هل يحق لغير المسلم أن يسکن جزيرة العرب؟

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

المحقق الديني


ثمة أحکام خاصة لجزیرة العرب، مهبط الوحی الإِلهی، ومنطق نور الاسلام بینتها المتون الفقهیة، أهمها: انه لا یحق لغیر المسلمین من المشرکین والیهود والنصاری وأتباع الأدیان اْلاُخری السکن فی هذه الأرض، وعلیهم أن یعتنقوا الاسلام أو یهاجروا عنها.

وقد وردت روایات عدیدة فی ذلک من طرق الفریقین، نثبت فیما یلی بعضها، لنورد من بعد آراء العلماء الشیعة والسنة وأقوالهم، ثم نبحث فی حدود جزیرة العرب التی یخصها هذا الحکم، ونختم البحث برأینا فی ذلک:

١- عن أُم سلمة، أنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أوصی عند وفاته: "أن تخرج الیهود والنصاری من جزیرة العرب" (١) .

٢- عن علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جفعر قال: "سألته عن الیهودی والنصرانی والمجوسی، هل یصلح لهم أن یسکنوا فی دار الهجرة؟ قال: أمّا أن یلبثوا بها فلا یصلح، وقال: إن نزلوا بها نهاراً وأُخرجوا منها باللیل فلا بأس" (٢) .

٣- عن أبی عبدالله (علیه السلام) أنه قال: "لا یدخل أهل الذمة الحرم، ولا دار الهجرة، ویُخرجون منها" (٣) .

۴- عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) : "أخرجوا المشرکین من جزیرة العرب" (۴) .

۵- عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) قال: "لأُخرجنّ الیهود والنصاری من جزیرة العرب حتی لا أدع إلاّ مسلماً " (۵) .

۶- عن أبی هریرة، قال: "بینما نحن فی المسجد خرج النبیُّ (صلّی الله علیه وآله وسلم) فقال: انطلقوا إلی یَهُودَ، فخرجنا حتی جئنا بیت المدراس فقال: أسلموا تسلموا، واعلموا أنّ الأرض لله ورسوله، وإنّی أُرید أن اُجلیکم من هذه الأرض، فمن یجد منکم بماله شیئاً فلیبعه، وإلاّ فاعلموا أنّ الأرض لله ورسوله" (۶) .

أ- آراء علماء الشیعة

١- المحقّق الحلی:

Top of Form

١٠۶"ولا یجوز لهم استیطان الحجاز علی قولٍ مشهور، وقیل: المراد به مکة ومدینة؛ وفی

الاجتیاز به والامتیاز منه، تردد. ومَنْ أجازه، حدّه بثلاثة أیام؛ ولا جزیرة العرب. . . . " (٧) .

٢- الشیخ الطوسی:

"کلّ مشرک ممنوع من الاستیطان فی حرم الحجاز من جزیرة العرب، فان صولح علی أن یقیم بها ویسکنها، کان الصلح باطلاً لما روی ابن عباس قال: أوصی رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) بثلاثة أشیاء فقال: أَخرجوا المشرکین من جزیرة العرب. . . " (٨) .

٣- الشهید الأول:

ما معناه: "لا یجوز للذمی السکن فی الحجاز وجزیرة العرب، وحدّها من عدن إلی عبادان طولاً، ومن تهامة إلی الشام عرضاً " (٩) .

۴- العلاّمة الحلی:

ما معناه: "لا یجوز للمشرک الذمی والحربی السکن فی الحجاز، والاجماع علیه قائم، لأن ابن عباس روی عن النبیِّ (صلّی الله علیه وآله وسلم) أنّه أوصی بثلاثة أُمور، منها: أخرجوا المشرکین من جزیرة العرب، وقال: لا یجتمع دینان فی جزیرة العرب (١٠) .

ویقول العلاّمة الحلی أیضاً ما معناه: لا یجوز للکافر والحربی أو الذمی السکن فی الحجاز إجماعاً " (١١) .

۵- الشهید الثانی:

"قوله: ولا یجوز لهم استیطان الحجاز نسبه إلی الشهرة؛ لعدم الظفر بنصّ فیه من طرقنا، لکن ادعی فی التذکرة علیه الإِجماع، فالعمل به متعین، والقول بتحریم مطلق الحجاز أقوی عملاً بدلالة العرف واللغة فیدخل فیه البلدان مع الطائف وما بینهما. . " (١٢) .

