الدور الثقافي للحجّ زمن سلاطين المماليك 648هـ/ 923م

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

المستخلص

الحجٌّ قديم بين الأمم، وهو من أقدم العبادات التي عرفتها الإنسانية، والغرض منه على كلّ حال أمر دينيٌّ محض، وإن كان الاجتماع فيه لا يخلو من الفوائد الدنيوية والمنافع الشاملة التي تزيد في رقي الأمة أدبياً ومادياً وثقافياً، وهو ركن الإسلام المجمع عليه منذ أن دعا إليه أبو الأنبياء إبراهيم7، وأقام له أول بيت وضع للناس على أساس التوحيد لله سبحانه وتعالى، وكانت العرب تؤدي هذه الشعيرة فيما بين زمن إبراهيم وإسماعيل8، ورسالة ابنهما من بعدهما خاتم النبيّين والمرسلين9، وقد شكّل الحجّ بتاريخه وأهميّته على مرّ العصور عنصراً عظيماً من عناصر التاريخ الإسلامي. و نحدث في هذه المقالة عن الدور الثقافي للحج زمن سلاطین الممالیك

ويحدثنا التاريخ أنّ حجاج بيت الله الكريم في هذه الفترة أي زمن سلاطين المماليك كانوا يعانون ألواناً من المتاعب، ويتجشمون جميع أنواع المصاعب؛ من حيث سفرهم ومجيؤهم من أقاصي الدنيا إلى البلاد المقدّسة في كلّ عام لحجّ بيت الله الحرام، وزيارة قبر سيد الأنام9، وهم تحت ظلال الشراع البدائية الضعيفة في البحر، وعلى ظهور الإبل الهزيلة في البرّ.[1]

ويؤكّد تلك المتاعب كثير من المؤرخين، فابن بطوطة حين وصل إلى عيذاب،[2] وهو في طريق حجّه سنة725هـ وحد الحدّ ربي سلطان البُجاه في معارك حامية مع الأتراك وقد خرق المراكب، لهذا قال ابن بطوطة: «فتعذر سفرنا في البحر، فبعنا ما كنّا أعددناه من الزاد، وعدنا مع العرب الذين اكترينا الجمال منهم إلى صعيد مصر».[3]

والمصاعب التي عانى منها الحجاج في طريقهم إلى بيت الله الحرام، أو الأماكن المقدسة في تلك الفترة كثيرة ومتباينة ما بين طبيعة لا ترحم من عطش وحرّ وجدب إلى هجمات الأعراب والتجار عليهم في طرقهم برّاً وبحراً، فضلاً عن متاعبهم المحدقة بهم من حكّام الحجاز وخاصّةً مكة وغيرها مما لا يتسع ذكره في عجالة هذا البحث، ومع كلّ هذه الأخطار التي أنزلها الزمان والإنسان على الحُجّاج لم يتوقف الحجّ، ولم يمنعهم عنه مانع مهما عظم شأنه، ولذلك لم يُسمع أنّ الحجاج انقطعوا في سنة من السنين عنه، لأنّهم كانوا يفدون من شتى بقاع العالم الإسلامي، غير مبالين في سبيل تحقيق مقصدهم إلى بيت الله الكريم، وما إن تهل الكعبة أمام أبصارهم لأول وهلة حتى ينسى المسلم منهم جوعه، وينسى عريه، وينسى ظمأه، وكلّ أحبابه فيهتف مع عشرات ألوف الحناجر الهاتفة: (لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لاشريك لك لبّيك...).

فما أصغر الدنيا! وما أسرع ما تطوى بما فيها من متاعب وعقبات! فيبقى هناك أمر واحد، وشخص واحد فقط، إنسان في ثوب أبيض وبقلب أبيض... يطوف حول البيت الذي جعله الله مثابةً للناس وأمناً.[4]

وذكر بعض المؤرّخين في هذا الصدد قائلاً: ومن الغريب أنّ كلّ من يعثر بصره لأول وهلة على الكعبة تراه في دهشة كبيرة، لا لكون بصره وقع على شيء لم يتعود النظر إليه، ولكن لما يعتريه من الخشية والرهبة!! فترى هؤلاء المشاهدين تأخذهم هزة كبيرة من هذا المنظر المهيب، ومنهم من يقف لحظة في مكان المتأدب المستكين المتصاغر أمام هذه العظمة الكبرى، ومنهم من يصرخ بصوت الخوف، ولسانه يلهث بكلمات منفصلة عن بعضها، ومنهم من يجهش بالبكاء، فلا تسمع له غير نحيب يختنق معه صوته، وتنقطع معه أنفاسه...[5]

هذه لمحة خاطفة من معاناة الحجّاج في طريق ركبهم، والتي حدثت أكثر في بلاد الحجاز على مدار هذه الفترة سياسياً، وحيث تطلّب موضوع البحث الإيجاز يستطيع القارئ أن يتلمّسها وغيرها من المصادر، لاسيما كتب الحوليات التي تحكي حوادث السنين، لكنّني أشرت إليها هنا في عجالة؛ لأنّ الدور الثقافي للحج خلال هذه الفترة لابدّ أن يتأثر سلباً أو إيجاباً بالعوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية هذا من ناحية، ورأيت أيضاً أنّه لا يمكن أن تكون الناحية الثقافية زمن المتاعب والمصاعب والفتن والحروب بمستوى حالتها في الزمن الذي يسود الأمن البلاد والعباد ويعمّ الجميع الطمأنينة وازدهار المعيشة، لكن مع كلّ ما حدث فلم ولن تتوقف عجلة المسيرة العلمية، ولابدّ أن تسير قدماً إلى الأمام؛ لأنّ العلم دين، والله تعالى قد تكفل بحفظه في قوله: (إنّا نحن نزّلنا الذّكْر وإنّا له لحافظونَ).[6]

الحج منتدى العبادات وملتقى الثقافات :

الحجّ هو ركن الإسلام الخامس لمن استطاع إليه سبيلاً، وفريضته مؤكّدة من خلال آيات الله وسنة رسول الله9 شريطة الاستطاعة البدنية والمالية، فمن لم يجد زاد أهله ونفقة حجّه فلا حجّ عليه؛ وفضلاً عن المشقات البدنية في أداء هذه الشعيرة، فهو أيضاً صوم عن النساء والفسوق والجدال، والصلاة بعد الطواف ... وفريضة الحجّ كأيّ فريضةـ لها أثرها البيّن في إصلاح القلوب، وتزكية النفوس وتقوية الصلة بين العباد وربّهم الأعلى من جهة، وتقوية الأواصر الأخوية بين المسلمين من جهة أخرى، ولا فرق في ذلك بين كبيرهم وصغيرهم وغنيهم أو فقيرهم ولغتهم أو ألوانهم، ومنافع الحجّ كانت كثيرة حقّقت ما تقفوا إليه نفس المؤمن في دنياه، وكانت مهوى فؤاده في أخراه، وما ذكرت ونكّرت وجمعت منافع في قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لهَم).[7] إلاّ لعمومها التي وسعت كلّ منفعة تخصّ جموع المسلمين، والتي لا تخرج بطبيعة الحال عن كونها منافع سياسية، أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، وثمار هذه المنافع بلا شك كانت من وراء حكمة مشروعية الحجّ الذي كان بأيامه المعدودة، وأمكنته المحدودة بمثابة منتدى عامٍّ ضمّ المسلمين من شتّى بلادهم وعلى اختلافهم، ليتدارسوا أحوالهم على مودة ووفاق، نابذين الفرقة والشقاق وكلّ السلبيات التي تحول بينهم وبين متطلبات دينهم، ومدارستهم لأحوالهم كانت مثمرة وبناءة؛ لأنّه قد أظلهم جمعياً موسم عظيم ذابت فيه الفوارق، وهم على لباس واحد تلبيةً للنداء الخالد في صعيد واحد، في وقت واحد، وجمع واحد، ودعاء وهتاف واحد هو: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك». دعاء لتلبية دعوة التوحيد في مكان هيّأه الله لإبراهيم7 وحدد له معالمه، ونهاه عن الشرك المنافي لتوحيد ألوهيته تعالى، ثمّ أمره تعالى بتطهيره من سائر النجاسات حتى يتخطّى الطائفون به، والعاكفون فيه، والركّع السجود شطره بإخلاص الدين كلّه لله وحده لا شريك له، ومع هذا اللقاء الروحاني الذي يشبه لقاء الله تعالى حيث يحشر الناس إلى ربّهم حفاة عراة لم ينس روّاد الحجّ معارفهم، بل منهم من كان يريد الحجّ وينشَطُ إليه رغبةً في طلب العلم على يد عالم مشهور، انتشر صيته في كلّ مكان، وجرى ذكره على كلّ لسان، وسُمع بقدومه الحجّ في سنة من السنين. وهذه الرغبة كانت متوفرة من القديم وعبر السنين في مواسم الحجّ، ولا سيما عند طلاب العلم النجباء الذين تعودوا الأسفار حباً في الاستماع إليهم، وتحصيل معارفهم على أيديهم، وهؤلاء كانوا كثرة قدروا العلم في أهله حقّ قدره، فأحبّوه وأحبّوا طلبه من مشاهيره النابغين في شتّى علومهم تدريساً وتحديثاً،[8] وتصنيفاً.

