ردود الأفعال إزاء هدم المقابر فی البقيع

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

ممثّل ولي الفقيه سابقاً في شؤون الحجّ والزيارة وعضو مجلس التقنين لأئمة الجمعة وحاصل على السطح الرابع في الحوزة العلمية (قم المقدسة).

المستخلص

تتناول هذه المقالة موضوع هدم و تخريب المدينة المنورة بالمدافع و الرّصاص على يَد الوهابيين سنة (١٨٩٠م) و ردود الأفعال التي أبداها العلماء الشيعة ، و تأسيس لجنة خاصّة في مجلس الشورى الوطني في إيران لبحث هذه الفاجعة، و التجمّع الذي شكّله العلماء و الفئات الشعبية المختلفة في العاصمة طهران في المسجد الجامع و إعلان ذلك اليوم عطلة رسمية و توقّف الدراسة وصلاة الجماعة بإمامة العَلَمين المرحوميْن: الإصفهانيّ و النائينيّ في النجف الأشرف ، و انعكاسات هذا الخبر في الأقطار الإسلامية الأخرى بواسطة القنصلية الإيرانية في النجف الأشرف ، و أخيراً وصول خبر الهدم والتخريب إلى بلاد الهند و عدد من الأقطار الأخرى و العواصم و المدن المهمّة ، و ردود الأفعال الجادّة للمسلمين و الاعتراضات الكبيرة التي عمّت تلك البقاع ، و الأوامر التي أصدرتها وزارة الخارجية الإيرانية إلى (غفار خان جلال السلطنة) الوزير الإيراني المختار لدى مصـر و القاضية بضـرورة متابعة هذا الأمر الجَلل.
 
 

الكلمات الرئيسية


قصف المدينة المنوّرة.[1]

أعلنت صحيفة (إيران) بتأريخ (٢٤ أغسطس/آب سنة ١٩٢٥م) نقلاً عن راديو (برلين)، أعلنت عن قيام الجماعات الوهابية بقصف المدينة المنوّرة وإلحاق خسائر فادحة بالمسجد الذي يضمّ ضريح الرسول الأعظم صَلّى الله عليه وآله. (صحيفة «إيران» السنة التاسعة، العدد «١٨٩٠»، ص ٢).

وبعد مرور يوميْن على الحادث (أي، في السادس والعشرين من أغسطس)، أعلن مراسل (رويتر) عن مصادر موثوقة أنّ الوهابيين شنّوا هجوماً على المدينة المنورة وشرعوا في قصفها وكانت النتيجة حدوث دمار وخراب كبيريْن حيث تضرّر المسجد الكبير الذي يحتضن قبر النبيّ الكريم صَلّى الله عليه وآله وكذلك مسجد حمزة (عَمّ النبيّ9). (صحيفة «إيران» السنة التاسعة، العدد «١٨٩١»، ص ١).

و مع انتشار الخبر المذكور ازداد قلق العلماء عموماً و الشيعة خصوصاً ، و كان آية الله الشيخ جمال الدين النجفي الإصفهانيّ (المشهور بالحاج آقا جمال الإصفهاني «١٩٠٥-١٩٧٥م») و هو شقيق آية الله (آقا نجفي الإصفهاني) و(آقا نور الله الإصفهاني) قد تلقّى العلوم الدينية لدى والده و أخيه ثمّ أتمّ تعليمه في الحوزة العلمية في النجف الأشرف. و خلال مشاركة العلماء الشهداء في النجف في الثورة الدستورية أيّد (آقا جمال) كذلك تلك الثورة ، و بعد سقوط إصفهان بيَد الرّوس سافر (آقا جمال) إلى طهران حيث أصبح من علماء الطراز الأوّل هناك ، و بدأ يلقي الدروس في مسجد (السيد عزيز الله) في طهران. و كان (آقا جمال) يُعدّ من المؤيّدين السياسيين لآية الله السيد حسن المدرّس حيث أبدى اعتراضه الشديد على الكثير من الإجراءات التي قام بها رضا شاه. و عندما توفّي (آقا جمال) انتشرت بعض الشائعات التي تقول إنّه اغتيل على يَد عملاء رضا شاه ، و شيّع جثمانه بحفاوة كبيرة في مدينة (تخت فولاد) بإصفهان حيث و وُريَ جسده الثرى. (يوميات التأريخ الإيراني المعاصر ٥ : ٢٨٤).

هذا ، و كتب أحد العلماء الإصفهانيين القاطنين في طهران عريضة إلى وزارة الخارجية (نسخة منها منشورة في يوميات التأريخ الإيراني المعاصر، ج٥) مُعبّراً فيها عن غضبه و استيائه الشديديْن ، و فيما يأتي نصّ الرسالة: «نودّ إطلاع معاليكم بأنّنا نسأل الله دوماً أن يهب جنابكم السلامة و التوفيق الكاملـيْن من أجل إعلاء الكلمة الإلهية الحقّة و إحكام مبادئ استقلال مملكتنا المؤمنة. و لا بدّ أنّ معاليكم استمعتم إلى الأخبار التي تشير إلى قصف المدينة المنورة و تعرّض أطراف المرقد الطاهر الزكيّ لخاتم الأنبياء عليه آلاف الصلاة و السلام إلى الهدم و الإهانة ، و هذه مصيبة عظيمة لا يمكن للمسلمين تحمّلها بأيّ شكل من الأشكال و لا سيّما دولة إيران العليّة و المسؤولين المحترمين فيها. إنّ جميع المسلمين ينتظرون اهتمام الدولة العليّة و ردّ فعلها إزاء هذا العمل المشين و أرجو أن تتفضّلوا بإبداء الاهتمام و الإجراءات الجادّة السبّاقة و إلّا أصبح ذلك سبباً لغضب المسلمين و ثورتهم ، و إذا كان هذا الأمر كذباً فأمروا فوراً بنشر ذلك في الجرائد و بيان افترائه ، و نستميحكم عذراً للإزعاج». (وثائق وزارة الخارجية، ٥٥-١-٣٠-١٣٠٤؛ يوميات التأريخ الإيراني المعاصر، ٥ : ٢٨٤).

و إثر سماعه لخبر قصف المدينة المنوّرة على يَد الوهابيين طلب آية الله المدرّس مقابلة رضا شاه في صباح يوم الخميس الموافق (٢٦ أغسطس /آب ١٩٢٥م) لمتابعة الموضوع باعتباره ممثّلاً عن طهران في مجلس الشورى الوطني ، و قد صرّح آية الله المدرّس بعد تلك المقابلة قائلاً: «كنتُ في خدمة السيد رئيس الوزراء صباح اليوم فلاحظت اهتمامهم الكبير بهذه المسألة المنشورة في الصحف و قد أمر بالتحقيق في هذا الأمر فوراً وتقصّي الحقائق ، فلا بدّ من الاهتمام بهذا الموضوع. و الآن و قد بدأوا بالبحث و التحقيق في الأمر فإنّ الحقيقة ستتجلّى و تظهر» (مدرّس والدورات التشريعية الخمس، ٢ : ١٨٩).

و في اليوم نفسه حضر رضا شاه في مجلس الشورى الوطني و تلا على أعضائه الخبر المنشور في الصحف و الجرائد ثمّ علّق بقوله: «لا بدّ من تشكيل لجنة من قِبل المجلس إذا رأى الأعضاء ضرورة لذلك لمتابعة هذا الأمر بعد أخذ موافقة الحكومة» (المصدر نفسه : ١٩٠).

و بعد ذلك قامت وزارة الخارجية بإرسال البرقيات إلى السفارات الإيرانية في القاهرة و لندن و الشام و إعلامها بالخبر الذي نشرته وكالة (رويتر) بشأن قصف الوهابيين للمدينة المنوّرة ، و طلبت منها تأييد صحّة الخبر المذكور أو سقمه و إرسال التفاصيل المطلوبة فوراً. (وثائق وزارة الخارجية، 52-1-30-1304).

و في صبيحة اليوم العاشر من صفر عام ١٣٤٤هـ (٢٩/٨/١٩٢٥م) ألقى المرحوم آية الله المدرّس كلمة في مجلس الشورى الوطني مبتدئاً بطرح السؤال التالي: «ما هي هويّة الشعب؟» ثمّ أجاب هو على هذا السؤال قائلاً: «إنّ هوية أيّ شعب أو ملّة مرتبطة بجامعها». بعد ذلك تحدّث بدور الجامع و الوسيط و القائد بين الناس و صرّح بأنّ عدم وجود أيّ من هؤلاء فإنّ أفراد الشعب و الفئات داخل المجتمع يصبحون كالجدار المنشعب ، فارتقاء أيّ شعب و تعاليه يقومان على المحافظة على مسجدهم و بارتقاء مسجدهم و تعاليه يتقدّم المجتمع و يرتقي. ثمّ أشار إلى جوامع إيران و مساجدها و سائر المساجد الأخرى في بعض الأقطار و الممالك الإسلامية مُعتبراً أنّها تمثّل الإسلام نفسه و قال: «اليوم هو أفضل وقت لرفع الراية الإسلامية». (صحيفة إيران، السنة التاسعة، العدد «١٨٩٤»، ص ١، و٢).