۶- صاحب الجواهر:

"ولا یجوز لهم استیطان الحجاز علی قول مشهور، بل فی المنتهی ومحکی المبسوط والتذکرة الاجماع علیه، وهو الحجة بعد السیرة القطعیة، التی یمکن استفادة الاجماع أیضاً منها، مضافاً إلی ما سمعته من خبر الدعائم (١٣) ، وإلی خبر ابن الجراح المروی من طرق العامة " (١۴) .

ب‍- أقوال علماء السنة

١- ابن قدامة:

"ولا یجوز لأحد منهم سکنی الحجاز، وبهذا قال مالک والشافعی، إلا أن مالکاً قال: أری أن یجلوا من أرض العرب کلّها لأن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) قال: لا یجتمع دینان فی جزیرة العرب" (١۵) .

Top of Form

١٠٧٢- أبو الحسن الماوردی:

"ان لا یستوطنه - الحجاز - مشرک من ذمی ولا معاهد، وجوّزه أبو حنیفة، وقد روی. . . . . : کان آخر ما عهد به رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) أن قال: لا یجتمع فی جزیرة العرب دینان. وأجلی عمر بن الخطاب أهل الذمة عن الحجاز، وضرب لمن قدم منهم - تاجراً أو صانعاً - مقام ثلاثة أیام، ویخرجون بعد انقضائها" (١۶) .

٣- ابن قیم الجوزیة:

ما معناه: "قال مالک: ینبغی اجلاء الکفار من کل جزیرة العرب، وقال الشافعی: أن یمنعوا من الحجاز کلها، وهی عبارة عن مکة والمدینة والیمامة وأطرافها.

أما غیر الحرم منه فحکمه أن یمنع الکافر الکتابی وغیر الکتابی من السکن فیه والاقامة، ویستطیع أن یدخله بجواز من الامام لمصلحة معینة نحو إیصال رسالة أو حمل سلعة یحتاجها المسلمون" (١٧) .

۴- ابن الأثیر:

ما معناه: "قال الطبری بان علی الامام أن یخرج غیر المسلم من أیة مدینة یتغلب علیها المسلمون، لو لم یکن للمسلمین بهم حاجة، کالعمل فی الأرض وغیر ذلک، وبسبب هذه الحاجة القاهم عمر فی العراق والشام.

اعتقد الطبری أن الحکم لا یختص بجزیرة العرب وحسب، بل یلحق بها کل مکان فی حکمها" (١٨) .

یتضح من الفقرات المقتبسة أعلاه أن معظم المسلمین یعتقدون بعدم جواز سکن غیر المسلمین وإقامتهم فی الحجاز أو الجزیرةالعربیة، سوی ابی حنیفة الذی جوّز ذلک.

ویبدو أن حکم المسألة واضح بین فقهاء الشیعة بلحاظ الإِجماع الذی أشار إلیه العامة الحلی فی المنتهی والتذکرة، ولم یُنقل عن الفقهاء شیء بخلاف ذلک. ولکن ما هی حدود الحجاز والجزیرة العربیة؟

وهل یمکن قبول هذا الحکم المخالف للقواعد والعمومات بشکل عام، وفی جمیع الحالات التی یُحتمل وجود شمول عام فیها، أم ینبغی الاکتفاء بالقدر المتیقن؟ وما هو القدر المتیقن؟

قیل فی تعریف جزیرة العرب والحجاز الکثیر، وینقل المحقق عن بعض تلک الأقوال، فیقول: إن المراد من الحجاز مکة والمدینة، والمراد من جزیرة العرب مکة والمدینة والیمن وتوابعها. وینقل عن آخرین القول فی أن المراد من جزیرة العرب هی: المنطقة المحصورة بین عدن وعبادان طولاً، وبین تهامة وأطراف الشام عرضاً (١٩) .

ویعتقد العلاّمة الحلّی: بأن المراد من جزیرة العرب الحجاز، والحجاز عبارة عن مکة والمدینة والیمامة وخیبر وینبع وفدک وأطرافها، ویقال لها الحجاز لأنها تحجز بین نجد وتهامة، ویضیف العلاّمة فی سبب تخصیص جزیرة العرب بالحجاز، بأنه لو لم یکن ذلک لوجب إخراج أهل الذمة من الیمن أیضاً (٢٠) .

