من أدب الحجّ

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف


المناجاة التاسعة، بمناسبة موسم الحجّ و قبل أن يحج.[1]

علي حمدان الرياحي

أشكو ولم تُصغ لـطول شكاتي

وأبقى يعيداً عنك في حسراتي

يُضرِّمـني  حـرّ  البعاد  فأتقــي

لظاه بدفق  السيل من عبراتي

أقاسي‌على‌جمر‌النوى‌لاعج‌النوى

وينعم غيري منك في عرفات

و يلثم أركان الحطيم و إغتدي

على‌البعد محروماً من القبلات

و ينفك من قيد الخطايا مُبرءاً

وأبقى حليف القيد في عثـراتي

 

* * *

 

أهذا الذي ألقاه من‌خالص الهوى

و صدق مديحي فيكمُ  و صلاتـي

أهذا  جزائي  بعد  فرط  تهلّـفي

وفرط صباباتي‌وصدق ثباتـي

ولو شـئت يا خير البرية رؤيـتي

لماحرمت من حسنكم  نظراتي

ولو شئت يا طه لقائي لما وَنـت

عن السير في‌درب‌اللقا خطواتي

 

*   *   *

 

أ يحظى بأعتاب النبي مخاتل

ويُحرَم منها صادق الوثبات

ويرزح في أبعاد لقياك شيّق

ويمرح فيها كاذب اللـهجات

 

*   *   *

 

و حقك  يؤذيني  لقاؤك  معشراً

له من صفات الحبّ دون صفاتي

ويسعدني أن‌يصبح‌الناس حبهم

كحبي و ذات العــاشقين كـذاتي

 

*   *   *

 

مُنى‌النفس‌كم أشتاق لقياك‌ في الكرى

وكم أتشهى  الطيف في غفواتي

وكم شفني  بُعد  الحطيم  و زمزم

وحرمان وجهي ‌من‌ ثرى ‌العتبات

 

*   *   *

 

أ اُحـرم يا طه لعوزي و لـم أنل

شهيَّ المنى من عاطر النفحات

وينعم ميسور وأبقى على النوى

أقاسي عناء البعد طول حياتي

وأهواك‌ ياخير الورى ‌أشرف الهوى

ولي من ‌قريضي‌ صادق ‌الكلمات

ولـي من  لباني في السرير  أدلة

ولي كل مالي من شتات عِظاة

ولي من تراث الوالدين وإخوتي

ولي نفر  من  صبيتي و بنـاتي

 

*   *   *

 

مُنى النفس صلني أليق شيق المنى

فلم  أرَ  شيئاً  كاللقاء  مؤاتي

و لاتذر اللقيا إلى مورد الردى

وصلني  بما  أرجوه  قبل مماتي

فداؤك نفسي كم تغنيت  شيّـقاً

وكم‌ضج‌بي‌‌صبري‌وطول‌أناتی

وكم ‌راودتني ‌في‌ الكرى ‌نشوة ‌الكرى

باسعاد طرفي منك باللحظات

فأقبــل كالنعمى صفاء ورقــة

و اُشرق في زاه من القسمات

وفي ‌القلب ‌من ‌فرط ‌الهوى ‌لاعج ‌المنى

لبرد ‌الهوى ‌من عاطر النسمات

وما أنا أرجو غير لقيـاك مطلباً

على‌ فرط‌ ما أحتاج من‌ طلبات

فخذ بيدي ياسيد الخلق‌ واكفني

عذاب ‌النوى‌ من ‌صارم ‌اللفحات

وكن ‌ياشفيع ‌الكون ‌شافع ‌ماجنت

يداي وما أسرفتُ من هفوات

 

*   *   *

 