و في عصر ذلك اليوم كذلك تجمّع عدد من العلماء في مسجد (مروي) بطهران إلى جانب جماعة من التجّار و أصحاب المحالّ و طبقات الشعب المختلفة و كانوا ينصتون إلى كلمة آية الله المدرّس الذي كان يتحدّث ببعض الموضوعات المتعلّقة بتصرّف الوهابيين وسلوكهم في أرض الحجاز. كما أعلن آية الله المدرّس أنّ الأخبار الواصلة من هناك لم يتمّ تأييدها بعد من قِبل المصادر الرسمية. و رغم أنّه كان من المُقرّر أن يقوم جميع التجّار وأصحاب المحال بتعطيل العمل في يوم الثلاثاء استنكاراً لِما ارتكبه الوهابيون و يُعلنون ذلك اليوم عطلة رسمية لكنّهم أحجموا عن ذلك حتى تتّضح الأمور فيما بعد.

و بعد كلمة آية الله مدرّس اعتلى المنبر الشيخ علي الإصفهاني الذي قَدِم إلى طهران منذ فترة قريبة و ألقى كلمة أيضاً بهذه المناسبة. و في ليل يوم الأحد اجتمع علماء طهران في بيت إمام جمعة (خوئي) و تشاوروا بشأن هجوم الوهابيين على الأماكن المقدّسة في الحجاز. (المصدر نفسه، ص ٣).

و نشرت صحيفة (قانون) خبر تجمّع عدد كبير من الناس في المسجد الجامع عصر يوم الأحد و استماعهم إلى كلمة السيد علي الشوشتري التي أدان فيها قيام الوهابيين بارتكاب ذلك العمل الشنيع (صحيفة «قانون» السنة الرابعة، العدد «٤٧»، ص ٢).

و في عددها السادس و الأربعين الصادر في يوم الأحد (٢٩/٨/١٩٢٥م) نشرت صحيفة (قانون) مقالاً في صفحتها الأولى بالخط العريض جاء فيه: «إنّ الجرائم النّكراء التي يرتكبها الوهابيون هذه الأيام بحقّ العالم الإسلامي لا شكّ أنّها تؤذي روح مؤسّس الشريعة الطاهرة و تعصر قلوب المسلمين كافة، فهذه هي الضربة الثانية التي توجّهها هذه الفرقة المجرمة المتوحشة إلى جسد الإسلام و النكتة السوداء الثانية التي يضعها هؤلاء في صفحات تأريخ الوهابية السّبُعية. إنّنا نُعبّر عن خالص حزننا و ألمنا إلى العالم الإسلامي بقلوب معصورة و عيون دامية متمنّين من الدولة العليّة الإيرانية و سائر الدول الإسلامية الموقّرة أن تخطو خطوات جادّة لسدّ هذه الثّغرة و مُداواة هذا الجرح العميق في قلب الإسلام» (صحيفة «قانون» السنة الرابعة، العدد ٤٧).

و في اليوم نفسه بعثت هيئة علماء همدان ببرقية إلى مجلس الشورى الوطني عبّروا فيها عن أسفهم و حزنهم بسبب ما أقدم عليه الوهابيون من عمل وحشـيّ و الهجوم على الأماكن المقدّسة في المدينة المنوّرة و طالبوا بإرسال برقية إلى هيئة الأمم المتحدة لتقوم بدورها و الحيلولة دون استمرار الجرائم الوهابية و تطهير المدينة المنوّرة من دَنس هؤلاء المجرمين.

و ذكرت هيئة علماء همدان في برقيّتها أنّه إذا سمحت الحكومة لهم فإنّ باستطاعتهم الذهاب إلى المدينة المنوّرة للدفاع عن هويّة الإسلام و كرامته و أنّهم مستعدون للتضحية بأرواحهم في سبيل ذلك... «ثالثاً نطالب المجلس المقدّس بإعلان هذا اليوم يوم مصيبة المسلمين و اعتباره أكبر يوم في أيام عزاء المسلمين. (وثائق مجلس الشورى الوطني، الوثيقة رقم «99/41/154/5»).

و أعلن نائب القنصل الإيراني آنذاك في النّجف الأشرف أنّ حجّة الإسلام الشيخ أحمد كاشف الغطاء (من حُجج الإسلام الروّاد هناك) عطّل دروسه في الحوزة العلمية بعد سماعه خبر هجوم الوهابيين على المدينة المنوّرة  و يبدو أنّه لن يحضر صلاة الجماعة أيضاً.

و أضاف معاليه قائلاً: «وقد اصطفّ إلى جانبه سائر العلماء العرب هناك حيث ينوون إرسال برقيات إلى الدول و المحافل الإسلامية ، كما ذُكِر أنّه من المقرّر إقامة تجمّع عامّ اليوم أو غداً في مسجد (هندي)». (وثائق وزارة الخارجية ، 51-1-30-1304).

و في رسالة أخرى بعثها نائب القنصل الإيراني أشار فيها إلى تزايد الخوف و القلق بين أهالي تلك الديار وذكر أنّ مجالس العلماء والعزاء لا حديث لها سوى موضوع الهجوم الوهابي على المدينة المنوّرة، مضيفاً: «أنّ أهل هذه الديار متأكّدون أنّه إذا استولى الوهابيون على المدينة المنوّرة فإنّهم سيهاجمون العراق بعدها». (صحيفة «قانون»، السنة الرابعة، العدد «٤٧»، ص ٢).

هذا ، و ذكر (غفار خان جلال السلطنة) الذي عُيّن مؤخّراً وزيراً مختاراً لإيران في القاهرة ، ذكر أنّه التقى ممثّل الحجاز (أي، ممثّل الحجاز قبل استيلاء آل سعود على السلطة هناك) و أنّ هذا الأخير أكّد الأخبار الواردة عن مراسلي (رويتر) بشأن قصف المدينة المنوّرة و هدم وتخريب الأماكن المقدّسة فيها ، و قال إنّ دار السيّدة (خديجة3) و السيّدة (آمنة3)، الأثريّيْن في مكّة المكرّمة قد تهدّما بالكامل ، و أنّه إذا استولى الوهابيون على المدينة المنوّرة فإنّهم سيهدّمون قبر النبيّ9 دون أدنى شكّ... (وثائق وزارة الخارجية، 51-1- 30-1304).

و بالنّظر إلى المخالفات و الاعتراضات الواسعة بين المسلمين و لا سيّما الشيعة منهم فقد عمد الوهابيون إلى تكذيب كلّ الأخبار القادمة بشتى الحيل و الادّعاءات لكنّهم لم يعلّقوا على أخبار هدم قبور البقيع و المزارات في (أُحد) و ركّزوا على موضوع عدم هدم الضريح الطاهر و القبّة الخضـراء للرسول الأعظم9. و قد ذكر نائب القنصل الإيراني في النّجف الأشرف في تقريره قائلاً: «لقد سمحت الحكومة العراقية (أي، الإنجليز في الحقيقة) للجماعات الوهابية بين نَجد و العراق بالسفر إلى بلاد النّهريْن لشـراء المُؤَن و الالتقاء ببعض الشخصيات العربية من أهل النجف الأشرف». و كتب نائب القنصل في تقريره يقول: «إنّ الوهابيين يصرّون على تكذيب الأخبارة الواردة عن حوادث المدينة المنوّرة و يصرّحون بعكس ذلك و أنّهم يُعاملون الجميع بكمال الرّأفة وأنّهم لن يقدموا أبداً على إهانة الأماكن المقدّسة أو الاستخفاف بها». (وثائق وزارة الخارجية، 16-1-30- 1304).

