«تعريف بکتاب» طريـق الحجّ الأحسائی(2)

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

المستخلص

نظراً لمنهج مجلة «ميقات الحجّ»، وعنايتها بالشؤون الثقافية والتاريخية والسياسية والاجتماعية للحجّ ودائرته المباركة...، فتحت بابها لا فقط لاستقبال ما يتفضل به الكتّاب، ويبادر به العلماء والمحققون من بحوث ومقالات من أفكار وآراء حول عنايتها المذكورة، وإن لم تكتفِ بانتظار ما تجود به معرفتهم وأناملهم، بل راحت إدارتها تسمع وتقرأ وتلاحق ما يكتب هنا وينشـر أو يُلقى هناك؛ ما دام يصبُّ في دائرتها المعرفية؛ لإعطائه مساحة مناسبة في المجلة، حرصاً منها في إغناء مكتبتها الخاصة وتراثها المعرفي، ومشاركةً منها في نشر ما تصبو إليه من أهداف كبيرة؛ تتمدّد على مساحة واسعة من الحرمين المباركين مكة المكرمة والمسجد النبوي وما حولهما من طرق وأماكن ومواقع.
إنّ هذا الکتاب «طريق الحج الأحسائي» لمؤلفه سماحة الشيخ محمدعلي الحرز ، كتاب جيد لما تتوفّر فيه من أهمية تاريخيّة وفوائد ميدانيّة ومعرفة لحدود هذا الطريق ومعالمه، و قديماً كان هذا طريقاً للحجاج الإيرانيين .
فطوبى لمؤلفه الشريف، الذي تحمّل كثيراً من المعاناة؛ لإيجاد هذا السفر القيّم، نسأله تعالى أن يؤجره أجراً كبيراً، ويؤجر سماحة الشيح حسين الواثقي، الذي اقترح أن يحتلّ هذا الكتاب مكانته في هذه المجلة.

جاء في مقدمة البحث :

«طالما راودتني فکرة التطرّق لموضوع الحج الأحسائي من الناحية التاريخية؛ والتعريف بالعلاقة الکبيرة بين الأحساء وبلاد الحجاز، وأهم الطرق التي يسلکونها في المسير لأداء فريضة الحج، والعقبات التي تواجه الحاج الأحسائي تحديداً من صعوبات ومعوِّقات، حاله حال الکثير من الحجاج في مختلف المنافذ المتجهة إلی مکة المکرمة، نظراً للتغافل الکبير من المهتمين بتاريخ الحج وطرق الحاج، وذلك لصعوبة البحث وندرة المصادر التي تناولت معالم هذه الطرق.

لذا اکتفی معظم الباحثين بتناول الطرق المشهورة والمعروفة؛ مثل الشامي والعراقي والمصري واليمني والعماني وغيرهم، دون تجاوز هذه العتبة خشيةً من وعورة الطريق والبحث في هذه النقطة المعتمة...».

الکلمات المفتاحية :

الدولة الجبريّة ، الموکب العقيلي ، الاستفادة من موسم الحج لجذب العلماء، دولة آل مغامس ، الدولة العثمانية الأولى ، العناية بطريق الأحساء ـ الحجاز ، الحج والصراع العثماني الصفوي. 

* * *

... الدولة الجبريّة (حدود 820 ـ930هـ)، نبذة تاريخية:

يهبّ بعض المؤرخين إلى أنّ نشأة الدولة الجبرية کان خلال العقود الأولى من القرن التاسع الهجري،  ومنهم الدکتور محمد محمود حيث يشير إلى تکوّن الدولة على يد الأمير زامل بن حسين بن جبر، قبل سنة 820هـ، حيث تشير المصادر إلى سيطرتهم على الأحساء قبل هذا التاريخ،[1] وقد استدل على ذلك من خلال کلام ابن حجر في ترجمة إبراهيم بن ناصر بن جروان إذ قال: «إنّ جدّه انتزع الملك من سعيد بن مغامس، وحکم بلاد البحرين کلها»، ثم عندما ذکر ابن حجر، حفيده إبراهيم آخر ولاة بني جروان قال: «عنه صاحب القطيف فقط»، وذلك يعني خروج الأحساء من سيطرة بني جروان في عهد إبراهيم بن ناصر بن جروان الذي ذکر ابن حجر العسقلاني أنه ما زال يحکم عام 820هـ،[2] ثم امتد ملکها إلى القطيف والبحرين ونجد وتهامة، وغيرها من المناطق المحيطة کما سيتضح من خلال السطور التالية. إلّا أن أقدم ذکر للجبريين إلى زامل جد الدولة الجبرية في القرن الثامن، وبالتحديد سنة 785هـ، ففي أحداثه ينقل صاحب کتاب «إتحاف الورى بأخبار أم القرى» الآتي:

«وفيها خرج قريش ابن أخي زامل في ثمانية  آلاف نفس على حاجّ شيراز والبصرة في الحسا. فأخذ ما معهم من اللؤلؤ وغيره وکان مبلغاً عظيماً، وقتلوا منهم خلقاً کثيراً، فرجع ما بقي منهم ماشياً عارياً، وقدم بعضهم إلى مکة صحبة حاجّ بغداد، و جبى قريش المذکور رکب العراق؛ جبى منهم عشـرين ألف دينار عراقية حساباً عن کلّ جمل خمسة دنانير، حتى مکنهم من التوجه إلى مکة».[3]

ومن أقدم ما ذکر عن طريق الحاجّ الأحسائي ما ذکره الفاسي في تاريخه قائلاً: «أنه في سنة ثلاث عشر وثمان مئة أيضاً، لم يحج العراقيون من بغداد بمحمل على العادة، وکانوا قد حجّوا على هذه الصفة ست سنين متوالية، أو لها سنة سبع وثمان مئة، وآخرها سنة اثنتي عشرة وثمان مئة، وسبب بطلان الحج في سنة ثلاث عشـرة وثمان مئة: أنّ فيها خرج الترکماني على بغداد، وقرأ يوسف الترکماني،[4] فقتل السلطان أحمد، وقيل: إنه فقد، واستولى الترکماني على بغداد، ولم يقع منهم عناية بتجهيز الحجاج بمحمل على العادة، ودام انقطاع الحجاج العراقيين من بغداد سنتين بعد سنة ثلاث عشرة وثمان مئة، وحج هذه السنين من عراقي العجم جماعة على الطريق الحسا والقطيف بلا محمل».[5]

الموکب العقيلي:

ويتألف من مجموع الحجيج تحت الإمارة الجبرية وحمايتها، وکان يعدّ من أکبر وأضخم المواکب، حيث يبلغ تعداده عشرات الآلاف في کلّ عام من حُجاج البحرين والعجم والهنود والعمانيين وغيرهم ممن هم تحت الإمارة الجبرية أو من يريد بلوغ الحج تحت حمايتها مقابل مبلغ مالي، لما يتخلل طريق الحج من قُطّاع الطرق الذين لايتورّعون عن قتل الحجاج وسلبهم.

لذا کان لهذا الموکب هيبة وعظمة يلحظها أهل مکة عند دخولهم، ففي سنة 814هـ، صَاحَبَ الموکبَ العقيلي حجاجٌ قادمون من شيراز بغرض الحماية ولم يحج العراقيون، وحجّ من العراق أناس قليل من شيراز وغيرها عن طريق الحسا والقطيف.[6]

وهذا يؤکد وجود الموکب العقيلي في الأحساء قبل تکوّن الدولة العقیلية، في إشارة لوجود سلطة لديهم وقوة جعلتهم الجهة البارزة في الأحساء، فبرغم المنعة التي کان يتمتّع بها الرکب والقافلة العقيلية للحج فإنّ رحلاتها لم تخلُ من بعض الهزائم والعقبات أمام قُطّاع الطرق.

ففي سنة 830هـ توجّه الرکب العقيلي نحو الديار المقدسة قاصدين الحج، والتحق بهم بعض حاج العراق کان منهم السيد على بن حسن بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي الحسيني، وأخوه السيد أحمد بن حسن، وکانا قد ذهبا إلى العراق للدراسة الدينية، فبلغهما وفاة والدهما فأتيا إلى مکة المکرمة مع الرکب العقيلي، وقد نهب جميع ما کان لديهم من مال، ومن لطف الله تمکنهم من بلوغ الديار المقدسة قبل موسم الحج فترة وجيزة.[7]

وهذا يبيّن مدى المعاناة التي يعانيها الحاج الأحسائي من قُطّاع الطرق في طريق الحج، مما يجعل الذهاب للحج مسألة لا تخلو من مجازفة، جعل الکثيرين يکتب وصيته قبل ذهابه لعدم وثوقه من الرجوع سالماً إلى وطنه مرة أخرى،  وکذلك نجد جانب التبکير في قوافل الحجيج بأکثر من شهر علماً أنَّ الرحلة من الأحساء في الحالات العادية تستغرق بين أربع وعشرين يوماً إلى شهر تبعاً لاختلاف الطريق وتعرجاته.

کما نجد في تعدّد المرافقين من الأقطار المختلفة إشارة بکون قافلة الحج الأحسائي يلتحق بها أعداد غفيرة وکبيرة من حجاج العراق وإيران، قادمين إليها عن طريق البحر رغبة في الحماية والمنعة،  وذلك لما لحِق الطريق من صيت سيء ترکه بعض البداة وقُطّاع الطرق، يتمثّل في الرعب والذعر الذي يبثّونه في قوافل حجاج بيت الله الحرام.

التصدي لقُطّاع الطرق:

ومن صور الاهتمام والعناية بطريق الحاج إلى أن أصبح من أولويات الدول المتعاقبة على الأحساء، ومحل عنايتها واهتمامها شنّ الهجمات على قُطّاع الطرق بغرض کسر شوکتهم وغرس الطمأنينة والأمان بين الحجيج، فقد شنَّ الجبريون بين سنتي 851 ـ 929هـ، اتجاه قبائل الدواسر المشاغبة والفضول، وذلك لتعديهم المتکرر على القوافل التجارية السالکة منطقة بوادي الأحساء والقطيف وطريق التجارة الواقع على إقليم نجد خاصة الواصل إلى بلاد الحجاز «طريق الحجيج» نظراً لأهميته لقوافل الحجيج، وذلك لأن الجبور کانوا يعتمدون اعتماداً رئيسياً في اقتصاد دولتهم على التجارة وتأمين طريقها مثلهم في ذلك مثل الدولة العصفورية.[8]

ومظهر آخر للدلالة على ما أعطته الدولة الجبرية من أهمية قصوی لطريق الحاج الأحسائي والاهتمام بأمنه وأمانه وقطع دابر قُطّاع الطرق بالخروج في مواکب عظيمة تبلغ الآلاف من الحجاج والعسکر في منظر يثير الرعب في نفوس من تسوّل له نفسه التعرّض للحجّاج في الطريق، إضافة إلى الخروج بأنفسهم لقيادة الحجيج، يقول الحميدان في دراسته عن الدولة الجبرية:

«وقد حرص أمراء الجبور على تأمين هذا الطريق ـ طريق الحاجّ ـ وما قيام أمرائهم شخصياً بقيادة قوافل الحجيج إلّا تعبيراً عن حرصهم على سلامة هذا الطريق الحيوي، وإذا ما عرفنا بأنَّ قوافل الحجيج کان يرافقها عدد غير قليل من المحاربين لحراستها أدرکنا أنَّ أمراء الجبور کانوا في الواقع يقومون عند مرافقة قافلة الحج مظاهرة عسکرية لزرع الخوف في نفوس معارضيهم من رؤساء القبائل المختلفة، إضافة إلى کسب الأصدقاء».[9]

وهذا يخلق تصوّراً عن أبعاد حماية الحاج وتأمين الطريق من آثار تنعکس على أداء الدولة الجبرية، سواء على الجانب السياسي بخلق قوة رادعة للمعتدين و إثبات هيمنة الدولة.

ومن جهة أخرى هو نوع من الاستثمار الاقتصادي والمالي لأنّ هذه القوافل المنضوية تحت لواء الجبور يدفعون مقابل مالي للأمير الجبري ليُؤمن لهم الحماية والوصول إلى الديار المقدسة، کما ساهم بدرجة کبيرة في کسبهم الکثير من الأصدقاء في المناطق المجاورة ومحاولة کسب ودّهم ورضاهم لقاء ما يقدموه لشعوبهم من حماية ومنعة.

أبرز الحکّام الجبريين:

خلال عملية تتبّع المسار التاريخي للدولة الجبرية وما صاحبها من إرهاصات سياسية محليّة وإقليميّة انعکست سلباً وإيجاباً على سلطة الحکم الجبري خلال أکثر من قرنٍ من الزمان (820هـ إلى 930هـ) تبرز لنا أسماء شاخصة من أمراء الدولة کانت لهم سطوةً وحظوة نظير ما حدث في عهودهم من أحداث مفصليّة ووقائع هامة.

من تلك الأسماء الشاخصة ما يلي:

الأمير زامل بن حسين بن جبر (820 ـ 866هـ)

حرصت الدولة الجبرية منذ تأسيسها على يد زعيمها الأول الأمير زامل بن حسين على تأمين طريق الحاج والقوافل التجارية التي تسير عن طريق أراضيها إلى نجد، وذلك عبر النيل من القبائل النجدية التي تعترض طريق القوافل التجارية ورکب الحجاج إلى بيت  الله الحرام، وقد شنَّ لذلك حملات متعددة على نجد منها سنة 851هـ، يقول ابن بسام:

«وفي سنة 851هـ، غزا زامل بن جبر العامري ملك الأحساء والقطيف، ومعه جنود عظيمة من البادية والحاضرة وقصد الخرج وصبح الدواسر، وعايذ على الخرج، وحصل بينهم قتال شديد قتل فيه عدّة رجال من الفريقين، ثم سارت الهزيمة  على الدواسر وعايذ واستولى زامل على محلتهم وأغنامهم وإبلهم وأقام في الخرج نحو عشرين يوماً ثم قفل عائداً إلى وطنه».[10]

وکانت له حملة على نجد سنة 855هـ، ثم أتبعها بحملة قوية وشرسة سنة 866هـ، أخضع خلالها القبائل النجدية التي کانت تعترض طريق القوافل الحجاج على حدٍ سواء، والتي کانت تتخذ الحجّاج والعابرين مغنماً للکسب غير المشروع.

هذا الأمر يقودنا إلى إدراك أنّ بني جبر کان لهم اهتمام بجانبين:

الجانب الديني: ويتمثل في الحج الذي هو من أرکان الدين و شعيرة عبادية عظيمة حثت النصوص على أدائهما، لذا ينبغي ردع کلّ من يحاول أو تسول له نفسه التعرض لحجاج بيت الله الحرام بالسوء.

الجانب الاقتصادي: باعتباره مصدر تمويل الدولة وقوتها وعزتها أمام الأعداء، وأنها دولة تحمل فکراً اقتصادياً وتجارياً مترامي الأطراف.