لعلَّ خطيـئاتي موانـعُ بهجــتي

بلقـيا غوالي  بيتك  النضـرات

لعلَّ النوى يجلو فأغترف المـُنى

على‌ الجدث ‌القدسي والحُجرات

لعّلك ترضى عن محبٍّ متـيم

فأخلص‌ من‌ وزري ومن‌ عقباتي

6/11/1966م

ملاحم الحجّ

على طريق الحج من تبوك برأ حتى العودة إلى مقر عملي في الحسكة

حقّـق الله بعـد طــول المغيب

قرّة العـين فـي لقــاء الحبيـب

فاطمأني يا نفس عيشاً وتيهي

اذهبي يا كروب حزني وذوبي

لا تبالي - و للنبي سفاري-

بمزيد ا لأسى و فرط الذنــوبِ

وأنا أستضيف ‌أكرم خلق الله

ريحــانة  النـدى و الطيــوب

سيّد المرسلين خير البــرايا

عاصم اللائذين من كلّ حوب

يا حبيبي جدَّ الحسين ترفق

برحيـلي على طـوال الدروبِ

أنا آتٍ إليك من بلد نـاء

بقـلب كـواه حـرُّ الـوجيــــب

تاركاً في سبيل حبّك أهلاً

يتلـظون فـرقــتي و مـغيبــي

أنا ‌آتٍ‌ وما‌تركت صغاري

عن شمالي لو لم تكن في الجنوب

أنا‌آتٍ‌ والقلب يوشك أن

ينسـاب مـني للقيــه المحبـوب

والهاً شيقاً  لأملاء دنــي

من‌ سلاف‌الرضى وإتراع كوبي

 

 على الضريح الشريف وفي روضة القدسية

يا حبيــبي ومـن أحبُّ وأرجـو

خير من يرتجـي و أسما حبيـب

أنا ضيف لديك و الضيف يا طه

عزيز على الكــريم الحسيــب

أنا ضيـف و الضيـف لا يمنــع

عنـد الكــريم من مـطلــوب

أنـا ضيـف و سيئــاتي عـداد

و حيـاتي كثـيرة التـعذيـــب

أنا ضيـف و عاشـق و وفــيّ

وشهــودي تـذللـي و نحيبـي

أنا ضيف ولستُ أرضى إذا لم

أتلـق لـديك أوفـى نصيــب

 

*   *   *

 

يا حبيبـي أنتَ الكريمُ المرجّى

للمحبين عند قرعِ الخطوب

وعليك الغريـب يقصـر نجواه

وسـاواه يا أنيسَ الغـريب

وأنا هاهنا غـريبٌ و ما لـي

غير حبّي ودمعيَ المسكوب

ياحبيبي تركتُ أهلي وأطفالي

على ذمّة الحسيب الرقيـب‌ِ

مقبلاً أستميـح عفوك ياطــه

رجاء المعــذّب المغلــوب

والنسيم القدسـيُّ ينفح برديّ

و ينـدي عليَّ حرُّ اللهـيب

لاأبالي شُعث ‌الدروب‌ وهوجاء

تذرّ الرمال عنـد الهبــوب

و بواد تموج باللـهب الحانـي

على كلّ أبطـح و كثيــب

من  تبوكٍ لخيــبر  لجبــال

حانيات لفضلك الموهـوب‌ِ

وكأنّي بها تلوح للماضــي

و توحي بكلّ فتح رهيـب‌ِ

غـزواتٌ و يا لـها غـزواتٍ

في ‌سبيل ‌الهدى ومحو المريب

ركزت راية‌ النبي ‌على‌ الشمس

وأوحت بكلّ سفر عجيب

و تذكـرتُ جعفراً وعـليــّاً

وتـذكرتُ داميات الحروب‌ِ

وتذكرتُ حصن خيبر والباب

و إعجـاز سفـره المكتوب

و الشهيدين  حمــزة و عبيداً

والعديدين ‌من‌ حُداة‌ الكروب

 

*   *   *

 

ها هنا كنت يا محمّـد تمشـي

وهنا الخطـو نافح بالطيوب

وبعين الخيال كنت‌ أرى‌ خطوك

في  كلّ  ربـوة  و قليــب

و أرى من عبير ذكراك نفحاً

كلّما لاح‌ شامخ‌ من عسيب

 

*   *   *

 

يا حبيبي كم راود الطرف حلم

و براه شـوق للقيا حبيـبي

و لكم حسرة البعـاد تلـظيتُ

و عانيت بالجوى المشبوب

وقضى الحب أن أزورك ياطه

و جاشت لوافـح الترغيب

فانبرى ‌القلب‌ يسبق ‌الطرف ‌حتى

كدت ‌أمسي ‌كلوا له ‌المسلوب

عالقاً بيـن حيـرة و يقيـن

و شروق من المنى و غروب

 

*   *   *

 