تشكيل لجنة خاصة في المجلس:

عقد مجلس الشورى الوطني برئاسة تديّن (النائب الثاني لرئيس المجلس)، جلسة في يوم الثلاثاء الحادي و الثلاثين من أغسطس/آب (١٩٢٥م) المصادف للثاني عشر من شهر صفر عام (١٣٤٤هـ) و ناقش في بدء الجلسة موضوع هجوم الوهابيين على المدينة، و تقرّر بتأييد من آية الله المدرّس تشكيل لجنة تضمّ عشـرة أعضاء لمتابعة هذه الحادثة. و في هذه الأثناء قال رضا شاه الذي كان حاضراً في تلك الجلسة أيضاً إنّ الموظفين الإيرانيين في الشام و مصر أيدّوا إلى حدّ ما الأخبار الخاصة بهجوم الوهابيين على المدينة المنوّرة ، لكنّهم ذكروا أنّ المهاجمين لم يتمكّنوا بَعد من الاستيلاء على المدينة، إلّا أنّه لا بدّ من تشكيل اللجنة الخاصة. (صحيفة «إيران» السنة التاسعة، العدد «١٨٩٦»، ص ١).

و في عصر يوم الثلاثاء أيضاً حضر جمع كثير من الناس في المسجد الجامع بدعوة من العلماء و أُعلِن هناك أنّ يوم السبت القادم الذي سيصادف السادس عشـر من شهر صفر سيكون عطلة رسميّة ، ثمّ تُلي بيان رضا شاه بخصوص الموافقة على قرار العلماء بشأن العطلة المذكورة. (المصدر نفسه، ص ٣).

و في اليوم الحادي عشر نُشِر بيان رضا شاه الذي يُخاطب فيه جميع حكّام الإيلات و الولايات و موظّفي الدولة و أشار البيان إلى سوء الأدب و الوقاحة اللذيْن ارتكبهما الوهابيون في المدينة المنوّرة و مسجد النبيّ الأعظم9 و أثار سماع ذلك الخبر القلق لدى الحكومة التي ما زالت تُتابع الأخبار ، لكن ، و كإجراء أوّلي و بالاتّفاق مع آراء السادة حُجج الإسلام ، تقرّر إعلان يوم السبت (٤/٩/١٩٢٥م)، المصادف للسادس عشر من شهر صفر عطلة رسمية في جميع أنحاء المملكة للتعبير عن إحساسات المسلمين و مشاعرهم و إقامة مجالس التعزية و الحزن (صحيفة «إيران» السنة التاسعة، العدد «١٨٩٦»، ص ١).

كما أشار نائب القنصل الإيراني في النجف الأشرف آنذاك في تقريره إلى انعكاسات تعطيل الدروس و صلاة الجماعة في تلك المدينة المقدّسة وأنّ سماحة آية الله الإصفهاني و سماحة آية الله النائينيّ قد بعثا برسالة إلى رضا شاه حول هجوم الوهابيين على المدينة المنوّرة. (وثائق وزارة الخارجية، 12-1-30-1304).

و هكذا وصلت أنباء الهدم و التخريب إلى بلاد الهند فأثار ذلك غضب المسلمين الشديد هناك ، و قد كتب الممثّل السياسي لإيران في الهند تقريراً حول هذا الموضوع جاء فيه: «بعد انتشار أخبار إهانة الوهابيين لمرقد الرسول الأعظم9 اجتمع مُعظم المسلمين شيعة و سنّة في مدينة بومباي و بلغ عددهم أكثر من مئتي ألف شخص إضافة إلى الإيرانيين المُقيمين هناك ، اجتمعوا في المساجد و المجامع الدينية المختلفة ، و انتشر الصّخب و الصراخ في كلّ مكان. و عمد جميع الناس إلى إغلاق دكاكينهم و أسواقهم و تظاهروا في المعابر و الأزقّة لعدّة أيام». ثمّ يُضيف ممثّل إيران في الهند قائلاً: «لقد أثار ما ارتكبه الوهابيون الغضب العارم لدى أكثر من (٦٧) مليون مسلم في الهند كما تظاهر المسلمون في سائر المدن الأخرى. و في مدنية (لكنهو) و هي من المدن الهندية الكبيرة التي غالبية سكّانها من المسلمين و مركز تجمّع العلماء و رجال الدين كما تُعدّ مركزاً إسلامياً مهمّاً في الهند ، تجمّع عدد كبير من المسلمين للتعبير عن سخطهم». و قال الممثّل الإيراني في تقريره كذلك: «لقد قام المجمع العلمي لعلماء (لكنهو) و المجلس الأعلى للمسلمين في الهند بإرسال برقية إلى القنصلية الإيرانية شكروا فيها قيام الحكومة الإيرانية بإعلان العطلة الرسمية و إقامة العزاء كردّ فعل على ما ارتكبه الوهابيون». (وثائق وزارة الخارجية، 126-1-30- 1304).

جواب وزارة الخارجية على طلب آية الله النجفي الأصفهاني:

أرسلت وزارة الخارجية (الإيرانية) كتاباً إلى آية الله (حاج آقا جمال الدين النّجفي الإصفهاني) في (٢/٩/١٩٢٥م) الموافق للرابع عشـر من شهر صفر عام (١٣٤٤هـ) جواباً على رسالة سماحته إلى الوزارة ، و جاء في رسالة وزارة الخارجية ما يلي: «...  و تشير التحقيقات التي أجراها الموظفون الإيرانيون في كلّ من لندن و مصر و الشامات إلى أنّ الأخبار الواردة عن المدينة المنوّرة صحيحة للأسف الشديد». كما ورد في الرسالة المذكورة: «لقد تكدّرت الخواطر بوصول تلك الأخبار و أثار ذلك الحزن الشديد لدى الجميع ، و قد أُرسلت البرقيات إلى جميع الموظفين الإيرانيين في الخارج لإبلاغ مسلمي العالم كافة بالألم و الحزن اللذيْن أصابا الحكومة الإيرانية و الشعب الإيراني و شجبهم لهذا التصـرّف الوهابي المشين بسبب هتكهم لحرمة المقامات الإسلامية المقدّسة». (المصدر نفسه، ص ٥٦ و٥٧).

كما قام أهالي مدينة أردبيل يوم الخميس بتعطيل الأسواق و المحال التجارية و أقامة مجالس التعزية ، و كذلك تعطّلت الأعمال في مدينة (خوي) و خرج الأهالي في مواكب لِلَطم الصدور و هم غارقون في حزن عظيم. (منظمة الوثائق الوطنية الإيرانية، الوثيقة رقم:٢٩٠١١٥٦).

هذا و بعث (كبلي آموري) ـ مستشار السفارة الأمريكية في طهران ـ رسالة إلى وزير الخارجية الإيراني بعد سماعه للظروف الحاصلة في البلاد و الاعتراضات الواسعة للعلماء و الناس ، حيث عبّر في رسالته عن خالص مواساته للحكومة و الشعب. و ممّا جاء في رسالة المستشار: «لقد نكّست الأعلام في كلّ من سفارة الولايات المتحدة و قنصليّتها منذ طلوع الفجر حتى غروبها». (وثائق وزارة الخارجية، 27-1-30- 1304).

و من علماء محافظة تبريز بعث آية الله أبو الحسن أنگجي برقية إلى الآيات العظام في النّجف الأشرف و هم السيد أبي الحسن الإصفهانيّ و محمّد حسين النائينيّ و آية الله الشيرازي و الفيروزآبادي ، و عبّر فيها عن تأثّره بالواقعة الشديدة و الفاجعة العظيمة في المدينة المنوّرة ، و أعلن استعداد المسلمين في المحافظة بالتضحية بكلّ غال و نفيس. (المصدر نفسه، ص ١٠٥).

كما أرسل العقيد علي قلي ـ الحاكم العسكري لمدينة شاهرود ـ برقية عاجلة إلى رضا شاه قال فيها: «إنّ علماء شاهرود ينوون تمديد عطلة يوم السبت السادس عشـر من صفر حتى تقوم الحكومة باتّخاذ القرار النهائيّ في هذا الأمر». (وثائق مؤسسة الدراسات و البحوث السياسية ، الوثيقة رقم «١٣٠٤»، پ٧، ص ٣٣٦)؛ لكنّ وزارة الحربية أجابت عن برقية الحاكم العسكري لشاهرود و أخبرته أنّ يوم العطلة هو يوم السبت فقط. (المصدر نفسه، ص ٣٣٥).

