هذين الموردين لا يوجد بعدهما موارد ماء معتمدة في الطريق إلى الأحساء (مسافة 4 أيام)، کما أنّ رمال صحراء الدهناء تکون مسافة عرضها أقل عبر هذا الطريق المعروف قديماً بـ: (طريق زري)، والوقت الحاضر بـ: (درب مزاليج)، وقد أشار الهمداني إليه في طريق الأحساء اليمامة.

وإليك وصف الطريق الذي ذکره أبو محمد الحسن الهمداني، مع تحقيق الأماکن التي ذکرها الهمداني، وتبيين المصطلحات الموجودة في النص، لما لذلك من أهمية تکمن في معرفة طبيعة رحلة الحجّ وما يکتنفها من صعوبات.

فقد ذکر الهمداني (280 - بعد 336هـ)،[45] في کتابه: «صفة جزيرة العرب»، عند الحديث عن درب حاجّ الأحساء إلى اليمامة:

«وإذا أراد أهل البحرين التوجّه إلى اليمامة صعدوا الطريق، فيکون عن يمينك «خرشيم»،[46] وهي هضاب وصحراء مطّرحه إلى«الحفرين» وإلى«السّلحين»،[47] و«الحفران» هما حفر الرّمّانتين، وهن من مياه «العَرْمَة»،[48] وأمام وجهك وأنت مستقبل مغرب الشمس مطلعك من الجيش. «فالحابسيّة»،[49] ثم «مزلقّة»،[50] مفعّلة، ثم «الموارد»، ثم «الفروق الأدنى»، ثم «الفروق الثاني»،[51] ثم تطلع من الفروق من الخوار؛ «خوار الثّلع»، ثم «الصّليب»، وعن يمينك الصّلب؛ صُلب المِعَى و«البُرقة»؛[52] بُرقة الثور.[53]

ثم «الصّمان»،[54]... ثم ترجع إلى طريق «زُرَي»،[55] قاصداً إلى اليمامة، فمن عن يسارك الدبيب: ماء يسمى بالدبيب،[56] وأنت جائز بالصحصحان،[57] ومن عن يمينك ماء،[58] يقال له الدّحرضي،[59] وفيه يقول عنترة:

شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فَأَصْبَحَتْ

زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عَنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ

ثم تقطع بطن قوّ،[60] ثم السمراء،[61] وهو أرض سهب،[62] ثم تأخذ في الدهناء،[63] وهي هناك مسيرة يوم، وتثني من طريق «زري»، تأخذ على الشجرة،[64] وهي الشجرة ذِي الرُمَّة،[65] التي مات تحتها،[66] وکتب فيها شعره، ثم تخرج من الجبال والشقاق إلى العثاعث،[67] وهي السلاسل وأنت في ذلك تأخذ طريقاً يقال لها الخلّ؛[68] خلّ الرمل فأوّل ماه ترده من العَرْمَة من عن يسارك. قلت هبل، وهي تنکش وتعضب سريعاً،[69] ومن عن يمينك قلات يقال لها النّظيم؛[70] نظيم الجفنة، ومن عن يمين ذلك على ميسـرة الشباك،[71] شباك العَرْمَة والغرابات.[72]

ثم تقطع العرمة فترد وَشِيْعاً؛[73] وهو من مياه العرمة،[74] إلّا أنه مفضـي في ناحية القاع،[75] وفيه يقول الرّاجز:

کأنها إنّ وردت وشيعاً

خيطان نبع کتمت صدوعا

ثم تسير في السّهبَاء،[76] ثم تقطع جبيلاً قريباً يقال له أنقد،[77] ثم الروضة.[78]

ثم ترد الخضرمة؛[79] جوّ الخضارم مدينة وقرى وسوق، فيها بنو الأخيضـر بن يوسف، وهي دار بني عدّي بن حنيفة، ودار بني عامر بن حنيفة، ودار عجل بن لجيم، و ديار هوذة بن على السّحيمي الحنفي، وهي أول اليمامة من قصد البحرين».[80]

وفي هذا الموجز حول طريق الحاجّ أشار إليه عدّة نقاط مهمّة جديرة بالإشارة:

* إنّ المصطلحات المستخدمة قديماً تختلف عنها المستخدمة اليوم، لذا يصعب فهم الکثير من المسميات القديمة نتيجة لتغير اسمها مع مرور الزمن.

* نلحظ الدقة لدى القدماء وأبناء الصحراء في تسمية أجزاء الصحراء وأبعادها يمنة ويسرى، بحيث يسير العارف بها ويعلم بکلّ جزء منها مما يجعله عارفاً بميزات کلّ جزء فيها و يفرقه عن غيره، وهو ما يطلق عليه (منازل)، وله عدد معين معروف بينهم، وهي بمثابة مسافات يعرفون من خلالها کم مضـى من الطريق وکم بقي منه؟

* وجود عدد من الآبار ومنابع المياه طوال الطريق قام البداة والولاة ورجال الخير بحفرها لينتفع بها روّاد هذه الطرق يعرفون مواقعها وله مسميات خاصة بها تميزها عن غيرها،  إضافة إلى مواقع زراعية وأماکن مرعى تساعد على تغذية الإبل والرواحل في طريق الحجّ ومسير القوافل.

* معظم الأراضي التي في طريق الحاج تسيطر عليها مجموعة من القبائل تعدّ هذه الصحاري مسکنها ومعروفة بها منذ مئات السنين بينها و بين القبائل المجاورة تحالفات و معاهدات بعدم التعدي على المساحات التابعة لها.

* بعض المواقع ارتبطت بأحداث تاريخية سواء معارك أو قبور أو غيرها مما يجعلها معروفة بين أرباب البادية، کما يوجد أسواق ومراکز يجتمع فيها أهل البادية، وتاريخها ربما يعود إلى العصر الجاهلي، وقد ذکر بعضها، وهي مما تستفيد منه القوافل في طريقها بحيث تتزود بالمؤمن ولوازم السفر.

* ولعلّ المشکلة في الوصف الجغرافي لبعض المعالم، عدم تطابق معاني بعض المصطلحات المستخدمة في القرن الثالث الهجري مع المصطلحات الحديثة أو المتأخرة، نتيجة لاستخدام أسماء جديدة أصبحت غير مألوفة في القرون المتأخرة؛ لذا نجد اضطراب في شرح بعض المسميات مما أدخلنا في احتمالات قد يکون بعضها خاطئاً.

المرحلة  الثانية: من اليمامة إلى ضريّة:

اُختلف في سبب تسمية (ضرية) إلى أقوال عديدة، منها:

نسبة إلى ضِريّة بنت ربيعة بن نزال بن معد بن عدنان، وربما سميت ضِريّة نسبة لبئرها.

وضِريّة من المناطق القديمة، وهي من أشهر المناطق التي على طريق حجّاج البصرة والبحرين قديماً ففيها ملتقى طرق التجارة والحج.

ونبعت أهميتها لسببين:

* الأول: کونها أصبحت مرکزاً للحمى الذي حماه عمر بن الخطاب لإبل الصدقة وأصبح يعرف باسمها، فيقال: حمى ضِريّة.

* الثاني: کونها من أهمّ محطّات طريق الحاجّ البصري إلى مکة المکرمة.[81]

وضريه من المناطق الغنية بالمياه والخيرات، وهي قرية عظيمة غنّاء يطؤها الطريق، فيها بنو عامر والنجار، وعامتها لآل جعفر بن سليمان.

وتعّد صقعاً واسعاً بنجد ينسب إليه الحمى يليه أمراء المدينة وينزل به حاجّ البصره بين الجديلة وطخفة، بينما ذهب البعض بأنها قريه لبني کلاب على طريق البصرة وهي إلى مکة أقرب.[82]

وهي المرحلة التي أشار إليها ابن رستة بأنه ملتقى حاجّ البصـرة والبحرين، وتکمن أهمية هذه الإشارة - وإن کان أوجز في کلامه - إنّ طريق حاجّ البحرين في المنازل والمراحل بين مکة وضِريّة هي نفس مراحل ومنازل طريق حاجّ البصرة، وهو بهذا أعطانا مفتاحاً مهماً لبقية الطريق لحاجّ البحرين.

فطريق حاجّ البصرة کانت هناك عناية خاصّة به وإشارات کثيرة إليه في جميع مراحله لأنه سار عليه العديد من الخلفاء خلال الدولة الأموية والعباسية وکبار الشخصيات العلمّية والتاريخية، لذا کان إکمال الحلقة سهل بهذه الإشارة الهامة.

يقول ابن رستة (ت نحو 300هـ)،[83] في بيان الطريق من البحرين إلى مکة في (الأعلاق النفيسة): «تخرج إلى اليمامة ومن اليمامة إلى الضريَّة،[84] ومن الضّريَّة إلى مکة، والضّريَّة ملتقى حاجّ البصرة والبحرين، هناك يفترقون إذا انصرفوا من الحجّ، يأخذ حجّاج البصرة ذات الشمال، وحجّاج البحرين ذات اليمين».[85]

ومن خلال هذا التعريف وما ذکره الجغرافيون عن ضرية، وما ذکره ابن رسته بأنها ملتقى الحاجّ، ندرك أهمية هذه البلدة وذلك لعدة أمور:

* وجود عدّة قبائل في محيطها: وهذا يعني وجود سوق مفتوح ومکان للتموّل والتزوّد، وأخذ الحاجيات الضرورية لمواصلة السفر وإکمال الطريق.

* توفّر الماء: فقد ضمّت المنطقة بئر ماء حتى قيل إنه سميت باسمه، وهو من أهمّ مستهدفات المسافرين للتزوّد بالماء وسقي الرواحل.

* وفرة المزارع والغطاء النباتي فيها: تعد «ضرية» من الأراضي الغنيّة بالمياه والأشجار والخيرات، حيث وصفها الرحالة «وهي قرية عظيمة غنّاء يطؤها الطريق».[86]

المرحلة الثالثة: من ضريّة إلى مکة:

بعد الإشارة المهمة التي قالها ابن رستة أصبح باقي الطريق لحاجّ البحرين في القرن الثالث الهجري واضحاً وجليّاً، وأبرز من أشار لطريق حاجّ البصرة من ضرية إلى مکة المکرّمة والذي هو نفسه طريق حاجّ البحرين هو «ابن خرداذبه».

وهذه المرحلة تتکوّن من عشر منازل، بعدها الوصول إلى مکة المکرمة التي هي الغاية والهدف ونهاية الطريق:

يقول ابن خرداذبه،[87] في (المسالك والممالك) عن طريق حاجّ البصرة:

* «ثم إلى ضرية»:

وقد سبق الحديث عنها والتعريف بها.

* «ثم إلى جُديلة»:

وجُديلة: مکان في طريق حاج البصرة، وهي من مياه بني وبر بن الأضبط بن کلاب. وجديلة: منهل من مناهل حاجّ البصرة،[88] وأبرقا حجر: جبلان على طريق حاجّ البصرة بين جديلة وفلجة.[89]

* «ثم إلى فَلْجَة»:

منطقة على طريق الحاجّ يوجد بها بئر ماء وهي لبني العنبر،[90] وتعدّ «فَلْجَة» منزل على طريق مکة من البصرة بعد أبرقي حجر وهو لبني البکاء، وموقعها بالتحديد في طريق البصره بعد الزجيج، عرفت بمائها المالح.[91]

* «ثم إلى الدثينة (الدفينة)»:

الدَثِينة والدفينة منزل لبني سليم، بعد فلجة من البصرة إلى مکة، ثم وجرة ثم نخلة ثم بستان ابن عامر ثم مکة.

کما أنَّ (الدثينة) ماء لبني سيار بن عمرو، کانت تسمى في الجاهلية (الدفينة) فتطيروا منها فسموها (الدثينة).[92]

* «ثم إلى قبا»:

قرية قباء أحد أحياء المدينة المنورة تقع جنوبي المدينة. يجري فيها وادي رانوناء، کانت من قبل قرية مستقلة على طريق القوافل القادمة من مکة ثم امتد العمران إليها فاتصلت ببقية أنحاء المدينة، ويروى أنها سميت قباء ببئر کانت بها يقال لها قبار، فتطير الناس منها فسموها قباء. تتميز قباء بکثرة المياه الجوفية، وقربها، وخصوبة تربتها لذا تکثر فيها مزارع النخيل، والعنب، والبساتين.[93]

* «ثم إلى مران»:

على بعد أربع مراحل من مکة إلى البصرة، بينها وبين مکة ثمانية عشر ميلاً، وفيه قبر تميم ابن مر وقبر عمرو بن عبيد، وهي بين البصرة ومکة لبني هلال من بني عامر، وتعدّ قرية غناء کبيرة کثيرة العيون والآبار والنخيل والمزارع وهي على طريق البصـرة لبني هلال وجزء لبني ماعز وبها حصن ومنبر، ويسکنها أناس کثيرون.[94]

* «ثم إلى وجرة»:

وَجْرَة: منطقة تاريخية، تعرف اليوم بـ: (قصر الخرابة)، بين مکة والبصره، بينها وبين مکة نحو أربعين ميلاً، ليس فيها منزل، فهي مربى للوحوش، ووجرة (البرکة)، والسي (منطقة رکبة): مواضع قرب ذات عرق ببلاد سليم.

وهي على طرق الحاجّ من البصرة إلى مکة بإزاء «الغمر» المعروفة اليوم بـ: (برکة العقيق، البرکة، برکة زبيدة) والتي تعدّ من منازل طريق الحاجّ الکوفي، منها يحرم أکثر الحاجّ وهي سرة نجد ستون ميلاً، لا تخلو من شجر ومرعى ومياه، يکثر فيها الوحوش.

وتعدّ من منازل الطريق لأهل البصره إلى مکة، بينها وبين مکة مرحلتان، ومنه إلى بستان ابن عامر ثم إلى مکة.[95]

* «ثم إلى أوطاس»:

وأوطاس: وتعرف اليوم بـ: (أم خرمان)، واد في ديار هوازن فيه کانت واقعة حنين للنبي9، مع بني هوازن. الغور من ذات عرق إلى أوطاس، وأوطاس على نفس الطريق، ونجد من حد أوطاس إلى القريتين.[96]

کما أنَّ أوطاس اسم يطلق على الصحراء الواقعة شمال شرقي عشيرة، على صفة العقيق (عقيق عشيرة) من الشرق إلى قرب برکه زبيدة، يقع بسيان بطرفها الجنوبي، بها قصور، وأبيات، وحوانيت، وبرکة، وثم مسجد يقال له مسجد عائشة، بناه عبدالصمد بن علي.[97]

* «ثم إلى ذات عرق»:

ذات عرق وتسمي اليوم بـ: (الضَّريبة) مکان بالبادية قرب عقيق الطائف، سُمِّي بذلك لعرقٍ فيه والعرق هو الجبل، ويقولون إنه منتهى جبال تهامة يفصل بين جبال تهامة ونجد، وهو ميقات أهل العراق، وأهل المشرق قاطبة، ويبعد عن مکة بمرحلتيْن ونصف، بما يعادل مسافة 92 کم عن مکة شمالاً، أما عن «أوطاس» فهو على مسافة عشرة أميال.

وهي وادٍ تحدّه من الشرق والغرب سلسلة من الجبال الضخمة والذي تتميز الأحجار المکونة له بأنها ذات لونٍ أسود ممزوج باللون الأحمر، وهذه الجبال متصلة بجبال الحرّة الشهيرة التي تحد وادي العقيق الشهير من جهة الغرب.

وذات عرق من الغور، والغور من ذات عرق إلى أوطاس، وأوطاس على نفس الطريق، ونجد من أوطاس إلى القريتين.[98]

وتعد (الضَّريبة) أحد روافد مرّ الظهران الکبير الدائمة الجريان، يسيل وادي الضريبة من جبلي ارثامة ومسولا، وأعلاه الشرافة، قراره أرض مرتفعة يسيل ماؤها الغربي الضَّريبة والشرقي في سلحة فعقيق عُشير.

ويقع ميقات أهل العراق والقصيم (ذات عرق) في الضَّـريبة حيث يقطعها درب المُنَقَّي، فيها مياه وفيرة، ولها روافد متعددة منها: نجل والرصن، والصُّبَير، والمحفار، ونجار معاء.[99]

* «ثم إلى بستان ابن عامر»:

«بستان ابن عامر» عند مکة، ويقال له: بستان ابن معمر، وهو مجتمع النخلتين اليمانية والشامية. بينما يرى بعضهم العکس، بستان ابن عامر بنخلة، هو عبد الله بن عامر بن کريز بن ربيعة. وغير صحيح: بستان ابن معمر؛ وإنه قول العامة. و ورد أيضاً بستان ابن عامر لعمر بن عبد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو بن کعب بن سعد بن تميم بن مرة بن کعب بن لؤي، ولکن الناس غلطوا فيه،  فقالوا: بستان ابن عامر، وبستان بني عامر، وإنما هو بستان ابن معمر، نسب إلى ابن عامر الحضرمي، وآخرون يقولون: نسب إلى ابن عامر بن کريز.[100]

بينما يذهب البعض إلى کونهما بستانيْن مختلفيْن، فبستان ابن معمر غير بستان ابن عامر وليس أحدهما الآخر، فأما بستان ابن معمر فهو الذي يعرف ببطن نخلة، وابن معمر هو عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، وأما بستان ابن عامر فهو موضع آخر قريب من الجحفة، وابن عامر هذا هو عبد الله بن عامر بن کريز، استعمله عثمان على البصرة، وکان لا يعالج أرضاً إلّا حفر فيها الماء.[101]

* «ثم إلى مکة»: [102] و هي نهاية الرحلة إلى الديار المقدسة، حيث يتم القيام بالمناسك وأداء فريضة الحج.

طريق آخر:

ذکر ابن خرداذبه طريقاً آخر من اليمامة إلى مکة لا يمر على ضرية، حيث قال: «فمن عدل من النّباج، فإلى النّقرة».

الطريق من اليمامة إلى مکّة من اليمامة إلى:

* العِرض (العارض)، أو هامة تدعو الصّدى بين المشقّر واليمامة: العِرْض: هو الجبل الممتد عَرضاً في وسط الجزيرة، ويعرف بهذا الاسم في الوقت الحاضر، وبجبل (طُوَيق) لبطويقه جزءاً من بلاد المنطقة الوسطى في الجزيرة.[103]

* «ثم إلى الحديقة»: قد يکون مراده منطقةً زراعية له اسم خاص، وقد عرّفها بالحديقه، مما فوّت علينا تحديد مکانها.

*«ثم إلى السّيح»: من قرى الزلفي: وتقع مدينة الزلفي في إقليم نجد في أقصى شمال منطقة الرياض على الحدود القصيمية الشرقية، وتبعد عن مدينة الرياض مسافة 260کم تقريباً شمالاً، وهي مدينة عامرة کبيرة ذات أسواق تجارية ونخيل ومزارع و ذات أحياء متباعدة تقريباً.[104]

* «ثم إلى الثّنيّة»: تقع الثنية في جبل العارض الذي تخترقه فجاج واسعة، منها ينفذ إلى الأودية التي في جوفه، ومن أشهر تلك الفجاج (الأحَيْسـي)، وفي أعلى هذا الفج عقبة، و تلك تسمی (ثنية الأحَيْسـي)، ومنها ينفذ إلى (العِرض) وهو وادي حنيفة.[105]

* «ثم إلى سقيراء»: ويعني (شقراء): تقع على بُعد حوالي 185کم شمال غرب الرياض. وهي قاعدة الوشم وکانت شقراء نقطه توقف رئيسة على طريق الرياض/الطائف للحجّاج. وتعدّ أکبر مدن الوشم من حيث التجميع السکاني والوشم معدود من أرض اليمامة.

* «ثم إلى السّدّ»: ولعلّ مراده (روضة سدير): تقع هذه الروضة في إقليم سدير الواقع في الجهة الوسطى من الجزيرة العربية وهي تابعة مدينة الرياض، وتبعد حوالي 160کم.

* «ثم إلى صداة»: لم نتمکن من التعرّف على مقصوده، ربما تغير أسمها مع مرور الزمن.

* «ثم إلى شريفة»: المراد غير معروف و لم أجد من المناطق ما يسمى بهذا الاسم.

* «ثم إلى القريتين»: من طريق البصرة.

* «ثم إلى المنازل التي قد مرّ ذکرها إلى مکّة».[106]

الطريق الثاني، في: «مختصر الجغرافيا الکبير»

وهو طريق کان يسير عليه الحاج الأحسائي خلال القرن الحادي عشر، ولعلّ سار عليه قبل هذا الزمن بعدّة قرون، ذکره أبوبکر الدمشقي،[107] في کتابه: «جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير»، وعدّد فيه منازل الطريق التي يتوقف عندها الحاجّ. نذکرها مع بعض التعريف بها من خلال المصادر التي تتناول جغرافيا المنطقة. علماً أنّ هذا الطريق يؤخذ عليه عدّة ملاحظات، لعلّ من أهمها:

* إنَّ المصنّف لم يعرّف بالمناطق والنُّزل، ولم يذکر بعض معالمها، وإنما اکتفى بذکر أسمائها من خلال ما سمعه ممن سار على الطريق.

* إنَّ المصنّف وقع في أخطاءٍ کثيرة في مسميات المنازل المذکورة، ولعلّ مرجع ذلك عدم معرفته الدقيقة بالمنطقة، واختلاف اللهجات مما يجعل تعبيره عنها بلهجته قد يغيّر المسّمى، کما أنَّ الکتاب کتب في الأساس باللغة الترکية فترجمة المسميات من العربية إلى الترکية قد يودّي إلى تحريف في اللفظة أو تصحيفها بسبب اختلاف النطق کما هو معروف، ثم ترجمتها إلى العربية مرّة أخرى، مما ساهم في حدوث خلطٍ آخر، جعل الأسماء غير دقيقة في الکتاب.

* وکون المصنّف ذکر طريق حاجّ الأحساء هو إشارة إلى أنّ الطريق کان معروفاً ومشهوراً في تلك الحقبة، وکان يسلکه الحجّاج القادمون إلى الحجاز من جهة المشرق، ولهذا أشار إليه ضمن طرق الحاجّ المعروفة في عصره.

طريق الحاجّ الأحسائي:

ويعتبر ما ذکره الدمشقي أبو بکر بن بهرام الدمشقي (ت1102هـ) من أقدم المصادر التي وصلتنا وذکر فيها منازل رحلة الحاجّ الأحسائي وطريق سيره من الأحساء إلى الديار المقدسة، وقد ذکر منازل الحاجّ من الأحساء إلى مکة المکرمة عبر المناطق التالية:

«من الأحساء، إلى جودة، ثم إلى ضان، ثم إلى الدهناء، وهناك دحل مي (رمل الدحى)، ثم منه إلى (جبل أبي عرفة)،  ثم إلى ملهم، ثم إلى الجفر، ثم إلى الربض (العِرض)، ثم إلى الدرعية، ثم إلى الحيسية، ثم إلى مراة، ثم إلى الشعراء، ثم إلى الحنابج، ومنها إلى المرقب، ثم إلى المنخنا (المنحنى)، ثم إلى العبلة، ثم إلى رکبة، ثم إلى ذات عرق، ثم إلى مکة المکرمة».[108]

فقد ذکر سبعة عشر منزلاً في الطريق إلى مکة المکرمة يعبر من خلالها الحاجّ الأحسائي، لتکون محطته بعدها مکة المکرمة.

وهو هنا کما ذکرنا سابقاً قد أوجز وذکر المناطق الرئيسية فقط التي يسلکها الحاجّ دون الإشارة إلى تفاصيل المکان والمسافة بين منزلٍ وآخر، لذا سنحاول التعريف بها:

* «من الأحساء إلى جودة»:

جُودة: ويسميها البعض (حمراء جودة) منطقة غنية بالخيرات، تعدّ من أحسن مراتع البادية وأخصبها، فيها حقول زراعية، معظم عمل أهلها الزراعة والرعي، وأرضها رملية مستوية يسکنها بعض البدو يوجد بالقرب منها (جبل الجودي)، وهي تقع غربي مدينة الهفوف على بعد يصل إلى (112) کم، باتجاه مدينة الرياض.

قال ياقوت الحموي: هي في بلاد بني تميم قال عبدة بن الطيب:

لولا يجودة والحي الذين بها

أمسى المزالف لا تذکو بها نارُ

وقال جرير:

فأنْتَ على يَجُودَةَ مُسْتَذَلّ

وفِي الحيَّ الذينَ علا لهابا

يقول العبيد في «الموسوعة الجغرافية لشرقي البلاد العربية السعودية»: «لا يزال هذا الموضع معروفاً، ويقع في الشمال الغربي من المنطقة وإلى الغرب من عين دار. وفي المصادر القديمة يسمى أحياناً: (يجودة) بالياء».[109]

* «ثم على ضان»: وهنا لعل المقصود (الصّمّان) بحسب المعلق على کتاب الدمشقي،[110] واعتماداً على الکثير من المصادر المشيرة لوقوعها على طريق الحاجّ الأحسائي.

قال الزبيدي في تاج العروس: «الصَّمَّانُ: کلّ أرض صلبة غليظة ذات حجارة إلى جنب رمل، کالصَّمَّانَةِ، سميت لصلابته وشدتها».[111]

فمن أراد مکة عن طريق المنکدر توجّه نحو القبلة وأخذ الصّمّان، والصّمّان على ضفة فلج إلى الرمل، والدّوّ من ناية، وسکنها بنو سعد وأخلاط تميم، يتراعون جميعاً، وإذا أجدبت قيس صارت إليه، وهو «طريق اليمامة».[112]

وکانت الصّمّان في قديم الدهر لبني حنظلة والحزن لبني يربوع، والصّمّان متآخم للدهناء».[113]

تخرج من البصرة، فتسير إلى کاظمة ثلاثاً، وهي طريق المنکدر، لمن أراد مکّة من المنکدر. ثم تسير إلى الدّوّ ثلاثاً، ثم تسير إلى الصّمّان ثلاثاً، ثم إلى الدّهناء ثلاثاً، والصّمّان: «جبل أحمر ينقاد ثلاث ليال، ليس له ارتفاع، وإنّما سمّي الصّمّان لصلابته».[114]

کما تعدّ هضبة مرتفعة شرقي الدهناء تمتدّ شمالاً حتى تتصل بالدبدبة والقرعة (القرعاء)، وتشتهر بدحولها التي تعتبر مخازن للمياه، وهي في الشمال أعرض منها في الوسط والجنوب، ويختلف عرضها من 50ـ90 ميلاً، ومتوسط ارتفاعها 1250 قدماً، وطبيعة أرضها مختلفة فهي من الحجر الرملي، وفيها أحجار کلسية، وفيها سهول تنحدر إلى الشرق.

ومياه الصّمّان التي تشمل اللهابة واللصافة ووبرة، تسمى قديماً: وادي الشواجن.[115]

قال ابن المقرب العيوني:

فَما حَلَّ عَقدَ السَيفِ حتى أَناخَها

ضُحیً بِعِذارِ الخَطِّ حَدباءَ ناحِلا

أَلَم يَأتِ مِن أَرض(الشَواجِنِ)يَختَطي

حَـــرابِيَّ أَجـوَازِ الفَلا وَالخـمائِلا

وقد ارتبطت صحراء الصّمّان منذ القدم إقليميًّا بمنطقة الأحساء، وهي تخضع دائماً لحاکم منطقة الأحساء وذلك لقرب المنطقتين من بعضهما، وحاجة قبائل وحاکم الأحساء إلى مناطق خصبة لرعي الخيل والإبل والمواشي، وهذا ما تمتاز به صحراء الصّمّان، وقد قيل لابنة الخسّ: أي البلاد أمرأ؟ فقال: «خياشيم الحزن وأجواء الصّمّان».[116]

* «ثم إلى الدهناء، وهناك دحل مي»:

ويعني ثم إلى صحراء الدهناء: وحدوده الدهناء عبارة عن صحراء رملية متخذة شکل القوس الذي يمتد نحو1200کم من جنوب شرق النفوذ إلى شمال الربع الخالي، ويطلق مسمى الرميلة على نهايتها الجنوبية، وهو إسم محلي يعني قرب اندماج رمال الدهناء برمال الربع الخالي، وعرض الدهناء يختلف من مکان لأخر فمتوسط عرضها شمال وادي الباطن هو20م، وأمام وادي الباطن ترتبط الدهناء مع نفوذ المظهور ونفوذ الثويرات عبر عروق السياريات، والسبب في تراکم الرمال في هذه المنطقة أنها تقع إلى الشرق من مجرى وادي الرمة القديم، وإلى الشـرق من خط طول 45شرقاً تنقسم الدهناء إلى قسمين، وتسمى المنطقة الفاصلة بالجندلية التي تعتبر أرض فياض وآبار.

وهي سبعة أجبل من الرمل في عرضها،  بين کلّ جبلين شقيقة، وطولها من حزن ينسوعة إلى رمل يبرين، وهي من أکثر بلاد الله کلاً مع قلة أغذاء ومياه، وإذا أخصبت الدهناء ربّعت العرب جمعاً لسعتها وکثرة شجرها، وهي عذاة مکرمة نزهة، من سکنها لا يعرف الحمّى لطيب تربتها وهوائها، وهو منزل بطريق مکة من البصرة، صبحت به أقماع الدهناء من جانبه الأيسر واتصلت أقماعها بعجمتها وتفرّعت جبالها من عجمتها، وقد جعلوا رمل الدهناء بمنزلة بعير وجعلوا أقماعها التي شخصت من عجمتها نحو الينسوعة ثفناً کثفن البعير، وهي خمسة أجبل على عدد الثفنات: فالجبل الأعلى منها الأدنى إلى حفر بني سعد، واسمه خشاخش لکثرة ما يسمع من خشخشة أموالهم فيه، والجبل الثاني يسمى حماطان، والثالث جبل الرمث، والرابع معبر، والخامس جبل حزوى.[117]

وعرّفها البکري الأندلسي قائلاً: «الدهناء: رمال في طريق اليمامة إلى مکة، لا يعرف طولها، وأمَّا عرضها فثلاث ليال، وهي على أربعة أميال من هجر، ويقال في المثل: أوسع من الدهناء. وقد ذکرت الدهناء في رسم عالج، وفي رسم کاظمة، وعلم الدهناء».[118]

حيث يوجد بها (دَحَل مي)، ولعلّ في الأمر تصحيف من (رمل الدّحِي)،[119] موضع يقع بالقرب من (الوشم)، الدبيل سابقاً.[120]

والدَحَل: تعني حفرة تکون في الأرض ضيقة الأعلى، واسعة الأسفل، تتجمّع فيها مياه الأمطار، وماؤها عذب.

قال صاحب معجم اليمامة: «الدّحِي: بفتح الدال المشددة، وکسـر الحاء فياء (نفود الدحى) أو رمل الدحى، هو هذا الرمل المنقاد من فوهة (بِرك) غرباً إلى ما يقرب من وادي (العَقيق) (عقيق تَمْرة) أسفل (وادي الدواسر) وکان يسمك قديماً «الدُّبَيل».[121]

* «ثم منه إلى جبل أبي عرفة»: وقد ذُکر هذا الجبل في موضع آخر من کتاب الدمشقي فقال عنه:

«الدرعيّة وتقع على طريق الحاج الأحسائي وواديها متداخل ومتعرج جداً، وبلاد (العارض) تقع عليه وبالقرب منه جبل أبي عرفة».[122]

ومنه ندرك أنّ جبل أبي عرفة يقع بالقرب من الدرعيّة، إلّا أنَّ المصادر والمعاجم الجغرافية المختصّة بالدرعيّة والعارض لا تذکر هذا الجبل، لذا لا يبعد أنه اسم آخر لأحد الجبال المعروفة في الدرعيّة وبلاد العارض.

ولعلّه يقصد أحد الجبال التالية القريبة من الرياض وما هو إلّا اسم آخر لأحدهم وهي:

جبل طويق، جبل جبلة، جبل قطن، الجبل الأصفر، جبل ثهلان، جبل اذقان، جبل ذريع، جبل کميت، جبل شمالات، جبل التوباد، جبل زعابة، جبل النير، جبل البيضتين، وهي سلسلة جبال تحيط بالدرعيّة.

ويقصد بالعارض حالياً الرياض، والدرعيّة، وضرما، والعيينة، والجبيلة، وسدوس، والعمارية، ومنفوحة، والمصانع، وعرقة، والحائر.

تأتي أهميتها بالنسبة للحاجّ الأحسائي العابر عليها في طريقة إلى بيت الله الحرام، فهي غنية بالفواکه والخضار مما يجعلها مقصداً للحجّاج، کما يشير إلى وفرة النخيل فيها، مما يجعلها مستراحاً جميلاً ومقصداً للحاجّ يلقي فيها عناء ومشقة الطريق، قبل أن يعاود مسيرته من جديد.

* «ثم إلى مَلْهَم»:

(مَلْهَم) بفتح الميم وسکون اللام وفتح الهاء، تقع شمال مدينة الرياض بمسافة تقدر بحوالي (55کم)، وهي من المناطق التاريخية العريقة التي تقع على طريق الحاجّ، وهي شهيرة بمزارعها وخيراتها، ويعبر عنها الدمشقي بقوله: «... وملهم تبعد من الأحساء بست مراحل، وهذه القرية متنزّهٌ جميل جداً، ينبت فيها قصب السکر والتمر والعنب والخوخ».[123]

فإذا کانت (المرحلة) مسيرة يوم على الإبل، فهذا يعني يستغرق طريق (الأحساء ملهم) ما مقداره ستة أيام سيراً على ظهور الإبل.

وقد جاء في لسان العرب: «مَلْهَم قَرْية بِالْيَمَامَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيِّ: هِيَ لبَني يَشْکُرَ وأَخلاطٍ مِنْ بَکْرِ وَائِلٍ».[124]

جاء في کتاب معجم البلدان: قال أبو منصور: ملهم وقران قريتان من قرى اليمامة معروفتان، وقال السکوني: هما لبني نمير على ليلة من مرة، وقال غيره: ملهم قرية باليمامة لبني يشکر وأخلاط،[125] وقال بن عبدالحق: «... ملهم بالفتح، ثم السکون، وفتح الهاء. قيل: ملهم وقرّان: قريتان من قرى اليمامة معروفتان. قيل: هي لبني نمير، وقيل: ملهم لبني يشکر وأخلاط من بکر، وبها يوم للعرب».[126] وأرجع الدکتور جواد علي اسم (ملهم) إلى يوم (ملهم) وهي حرب نسبت لهذا المکان بين تميم وحنيفة.[127]

* «ثم إلى الجفر»:

يحتمل المحقق لکتاب الدمشقي أنّ مراده (جفر البعر)،[128] وجفر البعر: ماء يأخذ عليه طريق الحاجّ، من حَجْر اليمامة، بقرب راهص، وهي منطقة آبار جاهلية قديمة، تقع جنوباً من ماء (الأروسة)، وهي غنية بالمياه، وهي من مياه أبي بکر بن کلاب بين الحمى وبين مهب الجنوب على مسيرة يوم،[129] وقد ذهب لذلك أيضاً صاحب (مرصد الاطلاع).[130]

ومما يؤکّد کلام الدمشقي من أنَّ منطقة (جفر البعر) تقع على طريق الحاجّ الأحسائي، وتُعدّ معبراً ومستراحاً للحجّاج حيث يستقون منها الماء ويروون إبلهم، ما ذکره الأصفهاني قائلاً: «ثم الجفر؛ جفر البعر، يأخذ عليه طريق الحاجّ من طريق ضجر».[131]

ويحتمل أنّ المراد بـ: (جفر البعر) المکان المعروف اليوم بـ: (دمنان)، فقد ورد في المعجم الجغرافي لعالية نجد: «ويبدو لي أنّ هذا الماء هو الذي ذکره أصحاب المعاجم الجغرافية باسم (جفر البعر)، لأن کلمة دمنان بمعني ذو الدَّمن، والدمن هو البعر».

وقد استند بقوله هذا على قول ياقوت الحموي في تحديد المکان بقوله:

«جفر البعر، عن الأصمعي جفر البعر ماء يأخذ عليه طريق الحاجّ من حجر اليمامة، يقرب راهص. وعن أبي زياد الکلابي جفر البعر من مياه أبي بکر بن کلاب بين الحمى و بين مهب الجنوب على مسيرة يوم، وقال غيره: جفر البعر بين مکة واليمامة على الجادة، وهو ماءٌ لبني ربيعة بن عبد الله بن کلابئج.[132]

* «ثم إلى الربض»:

يميل محقق الکتاب إلى وجود اشتباه لدى المؤلف فيقول: «لعلّه بطن العِرْض»، في الطريق من حَجْر إلى مکة، وذکر في کتاب: بلاد العرب للحسن بن عبد الله الأصفهاني:362 «فإذا نصلت من العِرْض وصلت موضع يقال له الراحة... ثم تصير إلى ثنية الأحيسي».[133]

والعارض: هو الجبل المُمتد عَرضاً في وسط الجزيرة، ويعرف بهذا الاسم في الوقت الحاضر، وبجبل (طُوَيق) لتطويقه جزءاً من بلاد المنطقة الوسطي في الجزيرة.[134]

وطرف العارض في بلاد بني تميم في موضع يسمى القرنين فثمّ انقطع طرف العارض الذي من قبل مهبّ الشمال ثم يعود العارض حتى ينقطع في رمل الجزء، وبين طرفي العارض مسيرة شهر طولاً ثم انقطع.[135]

والعارض کما يقول الدمشقي في طيات کتابه:

«نجد العارض: هي مناطق واسعة، يقطعها جبل، يسمونه (جبل العارض)، والآن يسمى: (جبل العمارية)، له مدخلان: أحدهما من (العيينة)، والآخر من(الدرعيّة)، ويقولون: إنّ هناك ثلاثة آلاف قرية، وأهلها لا يخضعون لشـريف، وبداية هذا الجبل تمتد من مسافة ثلاثة مراحل من (الحجاز)، ويمتد إلى الجهات الشمالية حتى (نجد العارض)».[136]

ثم يقول: «في وسط (العارض)، وعند هذا الجبل وادٍ يسمونه: (وادي بني حنيفة)، وفيه المياه وافرة وکثير الأشجار والنخيل، وهو متنزهات مبهجة، وعلى أطراف الوادي تصطف القرى، وفي أعلاه قصبة الدرعيّة».[137]

* «ثم إلى الدِرْعِيّة»:

الدِرْعِيّة: مدينة تقع على ضفتي وادي (العِرْض) الذي يخترق سلسلة جبال (العارض في منطقة يطلق عليها الجغرافيون المتقدمون (العروض).[138]

وبلدة الدرعيّة منسوبةٌ إلى الدروع، والدورع قبيلة استوطنت وادي حنيفة وحکمت حجر والجزعة، ودعا أحد حکامها (ابن درع) ابن عمه مانع المريدي للقدوم من عروض نجد إلى مرابع وادي حنيفة، وسکن القادمون ما بين غصيبة والمليبيد، وبتاريخ قدومهم يؤرّخ لتأسيس الدرعيّة عام 850هـ.[139]

وتقع الدرعية على بعد حوالي (300 کم) عن الأحساء، ويحدها شمالاً محافظة حريملاء بمسافة (75کم)، وجنوباً محافظة ضرما بمسافة (70 کم)، وتتوزّع مساکنها على ضفاف وادي حنيفة، وروافده ما بين غصيبة في الشمال والمليبيد في الجنوب، ويلفّها سورها القديم بتحصيناته وأبراجه الطينية.

يبيّن أبو بکر بن بهرام الدمشقي أهمية الدرعيّة و موقعيتها من طريق الحاجّ الأحسائي بقوله: «... والدرعيّة تقع على طريق حجّاج الأحساء،  وواديها متداخل ومتعرج جدّاً وبلاد العارض تقع عليه، وبالقرب منه جبل أبي عرفة».[140]

* «ثم إلى الحيسية»:

الحيسية: عبارة عن شعيب وعر نسبياً يبعد عن الرياض (50 کم)، أقرب منطقة إليه (العيينة)، وفيه أشجار طلح کثيرة والمکان قريب من الرياض وجميل وقت الأمطار.

وتحديد موقع هذا الشعيب کما يذهب العيسى في قوله: «إنَّ جبل العارض يخترقه فجاج واسعة، منها ينفذ إلى الأودية التي في جوفه، ومن أشهر تلك الفجاج (الأحَيْسَى) بفتح الهمزة والحاء وسکون والياء، والسين المفتوحة بعدها ألف مقصورة بصورة (ى)، وفي أعلى هذا الفج عقبة، وتلك تسمى: (ثنية الأحَيْسَى)، ومنها ينفذ إلى (العِرْض) وادي حنيفة».[141]

والأحيسى يعرف اليوم بـ: (الحَيْسِيّة) وهو ما فوق (العيينة) من وادي حنيفة، من أعلاه، مُهدت وأصبحت تمر منها السيارات، فما سال من هذه الثنية مشرقاً يصبُّ في وادي حنيفة، وما سال منها مغرباً تمده روافد أخرى، ويتکون منه وادٍ يذهب مغرباً حتى يخترق خط الحجاز مما يلي منطقة (سَمْحَان) أعلى (ضَرَمَى) وتتکون منه ومن الأودية الأخرى التي تصب فيه سيولُ رياض ضرمى.[142]

* «ثم إلى مَراة»:

تکتب قديماً (مراة)، أما في المصادر الحديثة (مرات): وهي تقع في الجهة الشمالية الغربية لمدينة الرياض، في الجهة الجنوبية لمنطقة الوشم في إقليم اليمامة وعلى ارتفاع 600 متر على سطح البحر، وتبعد عن مدينة الرياض (134کم) تقريباً من (طريق القدية) وعلى بُعد (167کم) تقريباً من (طريق ديراب)، کما تبعد عن مدينة شقراء بمسافة تقدر بنحو من 35 کيلاً، وهي على طريق الحجاز القديم.