لذا أولت الدولة الجبرية الحج منذ نشأتها اهتماماًخاصّاً بحيث کان أمرائها يشارکون موکب الحجيج في کلّ عام في أعدادکبيرة من الحجاج والجند، مما يعطي موکبهم هيبة عظيمة أمام الناظرين.

ورغم أنّ الموکب الجبري هو لأجل الحج إلّا أنه کان يُستثمر لأغراض اقتصادية، وذلك بأن يلتحق به من غير الحجاج ممن له رغبة بالسفر عبر ميناء العقير إلى مملکة هرمز و برّ فارس، فقد التحق برکب قافلة الحج السيد أحمد بن حسن بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي الحسيني (ت842هـ) من أسرة أمراء المدينة المنورة، آخر سنة 822هـ، مع قافلة الحج الجبري فبلغ هرموز،[11] وعاد بغير طائل بعد خسارة تجارته، ثم ليعاود الکرّة بعدها بعدة أعوام، وجعل وجهته إلى العراق هو وأخوه علي، مستفيداً من صحبة حجاج العراق العابرين من طريق الأحساء، وجنيا مالاً جزيلاً، وفي طريق العودة في موسم الحج سنة 830هـ، تعرّضت قافلتهم للنهب والسلب وفقدا جميع ما اکتسباه من أموال.[12]

وهنا ندرك الثقة التي يوليها الشريف حسن بن عجلان أمير مکة آنذاك في الرکب الجبري لما يتمتع به من حماية، ثم إنّ عودته کانت عن طريق نفس القافلة في موسم الحج الآخر سنة 823هـ، مما يوحي بأنّ عودته ارتبطت بالقافلة الجبرية لما يتضمنه الطريق من مخاطر.

ومن اللافت الإشارة إلى أنّ المؤرخ السخاوي في تاريخه «الضوء اللامع» يؤرخ في حوادث سنة 823هـ، فيقول:

«إنّ قافله بني عقيل [الجبري] قد غادرت الحجاز بعد انتهاء موسم الحج عائدة إلى بلاد البحرين»،[13] مما يؤکد أهمية  الموکب الجبري في موسم الحج، حتى أنّ السخاوي يؤرخ خروجه من مکة، في إشارة لما لهذا الموکب من منظر مهيب ومکانة في مکة بحيث يکتب عنه.

کما تمثلّ هذه الجموع الغفيرة مع الحج الجبري کنوع من الحرص على تأمين الطريق من القبائل التي تُغِير على طريق القوافل التجارية، ودليل على القيمة المالية التي تحملها تلك القوافل وقيمة بضائعها، واعتبارها مصدر رئيسي من المصادر التي تعزز اقتصاد سلطنة الجبور ببلاد البحرين.[14]

ورغم ما يتخذه الرکب العقيلي من احتياطات من أجل الحفاظ على سلامة الحاج، عبر اصطحاب أعداد کبيرة من الجند والعتاد، فإنّ هذا لا يجعله محصّناًً من الاعتداءات ومحاولات السرقة  التي تفلح تارة وتعود خاسرة تارة أخرى، وذلك أنّ الحاج على طوال التاريخ کان محل أطماع وجشع عُبَّاد المال الذين لا يتورّعون عن النيل من الحجاج وسلبهم أموالهم دون أي شفقة أو رحمة.

ولم يکن أهل الحجاز في منأى من ذلك، ففي عام 828هـ تعرّض حاج الجبور للنهب والسلب، فقد خرج عليهم السيد زهير الحسيني،[15] وأخذ أموالهم وجمالهم، وکان مع هؤلاء الحاج قاضي مکة سراج الدين الحنبلي، وکان قد وصل من بلاد العجم.[16]

فقوافل الحجيج القادمة عبر ميناء العقير من الأعاجم والهنود وحجاج العراق لم تنقطع من السير على طريق الحاج الأحسائي طوال تاريخ لما يتمتع به من قرب عن غيره، وربما يکون أکثر أماناً في بعض الأحيان، من طريق الحاج العراقي الذي اعتاد سلوکه حجاج إيران في الغالب.

والجدير بالإشارة أنّ زامل استطاع خلال رحلاته إلى مکة المکرمة أن يخلق علاقة طيبة  وقوية مع أمير مکة السيد برکات،[17] جعلته يولي عناية خاصة برکبهم ويکون ناصراً لهم حين شدّتهم.

ففي حوادث سنة 853هـ، خرج السيد برکات في اليوم الثاني من جمادی الآخرة نحو الشرق لغزو عرب نهبوا حاج البحرين في السنة التي قبل هذه السنة، ثم وصل العلم إلى مکة المشرّفة  في عصر يوم السبت سادس من شهر رجب بأنه ظفر بهم وغنم أموالهم.[18]

وهو إشارة  في أنّ الخبر وصله متأخراً فلم يرضه الأمر إلّا أن يشارك في الأخذ بحق الحاج منهم، واعتبر نفسه شريکاً في مسؤولية نحوهم.

وهذا ما يفسّر أيضاً مع ما ذکرناه من حرص الأمير زامل بن حسين على تأديب البدو التي کانت تعترض طريق الحجّاج فتلحق بهم الأذى والضرر وهم في طريقهم إلى الديار المقدسة.

أجود بن زامل (875 ـ 911 هـ)

أجود بن زامل بن سيف الْعقيليّ الجبري العامري القيسي، نسبة لجدٍّ له اسمه جبر ولذا يقال له ولطائفته بَنو جبر النجدي الأصل المالکي مولده ببادية الحسا والقطيف، في رمضان سنة 821هـ، وهو أول من ملك الأحساء من آل جبر. ويعدّ من أهمّ رجالات الدولة الجبرية، وقد اتسعت الدولة الجبرية فشملت الأحساء والبحرين وعمان وبلاد نجد، وکان مالکي المذهب.

وقد قامت دولته على أنقاض دولة هرمز التي کانت حاکمة للأحساء والقطيف والبحرين،[19] وعرف برئيس نجد وسلطان البحرين والحسا والقطيف.[20]

وفي عهده أولى موضوع الحج ورکب الحاج وأمنهم وأمانهم اهتماماً بالغاً ولافتاً في حينه، والذي تمثّل في تأمين طريق الحاج والتصدّي لقُطّاع الطرق، واستقبال قوافل الحجيج السائرين عبر طريق الأحساء إلى الديار المقدسة، مما أکسبه شهرة واسعة و رضاً لدى أمراء و رؤساء الدول وأتباعهم، لذا نجد في مراسلاتهم له کلمات التعظيم و التفخيم والإجلال، حيث کان يخرج بنفسه مع القافلة في أعداد غفيرة من الجند والحرس مما يشعر الحاج بالراحة النفسية والطمأنينة:

ففي رسالة  للمؤرخ الهندي (نمديهي) إلى الأمير أجود على لسان وزير الدولة البهمنية في الهند قال فيها: «إلى الشيخ أجود المعروف بابن جبر... بعد حمد الله والصلاة على نبيّه، فتشريف التسليمات الطيبات ونفائس التحيات الزکيات، على الملك الأعظم الأکرم الأمير الأفخم الأقدم، مالك البرّ واليمّ، حامي العرب والعجم، ومبارز معارك الشجعان، کرّار المصاف بالسيف والسنان، وأعدل ملوك الأطراف والأقطار، وأشجع ولاة الأزمان والأعصار، مفتخر حجاج بيت الله الحرام».[21]

ومن جانب آخر من الرسالة يقول: «قدوة زوّار النبي9، المخصص بعواطف العلي الصمد، ملك ملوك العرب سلطان أجود».[22]

إلى أن يختم الرسالة بالدعاء للأمير أجود بقوله: «ربّ کما وفقته بحماية أهل المدر والوبر اجعل طول عمره إلى يوم الحشر، بمحمد وحيدر».[23]

فمن خلال الرسالة نجد الإشارة إلى دور الأمير أجود في حماية الحجاج وتسهيل تنقلهم بين مکة والمدينة، وأنّ الأحساء من طرق الحاج الهندي، لذا أشار لهذه السمة التي لمسها الحجاج الهنود في مرافقتهم للحج العقيلي المنطلق من الأحساء، کما يستفاد منها مکانة الأمير أجود عندما لقبه «ملك ملوك العرب».

ومن الأمور التي أکّدها السخاوي في سيرة أجود وکيفية خروجه إلى الحج أنه ممن يحج في کلّ عام، ويخرج في أعداد کبيرة يبلغون الآلاف في رحلة  مليئة بالعطاء والتصدّق علی الفقراء والمحتاجين،[24] مما يرغب في المسير في رکبه وصحبته.

وقد حرص الأمير أجود بن زامل منذ تولّيه السلطة في البحرين على الذهاب إلى الحج في کلّ عام ضمن موکب کبير، ففي سنة 876هـ ذهب إلى الحج، وکان معه أعداد کثيرة جدّاً،[25] مما لفت نظر ابن فهد مؤرخ مکة  ليشير لهذا الموکب وکثرة مرافقيه.[26]

وفي هذا إشارة إلى حرص الأمير أجود على الخروج بأعداد کبيرة من جيشه إلى الحج في موکب ضخم، إضافةً إلى الحجيج التي تأتي برفقته من مختلف مناطق البحرين واليمامة، والمناطق المحيطة بها، والقادمين عن طريق ميناء العقير من حجاج الهند وفارس وغيرها، کما أشرنا سابقاً.

فقد تولّى إمارة الحاج للرکب الأحسائي في عهده، وکان يحجّ في رکبٍ عظيم، يشمل جميع المناطق الخاضعة تحت سلطته، إضافة إلى الحاج في المناطق المجاورة، وقد ذکر التاريخ بعض من تلك المشاهد:

يذکر صاحب أخبار الحاج في أحداث سنة 893هـ ما نصه: «وحجّ الأمير أجود بن زامل، أمير بني جبر، في نحو خمسة عشر ألفاً من الرجال، ونزل في المُنحنا قرب حراء».[27]

ويفسّر السرَّ وراء هذا العدد من المرافقين في الرکب الأحسائي في الحج الدکتور محمد محمود بقوله:

«والحقيقة أنّ سلاطين الجبور حرصوا على تأمين طرق التجارة في بلاد البحرين ونجد، وکان سلاطينهم يقومون بقيادة قوافل الحجيج شخصياً يعدّ تعبيراً صريحاً على حرصهم على سلامة ذلك الطريق الحيوي، والدليل على ذلك أنه في عام 893هـ خرجت حملة بقيادة السلطان أجود ضد الدواسر، کما سبق ذکره في واحة الخرج لإخضاعهم، وقد ذکر المؤرخون أنّ السلطان أجود قد قام بالحج في تلك السنة.

ونستنتج من خروج السلطان أجود وتوجهه لتأديب قبيلة الدواسر التي ربما خرجت لتهديد قوافل الحجيج المتوجهة إلى مکة، لذا لازم السلطان أجود تلك القوافل العابرة لطريق الحجاز والذاهبة إلى مکة وحتى يؤمنها من تعدي القبائل النجدية الأخرى إذا کان طريق قوافل الحجيج يعبر منطقة نجد إلى مکة».[28]

أما في سنة 896هـ فإنَّ الحاج الأحسائي لم يحج، ولم يأتِ إلى الديار المقدسة في مکة المکرّمة، يقول الجزيري:

«ولم يحج في هذا العام رکب العراقيين، ولا الأروام،[29] ولا المغاربة، ولا بني جبر، ولا عُقيل»،[30] ويعني رکب الحاج الجبري المنطلق من الأحساء، ولم نقف على الأسباب والدواع حسب تتبعنا في المصادر، مع احتمالية.

والشيء المؤکد أنّ الدولة الجبرية بعد عهد أجود وفي عهد زامل وصل نفوذها إلى منطقة الحجاز، وأصبح أمن مکة والبيت الحرام من أمنها، لذا أي اعتداء على مکة المکرمة هو تعدي على حقّها ومکانتها،  هذا ناهيك أنها ربطتها بأشراف مکة علاقة حسنة ووثيقة جعلتهم محل استعانة، ففي حوادث سنة 911هـ يذکر ابن فرج في کتابه «السلاح والعدّة في تاريخ بندر جدّة» الآتي:

«وصل إلى مکة سلطان البحرين والحسي (الحسا) والقطيف، محمد بن أجود بن جبر،[31] في طائفة من عسکره، وکانت عدتهم خمسين ألفاً بحيث ملأوا السهل والوعد، وکان وصولهم بمکاتبةٍ من المرحوم مولانا السيد برکات بن محمد (شريف مکة)، لقتال أهل الفساد والزيغ المعتاد، ووجدوا العسکر المصري (عساکر سلطنة المماليك بمصر). ثم طافوا بالبيت وتحلّلوا من الإحرام ورجعوا إلى بلادهم (بلاد البحرين)».[32]

والجدير بالذکر أنّ أهل الفساد الذين ذکرهم، هم بنو إبراهيم من أهل ينبع وزبيد ومن تبعهم، خرجوا على الطاعة وهاجموا مکّة وجدّة.[33]

وهذا يکشف مدى العلاقة القوية بين أشراف مکة المکرمة والدولة الجبرية والتي جعلتهم محل ثقة والاطمئنان لدى الشـريف «برکات» رغم البعد الکبير بين البحرين دولة الجبور، ومکة المکرمة ولکنه کان يجد فيهم العون والصديق.

وقد أشار السخاوي على مسألة مهمّة ولافتة عندما قال:

«إنَّ السلطان أجود أکثر من الحج في أتباعٍ کثيرين يبلغون آلافاً مصاحباً للتصدّق والبذل وغيره».[34]

فهو يوضّح عدة  أمور، أهمها:

ـ إن السلطان أجود کان کثير القدوم إلى الحج.

ـ إنه يأتي في أتباع کثيرين، وکما أشرنا سابقاً أنَّ هذا العدد يتکوّن من ثلاث فئات:

  1. الفئة الأولى: الحجاج من أهل المنطقة من الأحساء والمناطق المحيطة بها.
  2. الفئة الثانية: الجند الذين يأتون لحماية الموکب الملکي ولحماية الحاج وإدخال الرعب في قلوب المعتدين.
  3. الفئة الثالثة: من يأتون إلى الحج من خارج الجزيرة العربية من إيران والهند وغيرها من أجل الحج من الطريق الأحسائي.

وقد أشرنا فيما تقدّم من کلام أنّ الحجاج الإيرانيين کانت أعداد منهم تأتي من طريق الحج الأحسائي لما يتميّز به عن غيره بالأمن، وقرب المسافة قياساً لطريق الحاج الشامي مما أعطى الأمير أجود مکانة عظيمة في النفوس.

يقول المؤرخ نمديهي في خطابه إلى الأمير أجود:

«أشجع ولاة الأزمان والأعصار، مفتخر حجاج بيت الله الحرام، قدوة زوّار النبي9، المخصوص بعواطف العلي الصمد، ملك ملوك العرب، سلطان أجود».[35]

إنَّ الموکب ضمن برامجه بذل العطايا والهبات للحجاج والفقراء ممن يردون إلى مکة لحج بيت الله الحرام.