أصحيـح سفارنـا أم  خيـال

حـاكه طـرف حالم بالغيوب

وسفاري يا خير خير البرايا

لا لذنب و لا لكشف عيوب

ومشينا و ما تجاوزت أحداً

وتراءت رحابكم من قريب

و إذا بيتـك المطهـّر يزهـو

من بعيد بكلّ  لـون قشيب

و إذا الأربع المآذن تبــدو

زاهيات  بحلّة  الترحيــب

و إذا يثرب يضوع شذاها

من ‌شذى ‌أحمد بخير الطيوب

دعاء في قمّة عرفات

يا إلهي ياخير من يقصد العافي

و يرجوه يا سميع الدعـاء

يا إلهي قرعتُ بابك و الأيمـان

يحـدو توسلي و رجائـي

و شفيعي لديك خير البرايــا

سيد المرسلين  و الشفعاء

من له منك كلّ مـا يبتغيــه

أحمد المصطفى أبوالزهراء

يا إلهي بحبـّه منـك صلنــي

صلةَ  الأولياء والأصفياء

يا إلهي بحقّـه منـك هبنــي

كلّ ما أبتغي وكرّم إبائي

يا إلهي بقربه منـك زدنــي

شغفاً فيه مستمرّ النمـاء

يا إلهي بحقّ أحمـد هبنــي

منة الانعتاق من كلّ داء

يا إلهي بحقّ أحمـد هبنــي

كشف‌ضرّي‌وشقوتي‌وبلائي

يا إلهي يـا مـن تفــرّدت

بالعزة والجاه والكبـرياء

يا مجيب الدعاء يا متجلّي

يا ملاذ العفاة والضعفاء

يا إلهي بموقفي محرماً أدعو

بشعري بأدمعي بصفائي

يا إلهي بحقّ خير البرايـا

سيد المرسلين والأنبيـاء

يا إلهي لا تبلُـني بعـذاب

ياغنياً عن‌محنتي وابتلائي

 

*   *   *

 

وتقبل سعيي وحجي وبارك

عُمرتي ياقريب يا غير نائي

يا غنياً عن السؤال تلطّـف

بسؤالـي يا خالـق اللطفـاء

يا قوياً قوِّ بأحمـد ضعفـي

يا غنيـاً عن قـوة الأقويـاء

يا إلهي أدعوك في عرفات

بالنبـي الكريم  بالأوصيـاء

وأنا أستميح عفوك يا رب‌ِ

بـذلّ و توبـة و رجــــاء

فترفّـق بتوبتـي ومـآبـي

و تقـبّل توسـلي ودعائـي

يا إلهي أتيت أستغفر الذنب

و أدعوك من مكان نائــي

أشعثاً أغبراً يُضرّم جسمي

شظف من تلوّن الأجـواء

ضارعاً مخلصاً إليك رجائي

قاصداً قاصراً عليك ابتغائي

 

*   *   *

 

يا إلهي دعوتنا فأجبنـاك

كما شئت دونـمـا إبطاء

وتركنا زوجاتنـا وبنينـا

يا إلهي إجـابة للنــداء

و أتينا إليك في عرفـاتٍ

من شتات الألوان والأجزاء

 

*   *   *

 

يا إلهي وخالقـي ومليـكي

وخبير المـحبّ ممن يرائـي

بوقوفي لديـك في عرفـات

بطوافي بحَجَّـتي بانتمــائي

بالنبي ‌الكريم بالآل‌ والصحب

من الأكرمين  و الخلصـاء

 

*   *   *

 

يا إلهي بارك طوافي وحجّي

و تقبّل تذلّلي و انحنائـي

و تلطّف بموطنـي يا إلهـي

واحْمه من براثن الأعداء

 

*   *   *

 

يا إلهـي أنت الغنـي ومــا

تنقص نعماك كثرة من عـطاء

فاغنني عن سواك يـا رب

وارحمني بنفح من‌بهجة وهناء

و أعـدني مطهّـراً مطمئنـاً

آمنــاً منـك شـرّ كلّ بـلاء

وارْعَ أهلي وزوجتي وصغاري

واكسُهم حلّة الرضا والرخاء

يا إلـهي أنت المـلاذ و ما لـي

ملجأ غير أوبتـي و ولائـي

فأنلْني منك السعادة في الدارين

و احفظْ ترفّعـي و إبائــي

في الكعبة الشريفة

يا إلهي دخلت بيتك ملتاعـاً

كئيبـاً معذبـاً مستجيــراً

مستعينـاً و مقلتـايَ إلــى

بيتك ترنو وتعظم التكبيراً

تكبر القدرة العلية في البيت

و سراً من الإلـه ظهيــراً

 

*   *   *

 