وليس أدل على حرص روّاد العلم من أنّ بعضهم إذا فقد كتاباً ولم يستطع الوصول إليه، أو الحصول عليه نادی يوم الحجّ عليه فيخبره من علم به.[9]

ومنافع الحجّ كثيرة ومشهورة، وحديثي عن بعضها فيه إشارة إلى ما سنتحدث عنه في هذه العجالة، وهي دور الحجّ الثقافي في زمن المماليك من خلال العلماء الذين التقوا في أمكنة مشاعره المشهورة، وأزمنة شهوره المعلومة، وهذا الالتقاء كان فرصة في جمع تزامن في مكان قد لا يتوفر لبعضهم الاجتماع ببعض في غيره،[10] وفضلاً عن اجتماعهم على رباط الدين الذي وحّدهم وجمع شملهم، وعلمهم نبذ الفرقة، وإحلال المودة والرحمة بين صفوفهم، فقد تبادل كلّ منهم مع الآخر شتّی معارفه من علوم أو فنون، وإخلاصهم في تبادلهم لمعارفهم قد حوّل من أوساطهم المستفيد إلى مفيد، والعلوم المتداولة آنذاك كانت العلوم الدينية والعلوم العربية المساعدة في بيان معناها، أمّا ما عداها من علوم عقلية فقد كانت نادرة في دراستها وقلّ المشتغلون بها في مواسم الحج وغيره، وقليلاً ما يذكر المؤرخون أنّ عالماً درس الشعر، أو المنطق والفلسفة بخلاف ما عداها من علوم اشتهرت، وألِف المؤرخون تکرارها في كلّ ترجمة لعالم.[11]

ومّما يجب أن نلفت النظر إليه أنّ مدارسة هذه المواد، سواء أكانت بالحرمين، أم أمكنة المشاعر، أم الأربطة، والمدارس المجاورة للحرمين، كانت في حلقات علمية حامية ومناظرات حادّة كانت تدور بين علماء أفذاذ يشهد لهم في عصرهم أقرانهم بالعلم والمعرفة، وإنّهم مسجلون في مصنّفات بعضهم، وهؤلاء كانوا يبحثون في هذه الأمور، أو تلك المسائل التي تخصّ العقيدة، وكثيراً ما كان يدور حولها الجدل، وعلى الرغم حِدَّة النقاش وطوله وشدة احتدامة إلاّ أنّهم كانوا يخرجون منه على وفاق لا شقاق، اعتصاماً بحبل الله المتين وسنّة نبيّه الكريم صلوات الله وسلامه عليه.[12]

وكان تفاعل العلماء في حلقاتهم العلمية خلال مواسم الحجّ مستمراً وليس بجديد على هذه الفترة، بل كان قديماً منذ أن كان النبيُّ9 فيها معلّماً. وذكر في هذا الصدد ابن جبير في رحلته قائلاً: وكان لهذا القاضي جمال الدين،[13] وعموماً فقد كانت لهذا القاضي مواعظه الأكثر شمولاً، فضلاً عن دقّته في فتواه، وحكمته في استنباط الأحكام الشرعية و درء الخلاف الذي قد يقع بين جموع الحجيج، ويضيع عليهم حجّهم، وقد قام هذا القاضي في فتواه بما أرضى الجميع. ونلاحظ هذا الموقف من خلال ما رواه ابن جبير عن هذا القاضي في قوله: يا للعجب! لو أنّ أحدهم يشهد برؤية الشمس تحت ظلال الغيم الكثيف النسج لما قبلته، فكيف برؤية هلال هو ابن تسع وعشرين؟! وقد أفاض ابن جبير أكثر في توضيح عظاته وما نصت عليه الشريعة من خلال ما ذكره أئمة المسلمين، وقد أحاط ذلك بزواجره لمن شهدوا شهادات باطلة في رؤية هلال ذي الحجّة، وأفاد أنّ هدف من شهدوا هذه الشهادة هو حرصهم على أن تكون وقفة عرفات يوم الجمعة، وبعد أن ردَّهم وجرَّح شهاداتهم ، وفضح ما ذهبوا إليه حسم الخلاف من خلال ما أخبر به ابن جبير حين قال: الصعود إلى عرفة صبيحة يوم الجمعة، فيقفون عشية بها، ثمّ يقفون صبيحة يوم السبت بعده، ويبقون ليلة الأحد بمزدلفة، فإن كانت الوقفة يوم الجمعة، فما عليهم في تأخير المبيت بمزدلفة بأس، فهو جائز عند أئمة المسلمين، وإن كان يوم السبت فبها ونعمت، أمّا أن يقع القطع بها يوم الجمعة فتغرير بالمسلمين، وإفساد لمناسكهم؛ لأنّ الوقفة يوم التروية عند الأئمة غير جائزة، كما أنّها عندهم جائزة يوم النحر، فشكر جميع من حضر للقاضي هذا المترع من التحقيق، ودعوا له... وانصرفوا عن سلام.[14]

ومن ذاع صيته شهرة في مواسم الحج: بشير بن حامد التبريزي البغدادي الشافعي، ومن خلال ألقابه العلمية نعلم مدى فاعليته في مواسم الحجّ تعليماً وتعلّماً، وتدريساً وتحديثاً وتصنيفاً، وإفتاءً. لُقّب بشيخ الحرمين، وشغل منصب الفتوى فيهما. من مصنفاته: الغنيان في تفسير القرآن، ومناقبه جمة، قال عنه الساعي:[15] سافر في طلب العلم، وسماع الحديث، وصدع بالدعوة في موسم الحجّ، فأكرم القصّاد، وأنهل الورّاد، وجاد وزاد، وأبدأ وأعاد، وتخرج به الفضلاء، وسمعوا منه.[16]

وهؤلاء وغيرهم قد برعوا في سائر العلوم الدينية والعربية وبرعوا في فنونها، وكثيراً ما فضلوا حشوها في مصنف واحد، وسوف نبسط نماذج لبعضهم لنرى كيف تألق الحجّ لهم ثقافة وازدهاراً.

الدور الثقافي على طريق ركب الحاج :

لقد ازدهرت الحركة الثقافية على طريق ركب الحاج ومنازله، وازدادت معارفها من خلال مشاعل نورها من العلماء والخطباء والوعاظ الذين تفاعلوا بمعارفهم وشتّى فنونهم على طرق الحجاج ومحطات نزولهم، وأعداد من ساهموا على دروب الحجاج بمعارفهم مفيدين ومستفيدين كثيرة لا تتسع لضخامة أنشطتهم هذه الصفحات الوجيزة، لهذا اخترت من كتب حوادث السنين بعضاً منهم مكتفياً بإشارة خاطفة إلى بعض أنشطتهم، ويطالعنا في هذا المقام القاضي بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الذي حجّ عن طريق البحر مع والده لعدم تيسّر الحجّ في البرّ في عام 656هـ، وذكر ابن فهد وغيره ذلك بل زاد في ذلك قائلاً: وحضر وفاة الشيخ أبي الحسن الشاذلي،[17] بحميترا من صحراء عيذاب، وصلّى عليه البدر بن جماعة.[18]

وقد تكرّرت حجات القاضي بدر الدين بن جماعه كثيراً،[19] ففي سنة661هـ حجّ أيضاً مع والده عن طريق البحر،[20] وحجته الثالثة كانت، في صحبة الركب من دمشق سنة 683هـ ، وبعدها كانت حَجّته مع ابنه عزّ الدين،[21] مع ركب الحجاج من القاهرة سنة710هـ، وفي سنة734هـ قدم ابن جماعة مكة مع أهله مجاوراً بها، ومصنفاته وضخامة أنشطته العلمية، واشتغاله بعلم الحديث أفادت خلقاً كثيراً من الوافدين وأهالي مكة، والمدينة، ومصر وغيرها، وعلى نسقه کان ابنه عزّ الدين أيضاً في سيرته الحسنة، أثناء قضائه الذي لم يخشَ فيه سلطاناً، أفاد الفاسي بولايته للقضاء في حياة شيوخه في 8 من جمادى الآخرة سنة788هـ، واستمر حتى عُزل بآخر، ثمّ أعيد، ثمّ أعرض عن ذلك؛ يقول الفاسي: ثم أنقلوا عليه بالعَود، بحيث أن يبلغا،[22] مدير الدولة بالقاهرة حضر منزلة وبالغ في سؤاله بالعَود، فأبى وصمّم على المنع، فسئل في تعيين قاض  عوضاً عنه، فقال: لا أتقلد. مسموعاته كثيرة على مشاهير العلماء وحفاظهم من مصر ونابلس ودمشق، ومكة، والمدينة، وشيوخه بالسماع والإجازة يزيدون على ألف وثلاثمائة شيخ أفتى ودرس، وصنّف، وأثرى الحياة الثقافية بين أوساط الحجيج على دروبهم، وأمكنة مشاعرهم، وله وقع في النفوس. معظّماً عند الخاصة والعامة بحيث بلغ من أمره أنّ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون أغدق الولايات في الممالك بمن يُعَيِّنُهُ وهو مع ذلك مُطَّرح الجانب.[23] وتشير كتب الحوليات إلى حجّ الخليفة المعتضد بالله أبي بكر سنة754هـ، وقد اصطحب كثيراً من العلماء منهم قاضي القضاة عزّ الدين بن جماعة السابق الذكر، والشيخ شهاب الدين بن عقيل وغيرهما، إضافة إلى جمع كبير من الأمراء، وهؤلاء أيضاً كانت عليهم مدار الفتوى في أوساط الحجيج، وقد وسعت معارفهم الخليفة والمخلوف وعظاً، وتوجيهاً، وإفتاءً، وتحديثاً وتدريساً على طرق سيرهم وأمكنة مشاعرهم.[24]

وقد رافق الإمام النووي الحجاج على طريقهم سنة651هـ، ومعه والده، وقد شارك كغيره في بثّ معارفه وعظاً وتحديثاً وإفتاءً بين جموع الحجيج. وقال عنه ابن كثير: كبير فقهاء زمانه، حجّ .. وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر للملوك وغيرهم. توفي ليلة أربع وعشرين من رجب سنة ستمائة وسبع وستين.[25] وقد حجّ السلطان الملك الظاهر بيبرس واصطحب معه عدداً من العلماء والأمراء، وكان من العلماء قاضي القضاة صدر الدين سليمان، وفخر الدين بن لقمان، وتاج الدين بن الأثير وغيرهم... وهؤلاء كانوا قدوةً للحجّاج على طرقهم إرشاداً وتوجيهاً وإفتاءً.