یقول الشوکانی: قال الأصمعی: إنّ جزیرة العرب عبارة عمَّا بین عدن إلی العراق طولاً، ومن جدة إلی اطراف الشام عرضاً، وسبب اطلاق الجزیرة علیها؛ إحاطتها ببحر الهند وبحر فارس والحبشة.

وقال صاحب القاموس: إنّ جزیرة العرب، منطقة أحاط بها بحر الهند وبحر الشام ودجلة والفرات، أو أن نقول من عدن إلی أطراف الشام، ومن جدة إلی ریف العراق (٢١) .

Top of Form

١٠٨ویقول صاحب الجواهر بعد نقل کلام الاصمعی وآخرین:

ولکن قد یقال: إنّ مرادهم مجرد تفسیرها، وإلاّ فالسیرة علی عدم منعهم من جمیع ذلک. وعلی کل حال فقد قیل: إنّها سمیت جزیرة العرب؛ لأن بحر الهند وهو بحر الحبشة وبحر فارس والفرات أحاطت بها، وإنّما نسبت إلی العرب لأنها منزلهم ومسکنهم. . . (٢٢) .

ونستعرض فیما یلی أقولاً لیاقوت الحموی وابن منظور، لنبادر من ثم إلی التحقیق فی هذا البحث:

یقول یاقوت عن الحجاز: جبل ممتدّ حالّ بین الغور غور تهامة ونجد. . . . . وقال الأصمعی: . . . . فمکة تهامیة، والمدینة حجازیة، والطائف حجازیة (٢٣) .

ویقول عن الجزیرة العرب: . . . وإنّما سمیت بلاد العرب جزیرة لاحاطة الانهار والبحار بها من جمیع أقطارها وأطرافها. . . . . فصارت بلاد العرب من هذه الجزیرة التی نزلوا وتوالدوا فیها علی خمسة أقسام عند العرب:

تهامة والحجاز ونجد والعروض والیمن (٢۴) .

ونقل ابن منظور أقولاً فی تحدید جزیرة العرب، منها: أنها ما بین حفر أبی موسی إلی أقصی تهامة فی الطول، وأما العرض فما بین رمل یبرین إلی منقطع السماوة. ثمّ یضیف: وقال مالک بن أنس: أراد بجزیرة العرب المدینة نفسها (٢۵) .

التحقیق فی المسألة

یتّضح من الروایات وأقول العلماء: عدم جواز سکن الکفار وإقامتهم فی الجزیرة العربیة والحجاز حسب الفقه الاسلامی، بل یمکن القول: إنّ ذلک من مسلّمات الفقه، والمهم أن نعرف المناطق التی یشملها هذا الحکم.

نقول: إن هذا الحکم حکم خلاف القاعدة وخلاف الأصل، ولهذا یجب الاکتفاء بالقدر المتیقن وحمل العام علی الخاص، والقدر المتیقن هنا مکة والمدینة. وقد خصّص هذا الحکم لهاتین المدینتین؛ کونهما مهبط الوحی ومرکز الحکم الإِسلامی، ویتّسمان بقداسة خاصة، ولا یمکن تعمیم هذا الحکم علی غیر الحرمین الشریفین لا سیما فی الفقه الشیعی؛ لأن الدلیل علی هذا الحکم (التعمیم) أمران:

١- الإجماع الذی ادعاه العلاّمة الحلّی.

٢- بعض الأحادیث القاصرة من حیث السند، أو من حیث الدلالة.

الاجماع الذی ادعاه العلاّمة الحلّی فی کتابیه إجماع منقول، والأهم من ذلک أنّ دلیل الإِجماع: هو حدیث مروی عن ابن عباس بطرق العامة (ذکرنا نصه سابقاً) ، ولا یمکن لمثل هذا الإجماع أن یثبت شیئاً، وبفرض قبول الاجماع وتأییده بالسیرة القطعیة - التی یمکن استفادة الإجماع أیضاً منها حسب صاحب الجواهر - نقول: إنّ العلامة ادعی الاجماع حول الحجاز فقط ولیس جزیرة العرب، ومن الشائع إطلاق الحجاز علی مکة والمدینة، فیلزم الاکتفاء بذلک لأن الحکم خلاف الأصل.