ذکرها الدمشقي ووصفها بقوله: «تبعد عن (الدرعيّة) بمرحلتين، بها مياه ونخيل».[143]

واعتبرها ابن خميس في قوله عن «مراة»: بلدة أثرية اشتهرت بأنها بلدة امرئ القيس، وهي بلا شك بلدة أمرئ القيس ولکن ليس ابن حجر الکندي الشاعر الجاهلي المعروف، بل أمرئ القيس التميمي، وهي قرية عرف أهلها بالطيب والکرم.[144]

وممن کان يسکنها هشام المرئى، فوقع خلاف بينه وبين ذوالمرة فهجاه:

فَلَمّا دَخَلْنا جَوْفَ مَرْءَةَ غُلِّقَتْ

دَسـاکِرُ لم تُرفَـعْ لخَـيْرٍ ظِـلالُها

وَقَدسُمِّيَت بِاسمِ امرِئِ القَيسِ​قَريَةٌ

کِـرامٌ صَـواديها لِـئامٌ رِجالُهـا.[145]

وتنطق کما يرى الأزهري، مرأة: بالفتح، بلفظ المرأة من النساء: قرية بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم باليمامة سميت بشطر اسم امرئ القيس، بينها وبين ذات غسل مرحلة على طريق النباج.[146] وهي تقع بالقرب من (جبل کميت) وهو علامة بلدة (مراة)، يقول عنه المثل الشعبي: (اضمن لي کميتاً أضمن لك مراة)، وهي تقع في الناحية الجنوبية من جبل کميت.[147]

* «ثم إلى الشَّعْرَاء»:

الشَّعْرَاء: بلدة تقع في جانب جبل (ثهلان) من الشرق، غرب مدينة الدوادمي، على بُعد 35 کم، وهي معروفة بهذا الاسم قديماً وحديثاً.[148]

وکانت بلاد الشعراء وما حولها مرتعاً طيباً للبوادي، وفير المراعي کثير المياه، فأصبحت بحکم هذا الموقع وتأثيره سوقاً تجارياً للبادية، وتوسّعت تجارتها، وکذلك فإنها تقع في طريق القوافل بين بلاد (العارض) و(الوشم) و(سدير)، وبلاد الحجاز وعليها يمر طريق حاجّ هذه البلاد.[149]

* «ثم إلى الحنابج»:

الحنابج:  تقع على طريق عفيف البجادية، ويبعد مفرقها عن عفيف (30 أو 35 کم تقريباً)، ومن المفرق إلى نفس الديرة (20 إلى 25کم تقريباً).

يقول المؤرّخ حمد الجاسر: «وهي ماءٌ قديم، أحساء کثيرة في واد داخل جبل النّير، والنّير کما يقول الهجري جبال کثيرة سود قنان وقران وغيرهما، بعضها إلى بعض و سعتها قريب من مسيرة يوم للراکب. ومن النّير تخرج سيول (التسـرير) وسيول (نَضَاد) و(ذي غُثَث) في وادٍ يقال له ذو بحار.[150] ومن أسماء عيون النّير ومياهه: الحبنج، والحنبج، والحنيبج، ثلاثة منابع للماء يقال لها الحنابج،[151] وکما يقول الهمداني: فإنّ من مياه النّير الحنابج».[152]

* «ومنها إلى المرقب»:

المرقب: وهي قرية باليمامة، أو (الرقيبة) المذکورة في نزهة المشتاق، أو هي (المرقبة) اسم جبل لهذيل.[153]

*«ثم إلى المنحنى»:

هو اسم يطلق على وادي أشيقر أحد الأودية التي تسيل شمالي منطقة شقراء، وقد ذکرها ناهض ابن ثومة في شعره فقال: [154]

فما العهد من أسماء إلّا محلة

کما خطّ في ظهرِ الأديم الرواقشُ

(برمحين) أو (بالمنحنى) دبَّ فوقها

سفاالريح أوجزعٌ من السيل خادشُ

* «ثم إلى العبلة»:

يميل المحقّق والمعلّق على کتاب الدمشقي إلى أنّ مراده هو منطقة (العبلاء)،[155] المنطقة المعروفة منذ العصر الجاهلي بالطائف.

والعبلاء: اسم علم لصخرة بيضاء إلى جانب عکاظ،[156] وهي قرية من قرى الطائف.

يقول أبو بکر بن بهرام في کتابه «جزيرة العرب في کتاب مختصـر الجغرافيا الکبير»: وکذلك قرية تسمى (العبلاء) وفيها الطائف تسکن قبائل بني صخر، وبني سعد، وقبائل هذيل، وکانت قبيلة ثقيف تسکن هذه البلدة».[157]

أما العُبَيلاء: فهي قرية ومزرعة لعدوان في أسفل وادي ليَّة، يشرف عليها من الشرق جبل مروان، مرورة بيضاء، وقريب منها شمالاً شرقياً (العبل) وهو ما کان يعرف بالعبلاء.

وکانت العُبَيلاء مقرّ عثمان المضايفي وزير الشريف غالب أمير مکة وصهره، اتخذها للدعوة ضد غالب، وحشد الجيوش لقتاله موالياً بذلك عدوّه ابن سعود.[158]

فالخلاصة أنَّ العُبَيلاء منطقة أو قرية على مقربةٍ من الطائف، تمتاز بکثرة المزارع والنخيل، ما جعلها مقصداً للأعيان والسائرين على درب الحاجّ، لأجل الاستراحة فيها والتزوّد منها، ولهذا فقد کان حاجّ الأحساء يأخذ مؤونته منها وهو في طريق رحلته إلى الديار المقدسة.

* «ثم إلى رکبة»:

وهي بلد متصلة بعکاظ، وبها عين تسمى عين (خليص)،[159] وهي قريبة من (العبلاء) بالطائف، ويبدو أنها کانت ذات مکانة اقتصادية جيدة، حيث کان يجبى منها الخراج إلى والي اليمامة،[160] في العصور المتقدمة. ورکبة: من المناطق السهلية التي تعدّ من معابر الحاجّ، وهم على مشارف منطقة الحجاز حيث الديار المقدسة، قال کثير: [161]

أناديكما حجَّ الحجيجُ وکبّرتْ

بفيفا غزال رفقةٌ وأهلّتِ

وما کبرت من فوق (رکبة) رفقةٌ

ومن ذي غزال أشعرت واستهلّتِ

وعرّفها عاتق البلادي في معجمه قائلاً: «رُکْبة: بضمّ أولَه وسکون ثانيه وباء موحدة، بلفظ الرکبة التي في الرجل من البعير وغيره، وقال ابن بکير: هي بين مکة  والطائف، وقال القعنبي: هو وادٍ من أودية الطائف، واعتبرها البعض جبل بالحجاز، ويراها الزمخشري مفازة على بعد يومين من مکة يسکنها اليوم عدوان.

سکنها بني ضمرة، وکانوا يجلسون إليها في الصيف ويغورون إلى تهامة في الشتاء، بذات نکف، بينما يراها البعض بأنها على طريق الناس بين مکة والطائف.[162]

* «ثم إلى ذات عرق»:

ذات عرق ميقات أهل العراق ومن جاء عن طريقهم، ويبعد عن مکة مسافة 92 کم شمالاً، وهو من مواقيت الحج.

وهي مکان بالبادية قرب عقيق الطائف، سمي بذلك لعرق فيه، والعرق هو الجبل، ويقولون إنه منتهى جبال تهامة يفصل بين جبال تهامة ونجد، وهو ميقات أهل العراق ومن وراءهم من أهل المشرق کأهل خراسان وغيرهم. وهي مندثرة اليوم، ويحرم الحجّاج الذين يأتون في السابق على الإبل من «الضريبة» التي يقال لها اليوم «الخريبات».

وهي منطقة تقع في نهاية نجد باتجاه الحجاز، قال ابن الأعرابي: «نجد ما بين العُذيب إلى ذات عِرق»،[163] وبداية تهامة من ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مکة.[164]

وقد ذکرها الدمشقي في کتابه فقال: «ذات عرق؛ قرية بها عدّة آبار، وماؤها قريب، تبعد عن (الشعراء) بأربعة منازل،  وعن (مکة) بمنزلين، وأرضها رملية، سهلة، إذا حُفر فيها يخرج منها الماء».[165]

ويعتبرها أبو بکر بن بهرام الدمشقي أنها آخر محطة يقف عندها الحاجّ الأحسائي قبل الدخول إلى مکة المکرمة، فـ: «هي ميقات حجاج نجد»،[166] ومن سلك طريقهم إلى البلد الحرام.

وقد جعلها رسول الله9 ميقات أهل المشرق، فمن جابر الأنصاري عن رسول  الله9 أنه قال: «وُقِّتَ لأهل المشـرق ذات عرق»،[167] وفي حديث آخر بلفظٍ مغاير عن جابر أنّ النبي9 قال: «وُقِّتَ لأهل العراق ذات عرق»،[168] کما يروى الحديث ذاته عن ابن عباس عن رسول الله9.

ومنها يدخل الحاجّ إلى مکة المکرمة مُحرماً وقد بلغ مراده ليبدأ بعدها بأداء مناسك الحجّ.

ونلاحظ على ما ذکره الدمشقي الخطأ في ذکر الأسماء، إضافةً إلى إطلاق مسميات لم تکن مألوفة تاريخياً على تلك الأماکن.

وقد حاولنا خلال ما تمَّ بسطه وعرضه آنفاً من معالم جغرافية لطريق الحاجّ الأحسائي أ ن نعرّفه غالباً من وجهة نظر الدمشقي، والذي يظهر أنه ممن سار على الطريق ووصفه وفقاً لمشاهداته العينيّة، وذلك في القرن الحادي عشر الهجري، وهذا يعطي صورة مختلفة عما کتبه الجغرافيان قبله کياقوت الحموي والهمداني لتقدّمهم عليه بقرونٍ عديدة، مما يحتمل على إثر ذلك تغيّر المعالم ومشخّصاتها نتيجة الفارق الزمني الکبير.

هذا ناهيك عن النظرة الشخصية للمؤرّخ الدمشقي، والتي تعدّ عنصـراً مهمّا للتعرف على بعض المعالم من خلال تجربته الخاصّة في السفر والترحال بعيداً عن النقل والأقوال المتضاربة کما لاحظنا في التعريفات المختلفة...

 

وللبحث صلة تأتي في العدد القادم إن شاء الله تعالى

 

 

 

مکة في رحلة الشعر و الشعراء

حسن محمد

ملخّص البحث:

هذه الرحلة مع مكّة المكرمة في الشعر والشعراء، تُعدُّ رحلةً واسعةً طويلةً، تطلّعت فيها قلوبُ الشعراء، قديماً وحديثاً، إلى بقعة هيأ كرم البقاع و أجلّها، و هامت فيها و حولها أرواحهم و عواطفهم، فنطقت قرائحهم الشعرية حبًّا لها وإجلالاً، و شوقاً و حنيناً، و فخراً و مدحاً و وصفاً لها و لمعالمها، و قد تجسّد منهم هذا عبر القرون و الأجيال؛ ممن وفِّق لحجّها و ممن ينتظره و يأمله، فلعلّ كثيراً منهم رحلت آمالهم إليها بقلوبهم قبل أجسادهم ... و مقالتنا هذه اكتفت بنماذج من ذلك.

* * *

الکلمات المفتاحية:

مكّة المكرمة، الإمام زين العابدين علي بن الحسين8، أبـوطـالـب7، بلال بن رباح الحبشـي رضوان الله عليه، السيد الشـريف الرضي=، مضاض بن عمرو، عمرو بن الحارث بن مضاض، مشهد الحجيج، مزاحم العقيلي، أبو العلاء المعري، شهاب الدين السهروردي، علي بن أفلح، عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني، أبوالقاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري، أبو اليمن ابن عساكر الدمشقي، أحمد شوقي، محمد إقبال اللاهوري.

* * *

لقد حظيت مكة المكرمة، أمّ القرى بمنزلة كبيرة جدًّا في القلوب الصالحة والأرواح الطيبة، وفي دراسات المؤرخين وبحوث العلماء والفقهاء، وألهمت الكتّاب والأدباء والشعراء أسمى المعاني الروحية التي غدت تحفر في وجدانياتهم ومشاعرهم ومواهبهم مادةً رائعةً وخصبةً لخيالهم وقرائحهم، وتهزُّ أوتار مشاعرهم وأحاسيسهم، فراحوا بألوان من جمال المفردات ومعانيها، يتغنّون بكلّ هذه المعالم وقدسيتها، عبر بعض المواضيع والأغراض الشعرية، فأفاضت أشعارهم حبًّا وإجلالاً، ووصفاً ومدحاً وفخراً، وشوقاً وحنيناً إليها... وهو ما نجده فيما كتبوه ودوّنوه عن تسابق الشعراء في ذلك، سواء أكانوا من أهل مكة وما حولها، أم من بلدان نائية عن مكة، أو بعيدةً شيئاً ما عنها أو قريبة منها.

وصحيح أنَّ منزل الإنسان ومكانه وبيئته يمثل كلٌّ منها وجوده، ويحكي انتماءه وهويته، أو يؤثر في بناء عواطفه ومشاعره، لكنَّ كثيراً من الشعراء تربطهم بمكة علاقة أُخرى غير البيئة، وهي علاقة العقيدة و رباط الدين، وهي علاقة أوسع، ولعلّها أكثر تأثيراً، وهو ما نجده حاضراً في قصائدهم عن مكة كالشاعر والمفكّر محمد إقبال اللاهوري، فكان لأشعارهم لون خاص وثمر طيب وحكاية أخرى، وليس هذا بغريب، فأُمُّ القرى، والبيت العتيق، والكعبة المباركة، والمسجد الحرام بمعالمه من الحجرالأسود والمقام والحطيم وحجر إسماعيل، وزمزم والصفا والمروة، وعاء قدمته السماء، وخصّته بمناقب وخصائص قلَّ أو انعدم نظيرها في غيره، حتى نالت مكة المكرمة الشرف والرفعة والسموّ على جميع بقاع الأرض وآفاقها ومعالمها، وهكذا وديانها وجبالها وأزقتها، وحتى طيورها وحيوانها ونباتها، وكذا دورها وبيوتها ونواديها وأسواقها الأدبية والشعرية، كان لها جميعاً نصيب وافر من خطبهم وأشعارهم، الممزوجة بذكرياتهم ونظراتهم عن هذه البقعة الربانيّة المختارة، وركيزتها الكعبة المباركة ...

فمكة المكرمة، خصّها الله تعالى بـ:

(إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ).[169]

ولعلّ (أَوّلَ) تدلّ على الأولوية المطلقة؛ فهو الأول تأسيساً، وهو الأول قرباً إلى الله سبحانه وتعالى، وهو الأول بركةً وهدًى وحرمةً، وهو الأول أمناً، وهو الأول فضائل ومناقب، وهو الأول في قبول عبادة الله ونيل رضاه، وهو الأول فيما يترتب من الأجر والثواب، والعفو والمغفرة، وهو الأول في مضاعفة الحسنات وإلغاء السيئات لمن قصده وزاره وأعلن استقامته وتوبته بصدق وإخلاص ...!

فاكتسبت أفضليتها على باقي البقاع من كونها موضع اختيار السماء؛ لاحتضان (أوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ...)، وأحسنَ (قِبْلَةً) لإرضاء حبيبها رسول الله9 وتكريمه حينما رأته يقلّب وجهه المبارك في أطراف السماء هنا وهناك، لعلّه كان منه انتظاراً وترقباً لوعد السماء، أو رجاءً لاستجابتها، ورغبةً في تحقيق ما يتمنّاه ...، كما في الآية:

(قَدْ نَرَىٰ تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ).[170]

وحينها راح يتوجه إليها المسلمون كافةً في فرض ومستحب ودعاء ... وبهذا وغيره الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأقوال، وبكعبتها المباركة، وبمعالم مسجدها الحرام وآياته، وطهارته وأشرفيته على البقاع، وبمواقعها الروحية والجغرافية الأخرى، جذبت مكة المكرمة إليها أفئدةً من الناس، جاؤوها من كلِّ فجٍّ؛ إما على أرجلهم، وإما ركباناً، والحنين إليها يرافقهم، والشوق يحدوهم، وأمل العودة إليها لا يفارقهم ...

استجابةً لدعاء إبراهيم عليه السلام:

(رَّبَّنَآ إِنّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَاةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).[171]

وتلبيةً لأذانه المبارك:

وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ * لِيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ.[172]

وامتثالاً لأمره تعالى:

(وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّه غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ).[173]

 فتمسكاً بذلك وبغيره من خصائص هذه البقعة الطيبة، وما حدث فيها ووقع عليها، ووفاءً لها ولأهلها ولربوعها التي انبثقت منها رسالة التوحيد، فأشرق نور الإسلام، وشرائع السماء، وانطلقت من حرّائها أولى آيات التنزيل العزيز، وتواصلت فوق بقاعها تترى على رسول الله محمد9 ..

حتى غدت مكة أحبَّ البلاد إلى الله تعالى وأكرمَها، وأفضلَ البِقاع وأجلّها على وجه الأرض، ولقد سُمعَ النَّبيّ9 وهو واقفٌ بالحَزوَرةِ في سوقِ مَكَّة يقول:

«واللهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللهِ، وأحبُّ أرضِ اللهِ إليَّ، ولولا أنَّ أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ»!

وفي خبر آخر يقول عبد الله بن عدي بن حمراء:

رأيتُ رسولَ الله9 واقِفًا على الحَزوَرةِ، والحَزْوَرةُ: مرتفِعٌ يُقابِلُ المسعَى مِن جِهَةِ المشرِقِ، كان سُوقًا مِن أسواقِ مكَّةَ.

فقال النَّبيُّ9 مُخاطِبًا مكَّةَ: «واللهِ، إنَّكِ لخَيرُ أرضِ الله»، أي: أفضلُها وأعظمُها.

 «وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ مِنكِ»، أي: بأمرٍ مِن اللهِ، وذلك بَعدَما زاد أذَى قُريشٍ له ولِمَن أسلَم معَه. «ما خرَجتُ»، أي: لبَقيتُ بمكَّةَ.

وكان النَّبيُّ9 خرَج مُهاجِرًا مِن مكَّة إلى المدينةِ. وفي الحَديثِ: أفضليةُ مَكَّةَ المُكرَّمةِ على غيرِها مِن سائرِ البُلدانِ وفيه: مِن تَعظيمِ الأدبِ في مُفارَقةِ بيتِ اللهِ عزَّوجلَّ.

هذا وإكراماً لهذا العبد الصالح، والمؤمن المعذّب، الصحابي الجليل، بلال بن رباح الحبشي، نبدأ به، فهم يذكرون أنَّه لـّما هاجر من مكة إلى المدينة المنورة، ظلَّ يتغنّى ببيتين من الشعر يرددهما حنيناً إلى مكة وشوقاً إلى ديارها، وإلى مائها ونباتها، مكة التي عرفته بعد إسلامه على ترابها، رجلاً معذَّباً على رمالها، راحت تصهره والحجر الساخن عليه، وهكذا اشتدَّ تعذيبه على أيدي جلاوزة قريش وبعض زعمائها، فلم يذق في نواحيها إلّا البطش والإهانة والإذلال من قبل كبرائها. وقد علا سماءَ مكة أنينُه، وهو يردّد نشيده الخالد: أحد أحد أحد! ومع هذا بقى مشتاقاً إليها، يحنُّ إلى رباعها ومائها ونباتها ...

هذان البيتان من الشعر ظلَّ بلال في بلاد الهجرة؛ المدينة المنورة، ينشدهما باكياً، وكلّما ذهبت عنه حمّى المدينة:

ألَا لَيْتَ شِعْرِي هـلْ أبِيـتَنَّ لَيْـلَةً

بمكة عندي(حولي) إذْخِرٌ وجَلِيلُ

وَهَــلْ أرِدَن يَـوْمًـا مِـيَاهَ مجَنّـــَةٍ

وهــلْ يَبْـدُوَنْ لـي شَـامَةٌ وطَفِيلُ

يقول الشارح: فقد أحبَّ الصحابي الجليل بلال بن رباح مكة، وتمنَّى أنْ يَبيتَ ليلةً واحدةً في ضواحيها، ويُطفِئَ أشواقَه الحارَّةَ مِن مياه مِجَنَّةَ، وهي: ماءٌ عند عُكاظ على أميال يسيرة من مكة بناحية مرّ الظهران، وكان به سوق في الجاهلية، وأن يُمتِّعَ ناظرَيْه بمشاهدة إِذْخِرٍ وجليلٍ، وهما نبتان من الكلإ طيب الرائحة يكونان بمكة، وغيرها مِن النَّباتاتِ الخلويَّةِ الّتي حولها، وأن يُشاهدَ شامةَ وطَفِيلًا، وهما جبلان متجاوران جنوب غرب مكة على قرابة 90كم منها، وغيرَهما مِن جبالِ مكَّةَ الشَّامخةِ.

أقول: ويصل خبره إلى رسول الله9 وما ينشده حبًّا لمكة وحنيناً إليها، فيرفع9 يديه قائلاً:

«اللهم حبّب إلينا المدينة كحُبّنا مكّة أو أشدّ»!

يدعو9 بهذا، وقد ذاق9 هو وعدد من أصحابه المؤمنين أذى زعمائها المشركين حين راحوا وجلاوزتهم يعذِّبون على رمالها الملتهبة بحرارة الشمس المؤمنين برسالة السماء، وكان منهم بلال وعمّار بن ياسر وأبوه وأُمّه سمية حتى استُشهدا ونجا عمّار رضوان الله عليهم ... ولم يذوقوا إلّا مرارة الأذى والتعذيب والتسقيط والتجريح من أهلها قساة القلوب التي خلت من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى، حتى أنَّهم لم يكتفوا بذلك وبتكذيبه، والطعن بصدق نبوّته9 بل خططوا لقتله في تلك الليلة غدراً وهو على فراشه، إلّا أنَّهم فوجئوا بمن فدى نفسه لرسول الله9 بعليٍّ7 نائماً في فراشه، فخابت مؤامرتهم، وباؤوا بالفشل وغضب من الله تعالى، ونجا9 بهجرته إلى المدينة التي نوّرت به9 ونكتفي بما يقوله الشاعر حسّان بن ثابت:

ثوى بِمَكَّةَ بِضعَ عَشرَةَ حِجَّةً

يُذَكِّرُ لَو يَلقى خَليلاً مُؤاتِيا

وَيَعرِضُ في أَهلِ المَواسِمِ نَفسَهُ

فَلَم يَرَ مَن يُؤوِي وَلَم يَرَ داعِيا

فَلَمّا أَتانا وَاِطمَأَنَّت بِهِ النَوى

فَأَصبَحَ مَسروراً بِطَيبَةَ راضِيا

وَأَصبَحَ لا يَخشى عَداوَةَ ظالِمٍ قَريبٍ

وَ لا يَخشى مِنَ الناسِ باغِيـا

 بَذَلنا لَهُ الأَموالَ مِن جُلِّ مالِنا

وَأَنفُسَنا عِندَ الوَغى وَالتَآسِيا

نُحارِبُ مَن عادى مِنَ الناسِ كُلَّهِم

جَمعاً وَإِن كانَ الحَبيبُ المُصافِيا

وَنَعلَمُ أَنَّ اللَهَ لا رَبَّ غَيرُهُ

وَأَنَّ كِتابَ اللَهِ أَصبَحَ هادِيا

وإلّا فإنّهم ذكروا أنَّ الشاعر الجاهلي القديم مضاض بن عمرو أقدم من تشوّق إلى مكة المكرمة وحنَّ...، حين راح يندب حظّه وحظّ قومه الذين أخرجوا من مكة... أما عن وقت إنشاده قصيدته الطويلة التي تحكي شوقه العظيم لمكة، لمّا وصل إليها، متعقباً إبلاً له، فوقف على جبل أبي قبيس وأنشدها... أما ابن إسحاق فيقول:.. فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهميّ بغزالي الكعبة و بحجر الركن، فدفنهما في زمزم، و انطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزناً شديداً، فقال عمرو بن الحارث بن مضاض في ذلك، و ليس بمضاض الأكبر:

و قائلة و الدمع سكب مبادر

وقد شرقت بالدمع منها المحاجر

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا

أنيس ولم يسمر بمكّة سامر

فقلت لها والقلب منى كأنما

يلجلجه بين الجناحين طائر

بلى نحن كنّا أهلها، فأزالنا

صروف الليالى، و الجدود العواثر

و كنّا ولاة البيت من بعد نابت

نطوف بذاك البيت، و الخير ظاهر

و نحن ولينا البيت من بعد نابت

بعزّ، فما يحظى لدينا المكاثر

ملكنا فعزّزنا فأعظم بملكنا

فليس لحىّ غيرنا ثمّ فاخر...

إلى أن يقول:

و صرنا أحاديث وكنّا بغبطة

بذلك عضّتنا السّنون الغوابر

فسحّت دموع العين تبكى لبلدة

بها حرم أمن، و فيها المشاعر

و تبكى لبيتٍ ليس يؤذى حمامه

يظلّ به أمناً، و فيه العصافر

و فيه وحوش - لا ترام - أنيسة

إذا خرجت منه، فليست تغادر...

قال ابن هشام: هذا ما صحّ له منها. وحدثني بعض أهل العلم بالشعر أنَّ هذه الأبيات أوّل شعر قيل في العرب، وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن، و لم يسمّ لي قائلها.[174]

هذا وأنَّ هناك الكثير، وأخصُّ بالذكر أولئك الذين وهبتهم السماء ملكةَ الشعر وحُسنَ القريحة الشعرية، فقد تعلّقت نفوسهم ببقاع مكة وبمعالمها، وغدت تهفو أفئدتهم اشتياقاً إلى رؤية البيت وكعبته المباركة، حتى أنَّهم راحوا يهيمون حنيناً إليها، يشفيهم القرب منها، ويزيدهم شوقاً إليها، ولا يسليهم البعد عنها، لهذا تراهم وقد بذلوا الغالي والنفيس، وتكبدوا فراق الأحبة والأهل، وتجشّموا عناء السفر الشاق الطويل، حتى يصلوا إلى هذه الديار، فتصدح حناجرهم تكبيراً وتهليلاً واستغفاراً، وتذرف عيونهم دموعاً ملؤها الحنين والشوق والفرحة برؤية الكعبة المباركة ومعالم البيت الحرام حتى كأنَّ نفوسهم تردّد قول الشاعر:

أطوف به والنفس بعد مشوقة

إليه، وهل بعد الطواف تداني؟!

بقلبي من شوق ومن هيمان

وألثم منه الركن أطلب برد ما

فو الله ما أزداد إلّا صبابة

ولا القلب إلّا كثرة الخفقان

ويا منيتي من دون كلّ أمان

فيا جنة المأوى ويا غاية المنى

أبت غلبات الشوق إلّا تقرباً

إليك فما لي بالبعاد يدان

وما كان صدي عنك صدّ ملالة

ولي شاهد من مقلتي ولساني

دعوت اصطباري عنك بعدك والبكا

فلبى البكا والصبر عنك عصاني

وقد زعموا أنَّ المحبّ إذا نأى

سيبلى هواه بعد طول زمان

ولو كان هذا الزعم حقًّا لكان ذا

دواء الهوى في الناس كلّ أوان

بل إنَّه يبلى التصبر والهوى

على حاله لم يبله الملوان

وهذا محبٌّ قاده الشوق والهوى

بغير زمام قائد وعنان

أتاك على بعد المزار ولو ونت

مطيته جاءت به القدمان

انظر هذا فيما ذكرفي بدائع الفوائد لابن القيم:

فلقد ذكر هذه الأبيات بعد أن بيّن محاسن البيت، وعظم شأنه بما يدعو الناس إلى قصده وحجّه، وإن لم يطلب ذلك منهم، فقال: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فيِهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِناً ...).[175]

فوصفه بخمس صفات:

أحدها: أنه أسبق بيوت العالم وضع في الأرض.

الثاني: أنه مبارك، والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك منه ولا أكثر خيراً ولا أدوم ولا أنفع للخلائق.

الثالث : أنَّه هدى، وصفه بالمصدر نفسه مبالغةً حتى كأنَّه هو نفس الهدى.

الرابع : ما تضمنه من الآيات البينات التي تزيد على أربعين آية.

الخامس : الأمن لداخله.

وفي وصفه بهذه الصفات دون إيجاب قصده ما يبعث النفوس على حجّه، وإن شطّت بالزائرين الديار، وتناءت بهم الأقطار.

ثمَّ أتبع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيدات. وهذا يدلك على الاعتناء منه سبحانه بهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره والتعظيم لشأنه والرفعة من قدره، ولو لم يكن له شرف إلّا إضافته إياه إلى نفسه بقوله:

(... وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّـآئِفِينَ ...).[176]

لكفى بهذه الإضافة فضلاً وشرفاً.

وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه، وسلبت نفوسهم حبًّا وشوقاً إلى رؤيته، فهو المثابة للمحبين يثوبون إليه، ولا يقضون منه وطراً أبداً؛ كلّما ازدادوا له زيادةً، ازدادوا له حبًّا، وإليه اشتياقاً، فلا الوصال يشفيهم، ولا البعاد يسليهم كما قيل:

أطوف به والنفس بعد مشوقة

إليه، وهل بعد الطواف تداني؟!..[177]

ولابن القيم أيضاً، وهو شمس الدين ابن قيم الجوزية المتوفى سنة751هجرية قصيدته الميمية (الرحلة إلى بلاد الأشواق) التي لعلّها توفّرت على أكثر من مئتين وعشرين بيتاً، نقتبس منها مقطعاً تحت عنوان: مشهد الحجيج.

يتضمن سبعةً وأربعين بيتاً، مما يذكره فيها اشتياق الحجيج لبيت استمدّ عظمته وجلاله وجماله وقدسيته من انتسابه إلى الله تعالى حين أضافه إليه، فهو بيت مبارك ببركة السماء! يقول فيه:

أمَــا وَالـذِي حَـجَّ الْمحِــبُّونَ بَيْتَــهُ

وَلـبُّوا لهُ عـندَ المَـهَلِّ وَأحْرَمُوا

وقدْ كَشفُـوا تِلكَ الرُّؤوسَ توَاضُعًا

لِعِـزَّةِ مَن تعْنو الوُجوهُ وتُسلِمُ

يُهــلـُّونَ بالبـيداءِ لبـيــك ربَّنــا

لكَ المُلكُ والحَمْدُ الذي أنتَ تَعْلمُ

دعــاهُـمْ فلبَّــوْهُ رِضًــا ومَحَبَّــةً

فلمّــَا دَعَـوهُ كان أقـربَ منهــمُ

ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْ

وغُبْــرًا وهُــمْ فيهـا أسَرُّ وأنْعَمُ

وَقدْ فارَقوا الأوطانَ والأهلَ رغبةً

ولــم يُثنِــهِمْ لـذَّاتُهُمْ والتَّنَعُّمُ

يَسِيرونَ مِن أقطارِها وفِجاجِــها

رِجـالاً ورُكْبانـاً ولله أسْلمُـوا

ولمَّـا رأتْ أبصـارُهُم بيتَـهُ الـذي

قلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تَضَرَّمُ

كـأنهمُ لـمْ يَنْصَبُــا قـطُّ قــبْـلَهُ

لأنَّ شَقاهُمْ قد ترحَّلَ عنْهُـمُ

فلِلَّهِ كـمْ مِن عَبــْرةٍ مُهْـــــرَاقــةٍ

وأخـرى عـلى آثارِها لا تَقَــدَّمُ

وَقدْ شَرِقتْ عينُ المُــحِبِّ بدَمْعِها

فينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويُسْجِمُ

إذا عَايَنَتْــهُ العَيْنُ زالَ ظــلامُهـــا

و زالَ عن القلبِ الكئيبِ التألُّمُ

ولا يَعْــرِفُ الطـرْفُ المُعـايِـنُ حسْنَــهُ

إلى أن يعودَ الطرْفُ والشوقُ أعْظمُ

ولا عجـبٌ مِـن ذا فحِينَ أضافـهُ

إلى نفسِهِ الرحمنُ؛ فهو المعظَّمُ

كسَاهُ منَ الإجْلالِ أعظمَ حُلـةٍ

عليها طِرازٌ بالمَلاحَةِ معْلَمُ

فمِنْ أجلِ ذا كلُّ القلوبِ تُحِبُّـهُ

وتَخْضَعُ إجْلالاً لهُ وتُعَظِّمُ

ورَاحُوا إلى التَّعْريفِ يَرْجُونَ رحمةً

ومغفـرةً مِمَّن يجـودُ ويُـكـرِمُ

فلِلَّهِ ذاكَ المـوقــفُ الأعـظــمُ الــذي

كموقفِ يومِ العَرْضِ بلْ ذاكَ أعظمُ

ويــدْنُو بـهِ الجبّـارُ جَـلَّ جلالُهُ

يُباهِي بهمْ أمْلاكَه فهو أكرَمُ

يقولُ عِبـادِي قدْ أتـونِي مَحَبَّـةً

وَإنِّي بهمْ بَرٌّ أجُودُ وأرْحَمُ

فأشْهِدُكُمْ أنِّي غَفَرْتُ ذنُوبَهُـمْ

وأعْطيْتُهُمْ ما أمَّلوهُ وأنْعِمُ

فبُشراكُمُ ياأهلَ ذا المَوقفِ الذِي

به يَغفرُ اللهُ الذنوبَ ويَرحمُ

فكمْ مِن عتيـقٍ فيـِـه كَمَّـلَ عِتقـهُ

وآخرَ يَسْتسعَى وربُّكَ أرْحَمُ

ومَا رُؤيَ الشيطانُ أغيظَ في الوَرَى

وأحْـقرَ منـهُ عندها وهو ألأَمُ

وَ ذاكَ لأمْــرٍ قـد رَآه فغــاظـــــهُ

فأقبلَ يَحْثُو التُّرْبَ غَيْظاً وَيَلطِمُ

و مــا عاينتْ عينـاه مِــن رحمـةٍ أتـتْ

ومغفرةٍ مِن عندِ ذي العرْشِ تُقْسَمُ

بَنَى ما بَنى حتى إذا ظــنَّ أنـه

تمَكَّنَ مِن بُنيانِهِ فهو مُحْكَمُ

أتَى اللهُ بُنيَانًا له مِن أساسِـهِ

فخرَّ عليه ساقطاً يتهدَّمُ

وَكمْ قـدْرُ ما يعلو البناءُ ويَنْتـهـي

إذا كان يَبْنِيهِ وذو العرش يهدِمُ

وراحُوا إلى جَمْعٍ فباتُوا بمَشـعَرِ الْــ

ـحَرَامِ وصَلَّوْا الفجْرَ ثمَّ تقدَّموا

إلى الجَمْرةِ الكُبرَى يُريدون رَمْيَـهـا

لـوقتِ صلاةِ العيـدِ ثمَّ تيَمَّمُوا

منـازلَهمْ للنـحْرِ يَبغـونَ فضلَـــهُ

وإحياءَ نُسْكٍ مِن أبيهمْ يُعَظَّمُ

فلوْ كان يُرضِي اللهَ نَحْرُ نفوسِهـمْ

لدانُوا بهِ طوْعًا وللأمرِ سلَّمُوا

كما بَذلُوا عنـدَ الجِهـادِ نُحورَهُــمْ

لأعدائِهِ حتَّى جرَى منهمُ الدَّمُ

ولكنَّهمْ دانُوا بوضْعِ رؤوسِهمْ

و ذلِـكَ ذلٌّ للعبيدِ ومَيْسَمُ

ولمَّـا تقضَّـوْا ذلـكَ التَّـفَثَ الـذِي

عليهمْ وأوْفَوا نذرَهُمْ ثمَّ تَمَّمُوا

دعاهُم إلى البيـتِ العتيقِ زيـارةً

فيَـا مرحَبًا بالزائِرين وأكرمُ

فلِلهِ مــا أبْـهَــى زيــارتَـهُـمْ لــــهُ

وقدْ حُصِّلتْ تلكَ الجَوائزِ تُقْسَمُ

وَللهِ أفضــالٌ هنـــاكَ ونِـعْـمَــةٌ

وبِرٌّ وإحْسَانٌ وجُودٌ ومَرْحَمُ

وعـادُوا إلى تلكَ المنـازلِ مِن مِنَى

ونالُوا مناهُمْ عندَها وتَنَعَّمُوا

أقامُـوا بها يــومًا ويـومًا وثـالثًــا

وأذِّنَ فِيهمْ بالرحيلِ وأعْلِمُوا

و راحُوا إلى رمْـيِ الجمارِ عَشِيَّــةً

شعارُهُمُ التكْبيرُ واللهُ معْهُمُ

فلو أبْصـرَتْ عينــاكَ موقفَهـمْ بهــا

وَقدْ بسَطوا تلكَ الأكفَّ لِيُرْحَمُوا

ينـادونَـــهُ يا ربِّ يا ربِّ إنَّنــــا

عبيدُكَ لا ندْعو سواكَ وتَعْلمُ

وها نحنُ نرجـو منــكَ ما أنتَ أهلُهُ

فأنتَ الذي تُعْطِي الجزيلَ وتُنْعِمُ

ولمَّا تقضَّــوْا مـِن مِنًـى كـلَّ حاجــةٍ

وسالتْ بهمْ تلكَ البِطاحُ تقدَّموا

إلــى الكعبــةِ البيـتِ الحَـرامِ عشيــةً

و طافُوا بها سبْعًا وصَلَّوْا وسَلَّمُوا

وقصيدة أخرى طالما راح يتغنّى بها المنشدون:

أنخ ركابـك يا من شئت مغفرةً

بأبي قبيسٍ واقصد ذلك الحرم

و تابـع السير فـي ذلّ وفـي وجـل

وناجِ ربّ البيت في حجر وملتزم

وطف ببيت الله واسـأله مكرمـةً

يرقيك منزلة ذو الجود والكرم

وأسع ما بين الصفا والمروة مرتملاً

و كـبرِ المـولى يا سـاعِ في الحرم

وزمزمُ لا تنس تضلـع منهـا مرتويًـا

بنيةٍ سبقت تشفي كلّ ذي سقم!

 هذا ومن الملاحظ أنَّ مكة المباركة، وجدناها قد احتلت مكانةً ساميةً حين أخذت من الشعراء صوراً وألواناً وأغراضاً شعريةً مما تجود به قرائحهم، ففي الفخر نجد عمَّ رسول الله9 أبا طالب رضوان الله تعالى عليه، يقول قصيدته اللامية الطويلة مفتخراً ومتعوّذاً فيها بالبيت الحرام وبمكانه مما يُحيكه بعض الخصوم من قومه كيداً وتآمراً واعتداءً... وهذا جزءٌ منها:

ولـمّـا رأيـتُ القـوم لا ودَّ فيـهـم

وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل

وقد صـارحونا بالعدواة والأذى

وقد طاوعوا أمـر العدو المزايل

وقـد حالفـوا قومـاً علينـا أظنّــةً

يعضون غيظاً خلفنـا بـالأنامل

صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة

وأبيض عضب من تراث المقاول

وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي

وأمسكت من أثوابه بالوصائل

قيــامـاً معـاً مستقبـليـن رتاجــه

لـدى حيث يقضـي حلفه كلّ نافل

وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم

بمفضى السيول من إساف ونائل

أعوذ بربّ الناس من كلّ طاعن

علينـا بسـوء أو ملح ببـاطــــل

و مـن كاشح يسعى لنـا بمعيبـة

ومن ملحق في الدين ما لم نحاول

وثور ومن أرسى ثبيراً مكانـه

وراق ليـرقى في حراء ونـازل

وبالبيت حقّ البيت من بطن مكة

و بـالله إنَّ الله ليـس بغافل

وبالحجر المسود إذا يمسحونه

إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة

عـلى قدميـه حافيـاً غير ناعل

وأشواط بين المروتين إلى الصفا

وما فيهما من صورة وتماثل

و مـن حجَّ بيـت الله مـن كـلّ راكب

ومن كلّ ذي نذر ومن كلّ راجل

  إلى أن يقول:

وكان لنا حوض السقاية فيهم

ونحن الكدي من غالب والكواهل

شبــاب مـن المـطيبيـن و هاشـم

كبيض السيوف بين أيدي الصياقل...

وهذا الأعشى بن ميمون بن قيس، وهو شاعر جاهلي، يفاخر بهذه المواقع أيضاً، ويهجو عمير بن عبد الله بن المنذر، أويعاتب رجلاً؛ مع أنه ذو شرف يقول له:

فما أنت من أهـل الحجون ولا الصفا

ولا لك حقّ الشرب من ماء زمـزم

ولا جعـل الـرحمـن بيتـك في العــلا

بأجياد غربي الصفــا والمحــــرم.[178]

 وقد يقترن ذكرُ مكة ومدحُها هي ومعالمها بممدوح، والمدح واحد من الصور الشعرية، كما نطق الفرزدق مدحاً للإمام زين العابدين علي بن الحسين8، وكانت مناسبتها:

لما حجّ هشام بن عبد الملك في أيام أبيه، طاف بالبيت وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود؛ ليستلمه، فلم يقدر على ذلك بسبب كثرة الزحام، فنصب لنفسه كرسيًّا وجلس عليه، ينظر إلى الناس مع جماعة من أعيان الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: فطاف بالبيت. فلما انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلمه، فقال رجل من أهل الشام لهشام:

من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟

فقال هشام: لا أعرفه.