الاستفادة من موسم الحج لجذب العلماء:

أولى الأمير أجود بن زامل الجانب الديني في الأحساء اهتماماً قوياً يتماشی مع الخط الفکري والديني الذي ينتمي إليه، ونذکر هنا عدداً من الشواهد على ذلك:

ـ سعيه إلى ترويج التعليم بإغراء عدد من العلماء البارزين للعمل في بلاده، فمن ضمن برنامجه أثناء أداء الحج اللقاء بالعلماء وبعد التعارف والنقاش والحوار يدعوهم إلى زيارة الأحساء والإقامة فيها والتدريس والقيام بالمهام الدينية بعضهم ينتمي للمذهب الشافعي.

ـ عمل من خلال هؤلاء العلماء للترويج للمذهب المالکي، ومنهم علماء بلاد المغرب العربي، ولما کان الجبور يتمذهبون بالمذهب المالکي فقد سعی إلى نشر المذهب وترويجه بواسطة عدد من الأعلام في بلاد البحرين. فمن هؤلاء الأعلام الذين نزلوا إلى البحرين بصحبة أجود بن زامل:

1ـ الشيخ خليفة بن عبدالرحمن بن سلامة البجائي المالکي، وهو من العلماء الصلحاء في المدينة المنورة، ومن الأساتذة للدروس اللغوية والدينية درس على يديه العلامة السخاوي، الألفية، وأخذ على يديه الکثير من أعلام المدينة، وأجاز بعض تلامذته، سافر مع بني جبر مطلوباً ليقيم عندهم في الأحساء، مدرّساً أو قاضياً،[36] يقول الدکتور القريني: «ولا نعرف بالتحديد مدة إقامته في الأحساء، إلّا أنه هناك وثيقة محلية تعود لسنة 900هـ، تشير إلى أنّ الشيخ خليفة أحد الشهود على هبة الأشخاص قبل عشرين عاماً من تدوينها،  مما يعني إن إقامته في الأحساء کانت طويلة».[37]

2ـ القاضي جمال الدين عبد الله بن فارس بن أحمد الجمال التازي البرنوسي، قدم إلى مصر وأخذ على أعلامها، ثم اتجه إلى مکة المکرمة واستقام فيها حقبة يسيرة، ثم التقى بالأمير أجود بن زامل عام 876هـ أثناء أداء الحج، وصحبه وأقام عندهم خمسة عشر عاماً، وحجّ بمعيته سنة 893هـ، فاعتلّت صحته وانتقل إلى جوار ربّه في مکة المکرمة بعد أداء المناسك في شهر محرم سنة 894هـ،[38] ترك ابناً من العلماء، وکان خيّراً صالحاً، من مصنفاته: شرح المختصـر (مختصر خليل بن إسحاق) في الفقه المالکي،  وکان الشيخ عبد الله بن فارس أثناء وجوده في الأحساء عالماً مميزاً استطاع أن يثري الساحة بمحاضراته ومناظراته ومؤلفاته، ومن ضمنها رسالته العلمية التي ناقش بها المذهب الإمامي الإثني عشري، وحاور رجاله بأدب الحوار العلمي.[39]

ويستنتج من ذلك شيئان:

ـ الأول: إنَّ السلطان أجود بن زامل ذهب للحج في عام 876هـ، وعام 893هـ أيضاً مما يدلّ على کثرة أدائه لفريضة الحج.

ـ الثاني:  إنَّ «أجود» کان يذهب لاختيار الفقهاء والعلماء الدينيين بغرض الذهاب بهم لبلاد البحرين، وذلك حتى يفقّهوا أهلها في دين الله الحنيف خاصة على المذهب المالکي الذي اعتنقه سلاطين الجبور بخلاف سابقيهم من العيونيين والعصفوريين وبني جروان الذين تمسکوا بالمذهب الشيعي.[40]

3ـ الشيخ حسن بن عمر بن الزين بن عبد العزيز بن عبد الواحد الأنصاري المغربي الأصل، المدني المکي، وهو من تلامذة الشيخ السخاوي، ولد سنة 847هـ، وتلقى علومه في المدينة المنورة ومکة المکرمة، قال السخاوي: «ودخل هجر والبحرين بلاد بني جبر لصحبة بينهما».[41]

4ـ الشيخ نصر الله الجعفري الطيار وذريته،  فقد قدم إلى الأحساء من المدينة المنورة في عام 901هـ، وصحبه الشيخ على بن محمد بن أحمد جد أسرة آل عبدالقادر في سنة واحدة، وکان قدومهما بطلب من أمير الأحساء أجود بن زامل الجبري وبمشورة من السمهودي صاحب کتاب «وفاء الوفاء في أخبار دارالمصطفى» حيث کان السمهودي صديقاً للأمير أجود، وهو الذي کان يفرّق صدقاته ومبرّاته في الحرمين الشريفين.[42]

5ـ الشيخ علي بن محمد آل عبد القادر بن أحمد بن عبد الله آل عبد القادر الأنصاري الشافعي، من أعلام المدينة أواخر القرن التاسع الهجري، من ذرية أبي أيوب الأنصاري، طلب منه السلطان أجود بن زامل القدوم إلى الأحساء، وممارسة نشاطة الديني فيها، فسکن مدينة المبرز حي السياسب، ولا زالت ذريته تتخذها مسکناً لها، وهم من البيوت العلمية فيها.[43]

ومما لا شك فيه فإنَّ وجود مثل هذه النخبة العلمية من الرعيل الأول ساهم بشکلٍ کبير ومباشر في تنشيط الحراك العلمي في الأحساء ودفعه للأمام، والذي تمثّل في القيام بعلمية الدرس والتدريس والبحث والتأليف والتصنيف على مختلف المذاهب الإسلاميّة، مضافاً لما تزخر به الأحساء آنذاك من علماء أفذاذ لا يشقّ لهم غبار في الفقاهة والعلوم الدينية الأخرى.

نهاية عهد أجود:  

من الراجح أنّ وفاة الأمير أجود بن زامل سنة 911هـ أو بعدها بشهور، فقد حجّ في تلك السنة بجمعٍ يزيدون على ثلاثين ألف حاج.[44]

الأمير محمد بن أجود بن زامل:

فقد أثير أکثر من رأي عمن کان أميراً وقائداً للموکب الجبري عام 912هـ لحج بيت الله الحرام، هل هو الأمير أجود بن زامل أم ابنه الأمير محمد بن أجود بن زامل؟

ـ الرأي الأول: الأمير أجود هو أمير الحاج:

يقول الجزيري ومع سنة 912هـ، کان رکب الحج الأحسائي بقيادة الأمير أجود بن زامل کبير جدّاً، فقد بلغ الحاج الذي معه لهذا العام ما يربوا على ثلاثين ألفاً،[45] وهم بلا شك من داخل الأحساء وخارجها ممن يسلکون درب الحاج الأحسائي.

ويقول الفاخري في تاريخه: «وفي سنة 912هـ، حجّ أجود بن زامل رئيس الأحساء في جمع عظيم يقال: أنهم يزيدون على ثلاثين ألفاً».[46]

وتبعهم على هذا الرأي عدد من المؤرخين کابن بشر في تاريخه، وابن عيسي وابن بسام من مورخي نجد.

ـ الرأي الآخر: الأمير محمد بن أجود:

إنّ الذي زعم الحج في هذه السنة هو الأمير محمد بن أجود بن زامل بعد وفاة والده وتوليه السلطة بعده، ويميل إلى هذا الرأي الدکتور عبد اللطيف الحميدان وقد ساق لکلامه عدداً من الأدلة: [47]

أولاً: ما نقله حمد الجاسر في هامش تاريخ ابن عيسي «عن العصامي قوله: بأنّ محمد بن أجود قد حجّ عام 912هـ، في يوم الثلاثاء سابع من ذي الحجة»، ويشير ابن فهد قوله: «وفي هذا اليوم أو ثانيه وصل الشيخ محمد بن أجود بن زامل وولده وابن أخيه مقرن بن زامل وابن عم أبيه صالح وغيرهم من أهلهم وجماعتهم وهم فيها نحو الثلاثين ألفاً أو خمسين أو ستين أو مئة والله أعلم من جهة المدينة».[48]

ثانياً: أنّ المؤرّخ الشيخ حمد الجاسر قد نقل لنا إفادةً عن کلٍّ من ابن فرج (ت1010هـ) وابن فهد المکي (850ـ921هـ) ـ وهما مؤرخان حجازيان عارفان بأحداث الحجاز وقريبان من موقع حدوثها ومعاصران ويصعب تخطأتهما ـ بأنَّ الأمير محمد ابن أجود الذي کان سلطان البحرين والحسا والقطيف قد حضر إلى مکة خلال موسم حج عام 912هـ.

ثالثاً: إننا لو افترضنا جدلاً صحة التاريخ الذي أورده العصامي والذي ينص على قيام الأمير أجود بن زامل بالحج عام 911هـ/1506م، فإنَّ معنى ذلك أنه قاد قافلة الحج وله من العمر تسعون عاماً أو يزيد،  إذ إنَّه قد ولد في رمضان 821هـ، وهذا أمر يصعب قبوله نظراً لعدم قدرة من في مثل سنه على تحمّل هذا العبء، بالرغم من تصوّرنا بأنّ هناك من يعينه على هذه المهمة.

وعلينا أن نتذکر بأنَّ موسم الحج لذلك العام کان يقع في فصل الصيف، فکيف يمکن لرجل مسنٍّ أن يقطع رحلة الحج الطويلة ذهاباً وإياباً في هجير الصيف وهو يحمل أعباء هذه السنين والمسؤوليات الکبيرة.

فعليه ومهما يکن من أمر فإنَّ هذه النقطة تجعلنا أيضاً نستبعد أن يکون الشيخ أجود على قيد الحياة حتى ذلك التاريخ.

لهذا ـ وبناءً على هذا الکلام ـ يمکن لنا أن نستشفّ بأنّ إمارة الحج في سنة 912هـ کانت للأمير محمد بن أجود بن زامل العامري،  وفقاً لرأي الحميدان.

ولعل الرأي الثاني أرجح وأکثر واقعية لوجود شخصيتين معاصرتين تذهبان إلى أنّ القادم إلى الديار المقدسة هو محمد بن أجود و ليس والده.

وکان محمد بن أجود يحمل لقب «سلطان البحرين والحسا والقطيف» و أنه کان على جانب کبير من القوة وکثرة الأتباع.

فقد ذکر بأنه في ذلك العام و بعد انقضاء موسم الحج بقليل أي في 17 من ذي الحجة وصل محمد بن أجود إلى مکة على رأس جيش کثيف قدر بخمسين ألف رجل، وقيل بأنّ مجيئه ومعه هذه القوة الکثيفة کانت تلبيةً لطلب المساعدة في حفظ الأمن والنظام في مکة  المکرمة ومنع تجاوزات بعض القبائل البدوية، تقدم به إليه شريف مکة برکات.[49]

الأمير مقرن بن زامل الجبري (922 ـ  928 هـ)

الأمير مقرن بن زامل الجبري الخالدي العقيلي العامري الهوازني، هو حاك شرق جزيرة العرب، بما فيها الأحساء والقطيف والبحرين وآخر حکّام الجبور للبحرين.

ففي سنة 926هـ حج حاکم الأحساء مقرن بن زامل الجبري، وجلب معه إلى مکة المکرمة اللؤلؤ والمعادن الفاخرة والمسك والعنبر والعود القماري والحرير الملوّن وغير ذلك من الأشياء.[50] کما تصدّق على أهل مکة المکرمة والمدينة المنورة بنحو خمسين ألف دينار.

فالعلاقة بين أشراف مکة والدولة الجبرية في عهد مقرن بن زامل من الوثاقة والقوة لتصل إلى حدّ المصاهرة التي جمعت بين الجبور وأشراف مکة، حيث تزوج السلطان مقرن بن زامل بابنة شريف مکة آنذاك الشريف برکات بن محمد بن برکات بن حسن بن عجلان (903ـ931هـ)، الذي کان يدين بالتبعية  للعثمانيين في تلك الفترة.[51]

والمظنون أنّ العلاقة بين الأمير مقرن وأشراف مکة کانت سابقة لتوليه الحکم والسلطة في بلاد الحسا، وهذا ما تستشفّه من الدعم الذي حظي به من أشراف الحجاز في مقابل تولي صالح بن سيف الذي هو من فرع آخر من البيت الجبري لا ينبغي تقلده السلطة مع وجود أبناء أجود بن زامل، ولعلّ هذا الکلام يفسّر انقطاع الحديث عن قافلة الحج الجبرية المستقلة طوال فترة حکم صالح تقريباً، وعودة الحديث عنها فور تولي مقرن مقاليد السلطة في الحسا سنة 922هـ.[52]

ويظهر أنه سار على نفس نهج أمراء الدولة الجبرية بالتولي إمارة الحجِّ في کلِّ عام ففي سنة 928هـ، ذکر بن إياس أنّ السلطان مقرن: «قد أتى مکة وحجّ في العام الماضي، سنة 927هـ، وکان يجلب إلى مکة اللؤلؤ والمعادن الفاخرة (النفيسة) من المسك والعنبر والعود القماري والحرير الملون وغير ذلك من الأشياء النفيسة».[53]

وقد هُزم في معرکة سنة 928هـ، أمام البرتغاليين الذين أخضعوا جزر البحرين في 928هـ، وقاتلوه بقوة کبيرة قوامها (200) سفينة هرمزية على متنها (3000) مقاتل من الفرس والعرب، بزعامة وزير هرمز رئيس شرف الدين و (7) سفن برتغالية  على متنها (400) مقاتل برتغالي بقيادة انطونيو کوريا الذي تولى القيادة العامة،[54] فکانت هذه القوة الضاربة فوق إمکانيات الجبور للمقاومة رغم الاستبسال في الحرب والمعرکة، ولکنها انتهت بهزيمة جيش مقرن لصالح البرتغاليين، وکان الأمير مقرن بن زامل قد أُسِر في المعرکة، فمات ربما متأثراً بجروحه بعد بضعة أيام.

دولة آل مغامس (932 ـ 953هـ)

کان آل مغامس حکّاماً على البصرة والتي تقع شمالاً من جهة الأحساء، وکانت بداية دخولهم على الساحة الأحسائية بعيد تردّي الأوضاع في الأحساء بموت الأمير مقرن بن زامل الذي استعان في وقت سابق بحاکم البصرة راشد بن مغامس لما تمرُّ به البلاد من حقبةٍ حرجة وظروف معيشيّة وأمنيّة صعبة، فانتهز آل مغامس تلك الفرصة للتدخل في الحسا وضمّها إلى ممتلکاتهم وذلك في سنة 931هـ، وأصبح زعيمهم راشد بن مغامس يلقّب بـ «سلطان البصرة والحسا والقطيف».[55]

لم ينقطع محمل الحج الأحسائي في معظم الأحيان رغم الصعوبات والعقبات التي تحفُّ بطريق الحاج، فبعد سقوط الدولة الجبريه بعد مقتل أبرز حکّامها الأمير مقرن بن زامل الجبري على أيدي البرتغاليين سنة 928هـ، وسقوط دولتهم سنة 931هـ، دخلت الأحساء ونجد تحت حکم آل مغامس، فکان من رکبهم وأميرهم في الحجّ الشيخ راشد بن مغامس، وکانت قافلته تضمّ الحجاج القادمين من البصـرة والأحساء في موکب واحد عرف واشتهر حينها بـ «قافلة الشـرق»،[56] في إشارة إلى ضخامة القافلة، وکانت انطلاقتها من الأحساء، بالإضافة إلى جميع الـحُجَّاج القادمين إلى بلاد الحرمين عبر شرق الجزيرة العربية من بلاد الهند وفارس وغيرها.