حجراتٌ من الحجارة أضحت

بيت ربٍّ مطـهّراً تطهيـرا

حجراتٌ أضحت يحـجّ إليهـا

كـلّ فرد مكلفـاً مأمـورا

و غدت كعبة تكـرم نعمـاها

و تعلي لها المقام الخطيـرا

و لها تنحني الجباه خشوعـاً

وخضوعاً تبارك التصويرا

قبلة الساجدين من كلّ فـج‌ٍ

ومزار لمن يرى أن يزورا

 

*   *   *

 

يا إلهي دخلت بيتـك محزونــاً

فهبني بحـقّ بيتـك خيـرا

لا تذرني بحقّ كعبتك الزهـراء

أشكو همّاً و غمّاَ و ضيرا

يا إلهي أدعو و بيتك يرعانـي

ويرعى من العفاة الكثيرا

يا إلهي أدعو وكعبتك الزهراء

في ناظري تشعشع نـورا

يا إلهي أدعو و بيتك يرعانـي

و فيه ألقى عذاباً مريـرا

مرض شفّني وما كان عهدي

أن ألاقي به عناءً عسيرا

أ بهذا يعامل اللائذ العــافي

ويلقي لديك هذا المصيرا

أ بهذا يعامل الضيف ياربّ

ويرجو منك الهناء الوفيرا

 

*   *   *

 

يـا إلهـي بحقّ بيتك هــذا

سوّني في لقاه عبداً شكورا

يـا إلهـي بحقّ بيتك هــذا

لقّني منك نضرةً و سـرورا

يـا إلهـي بحقّ بيتك هــذا

و إنا فيه أمعن التفكيــرا

لا تكلني لغير عفوك يارب

و هبني من الحياة اليسيرا

لاتذرني ‌أشكو لغيرك واجعل

كلّ ذنب أتيتــه مغفـورا

 

*   *   *

 

يا إلهي أصوغُ في بيتك الشعر

جمانـاً و لـؤلـؤاً منثــورا

و أزفُّ القريض فيه غــوال‌ٍ

قاصرات عيناً فرائدَ حورا

فتقبلهـا يا سميـع و هبنــي

ياإلهي على القليل الكثيرا

يا إلهـي بحقّ بيتـك هــذا

خير بيت أعظمته تقديـرا

يا إلهـي بحقّ بيتـك هــذا

خير بيت أردته معمـورا

وبحقّ الأب المعظم إبراهيم

أكـرمْ عظيمنا و الصغيرا

وبحقّ الصفا ومروَتك العظمى

و سعي‌ٍ جعلتـه مشكــورا

وبحقّ الطواف في بيتك الأطهر

يا ربّ لا تُذقنـا شــرورا

يا إلهـي بزمـزم و بإسماعيـل

والحجّ خالصاً و طهــورا

لا تذقني بحقّ طـه و حجـي

والتجائي إليك طعماً مريرا

 في وداع الكعبة

كعبــةُ الله و النبـيُّ وداعــاً

بقي الجسم ها هنا وما استطاعا

أنا إن كنت قد تركت متاعـاً

من فـؤادي فقـد حملت متاعـا

يا تراث الإله ما ضرّ جهدي

أن تجشّـمتُ هاهنا الأوجــاء

أو تلضيتُ بعدأهلي وصحبي

و تحمـلت ذلّـة  و انصياعــا

لا أرى في ربوع مكـة إلّاك

ضيـاء و بهجـة و شعـاعــا

 

*   *   *

 