وكان الفرزدق حاضراً، فقال: أنا أعرفه، ثمّ اندفع، فأنشد هذه القصيدة:

هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ

وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ

هَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ

هَذا ابنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ

بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا

وَلَيسَ قَولُكَ مَن هَذا بِضائِرِهِ

العُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ

كِلتا يَدَيهِ غِياثٌ عَمَّ نَفعُهُما

يُستَوكَفانِ وَلا يَعروهُما عَدَمُ

سَهلُ الخَليقَةِ لا تُخشى بَوادِرُهُ

يَزينُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ وَالشِيَمُ

حَمّالُ أَثقالِ أَقوامٍ إِذا اِفتُدِحوا

حُلوُ الشَمائِلِ تَحلو عِندَهُ نَعَمُ

ما قالَ لا قَطُّ إِلّا فـي تَشَهُّـدِهِ

لَولا التَشَهُّدُ كانَت لاءَهُ نَعَمُ

عَمَّ البَرِيَّـةَ بِالإِحسـانِ فَاِنقَشَـعَت

عَنها الغَياهِبُ وَالإِملاقُ وَالعَدَمُ

إِذا رَأَتـهُ قُرَيـشٌ قـالَ قائِلُهـا

إِلى مَكارِمِ هَذا يَنتَهي الكَرَمُ

يُغضي حَياءً وَيُغضى مِن مَهابَتِهِ

فَـمـا يُكَلـَّمُ إِلّا حينَ يَبتَسِمُ

بِكَفِّــهِ خَيــزُرانٌ ريحُــــهُ عَبِــقٌ

مِن كَفِّ أَروَعَ في عِرنينِهِ شَمَمُ

يَكـــادُ يُمسِكُـهُ عِرفـانُ راحَتِـــهِ

رُكنُ الحَطيمِ إِذا ما جاءَ يَستَلِمُ

اللهُ شَرَّفَـهُ قِـدمـاً وَ عَظَّمَهُ

جَرى بِذاكَ لَهُ في لَوحِهِ القَلَمُ

التي أغضبت هشام بن عبد الملك (ت125هجرية)، فأمر بحبسه بين مكّة والمدينة.[179]

وجيزة نافعة:

مع السيد الشـريف الرضي=، المولود في بغداد (359هـ)، والمتوفى فيها (406هـ)، وحجازياته؛ وهي قصائد عاطفية نظّمها وهو في الحجاز. والمعروفة بأنَّها «المقطعات الشعرية التي لها وجه اتصال بالحجاز مباشرةً أو بالتأدية إليه».

و يبدو أنَّ خير تعريف لها، كما ذهبوا إليه، هو ما ذكره الدكتور مصطفى كامل الشيبي:

«الحجازيات، مصطلح واضح الدلالة على مضمونه، يجري في الشهرة على نسق مع هاشميات الكميت وخمريات أبي نواس وزهديات أبي العتاهية، ويعني المقطعات الشعرية التي لها وجه اتصال بالحجاز، مباشرة أو بالتأدية إليه، من نظم الشريف الرضي وهي بالمفهوم الحديث (آلبوم) صور تذكارية على هيئة أشعار تجمع ذكريات زياراته الكثيرة لأرض الحجاز أيام إمارته الطويلة للحجّ وما قبلها حين كان يرافق أباه، أبا أحمد الموسوي، الأمير الذي سبقه وأورثه الإمارة».

وقد بلغت أربعين قصيدةً، تتوفّر على حكاياته مع الحجاز، يذكر أمكنة فيه ويصفها بقعةً بقعةً، هضبةً هضبةً، حجارةً حجارةً، فلا الخيف ينساه ولا العقيق، ولا المحصّب والصفا واللوى، ولا رامة وكثبان ويلملم... بل حتى أنَّه لم يترك ذكر ظبائها ولا وصف غزلانها في أشعاره المذكورة...، كان حريصاً أن يمرَّ بأرض الحجاز وبيئته مروراً ليس عابراً كما يفعل الآخرون، بل مروراً كأنه يجعل حجارتها تنطق بوجده، وتثير عنده ذكرياتها، فتراه يطوف حولها بقلبه، ويناجيها بعواطفه، ويتغزل بها في شعره، ويخلدها اسماً و وصفاً في أبياته الرائعة.

إنها بيئة الحجاز، ما أجلَّها مهبط الوحي والتنزيل، ومهوى أفئدة المؤمنين، ومنازل الدعاة من الأنبياء والصالحين والشهداء، حبيبة قلوب المتقين العارفين والحجّاج والمعتمرين...، كلُّ هذه المفردات الجميلة والمعاني الطيبة الجليلة القدر؛ قد احتلّت مكانها في فكر وعقيدة ووجدان السيد الشريف الرضي، وبالتالي تركت آثارها فيه، فلم تفارقه في نظمه لحجازيّاته التي صارت مدار بحث المؤرخ والأديب والشاعر...!

فتعالوا معنا لنعيش مع سيدنا الجليل في بعض أشعاره:

فالأخشبان جبلان يُعدّان من المعالم الجغرافية والتاريخية والأثرية، يضافان ـ كما يقول ياقوت الحموي ـ تارةً إلى مكة وتارةً إلى منى، وهما واحد أحدهما: أبو قبيس، والآخر قعقعان... على أنَّ غير ياقوت من الجغرافيين، مع قولهم إنَّ أحد الجبلين هو أبو قبيس، اختلفوا في تعيين الجبل الآخر.

كان لهما مع غيرهما كمنى والمشعر والخيف والجمار وزمزم والمقام... ذكرٌ في حجازياته، وهو في هذه الأبيات يُبين مدى اشتياقه إلى هذه الأماكن ومحبوبيته لها.

حيث يقول:

أُحِبُّكِ ما أَقامَ مِنىً وَجَمعٌ

وَما أَرسى بِمَكَّةَ أَخشَباها

وَما رَفَعَ الحَجِيجُ إِلى المُصَلّى

يَجُرّونَ المَطِيَّ عَلى وَجاها

وَما نَحَروا بِخَيفِ مِنىً وَكَبّوا

عَلى الأَذقانِ مُشعَرَةً ذُراها

نَظَرتُكِ نَظرَةً بِالخَيفِ كانَت

جَلاءَ العَينِ مِنّي بَل قَذاها

وَلَم يَكُ غَيرُ مَوقِفِنا فَطارَت

بِكُلِّ قَبيلَةٍ مِنّا نَواها

فَواهاً كَيفَ تَجمَعُنا اللَيالي

وَآهاً مِن تَفَرُّقِنا وَآها

فَأُقسِمُ بِالوُقوفِ عَلى أَلالٍ

وَمَن شَهِدَ الجِمارَ وَمَن رَماها

وَأَركانِ العَتيقِ وَبانِيَيها

وَزَمزَمَ وَالمَقامِ وَمَن سَقاها

لَأَنتِ النَفسُ خالِصَةً فَإِن لَم

تَكونيها فَأَنتِ إِذاً مُناها

نَظَرتُ بِبَطنِ مَكَّةَ أُمَّ خِشفٍ

تَبَغَّمُ وَهيَ ناشِدَةٌ طَلاها

وَأَعجَبَني مَلامِحُ مِنكِ فيها

فَقُلتُ أَخا القَرينَةِ أَم تُراها

فَلَولا أَنَّني رَجُلٌ حَرامٌ

ضَمَمتُ قُرونَها وَلَثَمتُ فاها

ولم يكن السيد الشريف الرضي أول من ذكر الأخشبين، فقد ذكر من قبل مزاحم العقيلي، وهو شاعر غزلي بدويّ (ت120هجرية):

خليلي هل لي من حيلة تعلمانها

يقرب من ليلى إلينا احتيالها

فإنَّ بأعلى الأخشبين أراكة

عدتني عنها الحرب دان ظلالها

ممنعة في بعض أفنائها العلا

يروح إلينا كلّ وقت خيالها

إلّا أنَّ ياقوت الحموي يرى في هذا الشعر ما يدل على أنَّ الأخشبين الواردين فيه هما غير اللذين في مكة، وأنهما مكان واحد؛ لأنَّ الأراكة لا تكون في مكانين.[180]

 وأيضاً تعالوا معنا نصغ إلى السيد الشريف الرضي وهو يذكر ظباء الحجاز وبعض بقاعه في أبيات يعدّونها من أجمل حجازياته، وهذه بعض أبياتها:

وظبية من ظباء الأنس عاطلة

تستوقف العينُ بين الخمص والهضم

لوأنها بفناء البيت سانحةً

كصدتها وابتدعتُ الصيد في الحرمِ

أحبّك ما أقام منى وجمعٌ

وما أرسى بمكة أخشباها

لأنت النفس خالصة فإن لم

تكونيها فأنت إذن مناها

نظرتك نظرة بالخيف كانت

جلاء العين بل كانت قذاها

ولم يك غير موقفنا وطارت

بكلّ قبيلة منا نواها ....

* * *

يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ

لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ

الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ

وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي

هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ

بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ

عِندي رَسائِلُ شَوقٍ لَستُ أَذكُرُها

لَولا الرَقيبُ لَقَد بَلَّغتُها فاكِ

سَقى مِنىً وَلَيالي الخَيفِ ما شَرِبَت

مِنَ الغَمامِ وَحَيّاها وَحَيّاكِ

إِذ يَلتَقي كُلُّ ذي دَينٍ وَماطِلَهُ

مِنّا وَيَجتَمِعُ المَشكوُّ وَالشاكي...

وكذا نراه يخاطب غزالاً، ويحمله أشواقه:

ألا يا غزالَ الرمل من بطنِ وجرةٍ

أللواجِدِ الظمآنِ منك شروعُ

ألا هل إلى ظل الأثيل تخَلُّص

وهل لثنياتِ الغُوير طلوعُ

وهل بليت خيمٌ على أيمنِ الحِمى

وزالت لنا بالأبَرقين رُبوع

ولم أنسَ يوم الجِزعِ حُسناً فَلَستُه

بعيني على أنّ الزيالَ سَريعُ

ولا يكتفي بذلك، بل راح وهو بعيد عن تلك البقاع والآثار، يناشد كلَّ مسافر إلى تلك الديار الحبيبة على قلبه، ويحملهم شوقه وحنينه إليها:

أقول لركب رائحين لعلّكم

تحلّون من بعدي العقيقَ اليمانيا

خذوا نظرةً مني فلاقوا بها الحِمى

ونجداً وكثبان اللوى والمطاليا

ومُروا على ابيات حيٍّ برامةٍ

فقولوا لديغ يبتغي اليوم راقيا

عدمتُ دوائي بالعراق فربما

وجدتم بنجدٍ لي طبيباً مُداويا

وقولوا لجيرانٍ على الخيف من منى

اكم من استبدلتم بجواريا

وقال أيضاً:

أَيُّها الرائِحُ المُغِذُّ تَحَمَّل

حاجَةً لِلمُعَذَّبِ المُشتاقِ

أَقرِ عَنّي السَلامَ أَهلَ المُصَلّى

وَبَلاغُ السَلامِ بَعدَ التَلاقي

وَإِذا ما مَرَرتَ بِالخَيفِ فَاِشهَد

أَنَّ قَلبي إِلَيهِ بِالأَشواقِ ....

ضاعَ قَلبي فَاِنشُدهُ لي بَينَ جَمعٍ

وَمِنىً عِندَ بَعضِ تِلكَ الحِداقِ

وَاِبكِ عَنّي فَطالَما كُنتُ مِـن

قَبلٍ أُعيرُ الدُموعَ لِلعُشّاقِ.[181]

ولأبي العلاء المعري أربعة أبيات يقول فيها:

سَبّحِ وَصَلِّ وَطُف بِمَكَّةَ زائِراً

سَبعينَ لا سَبعاً فَلَستَ بِناسِكِ

جَهِلَ الدِيانَةَ مَن إِذا عَرَضَت لَهُ

أَطماعُهُ لَم يُلفَ بِالمُتَماسِكِ.[182]

وهذا يحيى بن حبش... شهاب الدين السهروردي، الفيلسوف المقتول، والمولود عام (549هـ) المختلف في سبب وكيفية قتله، ولم أجد فيما تيسـّر لي تاريخ قتله. يكتب عشرة أبيات شعر حزينة، كما في الديوان المنسوب إليه، يذكر فيها شوقه ومتعته الروحية في البقاع المقدسة:

قف بنا يا سعدُ ننزل هاهنا

فأثيلات النَّقا ميعادنا

وابتغِ لي عبرةً أبكي بها

فدموعي نفذت بالمنحنى

هذه الخيف وهـاتيـك مِنى

فترفَّق أيّهـا الحادي بنـا

واحبس التدليج عنا ساعةً

نندب الحيَّ ونبكي الوطنا

أهل مكّة هكذا مكّتكم

كلّ من حجَّ إليها فُتنا

قتلت سُمركم سادتنا

لستُ أعني بكم سُمرَ القَنا

كلُّ من آمل شيئاً ناله

يوم عيدٍ في مُنى إلا أنا

قلتُ يا صيّاد قلبي حلّه

حرم الصّيد على من في منى

قال من تعني وقد أبرز لي

من خبا البُرقع وجهاً حسنا

قلتُ إياك فأوما خجلاً

قال والصياد من قلت أنا

فيما جاء بعضها عن ابن رجب (ت795هجرية)، في المجلس الثاني في ذكر الحجّ وفضله والحث عليه، دون أن يذكر اسم الشاعر، فيقول:

كان عمر بن عبد العزيز إذا رأى من يسافر إلى المدينة النبوية يقول له:

أقرىء [إقرأ] رسول الله9 مني السلام.

وروي أنه كان يبرد عليه البريد من الشام:

هذه الخيف وهاتيك منى

فترفق أيها الحادي بنا

واحبس الركب علينا ساعةً

نندب الربع ونبكي الدمنا

فلذا الموقف أعددنا البكا

ولذا اليوم الدموع تقتنی

أتراكم في النقا والمنحنا

أهل سلع تذكرونا ذكرنا

انقطعنا ووصلتم فاعلموا

واشكروا المنعم يا أهل منى

قد خسرنا وربحتم فصلوا

بفضول الربح من قد غبنا

سار قلبي خلف أحمالكم

غير أن العذر عاق البدنا

ما قطعتم وادياً إلا وقد

جئته أسعى بأقدام المنى

آه وأشواقي إلى ذاك الحمى

شوق محروم وقد ذاق العنا

سلموا عني على أربابه

أخبروهم أنني خلف الضنا

أنا مذ غبتم على تذكاركم

أترى عندكم ما عندنا

بيننا يوم أثيلات النقا

كان عن غير تراض بيننا

زمنا كان وكنا جيرة

فأعاد الله ذاك الزمنا

من شاهد تلك الديار وعاين تلك الآثار، ثم انقطع عنها لم يمت إلّا بالأسف عليها والحنين إليها:

ما أذكر عيشنا الذي قد سلفا

إلّا وجف القلب وكم قد وجفا

واهاً لزماننا الذي كان صفا

وا أسفا وهل يرد فائتاً وا أسفا.[183]

ولا بدّ من الإشارة أنَّ بعض الشعراء - كما يبدو لي - راح يذكر هذين البيتين أو الثلاثة مطلعاً لقصيدته كما في البداية والنهاية لابن كثير(ت774هجرية)، 16: 325 والهامش ذكر خمسة أبيات عن المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لأبي الفرج ابن الجوزي المتوفي (597هجرية) 17: 340.

في ترجمة علي بن أفلح... وقد أورد ابن الجوزي أشياء حسنة من نظمه ونثره،... ومن ذلك قوله:

هذه الخَيف وهاتيك منى

فترفّق أيها الحادي بنا

واحبس الركب علينا ساعةً

نندب الربع ونبكي الدِّمنا

فلذا الموقف أعددنا البُكا

ولذا الدِّمن دموعي تُقتنى...

ولعبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني (ت803هجرية)، وهو شاعر، متصوف، قصيدة في ديوانه من تسعة عشر بيتاً راح يصف فيها ما يعانيه من وَلهٍ وشوق لمكة وما حولها من البقاع، يُقال إنَّه أنشدها، وكان على مقربة من المدينة المنورة، وما أن أتمَّ بيتها الأخير حتى توفي؛ لتفاقم مرضه عليه، وهذه قصيدته من ديوانه:

يا راحلينَ إلى منىً بقيادي

هيجتُموا يومَ الرحيل فؤادي

سرتم وسار دليكم يا وحشتي

والعيس أطربني وصوت الحادي

وحرمتموا جفني المنام لبعدكم

يا ساكنين المنحنى والوادي

فإذا وصلتُم سالمينَ فبلّغوا

منّي السلام أهيلَ ذاك الوادي

وتذكّروا عند الطواف متيماً

صبّاً فني بالشوق والإبعادِ

لي من ربا أطلال مكّة مرغبٌ

فعسى الإلهُ يجودُ لي بمرادي

ويلوحُ لي ما بين زمزم والصفا

عند المقام سمعت صوت منادي

ويقول لي يا نائماً جدَّ السُرى

عرفاتُ تجلو كلّ قلبٍ صادي

تاللَه ما أحلى المبيت على منی

في يوم عيد أشرفِ الأعيادِ

الناسُ قد حجّوا وقد بلغوا المنى

وأنا حججتُ فما بلغتُ مرادي

حجّوا وقد غفر الإلهُ ذنوبَهُم

باتوا بِمُزدَلَفَه بغيرِ تمادِ

ذبحوا ضحاياهُم وسال دماؤُها

وأنا المتَيَّمُ قد نحرتُ فؤادي

حلقوا رؤوسَهمو وقصّوا ظُفرَهُم

قَبِلَ المُهَيمنُ توبةَ الأسيادِ

لبسوا ثياب البيض منشور الرّضا

وأنا المتيم قد لبست سوادي

يا ربِّ أنت وصلتَهُم وقطَعتني

فبحقِّهِم يا ربّ حلّ قيادي

باللَه يا زوّارَ قبرِ محمّدٍ

من كان منكُم رائحٌ أو غادِ

لِتُبلغوا المُختارَ ألفَ تحيّةٍ

من عاشقٍ متقطِّع الأكبادِ

قولوا له عبدُ الرحيم متيِّمٌ

ومفارقُ الأحبابِ والأولادِ

صلّى عليكَ اللهُ يا علمَ الهدى

ما سارَ ركبٌ أو ترنَّمَ حادِ

أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشـري، لقب بجار الله لمجاورته بمكة زمناً، ولما كان في طريقه إليها نظّم قصيدته الرائيّة:

سيري تماضر حيث شئت وحدّثي

إني إلى بطحاء مكة سائر

حتى أنيخ وبين أطماري فتىً

للكعبة البيت الحرام مجاور

والله أكبر رحمةٍ، والله أك

ثر نعمةٍ، وهو الكريم القادر

يا من يسافر في البلاد منقباً

إني إلى البلد الحرام مسافر

إن هاجر الإنسان عن أوطانه

فالله أولى من إليه يهاجر

سأروح بين وفود مكّة وافداً

حتى إذا صدروا فما أنا صادر

حسبي جوار الله حسبي وحده

عن كلّ مفخرةٍ يعدّ الفاخر

ولما عاد منها إلى بلده اشتدَّ شوقه وحنينه إليها فأنشدَّ:

بكاءٌ علـى أيـامِ مكةَ إنَّ بي

إليهـا حنينٌ الـنِّيبِ فاقـدةُ البكـرِ

تذكـَّرتُ أيـامًا بـهـا فكـأنَّني

قد اختلفت زرقُ الأسنَّةِ في صدري

أبيِتُ على الصخر المبارك باكياً

كما أنَّتِ الخنساءُ تبكي على صخر

و حينَ تخطينا المناقبَ وارتمتْ

بنا العيسُ تهوي في مسالكها القفرِ

و قلتُ ألا أينَ الحطيمُ وزمزمٌ

و ماليَ محجوزًا عن الركنِ والحجرِ

صفرتُ وراءَ الغورِ صفرةَ مفلسٍ

رأي يدَهُ صفرًا من البيضِ والصفرِ

و قلتُ لقلبي قدْ ملكتكَ مرَّةً

فما أنتَ إلاَّ طائرُ طارَ في وكرِ

وتوفي ليلة عرفة سنة (538هجرية).

أبو اليمن ابن عساكر الدمشقي، جاور بمكة نحو أربعين سنة. وتوفي في جمادى الأولى سنة ست وثمانين وستمائة بالمدينة النبوية، له قصيدة فيها شكوى وموعظة ونصيحة...، عنوانها هو بيتها الأول نفسه:

يا من تبوأ من مشاعر مكة

متبوأ بين الصفا والمروة

وأبسط له كفّ السؤال فإنه

جمّ النوال ببسط ظلّ النعمة

واخضع له واضرع إليه وناده

متنصلاً مما جنيت بذلة

وارفع إلى مولاك شكواك التي

طالت بها نجواك أبعد شقة

وانظر لأمرك حيث أمرك منظر

لابدّ من بعد الكرى من يقظة

إلى أن يقول:

فأوى إلى حرم ولاذ بمأمن

مستوثقاً منها بأوثق عروة

ألقى العصا فيها وأوضع كي بها

تضع الخطا والحوب عنه بتوبة

واغسل ذنوبك بالدموع لعلّه

أن يجتبيك من لدنه برحمة...

الشاعر أحمد شوقي ( ت 1932 م ) في رائعته، التي يبدأها بجبل عرفات .. ويُعدُّ الوقوف عنده أهم مناسك الحجّ؛ ( الحجّ عرفة ):

إلى عرفات الله يا خير زائر

عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ في عَرَفاتِ

ويوم تولى وجهة البيت ناضراً

وسيم مجالي البشر والقسمات

وَفي الكَعبَةِ الغَرّاءِ رُكنٌ مُرَحِّبٌ

بِكَعبَة قُصّادٍ وَرُكنِ عُفاةِ

وَما سَكَبَ الميزابُ ماءً وَإِنَّما

أَفاضَ عَلَيكَ الأَجرَ وَالرَحَماتِ

وَزَمزَمُ تَجري بَينَ عَينَيكَ أَعيُنًا

مِنَ الكَوثَرِ المَعسولِ مُنفَجِراتِ

وَيَرمونَ إِبليسَ الرَجيمَ فَيَصطَلي

وَشانيكَ نيرانًا مِنَ الجَمَراتِ

لَكَ الدينُ يا رَبَّ الحَجيجِ جَمَعتَهُم

لِبَيتٍ طَهورِ الساحِ وَالعَرَصاتِ

أَرى الناسَ أَصنافًا وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ

إِلَيكَ اِنتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ

تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ

لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ

عنت لك في الترب المقدس جبهة

يدين لها العاتي من الجبهات

منورة كالبدر شماء كالسها

وتخفض في حقّ وعند صلاة

ويا رب هل تغني عن العبد حجّة

وفي العمر ما فيه من الهفوات

وأنت ولي العفو فامح بناصع

من الصفح ما سودت من صفحاتي...

وله أيضاً:

يا كعبة العلم في الإسلام من قدم

لا يزعجنّك إعصار الأباطيل

إن كان قومك قد جاروا عليك وقد

جاءوا لهدمك في جيش الزغاليل...

الله أرسل طيراً بين أرجلها

قنابل الصخر ترمى صاحب الفيل

للدّين والبيت ربٌّ لا يقاومه

حمر الثياب ولا سود الأساطيل

الشاعر محمد إقبال ( ت 1938 م ) وبعض شواهده الشعرية:

يقول الد كتور فهمي النجار:.. يرتبط إقبال بالعالم العربي المسلم برباط العقيدة التي هي العروة الوثقى، ويعبر عن هذه الصلة المتينة في صورة جميلة، فيقول في قصيدته «شكوى»:

أنا أعجميُّ الدنِّ لكن خمرتي

صنع الحجاز وكرمها الفينان

إن كان لي نغم الهنود ولحنهم

لكنَّ هذا الصوت من عدنان...

وله:

صوت قيثارتي التي سمعوها

أعجميٌّ لكنَّ لحني حجازي...

ويتغنّى إقبال بأرض الحجاز، منبت الوحي، وأرض البطولات، فيقول في قصيدة «شكوى» مبيناً أنها وطن كلّ مسلم على أرض المعمورة، وإليها يحنُّ قلب كلّ مؤمن:

أشواقنا نحو الحجاز تطلّعت

كحنين مغترب إلى الأوطان

إنَّ الطيور وإن قصصت جناحيها

تسمو بفطرتها إلى الطيران...

وله أيضاً:

أنا أعجمي الحبّ إلّا أنني

أطلقتُ في الحرم الشريف لساني

داري وقبلتي وفخاري

لقد عاش محمد إقبال شاعر الإسلام - مدة حياته - في حبّ النبيّ9 والشوق إلى مدينته، وتغنّى بها شعره الخالد...

ويقول عنه أيضاً: ويبقى محمد إقبال يشتاق إلى أرض الحجاز حتى الدقائق الأخيرة من حياته، فينشد:

نغمات مضين لي هل تعود

ونسيم من الحجاز سعيد

أذنت عيشتي بوشك رحيلٍ

هل لعلم الأسرار قلب جديد...

نظم شعر إقبال بالعربية كلّ من د. عبد الوهاب عزام، وكذا الصاوي الشعلان... أما أبو الحسن ندوي فقد ترجمه نثراً...[184]

نكتفي بهذه الشواهد الشعرية من بعضهم، وإلّا هناك الكثيرون من الشعراء تجلّت قرائحهم؛ لتحكي وجدانياتهم في لوحات شعرية فنيّة مؤثرة شوقاً إلى مكة المكرمة وما فيها، وحنيناً ومدحاً وثناءً ووصفاً لها... وإذا ما تتبعها القارئ يجد وكأنَّهم يتنافسون في قصائدهم عنها، وفي حنينهم وشوقهم ووصفهم لها!

 

[1]. هو الشيخ شمس الدين بن شهاب الدين الرملي المنوفى المصـري الأنصاري المشهور بالشافعي الصغير من علماء القرن العاشر الهجري، ولقّبه البعض بمجدد القرن العاشر.

 

[2]. أخبار الحاج وطريق مکة المعظمة، مصدر سابق 1: 726.

 

[3]. تاريخ الفاخري، مصدر سابق: 127.

 

[4]. تاريخ ابن لعبون،  مصدر سابق: 154.

 

[5]. عنوان المجد في تاريخ نجد، مصدر سابق 2: 233.

 

[6]. م. ن، 2: 237.

 

[7]. الشبانات، سعد بن عبد العزيز، الصّمّان بحوث وتحقيقات ميدانية وتأريخية لمنطقة الصُلب والصّمّان، تقديم حمد الجاسر، دار عالم الکتب، الرياض، ط2، 1420هـ 2000م 1: 143.

 

[8]. إتحاف الورى بأخبار أم القرى، مصدر سابق 4: 50.

 

[9]. م. ن، 4: 56.

 

[10]. سورة آل عمران: 97 .

 

[11]. عنوان المجد في تاريخ نجد، مصدر سابق 2: 372 .

 

[12]. إتحاف الورى بأخبار أمِّ القرى، مصدر سابق 4: 70 .

 

[13]. رابغ: هي إحدى محافظات منطقة مکة المکرمة وهي مدينة قديمة تقع على ساحل البحر الأحمر في إقليم تهامة، تبعد عن جدة حوالي140کيلومتر في اتجاه الشمال، يحدها من الشمال منطقة المدينة المنورة، ومن الجنوب محافظة جدّة، ومن الشرق منطقة المدينة المنورة ومحافظة خليص، يقطعها طريق دولي إلى جزئين شمالي و جنوبي، وکانت قديماً من ديار بني ضمرة من قبيلة کنانة، بها ميقات (الجحفة) وهو ميقات لأهل مصر والشام. البلادي، د. عاتق بن غيث، معجم معالم الحج، دار مکة للنشر والتوزيع،  مکة المکرمة، الطبعة الثانية، 1431هـ، 2010م: 654.

 

[14]. يعني الکوليرا (الهيضة): والکوليرا، والتي تعرف أحيانا باسم الکوليرا الآسيوية أو الکوليرا الوبائية، هي من الأمراض المعوية المُعدية التي تُسببها سلالات جرثوم ضمة الکوليرا المنتجة للذيفان المعوي. وتنتقل الجرثومة إلى البشر عن طريق تناول طعام أو شرب مياه ملوئة ببکتيريا ضمة الکوليرا من مرضي کوليرا آخرين.

 

[15]. إتحاف الورى بأخبار أم القرى، مصدر سابق 4: 27 .

 

[16]. م. ن، 4: 60 .

 

[17]. سورة  الحج: 27 .

 

[18]. تاريخ الخليج [الفارسي] وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 444.

 

[19]. التاريخ السياسي لإمارة الجبور في شرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 47.

 

[20]. أدما:  هي قرية لبنانية من قری قضاء کسروان في محافظة جبل لبنان.

 

[21]. العيوني، علي بن المقرب ديوان ابن المقرب، تحقيق و شرح: عبد الفتاح محمد الحلو، مکتبة التعاون الثقافي: الأحساء، الطبعة الثانية: 1408هـ ، 1988م: 548.

 

[22]. تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق، مصدر سابق: 34.

 

[23]. تاريخ الخليج[الفارسي] وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 446.

 

[24]. موسوعة ويکيبيديا العالمية على شبکة الإنترنت.

 

[25]. مجلة الرسالة الإسلامية. بغداد. العدد 12 من السنة 23: (1400هـ ـ1981م):  34.

 

[26]. عبد الله، الدکتور محمد مرسي، إمارات الساحل وعمان والدولة السعودية الأولى1793ـ1818م، المکتب المصري الحديث؛ القاهرة، الطبعة الأولى،1978م: 42 .

 

[27]. سفرنامه، ناصرخسرو، مصدر سابق: 38.

 

[28]. أخبار الحاج وطريق مکة المعظمة، مصدر سابق 2: 47.

 

[29]. قوافل الحج المارة بالعارض، مصدر سابق: 93ـ94.

 

[30]. مرات: محافظة تقع في الجهة الشمالية الغربية لمدينة الرياض بالمملکة العربية السعودية وتتبع إدارياً لمنطقة الرياض.

 

[31]. قوافل الحج المارة بالعارض، مصدر سابق: 95.

 

[32]. م. ن.: 97.

 

[33]. يصاقبها:  أي يجاورها.

 

[34]. قوافل الحج المارة بالعارض، مصدر سابق: 102.

 

[35]. الدمشقي، السيد مرتضى بن علوان، رحلة مرتضى بن علوان إلى الأماکن المقدسة والأحساء والکويت والعراق،  تحقيق و تعليق: أ. د. سعيد بن عمر آل عمر، مکتبة المتنبي:  الدمام، الطبعة الثانية: 1425هـ: 111.

 

[36]. الإصطخري، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي (المتوفى: 346هـ)، المسالك والممالك، الهيئة العامة لقصور الثقافة: القاهرة الطبعة الأولى: (د.ت): 28.

 

[37]. البروسوي، محمد بن علي، الشهير بابن سباهي زاده (ت997هـ / 1589م)، أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك، تقديم و تحقيق: المهدي عيد الرّواضية، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 1427هـ 2006م: 131.

 

[38]. أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك، مصدر سابق: 733.

 

[39]. سفرنامه، ناصر خسرو، مصدر سابق: 142.

 

[40]. أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك،  مصدر سابق: 131.

 

[41]. الحموي، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي: بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ 1993م. 5: 442.

 

[42]. ابن خرداذبه، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله، المسالك والممالك، مطبعة بريل: مدينة ليدن، الطبعة الأولى: 1881م: 50.

 

[43]. الصمّان، بحوث وتحقيقات جغرافية ميدانية، مصدر سابق 1: 141.

 

[44]. رحلة ابن علوان،  مصدر سابق: 111.

 

[45]. أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود بن سليمان الأرحبي البکيلي الهمداني (280ـ بعد 336هـ)، من أعظم جغرافيي جزيرة العرب في عصره، وکان شاعراً کذلك، وله إحاطة بعلوم الفلك والحکمة والفلسفة والکيمياء. سجن في أخريات حياته، وکان من أهم ما کتب الجوهرتين العتيقتين. قضی بعد السجن عام 336هـ.

 

[46]. خرشيم: لعل المراد بها (خُرَيشيف): قال ياقوت: «خِرشَاف: موضع بالبيضاء من بلاد بني جذيمه بسيف البحرين في رمال وعثة تحتها أحساء عذبة الماء عليها نخل بعل»، ويقول الجاسر في معجمه أنه: «بسيف القطيف». معجم البلدان 2: 359، حمدالجاسر، المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية المنطقة الشرقية: (البحرين قديماً)، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشـر، الرياض، الطبعة الأولى، 1400هـ، 2: 598.

 

[47]. يعرفان الآن باسم (سلّح ورويغب)، وهما منهلان يقعان غرب الدهناء، قال صاحب المعجم:  «وهي هجرة من هجر البادية، للسهول لآل منجل، والمحانية منهم في أعلى شعب من شعاب وجه العرمة الغربي، وبأسفله أبارق شقر تضاف إليه، فيقال (شُقران رويغب) وعند الأقدمين يجمع مع ماءها (السّلْح) فيقال: «السّلْحَيْن، کالحفرين، قال الهمداني: إلى الحفيرين وإلى السلحين»، بن خميس، عبد الله بن محمد، معجم اليمامة للبحث والترجمة والنشـر، الرياض المملکة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1398هـ 1978م، 1: 490.

 

[48]. العَرْمَة: ماءٌ عدّ، يقع في ناحية الرقاش الشرقية، شمال وادي القمرا،  وسمّي بهذا الاسم نسبة إلى مالکه العرم الشيباني، وهو في أطراف بلاد عتيبة مما يلي بلاد الدواسر، جنيدل، سعد بن عبد الله، المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية عالية نجد، دار اليمامة، الرياض، ط.1. (د.ت) 3: 938.

 

[49]. الحابسية: لعلّه يقصد من: أحباس، تجعل للماء، والحبس الماء المستنقع، وقيل الحبس حجارة تبنى على مجرى الماء لتحبسه للساربة، ويسمى الماء، معجم البلدان مصدر سابق 2: 213.

 

[50]. قولهم مکان زلق أي دحض، وزلقت رجله تزلق زلقاً، والزلاقة: الموضع الذي لا يمکن الثبوت عليه من شدة زلقه،  والتشديد للتکثير، معجم البلدان، مصدر سابق 3: 146.

 

[51]. لعل مراده وادي الفروق وهو يقع في الجزء الجنوبي الغربي من إقليم الأحساء، انظر: القحطاني، الدکتور حمد محمد، الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إقليم الأحساء 1288ـ1331هـ/1871ـ1913م، ذات السلاسل: الکويت، ط.1.1432هـ 2012م: 30.

 

[52]. أبرق: الجبل أو الحزم تکسوه رقعة من الرمال فيتکوّن من ذلك لونان يطلق عليه أبرق وجمعها أبارق، ويقصد بذلك ما لمع من أشعة الشمس. الصمّان، مصدر سابق 1: 155.

 

[53]. برقة الثور: قال ياقوت: برقة الثور: قال أبو زياد: برقة الثور جانب الصمان، معجم البلدان، مصدر سابق 1: 392.

 

[54]. تقع هضبة الصمّان في الجزء الشرقي من الجزيرة العربية بين درجتي (24ـ28)، ويبلغ طولها 500کم، ومتوسط عرضها 100کم تقريباً، وينحدر سطح الصمّان نحو الشـرق والشمال قليلاً (بمعدل 7 /1 متر في الکيل الواحد)، الصمّان، مصدر سابق 1: 153.

 

[55]. وهو لطريق المعروف بدرب القوافل المسمى زري قديماً، ودرب مزاليج حديثاً. وهو کالتالي من اليمامة إلى الأحساء والعکس صحيح: يبدأ من الرياض ثم يمر بمورد (أبوجفان) في العرمة ثم يجتاز الدهناء ماراً بالمصليبيخ ثم الميسونية، ثم الثفنة والبيضة ثم الصلب ثم بالمحْنيِّ ثم ربيداء ثم الشعب والفروق ثم النعلة والغوار حتى منهل ويسة إلى الأحساء، الصمّان، مصدر سابق 1: 151.

 

[56]. الدبدبة: تقع شرقي الصمان وهي بين البصرة واليمامة.

 

[57]. صحصح: جمعها صحاصح، وهي الأرض الواسعة الجرداء المسنوية، الصمّان، م. س.: 177.

 

[58]. وکلامه هنا غير صحيح، فقد باعد بين وسيع و دحرض حيث وضع دحرض في الصحصحان قرب الصمّان، وهذا لا يستقيم فليس قرب الصمّان في طريق الأحساء أي آبار معتبرة حتى هو نفسه قال في موضع آخر: «وليس بالصمان ماء عدّ إلّا ما کان مياه العرمة قربها»، راجع الهمداني، الحسن بن أحمد بن يعقوب، صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد بن علي الأکوع الحوالي، مکتبة الإرشاد: صنعاء، الطبعة الأولى1410هـ/1990م: 252.

 

[59]. ماء الدحضرين موردين في العرمة أحدهما اسمه دحرض والآخر اسمه وسيع وجمعا بصيغة دحرضين، وهو في غرب الأحساء ناحية منطقة الفروق وما حولها.

 

[60]. الصحيح (الدُو): وتسمي الدبدبة تقع شرقي الصمان، وهي بلد لبني تميم، قال ذو الرمة:

           حتى نساء تميمِ وهي نازحةٌ         بباحهِ الدُّو فالصّمان فالعقدِ

المصدر: المضري، غيلان بن عقبة بن مسعود العدوي، ديوان ذي الرمة، شرحه وضبط نصوصه الدکتور عمر فاروق الطبّاع، دار الأرقم، بيروت، الطبعة الأولى1419هـ/1998م: 153.

[61]. لعله إشارة إلى حمراء کون تربة صحراء الدهناء حمراء، وقد عبر عنها هنا بسمراء.

 

[62]. أرض سهب: تعني الأرض مستوية.

 

[63]. صحراء الدهناء: هي صحراء رملية حمراء في الجزيرة العربية تمتد من النفود شمالاً إلى الربع الخالي، وهي عبارة عن شريط رملي ضيق يتراوح عرضه ما بين 40 و 80کم، ويمتد على شکل قوس من الشمال إلى الجنوب لمسافة تزيد على 1000 کم بمحاذاة جبل طويق. وتصل صحراء الدهناء بين صحراء النفود الکبير في شمال الجزيرة وصحراء الربع الخالي في جنوبها، کما تشکل عند الکثير من الجغرافيين الحد الفاصل بين إقليمي نجد والأحساء، وتتشکل الدهناء من کثبان رملية عالية تمتد بشکل طولي وتسمى «عروقاً»، راجع معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 436.

 

[64]. حيث کانت وصية الشاعر ذو الرمة أن يدفن بديار بني تميم، على کثبان حُزْوَى، وهي ديار محبوبته ميّة، ديوان ذي الرمة، مصدر سابق: 5.

 

[65]. ذو الرُمَّة: هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي الربابي التميمي، کنيته أبو الحارث، وذو الرّمّة شاعر عربي من الرباب من تميم، من شعراء العصر الأموي، ومن فحول الطبقة الثانية في عصره (77ـ117هـ) ديوان ذي الرمة، مصدر سابق:5ـ 16.

 

[66]. دفن في رمال حزوى: وتقع رمال حزوى شمال شرق مدينة الرياض بـ: 250کيلاً، شمال مدينة رماح ويربط بين رماح والبلدان الناشئة بالصّمّان خط إسفلتي يمر ببلدة شوية وبلدة حزوى (العمانية) ورمل حزوى يحف بالبلدتين؛ ويقع القبر في أعلى قمة من رمال حزوى مطل على خبراء (خسيفة) التي غسلوه وصلوا عليه فيها، ثم حملوه إلى قبره الذي حفروه في الرمال وبطنوه بأغصان الأشجار والمدر الطين اليابس (اللبن) حسب وصيته.

 

[67]. عثاعث: هي الأرض الرملية، قال ذو الرمة:

                 تريك وذا غدائر وارداتٍ      يصبن عثاعث الحجبات سودُ

ديوان ذي الرمة، مصدر سابق: 155.

[68]. الخَلُّ: هو الطريق النافذُ بين الرَّمال المتراکمة والجمع: أخُلّ، وخِلالٌ. قال زهير بن أبي سلمى:

ظلت على نيسم (خلٍّ) جازعِ       صعب الصعود صبب المطالع، الصّمّان، مصدر سابق:169.

[69]. ينکش: يزف و يغيض، وتعضب: تنقطع.

 

[70]. النظيم: ما انتظم من أي شيء مثل الخباري أو الأجواء کالجواء النظيم بالصمان، م. س.: 190.

 

[71]. ينکش: يزف و يغيض، وتعضب: تنقطع.

 

[72]. الغرابات: جمع غرابة: موضع في شعر لبيد وهي أمواه لخزاعة أسفل کلية، وقال الحفصـي: الغرابات قرب العرمة من أرض اليمامة، وأنشد الأصمعي:

                    لمن الدار تعفّى رسمُها    بالغرابات فأعلى العرمة

معجم البلدان، مصدر سابق 4: 189.

[73]. المراد هنا ماء وسيع الذي بالعرمة المذکور سابقاً، وقد يطلع عليه (وشيع) بالشين بدل السين، قال ياقوت: والوشيع: خشبة غليظة توضع على رأس البئر. في نوادر أبي زياد: وسيع، بالسين مهملة، هو ماء لبني الزبرقان قرب اليمامة. وجاء في معجم اليمامة: وما (وشيع) و(وسيع) إلّا منهلاً واحداً في جنوب غرب العرمة الجنوبية، ووادي وسيع ينحدر من ظهر العرمة الجنوبية متجهّا للجنوب الغربي ويصب فوق الروضة (التوضيحية). معجم اليمامة 2: 441. معجم البلدان، م.س.5: 378.

 

[74]. ويعني أبو جفان: وهو منهل قديم من مناهل (العرمة) الجنوبية، يرده المسافرون على الإبل بين (الرياض) و(الأحساء)، وهو إلى (الرياض) أقرب وآبار (أبو جفان) تقع على خط العرض 50/30/24 وخط الطول 02/43/47 وعدد آباره الظاهرة الآن أربع وعشـرون بئراً أشهرها تسمى (القموص) . ويبعد (أبو جفان) عن (الرياض) مئة کيل جهة الشرق. ويبدو أن (أبو  جفان) يحمل هذا الاسم منذ القدم، فقد يبدأ المتقدمون بعض أسماء الأماکن بکلمة (أبو) أو (أم) مثل قولهم (أم أوعال) (227) وأن سبب سميته بهذا الاسم وجود قلات تنتظم أسفل الوادي قبل انحداره مع منحدر جبال (العرمة)، وهذه القلات مدورة الشکل منها واحدة فوهتها مستديرة کالجفنة (القصعة) والعرب يسمون القلات المتقاربة المتتابعة في المجرى المائي النظيم.

 

[75]. القاع: هو ما انبسط من الأرض الحرة السهلة الطين التي لا يخالطها رمل فيشـرب ماءها، وهي مستوبة ليس فيها تطامن ولا ارتفاع، والمقصود هنا في ناحية العرمة. معجم البلدان، م.س.4: 298.