تقرير حول عطلة السبت :

كتبت صحيفة (إيران) في عددها الصادر بتأريخ (٤/٩/١٩٢٥م) تقريراً جاء فيه:

«بالنّظر إلى الإخطار السابق فقد تعطّلت هذا اليوم جميع المحال التجارية و الأسواق و الدوائر الحكومية و حتى المخابز و الأفران استنكاراً لإهانة الوهابيين للأماكن المقدّسة في المدينة المنوّرة و تخريبها ، كما تجمّع الكثير من الناس في مسجد (سلطاني) و اعتلى المنبر أوّلاً الحاج الشيخ جواد العراقي ثمّ أعقبه الميرزا عبد الله و تحدّث كلاهما عن جريمة الوهابيين و أكّدا على ضرورة اتّحاد الدول الإسلامية ، و قد تقرّر أن يكون محلّ التجمّع الثاني لأهالي طهران خارج بوابة (دولت آباد). و حضرت الجموع في المسجد يغمرها الحزن الشديد و هي تحمل الأعلام السوداء ، و كان سيادة رئيس الوزراء قد تجوّل في السوق قبل ظهر اليوم ثمّ عاد أدراجه».

و أضافت صحيفة (إيران) في تقريرها هذا قائلة: «لقد كان تجمّع الناس خارج بوّابة (دولت آباد) بعد ظهر اليوم عظيماً و فذّاً و لم يسبق أن شوهِد مثل ذلك الحشد الكبير في طهران من قَبل ، فقد تجمّع أكثر من خمسين ألف شخص في مكان واحد. و قد شارك في مراسم بعد ظهر ذلك اليوم أيضاً عدد من الوزراء المختارين للدول الإسلامية». (صحيفة «إيران» السنة التاسعة، العدد «١٨٩٩»، ص ٢).

تقرير السفارة البريطانية :

نشرت السفارة البريطانية تقريراً حول ردود أفعال المسؤولين و الناس في طهران إثر سماعهم خبر قصف مسجد الرسول الأعظم9 بالمدافع و ذكرت في تقريرها أنّ غضب الجماهير كان كبيراً و عارماً. و قد تشكّلت في المجلس هيئة خاصّة لتقديم المشورة إلى الحكومة حول هذا الموضوع و احتشدت الجموع الغفيرة في المساجد. كما جاء في تقرير السفارة أيضاً أنّه يبدو أنّ الصحف و المنشورات بشكل عامّ تؤيّد الاحتجاجات ضدّ القوى الكبرى و تدعو الدّول الإسلامية إلى الإسراع في إقامة مؤتمر من أجل إيجاد رقابة دولية إسلامية مشتركة على الحجاز.

و قد أعلنت بعض الصحف بشكل واسع و صريح أنّ القصف المذكور نُفِّذَ بتشجيع من بريطانيا ، بل و أشارت صحيفة (ستاره إيران) في عددها الخامس الصادر في سبتمبر/أيلول بصراحة أنّ كلّ المشاكل و المصائب التي تحدث في الحجاز سببها تحريض بريطانيا في الماضي و الحاضر. هذا و أُعلِن يوم السبت الخامس من أيلول يوم حداد عام في كلّ أرجاء البلاد ، كما حضر صباح ذلك اليوم وليّ العهد و جميع العلماء المبرّزين و الوزراء المختارين في كلّ من أفغانستان و مصـر و تركية إضافة إلى وزراء الحكومة ، حضروا في مسجد (شاه) ، و احتشد الكثير من الناس خارج المدينة في عصر اليوم المذكور منهم ممثّلو رجال الدين و أعضاء المجلس و وزارة الحربية و عدد كبير من الطبقات الاجتماعية الدنيا و المتوسطة إلى جانب بعض الجنود. و استمع حوالي (٤٠٠٠٠٠) مسلم غارق في الحزن و العزاء إلى الخُطَب الرنّانة التي ألقيت في ذلك اليوم كما كان هذا اليوم يوم حزن و عزاء في مصـر و أفغانستان. و أعلنت الحكومة الإيرانية استعدادها لإرسال المتطوّعين عند الحاجة ، و خاطبَ رئيس المجلس الدبلوماسيين الأجانب قائلاً: «قد ترغبون أنتم كذلك في مواساة المسلمين في آلامهم و أحزانهم إلّا أنّ بإمكان المسلمين فعل ما ينبغي متى أرادوا ذلك!» (FoE5914/82/34).

إعلان العطلة في جميع أنحاء البلاد :

تشير التقارير الواردة من بعض المحافظات و المدن مثل إصفهان و كرمانشاه و أراك و تبريز و أردبيل و أرومية و مراغة و سلماس و أهر و مرند و ساوجبلاغ مكري (مهاباد حالياً) و بندر عباس و شرف خانه (و هو أحد موانئ بحيرة أرومية و من توابع مدينة شبستر) و ساري و بارفوش (بابُل حالياً) و أشرف (بهشهر حالياً) و رشت و بندر بهلوي (بندر أنزلي) و لنگرود و رودسر و لاهيجان ، تشير إلى تعطيل الأهالي هناك كلّ محالّهم و أعمالهم و إقامة مراسم العزاء كالتي تُقام في عاشوراء و التجمّع في المساجد و الخروج في مسيرات كبيرة ، كما شارك أبناء العامّة كذلك في مراسم العزاء تلك استنكاراً لِما قامَ به الوهابيون. (منظمة الوثائق الوطنية الإيرانية، الوثائق 2936883 و 2901156 و 2912193 و 2935537).

الهجوم على الحكومة البريطانية :

ألقى (آقا سيّد جلال) ـ رئيس دائرة البريد الحكومية ـ كلمة على جمع غفير من أهالي بندر عباس خلال مراسم العزاء التي أقيمت اليوم (السبت ٤/٩/١٩٢٥م) ندّد فيها بقيام الوهابيين بهدم و تخريب الأماكن المقدّسة في المدينة المنوّرة. و خلال شجبه لهذه الجريمة هاجم (آقا سيّد جلال) الحكومة البريطانية و حمّلها مسؤولية تشجيع الوهابيين على الاعتداء على الأماكن المقدّسة للمسلمين و تقديم الأسلحة لهم ، و شدّد السيّد على ضرورة انتفاض جميع المسلمين ضدّ بريطانيا. (وثائق وزارة الخارجية، 45- 1-30-1304).

انتفاضة الشعب الهندي :

بعث الممثّل السياسي الإيراني في الهند برسالة إلى وزارة الخارجية أشار فيها إلى تجمّع المسلمين في مدينة (لاهور) و (لكنهو) و (بومباي) و (تبنا) و أضاف: «إنّ الغضب الجماهيريّ ما زال مشتعلاً كما خطب محمّدعلي جناح ـ أحد قادة المسلمين ـ في جمع من أهالي مدينة لاهور و أكّد على ضرورة إعلان الجهاد و قال: إنّنا لا نحتاج إلى أيّ مساعدات أبداً من الحكومة البريطانية بل نطلب المساعدة و الدّعم من الدول الإسلامية فقط مثل تركية و إيران وأفغانستان».

و قال الممثّل السياسي الإيراني في رسالته: «وصل العديد من الرسائل من بعض التشكيلات و التجمّعات إلى مكتبنا هناك تشكر فيها قيام مجلس الشورى الوطني بإدانة جرائم الوهابيين». و في ختام الرسالة قال الممثّل السياسيّ: «لقد تمّ نشر بيان وزارة الخارجية باللغة الأردو و الإنجليزية و الفارسية في الصحف المحلية». (وثائق وزارة الخارجية، 111-1-30-1304).

تجمّع الإيرانيين المقيمين في (تفليس) و(عشق آباد) :

ذكر الجنرال في القنصلية الإيرانية في مدينة (تفليس) أنّ الإيرانيين المقيمين في تلك المدينة تجمّعوا في مسجد (شاه عباس) استنكاراً للإهانة و التخريب اللذيْن ارتكبهما الوهابيون ضدّ الأماكن المقدّسة في مكّة و المدينة المنوّرة ، ثمّ أضاف قائلاً: «إنّ الرأي الرّسمي للحكومة الحالية هو أنّ تصـرّف ابن سعود هو من تدبير البريطانيين و أنّهم هم المُقصّرون الحقيقيون»، إلّا أنّ تصريحات الجنرال المذكور تشير بشكل غير حيادي و لا يُعارض بيان وزارة الخارجية الموقّرة إلى أنّ ابن سعود هو المُسبّب لتلك الأعمال. (المصدر نفسه،  10-1-30-1304).

و قد حرّر المجتمعون رسالة حملت توقيعاتهم رفعوها إلى مجلس الشورى الوطني و رضا شاه مُعلنين استعدادهم للذهاب إلى الحجاز و استئصال جذور الوهابيين هناك. (المصدر نفسه، 2/9 و3/9-1-30-1304).