يقول ابن فهد:... والسلطان طول طريقه يستفتي قاضي القضاة صدر الدين وينفعه،[26] في أمر دينه. وقد حجّ الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة 719هـ واصطحب معه المؤيد صاحب حماه،[27] وعدداً كبيراً من الأمراء وجماعة من أهله وأعيان دولته، وأشهر العلماء منهم قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وابنه عزّ الدين اللذان سبق الحديث عنهما، ولم يمل هؤلاء عن بثّ علومهم وعظاً ونصحاً وإرشاداً وانعكست معارفهم على الحجّ ثقافةً وازدهاراً. وعن هذا السلطان قال ابن فهد: وحسن له بدر الدين بن جماعة أن يطوف راكباً كما فعل النبيّ9، فقال له: ومن أنا حتى أتشبه بالنبيّ9...[28]

وقد أفاد ابن فهد أنّه في عام828هـ قدم الشيخ نجم الدين الواسطي مفتي العراق صحبة الركب الشامي، وكان كغيره من علماء الركب، کشمس الدين البرماوي،[29] لا يملون عن التذكير بمناسك الحجّ، وأركانه، وأهمّ واجباته، ومحظوراته، وظلّوا على ذلك في مكة، ثمّ بعد الحجّ كان مجاوراً في رحابها.[30]

هذا ولم يخل ركب الحجّاج من العلماء في سنة من السنين في هذه الفترة أو غيرها، قلة كانوا أو كثرة، ولا أدل على ذلك من كثرة الفقهاء الذين خرجوا من غيانه،[31] وانضمّوا إلى نظرائهم من سائر الحجّاج، واصطحبهم في موسم حجّهم أبو العتيق أبو بكر بن الشيخ يحيى الغياني، وكانوا ثلاثمائة فقيه،[32] يسايرونه بين أوساط الحجيج في ذهابهم وإيابهم، وعلى محطات طرقهم وأمكنة مشاعرهم فكانوا مشاعل نور وهداية، وفضلاً عمن ذكرنا كان هناك العلماء الأدباء كُتّاب الرحلات الذين طوفوا ببلاد المشرق والمغرب رغبة في التعرّف على البلاد والعباد، وأقاموا بمصر فترة طويلة حتى ذهابهم مع ركب الحاجّ وعودة بعضهم معه، كابن جبير في حجّ عام579هـ عن طريق عيذاب، وابن رشيد الذي حجّ عن طريق الركب الشامي بعد زيارته لمصر سنة 684هـ، وعاد عن طريق الساحل ماراً بالعقبة في العام الذي يعدّه كما هو مبيّن في رحلته.[33]

وعلى نهج من سبق كان أبو القاسم بن يوسف التجيبي الذي حجّ من مصر عن طريق عيذاب سنة696هـ، وابن بطوطة الذي قصد الحجّ من بلده ومرّ على مصر سنة725هـ، وأراد الحجّ عن طريق البحر، ولم يتيسر له فعاد إلى القاهرة ومنها إلى الركب الشامي.[34]

وهؤلاء تجلّت أنشطتهم أكثر من غيرهم، فسجلوا مرائيهم عن معالم حضارة المدن، أو البلاد التي مرّوا بها، فكتبوا عن العمران، وتقصوا أحوال كلّ بلد، وعاداته، وأحواله، وتناولت أقلامهم الصغير والكبير، والأمير والوزير، واتصلوا بالسلاطين والأمراء، ولم يتركوا شاردة أو واردة إلّا سجّلوها ضمن مؤلفاتهم المسمّاة بأسمائهم، وهي التي أصبحت تراثاً إسلامياً مجيداً شاهداً على ضخامة أعمالهم، ولا شكّ أنّهم مع غيرهم ـ خلال هذه الفترة ـ قد أفادوا خلقاً كثيراً واستفادوا أيضاً من ثقافة هذه الدروب، ورغم قسوتها وامتدادها، وغلظة وجفوة الأعراب المحيطين بها، وعلى منازلها، إلّا أنّها كانت كجامعة طرق أبوابها العلماء والطلاب والتقوا في رحابها، فساهمت في تعميق ثقافة هؤلاء وأولئك وتراثهم الخالد أمامنا، نستمد منه المادة العلمية التي نبني عليها مختلف دراستنا دينية أو أدبية أو تاريخية، أو جغرافية، خير شاهد على صدق نفعهم، وجليل قدرهم في هذا الصدد، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ازدهار الثقافة أيام الحجّ :

تزدهر الثقافة في موسم حجّ كلّ عام من خلال مشاهير روّادها من العلماء الأجلاء وطلاب العلم النجباء الذين قدروا العلم حق قدره، فأحبّوه وأحبّوا سماعه على أئمتهم المشهورين بنبوغهم، وعلوّ قدرهم، وسعة علومهم، وكثرة معارفهم. وهؤلاء كانوا مشهورين، وشهرتهم مدركة من خلال إشارات المؤرخين عنهم كقولهم: تردد حاجّاً إلى مكة مرات،[35] أو: حجّ وجاور بمكة سنين طويلة،[36] أو ذيوع صيته في كلّ البلاد لكثرة حجّه ونشر معارفه على سامعيه بأسلوب ميسر شامل خال  من التعقيد، فيه إثارة لانتباههم، باعث على الرغبة في طلبهم العلم عليه، أو غيره، وكانوا هداة مهتدين في إثراء الثقافة أيام الحجّ، وألسنة ناطقة من فوق منابرها يبثّون معارفها، ويذيعون أخبارها لا في مواسم الحجّ فحسب، ولكن على مدار العام وفي كلّ مكان. ومن أبرز ما يميزهم كثرة أنشطتهم العلمية مسموعة، أو مقروءة، أو مكتوبة ولذلك كانت حلقاتهم العلمية مزدحمة أكثر بروّادها أيام الحجّ، أضف إلى ذلك أنّ ذكرهم كان عالقاً بأذهان روّادهم النابهين، وفضلاً عن ذلك كثرة مصنفاتهم التي شملت، أو ضمّ كلّ منها في جنباته أكثر من تخصص، أو فن، وكلّ ذلك مستفاد من خلال تراجمهم التي أظهرت شهرتهم، ونوعيتهم، وتنوع معارفهم، ومستوى أنشطتهم بالنسبة للدارسين في حلقاتهم، فالطالب آنذاك قد يكون قارئاً، أو سامعاً علی شيخ، مقرئاً ومسمعاً لشيخ آخر في منتدى الحجّ العام، أو في علم آخر فاق شيخه فيه.

وحتى نبرز تألقّ الثقافة أيام الحجّ لا بدّ أن نذكر عدداً قليلاً يتناسب وحجم هذا البحث من روّادها الذين شاركوا في إثرائها، ووضعوا لبنة في صرح شموخها، ومن لم نذكرهم لايقلّون شأناً عنهم، بل قد يفوق بعضهم في إثراء هذه الثقافة البعض ممّن ذكرنا، وهؤلاء وأولئك كان لهم دورهم في نموّ ثقافة الحج أيام مواسمه. يمرّ بالخاطر منهم العالم الجليل مقرئ ومحدّث لكم: عبد الله بن عبد الحق بن عبد الله بن عبد الأحد المخزومي المصري،[37] المكنّى بأبي محمد، والملقّب بعفيف الدين الدلاصي،[38] مسموعاته كثيرة، وإسماعاته أكثر، تلا بالروايات بعشرين کتاباً على الكمال، إبراهيم بن أحمد التميمي في سنة 664هـ بدمشق، ومسموعاته على مشاهير علماء مكة التي جاور بها جُلّ عمره والتي تزيد على ستين سنة، فيها بثّ معارفه إقراءً، وتحديثاً بدون أجر، تفقه أولاً بمالك، ثمّ بالشافعي، ظلّ في سنواته بمكة وهو في نشاط علمي ملحوظ، فلم يُر إلاّ وهو في مجلس علم، أو طواف، أو عبادة، ولا سيما مواسم الحجّ، واستفاد من فيض معارفه إقراءً وتحديثاً وتفقيهاً خلق كثير من الوافدين، والمجاورين وكان بينهم ابنه محمد، الذي تصدّر بعد والده الإقراء بالحرم، وانتشرت معارفه بين الوافدين إلى بيت الله الكريم، وامتدت حلقاته العلمية من الحرم الشريف إلى الأربطة في مواسم الحجّ إلى أمكنة المشاعر، وسمع منه المشاهير، کالحافظ البرزالي الذي ذكره في تاريخه: وذكر أنّه اجتمع به في عرفة وسمع بقراءاته... وفاته في مستهل صفر بمكة سنة723هـ .[39]

وظهر الدور الثقافي للحجّ متألقاً حين انضم إليه شعلة من مشاعل نوره في موسم عام 651هـ، يقول فيها ابن فهد: فيها حجّ الشيخ مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني،[40] وزوجته أمّ البدر:[41] بدرة بنت عمّه الخطيب فخر الدين أبي عبد الله محمد بن الخضر بن محمد بن تيمية، وحدثا في ليلة الأربعاء رابع عشر ذي الحجة بفوائد ابن ماسي،[42] من آخر جزء الأنصاري،[43] ورباعيات الغيلانيات،[44] ورباعيات حمزة الأنصاري، وقرئ على مجد الدين وحده مشيخة أبي البدر الكرخي،[45] وكان ذلك بحضور الإمام شمس الدين بن سيبي المحدث.