 

[76]. معنى سهب: السَّهْبُ: الفَلَاةُ جمعه سهب وقال الفَضْلُ بنُ العَبَّاس اللَّهَبِيُّ:

                ونَحْلُلْ من تِهَامَةَ کُلَّ سَهْبِ     نَقِيِّ التُّرْبِ أوْدِيَةً رِحَابا

ويقول صاحب بن خميس في المعجم: السهباء بلاد لحنيفة، وهي منطقة واسعة في الخرج وروضة من أکبر رياض (اليمامة)، هي منخرق وادي حنيفة، مدفع سيوله يکبر سيله احياناً ويعظم، ثم ينتهي بهذا المنخرق فيتبدد ويضيع. والسهباء على مقربة من (الخِضرمة) قصبة اليمامة، وقاعدتها الحضارية الأولى أيام بني حنيفة، وأيام بني الأخيضر، معجم اليمامة، مصدر سابق 2: 39.

[77]. وتطلق عادة مع کلمة برقة فيقال (برقة أنقد)، قال ياقوت: قال الحفصي: أنقد جبل باليمامة. معجم البلدان 1: 391.

 

[78]. الروضة: بلدة أکبر وأشهر بلدان سدير وأقدمها، أعلى بلدة في وادي (الفقي)، ما عدا قرية صغيرة تدعى (المَعْشَبَة)، فالروضة أول بلدة تستقبل سيل هذا الوادي. معجم اليمامة، م.س. 1: 485.

 

[79]. قال أبو عبيد البکري في معجم ما استعجم: «خضرمة»: موضع مذکور في رسم اللهابة، ورسم الغورة. وقال الأصمعي: الخضرمات: رکايا باليمامة، وأنشد للعجّاج:

                إذْ حسبوا أنّ الجهاد والظّفرْ    إيضاع بين الخضرمات وهجرْ

وقال الصّوليّ: خضرمة: قرية باليمامة، وتقع (الخضرمة) في جو أسفل وادي الخرج في الموضع الذي تقوم فيه بلدة (اليمامة) في العهد الحاضر، أو قريب من ذلك الموضع. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، مصدر سابق 2: 501؛ معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 388.

[80]. صفة جزيرة العرب، مصدر سابق: 138.

 

[81]. العبودي، محمد بن ناصر، معجم بلاد القصيم، [د.ن]، الطبعة الثانية1410هـ/1990م، 4/1406.

 

[82]. معجم البلدان، مصدر سابق 3: 457.

 

[83]. أحمد بن عمر، أبو على ابن رسته (ت نحو300هـ/نحو 912م) هو جغرافي فارسي، من أهل إصفهان. حجّ سنة290هـ وصنف کتاب «الأعلاق النفيسة»، وصف بها الکثير من المدن والبلاد؛ الکتاب يقع في سبعة أجزاء، لکن لم يصلنا منه إلّا الجزء الأخير.

 

[84]. تقع منطقة ضرية بمنطقة القصيم، وهي تبعد عن الرس 150کم، وتبعد عن عفيف 90کم،  وعن الدوادمي 190کم.

 

[85]. ابن رسته، أبو على أحمد بن عمر، الأعلاق النفيسة، مطبعة بريل: مدينة ليدن، الطبعة الأولى: 1891م: 182.

 

[86]. معجم البلدان، مصدر سابق 3: 457.

 

[87]. أبوالقاسم عبيد الله بن عبد الله ابن خرداذبه (نحو205ـ نحو280هـ) مؤرخ وجغرافي اشتهر بکتابه الجغرافي کتاب المسالك والممالك، الذي وصف فيه المسافات بين البلدان وقد عمل في خدمة الخليفة العباسي المأمون.

 

[88]. معجم البلدان، مصدر سابق 2: 115.

 

[89]. م. ن. 2: 223.

 

[90]. م. ن. 4: 42.

 

[91]. معجم البلدان، مصدر سابق 4: 272.

 

[92]. م. ن. 2: 440.

 

[93]. م. ن. 4: 302.

 

[94]. معجم البلدان، مصدر سابق 5: 95.

 

[95]. م. ن. 5: 362.

 

[96]. م. ن. 1: 281.

 

[97]. معجم معالم الحجاز، مصدر سابق 1: 145.

 

[98]. معجم البلدان، مصدر سابق 4: 108.

 

[99]. معجم معالم الحجاز، مصدر سابق 5: 1035.

 

[100]. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، مصدر سابق 14: 31.

 

[101]. معجم البلدان، مصدر سابق 1: 414.

 

[102]. المسالك والممالك، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه، مطبعة بريل: مدينة ليدن، الطبعة الأولى 1881م: 146ـ147.

 

[103]. الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى، محمد الفهد العيسى، مکتبة العبيکان، الطبعة الأولى، 1415هـ /1995م: 13.

 

[104]. معجم اليمامة، مصدر سابق: 529.

 

[105]. الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، مصدر سابق: 23.

 

[106]. المسالك والممالك، مصدر سابق: 147.

 

[107]. أبو بکر بن بهرام الحنفي الدمشقي (ت1102هـ)، جغرافي عثماني. ولد في دمشق ونشأ فيها ثم رحل إلى إسطنبول وأکمل دراسته هناك، وأتقن کثيراً من العلوم والفنون وتميز في الرياضيات بشکل خاص، وترقى في الدرجات العلمية. واتصل بالوزراء وکان مقرباً من الصدر الأعظم الوزير أحمد باشا الکبرلي المعروف بالفاضل، ثم تولى القضاء في حلب، وکان مشهوراً بفضله وعلمه، ألف أبوبکر للسلطان محمد الرابع مصنفاً ضخماً باللغة الترکية بعنوان: «جغرافياي کبير» ويقع في ستة أجزاء وله موجز يقع في جزئين، ويعتقد بعض الباحثين أن لهذا الکتاب عنواناً أخر باللغة العربية هو: «نصرة الإسلام والسرور في تحرير أطلس مينور».

 

[108]. الدمشقي، أبي بکر بن بهرام، جزيرة العرب في کتاب مختصـر الجغرافيا الکبير، تحقيق: مسعد سويلم الشامان، مرکز حمد الجاسر، الرياض، الطبعة الأولى 1428هـ، 398ـ400.

 

[109]. العبيد، عبد الرحمن بن عبد الکريم، الموسوعة الجغرافية لشرقي البلاد العربية السعودية، نادي المنطقة الشرقية الأدبي: الدمام، الطبعة الأولى، 1413هـ/1993م 1: 264.

 

[110]. جزيره العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق، الهامش: 298.

 

[111]. الزبيدي، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، الملقّب بمرتضـى (ت: 1205هـ)، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الفکر: بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ 17: 417.

 

[112]. کتاب المناسك وأماکن طرق الحاجّ ومعالم الجزيرة: لأبي إسحاق إبراهيم الحربي، تحقيق: حمد الجاسر، دار اليمامة، الرياض، الطبعة الأولى1389هـ /1969م: 573.

 

[113]. القطيعي، عبد المؤمن بن عبد الحق، ابن شمائل (ت: 739هـ)، مراصد الاطلاع على أسماء الأمکنة والبقاع، دار الجيل: بيروت، الطبعة الأولى1412هـ 2: 851، معجم البلدان، مصدر سابق 3: 423.

 

[114]. البکري، عبد الله بن عبد العزيز الأندلسي (ت487هـ)، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تحقيق: مصطفی السقا، عالم الکتب: بيروت، الطبعة الثالثة1403هـ، 4: 1109.

 

[115]. الموسوعة الجغرافية لشرقي البلاد العربية السعودية، مصدر سابق 2: 84.

 

[116]. الصّمّان، مصدر سابق 1: 27.

 

[117]. معجم البلدان، مصدر سابق 2: 493.

 

[118]. معجم ما استعجم، مصدر سابق 2: 551.

 

[119]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق، الهامش: 298.

 

[120]. کتاب المناسك وأماکن طرق الحاجّ، مصدر سابق: 619.

 

[121]. معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 416.

 

[122]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 281.

 

[123]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 281.

 

[124]. لسان العرب، ابن منظور 12: 565.

 

[125]. معجم البلدان، مصدر سابق 5: 195.

 

[126]. مراصد الاطلاع على أسماء الأمکنة والبقاع، مصدر سابق 3: 1310.

 

[127]. علي، الدکتور جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جامعة بغداد، الطبعة الثانية، 1993م، 13: 40.

 

[128]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 399.

 

[129]. المعجم الجغرافي للبلاد العربيه السعودية عالية نجد، مصدر سابق: 535.

 

[130]. مراصد الاطلاع على أسماء الأمکنة والبقاع، مصدر سابق 1: 338.

 

[131]. م ن .

 

[132]. المعجم الجغرافي للبلاد العربيه السعودية عالية نجد، مصدر سابق 2: 534.

 

[133]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 399.

 

[134]. العيسى، محمد الفهد، الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، مکتبة العبيکان، الرياض، الطبعة الأولى1415هـ/1995م: 13.

 

[135]. معجم البلدان، مصدر سابق 4: 66.

 

[136]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 279.

 

[137]. م. ن. 380.

 

[138]. الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، مصدر سابق: 11.

 

[139]. معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 416.

 

[140]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 381.

 

[141]. الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، مصدر سابق: 23.

 

[142]. معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 64.

 

[143]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 282.

 

[144]. بن خميس، عبد الله بن محمد،  المجاز بين اليمامة والحجاز، منشورات دار اليمامة، الرياض، الطبعة الأولى1390هـ /1970م: 50.

 

[145]. معجم ما استعجم، البکري الأندلسي، مصدر سابق 4: 1204.

 

[146]. معجم البلدان، مصدر سابق 5: 96.

 

[147]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 49.

 

[148]. المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية عالية نجد، مصدر سابق: 761.

 

[149]. م. ن.: 764.

 

[150]. الجاسر، حمد، ترتيب: التعليقات والنوادر عن أبي علي هارون بن زکريا الهجري، دراسة ومختارات، القسم الثالث: المواضع، الطبعة الأولى1413هـ/1992م: 1428.

 

[151]. معجم البلدان، ياقوت الحموي 2: 309.

 

[152]. صفة جزيرة العرب، مصدر سابق: 260.

 

[153]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 399.

 

[154]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 60.

 

[155]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 399.

 

[156]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 240.

 

[157]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 226ـ227.

 

[158]. معجم معالم الحجاز، مصدر سابق 6: 1109.

 

[159]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 240.

 

[160]. م. ن.: 15.

 

[161]. م. ن.: 213.

 

[162]. معجم معالم الحجاز، مصدر سابق 4: 705.

 

[163]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 216.

 

[164]. م. ن.

 

[165]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 231.

 

[166]. م. ن.: 403.

 

[167]. کتاب المناسك وأماکن طرق الحاج، مصدر سابق: 347.

 

[168]. م. ن.: 348.

 

[169]. سورة آل عمران: 96 .

 

[170]. سورة البقرة: 144 .

 

[171]. سورة إبراهيم: 36 .

 

[172]. سورة الحج: 27ـ 29.

 

[173]. سورة آل عمران: 97 .

 

[174]. فتح الباري، شرح صحيح البخاري:5330؛ وصحيح البخاري: 1889؛ صحيح ابن حبان:5600؛ وموقع الموسوعة الحديثية - الدرر السنية - ، بتصرف؛ المستدرك على الصحيحين، رقم 4314؛ ديوان حسّان بن ثابت؛ السيرة النبوية، لابن هشام1: 75؛ البداية والنهاية، لابن كثير2: 235؛ الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، عبد الرحمن السهيلي2: 11ـ12؛ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، الفاسي 1: 178.

 

[175]. سورة آل عمران: 96 ـ97 .

 

[176]. سورة الحج: 26 .

 

[177]. انظر بدائع الفوائد، لابن القيم الجوزية، المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبوعبد الله، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا - عادل عبد الحميد العدوي - أشرف أحمد .

 

[178]. السيرة النبوية، ابن هشام الحميري١: 176؛ بحار الأنوار، العلّامة المجلسي١٩: ٢؛ ثمارالقلوب، للثعالبي1: 13؛ ديوان الأعشى: 214؛ المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده (ت458هجرية)، تحقيق عبدالحميد هنداوي 3: 85 عن ديوان الأعشى: 173؛ تاج العروس، الزبيدي ١٨: ١٣٢.

 

[179]. ديوان الفرزدق، شرحه وضبطه وقدّم له علي فاعور: 511 .

 

[180]. معجم البلدان، ياقوت الحموي1: 122؛ معالم مكة التأريخية والأثرية، عاتق بن غيث البلادي؛ ديوان الشريف الرضي؛ والشريف الرضي، حياته وشعره، نور الدين حسن جعفر: 17.

 

[181]. حجازيات الشريف الرضي، مصطفى كامل الشيبي: 25؛ كتاب الشريف الرضي، دراسات في ذكراه الألفية؛ شعراؤنا القدامى، شراره عبداللطيف:  الشريف الرضي، دراسة ومختارات، الشـركة العالمية للكتاب، ط1،  1992م .

 

[182]. ديوان أبي العلاء المعري .

 

[183]. انظر في هذا ديوان السهروردي المقتول؛ لطائف المعارف، لابن رجب: 241 .

 

[184]. من كتاب الشاعر والمفكّر الإسلامي محمد إقبال، د. فهمي النجار: 144وهامشها، بتصرف .

جاء في مقدمة البحث:

«طالما راودتني فکرة التطرّق لموضوع الحج الأحسائي من الناحية التاريخية؛ والتعريف بالعلاقة الکبيرة بين الأحساء وبلاد الحجاز، وأهم الطرق التي يسلکونها في المسير لأداء فريضة الحج، والعقبات التي تواجه الحاج الأحسائي تحديداً من صعوبات ومعوِّقات، حاله حال الکثير من الحجاج في مختلف المنافذ المتجهة إلی مکة المکرمة، نظراً للتغافل الکبير من المهتمين بتاريخ الحج وطرق الحاج، وذلك لصعوبة البحث وندرة المصادر التي تناولت معالم هذه الطرق.

لذا اکتفی معظم الباحثين بتناول الطرق المشهورة والمعروفة؛ مثل الشامي والعراقي والمصري واليمني والعماني وغيرهم، دون تجاوز هذه العتبة خشيةً من وعورة الطريق والبحث في هذه النقطة المعتمة...».

الکلمات المفتاحية:

المصاعب والعناية بطريق الحجّ الأحسائي، الجهود المبذولة في تأمين الحجّ، معالم طريق الحجّ الأحسائي، بيان بعض المصطلحات القديمة، العوامل المؤثرة في تحديد طريق الحجّ، الطرق المباشرة إلى مکة المکرمة، طرق ومنازل الحاجّ من الأحساء إلى مکة المکرمة . . .

* * *

... الفصل الثاني: المصاعب والعناية بطريق الحج الأحسائي

مصاعب و مخاطر طريق الحج:

يصادف الحاج في رحلته العبادية لأداء فريضة الحج مجموعة من العقبات والتحديات، تبدأ من أول مرحلة من مراحل الحج وهي الاستعداد، ولا تنتهي إلّا بعودته عند باب داره في أرض الوطن.

هذا الأمر هو ما يجعله في حالة توتّر شديد وقلق کبير لايفارقته، وهنا نورد عدد من هذه الصعوبات والتحديات التي يشهدها طريق الحج نذکرها بإيجاز، لنستشعر طبيعة الرحلة الإلهية وما يکتنفها والحالة النفسية التي يعيشها الحاج في حالة تجمع بين الفرح والسعادة التي لا توصف وهو يستشعر أنه في طريقه لأداء شعيرة إلهية عظيمة قد وفقه الله لأدائها، وبين الشعور بالخوف والقلق أنه لا يسلم على حياته فضلاً عن سرقته من قبل قطّاع الطرق، وبالتالي قد لا يرجع لأهله ووطنه سالماً.

وهذه المصاعب المؤرّقة يمکن تلخيصها في التالي:

1ـ الانفلات الأمني:

الهاجس الأمني والخوف على الأرواح من أکثر الأمور التي عانى منها الحاج من مختلف المناطق وطرق الحج المتعددة، بلغ درجة أن تتخلف بعض المناطق عن الحج لسنوات إذا علمت بفقد الأمن و وجود قُطّاع الطرق في الطريق، حتى لقد بلغ إيذاء الحاج في بعض السنوات منتهاه، حتى أنه ينقل عن العلامة الشيخ محمد الرملي الشافعي (القرن العاشر).[1]

ـ بسبب ما لاقاه من شدة وأذى والمشقة أفتى بعدم وجوب الحج في هذه الأزمنة.[2]

ـ طالما فيه خطر على النفس البشرية. ففي سنة 1142هـ، هجم بعض قُطّاع الطرق من قبيلة مطير على الحاج الأحسائي في منطقة الحنو.[3]

ـ وقتلوا منهم وسلبوهم بعدما أخذوهم للحسوة.[4]ـ وهي منطقة تقع في جنوب شرق المدينة المنورة، وتبعد عن مدينة ينبع البحر حوالي 350 کيلومتر کما تعتبر داخل حدود منطقة المدينة المنورة، وسکانها غالبهم من قبيلة مطير، وشيوخها منهم.

مجزرة ابن حثلين لحاجّ الأحساء:

من الشواهد التاريخية التي تبيّن حجم المأساة التي يعاني منها الحاج ومستوى القسوة التي مارسها لصوص الحاجّ وامتلاکهم قلوب هي إلى الحجارة أقرب، بلا رحمة ولا شفقة.

ففي حوادث سنة 1261هـ، وهي الحقبة التي کانت الأحساء خاضعة للدولة السعودية الثانية، أقبل حاجٌ کثيرٌ من الأحساء والبحرين والقطيف، ومن أهل سيف البحر، ومعهم عجم کثير، فرصد لهم في الطريق فلاح بن حثلين رئيس العجمان، ومعهم أناس من عربان سبيع، وکان حزام بن حثلين مع الحاج، فشنوا عليهم غارة، شردوا من الحاج نحواً من نصفه، وذلك من سرِّ قدرة الله وتدبيره، وقد مات فيها خلق کثير، بينما أُسر البعض الآخر.

فاستنفر الإمام فيصل بن ترکي جيشه فرکب من الرياض آخر ذي القعدة،[5] وقد استنفر معه القبائل المختلفة وأصبح يطارده فلمّا سمع ابن حثلين بذلك لجأ إلى بني خالد عدوان الإمام فيصل، ولکن لما وجدوا عظم الأمر ذهب أعيانهم وشيوخهم ألّا يأخذ البريء بالمسيء، وتمّ طرد ابن حثلين وبقي مشرّداً يبحث عن ملجإ، حتى تمّ القبض عليه سنة 1262هـ، واعتقاله وأخذه إلى قصر الکوت عند أحمد السديري الذي قام بإعدامه بقطع رأسه.[6]

وهذه الحادثة تؤکّد - رغم ا لصعوبات التي تکتنف طريق الحج - بأنّ الوفود السائرة للحج من خلال عبوره تعدّ کبيرة نسبياً، لأنها تجمع الحاج من الأحساء والقطيف والبحرين ومناطق الساحل سواء من قطر أو عُمان، ويتبعهم القادمون عبر البحر من أهل الفرس والهند، وهي تحمل معه الغنائم والأموال التي أرادوا بها الکفاية لأداء فريضة الحج والعودة إلى أوطانهم، خاصة وأنّ الرحلة قد تستغرق عند البعض من المناطق البعيدة قرابة النصف سنة بعيداً عن أهله ووطنه.

وفي سنة 1310هـ، نشطت بعض القبائل من أهل البادية لسـرقة الحاج وسلبهم. وتجمع منهم أکثر من 300 رجل، بتمرّد خطير فهاجموا قافلة مسافرة من الهفوف إلى العقير في حراسة فرقة ترکية من 25 جندي فقتلوا 15 منهم وجرحوا 10، وحملوا معهم 50 ألف روبية نقداً وما قيمته 20 ألف من البضائع، کما نهبوا أيضاً 40 حاجّاً کانوا مسافرين بصحبه القافلة وبدأت حوادث سرقات عديدة،[7] وهي بلا شك تشمل وفود الحجاج القادمين عبر الميناء وکذلك القوافل التجارية.

2ـ قلة الماء والآبار:

من العوامل المؤثر في اختيار الطريق من عدمه، أو کثرة العبور من خلاله أو ترکة، وفرة الماء ووجود الآبار في الطريق، وهنا يأتي دور الأمير وقائد الرحلة في معرفة الطرق وتمتعها بهذه الخاصية أو لا، لذا يستعان في مثل هذه الرحلات بالدليل الخبير بالصحراء من رجال البادية، حيث يتولى قيادة الرحلة وانتقاء الطرق المناسبة.

فالحاج في رحلته الشاقة والطويلة والتي تستغرق في الغالب حدود 25 يوماً؛ ستة من الأحساء إلى الرياض، و 18 يوماً من الرياض إلى مکة المکرمة، والتي قد تصل إلى شهر بعض الأحيان، يکون في أمس الحاجة إلى التزوّد بالماء خلال الطريق، خاصة عندما يکون الموسم في فصل الصيف الذي يشتد فيه العطش، وتظمأ الدواب، بل وينفق بعضها بسبب العطش والتعب، وفي هذا الحالة نجد الدليل ينتقي الطرق والمنازل التي تتوفر فيها الآبار والکلأ وإن أدى ذلك إلى طول الطريق وبُعد المسافة.

ففي سنة 833هـ، أصاب الحاجّ المصري بين (الإزلم) و(ينبع)، شدة عظيمه من الحرّ والعطش، مات فيها ثلاثة آلاف نفس، ويقال خمسة آلاف.[8]

وفي السنة التالية عام 834هـ، توفي العديد من الرجال والنساء ممن هلك بالعطش من الحاج فدفن منهم بالآلاف.[9]

ومن هنا تأتي أهمية معرفة الدليل وخبرته بمخارج الطريق وأماکن الآبار والمسافات طولاً وقصراً، فالأرواح تکون معلّقة بين يديه، والخطأ هنا يعني موت الحاج والدخول في متاهات قد لا يؤمن عواقبها.

وقد نقل في التاريخ الأحسائي الشفهي، موت بعض الحاج بسبب الضياع، وقلة الماء، إما لعدم وجود آبار أو لجفاف المياه منها، وهذا يشکل تحدي کبير لقافلة الحاج ومصدر قلق لا يمکن التهاون فيه.

3ـ طول الطريق:

خمسة وعشرون يوماً من السير على ظهر الإبل، أو سيراً على الأقدام، في رحلة مليئة بالتعب ومحفوفة بالعناء وقسوة الحياة، ومصحوبة بالکثير من المخاطر، من وحوش الصحراء کالذئاب والعقارب والثعابين تارة وقُطّاع الطرق أصحاب القلوب البشعة والقاسية تارة أخرى.

فإذا أخذنا في الاعتبار وجود عدد غير قليل من کبار السنّ والنساء ضمن رکب الحاج، ندرك مدى المشقة والصعوبة في هذه الرحلة، وأنها تستغرق وقتاً طويلاً بسبب المراعاة لأضعف الحاج، کما قد يختار أمير الحاج طريقاً أبعد، عندما يجد أنّ الطريق القريب يتخلّله بعض المخاطر کوجود قُطّاع طرق تتربص بالمارين فيه، أو تفشـي المرض بين عموم الحجاج، أو خلّوه من الآبار والمياه، في وقت تکون القافلة في أمسّ الحاجة لها، لذا قد تطول الرحلة إلى 40 يوماً لمثل هذه العوامل وغيرها.

فإذا أضفنا عملية الحج وطقوسه وما يتخلّلها من مشقة عطفاً على قوله تعالى: (وَلِلّهِ على النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)،[10] وبما فيها من طواف وسعي ورمي جمرات ووقوفيْن بعرفات والمشعر الحرام، ندرك جيّداً حجم المشقة التي يعيشها الحاج والوقت الذي يستغرقه عمل المناسك، ثم تبدأ الرحلة إلى المدينة المنورة، وأخيراً خط العودة والذي لا يقل خطورة وصعوبة عن رحلة  الذهاب، مما يجعل الرحلة في مجموعها قد تستغرق بين ثلاثة إلى أربعة أشهر.

من خلال کلّ هذا ندرك خطورة الأمر ومدى کلفته على العجزة من النساء وکبار السنّ في رحلة طويلة يکتنفها المشقة والتعب في جميع مراحلها.

4ـ ضعف الدراية بطرق الحجِّ المناسبة:

واحدة من أهمّ صفات أمير الحاجِّ وقائد الرحلة، هو درايته بالطرق المختلفة المؤدِّية إلى الديار المقدسة، وهذه تتکوّن نتيجة خبرة طويلة وسفرات متعدد (متعددة) إلى الحجاز يتعرَّف فيها على معالم الطريق وصعوباته ومميزات کلِّ طريق منها، أو لا أقلّاً يوجد حوله من يمتلك هذه الدراية.

لذا يتجنب عن قيادة الحاجِّ من ليس له خبرة بالطرق أو من يتصف بالعناد والاستبداد بالرأي، وقد وقعت حادثة لحاجِّ الأحساء نتيجة عدم امتلاك أمير الحاجِّ لمثل هذه الخبرة والحنکة.

فقد تمَّ تنصيب الأمير محمد المحاري (المحاوي) أميراً على الحاجِّ الأحسائي من قبل أمير الأحساء الشيخ سليمان بن محمد بن عريعر الخالدي سنة 1142هـ، ولم يکن بذي خبرة في إدارة الأمور مما جعله لقمة سائغة لقُطَّاع الطرق من قبيلة مطير، وتسبَّب في إحداث مجزرة في الحاجِّ قرب منطقة الحنو،[11] وقد سبق الإشارة لهذه الحادثة في الصفحات السابقة.

5ـ تفشّي الأمراض والأوبئة الفتّاکة:

نتيجةً لضعف الرعاية الصحّية لدى الحجّاج القادمين من مختلف الأقطار الإسلامية بسبب الفقر وقلَّة الأطباء، فکثير ما يأتي بعض الحجّاج وهم محمّلين بالأمراض والأوبئة، ناهيك عن الحالة العامّة نتيجة للازدحام وقلَّة النظافة في الوضع العام سبباً في تفشّي الأمراض في صفوف الحجّاج.

وقد ذکر التاريخ العديد من الأمراض التي انتشرت بين الحجيج؛ ففي سنة 837هـ، انتشر وباء في اليمن ووصل إلى مکة المکرمة في شهر شعبان، فکان يموت في کلِّ يومٍ خمسين.[12]

وفي رحلة داود السعدي إلى الحجِّ مع حاجِّ الأحساء سنة 1388هـ، أرخَّ تفشّي مرض «الکوليرا» بين الحاجِّ فقال:

«يوم الأربعاء ومنها إلى قرب (رابغ)،[13] رعياً فقط، واعترى الحاج علة القوليرا (الهيضة)،[14] ومات سبعة أشخاص، وذکر عند وصولهم (رابغ) وهي بلدة معمورة، وفيها مات عشرة نفر، وعبد حبشي للسعدي».

وتعدّ هذه الحالة من عشرات الحالات التي تحدث موسميًّا في الحج حيث انتشار الأمراض والأوبئة المعدية التي تفتك بحياة مئات الحجاج في ظلِّ قلَّة المعالجات وهشاشة الوضع الطبي وضعف الثقافة الصحية لدى غالبيّة الحجّاج.

6ـ ارتفاع الأسعار والمعيشة في الديار المقدسة:

تضطرب الأسعار في موسم الحج فلا تکون الأسعار في مکة مستقرة أو على حالٍ واحد، ففي بعض السنوات کان الغلاء في الحجاز قد أخذ منتهاه، مع وجود قلَّة ذات اليد والحاجة في صفوف الحجّاج، نتيجة لکلفة السفر ومؤنته، مما يجعلهم في أضعف أحوالهم عند وصولهم لمکة المکرمة.

وقد ذکرت المصادر التاريخية العديد من هذه الحالات، ففي أحداث سنة 831هـ، يذکر بن فهد المکي عن أحداثها قائلاً: «وفيها اشتد الغلاء بمکة المشـرفة لعدم المطر فيها»،[15] وهذا نموذج وشکل من أشکال الغلاء، وإلّا دواعي الغلاء کثيرة ومتعدّدة الأسباب، من بينها قلة البضائع التي عادة ما يجلبها بعض الحجّاج معهم من بلدانهم،  أو انخفاض العطايا التي يقدّمها أمراء الحاجِّ لفقراء البيت الحرام.

وقد يطال الغلاء الماء لشحته وقلَّة الأمطار ففي سنة 834هـ، قلَّ الماء بمکّة في موسم الحجِّ حتى بيعت الراوية بمکة أيام الصعود إلى عرفة بأغلى الأثمان.[16]

7 ـ الصراعات السياسية في المنطقة:

الصراع السياسي في المنطقة له تأثير مباشر على الحاجِّ و سلامتهم سواء في بلاد الحجاز مکة والمدينة أو في مراحل الطريق المختلفة، وفي الغالب عند نشوب أي صراع بين أطراف سياسية تنعکس سلباً على الحاجِّ، لما يترتب عليه من الفوضى، وانحلال عقد الأمن والسلام، فکان اللصوص والاستقلاليون يستفيدون من مثل هذه الحقب الزمنية لصالحهم والنيل من الحجّاج وسلب ممتلکاتهم أو فرض الضرائب عليهم.

کما أنّ مکة المکرمة نفسها کثيراً ما تحدث فيها صراعات بين أقطاب الحکم من الأشراف، أو مواکب الحجِّ الکبيرة القادمة کموکب الحجِّ المصري والشامي والعراقي و غيرها.

وقد رصد التاريخ العديد من الصراعات التي کانت تنشب بين مواکب الحج المختلفة بسبب خلاف بين الحاجِّ، أو نزاع نتيجة الرغبة في محلِّ نزول الرکب وقافلة الحجّ، وقد تکبر المشکلة إذا کانت بين طرفين من کبار موکب الحج کالشامي والعراقي والمصري، والتي تکون بأعداد کبيرة.

هذه الأمور تنعکس على الحجّاج وقد يتسبب في فوضى عارمة تنال أطرافاً کثيرةً من الحجّاج ممن لم يکن طرفاً في المشکلة ولکن أصابه شررها.

8 ـ الضرائب التي تفرضها القبائل على الحاج:

في المراحل المتعددة التي يسير فيها الحاج من الأحساء مکة المکرمة، يدخل خلال الرحلة في أراضي عدد من القبائل العربية المختلفة، منهم من ينظر إلى الحاجِّ على أنهم وفد الله وضيوفه، وفي خدمتهم مکرمة عظيمة وأجر کبير فيتسابقون على ضيافتهم وتسهيل رحلتهم عبر أراضيهم بل توفير الحماية لهم وتزويدهم بالمؤن والمساعدات المختلفة، کما أنهم يتبادلون السلع والمنتجات والمحاصيل تجاريًّا معهم مما يشعر الحاج بالراحة والارتياح.

في المقابل هناك عدد من القبائل تنظر إلى الحاج أنه وسيلة من وسائل الغنى وجمع المال عبر سنّ وفرض الضرائب الثقيلة على الحجّاج، والتي تکون مجحفةً في حقهم، مقابل سلامتهم وأمنهم عند عبورهم من أراضيهم، وهي في العادة تکون مبالغ باهظة وفوق طاقة الحاج، وتتکرر في عدة أراضي مما يجعل الحاج يفقد کلّ ممتلکاته و مدخراته في رحلة الحج قبل وصوله إلى الديار المقدسة.

وقد عانى الحجّاج الأحسائيون من القبائل العربية التي کانت تشکل رعباً وهاجساً مخيفاً نتيجة التجارب المختلفة التي مرّوا بها خلال سنينه من هذه القبائل من القتل والسلب الذي زُهقت فيه الأرواح في عمليات بشعة في حوادث بقيت محفورة في الذهنية الأحسائية لفترات زمنية طويلة.

وفي الختام علينا أن ندرك إن الحجَّ رحلة بقدر ما فيها من فرحة عظيمة عند الحاجِّ وفوز کبير لا يوصف، فإنها مقترنة بأشکال متنوعة من الصعوبات والمخاطر استطاع الحاج الأحسائي أن يتخطاها ويؤدي فرضه امتثالاً لأمر الله تعالى. حيث يقول جلّ من قائل: (وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).[17]

الجهود المبذولة في تأمين طريق الحج:

إنَّ المتتبّع لحرکة الحاج الدؤوبة أثناء مروره على کثير من المنازل والهجر والقرى المتآخمة  لطريق سيره نحو مکة المکرمة يلحظ مدى الجهود التي بذلت تباعاً لتأمين الطرق والمسالك، وهذه الجهود يمکن لنا استشفافها من خلال رصدنا لطرق الحج المختلفة، وهي على النحو التالي:

1ـ الحراسة المشدّدة:

استمر الاهتمام البالغ والعناية الفائقة بطريق الحاج حتى أصبح من ضمن أولويات الدول المتعاقبة على حکم الأحساء، ومحل عنايتها وأهم أهدافها.

وقد استمرت هذه الحملات الأمنيّة من قبل دولة الجبريين بين عامي 851ـ929هـ باتجاه قبائل الدواسر المشاغبة والفضول، بسبب تعدّيهم المتکرر على القوافل التجارية التي تسلك طريق الأحساء والقطيف وطريق التجارة الواقع على إقليم نجد خاصة  الواصل إلى بلاد الحجاز «طريق الحجيج»، نظراً لأهميته لقوافل الحجيج، وذلك لأنّ الجبور کانوا يعتمدون اعتماداً رئيسيّاً في اقتصاد دولتهم على التجارة وتأمين طريقها مثلهم في ذلك مثل الدولة العصفورية.[18]

ومظهر آخر للدلالة على ما أعطته الدولة الجبرية من أهمية قصوی لطريق الحاج الأحسائي والاهتمام بأمنه وأمانه وقطع دابر قُطّاع الطرق يتمثّل بالخروج في مواکب عظيمة تبلغ الآلاف من الحجّاج والعسکر في منظر يثير الرعب في نفوس من تسوّل له نفسه الوقوف في طريق الحاجّ، إضافة إلى الخروج بأنفسهم لقيادة الحجيج، يقول الحميدان في دراسته عن الدولة الجبرية:

«وقد حرص أمراء الجبور على تأمين هذا الطريق - طريق الحاجّ - وما قيام أمرائهم شخصيّاً بقياده قوافل الحجيج إلّا تعبيراً عن حرصهم على سلامة هذا الطريق الحيوي. وإذا ما عرفنا بأنَّ قوافل الحجيج کان يرافقها عدد غير قليل من المحاربين لحراستها أدرکنا أنَّ أمراء الجبور کانوا في الواقع يقومون عند مرافقة قافلة الحجّ بمظاهرة عسکرية لزرع الخوف في نفوس معارضيهم من رؤساء القبائل المختلفة، إضافة إلى کسب الأصدقاء».[19]

2ـ تأديب القبائل المعتدية:

في تاريخ الدولة العيونية کان الأمير محمد أبوسنان العيوني (520ـ538هـ)، تولی بلاد البحرين في أعقاب اغتيال والده الفضل، وقد اشتهر هذا الأمير العيوني ببسالته ونشاطه في القضاء على المفسدين والمعتدين في أصقاع الجزيرة العربية وعلی الخصوص المعترضين طريق الحاجّ، حتى قال في شأنه علي بن المقرّب العيوني:

منا الذي أصحب المجتازَ من حلبٍ

إلى العراقِ إلى نجدِ إلى أدما.[20]

فقد کانت القوافل التي تقطع الطريق بين الأحساء إلى نجد إلى مکة المکرمة تعاني من مشاکل قُطّاع الطرق، فکان لهذا الأمير اليد الطولی في الحد من خطورتهم وتأمين وطمأنة الحاجّ إلى حدٍّ کبير.

يقول شارح ديوان ابن المقرّب العيوني عند الحديث عن محمد بن أبي سنان العيوني أنه: «کان على صلاتٍ قويّة مع الخليفة العباسي الناصر لدين الله، واشتهر بقضائه على قُطّاع الطرق الذين يعترضون الحجّاج في طريقهم إلى مکة، وأخذ على أيدي مفسدي العرب حتى صار الراکب يسير إلى عمان من الأحساء وإلی العراق وإلی نجد وإلی الشام فلا يفزعه أحد، وکذلك القافلة أين أدرکها الليل باتت لا تخاف من أحد».[21]

کما حرصت الدولة الجبرية منذ بدايتها على يد زعيمها الأول زامل بن حسين على تأمين طريق الحاجّ والقوافل التجارية التي تسير عن طريق أراضيها ومنها إلى نجد، وذلك عبر النيل من القبائل النجدية التي تعترض طريق القوافل التجارية والذاهبة إلى الحجّ، وقد شنَّ لذلك حملات متعددة على نجد منها ما وقع في سنة 851هـ، حيث يقول ابن بسام: «وفي سنة 851هـ، غزا زامل بن جبر العقيلي العامري ملك الأحساء والقطيف، ومعه جنود عظيمة من البادية والحاضرة وقصد الخرج وصبح الدواسر، وعايذ على الخرج، وحصل بينهم قتال شديد قتل فيه عدّة رجال من الفريقين، ثم سارت الهزيمة على الدواسر وعايذ، واستولی زامل على محلتهم وأغنامهم وإبلهم وأقام في الخرج نحو عشرين يوماً ثم قفل عائداً إلى وطنه».[22]

وکانت له حملة  قوية على نجد سنة 855هـ، ثم أتبعها بحملة  شرسة سنة 866هـ أخضع خلالها القبائل النجدية التي کانت تترصّد وتعترض طريق القوافل وتبطش بالحجّاج على حدٍ سواء.

هذا الأمر يقودنا إلى إدراك إنَّ بني جبر کان لهم اهتمام بجانبين:

الجانب الديني:

ويتمثل في الحج الذي هو من أرکان الدين و شعيرة عبادية عظيمة حثت النصوص على أدائها،  لذا ينبغي ردع کلّ من يحاول أو تسول له نفسه التعرض لحجّاج بيت الله الحرام بالسوء، ومن هنا تجلى هذا الجانب في الدولة الجبرية بکونها دولة دينية تهتمّ بالعلم والعلماء وتولي لهما أهمية کبيرة.

الجانب الاقتصادي:

باعتباره مصدر تمويل الدولة  وقوتها وعزّتها أمام الأعداء، وأنهم دولة  تحمل فکراً اقتصادياً وتجارياً مترامي الأطراف، حيث أولت الدولة الجبرية الحج منذ النشأة اهتماماً خاصّاً، وأدلّ دليلٍ على ذلك مشارکة أمرائها في موکب الحجيج في کلّ عام بأعداد کبيرة من الحجاج والجند، مما يعطي موکبهم هيبة عظيمة أمام الناظرين.

ومما يفسّر السرّ وراء هذا العدد من المرافقين في الرکب الأحسائي في الحجّ، إنّ سلاطين الجبّور حرصوا على تأمين طرق التجارة في بلاد البحرين و نجد، وکان سلاطينهم يقومون بقيادة قوافل الحجيج شخصياً، وهذا يعدّ تعبيراً صريحاً على حرصهم على سلامة الطريق الحيوي، وما يؤکّد ذلك أنه في عام 893هـ، خرجت حملة  بقيادة السلطان أجود ضد الدواسر، کما سبق ذکره في واحة الخرج لإخضاعهم،  وقد ذکر المؤرخون أنّ السلطان أجود قد قام بالحجّ في تلك السَّنة.

ونستنتج من خروج السلطان أجود وتوجّهه لتأديب قبيلة الدواسر التي ربما خرجت لتهديد قوافل الحجيج المتوجّهة إلى مکة، لذا لازم السلطان أجود تلك القوافل العابرة لطريق الحجاز والذاهبة إلى مکة وحتى يؤمّنها من تعدي القبائل النجدية الأخرى إذا کان طريق قوافل الحجيج يعبر منطقة نجد إلى مکة.[23] وسبق أن أشرنا في تاريخ الحجّ الأحسائي ما اکتنف رحلة الحج من صعوبات على مرّ التاريخ زهقت أرواح مئات الحجّاج ضحيتها في بعض الفترات.

3ـ توفير خدمات الطريق:

ونعني بتوفير الخدمات، حفر الآبار في طريق سير الحاجّ، إضافة إلى الخانات وأماکن الراحة التي تعدّ مستراحاً للحجيج من عناء السفر ومشقّته، وقد حرصت الدول الإسلامية والزعامات السياسية سواء في العهد الأموي أو العباسي وحتى الدول المتعاقبة على المنطقة خلال القرون المختلفة بالعناية بهذه الجانب، لما يمثله الحجّ من شعيرة دينية مقدسة فيها الأجر والمثوبة، وعليها يتنافس المؤمنون في البذل والعطاء، فيقيمون الأوقاف على سقيا الحاجّ وإطعام الدواب، وإيواء المشـرّدين، وإسکان القادمين، وغيرها من الخدمات المختلفة التي تخفّف على الحاجّ عناءه وتسهّل عليه أداء فرضه.

4ـ اختيار الطريق المناسب:

من المهام الکبيرة المنوطة بأمير الحاجّ أو من يتولى قيادة الحجيج أن يکون ذا خبرة و  دراية واسعة بالطرق المختلفة المؤدية إلى الديار المقدسة، ليقوم باختيار الطريق الأنسب والأفضل للحجيج، سواء لمناسبته بسبب عامل ازمن بأن يکون أکثر اختصاراً من غيره، أو للبعد الأمني، أو من حيث توفّر مصادر المياه، الأمر اللازم لسير قافلة الحجيج براحة وسلام.

وقد ذکرنا خلال الحديث عن العهد العثماني في الأحساء کيف تعتني الدولة العثمانية باختيار أنسب الطرق وأفضلها لتسهيل طريق الحاجّ، عبر توصيات خاصة لمتصرّف الأحساء بهذه المهمة.

5ـ جعل المخصصات المالية لتأمين الطريق:

امتلأ طريق الحاج من مختلف اتجاهات بقُطّاع الطرق واللصوص الذين يفرضون ضرائب باهظة وثقيلة على الحاجّ للسماح لهم بالعبور أو القيام بقتلهم وسلب أموالهم، حتى أصبح الحجّ من الأمور التي لا يأمن الحاجّ عودته سالماً إلى أهله ووطنه فکانوا يکتبون وصاياهم ويودّعون أهاليهم وداع من لا يحتمل عودته،  وقد حفل التاريخ الأحسائي بالعديد من المحن والحوادث التي ذهب ضحيتها عدد من الحجّاج.