ويظهر أنَّ الشيخ مغامس قاد الحجيج إلى الديار المقدسة بعد سنة 928هـ، واستمرّ لعدة أعوام متوالية، ففي سنة 933هـ قاد السلطان راشد بن مغامس «أمير الأحساء ونجد» قافلةً للحج؛ حيث قام في يوم الأربعاء السابع من ذي الحجة بالوصول إلى مکة.

يقول بن فهد: «وتتابع حاجّ الشرق وفيهم سلطانهم الجديد وهو الشيخ راشد ابن مغامس بن صقر بن محمد بن فضل سلطان البصـرة والحساء والقطيف، ورفقته خمسة آلاف نفس على رواحل، و برکوا في الأبطح على عادتهم، وکانت ولاية سلطانهم للشرق في سنة إحدى وثلاثين وتسع مئة».[57]

وفي سنة 939هـ،، کان أمير الأحساء «فَيْرُوز شاه قطب الدّين»، أحد أمراء آل مغامس، وقد قاد رکب الحجيج في هذا العام.[58]

ويشير ابن فهد في حوادث سنة 940هـ، ـ اليوم الثالث من شهر ذي الحجة ـ قائلاً:

«وفي صبحها وصل لمکة حاجٌّ کبير من الشرق، فيهم الشيخ مبارك بن محمد ابن سلطانها الشيخ مبارك بن راشد المسعفي، ويقال عدد من معه فوق عشرة آلاف نفس ... و رخص القماش الهندي بوصولة صحبتهم».[59] ولعلّ القول برخص القماش الهندي حينها إشارة إلى مرافقته أعداد کبيرة من الحاجّ الهندي، مصطحبين معهم البضائع المختلفة من الأقمشة وغيرها بکمّيات مما أدّى لرخصها في السوق المحلي مع کثرة العرض.

ويتابع بن فهد في حوادث سنة 942هـ، في [يوم] السبت 6 ذي الحجة ذکر أنه:

«وصل لمکة حاج کبير من البحر شاماً و يَمَناً، وکذا من الشرق، ومنهم سلطان البصرة راشد بن مغامس المنتفقي بجمع کبير يقال نحو عشـرين ألف نفس، وکان دخولهم لمکة في سابع ذي الحجة ونزلوا عند جبل حراء».[60]

وهذا العرض السريع لبعض قوافل الحج التي خرجت بقيادة الشيخ راشد، يعطينا نفس الصورة التي کانت إبان الدولة الجبرية من الأعداد الکبيرة التي تخرج ضمن موکب واحد ضمّ الحجاج من الأطراف المختلفة ممن يسيرون عبر طريق حاج الأحساء، سواء من أهل شرق الجزيرة العربية أو القادمين عبر البحر من مختلف الأقطار کالهند و إيران وغيرهما من الدول المختلفة.

* * *

الدولة العثمانية الأولى (957 ـ 1082هـ)

مع إطلالة عام 957هـ، فکّر العثمانيون ببسط نفوذهم في الأحساء خلال القرن العاشر الهجري، حيث الحقبة التي کانت فيها مساعي برتغالية حثيثة للسيطرة على المنطقة، فقد استطاعوا إحکام السيطرة على الأحساء، بعد تنحية آل مغامس منها وإنهاء دولتهم في البصرة والأحساء وإخضاع المنطقتين للنفوذ المباشر للدولة العثمانية، وذلك بعد أن کانت لهم سلطة غير مباشرة عبر حلفائهم من آل مغامس، وقد أرسوا قواعدهم في مختلف أرجائها، وکانت أمامهم مهمة عسيرة، وهي فكّ الحصار عن المنطقة من برائن البرتغاليين الذين کانت لهم فيها أطماع بصفتها منطقة تجارية وبوابة شرقية لبلاد الحرمين، وذلك بعد أن فشلت محاولتهم للوصول لها عن طريق جدّة، الأمر الذي أشعر العثمانيين بضرورة العمل الدؤوب لردع الغازي الکافر ـ کما يعبر العثمانيون ـ عبر تکثيف الحماية في المنطقة، وتحرير ما استطاع البرتغاليون بسط نفوذهم عليه کالبحرين والقطيف التي أعلنت في سنة 957هـ أنهم لا يدينون بالولاء لهرمز، وأنهم يضعون أنفسهم تحت حماية  العثمانيين الذين قاموا بضمّ البصرة إلى دولتهم منذ عهد قريب، ففي وثيقة إلى أمير البصرة تأمره بتعزيز الحماية في الأحساء والعمل على تحرير البحرين، جاء فيها:

«أمرٌ إلى أمراء البصرة... أنَّ والي بغداد علي باشا ـ أطال الله عمره وأدام إقباله ـ قد کتب إلينا رسالة ذکر فيها أن الکفار الحقيرين ـ لعنهم الله ـ قد جاءوا في 12 سفينة (قادرغة) وسفينتين (قليون)، ووصلوا إلى البحرين، وبدأوا يتصلون بسفن التجار، ويضرّون السواحل القريبة من البحر ومن أراضينا المحروسة ويتعدّون على بعض قلاعنا،  فيجب أن تهتم أنت بالأمور وترسل 10 سفن إلى منطقة الأحساء، لتحافظ عليها من العدوان وتدفع الشرّ عن أهلها، کما تقوم أنت بمدافعة الأحساء ويکون والي بغداد و والي شهر الزور وأمرتهم في رسائلي التي أرسلتها إليهما أن يعاونوك عندما يجيء العدوان من الکفار ـ لعنة الله عليهم ـ إلى سواحل مملکتنا، وأمرتهم أن يعاونوك في البر ويسوقون الجيوش تحت أمرك کما تکون السفن في البحر تحت أمرك، لتدافع بوجه مناسب على ما تراه حسناً عن أراضينا في السواحل ويجب أن تبقی في الدفاع عن المنطقة إلی أن يجيء أمير أمراء جديد إلى الأحساء، وإذا جاء أمير أمراء الأحساء، لا تهتم باستقباله وتترك موقفك عن الدفاع، ويجب أن تضع عدداً من الجنود في القلاع ليحافظوا على المملکة بدقة».[61]

هذه الوثيقة المهمّة تبيّن المقدر الذي تحتله الأحساء من أهمية لدي الدولة العثمانية ليتم کتابة أمرٍ سامٍ لحمايتها من قبل السلطان العثماني نفسه، ما تؤکّد هذه الوثيقة بأشد القول على الاهتمام والحفاظ عليها من الأعداء.

وهذا الاهتمام نابع من نظرة العثمانيين إلى الأحساء بأنها خط الدفاع الشـرقي عن الأماکن المقدسة،[62] وجعلت ترکيزها الأساسي والأول على القوة البرية بدلاً من البحرية، لأنَّ مرکز القوی البحرية متمرکزة في السويس وهي مسافة بعيدة للاستعانة بها في حرب سريعة وتعيش المفاجآت.

ونجد في وثيقة أخرى بتاريخ قريب من الأولی، ما يؤکد على أهمية أمن الأحساء من البرتغاليين وعدم السماح لهم بوضع قدم في هذه البلاد بشتی الوسائل والسبل، ففي رسالة بالأرشيف العثماني خلال عهد السلطان سليم الثاني بن سليمان القانوني (930ـ982هـ) موجّه إلى أمير أمراء البصرة، جاء فيها:  «أمرٌ إلى أمير أمراء البصرة... أنّ أمير الأحساء کتب إلينا رسالة ذکر فيها أنه إذا ترك أمر فتح البحرين فإنه من المحتمل أن تمتلئ المنطقة بالکفار (البرتغال). ويکون لهم قاعدة بحرية، ولهذا الأمر لو کان لدينا سفينتين (قادرغة) من الأسطول الموجود في البصـرة، وأيضاً إلى حفظ أمن المنطقة يمکن أن يکتفي بالآلات والأدوات الموجودة، فإذا وصلك أمري هذا فأرسل سفينتان (قادرغة) للدفاع عن الأحساء، واجمع من الجيش ما يکفي لحفظ أمن هذه المنطقة، وأيضاً اجمع ما تقدر عليه من الآلات والأدوات الحربية وأرسلها إلى أمير الأحساء واهتموا جميعکم لحفظ الأمن من الکفار، ولا تسمحوا لهم بالدخول إلی المنطقة واحذروا على ألّا يضرّوا أي ضرر للبحرين وأيضاً أکتب إليّ عن أحوال الکفّار والوقائع التي تجري في المنطقة مفصّلة و مشـروحة في رسالة طويلة ولله الحمد».[63]

هذه لمحة موجزة عن العناية العثمانية بالوضع الأمني في الأحساء من جهة الخارج والبحر وما تعنيه لهم من أهمية دينية وسياسية، لما يشکله موقعها من بوابةٍ لقدوم الحجاج الذاهبين إلى الحج عن طريق الأحساء.

ويلخص لنا الدکتور عبدالکريم المنيف الوهبي المنزلة والأهمية العظمى للأحساء بالنسبة للعثمانيين في نقاط يعنينا منها التالي:

* استخدام موانئ الأحساء کقواعد إمداد ومساندة أثناء الحملات على القواعد البرتغالية في الخليج [الفارسي] کهرمز ومسقط، وکذلك أثناء المواجهات البحرية بسبب قرب موانئ المنطقة النسبي من تلك القواعد لاسيما القطيف مقارنة بالبصـرة وبقية قواعد العثمانيين في المشـرف، إضافة إلى أهميتها في مراقبة النشاط الملاحي للبرتغاليين.

* إنّ سيطرة البرتغاليين على الأحساء سيمنحهم القدرة على تهديد الأماکن المقدسة في الحجاز عن طريق البر، بعد أن تعذّر ذلك على البرتغاليين عن طريق البحر الأحمر نتيجة للصعوبات التي واجهوها هناك، فمع إحکام السيطرة العثمانية على بقية سواحل شبه الجزيرة العربية تقريباً وصعوبة قيام أي حملة عسکرية برية من الساحل العماني الخاضع للبرتغاليين بسبب خطورة عبور صحراء الربع الخالي، لذا فإنّ الأحساء سيکون أيسر منطقة على الخليج [الفارسي] يمکن من خلالها إنزال قوات برتغالية، ومن ثم اختراق شبه الجزيره العربية إلى الحجاز، وعلی الرغم من صعوبة تنفيذ هذا التهديد.[64]

ورغم أنّ التصوّر للفکرة قد يکون مبالغاً فيها، إلّا أنّ حقيقة الأمر يقول خلاف ذلك، ففي خطاب من ألفونسو البوکيرك رائد الوجود البرتغالي في منطقة الخليج إلى قيادته السياسية في لشبونة سنة 921هـ، تطرّق أثناء حديثه عن أهمية البحرين، وبقية ممتلکات الجبور إلى سهولة مهاجمة مکة المکرمة انطلاقاً من الحسا، فقال: «لأنها لا تبعد عن البحرين والقطيف إلّا بست عشرة مرحلة،[65] في حالة الاعتماد على الجمال وتلك مسافة قصيرة جدّاً».[66]

وکان العثمانيون مدرکين لمثل هذا الخطر والتفکير لدی العدّو البرتغالي، يقول بابکور: «لهذا نجد أنّ الدولة العثمانية رأت أن ترکز على القوّة البرية في الساحل الشرقي للجزيرة العربية، وذلك لعدم إعطاء البرتغاليين الفرصة لتهديد الأماکن المقدسة (مکة المکرمة والمدينة المنورة) عن طريق البرّ من الساحل الشرقي».[67]

* إنّ ضم العثمانيين للأحساء سيزيد من مساحة الأراضي التي تقع تحت إدارتهم وسيمنحهم قواعد ثابتة في عمق الصحراء، الأمر الذي سيعزّز من قدرتهم على الاتصال والتأثير على قبائل البادية ومراقبة أوضاعها عن کثب، مما يمکنهم من إحکام قبضتهم الأمنية نسبياً في منطقة جنوب العراق والمناطق المجاورة للأحساء في شبه الجزيرة العربية، حيث سيضيّق مساحة الملاذ الآمن للقبائل المتمرّدة مما سيحدّ من قدرتها على المناورة وخلق المصاعب للإدارة العثمانية في تلك المنطقة.[68]

وقد أسهمت السيطرة على الأحساء وبسط نفوذها على القبائل التي تقطن البادية باتجاه الديار المقدسة بالتخفيف النسبي من الغارات التي کان يعاني منها الحجاج أثناء رحلة الحج في معظم الأحيان.

وقد استخدمت في سبيل ذلك منهج الترغيب تارةً والترهيب تارةً أخرى، وإن کانت نجد بشکلٍ عام علاقتها بالأحساء لاتتعدّی السيادة الإسمية، کإعلان بعض أمراء بلدانها أو مشايخ قبائلها الولاء والتبعية بحکم مصالحهم مع الأحساء دون وجود مظاهر عملية توضح أنها کانت خاضعة للسيادة العثمانية وأنها ضمن التنظيم الإداري الفعلي لإيالة  الحسا.[69]و[70]

والنتيجة التي ننتهي إليها هي أهمية موقع الأحساء استراتيجياً وجغرافياً بالنسبة للخليج [الفارسي]، فقد کانت الأحساء هي الرحی التي دارت عليها الحرب، فکانت أغلب الحملات العثمانية تخرج من بيلربکية الحسا والقطيف للهجوم على قاعدة البرتغال في هرمز، ضد الحملات البرتغالية  الصليبية، عن الأراضي المقدسة.[71]

بقي أن نشير إلى جزئية مهمة وهي المکانة والموقعية التي تحتلها الأحساء مقابل المناطق الرئيسية والحيويّة کالبصرة وبغداد في نظر السلطان العثماني، أو لنقل الرتبة الإداريه لأمير أمراء الأحساء مع أميري أمراء البصرة وبغداد، وذلك من خلال مرتّب الثلاثة والعطاء الذي تبذله الدولة لهم، إذ من المعروف أنّ مناطق النفوذ العثماني تختلف من حيث الأهمية من مکان إلى آخر تبعاً ما للموقع من تأثير وموقعية في نظر السلطان العثماني، والوثائق تشير إلى أنّ مرتب أمير أمراء الأحساء يتساوی في الراتب مع مثيليه في البصرة وبغداد، لما له من أهمية ومنزلة.