وكان بمكة هذه السنة جمال الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي محمد بن إلياس بن عبد الرحمن بن علي بن أحمد الأنصاري الدمشقي، وحدث بها في ثاني شوال من السنة بالجزء الأول من فوائد الجصاص، والسادس من فوائد أبي زرعة محمد،[46] وأبي بكر أحمد ابني عبد الله بن أبي دجانة، والأول من فوائد أبي مسلم الكاتب انتقاء ابن فورك.[47]

كان من هؤلاء أيضاً محمد بن محمد أبو القاسم النويري القاهري، وقد أثرى المكتبة الإسلامية بمصنفات كثيرة أهمّها: الغياث في القراءات الثلاثة الزائدة على السبعة منظومة، وشرح القصيدة وحجّ، وجاور بمكة، وأثرى الحياة العلمية بها، وتوفي سنة857هـ.[48]

وكان لمنصور بن الحسن بن علي القرشي الكازروني دور بارز أيضاً في نشر معارفه من خلال تفسيره للقران الكريم، وضخامة أنشطته العلمية تدلّ على تفاعله، وحسن درايته وغزارة علمه علی بثّ معارفه بين روّاد العلم في هذه المواسم، وأهمّ مصنفاته: لطائف الألطاف في تحقيق التفسير ونقد الكشّاف، وفاته سنة860هـ.[49]

ولا يفوتنا في هذه العجالة أن نوضّح جهود الفقهاء والأصوليين في هذه الحقبة الزمنية، والذين كان من أشهرهم: المحب أبو السعادات بن ظهيرة (ت854هـ)، ومن أشهر مؤلفاته تنوير الدياجير بمعرفة أحكام المحاجير، والإعلام بما يتعلق بأحكام الختانين من الأحكام، وكلاهما من تأليفه، أيضاً كان منهم: علی بن محمد بن إسماعيل البيضاوي (ت885هـ).[50]

وقد تألّق في هذه المواسم بمختلف أنشطته العلمية: أبو العباس أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد المعطي الخزرجي الأنصاري (ت868هـ) وقد جاور بمكة وأقرأ بها: المختصر الفرعي لابن الحاجب، ومكث بمكة ما يقرب من عام، وهو لا يمل من التذكير، ونشر معارفه بين روّاد العلم في كلّ مكان.[51]

وساهم أيضاً من الفقهاء عمر بن عبدالله السراج الهندي الفافا (ت815هـ) وقد جاور بمكة ما يقرب من أربعين عاماً، أفاد في أثنائها كثيراً من طلاب العلم، وأطلق عليه الفافا؛ لأنّه كان كثير النطق بالفاء،[52]

ومنهم أيضاً محمد بن أحمد بن سعيد المقدسي، ثمّ الحلبي، نزيل مكة وقاضي الحنابلة بها، ألَّف، ودرَّس، وصنَّف، ومن جملة تصانيفة: الشافي في الكافي في الفقه، وكشف الغمة لتيسير الخُلْع لهذه الأمة ونحو ذلك من سائر مصنفاته (ت 855هـ).[53]

ومن روّاد هذه الثقافة أيام الحجّ أيضاً الشيخ بهاء الدين السبكي،[54] الذي قدم صحبة الحاجّ، وجاور بمكة بعد حجّه عام 772هـ، مسموعاته على مشاهير العلماء بالقاهرة، ودمشق فضلاً عن أبيه، درَّس، وحدَّث وأفتى من صغره، وولّى المناصب الرفيعة، من مصنفاته: كتاب عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح للقاضي جلال  الدين القزويني وغيره، وله يد طولى في العلم لم يكتمه في موسم حجّه هذا وفترة مجاورته، فضلاً عن شعره الرائق الذي كشفت عنه الحركة الثقافية في منى، ورائد حلقتها قاضي القضاة زين  الدين أبو بكر بن الحسين المراغي الشافعي، ومن طلبتها آنذاك الشيخ الفاسي قراءةً وسماعاً عليه بمنى، وقد أخبر المراغي هذا بأنّه سمع قاضي القضاة بهاء  الدين السبكي ينشد لنفسه بالحضرة النبوية قائماً مكشوف الرأس قصيدة نبوية، أورد الفاسي بعضاً منها في ثلاث صفحات، أولها:

 تيقَّظْ لنفسي عن هداها تولت

وبادر ففي التأخير أعظم خشية

ومنها:

وخير نبيٍّ جاء من خير عنصر 

بخير کتابٍ قد هدى خيرَ أمّة

وأولهم فضلاً ونشراً إذا دعوا

وآخرهم بعثاً وأوسط نسبة

لك المعجزات الغُرّ لاحت خوارقاً

وباهر آياتٍ عن الحصر جلّت

ومنها :

وبالقمرين النّيرين هديتَنا

کتابٌ من الله الكريم وسنّة

وصلَّيت نحو القبلتين تفرداً

وكلّ نبي ما له غير قبلة

وعندي يمين لا يمين بأنّ في

يمينك وكْفاً كيف ما السحب ضنَّت

لقد نزَّه الرحمنُ ظلّك أن يُرى

على الأرض مُلقى فانطوى للمزية.[55]

من مشاعل هذه الثقافة أيضاً شمس الدين محمد بن علي سكر، قدم إلى مكة حاجاً عام 749هـ

واستوطنها في نفس هذا العام حتى وفاته بمكة في صفر سنة 801هـ، مسموعاته كثيرة على مشاهير علماء القاهرة والإسكندرية ودمشق، وأجيز من بعض علماء هذه البلاد، كان معنياً بالحديث والقراءات (انتصب للإقراء بالحرم الشريف عند أسطوانة في محاذاة باب أجياد، وأخذ خطوط من عاصره من أمراء مكة، وقضاتها بالجلوس عندها)، انتفع الحجاج من فيض علمه بعرفات وعظاً وتحديثاً.[56]

ومن العلماء المحدّثين القراء أيضاً عبد الله بن خليل بن فرج الشافعي (ت833هـ) حجّ وجاور بمكة أعواماً طويلةً، وخلالها كان قارئاً محدثاً بالمسجد الحرام، خاصةً أيام المواسم التي غُصّت فيها حلقاته العلمية بروّاد العلم من الوافدين، وصنّف أثناء مدّة مجاورته: تحفة المتهجد وغنية المتعبد، وفي أول ذي  الحجة من عام 811هـ كانت حلقته العلمية بالمسجد الحرام زاخرة بروّاد المعرفة سماعاً عليه، وحدث بمكة بكتاب: الذكر المطلق وهو من تأليفه.[57]

ولا يفوتنا في هذا المقام العالم التقي أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد، الشيخ الإمام العالم البارع، عمدة المؤرخين، وعين المحدِّثين تقي  الدين المقريزي البعلبكي الأصل،[58] المصري المولد والدار والوفاة. مولده بعد عام760هـ بسنوات،[59] ووفاته16من رمضان سنة845هـ، ودفن في مقبرة الصوفية خارج باب النصر من القاهرة، المقريزي إلى جانب كونه من أكابر مؤرخي العصر المملوكي، فهو عالم محدِّث فقيه، تفقّه على مذهب الحنفية، ثمّ تحول شافعياً، وسمع بمكة الصحيحين سنة783هـ من العفيف النشاوري،[60] ابن سكر المذكورآنفاً وغيرهما وقد أجازه مشاهير مكة، ومن سمع عليهم، وتفقه وبرع وصنّف التصانيف المفيدة النافعة الجامعة لكلّ علم، أجمعت إشارات أقرانه على أنّه كان ضابطاً مؤرخاً مفتناً معظماً في الدول، جاور بمكة في سنة 839هـ وحدث بكتابه: إمتاع الأسماع بما للنبيّ9 من الحفدة والمتاع في ستة مجلدات، ومصنفاته لا نستطيع حصرها هنا، وكثرة السامعين عليه، والمنتفعين منه خاصة وعامة في مواسم الحج وغيرها لا تتسع لهم هذه السطور.[61]

وقد ساهم في هذا الصدد أيضاً الحافظ بن حجر العسقلاني (ت852هـ) من أشهر مؤرخي مصر في وقته بلا منازع، حجّ وجاور سنة806هـ، وسمع بمكة ومنى، ثمّ حجّ سنة815هـ ثمّ حجّ وجاور سنة824هـ، وقد حدَّث بكتابه: نخبة الفكر في حجة سنة815هـ، وأفاد كثيراً من المجاورين والوافدين وحدَّث بالمسلسل سنة824هـ وكان في حلقته المشاهير، واستفاد منه خلق كثير في منى مثل:[62] محمد بن عيسی بن محمد السلامي الطائفي الذي سمع عليه بمنى، ومصنفاته كثيرة منها: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة وغيره.[63]