فکان أحد الحلول الناجعة جعل عطايا سنوية لأمراء  المناطق وزعماء القبائل الواقعة على طريق الحاجّ، مقابل قيامهم بحماية الحجيج أثناء عبورهم في أراضيهم، ومنع قُطّاع الطرق وأبناء القبيلة من اعتراض الحجيج، وقد ذکرنا بعض هذه المبالغ والعطايا والمنح التي خصّصتها الدولة العثمانية لأمراء المناطق في نجد، مقابل تأمين وصول الحجّاج وتسهيل عبورهم في أراضيها مع توفير الخدمات اللازمة لهم.

 

 

 

 

الباب الثاني

معالم طريق الحج الأحسائي

و فيه:

* بيان بعض المصطلحات القديمة

* المسافة بين الأحساء والحجاز

* العوامل المؤثرة في تحديد طريق الحج

* * *

* بيان بعض المصطلحات القديمة:

قبل التطرّق والکتابة عن المسافة التي يقطعها الحاج من الأحساء إلى بيت الله الحرام بمکة المکرمة، يجدر الإشارة إلى توضيح بعض المصطلحات التي کانت معروفة ومتداولة في تلك الأزمنة الغابرة، والتي تتمثّل في وحدات قياس المسافة والزمن، وذلك على النحو التالي:

البريد:

وهو أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال، فإذا کان الميل يساوي (609/1کم)، فيمکن تحديد المسافة بالکيلو ليکون مقدار الفرسخ يساوي (827/4کم)، فإذا قلنا البريد أربعة فراسخ فالنتيجة تکون أنَّ البريد يساوي (308/19کم) تقريباً.

الذِّراع:

وهي من رأس أطول أصبع في اليد إلى نهاية عظم المرفق (من ذراع الآدمي المعتدل الخلقة)، والذراع المعتدل بمقاييس الطول الحديثة يساوي قرابة (48/.متر).

الفرسخ:

الفَرسَخ: جمع فَرَاسِخ، وهو من مقاييس المسافة قديماً. وأصل الکلمة فارسية معربة من کلمة (پرسنگ) أو (پارسنگ)، وتجمع أغلب المراجع اللغويّة على أنّ الفرسخ يعادل ما بين أربعة وستة کيلومترات في النظام الدولي الحالي،[24] وعرّفه البعض فقال: الفَرْسَخ بفتحٍ فسکون لفظٌ معرّب، وجمعه فراسخ، وهو مقياس من مقاييس المسافات مقدره ثلاثة أميال أي إثنا عشر ألف ذراع مما يساوي (544/5کم).

المرحلة:

هي مسيرة يوم کامل للإبل، ويقدّر خبراء الإبل بأنّ أقصى ما تمشيه الإبل في اليوم هي مسافة تقدر ما بين 70 إلى 80 کم، ومقصودهم في النهار، أما الليل ففي العادة تتوقّف القافلة  عن المسير من أجل النوم والراحة، وقد تقصر المسافة نظراً لتعرّج الطريق وانحنائاته ووعورته فتصل المسافة اليومية المقطوعة إلى 40کم، وهناك تعريف آخر للمرحلة وهو کما يلي: المرحلة: بريدان والبريد:  أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال عباسية، فتکون المسافة ثمانية وأربعين ميلاً.[25]

الميل:

وهو من وحدات القياس الطوليّة التي ذکرها الرحّالة الأقدمون في حسابهم للمسافات، وهو بحسب المقاييس الحديثة المعتمدة فإنَّ الميل الواحد يعادل (609/1کم).

منزل:

وهو مصطلح يطلق على المکان الذي تتوقّف فيه القافلة بعد مسيرها الطويل من أجل التزوّد بالمؤن وأخذ قسطٍ من الراحة، ويکون (المنزل) إما مأهولاً بالسکان کالقرى حيث الآبار وتوفّر الماء حول الواحات، وقد تکون فقط مناطق معروفة ومشهورة تقع ضمن طريق الحاجّ، وهي على مسافات مختلفة قد تطول وتقصر.

ولهما مسمّيات معروفة ومتداولة بين الرحّالين، فيقولون مثلاً بين البصرة ومکة المکرمة 28 منزلة، أي محل للنزول والتوقف، أو نقطة عبور يتم المرور عليها، ويختلف عددها و مسمياتها من طريق إلى آخر من ناحية العدد والأماکن، علماً أنّ بعض الطرق تتقاطع في بعض المواقع و تفترق في أخرى.

يوم:

وهو في حقيقته يعود إلى (المرحلة)، حيث يقصدون به مسيرة يوم بالإبل، فيقولون بين الأحساء والعارض ستة أيام، وبين العارض ومکة المکرمة ثمانية عشـر يوماً وهکذا...، وهي عبارة عن مسيرة يوم للإبل في حالته الطبيعية المستوية، مع حساب التوقفات المعتادة، فهو حساب تقريبي وليس على وجه الدقة، وقد يختلف من وقت لآخر تبعاً لبعض الظروف، وحجم القافلة وأعداد مرافقيها.

فعلى سبيل المثال المسافة بين الأحساء إلى البريمي في عمان يرى (لوريمر) أنه يمکن قطع المسافة بين الهفوف والبريمي في عشرة أيام،  أما القوافل فتقطع المسافة في مدة  شهر،[26] ونلحظ مقدار التباين في الوقت بين الأفراد والقافلة.

وتکمن أهمية تحديد الأيام والمراحل في تقدير الوقت الذي تستغرقه الرحلة ليکون الإستعداد بحسبها من حيث التزوّد بالمؤن.

* المسافة بين الأحساء والحجاز:

تعدّدت الأقوال في تحديد المسافة بين الأحساء وبلاد الحجاز تبعاً لإفادات مختلفة من المؤرخين، وذلك بشأن تقدير المسافة الطولية والزمنية التي استغرقوها أثناء رحلاتهم التي قاموا بها بين الأحساء والحرمين الشريفين مکة المکرمة والمدينة المنورة، وهنا سنحاول استعراض عدد من هذه الأقوال لنتعرّف على المسافة وتقديراتها، من خلال عدّة  اعتبارات مختلفة:

أولاً: من خلال الطريق المباشر، المسافة بين الأحساء ومکة المکرمة:

وردت في المصادر القديمة عدّة تقديرات للمسافة بين الأحساء ومکة المکرمة تبعاً لتجربة الرحالة أو صاحب قافلة الحجّ، وهي في حقيقتها تقديرية لاختلاف المسافة تبعاً لعوامل عديدة نأتي عليها فيما بعد، فقد ذکر الجغرافيون والمؤرخون والرحالة المسافة التي يقطعها الحاج من الأحساء إلى مکة المکرمة، ولهم في ذلك أقوال مختلفة.

يقول ناصر خسرو (ت481هـ) في کتابه (سفرنامه):

«بعد إتمام الحج استأجرت جملاً من أعرابي لأذهب إلى الحسا، وقيل إنهم يبلغونها من مکة في ثلاثة عشر يوماً»،[27] وهو کلام غير دقيق، إلّا إذا کان الحديث عن الأفراد ومن يحثّون السُّری ليلاً ونهاراً، ولا يتوقّفون إلّا لساعاتٍ قليلة.

بينما يقدّر المؤرِّخ عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الأنصاري الجزيري (911ـ977هـ) في مطاوي کتابه «درر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مکة المعظمة»، المسافة بقوله: «بين الأحساء ومکة المکرمة ثلاثمئة وثلاث وثلاثون ميلاً، بما يعادل مئة وإحدی عشر فرسخ، في الجهة الغربية منها».[28]

والکلام هنا لا يخلو من مبالغة کسابقه، فالمسافة أطول مما قاله بکثير، وکلامه مبني على السماع لا على التجربة وخوض الطريق.

وممن قام بتحديد المسافات بين الأحساء والديار المقدسة، والمناطق الأخری التي على طريق الحاج الأحسائي وقد استفاد منه من جاء بعده هو حاجي خليفة المعروف بـ «کاتب جلبي»، (1017ـ 1068هـ) حيث يقول:

«فصل بيان نجد (العارض)... بلد واسع يخترقه جبل يسمونه جبل العارض ويسمونه الآن جبل العمارية، إلّا أنهم لا يدخلون في طاعة الأشراف، وبداية هذا الجبل تبعد عن الحجاز ثلاثة مراحل، ويمتد أحدها إلى نجد العارض، وغرب هذا الجبل يقف مثل الجدار من الحجر الأبيض، والوجه الشرقي منه أرض رملية، وتقع حجر اليمامة في وسط وجه الحجر الشرقي، وهي تبعد عن الوجه الحجري من اليمامة مرحلتين، وتقع سرين في وسط العارض ويوجد في هذا الجبل وادٍ يسمونه وادي بني حنيفة وفي هذا الوادي توجد المياه والأشجار والنخيل في غاية من الجمال وقد زينت في أطرافها القری، ويوجد في أعلاها بلدة الدرعية، وفي أسفلها ضبيع، وأهلها بنو تميم وشيخهم آل مريد، والدرعية تقع على طريق حجّاج الأحساء، وواديها في غاية الصعوبة، وبلاد العارض تقع على هذا الوادي، ويوجد بالقرب منها جبل أبو عوف، والعيينة بلدة جميلة وهي تقع في الشمال الغربي من الدرعية وبها عنب فاخر وخوخ وتمر وخوخها ينبت من نفسها، أما ملهم فتبعد ست مراحل من الأحساء ويوجد بها قصب السکر والتمر والعنب والخوخ».[29]

إلی أن يقول:

«أما مراة (مرات)،[30] فهي تبعد عن الدرعية مرحلتين، وبها ماء ونخيل، ووقف مراة يبعد شمال غربها ستة أميال وبها نبع مياه، وتبعد عن الدرعية مرحلتين، ومن شقراء خمس مراحل ولها واديان يقعان بالقرب منها،  وفي شقير، يوجد أثمار، وبلدة الرياض تقرب من الأحساء، وهي تشمل على بلدات وقری من بلداتها منفوحة، وهي تبعد عن الأحساء ست مراحل، وبقرب قصـر الدرعية توجد معکال، في شرق الدرعية وهي تقع في مرحلة واحدة من اليمامة».[31]

وأوضح «کاتب جلبي» منازل وطرق حجاج الأحساء التي تمر بالعارض، فأشار بالقول: «إلی جُودة ومنها إلى ضان إلى الدهناء إلى دحل وإلی جبل عرنة، ومنها إلى ملهم إلى جفر إلى ربض - لعلها الرياض - إلى الدرعية إلى حيسية إلى مراة (مرات) إلى الشعراء».[32]

«أما حاج السلمية والدلم فيخرجون منها إلى وادي بريك ونعام، ثم يتجهون غرباً (غرب العارض).

ويمر على هذا الوادي أيضاً طريق رکب الحساء والقطيف، وفيه يقول الشاعر:

لَعَلَّكَ تُوطِينِي نَعَاماً وَأَهْلَهُ

وَلَوْ بَانَ بِالحُجَّاجِ عَنْهُ طَرِيقُ

وهذا الوادي من أکبر الطرق المعتبرة للقوافل التي تمتار من الحوطة والحريق والخرج مقبلة من العالية وعائدة إليها ومعه طريق حجّاج تلك الجهة وما يصاقبها،[33] شرقاً».[34]

ففي هذا الکلام تتضح بعض معالم الطريق التي تتخلّل طريق الحاجّ من الأحساء إلى الديار المقدسة، لکنّ «کاتب جلبي»، لم يعطِ مسافاتٍ دقيقة أو مترابطه نستطيع من خلالها تحديد معالم الطريق الذي أراد بيانه، بغرض معرفة مجموعة من أهم المحطات والمعالم التي يتوقّف عندها الحاج الأحسائي في طريقه وما تمتاز به من خصب ورعي وجبال.

وهنا نشير إلى أنّ ابن علوان الدمشقي سلك طريق الحاجّ الأحسائي في زيارته للأحساء، وذلك عندما قفل راجعاً من حجّه لبيت الله الحرام وزيارة المسجد النبوي مريداً بذلك زيارة العتبات المقدسة بالعراق وذلك عام 1121هـ، فحينما سئل عن المسافة بين الأحساء ومکة المکرمة ذکر أنه قطعها مع الرکب في ثمانية عشر يوماً، وإنَّ الإياب من مکة إليها يبلغ خسمة وعشرين يوماً.[35]

المسافة بين الأحساء والمدينة المنورة:

توجد عدّة تقديرات للمسافة بين الأحساء والمدينة المنورة، إذ يُقدِّر الجغرافي «الإصطخري» في کتابه «المسالك والممالك» المسافة من البحرين إلى المدينة المنورة بنحو خمس عشرة مرحلة.[36]

أما صاحب «أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك»، فيذکر بأنّ المسافة بين الأحساء والمدينة المنورة 21 يوماً، حيث يقول واصفاً الأحساء:

«وهي ذات نخيل کثيرة ومياه جارية ومنابيعها حارَّةٌ شديدة الحرارة، وهي في البرية،... وليس للأحساء سور، وبين الأحساء واليمامة مسيرة أربعة أيَّام»،[37] ثم يذکر أنّ المسافة المقدّرة بين اليمامة والمدينة المنورة هي خمس عشر مرحلة.[38]

ثانياً: من خلال الطريق غير المباشر:

ويمکن حساب المسافة بطريقة أخرى، وذلك باعتبار تقسيم المسافة إلى نصفين من الأحساء إلى اليمامة، ومن اليمامة إلى مکة المکرمة وهي کما يلي:

المسافة من الأحساء إلى اليمامة:

هناك عدة تقديرات للمسافة نذکرها، وهي:

المسافة بالفراسخ:  

فقد ذکر «ناصر خسرو» المسافة ناظراً لعدد الفراسخ التي تفصل بين البلدين، فيقول: «وَمن الْيمَامَة إلى الحسا أَرْبَعُونَ فرسخاً وَلَا يَتَيَسَّر الذّهاب إليها إِلَّا فِي فصل الشتَاء حِين تتجمّع مياه الْمطَر فيشرب النَّاس مِنْهَا، وَلَا يکون ذَلِك فِي الصَّيف».[39]

ووفق هذا التقدير لو أردنا ترجمة المعنى المقاييس الحديثة فإنّ المسافة بحسب قوله تکون کالتالي:

* الفرسخ ثلاثة أميال = 3× 609/1=827/4کم

* المسافة کاملة: 40 × 827/4=08/193کم

والصحيح أنّ المسافة بحساب الکيلومتر هي 450کم، فحتى لو قلنا باختلاف الطرق بين الماضي والحاضر فمن غير المعقول أن يکون الفارق بهذا الحجم الکبير.

وهذا يعطينا اعتقاداً جازماً بعدم صحة کلام ناصر خسرو، من حيث أنَّ کلامه أبعد ما يکون عن الواقع واعتماده على النقل في تحديد المسافة.

المسافة بالأيام:

أما صاحب (أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك)، فقد حسب المسافة باعتبار آخر وهو عدد الأيام التي يستغرقها الطريق بين البلدين، حيث يقول: «وليس للأحساء سور، وبين الأحساء واليمامة مسيرة أربعة أيَّام، وأهل الأحساء والقطيف يجلبون التمر إلى الخرج وادي اليمامة، ويشترون بکل راحلة من التمر،  راحلة من الحنطة».[40]

وهذا خلاف ما ذکره «الحموي» في معجمه من أنَّ المسافة بين البحرين واليمامة مسيرة عشرة أيام.[41]

وقد اختلفت التقديرات بين أربعة أيام إلى عشرة أيام، فإذا قلنا بأنَّ المسافة اليومية التي يمکن قطعها في حدود 70کم تقريباً فإنَّ المسافة تستغرق ما تعادله بالأيام حسب الآتي:

* 4أيام = 280کم

* 10 أيام = 700کم

وکلا القولين بين المبالغة والتقصير في تقدير المسافة، بينما حدّده البعض بسنة أيام، وهو الأکثر دقة وعليه يکون:

* 6 أيام = 420کم.

المسافة من اليمامة إلى مکة المکرمة:

في حين ذکر بعض البلدانيين أنّ المسافة بين اليمامة ومکة المکرمة خمس عشـرة مرحلة.[42] فإذا قلنا بأنَّ مسير الإبل في اليوم حدود (70) کم، فإنّ المسافة تکون بين اليمامة ومکة حدود (1050) کم، وهي مسافة ليست بعيدة عن الواقع، لو کان الطريق مباشراً وقليل التعرّجات التي نجدها اليوم في سير السيارات الحديثة.

* العوامل المؤثرة في تحديد طريق الحج:

الراصد لخط سير الحجّاج مِن و إلى الأحساء والمتتبّع لحرکتهم و تنقلاتهم يلحظ تباين التقديرات الحسابية للمسافات المقطوعة بين مختلف القرى والمحطّات والمنازل من لدن المؤرخين والرَّحالة، ولعلّ مردّ ذلك عدّة عوامل شاخصة ينبغي أخذها بعين الاعتبار، وأهمّها ما يلي:

1ـ اختلاف الطرق:

کثيرة هي الطرق المسلوکة من الأحساء إلى اليمامة أو من الأحساء إلى مکة المکرمة، وقد تختلف المسافات باختلاف الطريق التي هي متباينة طولاً وقصراً وهذا ما سنلاحظه خلال الصفحات القادمة في تحديد المناطق التي يمرّ عليها الحاجّ الأحسائي، أو الطرق بين الأحساء ومکة المکرمة، والتي ذکرها الجغرافيون في مدوّناتهم وتصانيفهم.

وهذا الاختلاف البيّن في المسافات بين النُّزل القائمة على الطريق أتاحت لقوافل الحجّ فرصة للمراوغة والوصول إلى الديار المقدسة بعيداً عن الطرق المعهودة والتي يترصّدها عادةً قُطّاع الطرق من القبائل القاطنة وسط الصحراء، وتشکل عقبة  کَأْدَاء أمام الوصول بسلام لمکة المکرمة.

2ـ حالة الطقس حين المسير:

فقد ذکر المهتمّون بدراسة الطرق والمسالك أنَّ الحجّاج کانوا يسلکون طريقاً معيّناً إذا کان موسم الحجّ في فصل الصيف، مختلف عنه في فصل الشتاء، وذلك أنه في الصيف تحتاج القافلة إلى البحث عن منابع الماء والمنازل طوال الطريق للتوقّف عندها من أجل التزوّد بالماء، وسقي الإبل من جهة أخرى، وهذا قد يحرفهم عن الجادّة لمسافات طويلة تسهم في تأخر الوصول وطول المسافة.

بخلاف لو کان موسم الحجّ يصادف فصل الشتاء فإنَّ الحاجة للماء تکون أقل والدوابّ أکثر تحمّلاً للعطش، وبالتالي يأخذ الطريق مساراً آخر، يتناسب مع طبيعة الطقس، فيکون انتقاء أقرب الطرق الموصلة إلى مکة.

يقول الشبانات في کتابه عن بلاد الصمّان حول مسير القوافل من البحرين إلى الحجاز:

«تتنقل برّاً بواسطة الجمال إلى أواسط نجد،  ومنها إلى الحجاز کقوافل الحجّاج، وکانت قوافل الإبل المحملة بالبضائع والمؤن والمسافرون تشق طريقها في الصحراء عبر دروب متعددة حسب جهتها، وهذه القوافل تمرّ في طريقها بصحراء الصمّان،  فيعمد سالکوها المرور بموارد الماء الموثوق بها، خصوصاً في فصل الصيف، وفي الشتاء يسلکون دروباً غير مشهورة لا تمرّ بموارد الماء لکونها أقصـر مسافة، ولأنّ الإبل لا تحتاج إلى الماء في الشتاء مثل الصيف».[43]

ومثل هذا الکلام تکمن أهميته أنه لا يختص بالسائرين على طريق الصمّان إلى اليمامة فقط، وإنما يشمل جميع مراحل الرحلة إلى الديار المقدسة سواء في الذهاب أو الإياب، حيث يکون هناك منازل، وصحاري يعبر عبرها الحاج، منها ما هو طويل المسافة، ومنها ما هو أکثر اختصاراً، إلّا أنه أحد العوامل المؤثرة في اختيار الطريق هي مسألة الطقس حارّاً أو بارداً.

ومن جهة أخرى - في مثل هذه الظروف رغم البحث عن الطرق القريبة لقلة الحاجة للماء - فإنه ينبغي مراعاة تجنب السير بين الجبال والأودية قدر المستطاع لما قد يحدث فيها من سيول جارفة نتيجةً لوقوع الأمطار على قمم الجبال، مما يجعل السير والعبور منها من الأمور العسيرة ويکتنفها الکثير من المجازفة والمخاطرة.

3ـ البعد الأمني في الطريق:

عطفاً على ما سبق استطراده من بيان في مطاوي البحث فإنّ طريق الحاج محفوف بالمخاطر ومليء بقُطّاع الطرق وممن يأخذون ضريبة العبور من رجال البادية، مما يرهق الحاجّ ويکلفه الکثير، لذا يراعي أمير الحاج توخّي الحذر أبان سيره بالبعد عن مواطن تجمع قُطّاع الطرق، أو مخيمات البدو ذوي السمعة السيئة في طريق الحجّاج.

وقد سبق أن أشرنا لبعض الحوادث المتعلقة بطريق الحاجّ الأحسائي، وإن کانت المأساة عامة شاملة لجميع الطرق المختلفه، فهناك تقاسم داخلي بين القبائل للصحراء وطرق الحاجّ بحيث تتولى کلّ قبيلة جزءاً منها تتصيد من خلاله القوافل الواصلة بغرض فرض ضريبة وإلزامهم بدفعها طوعاً أو کرهاً مقابل قطع هذا الجزء من الطريق، بحيث إن الحاجّ لو تجاوز عقبة لا يضمن نجاته من الأخرى، وحتى قدرته الماليّة قد تتضعضع جرّاء ما يستنزفه على شکل ضرائب.

لذا قد يصادف في بعض الأعوام إنّ الحجّاج يرجعون من حيث أتوا نتيجة للأزمات والصعوبات التي تکتنف الطريق، فلا يکون حجّ في ذلك العام نظراً لضيق الوقت وفوت الموسم عليهم.

وقد يلجأ قائد القافلة وأمير الحاجّ إلى اللجوء للطريق البحري بأن يرکب البحر من ميناء العقير إلى جدّة ملتفاً على الجزيرة العربية، ومنها إلى مکة نظراً لقصر المسافة وقلة القبائل المتواجدة عليه، بالإضافة إلى حرص الدول الحاکمة على تأمين طريق الحاجّ قدر المستطاع وحماية  سالکيه.

4ـ خبرة الدليل:

لا يمکن لأي رکب أن ينطلق إلّا بوجود دليل ومرشد خبير بمواقع النجوم والمنازل والطرق بتعرجاتها ووعورتها، فإذا کان على دراية کبيرة جنّبهم وعورة الطريق والمسافات الطويلة عبر اختيار أحسن وأفضل الطرق للوصول إلى مکة المکرمة.

لهذا برزت مجموعة ممن لديهم خبرة بطرق الحاجّ سواء من أهل المنطقة أو دليل من أهل البادية، ويشترط فيه معرفته بالمسافات وأماکن الآبار والمنازل التي يتوقف عندها الحاجّ، کما يشترط أن تکون لديه إحاطة تامّة بالطرق البديلة التي يمکن أن يسلکها الحجّاج عند انغلاق طريق الجادّة.

کما أنَّ هناك جانب مهمّ في شخصية الدليل لا يمکن تغافله، وهو خبرته ودرايته وعلاقاته العامّة بالقبائل التي تعيش في طريق الحاجّ، علاوةً على ذلك معرفته بمساحة تمدّدها الجغرافي وحدود نفوذها ليتجنب القبائل ذات الصيت السـيء المشهورة بقطع الطريق واستغلال موسم الحج في النهب والسلب.

5ـ حجم القافلة:

إنَّ حجم القافلة وضخامتها له أثر في سرعة وبطىء سير القافلة، فکلما کبر العدد کلما کان هناك حاجة لکثرة التوقفات ومراعاة الضعيف فيهم، کما أن توقفاتهم للطعام أو لقضاء الحاجة تطول مما يسهم بدرجة في طول المسافة.

6ـ اقتناء البضائع والمؤن:

عادةً ما يأخذ الحجّاج سواء عند الذهاب أو الإياب بضائع ومنتجات وحرفيّات من بلدهم إلى مکة المکرّمة، مما يسهم في تثاقل حرکة النقل والمشـي في القافلة، وهنا لفتة مهمة أشار إليها ابن علوان عندما سأل الحجّاج عن المدّة يستغرقها الطريق بين الأحساء ومکة المکرمة ذهاباً وإياباً، فقال: «وذُکِرَ لنا أنّ المسافة من الحسا إلى مکة أتوها الحاجّ بثمانية عشر يوماً، وإنَّ الإياب من مکة إليها يبلغ خمسة وعشـرين يوماً».[44]

من هذا الاقتباس نلحظ أنَّ الفارق هو (7) أيام زيادة لصالح الإياب، وذلك بسبب الهدايا التي يحملها الحاج معهم لأهليهم وأقاربهم کبرکة من الديار المقدسة، وقد يکون الإنهاك والتعب في العودة ممن يجعلهم أضعف وأکثر حاجة للراحة. کما يمکن للقوافل في طريق العودة أن تتخذ مساراً مختلفاً عن طريق الذهاب تحسباً لوجود من يکمن لهم في الطريق ويترصدهم، لأنّ الحاجّ بعد فراغه من أداء المناسك همّه الأکبر الوصول سالماً بغضّ النظر عن الوقت الذي يستغرقه ذلك، لذا يعمدون لطرق بعيدة لکي تکون أکثر أمناً وسلامة من الطرق المختصرة والمطروقة من الحاجّ.

7ـ العامل التاريخي:

ونقصد به التعاقب التاريخي للحقب الزمنيّة، فقد نلاحظ محطّات ومنازل متآخمة لطريق الحجّ تتغيّر مسمّياتها وحتى مواقعها من فترة إلى أخرى،  وقد يصل الأمر إلى اندثارها وطمس معالمها.

ذکر المؤرّخون والجغرافيون الأوائل أنَّ للحاجّ الأحسائي عدّة طرق مختلفة تبعاً لما سمعوه، أو ما لمسوه من خلال تجاربهم الشخصيّة، وذلك لرحلة الحجّ من الأحساء إلى مکة المکرمة أو العکس.

وهذا قد يتأثر نتيجةً لاندثار المعالم والشواهد العلامات وبروز معالم أخرى في نفس المکان أو ما جاوره، فما کان عامراً ومزدهراً في حينٍ من الوقت وسبباً لاتخاذه طريقاً في زمنٍ من الأزمنة، قد يصبح مهجوراً ومتروکاً في زمن آخر، وتبعاً لهذا يتغير الزمن والمسافة.

* الفصل الأوّل: الطرق المباشرة إلى مکة المکرمة

طرق ومنازل الحاجّ من الأحساء إلى مکة المکرمة:

وردت في المصادر التاريخية مجموعةٌ من الطرق التي سلکها حجّاج الأحساء على مدى العصور الإسلامية، حيث استطعنا رصد مجموعة منها من خلال المصادر التاريخية وما سطّره الرحّالة في مدوّناتهم، وهي کما يلي:

الطريق الأول، الطريق القديم من الأحساء إلى مکة:

سلك الأحسائيون خلال تاريخهم الطويل عدّة طرق إلى الديار المقدسة تبعاً للظروف المختلفة، حيث عاصروا الحقب التاريخية التي أسهمت في تغيّر الطرق والمنازل التي اعتاد الحجّاج التوقف عندها للتزوّد والراحة.

وسنعرض هنا واحداً من الطرق التي تعود إلى القرن الثالث الهجري، والذي يعد من أقدم الطرق التي تمّت الإشارة إليه للحاجّ الأحسائي، وقد رصدناه من خلال ثلاثة جغرافيين لهم باعٌ واسع في معرفة الطرق والمسالك بمختلف البلدان، حيث أشار کلُّ واحدٍ منهم إلى جزئية من الطريق لتکتمل الحلقة من ا لأحساء إلى مکة المکرمة، وهي على ثلاث مراحل:

* المرحلة الأولى، من الأحساء إلى اليمامة:

تعدّ الأحساء البوابة البحرية لمنطقة نجد وما حولها، کما أنّ نجد هي طريق القوافل الخارجة من الأحساء والمتجهة لوسط الجزيرة العربية من أجل التجارة أو إلى الحجّ، وحيث أنّ منطقة الخرج هي أقرب المناطق للأحساء من جهة تهامة، لهذا کانت قوافل أهل نجد من الدواسر إلى حوطة بني تميم يأتون إلى الخرج لمرافقة القوافل الميمّمة شطر الأحساء عبر (الوسيع) أو (أبوجفان)، ويتبعهم أهل شمال نجد وحجر اليمامة لبدء رحلتهم إلى الأحساء، وذلك لأنَّ هذين الموردين لا يوجد بعدهما موارد ماء معتمدة في الطريق إلى الأحساء (مسافة 4 أيام)، کما أنّ رمال صحراء الدهناء تکون مسافة عرضها أقل عبر هذا الطريق المعروف قديماً بـ: (طريق زري)، والوقت الحاضر بـ: (درب مزاليج)، وقد أشار الهمداني إليه في طريق الأحساء اليمامة.

وإليك وصف الطريق الذي ذکره أبو محمد الحسن الهمداني، مع تحقيق الأماکن التي ذکرها الهمداني، وتبيين المصطلحات الموجودة في النص، لما لذلك من أهمية تکمن في معرفة طبيعة رحلة الحجّ وما يکتنفها من صعوبات.

فقد ذکر الهمداني (280 - بعد 336هـ)،[45] في کتابه: «صفة جزيرة العرب»، عند الحديث عن درب حاجّ الأحساء إلى اليمامة:

«وإذا أراد أهل البحرين التوجّه إلى اليمامة صعدوا الطريق، فيکون عن يمينك «خرشيم»،[46] وهي هضاب وصحراء مطّرحه إلى«الحفرين» وإلى«السّلحين»،[47] و«الحفران» هما حفر الرّمّانتين، وهن من مياه «العَرْمَة»،[48] وأمام وجهك وأنت مستقبل مغرب الشمس مطلعك من الجيش. «فالحابسيّة»،[49] ثم «مزلقّة»،[50] مفعّلة، ثم «الموارد»، ثم «الفروق الأدنى»، ثم «الفروق الثاني»،[51] ثم تطلع من الفروق من الخوار؛ «خوار الثّلع»، ثم «الصّليب»، وعن يمينك الصّلب؛ صُلب المِعَى و«البُرقة»؛[52] بُرقة الثور.[53]

ثم «الصّمان»،[54]... ثم ترجع إلى طريق «زُرَي»،[55] قاصداً إلى اليمامة، فمن عن يسارك الدبيب: ماء يسمى بالدبيب،[56] وأنت جائز بالصحصحان،[57] ومن عن يمينك ماء،[58] يقال له الدّحرضي،[59] وفيه يقول عنترة:

شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ فَأَصْبَحَتْ

زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عَنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ

ثم تقطع بطن قوّ،[60] ثم السمراء،[61] وهو أرض سهب،[62] ثم تأخذ في الدهناء،[63] وهي هناك مسيرة يوم، وتثني من طريق «زري»، تأخذ على الشجرة،[64] وهي الشجرة ذِي الرُمَّة،[65] التي مات تحتها،[66] وکتب فيها شعره، ثم تخرج من الجبال والشقاق إلى العثاعث،[67] وهي السلاسل وأنت في ذلك تأخذ طريقاً يقال لها الخلّ؛[68] خلّ الرمل فأوّل ماه ترده من العَرْمَة من عن يسارك. قلت هبل، وهي تنکش وتعضب سريعاً،[69] ومن عن يمينك قلات يقال لها النّظيم؛[70] نظيم الجفنة، ومن عن يمين ذلك على ميسـرة الشباك،[71] شباك العَرْمَة والغرابات.[72]

ثم تقطع العرمة فترد وَشِيْعاً؛[73] وهو من مياه العرمة،[74] إلّا أنه مفضـي في ناحية القاع،[75] وفيه يقول الرّاجز:

کأنها إنّ وردت وشيعاً

خيطان نبع کتمت صدوعا

ثم تسير في السّهبَاء،[76] ثم تقطع جبيلاً قريباً يقال له أنقد،[77] ثم الروضة.[78]

ثم ترد الخضرمة؛[79] جوّ الخضارم مدينة وقرى وسوق، فيها بنو الأخيضـر بن يوسف، وهي دار بني عدّي بن حنيفة، ودار بني عامر بن حنيفة، ودار عجل بن لجيم، و ديار هوذة بن على السّحيمي الحنفي، وهي أول اليمامة من قصد البحرين».[80]

وفي هذا الموجز حول طريق الحاجّ أشار إليه عدّة نقاط مهمّة جديرة بالإشارة:

* إنّ المصطلحات المستخدمة قديماً تختلف عنها المستخدمة اليوم، لذا يصعب فهم الکثير من المسميات القديمة نتيجة لتغير اسمها مع مرور الزمن.

* نلحظ الدقة لدى القدماء وأبناء الصحراء في تسمية أجزاء الصحراء وأبعادها يمنة ويسرى، بحيث يسير العارف بها ويعلم بکلّ جزء منها مما يجعله عارفاً بميزات کلّ جزء فيها و يفرقه عن غيره، وهو ما يطلق عليه (منازل)، وله عدد معين معروف بينهم، وهي بمثابة مسافات يعرفون من خلالها کم مضـى من الطريق وکم بقي منه؟

* وجود عدد من الآبار ومنابع المياه طوال الطريق قام البداة والولاة ورجال الخير بحفرها لينتفع بها روّاد هذه الطرق يعرفون مواقعها وله مسميات خاصة بها تميزها عن غيرها،  إضافة إلى مواقع زراعية وأماکن مرعى تساعد على تغذية الإبل والرواحل في طريق الحجّ ومسير القوافل.

* معظم الأراضي التي في طريق الحاج تسيطر عليها مجموعة من القبائل تعدّ هذه الصحاري مسکنها ومعروفة بها منذ مئات السنين بينها و بين القبائل المجاورة تحالفات و معاهدات بعدم التعدي على المساحات التابعة لها.

* بعض المواقع ارتبطت بأحداث تاريخية سواء معارك أو قبور أو غيرها مما يجعلها معروفة بين أرباب البادية، کما يوجد أسواق ومراکز يجتمع فيها أهل البادية، وتاريخها ربما يعود إلى العصر الجاهلي، وقد ذکر بعضها، وهي مما تستفيد منه القوافل في طريقها بحيث تتزود بالمؤمن ولوازم السفر.

* ولعلّ المشکلة في الوصف الجغرافي لبعض المعالم، عدم تطابق معاني بعض المصطلحات المستخدمة في القرن الثالث الهجري مع المصطلحات الحديثة أو المتأخرة، نتيجة لاستخدام أسماء جديدة أصبحت غير مألوفة في القرون المتأخرة؛ لذا نجد اضطراب في شرح بعض المسميات مما أدخلنا في احتمالات قد يکون بعضها خاطئاً.

المرحلة  الثانية: من اليمامة إلى ضريّة:

اُختلف في سبب تسمية (ضرية) إلى أقوال عديدة، منها:

نسبة إلى ضِريّة بنت ربيعة بن نزال بن معد بن عدنان، وربما سميت ضِريّة نسبة لبئرها.

وضِريّة من المناطق القديمة، وهي من أشهر المناطق التي على طريق حجّاج البصرة والبحرين قديماً ففيها ملتقى طرق التجارة والحج.

ونبعت أهميتها لسببين:

* الأول: کونها أصبحت مرکزاً للحمى الذي حماه عمر بن الخطاب لإبل الصدقة وأصبح يعرف باسمها، فيقال: حمى ضِريّة.

* الثاني: کونها من أهمّ محطّات طريق الحاجّ البصري إلى مکة المکرمة.[81]

وضريه من المناطق الغنية بالمياه والخيرات، وهي قرية عظيمة غنّاء يطؤها الطريق، فيها بنو عامر والنجار، وعامتها لآل جعفر بن سليمان.

وتعّد صقعاً واسعاً بنجد ينسب إليه الحمى يليه أمراء المدينة وينزل به حاجّ البصره بين الجديلة وطخفة، بينما ذهب البعض بأنها قريه لبني کلاب على طريق البصرة وهي إلى مکة أقرب.[82]

وهي المرحلة التي أشار إليها ابن رستة بأنه ملتقى حاجّ البصـرة والبحرين، وتکمن أهمية هذه الإشارة - وإن کان أوجز في کلامه - إنّ طريق حاجّ البحرين في المنازل والمراحل بين مکة وضِريّة هي نفس مراحل ومنازل طريق حاجّ البصرة، وهو بهذا أعطانا مفتاحاً مهماً لبقية الطريق لحاجّ البحرين.

فطريق حاجّ البصرة کانت هناك عناية خاصّة به وإشارات کثيرة إليه في جميع مراحله لأنه سار عليه العديد من الخلفاء خلال الدولة الأموية والعباسية وکبار الشخصيات العلمّية والتاريخية، لذا کان إکمال الحلقة سهل بهذه الإشارة الهامة.

يقول ابن رستة (ت نحو 300هـ)،[83] في بيان الطريق من البحرين إلى مکة في (الأعلاق النفيسة): «تخرج إلى اليمامة ومن اليمامة إلى الضريَّة،[84] ومن الضّريَّة إلى مکة، والضّريَّة ملتقى حاجّ البصرة والبحرين، هناك يفترقون إذا انصرفوا من الحجّ، يأخذ حجّاج البصرة ذات الشمال، وحجّاج البحرين ذات اليمين».[85]

ومن خلال هذا التعريف وما ذکره الجغرافيون عن ضرية، وما ذکره ابن رسته بأنها ملتقى الحاجّ، ندرك أهمية هذه البلدة وذلك لعدة أمور:

* وجود عدّة قبائل في محيطها: وهذا يعني وجود سوق مفتوح ومکان للتموّل والتزوّد، وأخذ الحاجيات الضرورية لمواصلة السفر وإکمال الطريق.

* توفّر الماء: فقد ضمّت المنطقة بئر ماء حتى قيل إنه سميت باسمه، وهو من أهمّ مستهدفات المسافرين للتزوّد بالماء وسقي الرواحل.

* وفرة المزارع والغطاء النباتي فيها: تعد «ضرية» من الأراضي الغنيّة بالمياه والأشجار والخيرات، حيث وصفها الرحالة «وهي قرية عظيمة غنّاء يطؤها الطريق».[86]

المرحلة الثالثة: من ضريّة إلى مکة:

بعد الإشارة المهمة التي قالها ابن رستة أصبح باقي الطريق لحاجّ البحرين في القرن الثالث الهجري واضحاً وجليّاً، وأبرز من أشار لطريق حاجّ البصرة من ضرية إلى مکة المکرّمة والذي هو نفسه طريق حاجّ البحرين هو «ابن خرداذبه».

وهذه المرحلة تتکوّن من عشر منازل، بعدها الوصول إلى مکة المکرمة التي هي الغاية والهدف ونهاية الطريق:

يقول ابن خرداذبه،[87] في (المسالك والممالك) عن طريق حاجّ البصرة:

* «ثم إلى ضرية»:

وقد سبق الحديث عنها والتعريف بها.

* «ثم إلى جُديلة»:

وجُديلة: مکان في طريق حاج البصرة، وهي من مياه بني وبر بن الأضبط بن کلاب. وجديلة: منهل من مناهل حاجّ البصرة،[88] وأبرقا حجر: جبلان على طريق حاجّ البصرة بين جديلة وفلجة.[89]

* «ثم إلى فَلْجَة»:

منطقة على طريق الحاجّ يوجد بها بئر ماء وهي لبني العنبر،[90] وتعدّ «فَلْجَة» منزل على طريق مکة من البصرة بعد أبرقي حجر وهو لبني البکاء، وموقعها بالتحديد في طريق البصره بعد الزجيج، عرفت بمائها المالح.[91]

* «ثم إلى الدثينة (الدفينة)»:

الدَثِينة والدفينة منزل لبني سليم، بعد فلجة من البصرة إلى مکة، ثم وجرة ثم نخلة ثم بستان ابن عامر ثم مکة.

کما أنَّ (الدثينة) ماء لبني سيار بن عمرو، کانت تسمى في الجاهلية (الدفينة) فتطيروا منها فسموها (الدثينة).[92]

* «ثم إلى قبا»:

قرية قباء أحد أحياء المدينة المنورة تقع جنوبي المدينة. يجري فيها وادي رانوناء، کانت من قبل قرية مستقلة على طريق القوافل القادمة من مکة ثم امتد العمران إليها فاتصلت ببقية أنحاء المدينة، ويروى أنها سميت قباء ببئر کانت بها يقال لها قبار، فتطير الناس منها فسموها قباء. تتميز قباء بکثرة المياه الجوفية، وقربها، وخصوبة تربتها لذا تکثر فيها مزارع النخيل، والعنب، والبساتين.[93]

* «ثم إلى مران»:

على بعد أربع مراحل من مکة إلى البصرة، بينها وبين مکة ثمانية عشر ميلاً، وفيه قبر تميم ابن مر وقبر عمرو بن عبيد، وهي بين البصرة ومکة لبني هلال من بني عامر، وتعدّ قرية غناء کبيرة کثيرة العيون والآبار والنخيل والمزارع وهي على طريق البصـرة لبني هلال وجزء لبني ماعز وبها حصن ومنبر، ويسکنها أناس کثيرون.[94]

* «ثم إلى وجرة»:

وَجْرَة: منطقة تاريخية، تعرف اليوم بـ: (قصر الخرابة)، بين مکة والبصره، بينها وبين مکة نحو أربعين ميلاً، ليس فيها منزل، فهي مربى للوحوش، ووجرة (البرکة)، والسي (منطقة رکبة): مواضع قرب ذات عرق ببلاد سليم.

وهي على طرق الحاجّ من البصرة إلى مکة بإزاء «الغمر» المعروفة اليوم بـ: (برکة العقيق، البرکة، برکة زبيدة) والتي تعدّ من منازل طريق الحاجّ الکوفي، منها يحرم أکثر الحاجّ وهي سرة نجد ستون ميلاً، لا تخلو من شجر ومرعى ومياه، يکثر فيها الوحوش.

