شخصيات من الحرمين الشريفين(47) أُمُّ هــانـئ (2)

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

محقق وباحث دیني

المستخلص

سيدة قرشية هاشمية ، فتحت عينيها في مكة ، في بيت يُعدُّ من أرقى بيوت قريش ، وفي بيئة علم وشعر وأدب وشجاعة وضيافة ، فتشبعت بقيم هذا البيت ، وأعراف هذه  البيئة وآدابها حتى غدت امرأةً جليلةَ القدر ، قويّةً في شخصيتها ، حكيمةً في مواقفها ، رشيدةً في آرائها .. ثمَّ  مسلمة صحابية فاضلة فمهاجرة ، لها مواقف خالدة ، حظيت بمشهور الأخبار أن يكون بيتها موضع انطلاقة معجزة عظيمة ، تحدّث عنها التنزيل العزيز في الآية الأولى من سورة الإسراء :
(سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ).
لتخلُد بخلودها، وتُذكر كلما قُرئت السورة مع التدبّر والتأمل في الآية المذكورة، فلقد ارتبط  اسم هذه السيدة وبيتها بهذه المعجزة؛ معجزة الإسراء، وهو ما عليه مصادر التاريخ والتفسير والحديث من أنَّ رسول الله9 أُسري به من بيتها على أصحّ الأقوال ، وحظيت أيضاً باحترام وتقدير رسول الله9
      فمَن هي هذه السيدة الصالحة التي اختصّت بذلك من دون النساء الصالحات والصحابيّات الجليلات على كثرتهنَّ ؟!

... أما عن إسلامها

فقد كانت أُمُّ هانئ على الحنيفية الإبراهيمية كأبيها أبي طالب بقية الأوصياء الإبراهيمين في مكة وسلالة إسماعيل7، فهي منزّهة عن الشـرك، خاصةً إذا ما صحّت شهادة رسول الله9 لها: «ما أشركت بالله طرفة عين»! الواردة في آخر رواية حذيفة اليماني.

قال: خرج إلينا رسول الله9 يوماً، وهو حامل الحسن والحسين8 على عاتقه، فقال: هذان خير الناس أَباً وأُمًّا، أبوهما علي بن أبي طالب7 أخو رسول الله9 ووزيره ووصيه وابن عمّه وخليفته من بعده، وسابق رجال العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله، وأمّهما فاطمة بنت رسول الله9 أفضل نساء العالمين3. وهذان خير الناس جَدًّا وجدّةً، جدّهما رسول الله9 وجدّتهما خديجة3 أول من آمن بالله. وهذان خير الناس عمًّا وعمّةً، عمّهما جعفر الطيار في الجنّة، وعمّتهما أُمُّ هاني بنت أبي طالب، ما أشركت بالله طرفة عين![1]

وبعد البعثة النبويّة، وإن وقع اختلاف في وقت نطقها بالشهادتين، وأيضاً في هجرتها...، فهي تُعدّ صحابيّةً مهاجرةً على القول بأنها أسلمت وبايعت النبيَّ9 في مكة المكرمة، ووفّقت للهجرة إلى يثرب..

ذكروا إسلامها، وممن ذكره ابن حبيب في كتابه المحبر في المبايعات من نساء بني هاشم مع أمّ هانئ نقلاً عن الواقدي، فيذكرهنَّ تحت عنوان: أسماء النسوة المبايعات رسول الله9 من بنى هاشم ذكره الواقدي (1 : 142). 

أمّ هانئ بنت أبي طالب، واسمها فاختة. (جمانة) بنت أبي طالب...

...  كما ذكرها ابن سعد في طبقاته الكبرى في المبايعات في بنات عمومة رسول الله9.[2]

 عطاؤها من خيبر: وقدأعطاها النبيُّ9 من خيبر ثلاثين وسقًا،...

فقد ذكر الواقدي من أعطاهم رسول الله9 من خيبر بعد الغزوة، وتحت عنوان:

ذِكْرُ طُعْمِ النّبِيّ9 فِي الْكَتِيبَةِ أَزْوَاجَهُ وَغَيْرَهُمْ:

أَطْعَمَ رَسُولُ اللهِ9 كُلّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا تَمْرًا وَعِشْـرِينَ وَسْقًا شَعِيرًا. وللعباس بن عبد المطلّب مائتي وسق، ولفاطمة وعلىّ عَلَيْهِمَا السّلَامُ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ ثَلَاثُمِائَةِ وَسْقٍ، والشعير من ذلك خمسة وثمانين وَسْقًا، لِفَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ مِائَتَا وَسْقٍ ، وَلِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ... 

هذَا مَا أَعْطَى مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ

بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ

... وَلِصَفِيّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمطّلِبِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا،...

وَلِأُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، ولِجُمَانَةَ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأُمّ طَالِبٍ بِنْتِ أَبِي طالب ثلاثين وسقًا،... وكذا قال عنها كلٌّ من الزّبير بن بكّار.

هي أخت أمّ هانئ، وذكرها ابن إسحاق فيمن قسم له النبيّ9 من خيبر ثلاثين وسقًا. وابن سعد :.. وأطعمها رسول الله9 من خيبر ثلاثين وسقًا.[3]

ولم يكن ليعطيها أو يطعمها من خيرات خيبر إلّا وهي مسلمة، وإلّا وهي مهاجرة، فهذا ابن عبد البرّ كما ذكرنا أعلاه، يقول عن أختها جُمانة: ذكر ابن إسحاق أنَّ النبي9 أعطاها من خيبر ثلاثين وسقًا، ولم يكن ليعطيها إلّا وهي مسلمة.

وهو دليل آخر على إسلام أُمّ هاني  وهجرتها  قبل فتح مكة، فخيبر فتحت في العام السابع هجري، فيما تمَّ فتح مكة في العام الثامن هجري. وليس ذلك ببعيد عليها، فقد ولدت هذه المرأة الصالحة ونشأت في بيت أبي طالب رضوان الله عليه، البيت المبارك الذي انبثقت منه النبوّة والرسالة والإمامة، وفي أحضان أبوين صالحين أبي طالب وفاطمة بنت أسد، ومع أخويين مؤمنين عليّ وجعفر، إضافةً إلى ما لها من خصوصية بالنبيِّ9 معروفة، فلعلّها من هذا كلّه كانت مسلمة، بل من الأوائل، وخاصةً إذا ما نظرنا إلى وقت الإسراء، وأنه وقع قبل الهجرة النبوية المباركة، سواء أكان قبل السنة العاشرة من البعثة النبوية؛ في السنة الثانية، أو في الثالثة، أو في الخامسة .. أو بعد العاشرة ...، وإلى ما نظرنا إلى مكانه، وأنَّ بدايته كانت من بيتها، وهو ما ذكرته أكثر الأخبار والأقوال، ولعلّها رجحته على غيره، وإذا ما دققنا فيما روته  عن حديث  الإسراء:

«ما أسري برسول الله إلّا وهو نائم في بيتي، فصلّى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلمّـا كان قبل الصبح، أهبّنا رسول الله9، فلما صلّى الصبح وصلينا معه...».[4]

الطبري:.. وقد ذُكر لنا أنَّ النبـيّ9 كان لـيـلة أُسري به إلـى الـمسجد الأقصى، كان نائماً فـي بـيت أمّ هانئ ابنة أبـي طالب. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: ثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن السائب، عن أبـي صالـح بن بـاذام عن أمّ هانىء بنت أبـي طالب، فـي مسرى النبـيّ9، أنها كانت تقول: ما أُسري برسول الله9 إلّا وهو فـي بـيتـي نائم عندي تلك اللـيـلة، فصلّى العشاء الآخرة، ثم نام ونـمنا، فلـما كان قُبَـيـل الفجر، أهبَّنا رسول الله9، فلـما صلّـى الصبح وصلـينا معه قال:

«يا أُمَّ هانِىءٍ، لَقَدْ صَلَّـيْتُ مَعَكُمُ العِشاءَ الآخِرَةِ كمَا رأيْتِ بهَذَا الوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ فَصَلَّـيْتُ فِـيهِ، ثُمَّ صَلَّـيْتُ صَلاةَ الغَدَاةِ مَعَكُمُ الآنَ كمَا تَرَيْنَ».[5]

فإذا ما دققنا في هذه الأخبار، لوجدنا أنَّها كانت ممن صلّى مع النبيِّ9:

«فلـما صلّـى الصبح وصلـينا معه.. لَقَدْ صَلَّـيْتُ مَعَكُمُ العِشاءَ الآخِرَةِ.. ثُمَّ صَلَّـيْتُ صَلاةَ الغَدَاةِ مَعَكُمُ» .. فمعنى هذا أنَّها كانت مسلمةً قبل الهجرة المباركة، وفي ليلة الإسراء في أي عام وقعت، والمتفق أنَّها قبل الهجرة. ولعلّها كانت تكتم إسلامها، وتتحين فرصة الهجرة، ولم تجهر به إلّا في فتح مكة إن قبلنا بما في بعض الأخبار من أنَّها أسلمت في الفتح؛ لظروف خاصة بها، وليس هذا غريباً، وبالذات إذا ما عرفنا أنَّ زوجها هبيرة وكما يبدو من سيرته، بقي على كفره حتى هلاكه، وهو رجل عنيد لطالما ألّب الناس قبائل وأفراداً على رسول الله9 ولم يكتفِ بهذا، بل شنَّ حرباً تلو أخرى على رسول الله9 والمسلمين وهم في المدينة إما مقاتلاً كان فيها أو قائداً، وهو ما قد يجعل حياتها صعبة ثقيلة، وإن أشكل بأنها كيف جاز لها أن تبقى زوجةً له، دون أن يفرّق الإسلام بينهما، وكيف تركها رسول الله9 وهو يعلم بإسلامها وكفر زوجها دون أن يفصل بينهما أو يعلمّها بحرمة العلاقة بينهما؟

