الحمدلله ربّ العالمین والصلاة والسلام علی خیر خلقه محمّد وآله الطّیبین الطاهرین وصحبه المیامین.
إنّ البحث الذی نرید الکتابة عنه هو بحثٌ تاریخیٌّ جغرافیٌّ یکون موضوعاً لأحکام شرعیّةٍ کثیرة، ألا وهو تحدید (عرفات، مزدلفة، منی) وقد ذکر الفقهاء الأحکام الکثرة الواردة علی هذه الموضوعات الثلاثة، ولإن کان الموضوع قد حدّده الشارع المقدّس فی الروایات الواردة عن المعصوم (علیه السلام) ، إلاّ أنّ المصداق لهذا المفهوم لا بدّ من أخذه من أهل الخبرة فی تعیین ما حدّده الشارع، وعلی هذا فنحن بحاجة:
أوّلاً: إلی ما حدّده الشارع المقدّس کمفهوم لهذه الألفاظ الثلاثة.
وثانیاً: إلی تعیین هذه المواضع إمّا من شیاع أهل الخبرة إذا اختلفوا فی تعیین المصداق، أو لم یختلفوا حیث أنّه یفید علماً أو اطمئناناً.
ولا یخفی أنّ القاعدة عند الشکّ فی تعیین المصداق تقتضی الاقتصار علی القدر متیقّن؛ لقاعدة الاشتغال الیقینی الذی یستدعی الفراغ الیقینی، بمعنی أنّ مشکوک الموقفیّة أو الموضعیّة یوجب الشک فی الامتثال الذی حدّد فی هذه الأمکنة، فتجری القاعدة.
ولا بأس بالتنبیه إلی أنّنا لا نبخل ببعض الاشکالات والأبحاث الفقهیّة التی تتعلّق بهذه الدراسة. فنقول وبالله التوفیق.
أوّلاً - حدود عرفات:
إنّ عرفات منطقة تقع شرقیّ مکّة بحوالی ٢٢ کم وهی سهل واسع منبسط مُحاط بقوس من الجبال یکون وتره وادی عَرَفَة، فمن الشمال الشرقی یُشرف علیها جبل أسمر شامخ وهو (جبل سعد) ومن مطلع الشمس یشرف علیها جبل أشهب أقلّ ارتفاعاً من سابقه ویتّصل به من الجنوب وهذا یسمی (مِلْحه) ، ومن الجنوب تشرف علیه سلسلة لاطیة سوداء تسمّی (اُمّ الرضوم) أمّا من الشمال إلی الجنوب فیمرّ وادی عَرَفَة (١) .