تقارير أخرى حول هجوم الوهابيين على المدينة :

بعث (حبيب الله هويدا) ـ الجنرال في القنصلية الإيرانية في الشام ـ رسالة إلى وزارة الخارجية بتأريخ (٥/٩/١٩٢٥م) ذكر فيها ورود أخبار عن مصادر مختلفة تشير إلى هجوم الوهابيين على المدينة المنوّرة ممّا أدّى إلى هدم و تخريب ضريح حمزة7 الواقع خارج القلعة ، لكن بما أنّ القلعة المذكورة قويّة و محكمة فقد استطاع مقاتلو (ساخلو) الدفاع و المقاومة ببسالة وردّ الوهابيين على أعقابهم. و قد تعرّضت قبة خاتم النبيين9 إلى أضرار جسيمة بسبب القصف الوهابي ، و ما زالت المدينة المنوّرة محاصرة من كلّ جانب ، لكن من المُستبعد أن يتمكّن الوهابيون من الاستيلاء على المدينة و احتلالها.

و أضاف السيد (هويدا) في رسالته المذكورة أنّ هذه الأعمال تُمثّل عاراً على الوهابيين حيث أثارت أفعالهم غضب مسلمي العالم الشديد ضدّهم ، و قد شرع الناس في جميع المدن بلَعنهم على المنابر. و قال (هويدا) كذلك: «إنّ ابن سعود يحاول جاهداً حفظ ماء وجهه عَبر تكذيب الموضوع برمّته ، لكن لم يَعُد ذلك ينفعه الآن».[2]

تجمّع الإيرانيين المقيمين في (بادكوبه) ضدّ الوهابيين :

ذكر السيد (أسد الله يمين إسفندياري) ـ الجنرال في القنصلية الإيرانية في (بادكوبه) ـ أنّ الإيرانيين المقيمين في تلك المدينة تجمّعوا في المساجد يوم (٥/٩/١٩٢٥م) و عبّروا عن استنكارهم إزاء الأعمال التي قام بها الوهابيون و تخريبهم للأماكن المقدّسة في المدينة المنورة ، كما أعلنوا استعدادهم للتضحية بأرواحهم في سبيل مذهبهم إذا سمحت لهم الحكومة الإيرانية.

و أضاف (يمين إسفندياري) قائلاً: «رغم هيمنة الحكومة السوفياتية و فرض الرقابة الشديدة على الصحف التي تتّبع أوامر و توصيات الحزب الشيوعي بدقّة و رغم مُعارضة الحكومة المحلية كذلك لكلّ ما يمتّ بصِلة بالدين ، إلّا أنّه تمّ نشـر بيان وزارة الخارجية في الصحف الروسية و التركية». (وثائق وزارة الخارجية، 95 و94-1-30-1304).

مَكر السعوديين في تكذيب الأخبار :

عمدت لجنة الخلافة في المجلس الأعلى للمسلمين في بيت المقدس و فلسطين ، عمدت إلى تكذيب الأخبار المتعلّقة بالقصف الوهابي للمدينة المنوّرة. و ورد في البرقية التي أُرسلت إلى وزير الخارجية الإيراني بهذا الصدد أنّ ابن سعود كذّب تلك الأخبار على لسان ممثّله في مصر و قال: «إنّ القضية برمّتها هي من افتراء الأعداء الذين يحاولون التقليل من شأن العاملين المسلمين و إشعال الفتنة العقائدية بين الإخوة المسلمين». (وثائق وزارة الخارجية، 182-1-30-1304).

تأييد الشركات الأجنبية :

بعث ممثّلو الشركات الأجنبية العاملة في (أراك) برقية إلى وزير الخارجية عبّروا فيها عن أسفهم الشديد و مواساتهم للعالم الإسلامي و لا سيّما الشعب الإيراني النّبيل الذي يعيشون بين ظهرانيه بمودّة و محبّة. (وثائق وزارة الخارجية، 32-1-30-1304).

إنعكاس تلك التجمّعات على أهالي الشام :

أطلع (حبيب الله هويدا) ـ الجنرال في القنصلية الإيرانية في الشام ـ وزارة الخارجية بتأريخ (٩/٩/١٩٢٥م)، أطلعها بقيامه بنشر بيان الحكومة الإيرانية الذي تُدين فيه أعمال الوهابيين في الصحف المختلفة في الشام و بيروت و طرابلس و حلب و الإسكندرية و فلسطين ، فكان لذلك انعكاس و تأثير كبير في أهالي تلك البقاع حيث بعث السرور و الفرحة في قلوب المسلمين بسبب الغيرة الإسلامية التي أبدتها الحكومة العليّة في إيران ممّا دفع الكثير من العلماء و التجّار و الشباب و طلاب المدارس في الشام إلى التجمّع أمام القنصلية الإيرانية للتعبير عن شكرهم و امتنانهم و اعتبار إيران الدولة الإسلامية الوحيدة المُدافعة عن الدين. و أضاف الجنرال الإيراني قائلاً: «من المُقرّر أن يجتمع الناس من مختلف الطبقات يوم غد الجمعة (١٠/٩/١٩٢٥م) في مساجد الشام للتعبير عن استنكارهم لأعمال الوهابيين ثمّ القيام بعدد من المظاهرات ؛ لكن بما أنّ القتال ما زال قائماً بين الفرنسيين و الدروز و خضوع مدن الشام إلى الأحكام العرفية، فمن المُستبعد أن يُسمَح للناس بالتجمّع و التظاهر و ذلك لخوف السلطات من أن يُتَّخَذ ذلك ذريعة لانتفاض الناس الساخطين على الحكومة المحلية ضدّها و وقوع بعض الأحداث».

و في موضع آخر من تقريره حول آثار الإجراءات التي قامت بها الحكومة الإيرانية في إدانة الوهابيين ، قال السيد (هويدا): «إنّ أهالي هذه المناطق أبدوا امتعاضهم كذلك ضدّ الحكومة التركية لعدم اهتمامها في هذا الوقت العصيب بما يحدث في المدينة المنوّرة و قصف الوهابيين لها و لقبر الرسول9 و حماية الدين المبين كما فعلت الحكومة الإيرانية و تركيزها على إجبار الناس على ارتداء القبب». (وثائق وزارة الخارجية، 141-1-30-1304).

طلب أهالي المدينة المنوّرة للنّصرة و المَدد :

أرسل جماعة من أهالي المدينة المنوّرة بتأريخ (١٠/٩/١٩٢٥م) برقية إلى الملك (أحمد شاه) و العلماء في إيران يُعلمونهم فيها بتعرّض المدينة المنوّرة لحصار الوهابيين و قطع المياه و الخبز عنهم ؛ و لم يُعرَف التأريخ الدقيق لوصول البرقية المذكورة إلّا أنّ (جعفر قلي خان بختياري) ـ وزير البريد و الکهربا آنذاك ـ كتب في مذكّراته ما يلي:

«سلّمتُ البرقية المذكورة إلى سيادة (رضا شاه) بنفسـي ، و بعد أن نظر فيها قال: إبعثوا البرقية مباشرة إلى الملك و العلماء. فسلّمت نسخة من البرقية إلى وليّ العهد و النسخة الأخرى الخاصّة بالعلماء إلى سماحة (آقا ميرزا محمّد البهبهاني». (يوميات التأريخ الإيراني المعاصر٥ : ٣٠٥).

كما أُرسلَت نسخة من تلك البرقية كذلك إلى رئيس البلدية و علماء النّجف حيث كان القنصل في النّجف قد أرسلها إلى وزارة الخارجية.

و فيما يلي نَصّ رسالة أهالي المدينة المنوّرة:

«نحن إخوانكم الساكنين في أفضل البقاع المقدّسة مُحاصرون في الوقت الحاضر ، و قد منع الوهابيون العصاة دخول الماء و الخبز إلى سكّان مدينة الرسول الأعظم9 منذ شهر كما قطعوا جميع الطرق ، و قد أوشكنا على الهلاك بسبب الجوع و العطش. و من الأفعال القبيحة التي يقوم بها أفراد هذه الطائفة الضالّة قصفهم لقبر الرسول الكريم9 و آل بيته:، و قد استهدفوا بقصفهم المئذنة ممّا أجبر المؤذّن على النزول بعد تحطّمها تماماً. كما عمد الوهابيون إلى تخريب قبر حمزة سيّد الشهداء7 عمّ النبيّ9 و قد كانوا هدّموا قبل ذلك قبر ابن عبّاس في الطائف ، و لم يكتفوا بذلك بل كتبوا إلينا يقولون: أنتم كُفّار تعبدون حمزة! و من الأعمال القبيحة لهذه الطائفة أيضاً اعتدائهم على قبر الرسول الكريم9 و قتلهم للأهالي الأبرياء في تلك البلدة الطيبة. فنحن لا يسعنا أبداً الاستسلام لهذه الطائفة الضالّة حتى و لو هلكنا جميعاً. ألا يُثير هتك حرمة هذه الأماكن المقدّسة و القيام بتلك الأعمال الشنيعة الغضب فيكم؟ فإذا لم تُسارعوا إلى نجدتنا رغم عدد المسلمين الكبير في الأرض فبما ذا ستُجيبون الله و  رسوله يوم القيامة و ما هو عذركم؟ هل يمكنكم تحمّل كلّ ذلك و الجلوس آمنين و أنتم تشهدون ما تفعله هذه الطائفة الضالّة بنا؟ يا أيّها المسلمون! يجب عليكم مساعدتنا و تخليصنا بأرواحكم و أموالكم و اقترحوا على كلّ دولة إسلامية أمراً ما و أطلعوهم على ضرورة وضع نهاية لهذه الحرب و إراحتنا من شرّ هؤلاء. إنّ الحرب القائمة في (الحرمين) هي بين طائفتيْن مسلمتيْن ، و قد خاطب الوهابيون أهل الحرمين قائلين: إنّ مَن يشهد بالرسالة بعد كلمة التوحيد فهو كافر. و قد أجبروا الناس هناك على قول: «لا إله إلّا الله مالك يوم الدين»، دون زيادة أو نقصان ، و أنّه إذا أضاف أحد ما أيّ كلمة زيادة عن ذلك فهو مشرك و كافر. كما أباح الوهابيون أموال المسلمين دون وجه حقّ و احتلّوا بيوتات المسلمين و جعلوا المسلمين عبيداً و إماءً عندهم و أنكروا ضرائر الدين الإسلامي. إنّ الذين تمّ أسرهم من قِبل الوهابيين هم مسلمون حقيقيون و هم الذين يدافعون عن دين محمّد9 و عليه ، فإنّ من واجب كلّ مسلم المساعدة و الدعم. يا أهل الإحسان و التقوى! هل نسيتم ما فعله أجداد هذه الطائفة ببيت الله الحرام و ضريح الرسول محمّد المصطفى9 و الخسائر و الأضرار التي حدثت عند دخولهم البيت الحرام؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمشْـرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمسْجِدَ الْحرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا). لقد قصف هؤلاء قبّة الرسول9 و أصحابه؛ أليس ذلك كُفر و ضلال و وقاحة؟ سارعوا إذاً إلى نجاتنا و تخليصنا من هذه المحنة و هذا البلاء ؛ إنّا وكّلنا أعمالنا إلى الذي كان بعِباده بصيراً». (وثائق وزارة الخارجية، 124-1-30-1304).

برقية المسلمين في (باتوم) بجرجستان :

بعث حوالي مئة و خمسين شخصاً من مسلمي (باتوم) ـ و هي ميناء يقع في جرجستان  ـ برقية إلى مجلس الشورى الوطني و رضا شاه و ذلك بتأريخ (١٠/٩/١٩٢٥م) عبّروا فيها عن غضبهم و امتعاضهم لِما ارتكبه الوهابيين ، و ذكروا في برقيّتهم أنّهم عطّلوا كلّ الأعمال بعيون باكية و قلوب مُعتصرة و اعتصموا في مسجد الإيرانيين ليظهروا اشمئزازهم و مقتهم الشديديْن للطائفة الوهابية الساقطة و الملعونة. و أضاف مسلمو (باتوم) في برقيّتهم تلك أنّهم رهن إشارة الحكومة الإسلامية في إيران بفارغ الصّبر. (وثائق وزارة الخارجية، 123-1-30- 1304).

تقرير من لندن :

أطلع (نادر آراسته) ـ الممثّل السياسي لإيران في لندن ـ وزارة الخارجية أنّ التحقيقات التي أجراها بنفسه تشير إلى صدق الأخبار المتعلّقة بقصف و تخريب الأماكن المقدّسة للمسلمين في مكّة و المدينة ، و أضاف قائلاً: «لقد أثارت الأعمال التي ارتكبها الوهابيون الغضب و السّخط لدى مسلمي الهند أكثر من أيّ مكان آخر و أعتقد أنّ تكذيب ابن سعود للأخبار جملة و تفصيلاً إنّما هو للتخفيف من غضب المسلمين. و في الوقت الحاضر فقد تسبّبت هذه القضيّة بصدمة أخلاقية كبيرة لسياسة ابن سعود و لا سيّما تحقيق أهداف أتباع الوهابيين». (وثائق وزارة الخارجية، 144و143-1-30-1304).

ممثّل ابن سعود في جنوب الخليج الفارسي :

أطلعت ممثلية الخليج الفارسي وزارة الخارجية عن قيام ممثّل ابن سعود مؤخّراً بزيارة كلّ من دبي و الشارجة و أبو ظبي لدعوة أمرائها إلى دعم و تأييد الوهابيين ، لكنّ أمراء تلك المناطق لم يقدّموا لممثّل ابن سعود أيّ جواب صريح بشأن ذلك ، و قالوا إنّهم سيتصرّفون بما يقتضيه التكليف بعد المشاورة و المداولة.

و أضاف ممثّل الخليج الفارسي قائلاً: «دعا بن صقر ـ أمير الشارجة ـ جميع رؤساء العشائر و عقد معهم جلسة تشاور سريّة ، و عقدوا بينهم ميثاقاً ضدّ ابن سعود». (وثائق وزارة الخارجية، 103-1-30-1304).

إجراءات المراجع في النّجف الأشرف :

بعث آية الله العظمى السيد أبو الحسن الإصفهاني و آية الله العظمى محمّد حسين النائيني برقية إلى شيخ الأزهر و مُفتي مصر ذكرا فيها أنّ المدينة المنوّرة التي تُعدّ من شعائر الإسلام التي ينبغي الحفاظ عليها تتعرّض للقصف و أنّ أبناء تلك المدينة الشريفة مُحاصرون.

و قال العالمان الجليلان في برقيّتهما: «لقد أرسلنا خطاباً إلى الحكومة و الشعب الإيرانيين و أظهروا تأثّرهم و غضبهم ، و نتمنّى من مقامكم الدينيّ الرفيع و حكومتكم الإسلامية المساهمة و المشاركة لدرء هذه الغائلة الشريرة». (وثائق وزارة الخارجية، 103-1-30-1304).

و وقّعت البرقية هكذا: علماء المذهب الجعفري ، أبو الحسن الموسوي الإصفهانيّ ، محمّد حسين النائينيّ ، والله المستعان.

الظروف تزداد صعوبة و حرجاً :

نشرت صحيفة (تايمز) خبراً بتأريخ (١٦/٩/١٩٢٥م) مفاده أنّ الوهابيين استولوا على المدينة المنوّرة. (وثائق وزارة الخارجية، 23-1-30-1304).

و بدأ البريطانيون بالعمل ، فأعلنت مصادرهم أنّه مع قيام الحكومة الإيرانية بتشكيل لجنة لمتابعة ما يفعله الوهابيون في مكّة و المدينة المنوّرة إلّا أنّهم يميلون في الوقت الحاضر إلى الإصرار على عدم صحّة التقارير الواردة. (المصدر نفسه، Foe6242/82/34/23).

تجمّع علماء النّجف الأشرف عند الضريح الطاهر :

أعلن نائب القنصل الإيراني في النّجف الأشرف عصـر يوم الخميس (١٦/٩/١٩٢٥م) أنّ جميع العلماء الإيرانيين و العرب و كذلك طلاب العلوم الدينية تجمّعوا في إيوان الضريح الطاهر و حضرت هناك جموع غفيرة أيضاً و اعتلى أحدهم المنبر و تلا على الجموع البرقيات الواردة من المدينة المنوّرة خلال الأيام القليلة الماضية ، ثمّ دعا المسلمين إلى الاتّحاد و الألفة ؛ و بعدها تفرّق الجميع. (وثائق وزارة الخارجية، 108-1-30-1304).