ولعلَّ ما يصلح جواباً عنه أنَّ حكم التفريق هذا ـ وإن وقع كلام بينهم في وقت تشريعه بين الزوجين عند إسلام أحدهما، أفي مكة وقع أم في المدينة؟ـ قد شرع أو عمل به ـ والله أعلم ـ حين نزلت الآية العاشرة من سورة الممتحنة، وهي سورة مدنية، نزلت بعد صلح الحديبية في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة، وقد تناولته السورة المذكورة عبر: ( ... لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ... وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ)، في الآية العاشرة :

(يٰاأَيُّهَاٱلَّذِينَآمَنُواْإِذَاجَآءَكُمُٱلْمُؤْمِنَاتُمُهَاجِرَاتٍفَٱمْتَحِنُوهُنَّٱللَّهُأَعْلَمُبِإِيمَانِهِنَّفَإِنْعَلِمْتُمُوهُنَّمُؤْمِنَاتٍفَلاَتَرْجِعُوهُنَّإِلَىٱلْكُفَّارِلاَهُنَّحِلٌّلَّهُمْوَلاَهُمْيَحِلُّونَلَهُنَّوَآتُوهُممَّآأَنفَقُواْوَلاَجُنَاحَعَلَيْكُمْأَنتَنكِحُوهُنَّإِذَآآتَيْتُمُوهُنَّأُجُورَهُنَّوَلاَتُمْسِكُواْبِعِصَمِٱلْكَوَافِرِوَاسْأَلُواْمَآأَنفَقْتُمْوَلْيَسْأَلُواْمَآأَنفَقُواْذَلِكُمْحُكْمُٱللَّهِيَحْكُمُبَيْنَكُمْوَٱللَّهُعَلِيمٌحَكِيمٌ).

(... لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )،  وهذا يدل على وقوع الفرقة بينهما...

(وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ)، أي لا تمسكوا بنكاح الكافرات، وأصل العصمة وسمي النكاح عصمة، لأنَّ المنكوحة تكون في حبال الزوج وعصمته...

  قال الحسن: كان فى صدر الإسلام تكون المسلمة تحت الكافر، والكافرة تحت المسلم، فنسخت هذه الآية ذلك.

قال النخعي: هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر، وكان الكفار يزوّجون المسلمين، والمسلمون يتزوّجون المشركات، ثم نسخ ذلك بهذه الآية.

قال الزهري: ولما نزلت هذه الآية وفيها قوله: (وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ)، طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا له بمكة مشركتين قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة والأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم رجل من قومه وهما على شركهما وكانت عند طلحة بن عبد الله أروى بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ففرق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر وكان طلحة قد هاجر وهي بمكة عند قومها كافرة ثم تزوجها في الإسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وكانت ممن فرّت إلى رسول الله9 من نساء الكفار فحبسها وزوجها خالداً وأميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الدحداحة ففرت منه وهو يومئذٍ كافر إلى رسول الله9 فزوجها رسول الله سهل بن حنيف فولدت عبد الله بن سهل.

قال الشعبي: وكانت زينب بنت رسول الله9 امرأة أبى العاص بن الربيع فأسلمت ولحقت بالنبيِّ9 في المدينة وأقام أبو العاص مشركاً بمكة ثم أتى المدينة فأمنته زينب ثم أسلم فردها عليه رسول الله9. [6]

القمّي عن الباقر7 في هذه الآية قال: يقول: «من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملّة الإِسلام، وهو على ملّة الإِسلام، فليعرض عليها الإِسلام، فإن قبلت فهي امرأته، والّا فهي بريئة منه، فنهى الله أن يمسك بعصمتها».[7]

وحتى الآية: (وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).[8]

وقد استفيدت منها قاعدة (نفي السبيل) التي ذكروا لها موارد متعددة من أبواب الفقه، كان من بعض مواردها: ما «إذا أسلمت الزوجة دون الزوج، فيبطل النكاح حينئذ؛ لأنَّ الرجال قوامون على النساء، إذ بقاء الزوجية مع كفر الزوج يوجب علوّ الزوج الكافر على الزوجة المسلمة».

فإنّ هذه الآية وكذا آية القوامة: (ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ...).[9]

قد نزلتا ضمن سورة النساء بعد الهجرة النبوية في المدينة المنورة. 

   هذا ومن المناسب الإشارة فقط إلى ما تيسر لي من رواية أو قول بخصوص هذه المسألة:

روي عن عليّ بن الحسين7؛ أنّه سئل عن هذا (إيمان أبي طالب) فقال: «واعجباً إنّ الله تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات»!.[10]

عن عليّ بن الحسين7 أنّه سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً؟

فقال7: نعم. فقيل له: إنّ هاهنا قوماً يزعمون أنّه كافر!

خرج السيد شمس الدين فخار أيضاً في كتاب (الحجة :24) بأسانيدهم عن أبي علي الموضح قال: تواترت الأخبار بهذه الرواية وبغيرها عن علي بن الحسين8 أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً؟

فقال7: نعم، فقيل له: إنَّ هاهنا قوماً يزعمون أنه كافر.

فقال7: واعجباً كلَّ العجب، أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله9، وقد نهاه الله أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن؟ ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد3 من المؤمنات السابقات، فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبوطالب7. [11]

وعن عائشة قالت: كان الإسلام قد فرق بين زينب وبين أبى العاص حين أسلمت، إلّا أنَّ رسول الله9 كان لا يقدر على أن يفرق بينهما، وكان رسول الله9 مغلوباً بمكة. خرجه الدولابي.

وعنها:.. وكان الإسلام قد فرّق بين زينب وبين أبي العاص حين أسلمت إلّا أنّ رسول الله9 كان لا يقدر أن يفرّق بينهما، وكان رسول الله9 مغلوباً بمكّة، لا يحلّ ولا يحرم.[12]

قال ابن إسحاق:.. وكان رسول الله9 لا يحلّ بمكة ولا يحرم، مغلوباً على أمره، وكان الإسلام قد فرّق بين زينب بنت رسول الله9 حين أسلمت وبين أبي العاص بن الربيع، إلّا أنَّ رسول الله9 كان لا يقدر [على] أن يفرق بينهما، فأقامت معه على إسلامها وهو على شركه، حتى هاجر رسول الله9، فلما سارت قريش إلى بدر سار فيهم أبو العاص...[13]

هذا، وإني لم أجد فيما تيسر لي من مصادر ما يُشير إلى وقت إسلام أُمِّ هانئ  أو يصرّح به غير العشرين من شهر رمضان من العام الثامن الهجري، فكان فيه الفتح الأعظم لمكة المكرمة.

ويعضد هذا ما روي عنها أنَّها من الطلقاء ، وذلك بعد أن فرّق إسلامُها بينها في عام الفتح وبين زوجها الذي بقي على كفره، وبعد نزول الآية50 من سورة الأحزاب:

(يٰا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ).

أنَّها قالت: «خطبني رسول الله9، فاعتذرت إليه فعذرني، ثم أنزل الله هذه الآية ... فلم أحلّ له، لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء».

لما روي عنه من حديثه9 في فتح مكة المكرمة: «معشر قريشٍ، ما ترون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ! قال: فإني أقولُ لكم ما قال يوسفُ لإخوتِه: لا تثريبَ عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاءُ»![14]

فرار هبيرة:

لقد بقي هبيرة في مكة كأحد طغاة المشـركين الذين ناوؤا رسول الله9 وتصدوا لدعوته حتى وهو بعيد عنهم عبر حربهم له، وبمكرهم  وأشعارهم، يقول عنه ابن سلام: فقاتل هبيرة المسلمين في وقعة بدر الكبرى قتالاً شديداً، حتّى انهارت قواه، فمرَّ به معاوية بن زهير حليف بني مخزوم وكان مشركاً فأعانه وقد أعيا هبيرة، فقام فألقى عنه درعه وحمله فمضى به. وكان عنيداً لم يتوقف عن تأليب قريش والقبائل ضدَّ رسول الله9 استعداداً لمعركة أُخرى؛ لمعركة أُحد التي قاد فيها المشركين، وذكر ابن هشام لهبيرة في وقعة أُحد قصيدةً عنيفة من ثلاثة وعشرين بيتاً بدأها بذكر لوم عاذلته؛ لانشغاله عنها بالقتال:

ما بالُ همٍّ عميدٍ بات يطرقني

بالودّ من هندٍ إذ تعدو عواديها

باتت تعاتبني هندٌ وتعذلني

والحربُ قد شُغلت عنّي مواليها

مهلاً فلا تعذليني إنّ من خُلقي

ما قد علمتِ وما إن لستُ أخفيها

*   *   *

إلى أن يقول مبيّنًا دوره في تأليب القبائل وتحشيدها:

سُقنا كنانة من أطراف ذي يمن

عرض البلاد على ما كان يُزجيها

قالت كنانة أنّى تذهبون بنا؟

قلنا: النُّخيل فأمُّوها ومن فيها

*   *   *

فأجابه حسان بن ثابت، فقال:

سقتم كنانة جهلاً من سفاهتكم

إلى الرسول فجند الله مخزيها

أوردتموها حياض الموت ضاحية

فالنار موعدها، والقتل لا قيها

جمعتموها أحابيشاً بلا حسب

أئمة الكفر غرتكم طواغيها

ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت

أهل القليب ومن ألقينه فيها

كم من أسير فككناه بلا ثمن

وجزِّ ناصية كنا مواليها

قال ابن هشام: أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك.