وتعدّ من منازل الطريق لأهل البصره إلى مکة، بينها وبين مکة مرحلتان، ومنه إلى بستان ابن عامر ثم إلى مکة.[95]

* «ثم إلى أوطاس»:

وأوطاس: وتعرف اليوم بـ: (أم خرمان)، واد في ديار هوازن فيه کانت واقعة حنين للنبي9، مع بني هوازن. الغور من ذات عرق إلى أوطاس، وأوطاس على نفس الطريق، ونجد من حد أوطاس إلى القريتين.[96]

کما أنَّ أوطاس اسم يطلق على الصحراء الواقعة شمال شرقي عشيرة، على صفة العقيق (عقيق عشيرة) من الشرق إلى قرب برکه زبيدة، يقع بسيان بطرفها الجنوبي، بها قصور، وأبيات، وحوانيت، وبرکة، وثم مسجد يقال له مسجد عائشة، بناه عبدالصمد بن علي.[97]

* «ثم إلى ذات عرق»:

ذات عرق وتسمي اليوم بـ: (الضَّريبة) مکان بالبادية قرب عقيق الطائف، سُمِّي بذلك لعرقٍ فيه والعرق هو الجبل، ويقولون إنه منتهى جبال تهامة يفصل بين جبال تهامة ونجد، وهو ميقات أهل العراق، وأهل المشرق قاطبة، ويبعد عن مکة بمرحلتيْن ونصف، بما يعادل مسافة 92 کم عن مکة شمالاً، أما عن «أوطاس» فهو على مسافة عشرة أميال.

وهي وادٍ تحدّه من الشرق والغرب سلسلة من الجبال الضخمة والذي تتميز الأحجار المکونة له بأنها ذات لونٍ أسود ممزوج باللون الأحمر، وهذه الجبال متصلة بجبال الحرّة الشهيرة التي تحد وادي العقيق الشهير من جهة الغرب.

وذات عرق من الغور، والغور من ذات عرق إلى أوطاس، وأوطاس على نفس الطريق، ونجد من أوطاس إلى القريتين.[98]

وتعد (الضَّريبة) أحد روافد مرّ الظهران الکبير الدائمة الجريان، يسيل وادي الضريبة من جبلي ارثامة ومسولا، وأعلاه الشرافة، قراره أرض مرتفعة يسيل ماؤها الغربي الضَّريبة والشرقي في سلحة فعقيق عُشير.

ويقع ميقات أهل العراق والقصيم (ذات عرق) في الضَّـريبة حيث يقطعها درب المُنَقَّي، فيها مياه وفيرة، ولها روافد متعددة منها: نجل والرصن، والصُّبَير، والمحفار، ونجار معاء.[99]

* «ثم إلى بستان ابن عامر»:

«بستان ابن عامر» عند مکة، ويقال له: بستان ابن معمر، وهو مجتمع النخلتين اليمانية والشامية. بينما يرى بعضهم العکس، بستان ابن عامر بنخلة، هو عبد الله بن عامر بن کريز بن ربيعة. وغير صحيح: بستان ابن معمر؛ وإنه قول العامة. و ورد أيضاً بستان ابن عامر لعمر بن عبد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو بن کعب بن سعد بن تميم بن مرة بن کعب بن لؤي، ولکن الناس غلطوا فيه،  فقالوا: بستان ابن عامر، وبستان بني عامر، وإنما هو بستان ابن معمر، نسب إلى ابن عامر الحضرمي، وآخرون يقولون: نسب إلى ابن عامر بن کريز.[100]

بينما يذهب البعض إلى کونهما بستانيْن مختلفيْن، فبستان ابن معمر غير بستان ابن عامر وليس أحدهما الآخر، فأما بستان ابن معمر فهو الذي يعرف ببطن نخلة، وابن معمر هو عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، وأما بستان ابن عامر فهو موضع آخر قريب من الجحفة، وابن عامر هذا هو عبد الله بن عامر بن کريز، استعمله عثمان على البصرة، وکان لا يعالج أرضاً إلّا حفر فيها الماء.[101]

* «ثم إلى مکة»: [102] و هي نهاية الرحلة إلى الديار المقدسة، حيث يتم القيام بالمناسك وأداء فريضة الحج.

طريق آخر:

ذکر ابن خرداذبه طريقاً آخر من اليمامة إلى مکة لا يمر على ضرية، حيث قال: «فمن عدل من النّباج، فإلى النّقرة».

الطريق من اليمامة إلى مکّة من اليمامة إلى:

* العِرض (العارض)، أو هامة تدعو الصّدى بين المشقّر واليمامة: العِرْض: هو الجبل الممتد عَرضاً في وسط الجزيرة، ويعرف بهذا الاسم في الوقت الحاضر، وبجبل (طُوَيق) لبطويقه جزءاً من بلاد المنطقة الوسطى في الجزيرة.[103]

* «ثم إلى الحديقة»: قد يکون مراده منطقةً زراعية له اسم خاص، وقد عرّفها بالحديقه، مما فوّت علينا تحديد مکانها.

*«ثم إلى السّيح»: من قرى الزلفي: وتقع مدينة الزلفي في إقليم نجد في أقصى شمال منطقة الرياض على الحدود القصيمية الشرقية، وتبعد عن مدينة الرياض مسافة 260کم تقريباً شمالاً، وهي مدينة عامرة کبيرة ذات أسواق تجارية ونخيل ومزارع و ذات أحياء متباعدة تقريباً.[104]

* «ثم إلى الثّنيّة»: تقع الثنية في جبل العارض الذي تخترقه فجاج واسعة، منها ينفذ إلى الأودية التي في جوفه، ومن أشهر تلك الفجاج (الأحَيْسـي)، وفي أعلى هذا الفج عقبة، و تلك تسمی (ثنية الأحَيْسـي)، ومنها ينفذ إلى (العِرض) وهو وادي حنيفة.[105]

* «ثم إلى سقيراء»: ويعني (شقراء): تقع على بُعد حوالي 185کم شمال غرب الرياض. وهي قاعدة الوشم وکانت شقراء نقطه توقف رئيسة على طريق الرياض/الطائف للحجّاج. وتعدّ أکبر مدن الوشم من حيث التجميع السکاني والوشم معدود من أرض اليمامة.

* «ثم إلى السّدّ»: ولعلّ مراده (روضة سدير): تقع هذه الروضة في إقليم سدير الواقع في الجهة الوسطى من الجزيرة العربية وهي تابعة مدينة الرياض، وتبعد حوالي 160کم.

* «ثم إلى صداة»: لم نتمکن من التعرّف على مقصوده، ربما تغير أسمها مع مرور الزمن.

* «ثم إلى شريفة»: المراد غير معروف و لم أجد من المناطق ما يسمى بهذا الاسم.

* «ثم إلى القريتين»: من طريق البصرة.

* «ثم إلى المنازل التي قد مرّ ذکرها إلى مکّة».[106]

الطريق الثاني، في: «مختصر الجغرافيا الکبير»

وهو طريق کان يسير عليه الحاج الأحسائي خلال القرن الحادي عشر، ولعلّ سار عليه قبل هذا الزمن بعدّة قرون، ذکره أبوبکر الدمشقي،[107] في کتابه: «جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير»، وعدّد فيه منازل الطريق التي يتوقف عندها الحاجّ. نذکرها مع بعض التعريف بها من خلال المصادر التي تتناول جغرافيا المنطقة. علماً أنّ هذا الطريق يؤخذ عليه عدّة ملاحظات، لعلّ من أهمها:

* إنَّ المصنّف لم يعرّف بالمناطق والنُّزل، ولم يذکر بعض معالمها، وإنما اکتفى بذکر أسمائها من خلال ما سمعه ممن سار على الطريق.

* إنَّ المصنّف وقع في أخطاءٍ کثيرة في مسميات المنازل المذکورة، ولعلّ مرجع ذلك عدم معرفته الدقيقة بالمنطقة، واختلاف اللهجات مما يجعل تعبيره عنها بلهجته قد يغيّر المسّمى، کما أنَّ الکتاب کتب في الأساس باللغة الترکية فترجمة المسميات من العربية إلى الترکية قد يودّي إلى تحريف في اللفظة أو تصحيفها بسبب اختلاف النطق کما هو معروف، ثم ترجمتها إلى العربية مرّة أخرى، مما ساهم في حدوث خلطٍ آخر، جعل الأسماء غير دقيقة في الکتاب.

* وکون المصنّف ذکر طريق حاجّ الأحساء هو إشارة إلى أنّ الطريق کان معروفاً ومشهوراً في تلك الحقبة، وکان يسلکه الحجّاج القادمون إلى الحجاز من جهة المشرق، ولهذا أشار إليه ضمن طرق الحاجّ المعروفة في عصره.

طريق الحاجّ الأحسائي:

ويعتبر ما ذکره الدمشقي أبو بکر بن بهرام الدمشقي (ت1102هـ) من أقدم المصادر التي وصلتنا وذکر فيها منازل رحلة الحاجّ الأحسائي وطريق سيره من الأحساء إلى الديار المقدسة، وقد ذکر منازل الحاجّ من الأحساء إلى مکة المکرمة عبر المناطق التالية:

«من الأحساء، إلى جودة، ثم إلى ضان، ثم إلى الدهناء، وهناك دحل مي (رمل الدحى)، ثم منه إلى (جبل أبي عرفة)،  ثم إلى ملهم، ثم إلى الجفر، ثم إلى الربض (العِرض)، ثم إلى الدرعية، ثم إلى الحيسية، ثم إلى مراة، ثم إلى الشعراء، ثم إلى الحنابج، ومنها إلى المرقب، ثم إلى المنخنا (المنحنى)، ثم إلى العبلة، ثم إلى رکبة، ثم إلى ذات عرق، ثم إلى مکة المکرمة».[108]

فقد ذکر سبعة عشر منزلاً في الطريق إلى مکة المکرمة يعبر من خلالها الحاجّ الأحسائي، لتکون محطته بعدها مکة المکرمة.

وهو هنا کما ذکرنا سابقاً قد أوجز وذکر المناطق الرئيسية فقط التي يسلکها الحاجّ دون الإشارة إلى تفاصيل المکان والمسافة بين منزلٍ وآخر، لذا سنحاول التعريف بها:

* «من الأحساء إلى جودة»:

جُودة: ويسميها البعض (حمراء جودة) منطقة غنية بالخيرات، تعدّ من أحسن مراتع البادية وأخصبها، فيها حقول زراعية، معظم عمل أهلها الزراعة والرعي، وأرضها رملية مستوية يسکنها بعض البدو يوجد بالقرب منها (جبل الجودي)، وهي تقع غربي مدينة الهفوف على بعد يصل إلى (112) کم، باتجاه مدينة الرياض.

قال ياقوت الحموي: هي في بلاد بني تميم قال عبدة بن الطيب:

لولا يجودة والحي الذين بها

أمسى المزالف لا تذکو بها نارُ

وقال جرير:

فأنْتَ على يَجُودَةَ مُسْتَذَلّ

وفِي الحيَّ الذينَ علا لهابا

يقول العبيد في «الموسوعة الجغرافية لشرقي البلاد العربية السعودية»: «لا يزال هذا الموضع معروفاً، ويقع في الشمال الغربي من المنطقة وإلى الغرب من عين دار. وفي المصادر القديمة يسمى أحياناً: (يجودة) بالياء».[109]

* «ثم على ضان»: وهنا لعل المقصود (الصّمّان) بحسب المعلق على کتاب الدمشقي،[110] واعتماداً على الکثير من المصادر المشيرة لوقوعها على طريق الحاجّ الأحسائي.

قال الزبيدي في تاج العروس: «الصَّمَّانُ: کلّ أرض صلبة غليظة ذات حجارة إلى جنب رمل، کالصَّمَّانَةِ، سميت لصلابته وشدتها».[111]

فمن أراد مکة عن طريق المنکدر توجّه نحو القبلة وأخذ الصّمّان، والصّمّان على ضفة فلج إلى الرمل، والدّوّ من ناية، وسکنها بنو سعد وأخلاط تميم، يتراعون جميعاً، وإذا أجدبت قيس صارت إليه، وهو «طريق اليمامة».[112]

وکانت الصّمّان في قديم الدهر لبني حنظلة والحزن لبني يربوع، والصّمّان متآخم للدهناء».[113]

تخرج من البصرة، فتسير إلى کاظمة ثلاثاً، وهي طريق المنکدر، لمن أراد مکّة من المنکدر. ثم تسير إلى الدّوّ ثلاثاً، ثم تسير إلى الصّمّان ثلاثاً، ثم إلى الدّهناء ثلاثاً، والصّمّان: «جبل أحمر ينقاد ثلاث ليال، ليس له ارتفاع، وإنّما سمّي الصّمّان لصلابته».[114]

کما تعدّ هضبة مرتفعة شرقي الدهناء تمتدّ شمالاً حتى تتصل بالدبدبة والقرعة (القرعاء)، وتشتهر بدحولها التي تعتبر مخازن للمياه، وهي في الشمال أعرض منها في الوسط والجنوب، ويختلف عرضها من 50ـ90 ميلاً، ومتوسط ارتفاعها 1250 قدماً، وطبيعة أرضها مختلفة فهي من الحجر الرملي، وفيها أحجار کلسية، وفيها سهول تنحدر إلى الشرق.

ومياه الصّمّان التي تشمل اللهابة واللصافة ووبرة، تسمى قديماً: وادي الشواجن.[115]

قال ابن المقرب العيوني:

فَما حَلَّ عَقدَ السَيفِ حتى أَناخَها

ضُحیً بِعِذارِ الخَطِّ حَدباءَ ناحِلا

أَلَم يَأتِ مِن أَرض(الشَواجِنِ)يَختَطي

حَـــرابِيَّ أَجـوَازِ الفَلا وَالخـمائِلا

وقد ارتبطت صحراء الصّمّان منذ القدم إقليميًّا بمنطقة الأحساء، وهي تخضع دائماً لحاکم منطقة الأحساء وذلك لقرب المنطقتين من بعضهما، وحاجة قبائل وحاکم الأحساء إلى مناطق خصبة لرعي الخيل والإبل والمواشي، وهذا ما تمتاز به صحراء الصّمّان، وقد قيل لابنة الخسّ: أي البلاد أمرأ؟ فقال: «خياشيم الحزن وأجواء الصّمّان».[116]

* «ثم إلى الدهناء، وهناك دحل مي»:

ويعني ثم إلى صحراء الدهناء: وحدوده الدهناء عبارة عن صحراء رملية متخذة شکل القوس الذي يمتد نحو1200کم من جنوب شرق النفوذ إلى شمال الربع الخالي، ويطلق مسمى الرميلة على نهايتها الجنوبية، وهو إسم محلي يعني قرب اندماج رمال الدهناء برمال الربع الخالي، وعرض الدهناء يختلف من مکان لأخر فمتوسط عرضها شمال وادي الباطن هو20م، وأمام وادي الباطن ترتبط الدهناء مع نفوذ المظهور ونفوذ الثويرات عبر عروق السياريات، والسبب في تراکم الرمال في هذه المنطقة أنها تقع إلى الشرق من مجرى وادي الرمة القديم، وإلى الشـرق من خط طول 45شرقاً تنقسم الدهناء إلى قسمين، وتسمى المنطقة الفاصلة بالجندلية التي تعتبر أرض فياض وآبار.

وهي سبعة أجبل من الرمل في عرضها،  بين کلّ جبلين شقيقة، وطولها من حزن ينسوعة إلى رمل يبرين، وهي من أکثر بلاد الله کلاً مع قلة أغذاء ومياه، وإذا أخصبت الدهناء ربّعت العرب جمعاً لسعتها وکثرة شجرها، وهي عذاة مکرمة نزهة، من سکنها لا يعرف الحمّى لطيب تربتها وهوائها، وهو منزل بطريق مکة من البصرة، صبحت به أقماع الدهناء من جانبه الأيسر واتصلت أقماعها بعجمتها وتفرّعت جبالها من عجمتها، وقد جعلوا رمل الدهناء بمنزلة بعير وجعلوا أقماعها التي شخصت من عجمتها نحو الينسوعة ثفناً کثفن البعير، وهي خمسة أجبل على عدد الثفنات: فالجبل الأعلى منها الأدنى إلى حفر بني سعد، واسمه خشاخش لکثرة ما يسمع من خشخشة أموالهم فيه، والجبل الثاني يسمى حماطان، والثالث جبل الرمث، والرابع معبر، والخامس جبل حزوى.[117]

وعرّفها البکري الأندلسي قائلاً: «الدهناء: رمال في طريق اليمامة إلى مکة، لا يعرف طولها، وأمَّا عرضها فثلاث ليال، وهي على أربعة أميال من هجر، ويقال في المثل: أوسع من الدهناء. وقد ذکرت الدهناء في رسم عالج، وفي رسم کاظمة، وعلم الدهناء».[118]

حيث يوجد بها (دَحَل مي)، ولعلّ في الأمر تصحيف من (رمل الدّحِي)،[119] موضع يقع بالقرب من (الوشم)، الدبيل سابقاً.[120]

والدَحَل: تعني حفرة تکون في الأرض ضيقة الأعلى، واسعة الأسفل، تتجمّع فيها مياه الأمطار، وماؤها عذب.

قال صاحب معجم اليمامة: «الدّحِي: بفتح الدال المشددة، وکسـر الحاء فياء (نفود الدحى) أو رمل الدحى، هو هذا الرمل المنقاد من فوهة (بِرك) غرباً إلى ما يقرب من وادي (العَقيق) (عقيق تَمْرة) أسفل (وادي الدواسر) وکان يسمك قديماً «الدُّبَيل».[121]

* «ثم منه إلى جبل أبي عرفة»: وقد ذُکر هذا الجبل في موضع آخر من کتاب الدمشقي فقال عنه:

«الدرعيّة وتقع على طريق الحاج الأحسائي وواديها متداخل ومتعرج جداً، وبلاد (العارض) تقع عليه وبالقرب منه جبل أبي عرفة».[122]

ومنه ندرك أنّ جبل أبي عرفة يقع بالقرب من الدرعيّة، إلّا أنَّ المصادر والمعاجم الجغرافية المختصّة بالدرعيّة والعارض لا تذکر هذا الجبل، لذا لا يبعد أنه اسم آخر لأحد الجبال المعروفة في الدرعيّة وبلاد العارض.

ولعلّه يقصد أحد الجبال التالية القريبة من الرياض وما هو إلّا اسم آخر لأحدهم وهي:

جبل طويق، جبل جبلة، جبل قطن، الجبل الأصفر، جبل ثهلان، جبل اذقان، جبل ذريع، جبل کميت، جبل شمالات، جبل التوباد، جبل زعابة، جبل النير، جبل البيضتين، وهي سلسلة جبال تحيط بالدرعيّة.

ويقصد بالعارض حالياً الرياض، والدرعيّة، وضرما، والعيينة، والجبيلة، وسدوس، والعمارية، ومنفوحة، والمصانع، وعرقة، والحائر.

تأتي أهميتها بالنسبة للحاجّ الأحسائي العابر عليها في طريقة إلى بيت الله الحرام، فهي غنية بالفواکه والخضار مما يجعلها مقصداً للحجّاج، کما يشير إلى وفرة النخيل فيها، مما يجعلها مستراحاً جميلاً ومقصداً للحاجّ يلقي فيها عناء ومشقة الطريق، قبل أن يعاود مسيرته من جديد.

* «ثم إلى مَلْهَم»:

(مَلْهَم) بفتح الميم وسکون اللام وفتح الهاء، تقع شمال مدينة الرياض بمسافة تقدر بحوالي (55کم)، وهي من المناطق التاريخية العريقة التي تقع على طريق الحاجّ، وهي شهيرة بمزارعها وخيراتها، ويعبر عنها الدمشقي بقوله: «... وملهم تبعد من الأحساء بست مراحل، وهذه القرية متنزّهٌ جميل جداً، ينبت فيها قصب السکر والتمر والعنب والخوخ».[123]

فإذا کانت (المرحلة) مسيرة يوم على الإبل، فهذا يعني يستغرق طريق (الأحساء ملهم) ما مقداره ستة أيام سيراً على ظهور الإبل.

وقد جاء في لسان العرب: «مَلْهَم قَرْية بِالْيَمَامَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيِّ: هِيَ لبَني يَشْکُرَ وأَخلاطٍ مِنْ بَکْرِ وَائِلٍ».[124]

جاء في کتاب معجم البلدان: قال أبو منصور: ملهم وقران قريتان من قرى اليمامة معروفتان، وقال السکوني: هما لبني نمير على ليلة من مرة، وقال غيره: ملهم قرية باليمامة لبني يشکر وأخلاط،[125] وقال بن عبدالحق: «... ملهم بالفتح، ثم السکون، وفتح الهاء. قيل: ملهم وقرّان: قريتان من قرى اليمامة معروفتان. قيل: هي لبني نمير، وقيل: ملهم لبني يشکر وأخلاط من بکر، وبها يوم للعرب».[126] وأرجع الدکتور جواد علي اسم (ملهم) إلى يوم (ملهم) وهي حرب نسبت لهذا المکان بين تميم وحنيفة.[127]

* «ثم إلى الجفر»:

يحتمل المحقق لکتاب الدمشقي أنّ مراده (جفر البعر)،[128] وجفر البعر: ماء يأخذ عليه طريق الحاجّ، من حَجْر اليمامة، بقرب راهص، وهي منطقة آبار جاهلية قديمة، تقع جنوباً من ماء (الأروسة)، وهي غنية بالمياه، وهي من مياه أبي بکر بن کلاب بين الحمى وبين مهب الجنوب على مسيرة يوم،[129] وقد ذهب لذلك أيضاً صاحب (مرصد الاطلاع).[130]

ومما يؤکّد کلام الدمشقي من أنَّ منطقة (جفر البعر) تقع على طريق الحاجّ الأحسائي، وتُعدّ معبراً ومستراحاً للحجّاج حيث يستقون منها الماء ويروون إبلهم، ما ذکره الأصفهاني قائلاً: «ثم الجفر؛ جفر البعر، يأخذ عليه طريق الحاجّ من طريق ضجر».[131]

ويحتمل أنّ المراد بـ: (جفر البعر) المکان المعروف اليوم بـ: (دمنان)، فقد ورد في المعجم الجغرافي لعالية نجد: «ويبدو لي أنّ هذا الماء هو الذي ذکره أصحاب المعاجم الجغرافية باسم (جفر البعر)، لأن کلمة دمنان بمعني ذو الدَّمن، والدمن هو البعر».

وقد استند بقوله هذا على قول ياقوت الحموي في تحديد المکان بقوله:

«جفر البعر، عن الأصمعي جفر البعر ماء يأخذ عليه طريق الحاجّ من حجر اليمامة، يقرب راهص. وعن أبي زياد الکلابي جفر البعر من مياه أبي بکر بن کلاب بين الحمى و بين مهب الجنوب على مسيرة يوم، وقال غيره: جفر البعر بين مکة واليمامة على الجادة، وهو ماءٌ لبني ربيعة بن عبد الله بن کلابئج.[132]

* «ثم إلى الربض»:

يميل محقق الکتاب إلى وجود اشتباه لدى المؤلف فيقول: «لعلّه بطن العِرْض»، في الطريق من حَجْر إلى مکة، وذکر في کتاب: بلاد العرب للحسن بن عبد الله الأصفهاني:362 «فإذا نصلت من العِرْض وصلت موضع يقال له الراحة... ثم تصير إلى ثنية الأحيسي».[133]

والعارض: هو الجبل المُمتد عَرضاً في وسط الجزيرة، ويعرف بهذا الاسم في الوقت الحاضر، وبجبل (طُوَيق) لتطويقه جزءاً من بلاد المنطقة الوسطي في الجزيرة.[134]

وطرف العارض في بلاد بني تميم في موضع يسمى القرنين فثمّ انقطع طرف العارض الذي من قبل مهبّ الشمال ثم يعود العارض حتى ينقطع في رمل الجزء، وبين طرفي العارض مسيرة شهر طولاً ثم انقطع.[135]

والعارض کما يقول الدمشقي في طيات کتابه:

«نجد العارض: هي مناطق واسعة، يقطعها جبل، يسمونه (جبل العارض)، والآن يسمى: (جبل العمارية)، له مدخلان: أحدهما من (العيينة)، والآخر من(الدرعيّة)، ويقولون: إنّ هناك ثلاثة آلاف قرية، وأهلها لا يخضعون لشـريف، وبداية هذا الجبل تمتد من مسافة ثلاثة مراحل من (الحجاز)، ويمتد إلى الجهات الشمالية حتى (نجد العارض)».[136]

ثم يقول: «في وسط (العارض)، وعند هذا الجبل وادٍ يسمونه: (وادي بني حنيفة)، وفيه المياه وافرة وکثير الأشجار والنخيل، وهو متنزهات مبهجة، وعلى أطراف الوادي تصطف القرى، وفي أعلاه قصبة الدرعيّة».[137]

* «ثم إلى الدِرْعِيّة»:

الدِرْعِيّة: مدينة تقع على ضفتي وادي (العِرْض) الذي يخترق سلسلة جبال (العارض في منطقة يطلق عليها الجغرافيون المتقدمون (العروض).[138]

وبلدة الدرعيّة منسوبةٌ إلى الدروع، والدورع قبيلة استوطنت وادي حنيفة وحکمت حجر والجزعة، ودعا أحد حکامها (ابن درع) ابن عمه مانع المريدي للقدوم من عروض نجد إلى مرابع وادي حنيفة، وسکن القادمون ما بين غصيبة والمليبيد، وبتاريخ قدومهم يؤرّخ لتأسيس الدرعيّة عام 850هـ.[139]

وتقع الدرعية على بعد حوالي (300 کم) عن الأحساء، ويحدها شمالاً محافظة حريملاء بمسافة (75کم)، وجنوباً محافظة ضرما بمسافة (70 کم)، وتتوزّع مساکنها على ضفاف وادي حنيفة، وروافده ما بين غصيبة في الشمال والمليبيد في الجنوب، ويلفّها سورها القديم بتحصيناته وأبراجه الطينية.

يبيّن أبو بکر بن بهرام الدمشقي أهمية الدرعيّة و موقعيتها من طريق الحاجّ الأحسائي بقوله: «... والدرعيّة تقع على طريق حجّاج الأحساء،  وواديها متداخل ومتعرج جدّاً وبلاد العارض تقع عليه، وبالقرب منه جبل أبي عرفة».[140]

* «ثم إلى الحيسية»:

الحيسية: عبارة عن شعيب وعر نسبياً يبعد عن الرياض (50 کم)، أقرب منطقة إليه (العيينة)، وفيه أشجار طلح کثيرة والمکان قريب من الرياض وجميل وقت الأمطار.

وتحديد موقع هذا الشعيب کما يذهب العيسى في قوله: «إنَّ جبل العارض يخترقه فجاج واسعة، منها ينفذ إلى الأودية التي في جوفه، ومن أشهر تلك الفجاج (الأحَيْسَى) بفتح الهمزة والحاء وسکون والياء، والسين المفتوحة بعدها ألف مقصورة بصورة (ى)، وفي أعلى هذا الفج عقبة، وتلك تسمى: (ثنية الأحَيْسَى)، ومنها ينفذ إلى (العِرْض) وادي حنيفة».[141]

والأحيسى يعرف اليوم بـ: (الحَيْسِيّة) وهو ما فوق (العيينة) من وادي حنيفة، من أعلاه، مُهدت وأصبحت تمر منها السيارات، فما سال من هذه الثنية مشرقاً يصبُّ في وادي حنيفة، وما سال منها مغرباً تمده روافد أخرى، ويتکون منه وادٍ يذهب مغرباً حتى يخترق خط الحجاز مما يلي منطقة (سَمْحَان) أعلى (ضَرَمَى) وتتکون منه ومن الأودية الأخرى التي تصب فيه سيولُ رياض ضرمى.[142]

* «ثم إلى مَراة»:

تکتب قديماً (مراة)، أما في المصادر الحديثة (مرات): وهي تقع في الجهة الشمالية الغربية لمدينة الرياض، في الجهة الجنوبية لمنطقة الوشم في إقليم اليمامة وعلى ارتفاع 600 متر على سطح البحر، وتبعد عن مدينة الرياض (134کم) تقريباً من (طريق القدية) وعلى بُعد (167کم) تقريباً من (طريق ديراب)، کما تبعد عن مدينة شقراء بمسافة تقدر بنحو من 35 کيلاً، وهي على طريق الحجاز القديم.

ذکرها الدمشقي ووصفها بقوله: «تبعد عن (الدرعيّة) بمرحلتين، بها مياه ونخيل».[143]

واعتبرها ابن خميس في قوله عن «مراة»: بلدة أثرية اشتهرت بأنها بلدة امرئ القيس، وهي بلا شك بلدة أمرئ القيس ولکن ليس ابن حجر الکندي الشاعر الجاهلي المعروف، بل أمرئ القيس التميمي، وهي قرية عرف أهلها بالطيب والکرم.[144]

وممن کان يسکنها هشام المرئى، فوقع خلاف بينه وبين ذوالمرة فهجاه:

فَلَمّا دَخَلْنا جَوْفَ مَرْءَةَ غُلِّقَتْ

دَسـاکِرُ لم تُرفَـعْ لخَـيْرٍ ظِـلالُها

وَقَدسُمِّيَت بِاسمِ امرِئِ القَيسِ​قَريَةٌ

کِـرامٌ صَـواديها لِـئامٌ رِجالُهـا.[145]

وتنطق کما يرى الأزهري، مرأة: بالفتح، بلفظ المرأة من النساء: قرية بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم باليمامة سميت بشطر اسم امرئ القيس، بينها وبين ذات غسل مرحلة على طريق النباج.[146] وهي تقع بالقرب من (جبل کميت) وهو علامة بلدة (مراة)، يقول عنه المثل الشعبي: (اضمن لي کميتاً أضمن لك مراة)، وهي تقع في الناحية الجنوبية من جبل کميت.[147]

* «ثم إلى الشَّعْرَاء»:

الشَّعْرَاء: بلدة تقع في جانب جبل (ثهلان) من الشرق، غرب مدينة الدوادمي، على بُعد 35 کم، وهي معروفة بهذا الاسم قديماً وحديثاً.[148]

وکانت بلاد الشعراء وما حولها مرتعاً طيباً للبوادي، وفير المراعي کثير المياه، فأصبحت بحکم هذا الموقع وتأثيره سوقاً تجارياً للبادية، وتوسّعت تجارتها، وکذلك فإنها تقع في طريق القوافل بين بلاد (العارض) و(الوشم) و(سدير)، وبلاد الحجاز وعليها يمر طريق حاجّ هذه البلاد.[149]

* «ثم إلى الحنابج»:

الحنابج:  تقع على طريق عفيف البجادية، ويبعد مفرقها عن عفيف (30 أو 35 کم تقريباً)، ومن المفرق إلى نفس الديرة (20 إلى 25کم تقريباً).

يقول المؤرّخ حمد الجاسر: «وهي ماءٌ قديم، أحساء کثيرة في واد داخل جبل النّير، والنّير کما يقول الهجري جبال کثيرة سود قنان وقران وغيرهما، بعضها إلى بعض و سعتها قريب من مسيرة يوم للراکب. ومن النّير تخرج سيول (التسـرير) وسيول (نَضَاد) و(ذي غُثَث) في وادٍ يقال له ذو بحار.[150] ومن أسماء عيون النّير ومياهه: الحبنج، والحنبج، والحنيبج، ثلاثة منابع للماء يقال لها الحنابج،[151] وکما يقول الهمداني: فإنّ من مياه النّير الحنابج».[152]

* «ومنها إلى المرقب»:

المرقب: وهي قرية باليمامة، أو (الرقيبة) المذکورة في نزهة المشتاق، أو هي (المرقبة) اسم جبل لهذيل.[153]

*«ثم إلى المنحنى»:

هو اسم يطلق على وادي أشيقر أحد الأودية التي تسيل شمالي منطقة شقراء، وقد ذکرها ناهض ابن ثومة في شعره فقال: [154]

فما العهد من أسماء إلّا محلة

کما خطّ في ظهرِ الأديم الرواقشُ

(برمحين) أو (بالمنحنى) دبَّ فوقها

سفاالريح أوجزعٌ من السيل خادشُ

* «ثم إلى العبلة»:

يميل المحقّق والمعلّق على کتاب الدمشقي إلى أنّ مراده هو منطقة (العبلاء)،[155] المنطقة المعروفة منذ العصر الجاهلي بالطائف.

والعبلاء: اسم علم لصخرة بيضاء إلى جانب عکاظ،[156] وهي قرية من قرى الطائف.

يقول أبو بکر بن بهرام في کتابه «جزيرة العرب في کتاب مختصـر الجغرافيا الکبير»: وکذلك قرية تسمى (العبلاء) وفيها الطائف تسکن قبائل بني صخر، وبني سعد، وقبائل هذيل، وکانت قبيلة ثقيف تسکن هذه البلدة».[157]

أما العُبَيلاء: فهي قرية ومزرعة لعدوان في أسفل وادي ليَّة، يشرف عليها من الشرق جبل مروان، مرورة بيضاء، وقريب منها شمالاً شرقياً (العبل) وهو ما کان يعرف بالعبلاء.

وکانت العُبَيلاء مقرّ عثمان المضايفي وزير الشريف غالب أمير مکة وصهره، اتخذها للدعوة ضد غالب، وحشد الجيوش لقتاله موالياً بذلك عدوّه ابن سعود.[158]

فالخلاصة أنَّ العُبَيلاء منطقة أو قرية على مقربةٍ من الطائف، تمتاز بکثرة المزارع والنخيل، ما جعلها مقصداً للأعيان والسائرين على درب الحاجّ، لأجل الاستراحة فيها والتزوّد منها، ولهذا فقد کان حاجّ الأحساء يأخذ مؤونته منها وهو في طريق رحلته إلى الديار المقدسة.

* «ثم إلى رکبة»:

وهي بلد متصلة بعکاظ، وبها عين تسمى عين (خليص)،[159] وهي قريبة من (العبلاء) بالطائف، ويبدو أنها کانت ذات مکانة اقتصادية جيدة، حيث کان يجبى منها الخراج إلى والي اليمامة،[160] في العصور المتقدمة. ورکبة: من المناطق السهلية التي تعدّ من معابر الحاجّ، وهم على مشارف منطقة الحجاز حيث الديار المقدسة، قال کثير: [161]

أناديكما حجَّ الحجيجُ وکبّرتْ

بفيفا غزال رفقةٌ وأهلّتِ

وما کبرت من فوق (رکبة) رفقةٌ

ومن ذي غزال أشعرت واستهلّتِ

وعرّفها عاتق البلادي في معجمه قائلاً: «رُکْبة: بضمّ أولَه وسکون ثانيه وباء موحدة، بلفظ الرکبة التي في الرجل من البعير وغيره، وقال ابن بکير: هي بين مکة  والطائف، وقال القعنبي: هو وادٍ من أودية الطائف، واعتبرها البعض جبل بالحجاز، ويراها الزمخشري مفازة على بعد يومين من مکة يسکنها اليوم عدوان.

سکنها بني ضمرة، وکانوا يجلسون إليها في الصيف ويغورون إلى تهامة في الشتاء، بذات نکف، بينما يراها البعض بأنها على طريق الناس بين مکة والطائف.[162]

* «ثم إلى ذات عرق»:

ذات عرق ميقات أهل العراق ومن جاء عن طريقهم، ويبعد عن مکة مسافة 92 کم شمالاً، وهو من مواقيت الحج.

وهي مکان بالبادية قرب عقيق الطائف، سمي بذلك لعرق فيه، والعرق هو الجبل، ويقولون إنه منتهى جبال تهامة يفصل بين جبال تهامة ونجد، وهو ميقات أهل العراق ومن وراءهم من أهل المشرق کأهل خراسان وغيرهم. وهي مندثرة اليوم، ويحرم الحجّاج الذين يأتون في السابق على الإبل من «الضريبة» التي يقال لها اليوم «الخريبات».

وهي منطقة تقع في نهاية نجد باتجاه الحجاز، قال ابن الأعرابي: «نجد ما بين العُذيب إلى ذات عِرق»،[163] وبداية تهامة من ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مکة.[164]

وقد ذکرها الدمشقي في کتابه فقال: «ذات عرق؛ قرية بها عدّة آبار، وماؤها قريب، تبعد عن (الشعراء) بأربعة منازل،  وعن (مکة) بمنزلين، وأرضها رملية، سهلة، إذا حُفر فيها يخرج منها الماء».[165]

ويعتبرها أبو بکر بن بهرام الدمشقي أنها آخر محطة يقف عندها الحاجّ الأحسائي قبل الدخول إلى مکة المکرمة، فـ: «هي ميقات حجاج نجد»،[166] ومن سلك طريقهم إلى البلد الحرام.

وقد جعلها رسول الله9 ميقات أهل المشرق، فمن جابر الأنصاري عن رسول  الله9 أنه قال: «وُقِّتَ لأهل المشـرق ذات عرق»،[167] وفي حديث آخر بلفظٍ مغاير عن جابر أنّ النبي9 قال: «وُقِّتَ لأهل العراق ذات عرق»،[168] کما يروى الحديث ذاته عن ابن عباس عن رسول الله9.

ومنها يدخل الحاجّ إلى مکة المکرمة مُحرماً وقد بلغ مراده ليبدأ بعدها بأداء مناسك الحجّ.

ونلاحظ على ما ذکره الدمشقي الخطأ في ذکر الأسماء، إضافةً إلى إطلاق مسميات لم تکن مألوفة تاريخياً على تلك الأماکن.

وقد حاولنا خلال ما تمَّ بسطه وعرضه آنفاً من معالم جغرافية لطريق الحاجّ الأحسائي أ ن نعرّفه غالباً من وجهة نظر الدمشقي، والذي يظهر أنه ممن سار على الطريق ووصفه وفقاً لمشاهداته العينيّة، وذلك في القرن الحادي عشر الهجري، وهذا يعطي صورة مختلفة عما کتبه الجغرافيان قبله کياقوت الحموي والهمداني لتقدّمهم عليه بقرونٍ عديدة، مما يحتمل على إثر ذلك تغيّر المعالم ومشخّصاتها نتيجة الفارق الزمني الکبير.

هذا ناهيك عن النظرة الشخصية للمؤرّخ الدمشقي، والتي تعدّ عنصـراً مهمّا للتعرف على بعض المعالم من خلال تجربته الخاصّة في السفر والترحال بعيداً عن النقل والأقوال المتضاربة کما لاحظنا في التعريفات المختلفة...

 

وللبحث صلة تأتي في العدد القادم إن شاء الله تعالى

 

 

 

مکة في رحلة الشعر و الشعراء

حسن محمد

ملخّص البحث:

هذه الرحلة مع مكّة المكرمة في الشعر والشعراء، تُعدُّ رحلةً واسعةً طويلةً، تطلّعت فيها قلوبُ الشعراء، قديماً وحديثاً، إلى بقعة هيأ كرم البقاع و أجلّها، و هامت فيها و حولها أرواحهم و عواطفهم، فنطقت قرائحهم الشعرية حبًّا لها وإجلالاً، و شوقاً و حنيناً، و فخراً و مدحاً و وصفاً لها و لمعالمها، و قد تجسّد منهم هذا عبر القرون و الأجيال؛ ممن وفِّق لحجّها و ممن ينتظره و يأمله، فلعلّ كثيراً منهم رحلت آمالهم إليها بقلوبهم قبل أجسادهم ... و مقالتنا هذه اكتفت بنماذج من ذلك.

* * *

الکلمات المفتاحية:

مكّة المكرمة، الإمام زين العابدين علي بن الحسين8، أبـوطـالـب7، بلال بن رباح الحبشـي رضوان الله عليه، السيد الشـريف الرضي=، مضاض بن عمرو، عمرو بن الحارث بن مضاض، مشهد الحجيج، مزاحم العقيلي، أبو العلاء المعري، شهاب الدين السهروردي، علي بن أفلح، عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني، أبوالقاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري، أبو اليمن ابن عساكر الدمشقي، أحمد شوقي، محمد إقبال اللاهوري.

* * *

لقد حظيت مكة المكرمة، أمّ القرى بمنزلة كبيرة جدًّا في القلوب الصالحة والأرواح الطيبة، وفي دراسات المؤرخين وبحوث العلماء والفقهاء، وألهمت الكتّاب والأدباء والشعراء أسمى المعاني الروحية التي غدت تحفر في وجدانياتهم ومشاعرهم ومواهبهم مادةً رائعةً وخصبةً لخيالهم وقرائحهم، وتهزُّ أوتار مشاعرهم وأحاسيسهم، فراحوا بألوان من جمال المفردات ومعانيها، يتغنّون بكلّ هذه المعالم وقدسيتها، عبر بعض المواضيع والأغراض الشعرية، فأفاضت أشعارهم حبًّا وإجلالاً، ووصفاً ومدحاً وفخراً، وشوقاً وحنيناً إليها... وهو ما نجده فيما كتبوه ودوّنوه عن تسابق الشعراء في ذلك، سواء أكانوا من أهل مكة وما حولها، أم من بلدان نائية عن مكة، أو بعيدةً شيئاً ما عنها أو قريبة منها.

وصحيح أنَّ منزل الإنسان ومكانه وبيئته يمثل كلٌّ منها وجوده، ويحكي انتماءه وهويته، أو يؤثر في بناء عواطفه ومشاعره، لكنَّ كثيراً من الشعراء تربطهم بمكة علاقة أُخرى غير البيئة، وهي علاقة العقيدة و رباط الدين، وهي علاقة أوسع، ولعلّها أكثر تأثيراً، وهو ما نجده حاضراً في قصائدهم عن مكة كالشاعر والمفكّر محمد إقبال اللاهوري، فكان لأشعارهم لون خاص وثمر طيب وحكاية أخرى، وليس هذا بغريب، فأُمُّ القرى، والبيت العتيق، والكعبة المباركة، والمسجد الحرام بمعالمه من الحجرالأسود والمقام والحطيم وحجر إسماعيل، وزمزم والصفا والمروة، وعاء قدمته السماء، وخصّته بمناقب وخصائص قلَّ أو انعدم نظيرها في غيره، حتى نالت مكة المكرمة الشرف والرفعة والسموّ على جميع بقاع الأرض وآفاقها ومعالمها، وهكذا وديانها وجبالها وأزقتها، وحتى طيورها وحيوانها ونباتها، وكذا دورها وبيوتها ونواديها وأسواقها الأدبية والشعرية، كان لها جميعاً نصيب وافر من خطبهم وأشعارهم، الممزوجة بذكرياتهم ونظراتهم عن هذه البقعة الربانيّة المختارة، وركيزتها الكعبة المباركة ...