كعبة الله ما تـركــت جفـاء

لا ونعماك أو أردت الوداعـا

كعبة الله إن بعـدتُ بجسـمي

ففؤادي لم يبتعد منـك باعــا

كعبة الله ما تحسبت يـومــاً

أن ألاقي على الفراق‌التياعـا

يامنى‌النفس‌والذي‌زينّ‌القلب

للقيـاك بهجـة و اتسـاعــا

ما تجشمت مثل بعدك بعـداً

أو تلضيت حرقة و صداعـا

حمّلتنـي نعمـاك أجمل ذكـر‌ٍ

وسقتني من ‌مرشف‌ النور صاعا

يا محجاً تبارك التـُرب فيـه

فغدا  أشرف  البقاع بقاعــا

كلما ازددتُ ذلة في هــواه

زادني الله  عزة و ارتفاعــا

فإلى العودة الكريمة يامشعل

نور الهدى وداعـاً وداعــا

 في وداع الرسول ا لأعظم9 وفي الروضة القدسية

يا حبيبي جدّ الحسين سلامـاً

من محبٍّ متيّم بــك هـامــا

صهر العمر في هواك ومـا زال

وفيـاً و أنفــذ الأيـامــا

يا حبيبـي ماذا أبثُّ وأشـكو

وقد أصبح الرحيل لزامـا

و بقـائي لديك بضع سويعـاتٍ

قصار وما اكتفيتُ مقامـا

و غداً يا محمّـد سوف أمضـي

تاركاً هاهنا لألقى الشامـا

و غداً يا محمّـد لـستُ أدري

كيف ‌أطفي‌ على ‌الفراق ‌الضراما

و غداً يا محمّـد لـستُ أدري

كيف أقصي عن‌العيون المقاما

 

*   *   *

 

يا حبيبي و أنت تعـلم ما بــي

من ولاء صفا وحبٍّ تسامى

يا حبيبي و أنت تعلم ما أنفدتُ

فـي محنـة الأسـى أعوامــا

و أنا صـابـرٌ ولـوعٌ مشــوق

لأداوي بملتقـاك السقـامــا

و التقينـا و الحمـد لله ربــيّ

وحباني على البعاد المرامـا

و غداً سوف لا أراك وألقـى

كلّ يوم في البعد يعدل عاما

لست أدري وبيننا شاسعات

ضرب البعد في سراها الخياما

أو تنسى على البعـاد محبّـاً

زار أعتابكم و وفّى الذمامـا

أو تنسى على البعاد مشوقاً

عالقـاً في هـواكم مُستهامــا

أو تنسى وقد أناخ مطايـاه

بأعتـاب بيتـكم و ترامــى

أو تنسى و لم تهـوِّن عليـه

و تبـارك بمقـلتيـه المنامــا

 

*   *   *

 

يا حبيبي إذا تشوقت لقياكـم

و عزّت فعـطّر الأحلامــا

يا حبيبي إذا سألتـك شيئــاً

لا تخيب وتشمت اللوامـا

يا حبيبي إذا عرتنى العوادي

ودجا قاتم عليَّ وحامــا

أو إذا نابني من الدهر خطب

وترجَّيتُ نصرة واعتصاما

لا تذرني بحقّ حبّك وارحـم

لدموعي تذللاً وانسجاما

 

*   *   *

 

يا حبيبي بحـقّ آلك لا تنـس

على البعد لوعة و هيامــا

يا حبيبي إذا بعثـت سـلامــاً

من بعيد لكم فرُدَّ السلامـا

يا حبيبي بحـقّ آلك لا تنـس

محبـّاً بكم  أفاق  و نامــا

يا حبيبي سأذهب اليوم فاسمح

إن تجاوزت ‌من‌ علاك ‌احتراما

 

*   *   *

على أثر مرض في مسجد رسول الله9 في المدينة المنورة

أ أمرض عندك يا أحمــد

وأنت الشفيع الذي يقصد

حميت الحمائم يا مصطفى

فطاب لها العيش والمورد

و لـم تتـغنّ غنائـي لديــك

و لا نغيها مثلمـا أنشــد

أ أمرض بعد السفار الطويـل

للقُيا رحابـك يـا أحمــد

وأرجو طبيباً لوصف العلاج

وأنت هنا المسعف الأوحد

فعطفك يا سيـد المـرسـلين

و فرط حنانـك لا ينفــد

و لفتـة حبّ إلـى عاشــق

أضـرّ بـه الألـم المجهــد

أحبـّك أكثـر مـن نفســه

و لامسه بيتـك الأسعــد

وصلّى بمحرابك المستفيض

بطهـر قـداستـه سرمــد

وفي مهبط‌الوحي‌بثّ‌ الولاء

و أدّى الصـلاة لمن يُعبـد

وفي روضة‌الطّهر شطرالجنان

سجدتُ إلى من له يُسجد

 

*   *   *

 

فيا ألقاً فـي السماء الهـدى

ويا مفرداً لـم تَنلـه يــد

ألـمّ بجسمي بعض السقـام

ولُذتُ ببيتـك أستنجــد

ومابعد هذا أرى أن أخيب

ويعثر حطّي و لا يَسعـد

و ما بعـد حبّـي أرى ذلـّـة

لهـا باب نعمائكم يوصــد

فيـا سيـد القـادة المرسـلين

و يا خير من حلق الأوحد

أجزني بفضلك حسن الشفاء

وهب لي من‌الذكر ما يُحمد

  12/3/1967م

*   *   *

الحــجّ

(البسيط) أحمدحسن الدجيلي.[2]