قال عنه ابن سلام:

كان هبيرة بن أبي وهب شاعراً من رجال قريش المعدودين، وكان شديد العداوة لله ولرسوله، فأخمله الله ودحقه، وهو الذي يقول في يوم أُحد:

قدنا كنانة من ...

ويُقال إنَّه كان في وقعة الخندق من جملة من عبروه برفقة عمرو بن عبد وَدّ العامري، ولما قتل عمرو فرَّ هبيرة المخزومي، وراح يعتذر من فراره، ويبكي عمر بن عبد ودّ، ويذكر قتل عليٍّ7 له في قصيدة من عشـرة أبيات، وفي مقطع من أربعة أبيات. يقول ابن إسحاق: وقال هبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره، ويبكي عمراً، ويذكر قتل عليٍّ7 إياه:

لعمري ما وليتُ ظهري محمداً

وأصحابه جبناً ولا خيفة القتل

ولكنني قلّبتُ أمرى فلم أجد

لسيفي غَناءً إن ضربتُ ولا نبلي

*   *   *

فلا تبعدن يا عمرو حيًّا وهالكاً

وحقّ لحسن المدح مثلك من مثلي

ولا تبعدن يا عمرو حيًّا وهالكاً

قد بنت محمود الثنا ماجد الأصل

*   *   *

هنالك لو كان ابن عبد لزارها

وفرجها حقًّا فتًى غير ما وغل

فعنك علىٌّ لا أرى مثل موقف

وقفت على نجد المقدم كالفحل

فما ظفرت كفاك فخراً بمثله

أمنت به ما عشت من زلة النعل

ورثاه مرّةً أُخرى وذكر قتل عليٍّ7 إياه:

لقد علمت عُليا لؤي بن غالب

لفارسها عمرو إذا ناب نائب

لفارسها عمرو إذا ما يسومه

علىٌّ  وإنَّ الليث لا بدَّ طالب

عشية يدعوه علىٌّ  وإنه

لفارسها إذا خام عنه الكتائب

فيا لهف نفسي إنَّ عمراً تركته

بيثرب لا زالت هناك المصائب.[15]

يريد بالنُّخيل، كزبير: مدينة الرسول9 وهي اسم لعين قرب المدينة..[16]

ولم يذكر أحدٌ أنَّ هبيرة أسلم، ففرّق الإسلام بينه وبين زوجته أُمِّ هاني، بل قالوا: إنَّه هرب يوم فتح مكة إلى نجران، فأما هبيرة فلم يرجع، أقام بها حتى مات كافراً، وأما الرجل الآخر الذي معه، فرجع فلم يعرض له. ويبدو أنَّ المقصود بالرجل الآخر هو عبد الله بن الزبعري.

لعمرك ما وليتُ ظهري محمداً

وأصحابه جبناً ولا خيفةَ القتل

ولكنني قلبتُ أمرى فلم أجد

لسيفي غناءً إن ضربتُ ولا نبلي

وقفتُ فلما خفتُ ضيقةَ موقفي

رجعتُ لعودٍ كالهزبر إلى الشبل

وعن أبيات الاعتذار هذه، قال خلف الأحمر: أبيات هبيرة في الاعتذار خيرٌ من قول الحارث بن هشام )حين فرَّ يوم بدر(. يعنى قوله:

وعلمت أني إن أقاتل واحداً

أُقتل ولا يضرر عدوي مشهدي

فصدفت عنهم والأحبة فيهم

طمعاً لهم بعقاب يوم مرصد

الله يعلم ما تركتُ قتالهم

 حتى علوا فرسي بأشقر مزبد 

أو

القوم أعلم ما تركت قتالهم

حتى رموا فرسي بأشقر مزبد

ووجدت ريح الموت من تلقائهم

في مأزق والخيل لم تتبدد

فعلمتُ أني إن أقاتل واحداً

أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي

فصددت عنهم والأحبة فيهم

طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد (أو مرصد)

وفي خبر أنَّه قال ذلك يرد على حسان بن ثابت حين عيره بالفرار بقوله:

إن كنت كاذبة الذي حدثتني

فنجوت منجى الحارث بن هشام

ترك الأحبة أن يقاتل دونهم

ونجا برأس طمرَّة ولجام

فيما قال الأصمعي: أحسن ما قيل في الاعتذار من الفرار قول الحارث بن هشام!

وذكروا أنَّ أقبح ما قيل في الاعتذار قول امرئ القيس:

وما جبنت خيلي ولكن تذكرت

مرابطها من بربعيص وميسرا

عن ابن إسحاق: أنَّ هبيرة أقام بنجران، فلما بلغه إسلام أمِّ هانئ وكانت تحته، قال أبياتاً منها:

وعاذلة هبت بليل تلومني

وتعذلني بالليل ضلَّ ضلالُها

وتزعم أنّى إن أطعتُ عشيرتي

سأردى وهل يرديني إلّا زوالُها

و روى له محمد بن إسحاق في كتاب المغازي شعراً أوله، يذكر فيه أمَّ هانئ وإسلامها و أنه مهاجر لها إذ صبت إلى الإسلام و من جملته:

أشاقتك هند  أم أتاك سؤالها

كذاك النوى أسبابها وانفتالها 

وقد أرقت في رأس حصن ممنع (أو ممرَّد)

بنجران يسري بعد ليل خيالها (أو بعد نوم خيالُها)   

وعاذلة هبت بليل تلومني

تعذلني بالليل ضلَّ ضلالُها  

وتزعم أني إن أطعت عشيرتي

سأردى وهل يردين إلا زيالُها   

فإني لمن قوم إذا جدَّ جدُّهم

على أي حال أصبح اليوم حالها 

وإني لحام (لأحمي)  من وراء عشيرتي

إذا كان من تحت العوالي مجالها

وطارت بأيدي القوم بَيض كأنها

مخاريق ولدانٍ ينوس ظلالها

أو : 

وصارت بأيديها السيوف كأنها

مخاريق ولدان ومنها ظلالها

وإني لأقلى الحاسدين وفعلهم

على الله نفسي  رزقها وعيالها  

وإنَّ كلام المرء في غير كنهه

لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها 

فإن (لئن)كنت  قد تابعت دينَ محمد

وقطعت (وعطَّفت) الأرحام منك حبالها

فكوني على أعلى سحيق بهضبة

ململمة غبراء يبس بلالها ! أو : قلالها.

المجيرة !

عرفت أُمُّ هانئ  بالمجيرة، بعد أن وصفت بقوتها وحكمتها وحفظها للجوار، فقد كانت تجير الخائف، وتؤمن المروع، وتأوي إلى بيتها المستجير...

فالإجارة ، لغةً من جارَ يُجير أجر إجارة فهو مُجير والمفعول مُجار .. فالإجارة تعود إلى الفعل أجار، وهي من المنعة وعدم الاعتداء، وبالتالي فأنت تعطي الأمان للمستجير من قبلك إذا ما أجرته وحفظته ومنعته.. وكانت الإجارة والاستجارة من عوائد العرب وأخلاقها التي يحترمونها أيما احترام، حتى مع من يرونهم أعداءً لهم، فهو مبدأٌ يقدرونه ولا يتجاوزون عليه، وإلّا كانوا موضع سخرية بين الناس وشجب،  فلوأوذي المستجير في جوار أحدٍ كان هذا مسبةً للمجير وعاراً عليه...

وقد وردت في التنزيل العزيز في آيات عديدة، نختار من الآيات ما فيه خطاب لرسول  الله9 أن يُجير من استجاره أي أن ُيعطي الأمان لمن استأمنه انطلاقاً من أنَّ الإسلام ورسوله9 إجارة لكلّ مستجير، ومن كونها خلقاً طيباً، ورسول الله9 سيد الأخلاق ومكارمها، وحرصاً على هداية الآخر وفرصةً له، أو إكمالاً للحجّة عليه، كما في سورة التوبة التي نزلت بعد فتح مكة بسنوات:

(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ).[17]

جاءت هذه الآية، تطلب من رسول الله9 أن يقبل من يستجير به، وأن يعطيه الأمان... فلعلّه يتوب إلى الله تعالى!

الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن استأمنك يا محمد من المشـركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحد ليسمع كلام الله منك، وهو القرآن الذي أنزله الله عليه. (فَأَجِرْهُ)، يقول: فأمنه، (حتَّى يَسمعَ كلامِ اللهِ)، وتتلوه عليه. (ثُمَّ أبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)، يقول: ثم ردّه بعد سماعه كلام الله إن هو أبى أن يسلم ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن إلى مأمنه، يقول: إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك حتى يلحق بداره وقومه من المشركين. (ذلكَ بأنَّهُمْ قَوُمٌ لا يَعْلَمُونَ)، يقول: تفعل ذلك بهم من إعطائك إياهم الأمان، ليسمعوا القرآن، وردّك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم، من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا وما عليهم من الوزر والإثم بتركهم الإيمان بالله.

الطبرسي:  (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْـرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ )، معناه وإن طلب أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم منك الأمان من القتل.. فأمنه وبيّن له ما يريد وأمهله حتى يسمع كلام الله ويتدبَّره ..