فمكة المكرمة، خصّها الله تعالى بـ:

(إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ).[169]

ولعلّ (أَوّلَ) تدلّ على الأولوية المطلقة؛ فهو الأول تأسيساً، وهو الأول قرباً إلى الله سبحانه وتعالى، وهو الأول بركةً وهدًى وحرمةً، وهو الأول أمناً، وهو الأول فضائل ومناقب، وهو الأول في قبول عبادة الله ونيل رضاه، وهو الأول فيما يترتب من الأجر والثواب، والعفو والمغفرة، وهو الأول في مضاعفة الحسنات وإلغاء السيئات لمن قصده وزاره وأعلن استقامته وتوبته بصدق وإخلاص ...!

فاكتسبت أفضليتها على باقي البقاع من كونها موضع اختيار السماء؛ لاحتضان (أوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ...)، وأحسنَ (قِبْلَةً) لإرضاء حبيبها رسول الله9 وتكريمه حينما رأته يقلّب وجهه المبارك في أطراف السماء هنا وهناك، لعلّه كان منه انتظاراً وترقباً لوعد السماء، أو رجاءً لاستجابتها، ورغبةً في تحقيق ما يتمنّاه ...، كما في الآية:

(قَدْ نَرَىٰ تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ).[170]

وحينها راح يتوجه إليها المسلمون كافةً في فرض ومستحب ودعاء ... وبهذا وغيره الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأقوال، وبكعبتها المباركة، وبمعالم مسجدها الحرام وآياته، وطهارته وأشرفيته على البقاع، وبمواقعها الروحية والجغرافية الأخرى، جذبت مكة المكرمة إليها أفئدةً من الناس، جاؤوها من كلِّ فجٍّ؛ إما على أرجلهم، وإما ركباناً، والحنين إليها يرافقهم، والشوق يحدوهم، وأمل العودة إليها لا يفارقهم ...

استجابةً لدعاء إبراهيم عليه السلام:

(رَّبَّنَآ إِنّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَاةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).[171]

وتلبيةً لأذانه المبارك:

وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ * لِيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ.[172]

وامتثالاً لأمره تعالى:

(وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّه غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ).[173]

 فتمسكاً بذلك وبغيره من خصائص هذه البقعة الطيبة، وما حدث فيها ووقع عليها، ووفاءً لها ولأهلها ولربوعها التي انبثقت منها رسالة التوحيد، فأشرق نور الإسلام، وشرائع السماء، وانطلقت من حرّائها أولى آيات التنزيل العزيز، وتواصلت فوق بقاعها تترى على رسول الله محمد9 ..

حتى غدت مكة أحبَّ البلاد إلى الله تعالى وأكرمَها، وأفضلَ البِقاع وأجلّها على وجه الأرض، ولقد سُمعَ النَّبيّ9 وهو واقفٌ بالحَزوَرةِ في سوقِ مَكَّة يقول:

«واللهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللهِ، وأحبُّ أرضِ اللهِ إليَّ، ولولا أنَّ أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ»!

وفي خبر آخر يقول عبد الله بن عدي بن حمراء:

رأيتُ رسولَ الله9 واقِفًا على الحَزوَرةِ، والحَزْوَرةُ: مرتفِعٌ يُقابِلُ المسعَى مِن جِهَةِ المشرِقِ، كان سُوقًا مِن أسواقِ مكَّةَ.

فقال النَّبيُّ9 مُخاطِبًا مكَّةَ: «واللهِ، إنَّكِ لخَيرُ أرضِ الله»، أي: أفضلُها وأعظمُها.

 «وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ مِنكِ»، أي: بأمرٍ مِن اللهِ، وذلك بَعدَما زاد أذَى قُريشٍ له ولِمَن أسلَم معَه. «ما خرَجتُ»، أي: لبَقيتُ بمكَّةَ.

وكان النَّبيُّ9 خرَج مُهاجِرًا مِن مكَّة إلى المدينةِ. وفي الحَديثِ: أفضليةُ مَكَّةَ المُكرَّمةِ على غيرِها مِن سائرِ البُلدانِ وفيه: مِن تَعظيمِ الأدبِ في مُفارَقةِ بيتِ اللهِ عزَّوجلَّ.

هذا وإكراماً لهذا العبد الصالح، والمؤمن المعذّب، الصحابي الجليل، بلال بن رباح الحبشي، نبدأ به، فهم يذكرون أنَّه لـّما هاجر من مكة إلى المدينة المنورة، ظلَّ يتغنّى ببيتين من الشعر يرددهما حنيناً إلى مكة وشوقاً إلى ديارها، وإلى مائها ونباتها، مكة التي عرفته بعد إسلامه على ترابها، رجلاً معذَّباً على رمالها، راحت تصهره والحجر الساخن عليه، وهكذا اشتدَّ تعذيبه على أيدي جلاوزة قريش وبعض زعمائها، فلم يذق في نواحيها إلّا البطش والإهانة والإذلال من قبل كبرائها. وقد علا سماءَ مكة أنينُه، وهو يردّد نشيده الخالد: أحد أحد أحد! ومع هذا بقى مشتاقاً إليها، يحنُّ إلى رباعها ومائها ونباتها ...

هذان البيتان من الشعر ظلَّ بلال في بلاد الهجرة؛ المدينة المنورة، ينشدهما باكياً، وكلّما ذهبت عنه حمّى المدينة:

ألَا لَيْتَ شِعْرِي هـلْ أبِيـتَنَّ لَيْـلَةً

بمكة عندي(حولي) إذْخِرٌ وجَلِيلُ

وَهَــلْ أرِدَن يَـوْمًـا مِـيَاهَ مجَنّـــَةٍ

وهــلْ يَبْـدُوَنْ لـي شَـامَةٌ وطَفِيلُ

يقول الشارح: فقد أحبَّ الصحابي الجليل بلال بن رباح مكة، وتمنَّى أنْ يَبيتَ ليلةً واحدةً في ضواحيها، ويُطفِئَ أشواقَه الحارَّةَ مِن مياه مِجَنَّةَ، وهي: ماءٌ عند عُكاظ على أميال يسيرة من مكة بناحية مرّ الظهران، وكان به سوق في الجاهلية، وأن يُمتِّعَ ناظرَيْه بمشاهدة إِذْخِرٍ وجليلٍ، وهما نبتان من الكلإ طيب الرائحة يكونان بمكة، وغيرها مِن النَّباتاتِ الخلويَّةِ الّتي حولها، وأن يُشاهدَ شامةَ وطَفِيلًا، وهما جبلان متجاوران جنوب غرب مكة على قرابة 90كم منها، وغيرَهما مِن جبالِ مكَّةَ الشَّامخةِ.

أقول: ويصل خبره إلى رسول الله9 وما ينشده حبًّا لمكة وحنيناً إليها، فيرفع9 يديه قائلاً:

«اللهم حبّب إلينا المدينة كحُبّنا مكّة أو أشدّ»!

يدعو9 بهذا، وقد ذاق9 هو وعدد من أصحابه المؤمنين أذى زعمائها المشركين حين راحوا وجلاوزتهم يعذِّبون على رمالها الملتهبة بحرارة الشمس المؤمنين برسالة السماء، وكان منهم بلال وعمّار بن ياسر وأبوه وأُمّه سمية حتى استُشهدا ونجا عمّار رضوان الله عليهم ... ولم يذوقوا إلّا مرارة الأذى والتعذيب والتسقيط والتجريح من أهلها قساة القلوب التي خلت من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى، حتى أنَّهم لم يكتفوا بذلك وبتكذيبه، والطعن بصدق نبوّته9 بل خططوا لقتله في تلك الليلة غدراً وهو على فراشه، إلّا أنَّهم فوجئوا بمن فدى نفسه لرسول الله9 بعليٍّ7 نائماً في فراشه، فخابت مؤامرتهم، وباؤوا بالفشل وغضب من الله تعالى، ونجا9 بهجرته إلى المدينة التي نوّرت به9 ونكتفي بما يقوله الشاعر حسّان بن ثابت:

ثوى بِمَكَّةَ بِضعَ عَشرَةَ حِجَّةً

يُذَكِّرُ لَو يَلقى خَليلاً مُؤاتِيا

وَيَعرِضُ في أَهلِ المَواسِمِ نَفسَهُ

فَلَم يَرَ مَن يُؤوِي وَلَم يَرَ داعِيا

فَلَمّا أَتانا وَاِطمَأَنَّت بِهِ النَوى

فَأَصبَحَ مَسروراً بِطَيبَةَ راضِيا

وَأَصبَحَ لا يَخشى عَداوَةَ ظالِمٍ قَريبٍ

وَ لا يَخشى مِنَ الناسِ باغِيـا

 بَذَلنا لَهُ الأَموالَ مِن جُلِّ مالِنا

وَأَنفُسَنا عِندَ الوَغى وَالتَآسِيا

نُحارِبُ مَن عادى مِنَ الناسِ كُلَّهِم

جَمعاً وَإِن كانَ الحَبيبُ المُصافِيا

وَنَعلَمُ أَنَّ اللَهَ لا رَبَّ غَيرُهُ

وَأَنَّ كِتابَ اللَهِ أَصبَحَ هادِيا

وإلّا فإنّهم ذكروا أنَّ الشاعر الجاهلي القديم مضاض بن عمرو أقدم من تشوّق إلى مكة المكرمة وحنَّ...، حين راح يندب حظّه وحظّ قومه الذين أخرجوا من مكة... أما عن وقت إنشاده قصيدته الطويلة التي تحكي شوقه العظيم لمكة، لمّا وصل إليها، متعقباً إبلاً له، فوقف على جبل أبي قبيس وأنشدها... أما ابن إسحاق فيقول:.. فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهميّ بغزالي الكعبة و بحجر الركن، فدفنهما في زمزم، و انطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزناً شديداً، فقال عمرو بن الحارث بن مضاض في ذلك، و ليس بمضاض الأكبر:

و قائلة و الدمع سكب مبادر

وقد شرقت بالدمع منها المحاجر

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا

أنيس ولم يسمر بمكّة سامر

فقلت لها والقلب منى كأنما

يلجلجه بين الجناحين طائر

بلى نحن كنّا أهلها، فأزالنا

صروف الليالى، و الجدود العواثر

و كنّا ولاة البيت من بعد نابت

نطوف بذاك البيت، و الخير ظاهر

و نحن ولينا البيت من بعد نابت

بعزّ، فما يحظى لدينا المكاثر

ملكنا فعزّزنا فأعظم بملكنا

فليس لحىّ غيرنا ثمّ فاخر...

إلى أن يقول:

و صرنا أحاديث وكنّا بغبطة

بذلك عضّتنا السّنون الغوابر

فسحّت دموع العين تبكى لبلدة

بها حرم أمن، و فيها المشاعر

و تبكى لبيتٍ ليس يؤذى حمامه

يظلّ به أمناً، و فيه العصافر

و فيه وحوش - لا ترام - أنيسة

إذا خرجت منه، فليست تغادر...

قال ابن هشام: هذا ما صحّ له منها. وحدثني بعض أهل العلم بالشعر أنَّ هذه الأبيات أوّل شعر قيل في العرب، وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن، و لم يسمّ لي قائلها.[174]

هذا وأنَّ هناك الكثير، وأخصُّ بالذكر أولئك الذين وهبتهم السماء ملكةَ الشعر وحُسنَ القريحة الشعرية، فقد تعلّقت نفوسهم ببقاع مكة وبمعالمها، وغدت تهفو أفئدتهم اشتياقاً إلى رؤية البيت وكعبته المباركة، حتى أنَّهم راحوا يهيمون حنيناً إليها، يشفيهم القرب منها، ويزيدهم شوقاً إليها، ولا يسليهم البعد عنها، لهذا تراهم وقد بذلوا الغالي والنفيس، وتكبدوا فراق الأحبة والأهل، وتجشّموا عناء السفر الشاق الطويل، حتى يصلوا إلى هذه الديار، فتصدح حناجرهم تكبيراً وتهليلاً واستغفاراً، وتذرف عيونهم دموعاً ملؤها الحنين والشوق والفرحة برؤية الكعبة المباركة ومعالم البيت الحرام حتى كأنَّ نفوسهم تردّد قول الشاعر:

أطوف به والنفس بعد مشوقة

إليه، وهل بعد الطواف تداني؟!

بقلبي من شوق ومن هيمان

وألثم منه الركن أطلب برد ما

فو الله ما أزداد إلّا صبابة

ولا القلب إلّا كثرة الخفقان

ويا منيتي من دون كلّ أمان

فيا جنة المأوى ويا غاية المنى

أبت غلبات الشوق إلّا تقرباً

إليك فما لي بالبعاد يدان

وما كان صدي عنك صدّ ملالة

ولي شاهد من مقلتي ولساني

دعوت اصطباري عنك بعدك والبكا

فلبى البكا والصبر عنك عصاني

وقد زعموا أنَّ المحبّ إذا نأى

سيبلى هواه بعد طول زمان

ولو كان هذا الزعم حقًّا لكان ذا

دواء الهوى في الناس كلّ أوان

بل إنَّه يبلى التصبر والهوى

على حاله لم يبله الملوان

وهذا محبٌّ قاده الشوق والهوى

بغير زمام قائد وعنان

أتاك على بعد المزار ولو ونت

مطيته جاءت به القدمان

انظر هذا فيما ذكرفي بدائع الفوائد لابن القيم:

فلقد ذكر هذه الأبيات بعد أن بيّن محاسن البيت، وعظم شأنه بما يدعو الناس إلى قصده وحجّه، وإن لم يطلب ذلك منهم، فقال: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فيِهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِناً ...).[175]

فوصفه بخمس صفات:

أحدها: أنه أسبق بيوت العالم وضع في الأرض.

الثاني: أنه مبارك، والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك منه ولا أكثر خيراً ولا أدوم ولا أنفع للخلائق.

الثالث : أنَّه هدى، وصفه بالمصدر نفسه مبالغةً حتى كأنَّه هو نفس الهدى.

الرابع : ما تضمنه من الآيات البينات التي تزيد على أربعين آية.

الخامس : الأمن لداخله.

وفي وصفه بهذه الصفات دون إيجاب قصده ما يبعث النفوس على حجّه، وإن شطّت بالزائرين الديار، وتناءت بهم الأقطار.

ثمَّ أتبع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيدات. وهذا يدلك على الاعتناء منه سبحانه بهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره والتعظيم لشأنه والرفعة من قدره، ولو لم يكن له شرف إلّا إضافته إياه إلى نفسه بقوله:

(... وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّـآئِفِينَ ...).[176]

لكفى بهذه الإضافة فضلاً وشرفاً.

وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه، وسلبت نفوسهم حبًّا وشوقاً إلى رؤيته، فهو المثابة للمحبين يثوبون إليه، ولا يقضون منه وطراً أبداً؛ كلّما ازدادوا له زيادةً، ازدادوا له حبًّا، وإليه اشتياقاً، فلا الوصال يشفيهم، ولا البعاد يسليهم كما قيل:

أطوف به والنفس بعد مشوقة

إليه، وهل بعد الطواف تداني؟!..[177]

ولابن القيم أيضاً، وهو شمس الدين ابن قيم الجوزية المتوفى سنة751هجرية قصيدته الميمية (الرحلة إلى بلاد الأشواق) التي لعلّها توفّرت على أكثر من مئتين وعشرين بيتاً، نقتبس منها مقطعاً تحت عنوان: مشهد الحجيج.

يتضمن سبعةً وأربعين بيتاً، مما يذكره فيها اشتياق الحجيج لبيت استمدّ عظمته وجلاله وجماله وقدسيته من انتسابه إلى الله تعالى حين أضافه إليه، فهو بيت مبارك ببركة السماء! يقول فيه:

أمَــا وَالـذِي حَـجَّ الْمحِــبُّونَ بَيْتَــهُ

وَلـبُّوا لهُ عـندَ المَـهَلِّ وَأحْرَمُوا

وقدْ كَشفُـوا تِلكَ الرُّؤوسَ توَاضُعًا

لِعِـزَّةِ مَن تعْنو الوُجوهُ وتُسلِمُ

يُهــلـُّونَ بالبـيداءِ لبـيــك ربَّنــا

لكَ المُلكُ والحَمْدُ الذي أنتَ تَعْلمُ

دعــاهُـمْ فلبَّــوْهُ رِضًــا ومَحَبَّــةً

فلمّــَا دَعَـوهُ كان أقـربَ منهــمُ

ترَاهُمْ على الأنضاءِ شُعْثًا رؤوسُهُمْ

وغُبْــرًا وهُــمْ فيهـا أسَرُّ وأنْعَمُ

وَقدْ فارَقوا الأوطانَ والأهلَ رغبةً

ولــم يُثنِــهِمْ لـذَّاتُهُمْ والتَّنَعُّمُ

يَسِيرونَ مِن أقطارِها وفِجاجِــها

رِجـالاً ورُكْبانـاً ولله أسْلمُـوا

ولمَّـا رأتْ أبصـارُهُم بيتَـهُ الـذي

قلوبُ الوَرَى شوقًا إليهِ تَضَرَّمُ

كـأنهمُ لـمْ يَنْصَبُــا قـطُّ قــبْـلَهُ

لأنَّ شَقاهُمْ قد ترحَّلَ عنْهُـمُ

فلِلَّهِ كـمْ مِن عَبــْرةٍ مُهْـــــرَاقــةٍ

وأخـرى عـلى آثارِها لا تَقَــدَّمُ

وَقدْ شَرِقتْ عينُ المُــحِبِّ بدَمْعِها

فينظرُ مِن بينِ الدُّموعِ ويُسْجِمُ

إذا عَايَنَتْــهُ العَيْنُ زالَ ظــلامُهـــا

و زالَ عن القلبِ الكئيبِ التألُّمُ

ولا يَعْــرِفُ الطـرْفُ المُعـايِـنُ حسْنَــهُ

إلى أن يعودَ الطرْفُ والشوقُ أعْظمُ

ولا عجـبٌ مِـن ذا فحِينَ أضافـهُ

إلى نفسِهِ الرحمنُ؛ فهو المعظَّمُ

كسَاهُ منَ الإجْلالِ أعظمَ حُلـةٍ

عليها طِرازٌ بالمَلاحَةِ معْلَمُ

فمِنْ أجلِ ذا كلُّ القلوبِ تُحِبُّـهُ

وتَخْضَعُ إجْلالاً لهُ وتُعَظِّمُ

ورَاحُوا إلى التَّعْريفِ يَرْجُونَ رحمةً

ومغفـرةً مِمَّن يجـودُ ويُـكـرِمُ

فلِلَّهِ ذاكَ المـوقــفُ الأعـظــمُ الــذي

كموقفِ يومِ العَرْضِ بلْ ذاكَ أعظمُ

ويــدْنُو بـهِ الجبّـارُ جَـلَّ جلالُهُ

يُباهِي بهمْ أمْلاكَه فهو أكرَمُ

يقولُ عِبـادِي قدْ أتـونِي مَحَبَّـةً

وَإنِّي بهمْ بَرٌّ أجُودُ وأرْحَمُ

فأشْهِدُكُمْ أنِّي غَفَرْتُ ذنُوبَهُـمْ

وأعْطيْتُهُمْ ما أمَّلوهُ وأنْعِمُ

فبُشراكُمُ ياأهلَ ذا المَوقفِ الذِي

به يَغفرُ اللهُ الذنوبَ ويَرحمُ

فكمْ مِن عتيـقٍ فيـِـه كَمَّـلَ عِتقـهُ

وآخرَ يَسْتسعَى وربُّكَ أرْحَمُ

ومَا رُؤيَ الشيطانُ أغيظَ في الوَرَى

وأحْـقرَ منـهُ عندها وهو ألأَمُ

وَ ذاكَ لأمْــرٍ قـد رَآه فغــاظـــــهُ

فأقبلَ يَحْثُو التُّرْبَ غَيْظاً وَيَلطِمُ

و مــا عاينتْ عينـاه مِــن رحمـةٍ أتـتْ

ومغفرةٍ مِن عندِ ذي العرْشِ تُقْسَمُ

بَنَى ما بَنى حتى إذا ظــنَّ أنـه

تمَكَّنَ مِن بُنيانِهِ فهو مُحْكَمُ

أتَى اللهُ بُنيَانًا له مِن أساسِـهِ

فخرَّ عليه ساقطاً يتهدَّمُ

وَكمْ قـدْرُ ما يعلو البناءُ ويَنْتـهـي

إذا كان يَبْنِيهِ وذو العرش يهدِمُ

وراحُوا إلى جَمْعٍ فباتُوا بمَشـعَرِ الْــ

ـحَرَامِ وصَلَّوْا الفجْرَ ثمَّ تقدَّموا

إلى الجَمْرةِ الكُبرَى يُريدون رَمْيَـهـا

لـوقتِ صلاةِ العيـدِ ثمَّ تيَمَّمُوا

منـازلَهمْ للنـحْرِ يَبغـونَ فضلَـــهُ

وإحياءَ نُسْكٍ مِن أبيهمْ يُعَظَّمُ

فلوْ كان يُرضِي اللهَ نَحْرُ نفوسِهـمْ

لدانُوا بهِ طوْعًا وللأمرِ سلَّمُوا

كما بَذلُوا عنـدَ الجِهـادِ نُحورَهُــمْ

لأعدائِهِ حتَّى جرَى منهمُ الدَّمُ

ولكنَّهمْ دانُوا بوضْعِ رؤوسِهمْ

و ذلِـكَ ذلٌّ للعبيدِ ومَيْسَمُ

ولمَّـا تقضَّـوْا ذلـكَ التَّـفَثَ الـذِي

عليهمْ وأوْفَوا نذرَهُمْ ثمَّ تَمَّمُوا

دعاهُم إلى البيـتِ العتيقِ زيـارةً

فيَـا مرحَبًا بالزائِرين وأكرمُ

فلِلهِ مــا أبْـهَــى زيــارتَـهُـمْ لــــهُ

وقدْ حُصِّلتْ تلكَ الجَوائزِ تُقْسَمُ

وَللهِ أفضــالٌ هنـــاكَ ونِـعْـمَــةٌ

وبِرٌّ وإحْسَانٌ وجُودٌ ومَرْحَمُ

وعـادُوا إلى تلكَ المنـازلِ مِن مِنَى

ونالُوا مناهُمْ عندَها وتَنَعَّمُوا

أقامُـوا بها يــومًا ويـومًا وثـالثًــا

وأذِّنَ فِيهمْ بالرحيلِ وأعْلِمُوا

و راحُوا إلى رمْـيِ الجمارِ عَشِيَّــةً

شعارُهُمُ التكْبيرُ واللهُ معْهُمُ

فلو أبْصـرَتْ عينــاكَ موقفَهـمْ بهــا

وَقدْ بسَطوا تلكَ الأكفَّ لِيُرْحَمُوا

ينـادونَـــهُ يا ربِّ يا ربِّ إنَّنــــا

عبيدُكَ لا ندْعو سواكَ وتَعْلمُ

وها نحنُ نرجـو منــكَ ما أنتَ أهلُهُ

فأنتَ الذي تُعْطِي الجزيلَ وتُنْعِمُ

ولمَّا تقضَّــوْا مـِن مِنًـى كـلَّ حاجــةٍ

وسالتْ بهمْ تلكَ البِطاحُ تقدَّموا

إلــى الكعبــةِ البيـتِ الحَـرامِ عشيــةً

و طافُوا بها سبْعًا وصَلَّوْا وسَلَّمُوا

وقصيدة أخرى طالما راح يتغنّى بها المنشدون:

أنخ ركابـك يا من شئت مغفرةً

بأبي قبيسٍ واقصد ذلك الحرم

و تابـع السير فـي ذلّ وفـي وجـل

وناجِ ربّ البيت في حجر وملتزم

وطف ببيت الله واسـأله مكرمـةً

يرقيك منزلة ذو الجود والكرم

وأسع ما بين الصفا والمروة مرتملاً

و كـبرِ المـولى يا سـاعِ في الحرم

وزمزمُ لا تنس تضلـع منهـا مرتويًـا

بنيةٍ سبقت تشفي كلّ ذي سقم!

 هذا ومن الملاحظ أنَّ مكة المباركة، وجدناها قد احتلت مكانةً ساميةً حين أخذت من الشعراء صوراً وألواناً وأغراضاً شعريةً مما تجود به قرائحهم، ففي الفخر نجد عمَّ رسول الله9 أبا طالب رضوان الله تعالى عليه، يقول قصيدته اللامية الطويلة مفتخراً ومتعوّذاً فيها بالبيت الحرام وبمكانه مما يُحيكه بعض الخصوم من قومه كيداً وتآمراً واعتداءً... وهذا جزءٌ منها:

ولـمّـا رأيـتُ القـوم لا ودَّ فيـهـم

وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل

وقد صـارحونا بالعدواة والأذى

وقد طاوعوا أمـر العدو المزايل

وقـد حالفـوا قومـاً علينـا أظنّــةً

يعضون غيظاً خلفنـا بـالأنامل

صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة

وأبيض عضب من تراث المقاول

وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي

وأمسكت من أثوابه بالوصائل

قيــامـاً معـاً مستقبـليـن رتاجــه

لـدى حيث يقضـي حلفه كلّ نافل

وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم

بمفضى السيول من إساف ونائل

أعوذ بربّ الناس من كلّ طاعن

علينـا بسـوء أو ملح ببـاطــــل

و مـن كاشح يسعى لنـا بمعيبـة

ومن ملحق في الدين ما لم نحاول

وثور ومن أرسى ثبيراً مكانـه

وراق ليـرقى في حراء ونـازل

وبالبيت حقّ البيت من بطن مكة

و بـالله إنَّ الله ليـس بغافل

وبالحجر المسود إذا يمسحونه

إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة

عـلى قدميـه حافيـاً غير ناعل

وأشواط بين المروتين إلى الصفا

وما فيهما من صورة وتماثل

و مـن حجَّ بيـت الله مـن كـلّ راكب

ومن كلّ ذي نذر ومن كلّ راجل

  إلى أن يقول:

وكان لنا حوض السقاية فيهم

ونحن الكدي من غالب والكواهل

شبــاب مـن المـطيبيـن و هاشـم

كبيض السيوف بين أيدي الصياقل...

وهذا الأعشى بن ميمون بن قيس، وهو شاعر جاهلي، يفاخر بهذه المواقع أيضاً، ويهجو عمير بن عبد الله بن المنذر، أويعاتب رجلاً؛ مع أنه ذو شرف يقول له:

فما أنت من أهـل الحجون ولا الصفا

ولا لك حقّ الشرب من ماء زمـزم

ولا جعـل الـرحمـن بيتـك في العــلا

بأجياد غربي الصفــا والمحــــرم.[178]

 وقد يقترن ذكرُ مكة ومدحُها هي ومعالمها بممدوح، والمدح واحد من الصور الشعرية، كما نطق الفرزدق مدحاً للإمام زين العابدين علي بن الحسين8، وكانت مناسبتها:

لما حجّ هشام بن عبد الملك في أيام أبيه، طاف بالبيت وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود؛ ليستلمه، فلم يقدر على ذلك بسبب كثرة الزحام، فنصب لنفسه كرسيًّا وجلس عليه، ينظر إلى الناس مع جماعة من أعيان الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: فطاف بالبيت. فلما انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلمه، فقال رجل من أهل الشام لهشام:

من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟

فقال هشام: لا أعرفه.

وكان الفرزدق حاضراً، فقال: أنا أعرفه، ثمّ اندفع، فأنشد هذه القصيدة:

هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ

وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ

هَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ

هَذا ابنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ

بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا

وَلَيسَ قَولُكَ مَن هَذا بِضائِرِهِ

العُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ

كِلتا يَدَيهِ غِياثٌ عَمَّ نَفعُهُما

يُستَوكَفانِ وَلا يَعروهُما عَدَمُ

سَهلُ الخَليقَةِ لا تُخشى بَوادِرُهُ

يَزينُهُ اِثنانِ حُسنُ الخَلقِ وَالشِيَمُ

حَمّالُ أَثقالِ أَقوامٍ إِذا اِفتُدِحوا

حُلوُ الشَمائِلِ تَحلو عِندَهُ نَعَمُ

ما قالَ لا قَطُّ إِلّا فـي تَشَهُّـدِهِ

لَولا التَشَهُّدُ كانَت لاءَهُ نَعَمُ

عَمَّ البَرِيَّـةَ بِالإِحسـانِ فَاِنقَشَـعَت

عَنها الغَياهِبُ وَالإِملاقُ وَالعَدَمُ

إِذا رَأَتـهُ قُرَيـشٌ قـالَ قائِلُهـا

إِلى مَكارِمِ هَذا يَنتَهي الكَرَمُ

يُغضي حَياءً وَيُغضى مِن مَهابَتِهِ

فَـمـا يُكَلـَّمُ إِلّا حينَ يَبتَسِمُ

بِكَفِّــهِ خَيــزُرانٌ ريحُــــهُ عَبِــقٌ

مِن كَفِّ أَروَعَ في عِرنينِهِ شَمَمُ

يَكـــادُ يُمسِكُـهُ عِرفـانُ راحَتِـــهِ

رُكنُ الحَطيمِ إِذا ما جاءَ يَستَلِمُ

اللهُ شَرَّفَـهُ قِـدمـاً وَ عَظَّمَهُ

جَرى بِذاكَ لَهُ في لَوحِهِ القَلَمُ

التي أغضبت هشام بن عبد الملك (ت125هجرية)، فأمر بحبسه بين مكّة والمدينة.[179]

وجيزة نافعة:

مع السيد الشـريف الرضي=، المولود في بغداد (359هـ)، والمتوفى فيها (406هـ)، وحجازياته؛ وهي قصائد عاطفية نظّمها وهو في الحجاز. والمعروفة بأنَّها «المقطعات الشعرية التي لها وجه اتصال بالحجاز مباشرةً أو بالتأدية إليه».

و يبدو أنَّ خير تعريف لها، كما ذهبوا إليه، هو ما ذكره الدكتور مصطفى كامل الشيبي:

«الحجازيات، مصطلح واضح الدلالة على مضمونه، يجري في الشهرة على نسق مع هاشميات الكميت وخمريات أبي نواس وزهديات أبي العتاهية، ويعني المقطعات الشعرية التي لها وجه اتصال بالحجاز، مباشرة أو بالتأدية إليه، من نظم الشريف الرضي وهي بالمفهوم الحديث (آلبوم) صور تذكارية على هيئة أشعار تجمع ذكريات زياراته الكثيرة لأرض الحجاز أيام إمارته الطويلة للحجّ وما قبلها حين كان يرافق أباه، أبا أحمد الموسوي، الأمير الذي سبقه وأورثه الإمارة».

وقد بلغت أربعين قصيدةً، تتوفّر على حكاياته مع الحجاز، يذكر أمكنة فيه ويصفها بقعةً بقعةً، هضبةً هضبةً، حجارةً حجارةً، فلا الخيف ينساه ولا العقيق، ولا المحصّب والصفا واللوى، ولا رامة وكثبان ويلملم... بل حتى أنَّه لم يترك ذكر ظبائها ولا وصف غزلانها في أشعاره المذكورة...، كان حريصاً أن يمرَّ بأرض الحجاز وبيئته مروراً ليس عابراً كما يفعل الآخرون، بل مروراً كأنه يجعل حجارتها تنطق بوجده، وتثير عنده ذكرياتها، فتراه يطوف حولها بقلبه، ويناجيها بعواطفه، ويتغزل بها في شعره، ويخلدها اسماً و وصفاً في أبياته الرائعة.

إنها بيئة الحجاز، ما أجلَّها مهبط الوحي والتنزيل، ومهوى أفئدة المؤمنين، ومنازل الدعاة من الأنبياء والصالحين والشهداء، حبيبة قلوب المتقين العارفين والحجّاج والمعتمرين...، كلُّ هذه المفردات الجميلة والمعاني الطيبة الجليلة القدر؛ قد احتلّت مكانها في فكر وعقيدة ووجدان السيد الشريف الرضي، وبالتالي تركت آثارها فيه، فلم تفارقه في نظمه لحجازيّاته التي صارت مدار بحث المؤرخ والأديب والشاعر...!

فتعالوا معنا لنعيش مع سيدنا الجليل في بعض أشعاره:

فالأخشبان جبلان يُعدّان من المعالم الجغرافية والتاريخية والأثرية، يضافان ـ كما يقول ياقوت الحموي ـ تارةً إلى مكة وتارةً إلى منى، وهما واحد أحدهما: أبو قبيس، والآخر قعقعان... على أنَّ غير ياقوت من الجغرافيين، مع قولهم إنَّ أحد الجبلين هو أبو قبيس، اختلفوا في تعيين الجبل الآخر.

كان لهما مع غيرهما كمنى والمشعر والخيف والجمار وزمزم والمقام... ذكرٌ في حجازياته، وهو في هذه الأبيات يُبين مدى اشتياقه إلى هذه الأماكن ومحبوبيته لها.

حيث يقول:

أُحِبُّكِ ما أَقامَ مِنىً وَجَمعٌ

وَما أَرسى بِمَكَّةَ أَخشَباها

وَما رَفَعَ الحَجِيجُ إِلى المُصَلّى

يَجُرّونَ المَطِيَّ عَلى وَجاها

وَما نَحَروا بِخَيفِ مِنىً وَكَبّوا

عَلى الأَذقانِ مُشعَرَةً ذُراها

نَظَرتُكِ نَظرَةً بِالخَيفِ كانَت

جَلاءَ العَينِ مِنّي بَل قَذاها

وَلَم يَكُ غَيرُ مَوقِفِنا فَطارَت

بِكُلِّ قَبيلَةٍ مِنّا نَواها

فَواهاً كَيفَ تَجمَعُنا اللَيالي

وَآهاً مِن تَفَرُّقِنا وَآها

فَأُقسِمُ بِالوُقوفِ عَلى أَلالٍ

وَمَن شَهِدَ الجِمارَ وَمَن رَماها

وَأَركانِ العَتيقِ وَبانِيَيها

وَزَمزَمَ وَالمَقامِ وَمَن سَقاها

لَأَنتِ النَفسُ خالِصَةً فَإِن لَم

تَكونيها فَأَنتِ إِذاً مُناها

نَظَرتُ بِبَطنِ مَكَّةَ أُمَّ خِشفٍ

تَبَغَّمُ وَهيَ ناشِدَةٌ طَلاها

وَأَعجَبَني مَلامِحُ مِنكِ فيها

فَقُلتُ أَخا القَرينَةِ أَم تُراها

فَلَولا أَنَّني رَجُلٌ حَرامٌ

ضَمَمتُ قُرونَها وَلَثَمتُ فاها

ولم يكن السيد الشريف الرضي أول من ذكر الأخشبين، فقد ذكر من قبل مزاحم العقيلي، وهو شاعر غزلي بدويّ (ت120هجرية):

خليلي هل لي من حيلة تعلمانها

يقرب من ليلى إلينا احتيالها

فإنَّ بأعلى الأخشبين أراكة

عدتني عنها الحرب دان ظلالها

ممنعة في بعض أفنائها العلا

يروح إلينا كلّ وقت خيالها

إلّا أنَّ ياقوت الحموي يرى في هذا الشعر ما يدل على أنَّ الأخشبين الواردين فيه هما غير اللذين في مكة، وأنهما مكان واحد؛ لأنَّ الأراكة لا تكون في مكانين.[180]

 وأيضاً تعالوا معنا نصغ إلى السيد الشريف الرضي وهو يذكر ظباء الحجاز وبعض بقاعه في أبيات يعدّونها من أجمل حجازياته، وهذه بعض أبياتها:

وظبية من ظباء الأنس عاطلة

تستوقف العينُ بين الخمص والهضم

لوأنها بفناء البيت سانحةً

كصدتها وابتدعتُ الصيد في الحرمِ

أحبّك ما أقام منى وجمعٌ

وما أرسى بمكة أخشباها

لأنت النفس خالصة فإن لم

تكونيها فأنت إذن مناها

نظرتك نظرة بالخيف كانت

جلاء العين بل كانت قذاها

ولم يك غير موقفنا وطارت

بكلّ قبيلة منا نواها ....

* * *

يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ

لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ

الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ

وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي

هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ

بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ

عِندي رَسائِلُ شَوقٍ لَستُ أَذكُرُها

لَولا الرَقيبُ لَقَد بَلَّغتُها فاكِ

سَقى مِنىً وَلَيالي الخَيفِ ما شَرِبَت

مِنَ الغَمامِ وَحَيّاها وَحَيّاكِ

إِذ يَلتَقي كُلُّ ذي دَينٍ وَماطِلَهُ

مِنّا وَيَجتَمِعُ المَشكوُّ وَالشاكي...

وكذا نراه يخاطب غزالاً، ويحمله أشواقه:

ألا يا غزالَ الرمل من بطنِ وجرةٍ

أللواجِدِ الظمآنِ منك شروعُ

ألا هل إلى ظل الأثيل تخَلُّص

وهل لثنياتِ الغُوير طلوعُ

وهل بليت خيمٌ على أيمنِ الحِمى

وزالت لنا بالأبَرقين رُبوع

ولم أنسَ يوم الجِزعِ حُسناً فَلَستُه

بعيني على أنّ الزيالَ سَريعُ

ولا يكتفي بذلك، بل راح وهو بعيد عن تلك البقاع والآثار، يناشد كلَّ مسافر إلى تلك الديار الحبيبة على قلبه، ويحملهم شوقه وحنينه إليها:

أقول لركب رائحين لعلّكم

تحلّون من بعدي العقيقَ اليمانيا

خذوا نظرةً مني فلاقوا بها الحِمى

ونجداً وكثبان اللوى والمطاليا

ومُروا على ابيات حيٍّ برامةٍ

فقولوا لديغ يبتغي اليوم راقيا

عدمتُ دوائي بالعراق فربما

وجدتم بنجدٍ لي طبيباً مُداويا

وقولوا لجيرانٍ على الخيف من منى

اكم من استبدلتم بجواريا

وقال أيضاً:

أَيُّها الرائِحُ المُغِذُّ تَحَمَّل

حاجَةً لِلمُعَذَّبِ المُشتاقِ

أَقرِ عَنّي السَلامَ أَهلَ المُصَلّى

وَبَلاغُ السَلامِ بَعدَ التَلاقي

وَإِذا ما مَرَرتَ بِالخَيفِ فَاِشهَد

أَنَّ قَلبي إِلَيهِ بِالأَشواقِ ....

ضاعَ قَلبي فَاِنشُدهُ لي بَينَ جَمعٍ

وَمِنىً عِندَ بَعضِ تِلكَ الحِداقِ

وَاِبكِ عَنّي فَطالَما كُنتُ مِـن

قَبلٍ أُعيرُ الدُموعَ لِلعُشّاقِ.[181]

ولأبي العلاء المعري أربعة أبيات يقول فيها:

سَبّحِ وَصَلِّ وَطُف بِمَكَّةَ زائِراً

سَبعينَ لا سَبعاً فَلَستَ بِناسِكِ

جَهِلَ الدِيانَةَ مَن إِذا عَرَضَت لَهُ

أَطماعُهُ لَم يُلفَ بِالمُتَماسِكِ.[182]

وهذا يحيى بن حبش... شهاب الدين السهروردي، الفيلسوف المقتول، والمولود عام (549هـ) المختلف في سبب وكيفية قتله، ولم أجد فيما تيسـّر لي تاريخ قتله. يكتب عشرة أبيات شعر حزينة، كما في الديوان المنسوب إليه، يذكر فيها شوقه ومتعته الروحية في البقاع المقدسة:

قف بنا يا سعدُ ننزل هاهنا

فأثيلات النَّقا ميعادنا

وابتغِ لي عبرةً أبكي بها

فدموعي نفذت بالمنحنى

هذه الخيف وهـاتيـك مِنى

فترفَّق أيّهـا الحادي بنـا

واحبس التدليج عنا ساعةً

نندب الحيَّ ونبكي الوطنا

أهل مكّة هكذا مكّتكم

كلّ من حجَّ إليها فُتنا

قتلت سُمركم سادتنا

لستُ أعني بكم سُمرَ القَنا

كلُّ من آمل شيئاً ناله

يوم عيدٍ في مُنى إلا أنا

قلتُ يا صيّاد قلبي حلّه

حرم الصّيد على من في منى

قال من تعني وقد أبرز لي

من خبا البُرقع وجهاً حسنا

قلتُ إياك فأوما خجلاً

قال والصياد من قلت أنا

فيما جاء بعضها عن ابن رجب (ت795هجرية)، في المجلس الثاني في ذكر الحجّ وفضله والحث عليه، دون أن يذكر اسم الشاعر، فيقول:

كان عمر بن عبد العزيز إذا رأى من يسافر إلى المدينة النبوية يقول له:

أقرىء [إقرأ] رسول الله9 مني السلام.

وروي أنه كان يبرد عليه البريد من الشام:

هذه الخيف وهاتيك منى

فترفق أيها الحادي بنا

واحبس الركب علينا ساعةً

نندب الربع ونبكي الدمنا

فلذا الموقف أعددنا البكا

ولذا اليوم الدموع تقتنی

أتراكم في النقا والمنحنا

أهل سلع تذكرونا ذكرنا

انقطعنا ووصلتم فاعلموا

واشكروا المنعم يا أهل منى

قد خسرنا وربحتم فصلوا

بفضول الربح من قد غبنا

سار قلبي خلف أحمالكم

غير أن العذر عاق البدنا

ما قطعتم وادياً إلا وقد

جئته أسعى بأقدام المنى

آه وأشواقي إلى ذاك الحمى

شوق محروم وقد ذاق العنا

سلموا عني على أربابه

أخبروهم أنني خلف الضنا

أنا مذ غبتم على تذكاركم

أترى عندكم ما عندنا

بيننا يوم أثيلات النقا

كان عن غير تراض بيننا

زمنا كان وكنا جيرة

فأعاد الله ذاك الزمنا

من شاهد تلك الديار وعاين تلك الآثار، ثم انقطع عنها لم يمت إلّا بالأسف عليها والحنين إليها:

ما أذكر عيشنا الذي قد سلفا

إلّا وجف القلب وكم قد وجفا

واهاً لزماننا الذي كان صفا

وا أسفا وهل يرد فائتاً وا أسفا.[183]

ولا بدّ من الإشارة أنَّ بعض الشعراء - كما يبدو لي - راح يذكر هذين البيتين أو الثلاثة مطلعاً لقصيدته كما في البداية والنهاية لابن كثير(ت774هجرية)، 16: 325 والهامش ذكر خمسة أبيات عن المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لأبي الفرج ابن الجوزي المتوفي (597هجرية) 17: 340.