الحجُّ جـاء به التنزيـل والرســلُ

ونوّهت باسمـه الأحكامُ و الدول

وعظّمت شأنه الأعصـار فانبجـل

آياتـه و روتهـا القــادةُ الأول

من كـلّ مَن كان في تاريخه مثـلاً

وقد حـوى كُلّ مجدٍ ذلك‌الرجلُ

ومن هـداه إلى التوفيـق بارئــه

فراح يدعو بقـلب ملـؤُه أمـل

يدعو إلى حـجّ بيـت الله مجتهـداً

فإنّ‌ في‌ساحة روض‌المنى خضلُ[3]

وصار للناس كالروض البهي إذا

ما داعبته الصبا والعارض‌الهطَلُ[4]

 

ولاح جنة عدن للذيـن مشــى

خوف الإله بهم واستعظم الزللُ

آمنتُ إنّ الذي سارت ركائبهـم

إليك ياربّ للرضوان قد‌وصلوا

لابدّ تغمرهم بالعفو منـك و هُم

ضيوف بيتك فاكْلأهم فقد نزلوا

*   *   *

 

لبيك لبيك يا مَن مِن نداه مشت

قوافل سرنَ في ركبانهـا الإبـلُ

أجل وذلك (إبراهيم) حين دَعا

للحجّ وهو الرسول الفارس‌البطلُ

ما هِبْتُ نمرود أو حُـكّام دولتـه

ولا أصابـك مـن نيـرانه وجــلُ

قد كنت أقوى ولكن بالتُقى وهُمُ

بالشرك‌أضعف‌ماجاؤوا وماحتملوا

هَشّمت أوثانهم بالفأس فاعترفوا

بما اجتروا نحو باريهم وما فعلـوا.[5]

واُطفئـتْ نار نمـرود و عصبتــه

من بعد ما اندلعتْ في الجوّ تشتعل

وكان أن عـاد إبراهيـم منتصـراً

وخصمه الجبت‌والطاغوت قدفشلوا

 

*   *   *

 

وثـمّ ربّـك أوحـى للملائـك أن

يُـقام بيـتٌ ذرى أركانـه الأســلُ[6]

بيـتٌ دعائمه التوحيـد خالصـة

بظلّـه يأمـن العـافـون و النــزلُ

بيـتٌ فلا تُبـّعٌ  يحتـلّ قلعتـــه

بجنده لا ولا الأحباش و الهُمَــلُ[7]

قـد جاء أبرهة والفيل يصحبــه

والجيش من خلفه يقتاده الأمــل

حتى أناخ بأرض كان مصرعــه

بها ومن كان من أصحابه قُتـلوا[8]

وقيل بُعـداً وسحقاً للذين عتـوا

حتى لقد عاد فيهم يُضربُ المثـلُ

 

*   *   *

 

و راح يبنـي خليـل الله كعبتـه

للوافدين وصرحاً دونـه زُحـلُ

أقامـه مثلاً أعلى لمـن جهلـوا

أسراره و منـاراً فيـه نحتفـــلُ

لله أنـت فمـا زالــت معالِمُـهُ

تهفوالنفوسُ لها من قبل ماتصل

يا ربّ كعبتـك الشَّمّاء خالـدة

لأنـّها من قديم‌ٍ شادهــا الأزلُ

منازل هي أمْ شهبٌ تشعُّ لمـن

يأتي إلى حـجّ بيت الله يبتهـلُ

هذي هي‌الكعبةُ الغراء‌شاخصةٌ

تنحط عن مثلها الأهرامُ‌والقللُ

وذلك الحرمُ السامي وما ذكروا

لنـا به من أعاجيب‌ٍ وما نقلـوا

تظـلّ شـامخـة أركانــه أبــداً

الصبح يأخذ من مسماه والطَفَلُ[9]

وفي هدى‌(عرفات) أو(منى) أثرٌ

يبقى مناراً مـع التـاريخ ينتقـلُ[10]