أمّا الروایات الواردة فی المسألة فی الکتب الروائیة الشیعیة، فان روایة اُمّ سلمة، هی الوحیدة التی جاء فیها ذکر جزیرة العرب، وقد نقلها صاحب الوسائل عن مجالس ابن الشیخ أبی أمالی الطوسی، والکثیر من رواتها مجهولون، وبعضهم لم یرد اسمه فی کتب الرجال، ویعتقد أنّها نفسها المرویة عن ابن عباس بطرق العامة.

تبقی الروایتان المذکورتان بطرق الخاصة واللتان ثبتناهما سابقا (روایة علی بن جعفر، وروایة دعائم الاسلام) ، فرغم انه یمکن القبول بهما من حیث السند وخاصة روایة علی بن جعفر المذکورة فی تهذیب الشیخ، لکن دلالتیهما علی إخراج الکفار من کلّ الجزیرة العربیة أو حتی الحجاز ممنوعة، لأنّ روایة علی بن جعفر تمنع سکن الکفّار فی دار الهجرة فقط وهی المدینة، فیما ذکرت روایة دعائم الاسلام دار الهجرة والحرم، أی المدینة ومکة.

وبالطبع یستفاد من الآیة الکریمة: إنما المشرکون نجس فلا یقربوا المسجد الحرام (٢۶) فی حرمة دخول المشرکین إلی مکة، لا کما احتمل البعض من أن مکة کلها یمکن أن یطلق علیها المسجد الحرام (٢٧) ، وإنما لقوله: لا یقربوا، والدخول إلی مکة یعنی الاقتراب من المسجد الحرام.

رغم أننا نحتمل بأن هذه الآیة لاتتعلق بدخول المشرکین إلی مکة أو سکناهم فیها، وإنما نزلت فی مقام منعهم من الاشتراک فی مناسک الحج التی نُفّذت منذ السنة التاسعة للهجرة وبعد إعلان سورة براءة، بواسطة أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) .

Top of Form

١٠٩الأمر الآخر ما قاله الشهید الثانی بعدم الظفر بنص فیه من طرقنا (٢٨) ، بینما لاحظنا وجود مثل هذه النصوص، إلا أن یکون مراد الشهید الثانی عدم ذکر لفظ الحجاز وجزیرة العرب، وعندئذ یکون محقّاً فی ذلک.

مهما یکن من أمر، إننا نعتقد بلحاظ منطوق الراویتین المذکورتین، وبلحاظ أن حکم المسألة خلاف القاعدة وخلاف الأصل ویجب أن لا نتجاوز القدر المتیقن، فان حکم إخراج الکفار یشمل مکة والمدینة فقط، ویقتضی الاحتیاط أن یُخرجوا أیضاً من تهامة والحجاز ونجد وکلّ جزیرة العرب.

الهوامش:

(١) الوسائل ١٠١:١١.

(٢) نفس المصدر.

(٣) مستدرک الوسائل ٢۶٢:٢.

(۴) صحیح البخاری ٢١٢:۴.

(۵) سنن أبی داود ۴٣:٢؛ المنتقی: ۴٠٧.

(۶) التاج الجامع للاصول ۴٠٣:۴. * المِدراس: العالم الذی یدرس لهم أو البیت الذی یدرسون فیه.

(٧) شرایع الاسلام: ٩۴.

(٨) المبسوط ۴٧:٢.

(٩) راجع الدروس: ١۶٣.

(١٠) منتهی المطلب: ٩٧١.

(١١) تذکرة الفقهاء ۴۴۵:١.

(١٢) مسالک الافهام ١٢۴:١.

(١٣) وهی روایة الامام الصادق التی نقلناها عن المستدرک برقم ٣.

(١۴) جواهر الکلام ٢٨٩:٢١.

(١۵) مغنی ابن قدامة ۶٠٣:١٠.

(١۶) الاحکام السلطانیة للماوردی: ١۶٧.

(١٧) احکام أهل الذمة: ١٨۴.

(١٨) فتح الباری ٢٧٢:۶.

(١٩) شرایع الاسلام: ٩۴.

(٢٠)Top of Form

١١٠المنتهی: ٩٧١.

(٢١) نیل الأوطار ۶۵:٨.

(٢٢) جواهر الکلام ٢٩١:٢١.

(٢٣) معجم البلدان ٢١٨:٢.

(٢۴) معجم البلدان: ١٣٧.

(٢۵) لسان العرب ١٣۴:۴.

(٢۶) التوبة: ٢٨.

(٢٧) مجمع البیان للطبرسی ٣٢:۵.

(٢٨) مسالک الأفهام ١٢۴:١.