ففي القرن العاشر اشتکى أمير أمراء الإيالة (الحسا) من قلة مرتبه السنوي والتمس زيادته، وکان مرتبه السنوي، ممائلاً تقريباً لمرتب شاغلي منصب أمير أمراء إيالتي بغداد والبصرة، حيث ترد الإشارة في أحد الأحکام السلطانية إلى التماس أمير أمراء إيالة الحسا بزيادة مرتبه أسوة بزيادة مرتب زميليه في بغداد والبصـرة، حيث أنّ راتبه کان مساوياً لمرتبهما قبل زيادتهما.[72]

العناية بطريق الأحساء ـ الحجاز:

حرص العثمانيون منذ أن وطأت أقدامهم الأحساء على تأمين طريق الحاج إضافةً إلى المحافظة على حزام الأمن الشرقي للحرمين الشريفين بمکة المکرمة والمدينة المنورة، لذا أولوا الطريق عنايةً خاصة واهتماماً بالغاً يتمثّل في متابعة شأنه الأمني، من خلال توفير متطلبات الحجاج فيه طوال رحلة الحج القادمة من طريق الأحساء، منها ما يتطلّب وضع النظم الکفيلة بتوفير الأمن للراغبين في الحج، حسب توجيهات السلطان العثماني لوالي الأحساء، فقد ورد في وثيقة سلطانية ما نصه: «وأطلب منك أن تخبرني هل نَبع أيُّ ماءٍ في قلعة الأحساء الداخلية أم لا، وأنّ القلاع الموجودة ما بين مکة والأحساء، تفيد أنّ شيوخ هذه البلاد والقلاع قد أطاعوا حکمك».[73]

ولم يقتصر الحرص للسلطنة العثمانية على أمن الطريق فقط بل شمل العناية باختيار الطريق المناسب والأفضل من حيث البعد والقرب، الوعورة والسهولة، والآمن والخطر، لذا کانت التوصيات في وثيقة ترکية سلطانية جاء فيها:

«أمرٌ إلى أمراء الأحساء، أنك ذکرت لنا أنّ المسافة من الأحساء إلى مکة عشرون يوماً، وتسألنا الإذن لمرور الحجاج، وأنّ منطقة الحجاز تستفيد والدولة تستفيد أکثر من ذهاب الحجاج من الأحساء إلى مکة، فحقق لنا هذا الأمر، هل يوجد فائدة في أن نرسل أي إذن ورخصة، واکتب لنا أي جهة تکون أفضل وآمن لذهاب حجاج الأحساء إلى مکة».[74]

إغلاق طريق الحجّ الأحسائي:

فقد کان الحج في سنة 972هـ، عن طريق الأحساء متعثّرًا، إما لوجود قُطّاع الطرق وعدم إمکانية السيطرة عليهم، أو بسبب الضرائب التي يفرضها الأعراب على الحجاج مما يجعل السير في طريق الحج الأحسائي مجازفة غير محمودة العواقب.

لذا کان الأمر من السلطانة العثمانية في ترکيا بإرسال خطاب بتاريخ الأول من شهر ربيع الآخر من عام 972هـ، مفاده:  «بموجب الحکم الصادر إلى بيلربي،[75] الأحساء لإرسال الحجاج من طريق الشام ومصر نظراً لإغلاق طريق الأحساء»،[76] وهذا يعني نقل حجاج الأحساء عبر البحر إلى الشام ومصر قبل موسم الحج بفترة ليست بالقصيرة، حتى يتمکنوا من مرافقة مواکب الحج المصري أو الشامي التي تمّ رصد حماية قوية لها أمام هجمات قُطّاع الطرق من أبناء القبائل البدوية ممن يستغل موسم الحج للنهب والسلب، أو فرض ضرائب باهظة على الحاج عند العبور عن طريق الأراضي التي تحت سيطرتها.

علماً أنّ إغلاق الطريق يعني إحکام سيطرة القبائل على طول الطريق وفقاً للمراقبين التابعين للدولة مما يعني العبور من الطريق المعتاد فيه مجازفة کبيرة قد تعرض حياة الحجاج للخطر وسلب جميع مقتنياتهم.

الحجُّ و الصراع العثماني الصفوي:

وتجدر الإشارة أنه يوجد تفسير آخر لحقيقة إغلاق طريق الحج الأحسائي ونقله عبر الشام التي تبعد مسافة بعيدة عن الأحساء، والسير عبره يعني الکثير من الخسائر المادية على السکان المحليين لما في تکلفة هذه الرحلة من مبالغ کبيرة، إضافة إلى فقد الرسوم الضرائب التي کانت تستفيد منها إيالة الأحساء للقادمين عبرها من حجاج الهند وفارس مقابل توفير الحماية لهم في طريق الذهاب والعودة إلى الديار المقدسة، وهو الأمر الذي يذهب إليه الدکتور الوهبي من أنَّ الدولة العثمانية بعد بسط نفوذها في الأحساء واستقرار حکمها بزوال الخطر البرتغالي سنة 954هـ واستحکام الصراع مع العدّو الصفوي في بلاد فارس قرّرت السلطة العثمانية أن تستثمر الحج کوسيلة ضغط في الصراع الدائر بينهما، خاصة وأنّ الحجاج القادمين من بلاد فارس عبر الأحساء يشکّلون نسبة کبيرة جدّاً لا يستهان بها، وکانوا يستفيدون من هذا الطريق کونه بعيداً عن النفوذ العثماني في الفترات السابقة.

وکانت قد أغلقت قبل ذلك طريق الحج البرّي للإيرانيين القادمين من المناطق الشرقية للحدود الإيرانية والمتجهة إلى العراق ومنها إلى الحجاز، وهذا مما لا شك يسهم في إحراج الدولة الصفوية أمام سکّانها ويشکّل ضغطاً داخليّاً،[77] لرغبة الأهالي بالذهاب إلى الحج وأداء الشعيرة الدينية، وضروره علاج المشکلة وإيجاد حلٍّ مع العثمانيين، بعد سيطرتهم على جميع المنافذ المؤدية إلى مکة المکرمة والمدينة المنورة، وفعلاً نجح المسعی الترکي بتشکيل ضغط على السلطة الصفوية ولم يفتح الطريق إلّا بعد معاهدة أماسيا،[78] بين الطرفين سنة 962هـ، فقد تم السماح رسمياً للرعايا الصفويين بأداء فريضة الحج وزيارة الأماکن المقدسة في العراق، وذلك وفق ضوابط وشروط محددة.[79]

وهذا يعني أنّ المنع وإغلاق طريق الحج الأحسائي کان مقصوداً ومتعمداً وليس لأسباب أمنية فقط کما هو التصور للوهلة الأولی، والذي کان ما يحدث خلال العصور المنصرمة من تاريخ الحج الأحسائي.

فقد کانت التعليمات من الآستانة،[80] في ترکيا بالتشديد بشکل متکرّر على السلطات المحلية في کلٍّ من إيالتي البصرة والحسا بإيقاف قافلة الحج عبر الطريق المباشر للحجاز، ومنع الأهالي في الأيالتين من التوجه إلى الحج مباشرة رغم قربهما إلى الحجاز، کما التنويه إلى أنه يجب على الراغبين في الحج منهم الانضمام إلى قافلة إيالة الشام عبر المرور بإيالة بغداد.

ففي قرارٍ صدر من المجلس السلطاني بتاريخ 15 رمضان 972هـ موجّه إلى کلٍ من أميري أمراء إيالتي الحسا والبصرة بشأن التأکيد على وجوب التزام الجميع بقرار منع استخدام طريق الحج من الأحساء والبصرة، الأمر الذي يشير إلى أنّ المنع سابق لهذا التاريخ، وأنه جرى النقاش في أکثر من مرة، وأنه لا طريق إلى مکة المکرمة إلّا عن طريق برّ الشام، وترد في ثنايا القرار إنّ المنع ليس خاصّاً بالأحساء والبصره، وإنما شامل لأيالة بغداد وأن لا طريق إلى الحجاز إلّا عبر الشام، الأمر الذي تم التأکيد عليه مراراً وتکراراً.[81]

وفي ثنايا حکم سلطاني مؤرخ في 28 رجب سنة 981هـ،  موجّه من المجلس السلطاني إلى أمير أمراء إيالة الحسا (سنان باشا) مبني على التماس رفعه الأخير بشأن الموافقة على طلب الزعماء النجديين بتولي قيادة قوافل الحج الأحسائية کما کانوا يفعلون بعهد سلفه (عثمان باشا)، أمير إمارة الحسا، کان الجواب بالموافقة شريطة اتباع الطرق المصرح بها للحج.[82]

وفي حکم آخر بتاريخ 25 شعبان سنة 983هـ، موجّه إلى أمير أمراء إيالة الحسا من قبل المجلس السلطاني متعلق بخطاب مرفوع من أمير أمراء إيالة الحسا بشأن إلغائه لضريبة ذات صلة بالحجاج المارّين بإيالته، وأنّ تلك الضريبة تمَّ فرضها على الحجاج من قبل أسلافه من أمراء الإيالة،  فقد جاء في الحکم تأييد إلغاء الضـريبة بما نصّه: «أصبتم حين أبطلتم هذه البدعة»، ولکن بالنسبة للحجاج عن طريق إيالتکم إيالة الحسا، فقد تم: «إبلاغکم في أوامر سابقة بأن يساق الحجاج عن طريق الشام»،[83] فقد کان الغرض من هذا المنع بدرجة  أولى خشية أن يسلك الحجاج الإيرانيون هذا الطريق إلى الديار المقدسة و فكّ الحظر المفروض.

وقد استمر الحظر و المنع لعدة سنوات إلى ما بعد سنة 989هـ، للغرض والهدف نفسه، وقد تمّ التأکيد في بعض الوثائق العثمانية بصلة المنع بالحجاج الإيرانيين، فقد جاء في بعضها:  «ولو سمحنا بفتحه لما أمکن منعهم من سلوکه».[84]

فقد ورد في قرار (فرمان) سلطاني بتاريخ 27 جمادى الأولى سنة 988هـ، موجّه إلى أمراء عدّة إيالات من بينها الحسا، ويتضمن أنّ قرار منع طريق الحج المباشر لا زال مستمراً وعلى الراغبين في الحج التوجه عبر بلاد الشام، وفي السنة التالية لذلك القرار أرسل المجلس السلطاني بتاريخ 10 جمادى الأول سنة 989هـ من جديد خطاباً إلى أمير أمراء الحسا بخصوص استخدامه طريق الحج من إيالة الحسا ويتضمن التشديد على أنّ منعه ما زال قائماً وعليه ضرورة التقيد به، وأنه على الراغبين في الحج أن يسلکوا طريق الشام.[85]

من جهة أخرى لم يکن قرار المنع مقبولاً ومرضياً عند أمير الأمراء العثماني في الأحساء أو حتى السکان المحليين الذين يرون أنّ الذهاب للحج عن طريق الشام مسألة في غاية العسر والصعوبة ناهيك عن الوقت الزمني الکبير الذي تحتاج إليه في حين أنّ الطريق من الأحساء حدود 20 يوماً.

وفي هذا الجانب استخدمت السلطة العثمانية في ترکيا سياسة غضّ الطرف أو مجرد الإنذار دون ترتيب الأثر على ذلك، أو ما يعبر عنه سياسة التراخي، حيث المعنى بالمنع ليس السکان المحليين بدرجة أولى، وإنما القادمون عن طريق الحج الأحسائي وهم الإيرانيون.

لذا نجد خلال فترة المنع من خلال المصادر الکثير من التجاوزات التي أشارت لها المصادر والوثائق العثمانية، بل والحرص على تأمين طريق الحاج والحرص على سلامة السائرين عليه من السکّان المحليين ومن يرفضون الخضوع للقرار العثماني،[86] ولکن ليس على شکل جماعات کبيرة التي عرف بها رکب الحج الأحسائي الذي يضم عشرات الآلاف من الحجاج، وإنما قد يصل إلى المئات أو العشرات على هيئة مجاميع صغيرة متفرقة.[87]

منها أنه في تاريخ 19 رمضان سنة 986هـ، وردت إشارة إلى تظلم بعض أهالي إيالة الحسا من تعديات شخص يدعي حسين بك، وينعت بأنه أمير الحج السابق بالإيالة، الأمر الذي يعني أنّ هناك قافلة حج أحسائية وأنّ أميرها أحد الرسميين العثمانيين برتبة أمير لواء.

ومع ذلك فإنّ إستانبول رکزت على معالجة  مظالم حسين بك وتجنبت التطرق إلى مسألة استمرار استخدام طريق الحج الأحسائي الذي هناك منع من سلوکه.[88]

والأمثلة عديدة التي تؤکد بعد التراخي وغضّ الطرف على موکب الحج الأحسائي طالما بحجم أقل من المتعارف والمعتاد ولا يضم مجاميع کبيرة من الحجاج القادمين عبر البحر، وإلّا يخلو من بعضهم.

العثمانيون واستقطاب مناطق طريق الحج الأحسائي:

نظراً لما يحقّقه تأمين الطريق للحجاج القادمين من الأحساء إلى مکة المکرمة من استمالة عاطفية للسلطنة العثمانيّة آنذاك وشرعنة وجودها، وما يمثّله لها من هيبة وعزّة فقد دأبت على تأکيد هذا المعنی في النفوس، فعمدت إلى سلوك أکثر من سبيل.

ومع کلِّ ما ذکرناه فإنّ عقبات الحج وطريق الحاج لها أکثر من بعد، فقد استمرت الصعوبة في الحج نتيجة للمضايقات المستمرة من البدو وقُطّاع الطرق.

لذا حرصت الدولة العثمانية والتي آلت على نفسها تذليل مثل هذه العقبات بالإغراء المادي تارة، وبعمل التحالفات تارة أخرى، وبالعنف وخوض المعارك مع المعتدين إن لزم الأمر.

وهنا وثيقة هامة تتحدث عن حج سنة 981هـ، تؤکد خروج قافلة الحج الأحسائية وبأعداد ليست بالقليلة کما يظهر وهي کالتالي: «أمرٌ إلى أمير أمراء الحسا،[89] (الأحساء): إن أمير أمراء الأحساء السابق عثمان،[90] سبق أن کتب خطاباً ذکر فيه أن شيوخ ولاية نجد وهم: شيخ قلعة التي تسمى دليم (الدلم) عيسى بن عثمان وشيخ قلعة  التي تسمى درغية (الدرعية) إبراهيم بن موسى، و شيخ قلعة التي تسمى سلمية (السلمية) حسين ابن أبو اللويطة، وشيخ قلعة التي تسمى مليح (ملهم) حمد بن عطاف (عطا)، طلبوا منه الاستمالة، ونتج عن ذلك أن وصل الحجاج ذوو الابتهاج في العام الماضي إلى الديار المقدسة بأمن وأمان... وکان الحجاج راضين عنهم شاکرين لهم، ثم ذکر أنّ مرور الحجاج بالمذکورين ـ أي الشيوخ المشار إليهم بعاليه ـ ومرافقتهم إياهم أنفع وأولى، وبناءً على عرضه ذلك فقد أمرت: إنك إذا رأيت أنّ الشيوخ المذکورين إذا رافقوا الحجاج إلى مکة المکرمة، فلتعط لهم الاستمالة الحسنة کما کان، فلترسلهم معهم حتى يقوموا بمرافقة حُجّاج المسلمين وليکونوا حذرين ولا يمرّوا بالأماکن الممنوعة، بل يتوجهون معهم من الأماکن المعتادة حتى يعود الحجاج بأمن وأمان، ولتدارك الأمر على وجه حسن، ولا تفوّت دقيقة واحدة في الاهتمام بهم»... في 28 رجب 981هـ.[91]

هذه الوثيقة نخرج منها بعدة نتائج هامة من أبرزها:

أولاً: بعد تولي الخليفة العثماني سليم الثاني (930ـ982هـ)، مقاليد الحکم بعد والده السلطان سليمان خان (900ـ974هـ)، سار على نفس المنهج والمنوال التنظيمي الإداري الذي کان متبعاً في عهد والده، والذي کان من أهم جوانبه وأولوياته المحافظة على سلامة الحاج لجعل مصداقية للقب الذي عرف السلاطين العثمانيين (خادم الحرمين الشريفين)، وهو لقب يترتب عليه مسؤوليات والتزامات لعل من أهمها معالجة صعوبات ومشاکل طريق الحاج بمختلف طرقه.