وعن ابن جبير: جاء رجل إلى عليٍّ7، فقال: إنْ أراد الرجل منا أنْ يأتي محمداً بعد انقضاء هذا الأجل ليسمع كلام الله، أو يأتيه لحاجة، قتل؟ قال: لا؛ لأنَّ الله تعالى قال: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ )، وما من قبيلة من قبائل العرب إلّا ولبني هاشم منّة عليها، ويدٌ بيضاء إليها، فقد كان العباس بن عبد المطلب عمُّ أُمِّ هانئ  يمنع الجار حتى عُدَّ من مناقبه الجليلة...[18]

وبما أنَّ كلامنا عن أُمِّ هانئ وهي امرأة هاشمية، اتصفت بصفاتهم، فقد أجارت هي الأخرى رجلين من المشركين في فتح مكة بل «..آوت ناساً من بني مخزوم، ..»، كما في  رواية الشيخ المفيد الآتية.

وقد جاءت أخبار عديدة عن ذلك، نكتفي ببعضها:

فعن  ابن إسحاق أنه قال: وحدثني سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة، مولى عقيل ابن أبي طالب: أنَّ أمَّ هانئ بنت أبي طالب قالت: لما نزل رسول الله9 بأعلى مكة، فرَّ إلىَّ رجلان من أحمائي، من بنى مخزوم، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي، قالت: فدخل عليَّ علي بن أبي طالب أخي، فقال: والله، لأقتلنهما، فأغلقتُ عليهما باب بيتي، ثمَّ جئتُ رسول الله9 وهو بأعلى مكة، فوجدتُه يغتسل من جفنة إن فيها لأثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوبه، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به، ثم صلّى ثماني ركعات من الضحى، ثم انصرف إليَّ، فقال: «مرحباً وأهلاً يا أمَّ هانئ، ما جاء بك»؟ فأخبرتُه خبر الرجلين وخبر عليٍّ7، فقال: «قد أجرنا من أجرت، وأمّنا من أمّنت، فلا يقتلهما».

قال ابن هشام: هما الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة.

 ابن أبي الحديد: وروى أهل الحديث أنَّ أمَّ هانئ كانت يوم الفتح في بيتها، فدخل عليها هبيرة ابن أبي وهب بعلها، ورجل من بنى عمّه! هاربين من عليٍّ7، وهو يتبعهما وبيده السيف، فقامت أمُّ هانئ في وجهه دونهما، وقالت: ما تريده منهما، ولم تكن رأته من ثماني سنين، فدفع في صدرها، فلم تزل عن موضعها، وقالت: أتدخل يا عليّ بيتي، وتهتك حرمتي، وتقتل بعلي، ولا تستحي مني بعد ثماني سنين!

فقال7: «إنَّ رسول الله9 أهدر دمهما، فلا بدَّ أن أقتلهما. فقبضت على يده التي فيها السيف، فدخلا بيتاً ثم خرجا منه إلى غيره، ففاتاه، وجاءت أمُّ هانئ إلى رسول الله9، فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوبها، فوقفت حتى أخذ ثوبه، فتوشح به، ثم صلّى ثماني ركعات من الضحى، ثم انصـرف، فقال: «مرحباً وأهلاً بأمّ هانئ! ما جاء بك»؟ فأخبرته خبر بعلها وابن عمّه، ودخول عليّ7 بيتها بالسيف.

فجاء عليٌّ7 ورسول الله9 يضحك، فقال له: «ما صنعت بأمّ هانئ»؟

فقال7: «سلها يا رسول الله ما صنعت بي! والذي بعثك بالحقّ، لقد قبضت على يدي وفيها السيف، فما استطعت أن أخلصها إلّا بعد لأي، وفاتني الرجلان».

فقال9: «لو ولد أبو طالب الناس كلّهم لكانوا شجعاناً، قد أجرنا من أجارت أمُّ هانئ، وأمّنا من أمّنت، فلا سبيل لك عليهما!

فأما هبيرة فلم يرجع، وأما الرجل الآخر، فرجع فلم يعرض له. قالوا: وأقام هبيرة بن أبي وهب بنجران حتى مات بها كافراً..

وقد روى المفيد هذه الحادثة، بما نصّه:

عهد رسول الله9 إلى المسلمين عند توجهه إلى مكة أن لا يقتلوا بها، إلّا من قاتلهم، وآمن من تعلق بأستار الكعبة سوى نفر كانوا يؤذونه...

فقتل أمير المؤمنين7 الحويرث بن نفيل بن كعب، وكان ممن يؤذي رسول الله9 بمكة، وبلغه7 أنَّ أخته أمَّ هانئ قد آوت أناساً من بني مخزوم منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب.

فقصد7 نحو دارها مقنّعاً بالحديد، فقال: أخرجوا من آويتم، فجعلوا يذرقون والله كما تذرق الحبارى خوفاً منه، فخرجت إليه أمُّ هانئ، وهي لا تعرفه، فقالت: يا عبد الله أنا أمُّ هانئ ابنة عمِّ رسول الله، وأخت علي بن أبي طالب، انصـرف عن داري!

فنزع أمير المؤمنين7 المغفرَ وقال: أخرجوهم، فعرفته والتزمته، وقالت: فديتك، حلفت لأشكونك إلى رسول الله!

فقال لها7: «اذهبي فأبري قسمك، فإنه بأعلى الوادي».

فأتت النبيَّ9 وهو في قبة يغتسل، فلما رآها النبيُّ9 قال: «مرحباً بأمِّ هانئ وأهلاً... لقد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت، فلا يقتلهما».

ثم قال9 لها: «لا تغضبي عليًّا فإنَّ الله يغضب لغضبه»!

وقال9 لعليٍّ: «أغلبتك»؟

فقال عليٌّ7: يا رسول الله ما قدرت أن أرفع قدمي من الأرض!

فضحك النبيُّ9 وقال: 

«لو أنَّ أبا طالب ولد الناس كلّهم؛ لكانوا شجعاناً»! 

وعن ابن أبي الحديد: ... و روى أهل الحديث أنَّ أمَّ هانئ كانت يوم الفتح في بيتها، فدخل عليها هبيرة بن أبي وهب بعلها ورجل من بني عمّه هاربين من عليٍّ7 و هو يتبعهما و بيده السيف، فقامت أمُّ هانئ في وجهه دونهما، و قالت: ما تريده منهما؟! 

و لم تكن رأته من ثماني سنين، فدفع في صدرها، فلم تزل عن موضعها، وقالت: أتدخل يا عليُّ بيتي، و تهتك حرمتي و تقتل بعلي، و لا تستحيي مني بعد ثماني سنين؟!

فقال7: «إنَّ رسول الله9 أهدر دمهما، فلا بد أن أقتلهما، فقبضت على يده التي فيها السيف، فدخلا بيتاً ثم خرجا منه إلى غيره ففاتاه!

و جاءت أمُّ هانئ إلى رسول الله9 فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوبها، فوقفت حتى أخذ ثوبه، فتوشح به ثم صلّى ثماني ركعات من الضحى، ثم انصرف، فقال: «مرحباً و أهلاً بأمِّ هانئ، ما جاء بك»؟!

فأخبرته خبر بعلها و ابن عمّه، و دخول عليٍّ7 بيتها بالسيف، فجاء علي7 ورسول  الله9 يضحك، فقال له: «ما صنعت بأمِّ هانئ»؟!

فقال7: «سلها يا رسول الله ما صنعت بي؟! والذي بعثك بالحقِّ لقد قبضت على يدي وفيها السيف، فما استطعت أن أخلصها إلّا بعد لأي، و فاتني الرجلان»!

فقال9: «لو ولد أبو طالب الناس كلهم لكانوا شجعاناً!  قد أجرنا من أجارت أمُّ هانئ، و أمنا من أمنت!  فلا سبيل لك عليهما»!

هذا وصارت إجارة أُمِّ هانئ لمن أجارت دليلاً فقهيًّا على صحة أو جواز إجارة المرأة لمن لجأ إليها..

وتعالوا معي لنرى تكريماً لهذه المرأة الصالحة من قبل رسول الله9 ما أجمله، ولطفاً ما أروعه، ومودّةً ما أجلّها، واستجابةً لرجائها ما أسرعه..

وهنا أيضاً لا تفوتني الإشارة إلى ما ذکره الشيخ الکرباسي في معجمه أنصار الإمام الحسين7 (الهاشميون)، الجزء الأول؛ تحت رقم 5: «أنَّ  أُمَّ هانئ، أُمّها أمُّ ولد، كانت على قيد الحياة بعد مقتل الإمام الحسين7»، ثمَّ يحيل القارئ إلى كتاب المعارف : 201 وسفير الإمام الحسين7 : 33. وقطعاً أنَّ المذكورة ليست أُمَّ هانئ بنت أبي طالب.

نجد هذا فيما تحدّثت به، كما جاء عن ابن عباس قال: دخل رسول الله9 على أمِّ هانئ بنت أبي طالب يوم الفتح، وكان جائعاً، فقلت له: يا رسول الله، إنَّ أصهاراً لي قد لجئوا إليَّ، وإنَّ علي بن أبي طالب لا تأخذه في الله لومةُ لائم، وأني أخاف أن يعلم بهم فيقتلهم، فاجعل من دخل دار أمِّ هانئ آمناً حتى يسمعوا كلام الله!

فآمنهم رسول الله9 فقال: «قد أجرنا من أجارت أمُّ هانئ».

