دور الهويّـة الحضارية للبقيع فی التراث المشترك للمسلمين

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

رئيس قسم التاريخ والحضارة ، جامعة باقر العلوم .

المستخلص

يحتاج العالم الإسلامي الآن إلى عوامل بناء الهوية أكثر من أيّ وقت مضـى في حالته الحضارية الحالية. مثلما هيأت مسيرة الأربعين الكبرى قدرة استثنائية و مذهلة للهوية الإسلامية ؛ إنّ الرؤية الجافة للسعوديين سببّت تجاهل الاتجاهات العامة للمسلمين، و استنادهم على معتقداتهم فحسب دفعتهم إلى تمييز واضح بين هذا المبنى و المباني الدينية الأخرى في المدينة المنورة و أرض الحجاز ، وتحويل مركز الحركة و العاطفة هذا إلى خراب من حيث المظهر أفضل طريقة لإحياء ذكرى عظماء الإسلام في البقيع هي إعادة إعمارها من جديد ، و توفير شروط ازدهار زيارتها كأفضل و أهم مقبرة عامة لدى جميع المسلمين بشتّى اتجاهاتهم المذهبية و العقائدية المختلفة.

سؤال : أولاً ، ما هي مكانة التراث المشترك للمسلمين في البقيع؟

جواب : المقابر هي مكوّن من مكوّنات البيئة البشـرية ، لاسيما من منظار التاريخ الاجتماعي و التي تلعب دورًا مهمًا للغاية في تأصيل هوية قرية أو مدينة أو منطقة تتجاوز حدود دولة مّا.

لأنّ المقابر هي في الواقع مكان للتلاقي بين الماضي و الحاضر ، و تکون المقابر من أهمّ المكوّنات المادّية للذاكرة الجماعية للأفراد.

الأشخاص الذين دفنوا على الأقل أحد أحبّائهم أو أقاربهم أو غيرهم ، في مقبرة يبحثون عن جزء من ماضيهم في تلك المقبرة ، وبطبيعة الحال ، كلما ازداد أتباع الشخصيات المدفونة في تلك المقابر ، ازداد  تبعا لذلك تأثير المقبرة والدور الذي تلعبه في تأصيل الهوية.

على سبيل المثال ، مقبرة وادي السلام في النجف ، و مقبرة تخت فولاد في أصفهان ، و مقبرة شيخان في قم ، هي تراث مشترك بين جميع الشيعة بسبب احتوائها عدد من أعاظم الشيعة و أكابرها. المعابد و الأماكن المقدسة و المقابر و الأضرحة و البقاع المقدسة تتمتّع بنفس الميزة و لها تأثير يتناسب مع مدى شعبيتها.

يبدو أنّ بعض المقابر العامة ، مثل بهشت ​​زهرا (جَنَّةُ الزهراء) في طهران ، لها دور أقلّ من حيث تأصيل الهوية من بعض المقابر الصغيرة ، مثل مقبرة شيخان في قم المقدسة ، على الرغم من سعتها ، و ذلك  للتنوع الفكري و السياسي و الاجتماعي للمدفونين هناك.

البُعد الآخر للمقابر هو انعكاس الثقافة و المعتقدات و الاتجاهات الثقافية و الاجتماعية للناس على شكل تزيين القبور و النقوش على صخور القبور و بناء المقبرة، و ما إلى ذلك من موارد أخرى ، و بعبارة أخرى ، مثلما تلعب المقابر دورًا في منح الهويّة ، فإنّ لديها أيضًا القدرة على عرض و إظهار هوية الأشخاص.

و بسبب العلاقة بين الأجواء و الهوية ، و لإحتواء المقابر جزء من التراث المشترك للمسلمين ، أي أربعة من أبرز الشخصيات من عترة النبي9  (وهم من أئمة الشيعة المعصومين:) و وجود بنات و زوجات و أصحاب النبي9 و التابعين و العلماء و الكبار في مقبرة البقيع ، تجعلها في مكانة عالية لدى مختلف المذاهب الإسلامية.

على الرغم من أنّ هذه المقبرة العامّة الإسلامية لا تعكس حاليًا قيم و معتقدات و فنون و مشاعر المسلمين بسبب هيمنة الرؤية السطحية و المتحجّرة للوهابية ، إلا أنّها لا تزال تحتفظ بقدرة عالية جدًا على تأصيل الهويّة و الحضارة.