مؤامرة الفرنسيين :

بعث (حبيب الله هويدا) ـ الجنرال في القنصلية الإيرانية في الشام ـ برسالة إلى وزارة الخارجية قال فيها: «إنّ خبر سقوط المدينة المنوّرة بيَد الوهابيين كان شائعة نشرتها الحكومة الفرنسية عَبر وكالة أنباء (هاواس) التابعة لها». و أضاف (هويدا) أنّ الحكومة الفرنسية أجبرت الصحف البيروتية على طبع الخبر المذكور فأرادت بذلك أوّلاً إبطال تأثير بيانات الحكومة الإيرانية في المنطقة عَبر نشر خبر سقوط المدينة و أنّ الأوان قد فات لفعل أيّ شيء لأنّ تلك البيانات كانت قد تسبّبت في إثارة الغضب لدى أهل الشام ، كما أنّ الحكومة الفرنسية كانت تهدف من وراء ذلك إظهار قوّة الوهابيين و بطشهم للآخرين حتی تمنّ علی الوهابیین، لأنّهم كانوا قد استأجروا عدداً من هؤلاء الوهابيين لحماية الطريق من الشام إلى بغداد. إضافة إلى ذلك فإنّ الحكومة الفرنسية تضمر حقداً ضدّ الشـريف حسين ، فهي تعتبره و أبناءه السبب الرئيس في إشعال ثورة الدروز الذين ما زالوا يقاتلون الجنود الفرنسيين. (يوميات التأريخ الإيراني المعاصر٥  :  ٣١٧).

إيفاد ممثّل للتحقيق في أعمال الوهابيين :

بعثت وزارة الخارجية الإيرانية بتأريخ (٢١/٩/١٩٢٥م) برقية إلى (غفار خان جلال السلطنة) ـ الوزير الإيراني المختار لدى مصر ـ  تأمره فيها بالسفر برفقة (معتضد السلطنة) و أحد المترجمين إلى جدّة و مكّة للتحقيق في أعمال الوهابيين في مكّة و المدينة المنوّرة. و جاء في البرقية المذكورة أنّ (مبلغ٤٠٠پوند إنجليزي) تمّ إرساله عَبر البنك الشاهنشاهي لتنفيذ هذه المهمّة. و أمّا النقطة الأهمّ في تلك البرقية فهي أنّ الحكومة لا تودّ بأيّ شكل من الأشكال دخول الوزير المختار في وساطة في المباحثات التي تجري مع ابن سعود و الأمير علي و أنّ الهدف الرئيس من هذه المهمّة هو الاطّلاع على الأوضاع في تلك المنطقة و التحقيق في صحّة أو سقم الأخبار المتعلّقة بتعرّض الأماكن المقدّسة للإهانة و التخريب و منها هدم بيت خديجة3 و قبرها. و أنّه خلال التقائكم بابن سعود و الأمير علي بيّنوا لهما أنّه لا بدّ من إشراك حكومتنا رسمياً في الهيئة التحقيقية الخاصة بالبحث في الإهانات الواردة على الأماكن المقدّسة لكي نُطلع حكومتنا بما شاهدناه ، و بشكل خاصّ و ضمن إظهار تلك البيانات بيّنوا أنّ الحكومة الإيرانية تبدي غاية اهتمامها بموضوع الحفاظ على الأماكن الإسلامية المقدّسة و أنّه إذا كانت الأخبار المنتشرة صحيحة فإنّها لن تبخل ببذل كلّ جهد و نفوذ في سبيل إصلاح ما فسد.

كما أُرسِلت برقية أخرى إلى (معتضد السلطنة) لكي يصحبكم إلى هناك ، فأرسلوا قائمة بنفقاتكم اللازمة فإذا كانت هناك نفقات إضافية اذكروها. و قد أُرسلت برقية ثانية إلى (عين الملك) للسفر إلى المدينة. (وثائق وزارة الخارجية، 15-1-30-1304).

إنتقال السلطة في إيران :

كانت الظروف داخل إيران حرجة للغاية ، فقد كان البريطانيون و عملاؤهم مشغولين وراء الكواليس في وضع خطّة لنقل السلطة في إيران و إنهاء الحكم القاجاري. و في (٣٠/١٠/١٩٢٥م) و بعد الانتهاء من المقدّمات الأوليّة تمّ خلع القاجاريين من المُلك و تكليف رضا شاه بتشكيل حكومة مؤقّتة ، لكنّ المرحوم آية الله المدرّس عارض هذا الأمر إلّا أنّ المجلس صادق على قيام الحكومة المؤقّتة برئاسة رضا شاه بأغلبية أعضائه. فاضطرّ آية الله المدرّس إلى ترك قاعة المجلس و قال في أثناء خروجه: «إنّ هذا مخالف للقانون حتى و لو أيّده مئة ألف رأي»! (المدرّس، الدورات التشريعية الخمس٢ : ٢٠٥).

و يُذكَر أنّ رضا شاه كان قبل ذلك حارساً في السفارة البريطانية في طهران ثمّ رُقي إلى منصب رئاسة الوزراء و وزارة الحربية ، حتى أعلن نفسه ملكاً على إيران. (وثائق وزارة الخارجية، 3 و2-24-64-1304).

و كان للجنرال (آيرونسايد) دور كبير في مجيء رضا شاه إلى السلطة عندما كان يرأس القوات البريطانية في شمال غرب إيران ، بحسب ما ذكرته صحيفة (ويست مينيستر كازيت) طبعة لندن. (المصدر نفسه : ٨٠).

و هكذا أصبح موضوع هجوم الوهابيين على المدينة و الجرائم التي ارتكبوها موضوعاً ثانوياً إلى حدّ ما في ظلّ الظروف المذكورة من جهة ، و ضعف الحكومة العثمانية و الظروف التي كانت تمرّ بها المنطقة و العالم أجمع ، لكن بتأريخ (٧/١٢/١٩٢٥م) استطاع آية الله المدرّس إحياء موضوع البقيع من جديد خلال كلمته في المجلس و الإشارة إلى الأخبار المنشورة في بعض الصحف الإيرانية المتعلّقة باستيلاء الوهابيين على المدينة المنوّرة. و ممّا قاله آية الله مدرّس: «قبل بضعة أشهر عندما انتشرت تلك الأخبار حصل حراك كبير بمقتضى الواجب السياسي و الديني و أُعلن يوم ما عطلة رسمية و تقرّر إرسال ممثّلين عن وزارة الخارجية إلى نجد ليأتوا بالأخبار الصحيحة ؛ لكن هذه المرّة ، و عند نشر الخبر المذكور و كذلك الخبر القائل بقيام الوهابيين بعقد الاتفاقيات و المعاهدات مع دولة عظمى ، فإنّنا لم نشهد سوى السكوت و الخنوع ، فما هو الصواب»؟

ثمّ أشار آية الله المدرّس إلى تأريخ ظهور الوهابيين و قال: «ينبغي لأهل مكّة و المدينة أن يعلموا بأنّنا لم نسكت ، و أقول بالأصالة عن نفسـي و بالنيابة عن جميع السادة الحضور في هذا المجلس و الشعب الإيراني إنّه لا بدّ من إعلان سخطنا و غضبنا لِما حَدث ، و أن لا نبق ساكتين و مكتوفي الأيدي إزاء تلك الحوادث بل يجب أن نُعدّ ما استطعنا من قوّة و طاقة و أن نكون حذرين و يقظين ، إذن ، مَن المسؤول عن هذا السكوت و الخنوع؟ أنا؟ كلّا». (صحيفة إيران، السنة العاشرة، العدد «١٩٧٥»، ص  ١).

إنتقال السلطة إلى رضا شاه :

اعتلى رضا شاه العرش في يوم السبت (١١/١٢/١٩٢٥م) بعد قيام مجلس المؤسسين بتسميته ملكاً ، فسارع البريطانيون و الفرنسيون و الإيطاليون و مؤيّدوهم إلى الاعتراف رسمياً بهذا الانتقال للسلطة باعتبارهم المخرجين الأصليين لعملية الانتقال هذه. (يوميات التأريخ الإيراني المعاصر٥ : ٤٨٦).

و قد أدّى تغيّر الحكومة في إيران و التحوّلات في الحجاز و حكم الوهابيين من جهة إلى منع الحكومة المؤقّتة الإيرانيين من الذهاب إلى الحجّ (صحيفة «إيران» السنة العاشرة، العدد «٢٠٤٤»، ص ٢) و من جهة أخرى تراجع العلماء و الشعب الإيراني عن متابعة موضوع المدينة و لم يَعُد يُنشَر في الصحف أيّ خبر مهمّ.

رسالة ابن سعود لإيران :

بعث عبد العزيز بن سعود الذي سمّى نفسه ملكاً على الحجاز و سلطان نَجد و ضواحيها، بعث في (٨/٢/١٩٢٦م) برسالة إلى نائب القنصلية الإيرانية في جدّة و طلب منه إرسالها إلى الحكومة الإيرانية فوراً. و كان بن سعود قد كتب في الرسالة المذكورة أنّ كلّ منطقة الحجاز تنعم في أمن و سلام بفضل الله و أنّ الناس يؤدّون مناسكهم الدينية بحرّية تامّة و منها زيارة مسجد الرسول الأعظم9 و أنّ حكومته تتعهّد بتوفير الراحة و الأمن للحجّاج ، و أنّ ما يشيعه الأعداء من أنّ بلاده لا تتمتّع بالحرية و الأمن غير صحيح لأنّهم يسعون إلى تعطيل الشعائر الإسلامية... إلى آخره. و قد أدرجت صورة الرسالة في هذه المقالة.