وقال: هل عندك من طعام نأكله؟

فقالت: ليس عندي إلّا كسر يابسة، و إني لأستحي أن أقدمها إليك.

فقال: هلمّي بهنّ، فكسّرهنّ في ماء.

و جاءت بملح، فقال: «هل من إدام»؟

فقالت: ما عندي يا رسول الله إلّا شي‏ء من خلٍّ.

فقال: «هلميه»، فصبّيه على الطعام، فأكل منه، ثم حمد الله، ثم قال: «نعم الإدام الخلّ يا أمَّ هانئ لا يفقر بيت فيه خلّ»!

إذن؛ نالت صفة المجيرة، وحظيت بها على لسان رسول الله9 لما قَبلَ9 إجارتها، حين جاءته تشفع في بعض أحمائها، أو بعد أن أجار من أجارته من المشـركين يوم الفتح، حين قال لها رسول الله9: «قد أجرنا من أجرت، وأمَّنَّا من أمَّنت»!

وقد دلّت هذه الحادثة المتمثلة بقبول رسول الله9 إجارتها لعدد من المشركين على ما تحظى به هذه السيدة من مقام كريم ومنزلة عظيمة عند رسول الله9 وسمو مكانتها عنده حتى لقبت بـ (المُجيرة)، وغدت يومذاك أُمُّ هانئ تعرف بهذا اللقب!

وكيف لا يكون لها ذلك، وهي ابنة سيد البطحاء أبي طالب7، وابنة عمِّ سيد الأنبياء والمرسلين، وأخت سيد الأوصياء والمتقين، إضافةً إلى كونها تتمتع بالشجاعة والحكمة والعقل...[19]

موقفها مع الإمام علي7 :

ظلّت السيدة أُمُّ هانئ طيلة حياتها قريبةً من أخيها الإمام عليّ7، ولم يذكر أحد أَنَّها ابتعدت عن أمير المؤمنين7، ونتيجة ذلك بقيت مؤازرةً له وللحقّ الذي هو عليه..، فما إن انتهت وقعة الجمل في البصرة بانتصار أمير المؤمنين7 وجنده على طائفة الناكثين، بعث برسالة إلى أُخته أُمّ هانئ كما ذكر الشيخ المفيد في كتابه الجمل: وكتب أمير المؤمنين7 إلى أمِّ هاني بنت أبي طالب7، يقول:

«سلام عليكِ، أحمد إليكِ الله الذي لا إله إلّا هو، أما بعدُ؛ فإنا التقينا مع البغاة والظلمة في البصرة، فأعطانا اللهُ تعالى النصرَ عليهم بحوله وقوته، وأعطاهم سُنّة الظالمين، فقُتل منهم طلحة والزبير وعبدالرحمن بن عَتاب وجمع لا يُحصى. وقُتل منّا بنومخدوع وابنا صوحان وعَلباء وهند وثمامة فيمن يُعدُّ من المسلمين رحمهم الله والسلام».

فيما ذكر الطبري من قبل الشيخ المفيد ما يُشبه موضوع هذه الرسالة مع اختلاف في فقراتها، ولكنها موجهة إلى عامله بالكوفة:

«مَا كَتَبَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْفَتْحِ إِلَى عَامِلِهِ بِالْكُوفَةِ»: كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا: وَكَتَبَ عَلِيٌّ بِالْفَتْحِ إِلَى عَامِلِهِ بِالْكُوفَةِ حِينَ كَتَبَ فِي أَمْرِهَا، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ:

«مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيٍّ أَمِيرِالْمـُؤْمِنِينَ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا الْتَقَيْنَا فِي النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ بِالْخُرَيْبَةِ ـ فِنَاءٌ مِنْ أَفْنِيَةِ الْبَصْرَةِ ـ فَأَعْطَاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُنَّةَ الْمـُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ مِنَّا وَمِنْهُمْ قَتْلَى كَثِيرَةً، وَأُصِيبَ مِمَّنْ أُصِيبَ مِنَّا ثُمَامَةُ بْنُ الْمـُثَنَّى، وَهِنْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَعِلْبَاءُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وَسَيْحَانُ وَزَيْدٌ ابْنَا صُوحَانَ، وَمَحْدُوجٌ».

وروى الفضل بن شاذان الأزدي في كتاب الإيضاح بسنده عن عبدالله بن الحارث قال: سمعتُ أمّ هاني بنت أبي طالب تقول: لقد علم من جرت عليه المواسي من أصحاب رسول الله9 أنَّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان النبيِّ الأميّ، وقد خاب من افترى.

قال ابن الأثير في النهاية: في حديث عمر: كتب أن يقتلوا من جرت عليه المواسي أي من نبتت عانته؛ لأنَّ المواسي إنما تجري على من أنبت، أراد من بلغ الحلم من الكفار.[20]

وما إن انتهى الإمام7 من حرب صفين حتى بعثها وابنها جعدة إلى خراسان كما عن الشعبي قال: بعث عليٌّ7 بعدما رجع من صفين جعدة بن هبيرة المخزومي وأُمّ جعدة أُمّ هاني بنت أبي طالب إلى خراسان، فانتهى إلى أبرشهر، وقد كفروا وامتنعوا، فقدم على عليّ7، فبعث خليد بن قرة اليربوعي، فحاصر أهل نيسابور حتى صالحوه وصالحه أهل مرو.[21]

عطاؤها من بيت المال :

أخرج الشيخ المفيد حديثاً طويلاً؛ مما جاء فيه:

«.. وقال (الإمام عليّ7): أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، ثمَّ ترك التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الإسلام، دخلت عليه أخته أمُّ هاني بنت أبي طالب، فدفع إليها عشرين درهماً، فسألت أمُّ هاني مولاتها العجمية، فقالت: كم دفع إليك أميرالمؤمنين7؟ فقالت: عشرين درهماً.

فانصرفت مسخطة.

فقال لها: انصرفي رحمك الله ما وجدنا في كتاب الله فضلاً لإسماعيل على إسحاق.[22]

أقوال بعض علماء الرجال:

عدّها الشيخ الطوسي من الصحابة، وممن روى عن النبيّ7: أُمُّ هانئ بنت أبي طالب، واسمها فاختة.

قال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال: وجلالة شأنها وعلوّ مقامها غير خفي على الخبير بالآثار والسيّر، ويكفيك منها ما في خبر سليمان بن مهران الأعمش، المروي في كتب الخاصة والعامّة عن النبيّ9 أنّه قال: «ألا أدلكم على خيرالناس عمًّا وعمّةً...»، فإنّ فيه دلالة على ما فوق الثقة والعدالة كما لا يخفى.

أقول: ذكرنا أعلاه رواية حذيفة اليماني، قال: خرج إلينا رسول الله9 يوماً،  وهو حامل الحسن والحسين على عاتقه، فقال: «هذان خير الناس أباً وأُمًّا، أبوهما علي بن أبي طالب أخو رسول الله9 و وزيره و وصيه و ابن عمّه و خليفته من بعده، وسابق رجال العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله، وأمّهما فاطمة بنت رسول الله9 أفضل نساء العالمين.

وهذان خير الناس جدًّا وجدّةً، جدّهما رسول الله9 وجدّتهما خديجة أول من آمن بالله. وهذان خير الناس عمًّا وعمّةً، عمّهما جعفر الطيار في الجنّة، وعمّتهما أُمُّ هاني بنت أبي طالب، ما أشركت بالله طرفة عين»!

معجم رجال الحديث: 15624، أمّ هاني بنت أبي طالب، اسمها فاختة، من أصحاب رسول الله9، رجال الشيخ. 

وعدّها البرقي، ممن روى عن النبيِّ9، وقال: أمّ هاني بنت أبي طالب زوجة النبيّ9.

أقول: نقل السيد الخوئي قول البرقي: زوجة النبيّ9. وهو أمر لم يقل به أحدٌ![23]

بعض ما روته :

ذكروا أنَّ أُمَّ هانئ روت ستًّا وأربعين حديثاً عن النبيِّ9 وروي عنها جمع من الصحابة والتابعين ...

يقول الذهبي: روت أحاديث حدّث عنها حفيدها جعدة، ومولاها أبو صالح باذام، وكريب مولى ابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وعروة بن الزبير وآخرون.

يبدو أنَّ لها حفيداً كما ذكر الذهبي يحمل نفس اسم ابنها جعدة (حدّث عنها حفيدها جعدة)، وإلّا فالذهبي يذكر أنَّ هبيرة أولدها: عمرو بن هبيرة، وجعدة، وهانئاً، ويوسف.

تفسير الطبري: عن أبـي صالـح، عن أمّ هانىء، قالت: سألت النبـيّ9 عن قوله تعالی: (وتَأْتُونَ فِـي نادِيكُمُ الـمُنْكَرَ). قال: كانُوا يَخْذِفُونَ أهْلَ الطَّرِيقِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، فهو الـمنكر الذي كانوا يأتون.

«أو» كانُوا يَجْلِسُونَ بـالطَّرِيقِ، فَـيَخْذِفُونَ أبْناءَ السَّبِـيـلِ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ومنها أنَّ النَّبِيّ9 صلّى ثماني ركعات غداة الفتح في بيتها‏.

وروي أنَّ النبيَّ9 انتبه من نومة في بيت أمِّ هانئ فزعاً، فسألته عن ذلك، فقال: يا أمَّ هانئ إنَّ الله عزَّ وجلَّ عرض عليَّ في منامي القيامة وأهوالها، والجنة ونعيمها، والنار ومافيها وعذابها.