فبعد أن سيطر العثمانيون على الأحساء بشکل کامل عام 957هـ، وأصبحت خاضعةً لسلطتهم، وتحت حمايتهم، وکان طريق الحاج الأحسائي کغيره يعاني مشکلة قُطّاع الطرق والضرائب التي تفرضها القبائل عند المرور بأراضيها، نجد الوالي السابق على الأحساء «عثمان» في سنة 980هـ، قد اتّخذ تدبيراً مناسباً لعلاج المشکلة وهو قيامه بمکاتبة أمراء البلدان النجدية الواقعة في طريق الحاج الأحسائي، وطلب منهم القيام بمرافقة الحجاج وحمايتهم وصولاً إلى الديار المقدسة والعودة منها،  وفرض لهم (استمالة)، وهي عطايا مادية ومعنوية لضمان استجابتهم وتفاعلهم، وقد طلب من الأمير الحالي السير على نفس النهج والمسلك لضمان سلامة الحجاج في رحيلهم وإيابهم.

ثانياً: إنّ الرسالة والعطايا المطلوب کتابتها موجهة إلى أربعةٍ من أمراء المناطق الواقعة على طريق الحاج الأحسائي، وهم:

1ـ أمير الدلم: الشيخ عيسى بن عثمان.

2ـ أمير الدرعية: الشيخ إبراهيم بن موسى.

3ـ أمير السلمية: الشيخ حسين ابن أبو اللويطة.

4ـ أمير ملهم: الشيح أحمد بن عطا.

ثالثاً: حرص الخليفة العثماني على عدة أمور ينبغي تأمينها للحجاج، وهي کما استشففناها من الوثيقة:[92]

* إبعاد الضرر عن الحجاج المسلمين.

* ضمان سلامة طريق الحج والسعي لحفظه وأمنه.

* إعادة الحجاج بعد انتهاء الحج، إلى البلد سالمين.

* التوجه نحو الأماکن المعتادة، وعدم المرور في الأماکن الممنوعة لطريق الحج، وتجنب ما قد يحدث من إشکالات.

* العناية بالحجاج قدر الإمکان، وأن يضعوا نصب أعينهم هذه التعليمات للاهتمام بها.

والملفت أنّ الرسالة لم تتضمن الکتابة إلى أميري مقرن (الرياض) ومعکال (العيينة)، والتي هي من طرق الحاج الأحسائي التي لا يمکن تغافلها، وهذا ربما يعود لوجود رسالة أخرى لم تتضمنها هذه الوثيقة، أو وجود اتفاق مسبق معهم، کما يحتمل الأمن لجانبهم على سلامه الحاج لذا لم تتم الإشارة لذلك.

رابعاً: إنه عبر بلفظة (حجاج المسلمين) ولم يعبر بـ (حجاج الأحساء) مما يؤکد أنّ طريق الحج الأحسائي کانت ترده أعداد غفيرة للحج عن طريقه من بلاد فارس والبحرين وقطر والهند ـ في بعض الأحيان ـ، وغيرها من المناطق المختلفة، مما يجعل سلامته من الأمور الهامة جعلت أعلى سلطة في الدولة العثمانية هي من تخاطب الوالي على الأحساء بشأنه.

خامساً: يوجد هناك أکثر من طريق أحسائي إلى الديار المقدسة، إذ يقول: «وليکونوا حذرين ولا يمروا بالأماکن الممنوعة، بل يتوجّهون معهم من الأماکن المعتادة حتى يعود الحجاج بأمن وأمان»، وهذا الأمر يکشف السرّ الدفين في اختلاف ذکر المناطق التي تعرّض لها الرحّالة والحجاج في سفرهم إلى الديار المقدسة، وهو العبور من بعض الطرق المحذورة التي تکون أکثر عرضةً للسّـُراق وقُطّاع الطرق خاصة البعيدة عن سلطة هؤلاء المتفق معهم على حماية الحاج وتأمين الطريق لهم.

الحج الأحسائي سنة 983هـ:

في 25 من شهر شعبان لسنة 983هـ، تم إغلاق طريق الحاج الأحسائي، فما کان من الدولة العثمانية إلّا بطلب إرسال الحجاج السائرين عن طريق الأحساء بأخذهم عن طريق الشام للذهاب إلى الحج، وعدم أخذ أي مبلغ عليهم مقابل ذلك،[93] حيث يظهر أنّ المتصرّف السابق للأحساء کان سيَّء التعامل مع الحجاج وغليظ السلوك، مما تسبب في إزعاج عام منه، فقام أهالي ومشايخ وأعيان وعلماء الأحساء بإرساله رسالة طلب تغييره، وقد تم تبديله الأمر الذي أصبح مصدر ارتياح لهم، فکتبوا کتاباً للسلطان يعبّرون عن ارتياحهم ورضاهم عن معاملة والي الأحساء الجديد للحجاج، وذلك في 24 شوال 983هـ.[94]

وقد يکون مصدر الإزعاج تهاونه بالجانب الأمني لسلامة الحجاج، أو فرضه ضرائب باهظة مع الصعوبة المالية التي يعاني منها الکثير من الأهالي، وربما الأمر يکون مرتبطاً بأسلوب المعاملة أثناء أداء مناسك الحج الذي يجعل الحاج في مسيس الحاجة إلى المعاملة الحسنة واتخاذ القرارات التي تکون فيها مصلحة الحاج.

وسوف نتعرّض لمثل هذه النقطة عند الحديث عن أمير الحاج.

الحج الأحسائي سنة 992هـ:

في هذه السنة 992هـ، يظهر أن الحج الأحسائي کان يعاني من بيلربي الأحساء المدعو أحمد باشا، من ظلم وحيف لجميع رعيته، ومنهم الحجاج، ومع الأسف الملخص لم يوضح نوع الظلم الذي يعانونه منه فکان مفادها:

«بخصوص الظلم التي قام بها أحمد باشا بيلربي الأحساء ضد الأهالي والجند والحجاج»،[95] ويقول ابن شدقم المدني عن أحداث هذه السنة:

«في سنة 992هـ توفي الشريف حسن بن أبي نمي بن محمد بن برکات الحسيني فجلس على سرير ملکه ابنه الأکبر أبو طالب، فعصت البادية وطغت، وقطعوا الطرق فظفر قومٌ من الجُلّاس إحدی طوائف عنزة بسيدين شريفين أحدهما من الأحساء والآخر من اليمن، وکان معهما عيالهما، فأهانوهما بالضرب والجراحات، وأخذوا جميع أموالهما وأبقوهما عرايا،  فرکب أحمد النقيب، ومعه الأمير ميزان بن علي النعيري وعلي بن أحمد الدويدار حاکم المدينة يومئذ، فأدرکوهم بالصهباء، فاستعادوا ما أخذوه من السيدين، وربط کبارهم، وغنم أموالهم، ثم إنه أخذ منهم العهود والمواثيق أن لا يعودوا لمثلها».[96]

والقصة هنا هي نموذج من نماذج المعاناة التي يعيشها الحاج الأحسائي وغيره من الحجاج في رحلة الحج الطويلة، وأنّ المعاناة في حقيقة أمرها شائکة جدّاً وفي غاية التعقيد، وأنّ الحکومات المتعاقبة سواء  على الأحساء أو غيرها کان من العسير السيطرة عليها وضبط الأمن بشکل نهائي.

ومن المفيد الإشارة إلى أنَّ استخدام العنف ضدّ قُطّاع الطرق من أهل البادية يجعلهم يعاودون الکرة مرة بعد أخرى، خاصةً وأنهم أخبر بمداخل ومخارج الصحراء، وسرقة الحاج يعتبر مکسباً سهلاً وسريعاً بالنسبة لهم، وعليه فلا يمکن السيطرة عليهم کلياً کما أشرنا سلفاً.

من زعماء  الأحساء في الدولة العثمانيّة:

تزعّم الأحساء أبّان فترة الحکم العثماني العديد من الزعماء، ولعلّ من أبرزهم ما يلي:

الأمير علي باشا الحساوي (1090هـ):

کان الأمير علي باشا الحساوي (1090هـ) أمير الحاج فترة زعامته على الأحساء، وکانت تربطه بأشراف مکة علاقة حسنة، وموکبه للحاج يضمّ أعدادًا کبيرة من حجاج الأحساء والبحرين وبعض المناطق المحيطة التي تبحث عن الحماية والأمان من اعتداءات البدو، ويضمّ هذا الموکب کثيراً من الحجاج الإيرانيين.

وقد أورد لنا صاحب کتاب (تذکرة صفوية)، هذه القصة عن معاناة قافلة الحجّ الإيرانية التي صحبت المحمل الأحسائي في طريق الذهاب والعودة، حيث يذکر في وقائع سنة 1090هـ، عن المشاکل والصعوبات مع البدو في الحجاز، وکان هو ضمن القافلة حيث يقول:

«وبعد أداء المير شمس الدين محمّد المستوفي، والميرزا شجاع الخبيصي، ورفاقهما في قافلة فريضة الحج، فقد أجريت مشاورات تقرّر إثرها أن يکون طريق العودة إلى إيران عن طريق الشام؛ لکونها الأفضل، إلّا أنَّ البعض لم يحبذ هذا الرأي، وکان يری أنّ طريق الأحساء هو الأقرب، وقد حسّن السيد جواد بن السيد إسماعيل ـ الحملدارـ هذا الرأي [الثاني]، في نظر الميرزا شجاع، مبيناً له بعد المسافة إذا ما سلکت القافلة طريق الشام، إضافة إلى زيادة المصروفات، وما يصيب أفراد القافلة من تعب وإرهاق، مقنعاً إيّاه بالعودة من طريق الأحساء.

وفي أحد الأيام عرض الميرزا شجاع هذا الرأي [سلوك طريق الأحساء]، على الميرزا المستوفي، ولکنه رفض وأصرّ على أن تکون العودة عن طريق الشام، وأخيراً ـ بعد مناقشات ـ تقرّر العودة عن طريق الأحساء، وعلی أثر هذا القرار کانت تعقد بين المستوفي، وبين أمير الحاج المسؤول عن الطريق المؤدي إلى الأحساء و يدعى علي باشا الحساوي، جلسات کان يتمّ مناقشة شؤون الحجيج وعودتهم.

وفي يوم من الأيام ـ وکان يوم السبت ـ و لدی وصول القافلة إلى وادي فاطمة، طلب الحساوي مبلغاً من الضريبة أکثر مما هو متعارف آنذاك، الأمر الذي لم يرضِ المستوفي، حتى وصلت أنباء النزاع بين الطرفين إلى شريف مکة، وقد کان کلّ من المستوفي والميرزا شجاع في تلك الأثناء نادماً على انتخاب طريق الأحساء. لم تثمر الجهود في حلّ النزاع، فأرسل شخص يدعی السيد برکات إلى شريف مکة يعرض عليه شکوی حجاج القافلة، فأرسل الشريف مبعوثاً من طرفه يُدعی عثمان إلى وادي فاطمة، للقاء علي باشا وإبلاغه عدم رضا الشريف بتصـرّفه من جانب، ولاسترضاء الميرزا المستوفي وحجاج القافلة من جانب آخر.

بعد اجتياز القافلة وادي فاطمة ووصولها منطقة (خليص)، تکرّرت قضية ضريبة المرور في تلك المنطقة أيضاً، فتوسّل الحجاج بالميرزا المستوفي بصفته إحدی الشخصيات الحکومية لإيجاد حلٍّ لمشکلتهم، فأرسل الميرزا المستوفي الميرزا شجاع مبعوثاً من قبله يدعی السيد بقيّة ـ وکان من أشراف السادات ـ إلى أمير الحاجّ في المدينة عسی أن يجد حلّاً لهذه المشکلة، إلّا أنّ مساعيه لم تکلل بالنجاح، فتوجّهت القافلة للمدينة المنوّرة، وعادت بعدها إلى إيران عبر البحر مروراً بالأحساء، بمعنی أنّ القافلة عادت بالطريق ذاته الذي کانت قد سلکته حين الذهاب [الأحساء]».[97]

ومن خلال النص المذکور نستطيع أن نستفيد عدّة أمور، منها:

* إنّ الطريق الأحسائي للحج هو أقرب من الطريق الشامي، من حيث المسافة والبعد بالنسبه للحجاج الإيرانيين.

* إنّ البدو کانوا يفرضون على الحجاج ضريبة باهظة مقابل مرورهم بسلام من أراضيهم، وهذا الضريبة تتکرّر بمجرّد المرور بأي أرض تقع تحت نفوذ قبائل مختلفة، مما يثقل کاهل الحاج بکثرة الضرائب، ويجعله في حرج وضيق شديديْن.

* إنّ أمير الحاج الأحسائي علي باشا، کان يستغل هذه المسألة ـ فرض ضرائب من قبل البدو ـ لصالحه بطلب مبالغ کبيرة على الحاج الإيراني مقابل وصولهم بأمان.

* إنّ حملدار الحجاج الإيرانيين السيد جواد بن السيد إسماعيل کان على دراية بالطريق الأحسائي وما يتمتع به عن غيره، مما يؤکد خبرته السابقة بالطريق.

إلّا أنّ علاقة الأمير علي باشا وأشراف مکة بقيت حسنة ومستمرة لسنوات عدّة بعد هذا التاريخ.

الأمير بکر بن علي باشا (تولی الحکم حدود 1143هـ):  

تولى الأمير بکر رئاسة الأحساء بعد والده علي باشا، حيث تشير المصادر التاريخية توليه إمارة الحاج في سنة 1143هـ، ولم تساعد المصادر على معرفة تفاصيل الرحلة أو الطريق الذي سارت عليه، وإذا ما حدثت بينه وبين قُطّاع الطريق مناوشات أو لا.[98]

دولة بني خالد (1080 ـ  1208هـ)

برز الوجود الخالدي في الأحساء في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري، على يد أحد فروع الأسرة المعروف بـ (آل حميد).