في ترجمة علي بن أفلح... وقد أورد ابن الجوزي أشياء حسنة من نظمه ونثره،... ومن ذلك قوله:

هذه الخَيف وهاتيك منى

فترفّق أيها الحادي بنا

واحبس الركب علينا ساعةً

نندب الربع ونبكي الدِّمنا

فلذا الموقف أعددنا البُكا

ولذا الدِّمن دموعي تُقتنى...

ولعبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني (ت803هجرية)، وهو شاعر، متصوف، قصيدة في ديوانه من تسعة عشر بيتاً راح يصف فيها ما يعانيه من وَلهٍ وشوق لمكة وما حولها من البقاع، يُقال إنَّه أنشدها، وكان على مقربة من المدينة المنورة، وما أن أتمَّ بيتها الأخير حتى توفي؛ لتفاقم مرضه عليه، وهذه قصيدته من ديوانه:

يا راحلينَ إلى منىً بقيادي

هيجتُموا يومَ الرحيل فؤادي

سرتم وسار دليكم يا وحشتي

والعيس أطربني وصوت الحادي

وحرمتموا جفني المنام لبعدكم

يا ساكنين المنحنى والوادي

فإذا وصلتُم سالمينَ فبلّغوا

منّي السلام أهيلَ ذاك الوادي

وتذكّروا عند الطواف متيماً

صبّاً فني بالشوق والإبعادِ

لي من ربا أطلال مكّة مرغبٌ

فعسى الإلهُ يجودُ لي بمرادي

ويلوحُ لي ما بين زمزم والصفا

عند المقام سمعت صوت منادي

ويقول لي يا نائماً جدَّ السُرى

عرفاتُ تجلو كلّ قلبٍ صادي

تاللَه ما أحلى المبيت على منی

في يوم عيد أشرفِ الأعيادِ

الناسُ قد حجّوا وقد بلغوا المنى

وأنا حججتُ فما بلغتُ مرادي

حجّوا وقد غفر الإلهُ ذنوبَهُم

باتوا بِمُزدَلَفَه بغيرِ تمادِ

ذبحوا ضحاياهُم وسال دماؤُها

وأنا المتَيَّمُ قد نحرتُ فؤادي

حلقوا رؤوسَهمو وقصّوا ظُفرَهُم

قَبِلَ المُهَيمنُ توبةَ الأسيادِ

لبسوا ثياب البيض منشور الرّضا

وأنا المتيم قد لبست سوادي

يا ربِّ أنت وصلتَهُم وقطَعتني

فبحقِّهِم يا ربّ حلّ قيادي

باللَه يا زوّارَ قبرِ محمّدٍ

من كان منكُم رائحٌ أو غادِ

لِتُبلغوا المُختارَ ألفَ تحيّةٍ

من عاشقٍ متقطِّع الأكبادِ

قولوا له عبدُ الرحيم متيِّمٌ

ومفارقُ الأحبابِ والأولادِ

صلّى عليكَ اللهُ يا علمَ الهدى

ما سارَ ركبٌ أو ترنَّمَ حادِ

أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشـري، لقب بجار الله لمجاورته بمكة زمناً، ولما كان في طريقه إليها نظّم قصيدته الرائيّة:

سيري تماضر حيث شئت وحدّثي

إني إلى بطحاء مكة سائر

حتى أنيخ وبين أطماري فتىً

للكعبة البيت الحرام مجاور

والله أكبر رحمةٍ، والله أك

ثر نعمةٍ، وهو الكريم القادر

يا من يسافر في البلاد منقباً

إني إلى البلد الحرام مسافر

إن هاجر الإنسان عن أوطانه

فالله أولى من إليه يهاجر

سأروح بين وفود مكّة وافداً

حتى إذا صدروا فما أنا صادر

حسبي جوار الله حسبي وحده

عن كلّ مفخرةٍ يعدّ الفاخر

ولما عاد منها إلى بلده اشتدَّ شوقه وحنينه إليها فأنشدَّ:

بكاءٌ علـى أيـامِ مكةَ إنَّ بي

إليهـا حنينٌ الـنِّيبِ فاقـدةُ البكـرِ

تذكـَّرتُ أيـامًا بـهـا فكـأنَّني

قد اختلفت زرقُ الأسنَّةِ في صدري

أبيِتُ على الصخر المبارك باكياً

كما أنَّتِ الخنساءُ تبكي على صخر

و حينَ تخطينا المناقبَ وارتمتْ

بنا العيسُ تهوي في مسالكها القفرِ

و قلتُ ألا أينَ الحطيمُ وزمزمٌ

و ماليَ محجوزًا عن الركنِ والحجرِ

صفرتُ وراءَ الغورِ صفرةَ مفلسٍ

رأي يدَهُ صفرًا من البيضِ والصفرِ

و قلتُ لقلبي قدْ ملكتكَ مرَّةً

فما أنتَ إلاَّ طائرُ طارَ في وكرِ

وتوفي ليلة عرفة سنة (538هجرية).

أبو اليمن ابن عساكر الدمشقي، جاور بمكة نحو أربعين سنة. وتوفي في جمادى الأولى سنة ست وثمانين وستمائة بالمدينة النبوية، له قصيدة فيها شكوى وموعظة ونصيحة...، عنوانها هو بيتها الأول نفسه:

يا من تبوأ من مشاعر مكة

متبوأ بين الصفا والمروة

وأبسط له كفّ السؤال فإنه

جمّ النوال ببسط ظلّ النعمة

واخضع له واضرع إليه وناده

متنصلاً مما جنيت بذلة

وارفع إلى مولاك شكواك التي

طالت بها نجواك أبعد شقة

وانظر لأمرك حيث أمرك منظر

لابدّ من بعد الكرى من يقظة

إلى أن يقول:

فأوى إلى حرم ولاذ بمأمن

مستوثقاً منها بأوثق عروة

ألقى العصا فيها وأوضع كي بها

تضع الخطا والحوب عنه بتوبة

واغسل ذنوبك بالدموع لعلّه

أن يجتبيك من لدنه برحمة...

الشاعر أحمد شوقي ( ت 1932 م ) في رائعته، التي يبدأها بجبل عرفات .. ويُعدُّ الوقوف عنده أهم مناسك الحجّ؛ ( الحجّ عرفة ):

إلى عرفات الله يا خير زائر

عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ في عَرَفاتِ

ويوم تولى وجهة البيت ناضراً

وسيم مجالي البشر والقسمات

وَفي الكَعبَةِ الغَرّاءِ رُكنٌ مُرَحِّبٌ

بِكَعبَة قُصّادٍ وَرُكنِ عُفاةِ

وَما سَكَبَ الميزابُ ماءً وَإِنَّما

أَفاضَ عَلَيكَ الأَجرَ وَالرَحَماتِ

وَزَمزَمُ تَجري بَينَ عَينَيكَ أَعيُنًا

مِنَ الكَوثَرِ المَعسولِ مُنفَجِراتِ

وَيَرمونَ إِبليسَ الرَجيمَ فَيَصطَلي

وَشانيكَ نيرانًا مِنَ الجَمَراتِ

لَكَ الدينُ يا رَبَّ الحَجيجِ جَمَعتَهُم

لِبَيتٍ طَهورِ الساحِ وَالعَرَصاتِ

أَرى الناسَ أَصنافًا وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ

إِلَيكَ اِنتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ

تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ

لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ

عنت لك في الترب المقدس جبهة

يدين لها العاتي من الجبهات

منورة كالبدر شماء كالسها

وتخفض في حقّ وعند صلاة

ويا رب هل تغني عن العبد حجّة

وفي العمر ما فيه من الهفوات

وأنت ولي العفو فامح بناصع

من الصفح ما سودت من صفحاتي...

وله أيضاً:

يا كعبة العلم في الإسلام من قدم

لا يزعجنّك إعصار الأباطيل

إن كان قومك قد جاروا عليك وقد

جاءوا لهدمك في جيش الزغاليل...

الله أرسل طيراً بين أرجلها

قنابل الصخر ترمى صاحب الفيل

للدّين والبيت ربٌّ لا يقاومه

حمر الثياب ولا سود الأساطيل

الشاعر محمد إقبال ( ت 1938 م ) وبعض شواهده الشعرية:

يقول الد كتور فهمي النجار:.. يرتبط إقبال بالعالم العربي المسلم برباط العقيدة التي هي العروة الوثقى، ويعبر عن هذه الصلة المتينة في صورة جميلة، فيقول في قصيدته «شكوى»:

أنا أعجميُّ الدنِّ لكن خمرتي

صنع الحجاز وكرمها الفينان

إن كان لي نغم الهنود ولحنهم

لكنَّ هذا الصوت من عدنان...

وله:

صوت قيثارتي التي سمعوها

أعجميٌّ لكنَّ لحني حجازي...

ويتغنّى إقبال بأرض الحجاز، منبت الوحي، وأرض البطولات، فيقول في قصيدة «شكوى» مبيناً أنها وطن كلّ مسلم على أرض المعمورة، وإليها يحنُّ قلب كلّ مؤمن:

أشواقنا نحو الحجاز تطلّعت

كحنين مغترب إلى الأوطان

إنَّ الطيور وإن قصصت جناحيها

تسمو بفطرتها إلى الطيران...

وله أيضاً:

أنا أعجمي الحبّ إلّا أنني

أطلقتُ في الحرم الشريف لساني

داري وقبلتي وفخاري

لقد عاش محمد إقبال شاعر الإسلام - مدة حياته - في حبّ النبيّ9 والشوق إلى مدينته، وتغنّى بها شعره الخالد...

ويقول عنه أيضاً: ويبقى محمد إقبال يشتاق إلى أرض الحجاز حتى الدقائق الأخيرة من حياته، فينشد:

نغمات مضين لي هل تعود

ونسيم من الحجاز سعيد

أذنت عيشتي بوشك رحيلٍ

هل لعلم الأسرار قلب جديد...

نظم شعر إقبال بالعربية كلّ من د. عبد الوهاب عزام، وكذا الصاوي الشعلان... أما أبو الحسن ندوي فقد ترجمه نثراً...[184]

نكتفي بهذه الشواهد الشعرية من بعضهم، وإلّا هناك الكثيرون من الشعراء تجلّت قرائحهم؛ لتحكي وجدانياتهم في لوحات شعرية فنيّة مؤثرة شوقاً إلى مكة المكرمة وما فيها، وحنيناً ومدحاً وثناءً ووصفاً لها... وإذا ما تتبعها القارئ يجد وكأنَّهم يتنافسون في قصائدهم عنها، وفي حنينهم وشوقهم ووصفهم لها!

 

[1]. هو الشيخ شمس الدين بن شهاب الدين الرملي المنوفى المصـري الأنصاري المشهور بالشافعي الصغير من علماء القرن العاشر الهجري، ولقّبه البعض بمجدد القرن العاشر.

 

[2]. أخبار الحاج وطريق مکة المعظمة، مصدر سابق 1: 726.

 

[3]. تاريخ الفاخري، مصدر سابق: 127.

 

[4]. تاريخ ابن لعبون،  مصدر سابق: 154.

 

[5]. عنوان المجد في تاريخ نجد، مصدر سابق 2: 233.

 

[6]. م. ن، 2: 237.

 

[7]. الشبانات، سعد بن عبد العزيز، الصّمّان بحوث وتحقيقات ميدانية وتأريخية لمنطقة الصُلب والصّمّان، تقديم حمد الجاسر، دار عالم الکتب، الرياض، ط2، 1420هـ 2000م 1: 143.

 

[8]. إتحاف الورى بأخبار أم القرى، مصدر سابق 4: 50.

 

[9]. م. ن، 4: 56.

 

[10]. سورة آل عمران: 97 .

 

[11]. عنوان المجد في تاريخ نجد، مصدر سابق 2: 372 .

 

[12]. إتحاف الورى بأخبار أمِّ القرى، مصدر سابق 4: 70 .

 

[13]. رابغ: هي إحدى محافظات منطقة مکة المکرمة وهي مدينة قديمة تقع على ساحل البحر الأحمر في إقليم تهامة، تبعد عن جدة حوالي140کيلومتر في اتجاه الشمال، يحدها من الشمال منطقة المدينة المنورة، ومن الجنوب محافظة جدّة، ومن الشرق منطقة المدينة المنورة ومحافظة خليص، يقطعها طريق دولي إلى جزئين شمالي و جنوبي، وکانت قديماً من ديار بني ضمرة من قبيلة کنانة، بها ميقات (الجحفة) وهو ميقات لأهل مصر والشام. البلادي، د. عاتق بن غيث، معجم معالم الحج، دار مکة للنشر والتوزيع،  مکة المکرمة، الطبعة الثانية، 1431هـ، 2010م: 654.

 

[14]. يعني الکوليرا (الهيضة): والکوليرا، والتي تعرف أحيانا باسم الکوليرا الآسيوية أو الکوليرا الوبائية، هي من الأمراض المعوية المُعدية التي تُسببها سلالات جرثوم ضمة الکوليرا المنتجة للذيفان المعوي. وتنتقل الجرثومة إلى البشر عن طريق تناول طعام أو شرب مياه ملوئة ببکتيريا ضمة الکوليرا من مرضي کوليرا آخرين.

 

[15]. إتحاف الورى بأخبار أم القرى، مصدر سابق 4: 27 .

 

[16]. م. ن، 4: 60 .

 

[17]. سورة  الحج: 27 .

 

[18]. تاريخ الخليج [الفارسي] وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 444.

 

[19]. التاريخ السياسي لإمارة الجبور في شرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 47.

 

[20]. أدما:  هي قرية لبنانية من قری قضاء کسروان في محافظة جبل لبنان.

 

[21]. العيوني، علي بن المقرب ديوان ابن المقرب، تحقيق و شرح: عبد الفتاح محمد الحلو، مکتبة التعاون الثقافي: الأحساء، الطبعة الثانية: 1408هـ ، 1988م: 548.

 

[22]. تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق، مصدر سابق: 34.

 

[23]. تاريخ الخليج[الفارسي] وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 446.

 

[24]. موسوعة ويکيبيديا العالمية على شبکة الإنترنت.

 

[25]. مجلة الرسالة الإسلامية. بغداد. العدد 12 من السنة 23: (1400هـ ـ1981م):  34.

 

[26]. عبد الله، الدکتور محمد مرسي، إمارات الساحل وعمان والدولة السعودية الأولى1793ـ1818م، المکتب المصري الحديث؛ القاهرة، الطبعة الأولى،1978م: 42 .

 

[27]. سفرنامه، ناصرخسرو، مصدر سابق: 38.

 

[28]. أخبار الحاج وطريق مکة المعظمة، مصدر سابق 2: 47.

 

[29]. قوافل الحج المارة بالعارض، مصدر سابق: 93ـ94.

 

[30]. مرات: محافظة تقع في الجهة الشمالية الغربية لمدينة الرياض بالمملکة العربية السعودية وتتبع إدارياً لمنطقة الرياض.

 

[31]. قوافل الحج المارة بالعارض، مصدر سابق: 95.

 

[32]. م. ن.: 97.

 

[33]. يصاقبها:  أي يجاورها.

 

[34]. قوافل الحج المارة بالعارض، مصدر سابق: 102.

 

[35]. الدمشقي، السيد مرتضى بن علوان، رحلة مرتضى بن علوان إلى الأماکن المقدسة والأحساء والکويت والعراق،  تحقيق و تعليق: أ. د. سعيد بن عمر آل عمر، مکتبة المتنبي:  الدمام، الطبعة الثانية: 1425هـ: 111.

 

[36]. الإصطخري، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي (المتوفى: 346هـ)، المسالك والممالك، الهيئة العامة لقصور الثقافة: القاهرة الطبعة الأولى: (د.ت): 28.

 

[37]. البروسوي، محمد بن علي، الشهير بابن سباهي زاده (ت997هـ / 1589م)، أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك، تقديم و تحقيق: المهدي عيد الرّواضية، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى: 1427هـ 2006م: 131.

 

[38]. أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك، مصدر سابق: 733.

 

[39]. سفرنامه، ناصر خسرو، مصدر سابق: 142.

 

[40]. أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك،  مصدر سابق: 131.

 

[41]. الحموي، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي: بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ 1993م. 5: 442.

 

[42]. ابن خرداذبه، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله، المسالك والممالك، مطبعة بريل: مدينة ليدن، الطبعة الأولى: 1881م: 50.

 

[43]. الصمّان، بحوث وتحقيقات جغرافية ميدانية، مصدر سابق 1: 141.

 

[44]. رحلة ابن علوان،  مصدر سابق: 111.

 

[45]. أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود بن سليمان الأرحبي البکيلي الهمداني (280ـ بعد 336هـ)، من أعظم جغرافيي جزيرة العرب في عصره، وکان شاعراً کذلك، وله إحاطة بعلوم الفلك والحکمة والفلسفة والکيمياء. سجن في أخريات حياته، وکان من أهم ما کتب الجوهرتين العتيقتين. قضی بعد السجن عام 336هـ.

 

[46]. خرشيم: لعل المراد بها (خُرَيشيف): قال ياقوت: «خِرشَاف: موضع بالبيضاء من بلاد بني جذيمه بسيف البحرين في رمال وعثة تحتها أحساء عذبة الماء عليها نخل بعل»، ويقول الجاسر في معجمه أنه: «بسيف القطيف». معجم البلدان 2: 359، حمدالجاسر، المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية المنطقة الشرقية: (البحرين قديماً)، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشـر، الرياض، الطبعة الأولى، 1400هـ، 2: 598.

 

[47]. يعرفان الآن باسم (سلّح ورويغب)، وهما منهلان يقعان غرب الدهناء، قال صاحب المعجم:  «وهي هجرة من هجر البادية، للسهول لآل منجل، والمحانية منهم في أعلى شعب من شعاب وجه العرمة الغربي، وبأسفله أبارق شقر تضاف إليه، فيقال (شُقران رويغب) وعند الأقدمين يجمع مع ماءها (السّلْح) فيقال: «السّلْحَيْن، کالحفرين، قال الهمداني: إلى الحفيرين وإلى السلحين»، بن خميس، عبد الله بن محمد، معجم اليمامة للبحث والترجمة والنشـر، الرياض المملکة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1398هـ 1978م، 1: 490.

 

[48]. العَرْمَة: ماءٌ عدّ، يقع في ناحية الرقاش الشرقية، شمال وادي القمرا،  وسمّي بهذا الاسم نسبة إلى مالکه العرم الشيباني، وهو في أطراف بلاد عتيبة مما يلي بلاد الدواسر، جنيدل، سعد بن عبد الله، المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية عالية نجد، دار اليمامة، الرياض، ط.1. (د.ت) 3: 938.

 

[49]. الحابسية: لعلّه يقصد من: أحباس، تجعل للماء، والحبس الماء المستنقع، وقيل الحبس حجارة تبنى على مجرى الماء لتحبسه للساربة، ويسمى الماء، معجم البلدان مصدر سابق 2: 213.

 

[50]. قولهم مکان زلق أي دحض، وزلقت رجله تزلق زلقاً، والزلاقة: الموضع الذي لا يمکن الثبوت عليه من شدة زلقه،  والتشديد للتکثير، معجم البلدان، مصدر سابق 3: 146.

 

[51]. لعل مراده وادي الفروق وهو يقع في الجزء الجنوبي الغربي من إقليم الأحساء، انظر: القحطاني، الدکتور حمد محمد، الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إقليم الأحساء 1288ـ1331هـ/1871ـ1913م، ذات السلاسل: الکويت، ط.1.1432هـ 2012م: 30.

 

[52]. أبرق: الجبل أو الحزم تکسوه رقعة من الرمال فيتکوّن من ذلك لونان يطلق عليه أبرق وجمعها أبارق، ويقصد بذلك ما لمع من أشعة الشمس. الصمّان، مصدر سابق 1: 155.

 

[53]. برقة الثور: قال ياقوت: برقة الثور: قال أبو زياد: برقة الثور جانب الصمان، معجم البلدان، مصدر سابق 1: 392.

 

[54]. تقع هضبة الصمّان في الجزء الشرقي من الجزيرة العربية بين درجتي (24ـ28)، ويبلغ طولها 500کم، ومتوسط عرضها 100کم تقريباً، وينحدر سطح الصمّان نحو الشـرق والشمال قليلاً (بمعدل 7 /1 متر في الکيل الواحد)، الصمّان، مصدر سابق 1: 153.

 

[55]. وهو لطريق المعروف بدرب القوافل المسمى زري قديماً، ودرب مزاليج حديثاً. وهو کالتالي من اليمامة إلى الأحساء والعکس صحيح: يبدأ من الرياض ثم يمر بمورد (أبوجفان) في العرمة ثم يجتاز الدهناء ماراً بالمصليبيخ ثم الميسونية، ثم الثفنة والبيضة ثم الصلب ثم بالمحْنيِّ ثم ربيداء ثم الشعب والفروق ثم النعلة والغوار حتى منهل ويسة إلى الأحساء، الصمّان، مصدر سابق 1: 151.

 

[56]. الدبدبة: تقع شرقي الصمان وهي بين البصرة واليمامة.

 

[57]. صحصح: جمعها صحاصح، وهي الأرض الواسعة الجرداء المسنوية، الصمّان، م. س.: 177.

 

[58]. وکلامه هنا غير صحيح، فقد باعد بين وسيع و دحرض حيث وضع دحرض في الصحصحان قرب الصمّان، وهذا لا يستقيم فليس قرب الصمّان في طريق الأحساء أي آبار معتبرة حتى هو نفسه قال في موضع آخر: «وليس بالصمان ماء عدّ إلّا ما کان مياه العرمة قربها»، راجع الهمداني، الحسن بن أحمد بن يعقوب، صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد بن علي الأکوع الحوالي، مکتبة الإرشاد: صنعاء، الطبعة الأولى1410هـ/1990م: 252.

 

[59]. ماء الدحضرين موردين في العرمة أحدهما اسمه دحرض والآخر اسمه وسيع وجمعا بصيغة دحرضين، وهو في غرب الأحساء ناحية منطقة الفروق وما حولها.

 

[60]. الصحيح (الدُو): وتسمي الدبدبة تقع شرقي الصمان، وهي بلد لبني تميم، قال ذو الرمة:

           حتى نساء تميمِ وهي نازحةٌ         بباحهِ الدُّو فالصّمان فالعقدِ

المصدر: المضري، غيلان بن عقبة بن مسعود العدوي، ديوان ذي الرمة، شرحه وضبط نصوصه الدکتور عمر فاروق الطبّاع، دار الأرقم، بيروت، الطبعة الأولى1419هـ/1998م: 153.

[61]. لعله إشارة إلى حمراء کون تربة صحراء الدهناء حمراء، وقد عبر عنها هنا بسمراء.

 

[62]. أرض سهب: تعني الأرض مستوية.

 

[63]. صحراء الدهناء: هي صحراء رملية حمراء في الجزيرة العربية تمتد من النفود شمالاً إلى الربع الخالي، وهي عبارة عن شريط رملي ضيق يتراوح عرضه ما بين 40 و 80کم، ويمتد على شکل قوس من الشمال إلى الجنوب لمسافة تزيد على 1000 کم بمحاذاة جبل طويق. وتصل صحراء الدهناء بين صحراء النفود الکبير في شمال الجزيرة وصحراء الربع الخالي في جنوبها، کما تشکل عند الکثير من الجغرافيين الحد الفاصل بين إقليمي نجد والأحساء، وتتشکل الدهناء من کثبان رملية عالية تمتد بشکل طولي وتسمى «عروقاً»، راجع معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 436.

 

[64]. حيث کانت وصية الشاعر ذو الرمة أن يدفن بديار بني تميم، على کثبان حُزْوَى، وهي ديار محبوبته ميّة، ديوان ذي الرمة، مصدر سابق: 5.

 

[65]. ذو الرُمَّة: هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي الربابي التميمي، کنيته أبو الحارث، وذو الرّمّة شاعر عربي من الرباب من تميم، من شعراء العصر الأموي، ومن فحول الطبقة الثانية في عصره (77ـ117هـ) ديوان ذي الرمة، مصدر سابق:5ـ 16.

 

[66]. دفن في رمال حزوى: وتقع رمال حزوى شمال شرق مدينة الرياض بـ: 250کيلاً، شمال مدينة رماح ويربط بين رماح والبلدان الناشئة بالصّمّان خط إسفلتي يمر ببلدة شوية وبلدة حزوى (العمانية) ورمل حزوى يحف بالبلدتين؛ ويقع القبر في أعلى قمة من رمال حزوى مطل على خبراء (خسيفة) التي غسلوه وصلوا عليه فيها، ثم حملوه إلى قبره الذي حفروه في الرمال وبطنوه بأغصان الأشجار والمدر الطين اليابس (اللبن) حسب وصيته.

 

[67]. عثاعث: هي الأرض الرملية، قال ذو الرمة:

                 تريك وذا غدائر وارداتٍ      يصبن عثاعث الحجبات سودُ

ديوان ذي الرمة، مصدر سابق: 155.

[68]. الخَلُّ: هو الطريق النافذُ بين الرَّمال المتراکمة والجمع: أخُلّ، وخِلالٌ. قال زهير بن أبي سلمى:

ظلت على نيسم (خلٍّ) جازعِ       صعب الصعود صبب المطالع، الصّمّان، مصدر سابق:169.

[69]. ينکش: يزف و يغيض، وتعضب: تنقطع.

 

[70]. النظيم: ما انتظم من أي شيء مثل الخباري أو الأجواء کالجواء النظيم بالصمان، م. س.: 190.

 

[71]. ينکش: يزف و يغيض، وتعضب: تنقطع.

 

[72]. الغرابات: جمع غرابة: موضع في شعر لبيد وهي أمواه لخزاعة أسفل کلية، وقال الحفصـي: الغرابات قرب العرمة من أرض اليمامة، وأنشد الأصمعي:

                    لمن الدار تعفّى رسمُها    بالغرابات فأعلى العرمة

معجم البلدان، مصدر سابق 4: 189.

[73]. المراد هنا ماء وسيع الذي بالعرمة المذکور سابقاً، وقد يطلع عليه (وشيع) بالشين بدل السين، قال ياقوت: والوشيع: خشبة غليظة توضع على رأس البئر. في نوادر أبي زياد: وسيع، بالسين مهملة، هو ماء لبني الزبرقان قرب اليمامة. وجاء في معجم اليمامة: وما (وشيع) و(وسيع) إلّا منهلاً واحداً في جنوب غرب العرمة الجنوبية، ووادي وسيع ينحدر من ظهر العرمة الجنوبية متجهّا للجنوب الغربي ويصب فوق الروضة (التوضيحية). معجم اليمامة 2: 441. معجم البلدان، م.س.5: 378.

 

[74]. ويعني أبو جفان: وهو منهل قديم من مناهل (العرمة) الجنوبية، يرده المسافرون على الإبل بين (الرياض) و(الأحساء)، وهو إلى (الرياض) أقرب وآبار (أبو جفان) تقع على خط العرض 50/30/24 وخط الطول 02/43/47 وعدد آباره الظاهرة الآن أربع وعشـرون بئراً أشهرها تسمى (القموص) . ويبعد (أبو جفان) عن (الرياض) مئة کيل جهة الشرق. ويبدو أن (أبو  جفان) يحمل هذا الاسم منذ القدم، فقد يبدأ المتقدمون بعض أسماء الأماکن بکلمة (أبو) أو (أم) مثل قولهم (أم أوعال) (227) وأن سبب سميته بهذا الاسم وجود قلات تنتظم أسفل الوادي قبل انحداره مع منحدر جبال (العرمة)، وهذه القلات مدورة الشکل منها واحدة فوهتها مستديرة کالجفنة (القصعة) والعرب يسمون القلات المتقاربة المتتابعة في المجرى المائي النظيم.

 

[75]. القاع: هو ما انبسط من الأرض الحرة السهلة الطين التي لا يخالطها رمل فيشـرب ماءها، وهي مستوبة ليس فيها تطامن ولا ارتفاع، والمقصود هنا في ناحية العرمة. معجم البلدان، م.س.4: 298.

 

[76]. معنى سهب: السَّهْبُ: الفَلَاةُ جمعه سهب وقال الفَضْلُ بنُ العَبَّاس اللَّهَبِيُّ:

                ونَحْلُلْ من تِهَامَةَ کُلَّ سَهْبِ     نَقِيِّ التُّرْبِ أوْدِيَةً رِحَابا

ويقول صاحب بن خميس في المعجم: السهباء بلاد لحنيفة، وهي منطقة واسعة في الخرج وروضة من أکبر رياض (اليمامة)، هي منخرق وادي حنيفة، مدفع سيوله يکبر سيله احياناً ويعظم، ثم ينتهي بهذا المنخرق فيتبدد ويضيع. والسهباء على مقربة من (الخِضرمة) قصبة اليمامة، وقاعدتها الحضارية الأولى أيام بني حنيفة، وأيام بني الأخيضر، معجم اليمامة، مصدر سابق 2: 39.

[77]. وتطلق عادة مع کلمة برقة فيقال (برقة أنقد)، قال ياقوت: قال الحفصي: أنقد جبل باليمامة. معجم البلدان 1: 391.

 

[78]. الروضة: بلدة أکبر وأشهر بلدان سدير وأقدمها، أعلى بلدة في وادي (الفقي)، ما عدا قرية صغيرة تدعى (المَعْشَبَة)، فالروضة أول بلدة تستقبل سيل هذا الوادي. معجم اليمامة، م.س. 1: 485.

 

[79]. قال أبو عبيد البکري في معجم ما استعجم: «خضرمة»: موضع مذکور في رسم اللهابة، ورسم الغورة. وقال الأصمعي: الخضرمات: رکايا باليمامة، وأنشد للعجّاج:

                إذْ حسبوا أنّ الجهاد والظّفرْ    إيضاع بين الخضرمات وهجرْ

وقال الصّوليّ: خضرمة: قرية باليمامة، وتقع (الخضرمة) في جو أسفل وادي الخرج في الموضع الذي تقوم فيه بلدة (اليمامة) في العهد الحاضر، أو قريب من ذلك الموضع. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، مصدر سابق 2: 501؛ معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 388.

[80]. صفة جزيرة العرب، مصدر سابق: 138.

 

[81]. العبودي، محمد بن ناصر، معجم بلاد القصيم، [د.ن]، الطبعة الثانية1410هـ/1990م، 4/1406.

 

[82]. معجم البلدان، مصدر سابق 3: 457.

 

[83]. أحمد بن عمر، أبو على ابن رسته (ت نحو300هـ/نحو 912م) هو جغرافي فارسي، من أهل إصفهان. حجّ سنة290هـ وصنف کتاب «الأعلاق النفيسة»، وصف بها الکثير من المدن والبلاد؛ الکتاب يقع في سبعة أجزاء، لکن لم يصلنا منه إلّا الجزء الأخير.

 

[84]. تقع منطقة ضرية بمنطقة القصيم، وهي تبعد عن الرس 150کم، وتبعد عن عفيف 90کم،  وعن الدوادمي 190کم.

 

[85]. ابن رسته، أبو على أحمد بن عمر، الأعلاق النفيسة، مطبعة بريل: مدينة ليدن، الطبعة الأولى: 1891م: 182.

 

[86]. معجم البلدان، مصدر سابق 3: 457.

 

[87]. أبوالقاسم عبيد الله بن عبد الله ابن خرداذبه (نحو205ـ نحو280هـ) مؤرخ وجغرافي اشتهر بکتابه الجغرافي کتاب المسالك والممالك، الذي وصف فيه المسافات بين البلدان وقد عمل في خدمة الخليفة العباسي المأمون.

 

[88]. معجم البلدان، مصدر سابق 2: 115.

 

[89]. م. ن. 2: 223.

 

[90]. م. ن. 4: 42.

 

[91]. معجم البلدان، مصدر سابق 4: 272.

 

[92]. م. ن. 2: 440.

 

[93]. م. ن. 4: 302.

 

[94]. معجم البلدان، مصدر سابق 5: 95.

 

[95]. م. ن. 5: 362.

 

[96]. م. ن. 1: 281.

 

[97]. معجم معالم الحجاز، مصدر سابق 1: 145.

 

[98]. معجم البلدان، مصدر سابق 4: 108.

 

[99]. معجم معالم الحجاز، مصدر سابق 5: 1035.

 

[100]. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، مصدر سابق 14: 31.

 

[101]. معجم البلدان، مصدر سابق 1: 414.

 

[102]. المسالك والممالك، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه، مطبعة بريل: مدينة ليدن، الطبعة الأولى 1881م: 146ـ147.

 

[103]. الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى، محمد الفهد العيسى، مکتبة العبيکان، الطبعة الأولى، 1415هـ /1995م: 13.

 

[104]. معجم اليمامة، مصدر سابق: 529.

 

[105]. الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، مصدر سابق: 23.

 

[106]. المسالك والممالك، مصدر سابق: 147.

 

[107]. أبو بکر بن بهرام الحنفي الدمشقي (ت1102هـ)، جغرافي عثماني. ولد في دمشق ونشأ فيها ثم رحل إلى إسطنبول وأکمل دراسته هناك، وأتقن کثيراً من العلوم والفنون وتميز في الرياضيات بشکل خاص، وترقى في الدرجات العلمية. واتصل بالوزراء وکان مقرباً من الصدر الأعظم الوزير أحمد باشا الکبرلي المعروف بالفاضل، ثم تولى القضاء في حلب، وکان مشهوراً بفضله وعلمه، ألف أبوبکر للسلطان محمد الرابع مصنفاً ضخماً باللغة الترکية بعنوان: «جغرافياي کبير» ويقع في ستة أجزاء وله موجز يقع في جزئين، ويعتقد بعض الباحثين أن لهذا الکتاب عنواناً أخر باللغة العربية هو: «نصرة الإسلام والسرور في تحرير أطلس مينور».

 

[108]. الدمشقي، أبي بکر بن بهرام، جزيرة العرب في کتاب مختصـر الجغرافيا الکبير، تحقيق: مسعد سويلم الشامان، مرکز حمد الجاسر، الرياض، الطبعة الأولى 1428هـ، 398ـ400.

 

[109]. العبيد، عبد الرحمن بن عبد الکريم، الموسوعة الجغرافية لشرقي البلاد العربية السعودية، نادي المنطقة الشرقية الأدبي: الدمام، الطبعة الأولى، 1413هـ/1993م 1: 264.

 

[110]. جزيره العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق، الهامش: 298.

 

[111]. الزبيدي، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، الملقّب بمرتضـى (ت: 1205هـ)، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الفکر: بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ 17: 417.

 

[112]. کتاب المناسك وأماکن طرق الحاجّ ومعالم الجزيرة: لأبي إسحاق إبراهيم الحربي، تحقيق: حمد الجاسر، دار اليمامة، الرياض، الطبعة الأولى1389هـ /1969م: 573.

 

[113]. القطيعي، عبد المؤمن بن عبد الحق، ابن شمائل (ت: 739هـ)، مراصد الاطلاع على أسماء الأمکنة والبقاع، دار الجيل: بيروت، الطبعة الأولى1412هـ 2: 851، معجم البلدان، مصدر سابق 3: 423.

 

[114]. البکري، عبد الله بن عبد العزيز الأندلسي (ت487هـ)، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تحقيق: مصطفی السقا، عالم الکتب: بيروت، الطبعة الثالثة1403هـ، 4: 1109.

 

[115]. الموسوعة الجغرافية لشرقي البلاد العربية السعودية، مصدر سابق 2: 84.

 

[116]. الصّمّان، مصدر سابق 1: 27.

 

[117]. معجم البلدان، مصدر سابق 2: 493.

 

[118]. معجم ما استعجم، مصدر سابق 2: 551.

 

[119]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق، الهامش: 298.

 

[120]. کتاب المناسك وأماکن طرق الحاجّ، مصدر سابق: 619.

 

[121]. معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 416.

 

[122]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 281.

 

[123]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 281.

 

[124]. لسان العرب، ابن منظور 12: 565.

 

[125]. معجم البلدان، مصدر سابق 5: 195.

 

[126]. مراصد الاطلاع على أسماء الأمکنة والبقاع، مصدر سابق 3: 1310.

 

[127]. علي، الدکتور جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جامعة بغداد، الطبعة الثانية، 1993م، 13: 40.

 

[128]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 399.

 

[129]. المعجم الجغرافي للبلاد العربيه السعودية عالية نجد، مصدر سابق: 535.

 

[130]. مراصد الاطلاع على أسماء الأمکنة والبقاع، مصدر سابق 1: 338.

 

[131]. م ن .

 

[132]. المعجم الجغرافي للبلاد العربيه السعودية عالية نجد، مصدر سابق 2: 534.

 

[133]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 399.

 

[134]. العيسى، محمد الفهد، الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، مکتبة العبيکان، الرياض، الطبعة الأولى1415هـ/1995م: 13.

 

[135]. معجم البلدان، مصدر سابق 4: 66.

 

[136]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 279.

 

[137]. م. ن. 380.

 

[138]. الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، مصدر سابق: 11.

 

[139]. معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 416.

 

[140]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 381.

 

[141]. الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، مصدر سابق: 23.

 

[142]. معجم اليمامة، مصدر سابق 1: 64.

 

[143]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 282.

 

[144]. بن خميس، عبد الله بن محمد،  المجاز بين اليمامة والحجاز، منشورات دار اليمامة، الرياض، الطبعة الأولى1390هـ /1970م: 50.

 

[145]. معجم ما استعجم، البکري الأندلسي، مصدر سابق 4: 1204.

 

[146]. معجم البلدان، مصدر سابق 5: 96.

 

[147]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 49.

 

[148]. المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية عالية نجد، مصدر سابق: 761.

 

[149]. م. ن.: 764.

 

[150]. الجاسر، حمد، ترتيب: التعليقات والنوادر عن أبي علي هارون بن زکريا الهجري، دراسة ومختارات، القسم الثالث: المواضع، الطبعة الأولى1413هـ/1992م: 1428.

 

[151]. معجم البلدان، ياقوت الحموي 2: 309.

 

[152]. صفة جزيرة العرب، مصدر سابق: 260.

 

[153]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 399.

 

[154]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 60.

 

[155]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 399.

 

[156]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 240.

 

[157]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 226ـ227.

 

[158]. معجم معالم الحجاز، مصدر سابق 6: 1109.

 

[159]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 240.

 

[160]. م. ن.: 15.

 

[161]. م. ن.: 213.

 

[162]. معجم معالم الحجاز، مصدر سابق 4: 705.

 

[163]. المجاز بين اليمامة والحجاز، مصدر سابق: 216.

 

[164]. م. ن.

 

[165]. جزيرة العرب في کتاب مختصر الجغرافيا الکبير، مصدر سابق: 231.

 

[166]. م. ن.: 403.

 

[167]. کتاب المناسك وأماکن طرق الحاج، مصدر سابق: 347.

 

[168]. م. ن.: 348.

 

[169]. سورة آل عمران: 96 .

 

[170]. سورة البقرة: 144 .

 

[171]. سورة إبراهيم: 36 .

 

[172]. سورة الحج: 27ـ 29.

 

[173]. سورة آل عمران: 97 .

 

[174]. فتح الباري، شرح صحيح البخاري:5330؛ وصحيح البخاري: 1889؛ صحيح ابن حبان:5600؛ وموقع الموسوعة الحديثية - الدرر السنية - ، بتصرف؛ المستدرك على الصحيحين، رقم 4314؛ ديوان حسّان بن ثابت؛ السيرة النبوية، لابن هشام1: 75؛ البداية والنهاية، لابن كثير2: 235؛ الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، عبد الرحمن السهيلي2: 11ـ12؛ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، الفاسي 1: 178.

 

[175]. سورة آل عمران: 96 ـ97 .

 

[176]. سورة الحج: 26 .

 

[177]. انظر بدائع الفوائد، لابن القيم الجوزية، المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبوعبد الله، تحقيق: هشام عبد العزيز عطا - عادل عبد الحميد العدوي - أشرف أحمد .

 

[178]. السيرة النبوية، ابن هشام الحميري١: 176؛ بحار الأنوار، العلّامة المجلسي١٩: ٢؛ ثمارالقلوب، للثعالبي1: 13؛ ديوان الأعشى: 214؛ المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده (ت458هجرية)، تحقيق عبدالحميد هنداوي 3: 85 عن ديوان الأعشى: 173؛ تاج العروس، الزبيدي ١٨: ١٣٢.

 

[179]. ديوان الفرزدق، شرحه وضبطه وقدّم له علي فاعور: 511 .

 

[180]. معجم البلدان، ياقوت الحموي1: 122؛ معالم مكة التأريخية والأثرية، عاتق بن غيث البلادي؛ ديوان الشريف الرضي؛ والشريف الرضي، حياته وشعره، نور الدين حسن جعفر: 17.

 

[181]. حجازيات الشريف الرضي، مصطفى كامل الشيبي: 25؛ كتاب الشريف الرضي، دراسات في ذكراه الألفية؛ شعراؤنا القدامى، شراره عبداللطيف:  الشريف الرضي، دراسة ومختارات، الشـركة العالمية للكتاب، ط1،  1992م .

 

[182]. ديوان أبي العلاء المعري .

 

[183]. انظر في هذا ديوان السهروردي المقتول؛ لطائف المعارف، لابن رجب: 241 .

 

[184]. من كتاب الشاعر والمفكّر الإسلامي محمد إقبال، د. فهمي النجار: 144وهامشها، بتصرف .