ولها مع  رسول الله9 أنَّها قالت: جلس رسول الله9 عام الفتح، وجلست فاطمة3 على يساره، فأتته الوليدة بشراب فشرب، ثمَّ ناولني فشـربت. فقلتُ: يارسول الله! إني كنتُ صائمة، فكرهتُ أن أردّ سؤرك!

فقال9: «إن كنت تقضين يوماً مكانه، وإن كان تطوعاً، فإن شئت فاقضـي وإن شئت فلا تقضي».

وفي خبر قريب منه، قالت: كنت قاعدة عند النبيّ9 فأتي بشراب فشرب منه، ثم ناولني فشربت منه، فقلت: إني أذنبتُ فاستغفر لي، فقال: «وما ذاك»؟

قالت: كنتُ صائمة فأفطرت.

فقال: «أمن قضاء كنتِ تقضينه»؟

قالت: لا.

قال: «فلا يضرّك».

ابن ماجة: عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: أَتَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ9 فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ فَإِنِّى قَدْ كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ وَبَدَّنْتُ.

فَقَالَ: «كَبِّرِى اللَهَ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَاحْمَدِى اللَهَ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَسَبِّحِى اللَهَ مِائَةَ مَرَّةٍ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ فَرَسٍ مُلْجَمٍ مُسْرَجٍ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَخَيْرٌ مِنْ مِائَةِ بَدَنَةٍ، وَخَيْرٌ مِنْ مِائَةِ رَقَبَةٍ».

ولطالما كان رسول الله9 يأوي إلى دارها، فقد آوى9 إلى دارها قبل هجرته، وروت أول هجرته إلى يثرب، حيث روي عنها، قالت: لما أمر الله تعالى نبيَّه9 بالهجرة، وأنام عليًّا7 على فراشه، وسجاه ببرد حضرمي، ثم خرج، فإذا وجوه قريش على بابه، فأخذ حفنة من تراب، فذرها على رؤوسهم، فلم يشعر به أحد منهم، ودخل على بيتي، فلما أصبح، أقبل عليَّ وقال:

«أبشري ياأمّ هانئ، فهذا جبرئيل7 يخبرني: أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أنجى عليًّا7 من عدوه».

قالت: وخرج رسول الله9 مع جناح الصبح إلى غار ثور، فكان فيه ثلاثاً حتى سكن عنه الطلب، ثمَّ أرسل إلى عليٍّ7، وأمره بأمره وأداء الأمانة!

القندوزي: وأخرج البزار في مسنده عن أُمِّ هانئ بنت أبي طالب، قالت: رجع رسول  الله9 من حجته حتى نزل بغدير خم، ثم قام خطيباً بالهاجرة، فقال:

«أيها الناس، إني أُوشك أن أُدعى فأجيب، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً؛ كتاب الله حبل طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، وعترتي أهل بيتي، أَلا إنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»!

وقد ذكرها العلّامة المجلسي في عداد جمع من النسوة اللواتي روين حديث الغدير حيث قال:

... وهذه أسماء من روى عنهم حديث يوم الغدير ونصّ النبيّ على عليٍّ عليهما الصلاة والسلام والتحية والإكرام بالخلافة، وإظهار ذلك عند الكافة، ومنهم هنّأ بذلك، ... فاطمة بنت رسول الله9، عائشة بنت أبي بكر، أمّ سلمة أمّ المؤمنين، أمّ هانئ بنت أبي طالب، فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، أسماء بنت عميس الخثعمية.

أخرج الطبراني  في الكبير عن عبدالرحمن بن أبي رافع، عن أمِّ هاني بنت أبي طالب7 أنها قالت:

يا رسول الله، إنَّ عمر بن الخطاب لقيني، فقال لي: إنَّ محمداً لا يغني عنك شيئاً.

فغضب رسول الله9 وقام خطيباً، فقال:

ما بال أقوام يزعمون أنَّ شفاعتي لا تنال أهل بيتي، وأنَّ شفاعتي لتنال حاء وحكم (وهما قبيلتان في اليمن بعيدتا النسب من قريش)؟!

وفي خبر آخر أنَّ الكلام كان مع صفية عمّة رسول الله9 ـ  التي خصصنا لها مقالة للعدد القادم من هذه المجلة إن شاء الله تعالى ـ.

إذ توفي لعمّته صفية ولد فعزاها9، فلما خرجت لقيها رجل، فقال لها: إنَّ قرابة محمد لن تغني عنك شيئاً. فبكت حتى سمع رسول الله9 صوتها ففزع من ذلك، فخرج إليها فسألها فأخبرته فغضب فقال:

يا بلال هجر بالصلاة، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وقال:

ما بال أقوام يزعمون أنَّ قرابتي لا تنفع، إنَّ كلَّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي، وإنَّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة؟!

وفاتها :

   اختلف في وقت وفاتها رضوان الله عليها ولم يُحدّد؛ فيُقال: إنَّها توفيت في حياة رسول  الله9، قال به ابن شهر آشوب، وقيل: تُوفيت بعد الأربعين هجرية. ودفنت في البقيع .. وذكرت بعض المصادر أنَّها عاشت إلى ما بعد عليّ7، وهو قول الترمذي وغيره، وآخر قال: عاشت أُمُّ هانئ إلى بعد سنة خمسين، وهو ما ذهب إليه الذهبي. فيما قال ابن حجر العسقلاني: ماتت في خلافة معاوية.[24]

وهناك قول بحضورها يوم عاشوراء واقعة الطف في كربلاء سنة واحد وستين هجرية يوم استشهاد الإمام الحسين7 وأهل بيته وأنصاره رضوان الله عليهم. وأنَّها كانت واحدة من سبايا تلك الواقعة، فكانت في ركب الإمام السجاد7 حين أُخذ هذا الركب إلى الشام، وعاد إلى المدينة، وأنَّها توفيت بعد تلك السنة أي بعد سنة 61 هجرية، ودفنت في البقيع.

بل هناك كلام في أنَّ كلاً من الأُختين، أُمّ هانئ وجُمانة كانتا برفقة الإمام الحسين7 مع من كان من الهاشميين، وشاركتا في نصرته7، أو أنَّ أُمَّ هاني ودّعته لما عزم على الرحيل من المدينة إلى مكة فكربلاء، وأنَّ جُمانة واصلت الرحلة معه حتى استشهاده وكانت مع السبايا..

أقول : فلعلَّ هذا وقع لتشابه في الأسماء، فقد تكون التي حضرت واقعة كربلاء هي أُمُّ هاني بنت علي الهاشميّة. فالشيخ  الطريحي يقول: ثمَّ إنَّ اللعين أمر باحضار السبايا، فاحضروا بين يديه، فلما حضروا عنده، جعل ينظر إليهن ويسأل من هذه ومن هذا؟ فقيل: هذه أُمّ كلثوم الكبرى، وهذه أُمّ كلثوم الصغرى، وهذه صفية وهذه أُمّ هانئ، وهذه رقية بنات عليٍّ7...[25]

وأيضاً هناك بنت للإمام عليٍّ7 اسمها جُمانة، فهي واحدة من بناته7، كما ذكرهنَّ ابن قتيبة في المعارف 1 : 210-211.

ولكن الشيخ الكرباسي يقول: عاشت جُمانة حتى شاهدت معركة الطف بأُمَّ عينيها، واستشهد ابنها عبد الله في تلك المعركة الأليمة، ورجعت مع ركب الإمام زين العابدين7 إلى المدينة. وكانت أُختها أُمّ هانئ (فاختة) قد حضـرت خروج الحسين7 إلى العراق، إلّا أنّها لم تسمع خبر استشهاده حيث توفيت في نهاية عام 60هجرية. ويظهر أنَّ جُمانة توفيت بعد عام 61 هجرية حيث انقطع خبرها ... ولم تفارق أخاها أمير المؤمنين7 ومن بعده ابناه الحسن والحسين8.

والعجيب من الشيخ وهو يذكر هذا في الصفحة 226 إلّا أنه لم يوثق كلامه بدليل، فيما يطالب الشيخ المازندراني بعد صفحة أي في الصفحة 227 بالدليل على قوله عن جمانة بنت عليّ الهاشمية، حينما خالف ابن شهر آشوب الذي عدَّها متوفيةً في زمن أبيها. ففي قول: إنَّها توفيت قبل عام40 هجرية.

فيقول:.. ولكن المازندراني ذكرها في معاليه في عداد من  حضـرن كربلاء... ولكنه لم يوثق كلامه بدليل، وبعد تصريح ابن شهر آشوب المعتمد في نقله، لا يمكن الركون إلى ما ورد في المعالي، ومن هنا فقد أعرضنا عنها، كما أنها ليس لها ذكر في كتب التاريخ والسيرة.

وكذا كان للمازندراني كلام عن أُمّ هاني بنت أبي طالب لم يُوثّقه هو الآخر بدليل كما يأتي.

ثمَّ إنَّ الشيخ الكرباسي يصف ابن شهر آشوب بأنه «المعتمد في نقله» وها هو ابن شهر آشوب يقول: ومات قبل النبيِّ9، خديجة، وأمّ هاني، وزينب بنت خزيمة.

فإن كان يقصد أمَّ هانئ بنت أبي طالب، فهو إذن يذهب إلى وفاتها في حياة النبيِّ9.