ومن لم يكن له نظير ببلاد الحجاز تحديثاً وتدريساً وإفتاءً هو: محمد بن موسى بن علي، الملقب بجمال  الدين، والمكنى بأبي البركات المكي الشافعي، وكان واسع الثقافة قراءة، وسماعاً على مشاهير علماء البلاد في شتّى المعارف والفنون، فقرأ وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، والمعاني، والبديع، والأدب وتقدم كثيراً في الحديث لجودة معرفته بالعلل وأسماء المتقدمين، والمتأخرين، والمرويات، والعالي، والنازل، مع الحفظ لكثير من المتون، ولم يكن له في ذلك نظير بالحجاز، حصل معارفه من مشاهير علماء مكة والمدينة ومصر ودمشق وغيرها، وأذن له شيخها مُسند الحجاز أبو  بكر بن الحسين المراغي في الإفتاء والتدريس، وقد سمع من الشيخ تقي الدين الفاسي سنة 812هـ وهما في طريقهما إلى المدينة عند وداي الفرع،[64] وسمع الفاسي منه أيضاً. وفاته في ذي  الحجة سنة 823هـ ودفن في المعلاة بمكة. وتأسف الناس والفاسي عليه، وقال: وكنت عظيم الأسف عليه لما بيني وبينه من الصداقة الأكيدة، ولما يفيدني في الحديث وغيره وقلَّ أن اجتمعت به إلاّ وأفادني شيئاً.[65]

وقد نمت ثقافة الحج، واتسعت معارفه أكثر بمساهمة مؤرخ مكة، وقاضيها ومحيي معالمها، ومجدد مآثرها الشيخ تقي  الدين الفاسي المكي المالكي، مترجم أعيان مكة، ولادته بمكة في ليلة الجمعة20 من ربيع الأول سنة775هـ، ضخامة أنشطته العلمية من مسموعاته وإسماعاته على مشاهير علماء، مكة، والمدينة، والقاهرة، ودمشق وغيرها إلى العديد من الإجازات العلمية التي حصل عليها من علماء هذه البلاد لا تتحملها هذه العجالة، ويكفينا هنا أن نشير في إيجاز إلى بعض مساهمته في نحو هذه الثقافة أخذاً وعطاءً، بدأ بحفظ القرآن الكريم حتى جوَّده، وفي سنة 787هـ قرأ الأربعين للنووي وغيرها وعرضها وغيرها بالمدينة النبوية سنة 788هـ، وفي هذه السنة انتقل إلى مكة مع أسرته، وقرأ عمدة الأحكام وعرضها في سنة 789هـ، ومسموعاته على هذا النحو كثيرة، وأذن له مشاهير العلماء في التدريس والإفتاء عن طريق منحة الإجازة العلمية التي حظي بها من أشهر العلماء في البلاد التي كان يتردّد عليها كثيراً، وأكثر تردّده على القاهرة من مكة، ففي ذي القعدة سنة 787هـ كان بالقاهرة لتحصيل معارفه سماعاً على الحافظ نور الدين الهيثمي من كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد وغيرها، وفي شوال من السنة نفسها ولي قضاء المالكية بمكة من قبل الملك الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق، وتوجه مع ركب الحجاجّ المصريين إلى مكة، فوصلها في ذي القعدة من السنة نفسها. وفي أوائل ذي الحجة قرئ توقيعه بالولاية في المسجد الحرام خلف مقام الحنفي بعد صلاة العصر بحضرة أمير الحجّ المصري الأمير کزل العجمي، وغيره من أعيان الحجاجّ وأهل مكة. وفي سنة 812هـ زار المدينة النبويّة وحضر بها مجلس الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الوانوغي في الأصول، والفقه، وغير ذلك، وأذن له الوانوغي في الإفتاء والتدريس، وكتب له خطه بذلك في منى في أيامها سنة 813هـ، هذه صيغة الإجازة العلمية آنذاك، ومما كتبه الوانوغي في إجازته للمذكور، وبعد أن طلب اجتماعه بعلماء مكة قال: كان مّمن اجتمعت به، وذاكرته وباحثته مراراً عديدة في مسائل كثيرة من مسائل الفقه وغوامضه، وما يتعلق بهما، وتكررت أسئلته عن ذلك كلّه ومباحثه فيها، مرة بعد أخرى: السيد الفقيه الفاضل الأعدل الأكمل الجامع للصفات الفاضلة الحسيب الأصيل القاضي تقي الدين محمد بن الشيخ الحسيب الأصيل شهاب الدين أحمد بن علي الفاسي، نفع الله بفوائده وعلومه الجليلة.

وقد ورد علينا بالمدينة الشريفة، وحضر معنا درس الفقه والأصول، وأبدى فيه من فوائده ومباحثه الجليلة بعلمه وفضله على طريقة أهل الفنون والمباحث، فرأيته في ذلك كلّه أهلاً للتدريس، والفتوى، والحكم، وإفادة الطالبين، مع ما جبل عليه من حسن الفهم، وحسن الإيراد، وسعة البال في البحث والمراجعة فيه.

فأوجب ذلك كلّه، الإذن له في التدريس والفتوى، وإفادة الطلبة، وحثّه على الاشتغال بذلك کلّه، والملازمة له، لينتفع به الناس عموماً، وأهل بلده خصوصاً، فإنّي لم أرَ من فقهاء المالكية بالحجاز كلّه من يقاربه في جميع ما ذكرناه نفع الله به ولا في اتصافه في العلم ولا في الفهم عن الأئمة. انتهى بنصّه باختصار من أوله وآخره.

ومن جملة أنشطته أنّه درَّس للمالكية في المدرسة السلطانية الغياثية البنجالية التي تقع بالجانب اليماني من المسجد الحرام، ودرَّس قبلها في المسجد الحرام، وأفتى كثيراً بداية من عام 808هـ. شيوخه كثيرون نحو خمسمائة شيخ بالسماع والإجازة، ومن تصانيفة: العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، وشفاء الغرام بأخبار البلدالحرام، والمناسك الكبرى، والمناسك الوسطى، والمناسك الصغرى، وقد أثنى على الشيخ تقي الدين الفاسي العديد من العلماء، فصاغوا تصانيفه في شعر أورد الفاسي جملة منه في نهاية ترجمته بكتابه العقد الثمين، وفاته في 3 من شوال سنة 832هـ .[66]

هذا، وقد أورد الفاسي صورة إجازته العلمية ضمن ترجمة أستاذه الوانوغي المجيز، والوانوغي هو محمد ابن أحمد بن عثمان بن عمر التونسي، المكنى بأبي عبد  الله، والمعروف بالوانوغي. نزيل الحرمين الشريفين، ولد سنة759هـ بتونس ونشأ بها، وسمع بها من مسندها ومقرئها: أبي الحسن بن أبي العباس البطرني في خاتمة أصحاب الأستاذ أبي جعفر بن الزبير بالإجازة، وله منه إجازة بكل ما يرويه، أخذ العلم من مشاهير علماء تونس، كالتفسير، والفقه، والمنطق، والأصليين وعلوم الحساب، والهندسة والنحو، وكان إذا رأى شيئاً وعاه، وقرّره وإن لم يسبق له به عناية، وأعانه على ذلك شدة ذكائه وسرعة فهمه. انتقد أساطين العلم قبله، وله في هذا الصدد تأليف على قواعد شيخ الإسلام عزّ الدين بن عبد السلام الشافعي، وذكر فيه أنّه زاد فيما أصله فوائد كثيرة، وردَّ عليه كثيراً مما قاله، ذكر الفاسي ذلك قائلاً: وأوقفني على موضع من ذلك يتعلّق بفضل مكة والمدينة. فرأيت فيه ما ينتقد في مواضيع، منه ولا أبعد أن يكون فيه كثير من هذا المعنى، وله سؤالات في فنون العلم تشهد بفضله، وهي عشرون سؤالاً بعثها من المدينة يتعرف جواب علماء الديار المصرية عنها. ذكر الفاسي: فتصدى للجواب عنها شيخنا أي شيخ الفاسي قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين بن... شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني،[67] الذي ردَّ عليه كثيراً مما قاله فيها، ووصل ذلك للمذكور فذكر لي ـ الفاسي أنّه ردَّ ما ذكره شيخ الإسلام.[68]

وفتاوى الوانوغي كثيرة متفرقة في مصر والمدينة ومكة وغيرها، فأول قدومه إلى مكة كان سنة 800هـ حجّ فيها، ورجع إلى مصر، ثمّ عاد قبيل رمضان من التي بعدها إلى مكة، فجاور وحجّ فيها، ومنها إلى المدينة، ومنها إلى مصر سنة 812هـ، وحجّ في هذه السنة، وحضر إلى المدينة واستوطنها، ثمّ إلى مكة بأهله سنة 815هـ، وفي هذه الفترة لم يكتم ما أنزل الله عليه من البيّنات والهدی بل صار يذيع معارفه في أوساط الحجيج والوافدين في مواسم الحج وغيرها حتى وفاته بمكة في19من ربيع الآخر سنة819هـ.[69]

ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر ما أكدت به الحركة الثقافية في مكة والمدينة على يد قاضي مكة وخطيبها، وعالمها الشهير: محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم الهاشمي، العقيلي، ولادته بمكة سنة 722هـ، ومسموعاته لكثير من فنون العلم على مشاهير علماء مكة والمدينة ودمشق، أكدت معرفته، وسعة أفقه في تحصيله من العلم على أوفر نصيب رقی به أعلى الذروة، واشتهر بذلك ذكره، وبُعد صيته، صار المنظور إليه في بلده، بل بالحجاز كلّه، ودرَّس، وأفتى، وناظر، وحدَّث. ولي قضاء مكة سنة763هـ في رمضان هذه السنة، واستمر حتى وفاته، هذا فضلاً عن ولايته خطابة الحرم ونظره. وأنشطته العلمية وافرة، فقد درَّس في مدارس ملوك اليمن الثلاثة بمكة وهي: المنصورية،[70] المجاهدية،[71] الأفضلية،[72] وهو أول من درَّس في الأخيرة، وكان يسكن بها، ولي تدريس درس بشير الجمدار،[73] مشافهة منه، ومكان هذا الدرس بالمسجد الحرام، وقد أغفلت المصادر نوعية ما يدرس فقهاً، أو حديثاً، أو تفسيراً عموماً من تولوا التدريس فيه كانت أنشطتهم تدور بين مدارسة الحديث والفقه، وهذا مدرك من خلال من عملوا بدراسته كمحبّ الدين أحمد بن محمد النويري (ت799هـ)،[74] وعزّ الدين محمد بن أحمد النويري (ت820هـ)،[75] وهما وغيرهما كانوا من أتباع المذهب الشافعي، وأنشطتهم كانت ملحوظة في عملهم بنشر الحديث وفضلاً عن ولاية كمال الدين أبي الفضل النويري بدرس بشير، فقد درس الفقه للملك الأشرف شعبان صاحب مصر، وبذلك جمع هذه الوظائف ولم تكن لأحد من قبله من قضاة مكة، وبعضها لم يكن إلاّ في زمنه، ذكره المؤرخون كثيراً بسعة يده الطولى في فنون من العلوم مع الذكاء المفرط، والفصاحة والإجادة في التدريس، والإفتاء والخطبة، ورجاحة عقله عند عامة الناس وخاصتهم، أضف إلى ذلك كثرة تواضعه، ومروءته مع الفقراء والأعيان الواردين إلى مكة، وتوفي أبو الفضل النويري الثلاثاء 13 من رجب سنة786هـ).[76]

وأشرقت ثقافة الحجّ بنور ربّها حيث انضم إلى لوائها رائد من روّاد نهضتها زاد من رصيدها واسترشدت بشتى معارفه وتباين علومه تصنيفاً، وإقراءً، وإسماعاً، يعرفه أهل الحجاز لمجاورته للحرمين الشريفين، أشار إليه من أثنى عليه من أقرانه بأنّه الإمام أبو السيادة عفيف الدين، عبد الله بن أسعد بن علي ابن سليمان اليافعي اليمني، نزيل مكة، ولادته سنة 698هـ وحجّ سنة 712هـ، وكان عارفاً بالفقه، والأصول، والعربية، والفرائض، والحساب، وغير ذلك من فنون العلم، سمع على مشاهير علماء مكة، فقرأ الكتب الستة على الشيخ رضي الدين الطبري خلاشين سُنن ابن ماجة وغيرها، وسمع على القاضي نجم الدين الطبري،[77] مسند الشافعي، وفضائل القران لأبي عبيد، وغيره، وبحث عليه الحاوي الصغير في الفقه، والتنبيه.[78] وقال الفاسي: وكان يقول أي نجم الدين الطبري في حال قراءتي للحاوي: استفدت معك أكثر مما استفدت معي، قال: ويقول لي: قد أقرأت، أو قرأت هذا الكتاب مراراً ما فهمته مثل هذه المرة، ولمـّا فرغت من قراءاته، قال في جماعة حاضرين: اشهدوا عليَّ أنّه شيخي فيه...

مصنفاته كثيرة في فنون العلم: دينية، وعربية، وعقلية، ذكر الفاسي وغيره أنّها: تشتمل على قريب عشرين علماً، منها: المرهم،[79] وكتاب في التاريخ، وكتاب في أخيار الصالحين يسمّى روض الرياحين، وغير ذلك، وتفاعل اليافعي بمعارفه ومصنفاته مع جهابذة العلماء أيام الحجّ في مكة وأمكنة المشاعر. ومناظراته مشهورة مع أساطين العلم والمعرفة، حکی الفاسي كثيراً منها، ما أورده عن: القاضي شهاب الدين أحمد بن ظهيرة يحضر مجلسه لسماع الحديث، فانجرَّ الكلام إلى مسألة من مسائل التمتع في الحجّ، فاختلف فيها رأيه ورأى الشيخ اليافعي... وغيرها أثنى عليه غير واحد من مشاهير العلماء، وأفادوا أنّه: إمام عالم مُتفنِّن يُسترشد بعلومه ويُقتدى، وعَلَماً يُستضاء بنوره ويُهتدى، وأنّه إمام علمه يُقتبس، وبركته تُلتمس، كان فريداً في العلم والعمل، مصروفاً إليه وجه الأمل، فضيل مكة وفاضلها، وعالم الأباطح وعاملها، تردد عشر سنوات بين الحرمين الشريفين متألقاً في سماء هذه الثقافة، ومع هذه الأسفار وغيرها في سائر الأقطار لم تفته حجّة في هذه السنين. وفاته ليلة الأحد20 من جمادى الآخرة سنة768هـ بمكة، ودفن بالمعلاة.

ساهم أيضاً شيخ اليافعي السابق محمد بن محمد بن أحمد الطبري بسائر أنشطته العلمية سماعاً وتحديثاً وتصنيفاً، ومناظرته من خلال حلقاته العلمية في مواسم الحج حامية حادة بين مشاهير علماء العالم الإسلامي، وترجمته مشحونة بهذه المناظرات ذكرها يطول، ولكنّها بشكل عام أثرت الدور الثقافي في مكة، وأمكنة الحجّ. وفاته في2 من جمادى الآخرة سنة730هـ بمكة.

وممّا سبق يتأكد لنا أنّ مواسم الحجّ في بلاد الحجاز قد وسعت علماءها من مختلف البلاد الإسلامية، فمكة كانت تمثّل المنتدى العام لجموعهم، والمدينة بها قبر سيد المرسلين9، وكلّ منهما بلا شكّ كانت كجذب  لمختلف العلماء، وزاد رصيدها سنوياً من العلماء الذين حجّوا، وفضلوا المجاورة للحرمين لذلك قصدهما مئات العلماء، وقلّما خلا عام من عالم شهير بالحرمين يأخذ عنه شباب الأمة وشيوخها من راغبي العلم في هذه البلاد، أو القادمين إليها وهؤلاء بعد مناسكهم كان يعود أكثرهم إلى بلاده هانئاً بما حصله من معارف وخبرات قلّما توفّرت في بلادهم، أو ضمتها جوانب حضارتهم وكثيراً ما كانت تعايشهم هذه الذكرى في بلادهم، فيعاود أغلبهم الكرَّة مرة، بل ومرات ومرات لمضاعفة ثوابهم في أرض أنعم الله عليها بمضاعفة أجر من أحسن عملاً، بينما يطيب لبعضهم بعد حجّه البقاء مجاوراً بالحرمين هانئاً بأنعم الله، بل فضل بعضهم عدم العودة، واستمر في مجاورته بمكة، أو المدينة، أو هما معاً، وشکل على مرّ العصور نسيجهما، وقد ساعد هؤلاء وأولئك بشكل أو بآخر في إثراء ثقافة الحجّ وزادوها ازدهاراً.

* * *

 

 

 

 

 

 

مناجاة  الراجين

 

ياربي الغفار أنت الساتر

 

ذو المنّ والغفران أنت القادر

يامن عميمٌ عفوه فيمن عصى

 

معطٍ ومعطٍ مسلمٌ أو كافر

هو رازق الطفل الصغير بجوده

 

قد كان في بسط الموائد ناصر

هو منعم الشيخ الكبير بلطفه

 

قد كان في الإعطاء حقاً ماهر

يا من جميع الكائنات لنفسه

 

هو رازق هو جابر هو كاسر

أنت الذي من كافرين ستنتقم

 

يا قامع الكفار أنت القاهر

أرجوك يا غفار مولايَ سيدي

 

أنت الذي يوم القيامة غافر

يا حاکم يوم المعاد بقدرته

 

يا محيي الأموات أنت الحاضر

«مقدادٌ» عبدُك قدعصى في جهله

 

فهو الذي يرجوك أنت الساتر

 

 

* * *

 

 

[1].  أفاد البتنوني أنّ مصر كانت ملتقى المسلمين إلى حج بيت الله الكريم، فالأندلسي، والمغربي، ومسلمو البربر، فالسنغال، فبلاد التكرور، والسودان الغربي والشرقي إذا قصدوا السفر إلى الحج أخذوا طريقهم إلى مصر برّاً أو بحراً، وكذلك كان يقصدها كثير من أهل الشام، والترك، والقوقاز ، وجزر البحر المتوسط، ويجتمع الكل بالقاهرة قبل شهر رمضان، ثمّ يسيرون منها إلى قوص... ثمّ... عيذاب... إلى القصير على البحر الأحمر... وكانت هذه القرية على أيدي عرب البجاه أو البجه يسكنون صحراء مصر الشرقية من سواكن الذين كانوا يتولّون نقل الحجاج على إبلهم في صحراء عيذاب، وكانت أخلاقهم على غاية من الفظاظة لاشفقة عندهم ولارحمة، وربما بلغ بهم الأمر إلى تغيير طريق الماء على القافلة لغرض شنيع، وهو أنّ ركابها يموتون عطشاً، فيستولون على ما معهم من متاع... وكان الحجاج يقيمون في عيذاب نحو شهر من الزمان في انتظار الفلايك السفن الصغيرة التي تحملهم إلى جدّة... وهي غير محكمة الصنع، وشراعها في الغالب من الحصير، وكان أصحابها يتعسفون في معاملة الحجّاج، فيشحنون المركب بأكثر من حمولته وكثيراً ما كانت تغرق في وسط البحر بمن عليها من الحجيج الذين يذهبون ضحية مطامع أولئك الأشرار، ومن وصل إلى جدّة وصلها... بين تحكّم الملاّح، وتبرّم الرياح، وانزعاج الماء، واضطراب الهواء، ولقد حجّ من هذا الطريق في سنة 578هـ ابن جبير الأندلسي، فقطع المسافة بين القاهرة وجدّة في نحو شهرين ونصف قضاها في أسوإ حال بين مشقّات وأهوال ممّا هو مبيّن في رحلته، وفي سنة 725هـ سافر ابن بطوطة من مصر إلى القصير، ولكنّه لم يجد فيها مركباً يحمله إلى جدّة مع من قصدها من الحجاج؛ لأنّ السفن أحرقت في واقعة... بين الترك وعرب البجاه ... محمد لبيب البتوني: الرحلة الحجازية، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة : 105ـ107 .