وقد بدأ نشاطها في بداية الأمر کحليف للعثمانيين الذين استولوا على السلطة في المنطقة أثر سقوط حکومة آل مغامس فيها، ثم ما لبثوا بالتحرك والبحث عن دولتهم المستقلة في الأحساء مستفيدين من ضعف الدولة العثمانية وانشغالها بالحرب مع البرتغاليين الذين يعملون على بسط نفوذهم في بلاد البحرين.

شرع آل حميد من الخوالد بالثورة على الحکومة العثمانية على شکل مناوشات عسکريّة خلال العقد السابع والثامن من القرن العاشر الهجري، إلّا أنّ الاستقلال التام لبني خالد تمّ خلال سنة 1080هـ، ليکون أول حاکم للأحساء براك بن غرير بن عثمان آل حميد، وقد جعل مدينة المبرز عاصمة لحکومته،[99] فکان من الأبعاد الهامة التي نالت مکانة کبيرة من التفکير لدی بني خالد وسلطتهم الاهتمام بالحجاج وتيسير أمر بلوغهم ديار الحرمين والذي يشکل تحديًا کبيراً لمعظم الحکومات التي حکمت المنطقة.

العناية بطريق الحاج:

تولی بنو خالد حماية قوافل الحجاج المارة بالأراضي الخاضعة لنفوذهم إضافة إلى الإشراف على قافلة حجاج الأحساء والمناطق المجاورة و تسييرها تحت حماية قوة عسکرية بقيادة أحد زعمائهم أو أتباعهم.[100]

ويتناسب مع هذا الأمر التعليمات التي ترد إلى بني خالد من قبل الدولة العثمانية التي کانت تنظر بعين الرضا إلى دولة الخوالد،  وتنظر لها رغم أنها دولة مستقلة وغير خاضعة لها أنها دولة حليفة و صديقة لها، لذا لم تعمل على تقويضها والقضاء عليها،  خاصة وهي کانت مشغولة بصـراعات خارجية تغنيها عن فتح جبهات جديدة، فکان من الجوانب التي أکدت عليها في مراسلاتها مع دولة بني خالد الحفاظ على أمن الحجاج السائرين على طريق الحج الأحسائي، بل وعدم أخذ ضريبة عليهم.

فقد کانت الدولة العثمانية تنظر إلى بني خالد في الأحساء، کأتباعها وفي المقابل قَبِلَ بنو خالد بهذه السيادة الاسمية للعثمانيين مقابل عدم الدخول معهم في صراع غير مأمون العواقب.

ففي أواخر شهر شوال سنة 1109هـ، وردت تعليمات إلى حکام وأمراء المناطق التي يمر بها الحجاج والتجار والزوار الفرس تقضي بضـرورة معاملتهم کبقية إخوتهم من المسلمين وعدم أخذ أي ضرائب أو رسوم إضافية عليهم، إضافة إلى ذکرها لبعض ما يحدث من تجاوزات والأمر بإيقافها وکان من ضمن من وجّهت إليه تلك الأوامر أمراء الحج بکل من بغداد والبصرة والأحساء، وکان حاکم الأحساء في تلك الفترة سعدون بن محمد بن غرير.[101]

من شيوخ دولة بني خالد: الشيخ سعدون الخالدي (1103 ـ 1135هـ):

سعدون بن محمد بن غرير آل حميد الخالدي ثالث حکام دولة بني خالد (1103ـ1135هـ)، تولی بعد وفاة والده محمد بن غرير آل حميد، واتصف بالشجاعة والقوه حيث لقب بسلطان البر، وقد بلغ حکم بني خالد الذروة في عهد هذا الزعيم من حيث الاستقرار والاتساع ليشمل نجداً والمناطق الشمالية إلى الشام، إضافةً إلى شرق الجزيرة العربية وقد عمّ في تفترة حکمة الطويلة الهدوء النسبي إذ أذعنت له القبائل ودفعت له الأموال مقابل سماحه لهم بارتياد المراعي الخاضعة فترة حکمه.

فقد سار الحاج الخالدي سنة 1119هـ، عبر طريق الحاج الأحسائي متجهًا إلى العارض ونزل على ثادق،[102] بإمارة وقيادة سعدون وسط حراسة مشددة تحسباً لأي مواجهة لقُطّاع الطرق.[103]

والنتيجة فإنّ سعدون يأخذ معه ضمن موکب الحاج قوة عسکرية کبيرة لحماية الحاج من قُطّاع الطرق، وتحسباً من أي طارئ، خصوصاً إذا عرفنا أنّ موکبه في هذه الفترة کان يضم أعداداً کبيرة من الحجاج الإيرانيين الذين جاءوا إليه من الدولة  الصفوية التي حمّلته مسؤولية إيصال حجاجها إلى الديار المقدسة من طريق الحاج الأحسائي بعد تعثر الطريق المعتاد المعروف بدرب زبيدة، إما بسبب فقدان الأمن أو لوجود خلافات بينهم وبين الدولة العثمانية التي تسيطر على الدرب وخاضع لحمايتها.

وفي نفس الفترة نجد أنّ الحاج الأحسائي عانی من مشاکل في المدينة المنورة التي اعتاد الحاج الذهاب لزيارة الرسول9 بعد موسم الحج، فکانت بعض الحوادث سبباً في عزل أمير الحجاز.

ومن هذه الحوادث أنه في سنة 1116هـ، تولی إمارة الحجاز الشـريف عبد الکريم بن محمد بن علي، بعد صراع مع الشريف سعيد بن سعد، وأبيه سعد بن زيد، حتى ثُبِّت بمرسوم عثماني في السادس من شهر شعبان لعام 1117هـ،[104] إلّا أنه لم يکن حسن السيرة.

ففي زمن الشيخ سعدون أمير بني خالد في الأحساء سنة 1120هـ، وقعت حادثةٌ تدلّل على أهمية  حاج الأحساء عند الدولة العثمانية،  فقد فرض أمير المدينة الشريف عبد الکريم على حجاج الأحساء ضريبةً يؤدونها کما يؤديها القادمون من البلاد البعيدة، فضجّ أهل الأحساء من هذه الضـريبة، واشتکی أميرهم إلى قائد العسکر الترکي نصوح باشا، والذي حاول جاهداً معالجة المشکلة وحلّها بالصلح وإقناع الأمير بالتراجع عن قراره، إلّا أنّ محاولته باءت بالفشل، لأنّ الأمير اعتبرها تدخّلاً في الشؤون الداخلية لإدارته، مما تسبب في عزل الشريف عبد الکريم بأمر من الآستانة وتعيين الشريف سعيد بن سعد بدلاًمنه.[105]

فأمن الحاج وشعورهم بالرضا في ظلّ الدولة العثمانية من الأمور الهامة التي أولتها اهتمامها وعملت من أجلها، ومن بين هذه الجوانب عزل المتطاولين من الأمراء والولاة الذين تحت إمرتها، ويکونون مصدر إزعاج أو شکاوی من قوافل الحجيج.

الدولة السعودية الأولی (1157 ـ 1233هـ)

وهي دولة أسّسها الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن أمير الدرعية والذي اتخذها عاصمة لدولته. استمرت الدولة السعودية الأولی في التوسع حتى نهايتها سنة 1233هـ، وذلك بعد إسقاطها على يد القوات العثمانية بقيادة إبراهيم باشا.

وکان دخولها إلى الأحساء على يد الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود الذي تطلع لضمّ الأحساء إلى مملکته، بعد أن بسط نفوذه في محيط نجد واستطاع السيطرة على جميع ضواحيها سنة 1207هـ، بعد أن انتهی من السيطرة على جبل شمر، إلّا أنّ الأحساء کانت هدفاً مهماً له، وذلك نابع من عدّة عوامل:

* العامل الأول: رفض أمراء الأحساء قبول مبادئ الدعوة السلفية، بل عملوا على مناهضتها ومحاولة إسقاطها.

* العامل الثاني: هروب بعض القبائل النجدية إلى الأحساء واللجوء لها، لشهرتها کطرف نقيض للدولة السعودية، فکان الهدف أيضاً تأديبهم ومطاردتهم، مما زاد العداء بين الطرفين.

* العامل الثالث: وهو الاقتصادي،  تقول الدکتورة مديحة درويش: «وإن کان يبدو غير مباشر، إلّا أنه في الحقيقة هو الدافع الأساسي في ضمّ الأحساء الذي يمتاز بکثرة واحاته الخصبة الوفيرة بالمياه، هذا إلى جانب وقوعه على الخليج [الفارسي] حيث الحرکة التجارية والمصايد التي تشکل مورد رزق کبير في ذلك الوقت کان من أهمّ الأشياء التي تتطلّع إليها الدولة السعودية في زيادة دخلها في القيام بمساعدتها في أعبائها التوسعية».[106]

وقد بدأ التوجه لضمّ الأحساء لحکومة  الدرعية سنة 1203هـ، عبر هجمات متکررة على أطراف المنطقة والدخول في صراع مع حکومة الخوالد المحلية  فيها، ولم تتم السيطرة التامة على المنطقة إلّا عام 1210هـ بعد حروب طاحنة، حيث استطاع الإمام سعود بن عبد العزيز الغلبة في معظمها حتى تم جلاء الخوالد وخروج فلولهم منها، عندها قام الإمام سعود بتثبيت مقرٍّ للجند داخل قلاعٍ فيها، لتکون الأحساء أحد المناطق التابعة لدولة نجد، بعدها عمل على ضمّ الحجاز والسيطرة عليها سنة 1214هـ، وتولي إمارة الحاج في موکب کبير يضم معظم المناطق التابعة لدولته والتي امتدت في ربوع الجزيرة العربية، وقد حجّ معه أهل الأحساء معظم فترة حکمه وهي خلال السنوات التالية:

ففي سنة 1214هـ، حج الإمام سعود بن عبد العزيز حجته الأولی وأخذ معه جميع أطراف دولته، فکان منهم غالب الأحساء وأهل نجد والجنوب، والبوادي وغيرهم،[107] وکان ذلك في حکم والده الأمير عبد العزيز بن محمد آل سعود (ت1218هـ).

أما حجته الرابعة، فقد کانت سنة 1222هـ، وقد جمع فيها موکباً کبيراً من أرجاء دولته فکان معه أهل الأحساء والعارض والجنوب والوشم وسدير والقصيم وجبل شمر ونواحيه، وبيشة ورنية وتهامة، واليمن والحجاز وغير ذلك.[108]

وکانت حجته الخامسة، سنة 1223هـ، وفيها حجّ سعود بن عبد العزيز بالناس الخامسة، وحجوا معه جميع أهل نواحي رعيته من الحساء، والقطيف، والبحرين، وعمان،  و وادي الدواسر، وتهامة، والطور، وبيشة، ورنية وجميع الحجاز إلى المدينة ونواحيها، وما بين ذلك من بلدان نجد وقضوا حجهم على أکمل الأحوال.[109]

وکذلك في سنة 1224هـ، حجّ الأمير سعود بن عبد العزيز حجته السادسة وأجملوا معه للحج جميع أهل الأحساء ونواحيها، والعارض ونواحيه، وجميع من شملته مملکته، من أهل القصيم، وجبل طيئ، والطائف، وقضوا حجهم على أکمل الأحوال.[110]

وکذلك حجّ أهالي الأحساء مع الأمير سعود بن عبد العزيز في حجته السابعة والتي کانت في السنة التي تليها سنة 1225هـ، وحجّ معه أهل الأحساء والجوف، وعمان إلى وادي الدواسر وعسير، وينبع وما بين ذلك.[111]

وحج حجته الثامنة سنة 1226هـ، کان خروجه في موکب مهيب شمل مختلف مناطق دولته کالأحساء وعٌمان، ونجد والجنوب والحجاز واليمن.[112]

وکانت کذلك حجته التاسعة في السنة التي تليها سنة 1227هـ، وکان موکب الحاج الخاص به يضم أهل الأحساء ونجد واليمن وعمان والحجاز.[113]

فقد استطاعت الدولة السعودية الأولی تأمين طريق الحاج بين مختلف الأطراف التابعة لها ومنع تجاوزات البدو وقُطّاع الطرق، فمن خلال الاستعراض السابق لا نجد حوادث بارزة، ولعلّ مرجع ذلك أيضاً الحراسة المشدّدة التي يخرج بها موکب الحاج من جهة ولدراية الأمير سعود بالقبائل وقدرته لمنع تجاوزاتهم.

وللبحث صلة تأتي في العدد القادم إن شاءالله تعالی

 

[1] . تاريخ الخليج [الفارسي] وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 437.

 

[2] . تاريخ الخليج [الفارسي] وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 438.

 

[3] . ابن فهد، عمر بن فهد بن محمد بن محمد بن محمد (812ـ885هـ): إتحاف الورى بأخبار أم القرى، تحقيق وتقديم فهيم محمد شلتوت، جامعة أم القرى، مکة، الطبعة الأولى: د، ت، 3: 342.

 

[4] . الأمير قرأ يوسف بن قرأ محمد بن بيرام خواجة الترکماني توفي يوم الخميس 7 من ذي القعدة سنة 823هـ في وجان، وحمل إلى ارجيش فدفن فيها حيث مدفن آبائه وأجداده، انظر: أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، 10: 322.

 

[5] . الفاسي، أبو الطيب محمد بن أحمد بن على المکي الحسني (المتوفي: 832هـ) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، دار الکتب العلمية: بيروت، الطبعة الأولى 1421هـ ،2000م،2 : 307.

 

[6] . إتحاف الورى بأخبار أم القرى، مصدر سابق3: 491.

 

[7] . ابن فهد، عمر الهاشمي المکي (812ـ885هـ): الدر الکمين بذيل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين،  دراسة وتحقيق: أ. د. عبدالملك بن عبد الله بن دهيش، دار خضر: بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى: 1421هـ ـ 2000م: 2 : 1015.

 

[8] . تاريخ البحرين وشرقي الجزيرة العربية، مصدر سابق: 444.

 

[9] . التاريخ السياسي لإمارة الجبور في نجد وشرق الجزيرة العربية. الدکتور عبد اللطيف ناصر الحميدان، مجلة کلية الآداب، جامعة البصرة، العدد 16: 47، 1980.

 

[10] . بسام،  عبدالله، تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق، تحقيق: إبراهيم الخالدي، شرکة المختلف: الکويت، الطبعة الأولى: 2000م: 34.

 

[11] . هي منطقة هرمز تقع على الساحل الفارسي مدينة صغيرة تتبع لمقاطعة، وتقع في محافظة هرمزگان في جنوب إيران. قال عنها ياقوت: تصدر منها بضائع الهند إلى البلاد الأخرى (معجم البلدان).

 

[12] . الدر الکمين بذيل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، مصدر سابق1: 444، ابن فهد، عز الدين عبد العزيز بن عمر بن محمد الهاشمي القرشي (850ـ922هـ)؛ غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام، تحقيق فهيم محمد شلتوت، جامعة أم القرى: مکة، ط. 1ـ  1409هـ، 1988م 2: 332.