فيما الشيخ الكرباسي يُخالف ابن شهر آشوب بقوله عن أمّ هانئ :.. قد حضرت خروج الحسين7 إلى العراق.. ثمَّ قال بوفاتها في المدينة نهاية عام60 هجرية، وقال عنها أيضاً: حيث كان لها ذكر عند خروج الحسين7 إلى العراق، وقد أنشأت بيتين من الشعر، راجع ديوان القرن الأول، 1: 146. وأما بعد رجوع أهل بيت الحسين7 إلى المدينة، لم نجد لها ذكراً...

أقول: وقد راجعتُ هذا الديوان وفيه بيتان من الطويل: 

ما أُمُّ هاني وحدها ساء حالها

خروج حسين عن مدينة جدّه

ولكنما القبر الشريف ومن به

ومنبره يبكون من أجل فقده

وإني لأعجب من الشيخ أن يقول: وقد أنشأت بيتين من الشعر، راجع ديوان القرن الأول 1: 146.

البيتان لفاخته (أمّ هانئ) بنت أبي طالب (القرن الأول) قالتها عندما عادت من توديع ابن أخيها الحسين7 بالمدينة حين أراد تركها.[26] وليس هناك بحسب ما تيسـر لي من يذكر ذلك، إلّا صاحب معالي السبطين1: 214ـ 215، (ت 1384هجرية)، أي وفاته قبل 59سنة تقريباً، وكما ذكر الشيخ نفسه في الهامش: معالي السبطين1: 214، فيستدلّ بما ذكره الشيخ المازندراني في معاليه.

فأي قرن أول هذا؟! 

 ثمَّ إنَّ القول: «كان لها ذكر عند خروج الحسين7 إلى العراق...»، بمعنى أنها شاركت في توديع الإمام الحسين7 لما أراد الرحلة من المدينة إلى مكة فكربلاء، وهذا المعنى كما يبدو آتٍ من قول مضاف من قبل الشيخ المازندراني لِما ورد عن البحار عن كامل الزيارات لابن قولويه في قصة توديعه7، ولم يذكرا أُمَّ هاني، نعم ورد ذكر (وأقبلت بعض عمّاته تبكي).

فبعد أن ينقل الشيخ المازندراني في كتابه معالي السبطين ما ذكره العلّامة المجلسي عن كامل الزيارة: «كامل الزيارة: أبي وجماعة مشايخي، عن سعد، عن محمد بن يحيى المعاذي، عن الحسن بن موسى الأصم، عن عمرو، عن جابر، عن محمد بن علي8، قال: لما همَّ الحسين7 بالشخوص إلى المدينة، أقبلت نساء بني عبدالمطلب، فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهن الحسين7، فقال:

أنشدكن الله، أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله.

قالت له نساء بني عبد المطلب: فلمن نستبقي النياحة والبكاء، فهو عندنا كيوم مات رسول الله9 وعلي وفاطمة ورقية وزينب وأمّ كلثوم، فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت، فيا حبيب الأبرار من أهل القبور، وأقبلت بعض عمّاته تبكي، وتقول:

أشهد يا حسين لقد سمعت الجنَّ ناحت بنوحك، وهم يقولون:

وإنَّ قتيل الطف من آل هاشم

أذلّ رقاباً من قريش فذلت

حبيب رسول الله لم يك فاحشاً

أبانت مصيبتك الأنوف وجلّت

 وقلن أيضاً:

بكوا حسيناً سيداً ولقتله شاب الشعر

ولقتله زلزلتم ولقتله انكسف القمر

واحمرت آفاق السماء من العشية والسحر

وتغيرت شمس البلاد بهم وأظلمت الكور

ذاك ابن فاطمة المصاب به الخلائق والبشر

أورثتنا ذلاً به جدع الأنوف مع الغرر

انتهى ما ذكره العلامة المجلسي عن كامل الزيارات أو الزيارة.

يعقّبه الشيخ المازندراني بكلام لم يسنده إلى دليل (وحتى رأيتُ بعضهم ينقله وكأنّه تابع لكلام ابن قولويه، ولم يكلف نفسه مراجعة ما قاله ابن قولويه)، فيقول: ثمّ إنَّ نساء بني هاشم أقبلن إلى أمِّ هاني عمّة الحسين7 وقلن لها: يا أمَّ هاني أنت جالسة والحسين7 مع عياله عازم على الخروج؟!

فأقبلت أمُّ هاني فلما رآها الحسين7 قال: أما هذه عمّتي أمّ هاني؟

قيل: نعم.

فقال: يا عمّه! ما الذي جاء بك وأنت على هذه الحالة؟

فقالت: وكيف لا آتي، وقد بلغني أنَّ كفيل الأرامل ذاهب عني، ثمَّ إنها انتحبت باكية، وتمثلت بأبيات أبيها أبي طالب7:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

تطوف به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

ثم قالت: سيدي! وأنا متطيرة عليك من هذا المسير؛ لهاتف سمعت البارحة يقول:

وإنَّ قتيـل الطف من آل هـاشم

أذلَّ رقاباً مــن قـريـش فـذلت

حبيـب رسـول الله لم يك فاحشاً

أبانت مصيـبته الأنـوف وجـلّت

فقال لها الحسين7:

«يا عمّه! لا تقولي من قريش، ولكن قولي: أذلَّ رقاب المسلمين فذلت،

ثمَّ قال: يا عمّه! كلّ الذي مقدر فهو كائن لا محالة».

وقال7: «وما هم بقوم يغلبون ابن غالب ولكن بعلم الغيب قد قدر الأمر»، فخرجت أمُّ هاني من عنده باكية، وهي تقول:

وما أمّ هاني وحدها ساء حـالها

خروج حسين عن مدينة جـدّه

ولكنـما القبـر الشريـف ومن به

ومنبـره يبـكون من أجل فقده.[27]

*  وإنَّ قتيل الطف من آل هاشم

أذلَّ رقابــاً مــن قريش مـذلـت

وأُبدل هذا البيت :

وإنَّ قتيل الطف من آل هاشم

أذلَّ رقاب المسلمين فــذلت!

كان هذا البيت صدراً لقصيدة تائية تُعدُّ من أقدم المراثي لسيد الشهداء الحسين7 للشاعر سليمان بن قتة العدوي (المتوفى سنة 126هجرية، من المنقطعين إلى بني هاشم كما وصفه المبرد  المتوفى: 285هـ)، في كتابه الكامل في اللغة والأدب. يُقال: إنَّ سليمان قالها عند زيارته للإمام الحسين7 بعد استشهاده.

وبعض أبياتها تتداخل بأبيات لأبي الرميح الخزاعي، لا أدري فلعلّ سليمان بن قتة سمع بذلك البيت، فافتتح به قصيدته الرثائية لما زار الإمام الحسين7 بعد استشهاده بثلاث، أو لتوارد الأفكار، أو...!![28]

  يقول الشيخ الكرباسي بعد عبارته أعلاه: وأما ما ورد في ذلك: «خرجت أمُّ لقمان بنت عقيل حاسرةً ومعها أترابها وأمُّ هاني ورملة وأسماء»، فإنَّ أبا مخنف أضاف كلمة بنات عليٍّ7 مما رفع الشك كونها أمَّ هانئ بنت أبي طالب. راجع باب السيرة أحداث عام 61 هجرية».

ثمَّ يقول: وهذا يدحض ما قيل بأنها توفيت في عصـر الرسول9 كما في مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1: 110 أو ما قيل بأنها توفيت في عصر معاوية كما في تقريب التهذيب لابن حجر: 620.

ولا أدري أي القولين يدحض ما قاله كلّ من ابن شهر آشوب وابن حجر ..؟

اللهم إلّا أن  يقصد ـ بعد أن فنّد القول الثاني بما ذكره عن أبي مخنف ـ مجموع ما ذكره من أنّها: قد حضرت خروج الحسين7 إلى العراق .. ثمَّ قال بوفاتها في المدينة نهاية عام60هجرية.

أقول: ثمَّ إنَّ بقاءها لحين وفاتها بعد الطف، يجعل عمرها أكثر من مئة عام، ولم يقل بهذا أحدٌ من مؤرخي التاريخ، ولم يكن عمراً متعارفاً في بني هاشم على الأقل، وأمُّ هانئ لا يخفى ذكرها مع هذا العمر الطويل، ... لكن الشيخ الكرباسي لم يستبعد ذلك بقوله: «حيث كان لها ذكر عند خروج الحسين7 إلى العراق، وقد أنشأت بيتين من الشعر، راجع ديوان القرن الأول 1: 146. وأما بعد رجوع أهل بيت الحسين7 إلى المدينة، لم نجد لها ذكراً...».

ثمّ يقول: «وعليه فإنّها تجاوزت المئة إذا صدق الاحتمال بأنَّ ولادتها كانت في 48 قبل الهجرة، وهذا ليس ببعيد، حيث هناك من كانوا في عصرها».

جاء قوله هذا آخر الهامش (3) من الصفحة 42 من معجمه، والتي يقول فيها:

«وهاجرت إلى المدينة، وتوفيت بها في نهاية عام 60 هجرية». ثمّ يذكر في الهامش: «حيث كان لها ذكر عند خروج الحسين7 إلى العراق،...».[29]

أقول: وكلّها لم يأتِ بدليل عليها سوى قوله: «وهذا ليس ببعيد، حيث هناك من كانوا في عصرها»!