يحارُ فكرالأديب الحر وهو يرى

تلك الخلايق في ساحاتهـا نزلـوا

لمن تحشَّد هذا الخلق واجتمعوا

وما الـذي طلبوه حينما دخلـوا

كأنـَّما كان يوم الحشر فانبعثوا

جميعهـم أو غزاهم سائقٌ عجـلُ

ولو تأمّلت آيات الكتاب وهم

يتلـونها بانكسـار أنـَّهم ثملــوا

تعلّقـوا بإلـه الكون خالقهــم

وصار كُلّ إليه تشخـص المُقـلُ

هذي المنازل مرَّ الأنبيـاء بهـا

والأوصياء ومن سلسالها نهلـوا

أولاء طافوا ببيت‌الله واعتمروا

وقدّموا المال ماشحوا وما بخلوا

قد أحرموا ثمّ طافوا ثمّ مالبثوا

قدأحرزواالنصرَوالرضوان‌وارتحلوا

 

*   *   *

 

فقل لمن عن أداء الحجّ قدضعُفت

به العزيمـة أو أعرى به الكسـلُ

لاهٍ  بمـا جمعت كفّاه من نشـب ٍ

حتى على غرّة وافى له الأجـلُ[11]

فكان عقباه عقبى الأغبياء فمـا

زادٌ لديه وما في كأسه وشــلُ[12]

لكنـّما ليت شعري من يشفّعـه

و من عليه بيوم الحشر يتَّـكلُ؟

 

*   *   *

 

ياربّ وافتك نجوى‌الروح خائفة

إلى مقامك يكسو خدّهاالخجـلُ

فاحرس بعينك منشيها وصانعها

وإن‌يكن منك هذاالفيض والحلُلُ

 

*   *   *

أرىَ الحُجّاج أفواجاً تهاووا

بشّار

أتيتك يا إلهي مستجيباً

ألـبّي دعوة الحجّ العظيم

وأطمع أن أفوز وأن اُلبّي

بحجّ البيت والرزق الكريم

وبالبركات والرحمات حتى

تساعدني على العمل القويم

فأنت العون ربّي بل رجائي

وسترك لي كقبض من نعيم

بك اللهمّ إنّي مستجير

من الشيطان والعمل الذميم

وتعلم يا عليم بكلّ ذنبي

فعفوك يا غفور ويا رحيمي

فنفسي بالمساوىء في هلاك

وقلبي بالندامة في جحيم

وحالي كالمريض فلا شفاء

بغير دوائك الشافي السليم

فكم إعصيك يا ربّي افتراء

فتقبّلْ توبتي حين القدوم

وأعرضْ حين أعرض عنك جهلاً

فتمهلني بلطفٍ من حميم

أطوف بكعبة الإسلام أدعو

وأسعى طالباً عفو الحليم

وقفت أمام معجزة ذهولاً

كأنّي فوق أعمدة النجوم

فهذي كعبة الدنيا منار

وذاك الخلق بحر من جسوم

وحول البيت أصوات تعالت

تكبّر حكمة الله الحكيم

و زّي واحد عمّ البرايا

بلون الثلج ألطف من نسيم

وخلق قد تسوى من صغير

قليل الشأن مع رجل زعيم

أرى الحجاج أفواجاً تهاووا

إلى البيت العتيق المستديم

أتوا من كلّ لون بل وفجّ

بعيدٍ بالمكان والتخوم

ورغم تفاوت الأقدار فيهم

تساووا عند رحمن رحيم

فحمداً يا إلهي مستفيضاً

لك اللهمّ يا باري الأديم

فهذا موكب الإيمان يمشي

بفكر‌ٍ للجديد وللقديم

ونور‌ٍ قد تجلّى في كتاب

يعود هداه بالنفع العميم

وأنّ نبينا للرّشد أدّى

هدى الإيمان بالوحي الكريم

وأسّس دولة مثلي أضاءت

طريق النصر والحكم المروم

له منّا السلام على حبيب

سقانا النور من نور العليم

فعوناً يا إله الكون عوناً

على ثقل ألامانة والهموم

فإنّا أمّة أضحت شتاناً

تفاد لغير ذي الخلق العظيم

أعدّها للشريعة يا إلهي

لتنهض بالجهاد وبالعلوم

وتنعم في ظلال الدين حتى

تسير على صراط مستقيم.[13]