 

[2]. عيذاب: مدينة على ساحل البحر الأحمر، بيوتها اختصاص، أهلها البجاة كانوا يستفيدون كثيراً من الحجاج والتجار، فكانوا يكرون للحجاج جلابهم مراكبهم ... وكثيراً ما كانت تغرق بالحجاج؛ لأنّها كانت غير دقيقة فضلاً عن كونها من خوص شجر الدوم وهي دانية في عمومها، وفضلاً عن ذلك كانوا يحمّلونها أكثر من طاقتها حرصاً على المال غير مبالين بالحجاج، بل يقولون: «رد علينا بالألواح وعلى الحجّاج بالأرواح»؛ ابن بطوطة رحلته المسمّاة «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، شرحه وكتب هوامشه، طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط 2، 1413هـ، :71، إبراهيم رفعت: مرآة الحرمين2 : 307 .

 

[3]. ابن بطولة، المصدر السابق : 71 72 .

 

[4]. علي بن حسين السليمان، العلاقات الحجازية المصرية، رسالة ماجستير في الأداب، جامعة القاهرة مطبوعة، 1393هـ/ 1973م :76 .

 

[5]. البتنوني، الرحلة الحجازية : 179.

 

[6]. سورة الحجر : 8 .

 

[7]. قال تعالى: (وأذّن في الناس بالحج ياتوكَ رجالاً وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق * ليشهدوا منافع لهمْ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير). سورة الحج: 27- 28.

 

[8]. كان من هؤلاء قديماً سفيان بن عينية الإمام الحجة، قال عنه الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم أهل الحجاز. ومن ألقابه: محدّث الحرم، وشيخ الإسلام، وأحد الأئمة، قال عنه الذهبي: كان خلق يحجون والباعث لهم لقي ابن عيينة، فيزدحمون عليه أيام الحج. الذهبي، تذكرة الحفاظ :262 وما بعدها برقم 249؛ العقد الثمين، 4 : 591 برقم 1311 ؛ وكان منهم أيضاً محدّث المدينة وعالمها نزيل مكة يعقوب بن حميد بن كاسب. الذهبي، تذكرة الحفاظ، 2 : 466 برقم 477 ؛ ومنهم أيضاً محدّث الجزيرة أحمد ابن عبدالملك بن واقد، نفس المصدر : 463 برقم 474؛ وهؤلاء مع أنّهم قبل هذه الفترة إلاّ أنّ هذه الروح هي السائدة في هذه الفترة وما بعدها من حيث رغبة روّاد العلم في تحصيل معارفهم على مشاهير علمائهم أيام مواسم الحجّ.

 

[9]. بلاد الحجاز : 219 .

 

[10]. ما سقناه مستفاد من تراجم علماء تلك الفترة. راجع الفاسي، العقد الثمين 1 : 356 ؛ الجزري، غاية النهاية في طبقات القرّاء 1، عنى بنشره، براجستر أسر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط  2، 1400هـ، : 597، وقد ذكر فيهما عمر بن محمد بن عليٍّ السراج الدمنهوري (ت597هـ)، ونشاطه كان ملحوظاً في قراءته القرآن بالحرمين، وأفاد الطلبة وكثيراً من روّاد العلم، وعلماء آخرين في الفترة نفسها، العقد الثمين 3 : 209 ؛ السخاوي، الضوء اللامع 1 : 35 .

 

[11]. ابن خلدون، المقدمة: 484 488 ؛ شذرات الذهب 5 : 343 ؛ العلاقات الحجازية: 223 224 .

 

[12]. ابن خلدون، المقدمة : 497 498 .

 

[13]. لم يستدل على معرفته في المصادر المتداولة .

 

[14]. ابن جبير، رحلته، طبعة بيروت، 1399هـ : 146 147 .

 

[15]. الساعي هو: تاج الدين علي بن أنجب بن عثمان بن عبد الله البغدادي السلامي، خازن مكتبة المستنصر العباسي، (ت674)، فاق أقرانه حفظاً، تصانيفه كثيرة منها: مشيخة بالسماع والإجازة في عشرة مجلّدات، كان قارئاً بالسبع مؤرخاً، له مصنفاته في التفسير والحديث والفقه، وله تاريخ اسمه الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير، ويقع في ستة وعشرين مجلداً، ولم يصل منه سوى المجلد التاسع الذي أرخ فيه من سنة 595هـ إلى سنة 606 هـ، قام بنشره د. مصطفى جواد1353هـ. انظر الفاسي، العقد الثمين 3 : 371 343 344 .

 

[16]. العقد الثمين 3 : 371 375 برقم850 ؛ السخاوي، التحفة اللطيفة 1 :215 2 .

 

[17]. هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف الشاذلي (ت656هـ)، المقريزي، السلوك ح1، ق2، :414 ؛ ابن تغرى بردي، النجوم الزاهرة 9 : 68 69 ؛ شذرات الذهب 5 : 278 ؛ إتحاف الورى 3 : 80 .

 

[18]. ترجمته في ابن كثير، النهاية 14 :163 ؛ النجوم الزاهرة 9 : 298 .

 

[19]. هو قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموي الشافعي (ت733هـ)، والصفدي: الوافي بالوفيات 5 : 18 برقم 268 .

 

[20]. من خلال ترجمته ذكر ابن حجر في الدرر الكامنة 3 : 361 برقم 3266 أنّه حجّ مراراً .

 

[21]. هو عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة قاضي قضاة الديار المصرية، وفاته بمكة سنة767هـ ودفن بالمعلاة بجوار الفضيل بن عياض. العقد الثمين 5 : 457 458 برقم 1832 ؛ وذكره ابن العماد بأنّه كان كثير الحجّ والمجاورة .

 

[22]. ذكر في شذرات الذهب 6 : 209 .

 

[23]. الفاسي، المصدر نفسه 5 : 458 .

 

[24]. المقريزي، السلوك 2 : 903، ق3 ؛ ابن فهد، إتحاف الوری 2 :291 .

 

[25]. ابن كثير، البداية والنهاية 13 : 278 ؛ ابن تغری بردي، النجوم الزاهرة 9 : 278 ؛ ابن فهد، إتحاف الوری 3 : 74 ، وذكر ابن كثير في مصدره هذا بأنه يحيى بن شرف بن حسن بن حسين بن جمعة بن حزام الحازمي العالم محي الدين أبو زكريا النووي، ثمّ الدمشقي الشافعي العلامة شيخ المذهب وكبير الفقهاء في زمانه. من مصنفاته شرح مسلم، الروضة، المنهاج، الرياض، الأذكار، التبيان، تهذيب الأسماء واللغات، طبقات الفقهاء، وغيرها .

 

[26]. البداية والنهاية13 : 254ـ255 ؛ شفاء الغرام 2 : 240 ؛ السلوك 1 :580 582 ؛ إتحاف الوری3: 94 98 حوادث سنة667هـ .

 

[27]. هو الملك المؤيد عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن الأفضل بن المظفر محمود بن المنصور محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب(ت732هـ في الثامن عشر من المحرم)، وقد وصف بالفضل والبراعة في عدة علوم، وله كتاب المختصر في أخبار البشر، وهو من كتب التاريخ المعتبرة، (ابن تغری بردي، النجوم الزاهرة 9 : 292293) .

 

[28]. السلوك 1: 197 ق1 ؛ النجوم الزاهرة9 : 58 ؛ إتحاف الوری3: 164ـ165 .

 

[29]. هو محمد بن عبد الدايم بن موسی بن عبد الدايم البرماوي (ت831هـ) ؛ الضوء اللامع 7 : 280 برقم 275 .

 

[30]. إتحاف الوری3 :625 .

 

[31]. غيانه: حصن بالأندلس من أعمال شنتريه، وينسب إليها هذا الشيخ، معجم البلدان 4 : 221 .

 

[32]. إتحاف الوری 2 : 552 .

 

[33]. حمد الجاسر، أشهر رحلات الحج : 19، مجلة العرب، العدد الأول، السنة الرابعة، رجب 1389هـ، :90، وفيها ما يتعلق بمكة من رحلته المسماة (ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة في الوجهتين الكريمتين إلى مكة وطيبة) .

 

[34]. راجع رحلته دارالتراث، بيروت، 1388هـ، : 49 ـ50، وفيها سبب رجوعه وتحوله إلى طريق الركب الشامي .

 

[35]. العقد الثمين 3 : 78 برقم 583 من ترجمة الشيخ شهاب الدين النووي .

 

[36]. الضوء اللامع 5 : 18 من ترجمة عبد الله بن خليل بن فرج الشافعي (ت833هـ) .

 

[37]. العقدالثمين 5 : 196ـ199برقم 156 ؛ التحفة اللطيفة2 : 49ـ50 برقم 2028، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان1414هـ .

 

[38]. الدلاصي منسوب إلى الدلاص: وهي بفتح أوله وثانيه بكورة بصعيد مصر غرب النيل، معجم البلدان2 :459

 

[39]. العقدالثمين 5 : 64ـ65 برقم156 ؛ إتحاف الورى3: 177 .