مساعي السعودية لإقامة علاقات مع إيران :

سعى الحكّام في السعودية إلى استخدام ذريعة الحجّ لإقامة علاقات وديّة بين البلديْن، و كان السفير الإيراني في مصـر قد بعث بتقرير إلى طهران في (٢٩/٣/١٩٢٦م) ذكر فيه آثار وتبعات منع الوهابيين لصدور الجوازات للحجّاج الإيرانيين قائلاً: «زارني بعض أصدقاء ابن سعود و طلبوا منّي السّعي إلى إقناع الحكومة الإيرانية لكي تتخلّى عن هذا الموضوع و تدعم ابن سعود. و قد أقنعتهم بالأدلّة بأنّه لا يحقّ لابن سعود و أتباعه مؤاخذة إيران ، و أنّ إيران قد بذلت ما بوسعها للتفاهم مع ابن سعود».

و أضاف السفير الإيراني قائلاً: «إنّه و من أجل إقامة علاقات وديّة بين الحكومتيْن العليّتيْن فقد قضيتُ مدّة شهر كامل في براري الحجاز تحت حرارة الشمس لكنّ ابن سعود لم يَفِ بأيّ من التزاماته الخطيّة مع الحكومة الإيرانية و غيرها ، بل و لم يكلّف نفسه حتى في تقديم العذر لعدم إيفائه بعهوده. و مع هذا كلّه فإنّني سأبذل كلّ ما في وسعي لإقامة علاقات طيّبة بين البلديْن». ثمّ خاطب السفير العلماء المقرّبين من ابن سعود قائلاً: «من الأفضل لكم أيضاً أن تنصحوا ابن سعود و ترشدوه لكي يُغيّر سلوكه بعض الشيء حتى تؤتي جهودي ثمارها من أجل إقامة علاقات طيّبة بين البلديْن ، و تعهّد أصدقاء ابن سعود بتقديم النصائح اللازمة إليه خطيّاً». (منظمة الوثائق الوطنية في إيران، 8-310001318).

 

* * *

الوثائق :

 

 

 

 

 

 

 

ملاحظة أساسية :

أودّ أن أنوّه إ​لى ملاحظة أساسية وأكيد لا تخفى عنكم أحبّتي الحضور و هي عدم تحريض الجانب السعودي و لابدّ من الإتجاه نحو النشاط العلمي و البحثي في هذه القضية و بما أن بعد الثورة الإسلامية حسب علمي معظم الشخصيات السياسية كان يطالبون بإعادة بناء البقيع و كذلك الفقيد سماحة الشيخ آية الله الهاشمي تحدث مع الملك عبدالله بهذا الشأن و الملك أشار بمنع الوهابية في هذه القضية.

نعيش الآن و بعد ضعف دور الوهابية فرصة ثمينة فلابد من إغتنامها و لكن العلاقات السياسية ما بين البلدين متأزمة حالياً و علينا الإمتناع في تسييس القضية بل نعطيها صبغة علمية و بحثية.

هناك اقتراحات قد عرضت على ممثل ولي الفقيه في شؤون الحجّ و الزيارة و ناقشناها سواء كان يعيدون البناء أم لا من الرائع أن يقدم المهندسون و المعماريون تصميماً لبناء البقيع في ما إذا استجابوا لطلبنا لإعمار المقبرة الشـريفة نعرضها عليهم بالفور.

تسليط الضوء على رؤية المذاهب الإسلامية تجاه البقيع :

من الملاحظات الهامة التي أشار اليها سماحة السيد الممثل لولي الفقيه أنّ كافة المسلمين يوفدون لزيارة البقيع و كما نلاحظ أنّ مختلف المذاهب الإسلامية شيعة و سنة من شتّى بقاع المعمورة و نرتكز على أقوال شخصيات أهل السنّة البارزة و ندوّنها و نقوم بطبعها. بإمكاننا أن نتخطّى خطوات عملية و بمشاركة النخب الحاضرين و الآخرين و نتقدم نحو الأمام. لدينا أفلام و صور قديمة و حديثة للبقعة المباركة و على سبيل المثال قمنا بشراء كتب قيّمة لمكتبة مركز أبحاث الحجّ من تركيا و أماكن أخرى و أمامكم بعضها توثق القباب و بناء المراقد في البقيع في الماضي كما نرى صوراً حديثة و قد تغيرت المعالم كثيراً منذ السنين الأولى التي كنّا نقصد بيت الله عام1981م و آنذاك كنا نرى زقاق بني هاشم ؛ و شهدت الآن تغييراً أساسياً.

ضرورة تبيين مراحل إعادة بناء البقيع و إعماره :

لعّل أن نستفسر من مرشدي القوافل و هم لا يعلمون مواعيد إعادة بناء البقيع و مراحلها و هم بحاجة إلى تحديث معلوماتهم و نزودهم بوثائق و مصادر أساسية.

تفاصيل هذه المباحث كثيرة جدّاً و نذكر لكم مثالاً حيث كان بعض مرشدي القوافل من رجال الدين ، الذين يرشدون الناس إلى مكانٍ خلف مقبرة البقيع في خرابة و يتضرع الناس فيها و كان يتصورون أنها بيت الأحزان! و بعد الدراسة اكتشفنا أنّ بيت الأحزان يجاور مراقد الأئمة: داخل البقيع و ليس في الخرابة مكان يدعى بيت الأحزان و يسأل السائل ترى ما هذا البيت و ما تفاصيل إتيان السيدة فاطمة الزهراء3 و قد أشار سماحة السيد الممثل المحترم إلى نقاط مهمّة منها الشخصيات و منهم الأئمة و الصحابة الأجلاء و غيرهم من المدفونين في المقبرة المباركة ، فلابد أن نتأكد و نقوم بالبحث و الدراسة عنها لنعرف مدى مصداقيتها بالأدلة و الوثائق و قد أجريت بنفسي محادثات كثيرة مع وزارة الخارجية لتوسيع العمل على هذا الصعيد و هناك جهود تصبّ في هذا المجال و بحاجة إلى المزيد من التوثيق و يمكننا إقامة معارض عديدة بالموضوع و نعرض للجميع هذه الأسناد و الوثائق و المخطوطات القديمة ، و كذا تصميم نموذجي للبقيع و كثير من النشاطات الأخرى.

هناك اقتراح في تسمية شوارع المدن بالبقيع أو نطلق إسم البقيع على مراكز و مشاريع و أفكار مشابهة و أرجو من الجميع الإهتمام بمثل هذه الإجتماعات بعناية فائقة و بمنتهى السعي نجهد أن نخرج البقيع من غربته و مظلومية شأنه و بالذكرى المئوية لتهديم البقيع تقدّم نتاجات راقية و قيّمة تليق بالبقعة إن شاء الله.

* * *

المصادر :

  1. أرشيف وثائق منظمة الوثائق الوطنية في إيران.
  2. 2. أرشيف وثائق مجلس الشورى الإسلامي ، المكتبة ، متحف و وثائق مجلس الشورى الإسلامي.
  3. 3. أرشيف وثائق مركز الوثائق والتأريخ الدبلوماسي لوزارة الخارجية.
  4. 4. أرشيف وثائق مؤسسة الدراسات والبحوث السياسية.
  5. 5. يوميات تأريخ إيران المعاصر ، طهران ، مؤسسة الدراسات والبحوث السياسية، ٢٠١١م.
  6. 6. صحيفة إيران ، السنة التاسعة ، العدد«1890».
  7. 7. صحيفة قانون ، السنة الرابعة.
  8. تركمان ، محمد ، (مدرّس ، الدورات التشـريعية الخمس) ، طهران ، مكتب نشر الثقافة الإسلامية ، ١٩٨٨م.

 

[1]. إنّ تكرار استعمال كلمة (القصف) في هذه المقالة هو بسبب تكرارها كذلك في الوثائق الخاصّة بتخريب البقيع ومن الواضح أنّ سبب ذلك التخريب هو إطلاق القنابل وليس إلقائها.

 

[2]. (وثائق وزارة الخارجية 176- 1-30- 1304) سنبيّن في التقارير اللاحقة دور حبيب الله هويدا (عين الملك) الذي ينتمي للفرقة البهائية في التقليل من شأن موضوع التخريب.