*   *   *

حنيـنٌ إلىَ الكعْبـة

د. محمد كامل سليمان

شفةُ الدموع تقبّلَ الأعتابا

وجناحُ حبّي يحضن الأبوابا

وحنين قلبي يا فراشاً حائماً

في كلّ ركن يمسح الأهدابا

زيدي على الأيام عزاً واسلمي

يا كعبة جعلت هدىً ومثابا

وضّأت بالتحنان أحلام اللقاء

شوقاً إليها ، قاهراً ، غلاباً

ونثرتُ حبّات الفؤاد بأرضها

لتكونَ في أطيابها أطيابا

ربّاه نار الحبّ تصهل لم تنم

أبداً تسافر بالسؤال جوابا

لبـّيك جئتك من متاحات السـرى

خلفي الصحارى تشحذ الأنيابا

وشراع شوقي ظاميء في لجّة

سبق الرياح ليبلغ الأحبابا

زيّنت بالإخلاص عقد محبتي

وغرست في قلبي الخشوع شرابا

لا توحش استيناس إيماني ولا

تدع الظلام يلفني سردابا

فقضاء روحي بالمتاب غسلته

وبنيت من نجوى الصلاة قبابا

وشربتُ من كأس الولاء لأحمد

ولآلـه درّ الوفـا أنخابا

طلّقت اغراء النفوس وغـيّـها

وتركتُ اغواء الغرور يبابا

أحرقت في نار السلام تشككي

ولبست من برد اليقين ثيابا

سفُنُ المعارف في فؤداي أبحرت

للشاطيء الهاني تروم مآبا

ألبسن من دفء الشهود عباءة

لأرى الشكوك خديعة وسرابا

لبـّيك إنّي تائبٌ مستغفر

فاقبل إلهي مندماً ومتابا

يا ربّ واقبل من أتاك ملبياً

بسوى فنائك لا ينيخ ركابا

السائل المعز أعياه السرى

أتصدّ دون دخوله الأبوابا

لرحاب جودك قد حدوت ركائبي

إنّي قصدت الغافر التّوابا

حاشاك أرجع عن حماك بخيبة

أو لستَ أنت المانح الوهّابا

فاقبلْ قرابين المحبّ، ولا تدع

ذنباً وبيّض صفحة وكتابا

واعتقه من نار الجحيم، فإنّه

من حوض عفوك يترع الأكوابا

واغسلْ إله العالمين تكرّماً

آثام عبدٍ للإله أنابا

طهّره من حوب الذنوب، تولّه

ألبسه من محيي الرجا جلبابا

واجعله من صحب الإمام المرتجى

حقق له الأحلام والأرغابا.[14]

 

[1]. الحاج علي حمدان الرياحي، الشعر الحلال محمد والآل، الطبعة الأولى، 1398هـ /1978م، دارالزهراء ـ بيروت .

 

[2]. أحمدحسن الدجيلي، ديوان النخيل 2 : 226، تحقيق: رعدالدجيلي، النجف‌الأشرف، المكتبةالأدبية ‌المختصة، 1436هـ = 2015م، الطبعة‌الأولى .

 

[3]. خضل : ندي و طري .

 

[4]. الصبا : الريح الطيبة من الشمال ؛ العارض الـهَطَل : السحاب أو المطر الغزير .

 

[5]. إشارة لقوله تعالى (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إلّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ يَرْجِعُونَ...)، سورةالأنبياء: 58،64،65.

 

[6]. الأسل : الرماح وكلّ حديد رهيف .

 

[7]3. أشارة لقوله تعالى: (وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تََُّّّبّع‌ٍ كُلٌّ كَذَّبَ الُّرسُلَ فَحَقَّ وَعِيد)، وتُبّع: هو أحد ملوك اليمن الذي أراد هدم البيت الحرام وتحويل حجارته إلى اليمن لبناء بيت هناك تعظمه العرب، فاعترضته علّة في ليلته ثمّ رجع عمّا أضمر وطاف بالبيت وعظّمه ونحر وحلق رأسه وذهبت علته...،تاريخ اليعقوبي1: 14 والأحباش: أو الحبشان نسبة إلى الحبشة ومفردها حبشي: حبش من السودان والهمل: الأبل المتروكة .

 

[8]. إشارة لقوله تعالى في سورة الفيل: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) .

 

[9]. الطِفل: الليل ؛ الطَفَل: الظلمة .

 

[10]. عرفات أو عرفة: موضع و الحجاج يقفون هناك في اليوم التاسع من ذي‌الحجة. منى: موضع قريب من مكة‌المكرمة تُرمى بها الجمرات .

 

[11]. النشب : المال والعقار ؛ على غرة : فجأة .

 

[12]. الوشل : المتبقي في الكأس .

 

[13]. مجلّة العرفان اللبنانية، العدد 7،  71 : 75 ـ 76 .

 

[14]. مجلّة العرفان اللبنانية، العددان 1و2، 74 : 111 ـ 112 .