سؤال : ثانياً ، ما هي الحاجة إلى حفظ وإحياء ذكرى عظماء الإسلام في البقيع؟

جواب : يحتاج العالم الإسلامي الآن إلى عوامل بناء الهوية أكثر من أي وقت مضـى في حالته الحضارية الحالية. مثلما هيأت مسيرة الأربعين الكبرى قدرة استثنائية و مذهلة للهوية الإسلامية ، فإنّ البقية أيضاً ستكون لها قدرة عالية جدًا في العالم الإسلامي إذا تمّ أخذها بعين الاعتبار من هذا المنظار و تمّ توفير شروط ازدهار زيارتها.

إنّ الرؤية المتشدّدة للسعوديين سببّت تجاهل الاتجاهات العامة للمسلمين، و استنادهم على معتقداتهم فحسب دفعتهم إلى تمييز واضح بين هذا المبنى و المباني الدينية الأخرى في المدينة المنورة و أرض الحجاز ، وتحويل مركز الحركة و العاطفة هذا إلى خراب من حيث المظهر ، بينما إذا وصلوا إلى رشدهم و أعادوا بناء جَنَّةِ البقيع ، فإنّ هذه القدرة الهائلة سيتمّ تحققّها في مؤتمر علمي تحت عنوان «العلوم الإسلامية الأخلاق و الفن في العالم الشيعي: دراسة حول المدينة المنورة» ، و الذي  عقد في أكتوبر 2018م في كولونيا بألمانيا ، قدمت ثلاث مقالات لعادل زيادة و آدم بوبيك و محمد زهير حسين من دول مختلفة ، بيّنت دورها الملهم في عمارة مقابر البقاع الأخرى ، و دورها الحالي في تأصيل الهوية  و كيفية إعمارها من جديد.

فوفقاً لهذه المقالات فإنّ أفضل طريقة لإحياء ذكرى عظماء الإسلام في البقيع هي إعادة إعمارها منة جديد ، و توفير شروط ازدهار زيارتها كأفضل و أهم مقبرة عامة لدى جميع المسلمين بشتّى اتجاهاتهم المذهبية و العقائدية المختلفة.

سؤال : ثالثاً ، ما هي أضرار التطرّف الديني علی الأضرحة المقدسة و التراث الإسلامي؟

جواب : قبل الإجابة على هذا السؤال ، يجب التأكيد على أنّ إعمار البقيع من جديد يجب أن يصبح مطلبًا عامًا في العالم الإسلامي ، و يجب تكرار هذا الطلب و اتباع المساعي العامّة و القانونية  و السياسية. ليضطر الحكّام السعوديون في النهاية إلى قبوله. أو إن شاء الله عند رحيلهم ، ستأخذ المسألة مجراها بشكل آخر.

و مع ذلك ، يجب أخذ جانب الحذر أن لا يتجاوز هذا المطلب والسعي مصالح الأمّة الإسلامية ، و لا يأخذ لون و رائحة الطائفية ، و الانتماء الديني.

إنّ الاعتقاد الذي نؤمن به نحن الشيعة بعصمة الأئمة: و استمرار رسالة الرسول9 في إمامتهم لا يجب أن ينسينا النقطة المهمة في أنّ أهل البيت: محبوبّون و محبوبون من قِبَل جميع المسلمين. إنّ السلوك القاسي لبعض المدعين في الدفاع عن أهل البيت: يجعل من الصعب إظهار عظمة و جمال مدرسة أهل البيت:.

إنّ التطرّف الديني من جانب أيّ شخص يؤدي إلى إضعاف أو حتى تعطيل التماسك الاجتماعي في المجال الاجتماعي ، و لا أعتقد أنه من غير المحتمل أن يشكك أي شخص في هذه الممارسة بناءً على التعاليم الإسلامية. و قد أظهرت التجربة التاريخية بعد انتصار الثورة أنّ بعض هؤلاء المطالبين بالدفاع عن أمير المؤمنين7 يضربون باستمرار طبول الخلاف مما يجعل عملية التماسك على مستوى الأمة الإسلامية صعبة للغاية. و لكن بمجرد انتهاء المحادثات و المعاملات الجيدة  و الظروف المناسبة لتبيين مدرسة أهل  البيت: و الدفاع عنها في كلّ زاوية من زوايا العالم ، يقوم أولئك و باستعلاء إلى استثمار الظروف أكثر من الذين هيّؤها و يستمرون مع الأسف في اختلاق الاعذار.

و نأمل أن نشهد في أقرب وقت ممكن إعادة إعمار البقيع ، و التحرّك المكثّف لقوافل الحجّ إلى هذه المقبرة العامّة التي تحظى باهتمام و تقدير المسلمين.