 

[40]. الحراني نسبة إلى حرّان: وهي مدينة مشهورة من جزيرة أقور، وتقع على طريق الموصل والشام، وسميت بهاران أخي إبراهيم7، لأنّه أول من بناها، فعربت إلى حرّان بتشديد الراء. وقيل: إنّها أول مدينة بنيت على الأرض بعد الطوفان. قال المفسرون: إنّها المرادة في قوله تعالى: (إنّي مهاجر إلى ربّي)، ياقوت، معجم البلدان2 : 325ـ326 .

 

[41]. عن ابن تيميه انظر بن رجب الحنبلي (ت795هـ)، الذيل على طبقات الحنابلة، بيروت، دار المعرفة،2 : 246 برقم359، الذهبي، العبر في خبر من غبر5 : 212، عن زوجته بدرة ؛ المنذري، التكملة لوفيات النقلة 3 : 138 برقم 2017 ؛ شذرات الذهب5 : 102 .

 

[42]. وتسمی فوائد البزار في الحديث، لعبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي ؛ كشف الظنون 2 :1296.

 

[43]. لمحمد بن عبد الله الأنصاري، أو لأبي محمد عبد الباقي الأنصاري، كشف الظنون 1 : 586 .

 

[44]. الغيلانيات، فوائد حديثية من رواية أبي طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزار (ت440هـ) ؛ كشف الظنون1 : 588 ؛ الوافي بالوفيات 1 : 119 برقم 27 .

 

[45]. هو أبو البدر عباد بن الوليد بن خالد الغبري الكرخي نسبة إلى كرخ سامراء، وفاته سنة258هـ ؛ إتحاف الوری 3 : 73 .

 

[46]. هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي دجانة عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري، وفاته قبل سنة360هـ ؛ تذكرة الحفاظ3 : 1001 .

 

[47]. ابن فورك، هو أبو بکر أحمد بن موسی بن مردوية بن فورك الإصبهاني ؛ الوافي بالوفيات 8 : 210 برقم3634 ؛ شذرات الذهب 3 : 19 .

 

[48] . السخاوي، الضوء اللامع 9 : 31 .

 

[49]. السخاوي، المصدر نفسه10 :170 ؛ شذرات الذهب 7 : 297 .

 

[50] . السخاوي، المصدر نفسه10 : 48 .

 

[51]. السخاوي، الضوء اللامع1 : 351 .

 

[52]. المصدر نفسه 6 : 98 .

 

[53]. المصدر نفسه 6 : 309 .

 

[54]. هو تمام بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسی بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم بن أسلم الخزرجي، كنيته أبو حامد، ويسمى أيضاً أحمد، وفاته الخميس 7 من رجب سنة 773هـ ؛ العقد الثمين3 : 383ـ384 برقم860 .

 

[55]. العقد الثمين2 : 383 386 برقم860، ومنه ورد هذا الشعر ؛ الدرر الكامنة 1 : 225 ؛ إتحاف الوری 3 : 314 .

 

[56] . العقد الثمين 2 : 201 207 برقم325 ترجمة طويلة ؛ ابن تغری بردي، المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، 1 :395، وهامشها، تحقيق، أحمد نجاتي، ط1، دار الكتب المصرية،1375هـ ؛ إتحاف الوری 3 : 239 .

 

[57]. ابن حجر، أنباء الغمر 3 : 446 ؛ السخاوي، الضوء اللامع 5 : 18 .

 

[58]. ألحارة في بعلبك، تعرف بحارة المقارزة، وأصله من بعلبك، وجدّه من كبار المحدثين، تحول ولده إلى القاهرة، وولي بها بعض الوظائف المتعلقة بالقضاء، وكتب التوقيع في ديوان الإنشاء، وولد له ابنه تقي الدين هذا. الضوء اللامع 11 : 227 .

 

[59]. ذكر السخاوي في كتابه الضوء اللامع 2 : 21، (مولده766هـ بالقاهرة) .

 

[60]. موفق الدين علي بن عبد الله النشاوري الزبيدي اليمني، (ت798هـ) ؛ ابن تغری بردي، المنهل الصافي 1 :395 وهامشها .

 

[61]. المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي 1 :394 399 برقم 217 ؛ الضوء اللامع 2 : 21 ؛ السيوطي، حسن المحاضرة 1 : 557 ؛ شذرات الذهب 7 : 254 .

 

[62]. الضوء اللامع 8 : 276 وفيها ذكر وفاته سنة 843هـ .

 

[63]. المصدر نفسه، 2 : 36 ؛ ابن فهد، معجم الشيخ : 70، تحقيق أحمد الزاهي، مراجعة حمد الجاسر، دار اليمامة، الرياض،1981م ؛ السيوطي، حسن المحاضرة 1 : 363 .

 

[64]. الفرع، قرية من نواحي الرئده بينها وبين المدينة ثمانية برد، على طريق مكة. معجم البلدان 4 : 252 .

 

[65]. العقد الثمين 2 : 364 371 برقم465 ؛ ابن حجر، أنباء الغمر 3 : 234 ؛ الضوء اللامع 10 : 56 برقم200 ؛ شذرات الذهب 7 : 161 .

 

[66]. العقد الثمين 1 : 331ـ363 برقم38 ؛ ابن حجر، أنباء الغمر3 : 429 ؛ الضوء اللامع 7 : 18 ؛ شذرات الذهب 7 : 199 ؛ مخلوف، شجرة النور الزكية : 253 .

 

[67]. هو عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني، ولد سنة 724هـ وتوفي سنة 805هـ . ابن تغرى بردي، المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي 1 : 395 .

 

[68]. العقد الثمين 1 : 308 310 .

 

[69]. للمزيد من التفاصيل راجع ترجمته في العقد الثمين 1 : 308 317 برقم 32 ، وانظر فيها المناظرات لشتی مصنفات أساطين العلم قبله، ابن حجر، أنباء الغمر 3 : 114 ؛ الضوء اللامع 7 : 3 برقم 25 ؛ شذرت الذهب 7 : 138 .

 

[70]. وتسمّى هذه المدرسة أيضاً المظفرية نسبة إلى ولد صاحب اليمن المظفر يوسف بن علي؛ لأنّه أقام فيها درس حديث، انظر ترجمته في الخزرجي، العقود اللؤلؤية 1 : 44ـ88 ؛ العقد الثمين 7 : 88، وفاته سنة 694هـ. وتسمّی بالنورية نسبة إلى نور الدين لقب الملك المنصور عمر بن علي بن رسول، وهو الذي قام بعمارة هذه المدرسة سنة 641هـ، وهي بالجانب الغربي من المسجد الحرام، وهي موقوفة على فقهاء الشافعية، وقام بهذه العمارة الأمير فخر الدين الشلاح ؛ العقد الثمين 8 : 175، وعن ترجمة الملك المنصور، العقود اللؤلؤية في أخبار الدولة الرسولية 1 : 44ـ88 ؛ العقد الثمين 6 : 339، وفاته 649هـ  .

 

[71]. المدرسة المجاهدية، عمّرها الملك المجاهد علي بن داود بن يوسف صاحب اليمن سنة 739هـ، وهي بالجانب اليماني من المسجد الحرام، وأوقفها في ذي العقدة من هذه السنة على الشافعية. العقد الثمين 6 : 158و 1 : 118 ؛ شفاء الغرام 1 : 328 .

 

[72]. المدرسة الأفضلية وهي نسبة إلى الملك الأفضل العباسي بن الملك المجاهد علي بن الملك المؤيد داود بن الملك المظفر داود بن الملك المنصور يوسف، وبناها جوهر بن عبد الله، المعروف بالرضوان، (ت755هـ) وبعد مجاورته لمكة بنى هذه المدرسة ولم يفدنا الفاسي بتاريخ بنائها غير ما أورده في عشر الخمسين وسبعمائة. عن المدرسة انظر شفاء الغرام 1 : 328 ؛ العقد الثمين 1 : 118؛ وعن ترجمة هذا الملك، الخزرجي، العقود اللؤلؤية 2 : 127163 ؛ وعن جوهر هذا، العقد الثمين 2 : 448 .

 

[73]. العقد الثمين 1 : 300ـ307 برقم 29، 3 : 52 برقم 562 ؛ المقريزي، السلوك 3 : 522ـ527 ق2 ؛ ابن حجر، الدرر الكامنة 1 : 153 برقم 405 ؛ إتحاف الوری 2 : 345 .

 

[74]. نجم الدين محمد بن محمد بن محب الدين أحمد الطبري، قاضي مكة ومفتيها، كان أديباً ناظماً ناثراً، (ت730هـ) ؛ ابن تغری بردي، المنهل الصافي 1 : 325 وهامشها، ضمن ترجمة جدّه المحب الطبري رقم 184 .

 

[75].  هو لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، الفقيه الشافعي المشهور، فرغ من تأليفة سنة 453هـ، وتوفي سنة 476 هـ، ابن تغرى بردي، نفس المصدر والجزء والصفحة هامش10 .

 

[76]. ذكر محقق الفاسي فؤاد سيد في العقد الثمين 5 : 105، أنّ عنوانه: مرهم العلل المعضلة في دفع الشبه و الردِّ على المعتزلة بالبراهين والأدلة المفصلة، مختوم بعقيدة أهل السنة المفضلة، طبع الكتاب بالهند سنة 1910م .

 

[77]. هو كتاب مشهور عنوانه: مرأة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان، مطبوع في أربعة مجلدات .

 

[78]. العقد الثمين 5 : 104ـ115 و2 : 271ـ276 برقم 1486و385 ؛ الدرر الكامنة 2 : 352 برقم 2120 ؛ ابن تغرى بردي، المنهل الصافي 1 : 325 ؛ إتحاف الوری 3 : 193 .

 

[79]. إتحاف الوری : 307 .