ثمَّ إنَّ بقاءها لحين وفاتها بعد الطف يجعل عمرها أكثر من مئة عام، ولم يقل بهذا أحدٌ. ولم يكن عمراً معروفاً في بني هاشم... وإن لم يستبعد الشيخ الكرباسي ذلك بقوله: «وعليه فإنها تجاوزت المئة إذا صدق الاحتمال بأنَّ ولادتها كانت في 48 قبل الهجرة، وهذا ليس ببعيد، حيث هناك من كانوا في عصـرها». جاء قوله هذا آخر الهامش (3) من الصفحة 42 من معجمه، والتي يقول فيها: وكذا ورد ذكرها في كتاب الشيخ المازندراني شجرة طوبى:.. وكفى في فضلها ما قال رسول الله9 لما بين فضائل الحسن والحسين8: «ألا أخبركم بخير الناس عمًّا وعمًّة فهما الحسنان عمّهما جعفر الطيار وعمّتها فاخته أمُّ هاني بنت أبي طالب».. ثمَّ يقول: وبقيت أمُّ هاني إلى أن عزم الحسين7 على الخروج من المدينة، أقبلت إليه، فلما رآها الحسين7 قال: أما هذه عمّتي أمّ هاني؟!

قيل: بلى؛ قال7: «يا عمّة ما الذي جاء بك، وأنت على هذه الحالة»؟!

قالت: وكيف لا أتي وقد بلغني أنَّ كفيل الأرامل ذاهب عني...

وفي كتاب ثمرات الأعواد: لما بلغ خبر الحسين7 إلى الهاشميات ونساء بني عبد  المطلب صرن يأتين إلى دار الحسين7 وينحن ويبكن .. وأقبلن عدّة من الهاشميات إلى عمّة الحسين «أُمّ هاني»، فأخبرنها الخبر، وكانت أُمُّ هانئ  من النساء الجليلات القدر العظيمات الشأن ...

وهذا لا يخلو من كلام، ويكفي أنَّ صاحب كتاب معالي السبطين هو من نقل الخبر دون أن يذكر أي مصدر تاريخي أو روائي استقى منه ما يطرحه!

وبهذا الصدد قد يكون من المناسب هنا أن أنقل كلاماً للشهيد القاضي الطباطبائي حول معالي السبطين يقول فيه: «ولا يمكن ـ بأيّ حال من الأحوال ـ الوثوق بمنقولات معالي السبطين، إلّا في حال ذكر فيها المصادر التي نقل عنها. ولا يمكن تصنيفه ضمن المصادر المعتبرة، ومن ثمّ لا يمكن النقل عنه. وقد كان لي صلة بمؤلّفه المرحوم الحاج محمد المازندراني، وكنّا نتواصل فيما بيننا، وقد جمع في كتابه الغث والسمين مما يحتم على القارئ الوقوف عنده والفصل بين صحيحه وسقيمه.[30]

ومع الأسف أقولها بمرارة هناك كتب في الساحة تخلو من الدقّة العلمية، وترسل بعض الأخبار بلا مصدر وكذا بعض أقوالها بلا دليل، اضطررتُ لذكر هذه الملاحظة، فلعلّها تنفع وتُنبّه القارئ والمستمع العزيز أنَّ علينا جميعاً عدم تبني أي خبر أو قول خالٍ من الدليل، وأن نتوخّي الصحيح ونتبع الدليل!

وأكتفي أيضاً بإحالة القارئ  لما ذكره الشيخ المحمدي الري شهري في الصحيح من مقتل سيد الشهداء وأصحابه: 1: 30 ـ 43، تحت عنوان: «ثانياً: المصادر غير الصالحة للاعتماد ...».

المصادر :

  1. بحار الأنوار، للعلامة المجلسي.
  2. مدينة المعاجز، للسيد هاشم البحراني.
  3. أعيان الشيعة، للسيد محسن الأمين.
  4. كتاب الحسين7، للمقرم.
  5. دائرة المعارف الحسينية، معجم أنصار الحسين (النساء)، محمد صادق محمد الكرباسي، المركز الحسيني للدراسات لندن، المملكة المتحدة.
  6. مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب.
  7. معالي السبطين، للشيخ محمد مهدي الحائري المازندراني (ت 1384هجرية).
  8. شجرة طوبى، للشيخ محمد مهدي الحائري.
  9. ثمرات الأعواد، للسيد علي بن الحسين الهامشي النجفي الخطيب.
  10. الصحيح من مقتل سيد الشهداء وأصحابه:، للشيخ الري شهري.

 

[1]. شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، المتوفى سنة 363 ه   1: 119ـ 120 .

 

[2]. كتاب المحبر ، محمد بن حبيب البغدادي : 406 ، عن الواقدي 1 : 142 .

الطبقات الكبرى ، محمد بن سعد 8 : 48 .

[3]. كتاب المغازي للواقدي 2 : غزوة خيبر 693-694 ؛ الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني 8 : 64 ؛ وذكرها ابن سعد في ترجمة أمِّها فاطمة بنت أسد، وأفردها في باب بنات عمِّ النبيِّ9 .

 

[4]. الدر المنثور في التفسير المأثور، جلال الدين السيوطي 4 : 149 ؛ اسدالغابة، ابن الأثير 5 : 544.

 

[5]. جامع البيان، الطبري 15 : 5 .

 

[6]. بحارالأنوار، العلامة المجلسي 20 : 339 .

 

[7]. انظر السيرة النبوية لابن هشام ؛ تفسير جامع البيان في تفسير القرآن،  للطبري ؛ التبيان  للشيخ الطوسي ؛ تفسير فتح القدير، الشوكاني ؛ مجمع البيان للشيخ الطبرسي ؛ تفسير البرهان في تفسير القرآن، هاشم الحسيني البحراني: الآية.

 

[8]. سورة النساء: 141 .

 

[9]. سورة النساء : 34 .

 

[10]. شرح نهج البلاغة 14 : 69 .

 

[11]. أبو طالب حامي الرسول وناصره، نجم الدين العسكري : 206-207 .

 

[12]. ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري (ت 694هجرية) : 160 .

 

[13]. السيرة النبوية لابن هشام 2 : 478 -479 ؛ البداية والنهاية لابن كثير 3 : 380 .

 

[14]. الطبقات لابن سعد 8 : 151-153 .

 

[15]. انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد10: 79 ـ80 ؛ كتاب المغازي، للواقدي: هبيرة  ؛ السيرة النبوية لابن هشام4 : 876 ـ 877 شعر هبيرة، 3 : 136ـ 139، 280ـ281 .

 

[16]. طبقات فحول الشعراء لابن سلام، محمد بن سلام الجمحي، تحقيق محمود محمد شاكر رقم 352. وفيه: قدنا كنانة من أكناف ذي يمن...

 

[17]. سورة التوبة : 6 .

 

[18]. انظر مقالتنا عن العباس بن عبد المطلب في العدد 54 ـ 55 من هذه المجلة .

 

[19]. جامع البيان في تفسير القرآن، الطبري ؛ مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسـي (ت 548 هـ)؛ كتاب الإرشاد للشيخ المفيد1: 136ـ 138 ؛ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد10: 78 نسب جعدة بن هبيرة ؛ السيرة النبوية لابن هشام4 : 53ـ54 ؛ مجمع الزوائد، الهيثمي6: 175ـ 176.

 

[20]. كتاب الجمل للشيخ المفيد : 397  ؛ تاريخ الطبري 4 : 542 ؛ كتاب الإيضاح، الفضل بن شاذان الأزدي: 83 ـ 84 ؛ كتاب أنوار اليقين، الحسن بن بدرالدين، الجزء الثاني ؛ النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4 : 372 .

 

[21]. تاريخ الطبري 3 : 125 أحداث سنة 37 .

 

[22]. كتاب الاختصاص للشيخ المفيد : 151.

 

[23]. باب من روى عن النبيِّ9 من الصحابة،442، رجال الطوسي: 52 ؛ تنقيح المقال للشيخ المامقاني 3 : 74 ؛ شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، المتوفى سنة 363 هـ  1: 119ـ120؛ معجم رجال الحديث للسيد الخوئي24: 207ـ 208، رقم 15624، أمّ هانئ بنت أبي طالب .

 

[24]. أسد الغابة 7 : 50 ؛ الإصابة في تمييز الصحابة 8 : 64 ؛ مناقب ابن شهر آشوب 1 : 110 ؛ سير أعلام النبلاء للذهبي، أُمُّ هانئ ؛ تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني، رقم 8778 ، أُمّ هانئ .

 

[25]. كتاب المنتخب للطريحي المتوفى (1085هجرية)472ـ473، السبايا في مجلس يزيد. المجلس العاشر.

 

[26]. معجم أنصار الحسين (الهاشميون)1: 42 والهامش3 ؛ معالي السبطين1: 214 ؛ ديوان القرن الأول1: 146 .

 

[27].  انظر بحار الأنوار للعلامة المجلسي45 : 88 عن كامل الزيارة أو الزيارات للشيخ ابن قولويه؛ معالي السبطين، محمد مهدي الحائري المازندراني (ت 1384هجرية)1: 214ـ215 المجلس الثاني من الفصل الرابع.

 

[28]. انظر الكامل 1 : 106 ؛ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين 7 : 308 رقم 1050؛ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج : 121؛ وغيرها.

 

[29]. معجم أنصار الحسين ـ الهاشميّون ـ الجزء الأول، دائرة المعارف الحسينية، محمد صادق محمد الكرباسي :41 ـ 42، والهامش: 3 .

 

[30]. دراسة الأربعين الأولى لسيّد الشهداء7: 382 .