 

[13] . السخاوي، محمد بن عبد الرحمن، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، دار الجيل: بيروت، طبعة 1412هـ . 1992م 9:  256.

 

[14] . تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 467ـ468.

 

[15] . زهير بن سليمان بن زيان بن منصور حجاز بن شيحه الحسني، کان فاتکاً خارجاً عن الطاعة، يقطع طريق الحجاج قتل عام 838هـ ، السخاوي، الضوء اللامع، مصدر سابق 2: 239. رقم:894.

 

[16] . إمارة  الحج في عصر الدولة المملوکة، مصدر سابق: 263.

 

[17] . برکات بن حسن بن عجلان بن رميئة بن أبي نمي، ولد عام 801هـ، ونشأ شريف الهمة جميل الأخلاق، أشرکه والده في أمرة مکة بأمر السلطان عام 809هـ، ثم جعله شريکاً لأخيه أحمد عام 811هـ، کان شهماً عارفاً بالأمور، توفي عام 859هـ، راجع الضوء اللامع للسخاوي.

 

[18] . إتحاف الورى، مصدر سابق4: 285 .

 

[19] . الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، مصدر سابق 6: 175.

 

[20] . الوهبي، د. عبد الکريم بن عبد الله المنيف، العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية «إيالة الحسا» 954ـ1082هـ / 1547ـ1671م، مطابع الحميضي، الرياض، ط. 1، 1405هـ، 2004م: 68.

 

[21] . تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 500ـ501.

 

[22] . م .ن : 501.

 

[23] . م. ن : 504.

 

[24] . شمس الدين السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع1:  190.

 

[25] . إمارة الحج في عصر الدولة المملوکية وأثرها على الأوضاع الداخلية بمکة المکرمة، مصدر سابق: 202.

 

[26] . إتحاف الوری، مصدر سابق 4: 542.

 

[27] . الجزيري، عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الأنصاري الحنبلي (توفي نحو 977هـ)، الدرر الفوائد المُنظّمة في أخبار الحاج وطريق مکة المعظمة، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل،  منشورات محمد على بيضون، ودار الکتب العلمية: بيروت: الطبعة الأولى: 1422هـ ـ 2002م، 1: 476.

 

[28] . تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 446.

 

[29] . الأروام: جمع الروم، ويقصد بها في تلك الأزمنة العثمانيون الأتراك.

 

[30]. أخبار الحاج وطريق مکة المعظمة، مصدر سابق1:  477.

 

[31] . يحتمل أن المراد هنا أبوه الأمير أجود وليس الأمير محمد بن أجود، کما سنبينه في السطور القادمة.

 

[32] . تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 468.

 

[33] . تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 468.

 

[34] . الضوء اللامع، مصدر سابق1: 190.

 

[35] . تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 470.

 

[36] . الضوء اللامع، مصدر سابق1: 190، الحياه الثقافية في الأحساء في عهد الدولة الجبرية (843ـ931هـ،1439 ـ 1526م)، محمدبن موسى القريني، الجزيره العربية في القرن العاشر الهجري، 16م، السجل العلمي للندوة العالمية الثامنة لدراسة تاريخ الجزيرة العربية، إصدار: مرکز الملك سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها: الرياض، ط.1، 1441هـ، 2020م: 710.

 

[37] . الحياة الثقافية في الأحساء في عهد الدولة الجبرية، مصدر سابق: 711.

 

[38]. الضوء اللامع، مصدر سابق5: 40.

 

[39] . الحياة الثقافية في الأحساء في عهد الدولة الجبرية، مصدر سابق: 711.

 

[40] . تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 473.

 

[41] . الضوء اللامع، مصدر سابق3: 120.

 

[42] . السبيعي،  الدکتور عبد الله بن ناصر، القضاء والوقف في الأحساء والقطيف وقطر أثناء الحکم العثماني الثاني  1288ـ1331هـ (دراسة وثائقية)، الطبعة الأولى، 1420هـ . 1999م: 128.

 

[43] . الحياة الثقافية في الأحساء في عهد الدولة الجبرية، مصدر سابق: 713.

 

[44] . الفاخري،  محمد بن عمر (ت1277هـ)، تاريخ الفاخري، دراسة وتحقيق وتعليق: الأستاذ الدکتور عبد الله بن يوسف الشبل،  الأمانة العامة بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس المملکة العربية السعودية، دارة  الملك عبد العزيز،  الطبعة الثانية، 1419هـ ـ 1999م: 82.

 

[45] . أخبار الحاج وطريق مکة المعظمة، مصدر سابق1: 488.

 

[46] . تاريخ الفاخري، مصدر سابق: 82.

 

[47] . التاريخ السياسي لإمارة الجبور، مصدر سابق: 72.

 

[48] . قوافل الحج المارة بالعارض، مصدر سابق: 80.

 

[49] . التاريخ السياسي لإمارة الجبور، مصدر سابق: 78.

 

[50] . تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 468.

 

[51] . م . ن : 470.

 

[52] . العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية، مصدر سابق: 91.

 

[53] . تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية، مصدر سابق: 468.

 

[54] . العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية، مصدر سابق: 76.

 

[55] . العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية، مصدر سابق: 79.

 

[56] . قافلة الحج الأحسائية والسلطة العثمانية في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي، عبد الکريم بن عبد الله الوهبي، السجل العلمي للندوة العالمية الثامنة لدراسة تاريخ الجزيرة العربية، إصدار: مرکز الملك سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها، الرياض، الطبعة الأولى: 1441هـ ـ 2020م: 225.

 

[57] . قوافل الحاج المارة بالعارض، راشد بن محمد عساکر، مصدر سابق: 81.

 

[58] . الشلي، جمال الدين بن علوي بن أبي بکر، السنا الباهر بتکميل النور السافر في أخبار القرن العاشر، مخطوط: 251ـ255.

 

[59] . قوافل الحاج المارة بالعارض، راشد بن محمد عساکر، مصدر سابق: 81.

 

[60] . قوافل الحاجّ المارّة بالعارض،  م. ن، : 81.

 

[61] . بابکور، إعداد عمر سالم، حزام الأمن العثماني حول الحرمين الشريفين في القرن العاشر الهجري، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي الحديث بجامعة أم القرى بمکة المکرمة، إشراف الأستاذ الدکتور محمد عبد اللطيف البحراوي، 1407هـ ـ 1986م، غير منشورة: 349.

 

[62] . حزام الأمن العثماني حول الحرمين الشريفين، مصدر سابق: 348.

 

[63] . حزام الأمن العثماني حول الحرمين الشريفين، مصدر سابق: 358.

 

[64] . العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية، مصدر سابق: 113.

 

[65] . المرحلة سيره يوم عندهم، والتي تقدر بين 40. 70کم.

 

[66] . العثمانيون وشبه الجزيرة العربية، مصدر سابق: 114.

 

[67] . حزام الأمن العثماني حول الحرمين الشريفين، مصدر سابق: 347.

 

[68] . العثمانيون وشبه الجزيرة العربية، مصدر سابق: 119.

 

[69] . إيالة: کلمة ترکية تعني«جزء» في اللغة العربية، و«إيالة الأحساء» أو«ايالت الحسا»: أي جزء أو مقاطعة تابعة للسلطنة العثمانية في تلك الحقبة.

 

[70] . العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية، مصدر سابق: 176.

 

[71] . حزام الأمن العثماني حول الحرمين الشريفين، مصدر سابق: 413.

 

[72] . العثمانيون و شرق شبه الجزيرة العربية، مصدر سابق: 189.

 

[73] . حزام الأمن العثماني حول الحرمين الشريفين، مصدر سابق: 366.

 

[74] . حزام الأمن العثماني حول الحرمين الشريفين، مصدر سابق: 366.

 

[75] . بيلربي: کلمة ترکية معناها في اللغة العربية «سيد الأسياد». وهي في الأصل «بيکلربکي»: أمير أمراء «الرتبة الثانية  من رتب الباشوية»، وتلفظ (بيلربي) لأن الکاف الفارسية ياء. المصطلحات المتداولة في الدولة العثمانية، الدکتور محمود عامر، مجلة دراسات تاريخية، العددان (117ـ118)، کانون الثاني، حزيران لعام 2012م : 371.

 

[76] . کورشون، أ. د زکريا، د. محمد موسی القريني، سواحل نجد «الأحساء» في الأرشيف العثماني، الدار العربية للموسوعات: بيروت، الطبعة الأولى: 2005م ـ 1416هـ: 21.

 

[77] . قافلة الحج الأحسائية والسلطة العثمانية في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري، مصدر سابق: 227.

 

[78] . معاهدة أماسيا: معاهدة تمت التوقيع عليها في (29) مايو (1555م) بين شاه طهماسب من إيران الصفويّة والسلطان سليمان القانوني من الإمبراطوريّة العثمانيّة في مدينة أماسيا بترکيا، بعد الحرب العثمانيّة الصفويّة (1532ـ1555م) حددت المعاهدة الحدود والقواسم بين دولة إيران والإمبراطوريّة العثمانيّة وأعقبها عشرون عاماً من السلام، وبموجب هذه الاتفاقيّة يضمن العثمانيون وصول الحجاج الفارسيّين إلى المدن المقدسة الإسلاميّة في مکة المکرمة والمدينة المنورة، وکذلك زيارة الأماکن المقدسة الشيعيّة في العراق.

 

[79] . قافلة الحج الأحسائية والسلطة العثمانية في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري، مصدر سابق: 227.

 

[80] . الآستانة: هي (بالترکية العثمانية: آستان) بمعنى «عتبة السلطان» أو «عتبة الحکومة»، وهي الآن إسطنبول ثاني أکبر مدينة بترکيا، والذي قام بتغيير اسمها هو آتاتورك قائد الثورة الترکية العلمانية.

 

[81] . قافلة الحج الأحسائية والسلطة العثمانية في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري، مصدر سابق: 228.

 

[82] . م. ن : 227.

 

[83] . قافلة الحج الأحسائية والسلطة العثمانية في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري، مصدر سابق: 229.

 

[84] . م . ن: 229.

 

[85] . م . ن: 229.

 

[86] . قافلة الحج الأحسائية والسلطة العثمانية في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري، مصدر سابق: 230.

 

[87] . م . ن: 231.

 

[88] . م . ن : 233.

 

[89] . هو سنان باشا (981ـ982هـ)، فقد تم تعيينه على إيالة الحسا في شهر رجب سنة 981هـ، خلفاً لعثمان باشا، وقد أستمر وجوده کأمير أمراء الحسا لمدة ستة أشهر،  حيث توفي في إيالة الحسا في أوائل صفر تقريباً سنة 982هـ لمرض ألم به. العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية «إيالة الحسا»، مصدر سابق: 230.

 

[90] . هو عثمان بن آزدمود باشا (980ـ981هـ) فأول إشارة تشير لوجوده في الأحساء أواخر رجب 980هـ، خلفاً لعلي باشا، ويعتبر عثمان باشا من أبرز أمراء الإيلات العثمانية في تلك الفترة، وکان قوي الصلة بالمنطقة العربية حيث کان والده آزدمود أحد قادة المماليك في مصـر، وبعد سقوط دولتهم عمل في السلك العسکري العثماني حيث تولي إمارة اليمن، ثم إلى الساحل الغربي، ثم إلى إيالة الحسا سنة 980هـ، ثم نقل إلى إيالة البصرة في صفر سنة 981هـ العثمانيون وشرق شبه الجزيرة العربية «إيالة الحسا»، مصدر سابق: 229.

 

[91]. قوافل الحج المارة بالعارض من خلال وثيقة عثمانية مصدر سابق: 103.

 

[92] . قوافل الحج المارة بالعارض، مصدر سابق: 105ـ106.

 

[93] . سواحل نجد «الأحساء» في الأرشيف العثماني، مصدر سابق: 28.

 

[94] . سواحل نجد«الأحساء» في الأرشيف العثماني، مصدر سابق: 29.

 

[95] . م . ن : 35.

 

[96] . المدني، السيد ضامن بن شدقم الحسيني (کان حيّاً 1090هـ)، تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار، تحقيق: کامل سلمان الجبوري، نشر تراث مکتوب: قم، الطبعة الأولى: 1420هـ، 1999م، 2: 302.

 

[97] . جعفريان، رسول، خاطراتی از سفرهای حج از دوره صفوی،  کتاب ماه تاريخ و جغرافيا: 135. قام بترجمة النص المتعلق بالأحساء سماحة السيد عبد الهادي السيد علي الناصر السلمان، عن طريق الدکتور السيد مرعي الشخص.

 

[98] . ابن لعبون، حمد بن محمد بن ناصر (ت بعد 1257هـ)، تاريخ ابن لعبون، نسخة مقتطعة من خزانة التواريخ النجدية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، جمع و ترتيب وتصحيح عبد الله بن عبدالرحمن البسام: 148، تاريخ الفاخري، مصدر سابق: 88.

 

[99] . الوهبي، عبد الکريم بن عبد الله المنيف، بنو خالد وعلاقتهم بنجد1080 ـ 1208هـ، 1669ـ1794م، دار ثقيف للنشر والتوزيع: الرياض، الطبعة الأولى، 1410هـ ـ 1989م:  161.

 

[100] . الوهبي، عبد الکريم بن عبد الله المنيف، بنو خالد وعلاقتهم بنجد1080ـ1208هـ ، 1669ـ1794م، دار ثقيف للنشر والتوزيع: الرياض، الطبعة الأولى، 1410هـ ـ1989م: 372.

 

[101] . بنو خالد وعلاقتهم بنجد، مصدر سابق: 398.

 

[102] . منطقة تقع في الجزء الشمال الغربي من منطقة الرياض.

 

[103] . تاريخ ابن لعبون، مصدر سابق: 145.

 

[104] . بدر، د. عبد الباسط، التاريخ الشامل للمدينة المنورة، الناشر نفسه: المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1414هـ . 1993م، 2 : 379.

 

[105]. التاريخ الشامل للمدينة المنورة، مصدر سابق 2 : 380.

 

[106] . درويش، د. مديحة أحمد، تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين، دار الشروق: جدة، الطبعة الأولى، 1400هـ .1980م: 23.

 

[107] . الحنبلي، عثمان بن عبد الله بن بشر النجدي، عنوان المجد في تاريخ نجد، حققه وعلق عليه عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، دارة الملك عبد العزيز: الرياض، الطبعة الرابعة، 1402هـ . 1982م، 1 : 255.

 

[108] . عنوان المجد في تاريخ نجد، مصدر سابق 1 : 294.

 

[109] . تاريخ ابن لعبون، مصدر سابق: 227، عنوان المجد في تاريخ نجد، مصدر سابق 1 : 296.

 

[110] . م . ن 1 : 304.

 

[111] . م . ن  1 : 314.

 

[112] . عنوان المجد في تاريخ نجد، مصدر سابق 1 : 327.

 

[113] . م . ن 1 :330.