...وَ أَرِنَا مَنَاسِکنَا...

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف


لعلّنا في هذه المقالة، نوفّق في دراسة آيات قرآنيّة، ذُكرت فيها مفردة النسك ومشتقاته، وبيان مدى علاقتها بالحجِّ والعمرة أحكاماً ومفاهيم وآداباً وتأريخاً..، بل تطلق في الأعم الأغلب على ما يتضمنه الحجُّ من شعائر وعبادات ومواقع، إن لم نقل قد اختصّت بها... وهو ما نريد الوقوف عنده في هذه المقالة بأكثر من حلقة إن شاء الله تعالى.

*  *  *

ما زلنا أمام دعاء مبارك لنبيين كريمين إبراهيم و إسماعيل8، يُمهدان ويُبشران لبعثة نبيّ كريم خاتم للنبوات، يتوفّر على وظائف كبيرة، منها تعليم الناس مناسك الحجّ والعمرة، أي مناسك الحجّ الإبراهيمي، وينفي عنها ما قد يعلق بها من شوائب وانحرافات، وما يصيبها من نقص أو بدعة نتيجة تقادم القرون والأجيال، وتسلط المشـركين والضالين والجهلاء والظلمة والمنتفعين.. فكانت أدعيتهما وكأنها تواكب تلك المناسك في مراحلها وأزمنتها وأجيالها، حرصاً على سلامتها وبقائها نقيةً أصيلةً كما رسمتها السماء، وتعبّد بها الصالحون من عباده سبحانه وتعالى..

ومن ضمن ما توفّرت عليه أدعيتهما8؛ دعوة عامة أن يُصيرهما )مُسْلِمَيْنِ( وقد تمثّلت بالآية: )رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ(.[1]

وقد تحدثنا عنها في الحلقة الثانية من مقالة : )وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا( العدد 59 مجلة ميقات الحجّ .

فيما هناك دعوة خاصة تمثّلت بالآية 129من سورة البقرة، وهي قوله تعالى:  )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ(.

 

وهي محلُّ كلامنا في هذه المقالة؛ لنقف عندها إعراباً ولغةً وقراءةً ثم َّ بياناً:

رَبَّنا: منادى مضاف محذوف منه حرف النداء، ولا بدَّ من تقدير قول محذوف، أي يقولان: ربنا، ويكثر حذف الحال إذا كان قولاً أغنى عنه القول. وابْعَثْ: عطف على ما تقدم. فِيهِمْ: متعلقان بابعث. رَسُولًا: مفعول به. مِنْهُمْ: صفة لرسولاً.  يَتْلُوا: الجملة إما صفة ثانية وإما حال؛ لأنَّ رسولاً  وصف بقوله منهم. عليهم: متعلقان بيتلو. آياتِكَ: مفعول يتلو. وَيُعَلِّمُهُمُ: عطف على يتلو والهاء مفعول به أول. الكتاب: مفعول به ثان. والحكمة: عطف على الكتاب. وَيُزَكِّيهِمْ: عطف على يعلمهم. إنَّكَ أنت: إنَّ واسمها. أنت: ضميرمنفصل في محل رفع مبتدأ. العزيزُ: خبر أول. الحكيمُ: خبر ثان.  والجملة الاسمية: خبر إنَّ. ولك أن تعرب الضمير ضمير فصل لا محل له من الإعراب. والعزيز الحكيم خبران لإنَّ.

وفي اللغة: )وَٱبْعَثْ(  فللبعث معاني عديدة، نذكر مايعنينا منها، وهي بعثة الرسول9:

البعث لغةً: بَعَثَ، يبعثُ بَعثاً وبِعثةً وبَعثةً، فهو باعث، والمفعول: مَبعوث.. ويقال: بَعَثهُ إليه وله: أرسَلَهُ.. بَعَثَهُ يَبْعَثُهُ بَعْثًا: أرْسَلَهُ وَحْدَهُ، وَبَعَثَ بِهِ: أرْسَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ. وَابْتَعَثَهُ أيْضًا أيْ أرْسَلَهُ فَانْبَعَثَ...، وابتَعَثَهُ: بَعَثَهُ، وبَعَثَ بالكتاب ونحوه... البَعثُ: الإرسال،  والرسول قد يكون واحداً أو جماعةً. والجمع: بُعوث.. الـمَبْعُوث إِليها من أهلها، وهو من باب تسمية المفعول بالمصدر.. والمبعوث: مَنْ يُرْسَل في مهمَّة، واحدًا كان أو جماعة.. وَالْبَعْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أحَدُهُمَا الْإِرْسَالُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا..(.مَعْنَاهُ أَرْسَلْنَا... وَالْبَعْثُ: الرَّسُولُ.. وفي حديث عليّ7 يصف النبيَّ9: «شَهِيدُك يومَ الدين، وبَعِيثُك نعْمة». أي مَبْعُوثك الذي بَعَثْته إِلى الخَلْق أي أرسلته. فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ... وَمِنْ أسْمَائِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ: الْبَاعِثُ، هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ الْخَلْقَ أيْ يُحْيِيهِمْ بَعْدَ الْمـَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. فالبعث فيه إرسال، وفيه إنهاض وتهييج، أي يتضمن قوّةً وإثارةً، فهو أوسع من الإرسال.

)قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الـْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(.[2]

فلو أرادوا الاكتفاء بمجرد الإرسال؛ لقالوا: أرسل، ولكنهم أرادوا أن يثيروا الناس في المدائن ويستنهضوهم ضدَّ موسى ودعوته ويؤلبوهم عليه ؛ لهذا قالوا لفرعون: ابعث!!

يقول الراغب في مفرداته: أصل البَعْث: إثارة الشـيء وتوجيهه، يقال:
بَعَثْتُهُ فَانْبَعَثَ، ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علّق به... )ولقد بعثنا في كلّ أُمّة رسولاً( ونحو:)أرسلنا رسلنا(...

والبعث اصطلاحاً: إرسال الرسول أو الجماعة بمهمة خاصة.. وفي التنزيل العزيز عدّة آيات منها: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ(.[3]

) لَقَدْ مَنَّ ٱللهُ عَلَى ٱلْمـُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(.  آل عمران : 164 .

 )وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللهُ رَسُولاً(.[4]) هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ(.[5]

وانظر أيضاً الآيات: البقرة: 213. الأعراف: 103. يونس: 74، 75. النحل:36.  

وأما قراءةً، فهي في قراءة أبيّ بن كعب: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِي آخِرِهِم رَسُولاً مِنْهُم.[6]

وأما بياناً، فهي أي )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ(. غدت تشكّل فقرةً عظيمةً من الدعاء المبارك لخليل الله إبراهيم وابنه نبيّ الله إسماعيل8، فهما لم يتوقفا عند الدعاء لنفسيهما بالإسلام ولذريتهما بالأمّة المسلمة في دعائهما العام، دون أن يكملا دعوتهما العامة  بدعائهما الخاص بأن يكون هناك في الآتي من الزمان؛ في مستقبل تلك الذرية )ذُرِّيَّتِنَآ(. أو في تلك الأمّة )أُمَّةً مُّسْلِمَةً(. مبعوثٌ «فِيهِمْ .. مِّنْهُمْ».

فهما وإن دعوا لنفسيهما بأن يكونا )مُسْلِمَيْنِ لَكَ(. أن يجعلهما ثابتين دائمين على الإذعان والخضوع له سبحانه فقط، والطاعة له فقط لا لغيره، أي مخلصين لك أوجهنا، من قوله:)أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ(.[7]

وأسلم له من معانيه: أخلص له، ومنه قولـه  تعالى: )..وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ .. (.[8] أي خالصاً، قال زيد بن عمرو بن نفيل:

 

أسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أسْلَمَــتْ

   

لَهُ الأرْضُ تَجْمِلُ صَخْراً ثِقَالاَ

وَأسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أسْلَمَتْ

   

لَهُ الْمـُزْنُ تَحْمِلُ عذْبـــاً زُلاَلاَ

 مستسلمين: يقال: أسلم له وسلم واستسلم، إذا خضع وأذعن. والمعنى زدنا إخلاصاً أو إذعاناً لك. موحدين مخلصين لك، حصراً لك فقط دون غيرك، قائمين بجميع شرائع الإسلام مطيعين لك؛ لأنَّ الإسلام هو الطاعة والانقياد والخضوع لله عزَّ وجلَّ، والإقبال على الالتزام بأوامره ونواهيه.. و لا يكون ذلك كلّه إلّا لك وحدك لا شريك ولا عديل لك، وبالتالي لا نعبد إلّا إياك ولا ندعو ربًّا سواك!

ومن إسلامهما هذا الذي هو على الحقيقة، والذي خصّا نفسيهما به أولاً؛ انطلقا في دعائهما للأُمّة؛ أن تكون هناك أُمّةٌ، لا فقط أُمّة، بل أُمّة مسلمة، تنبثق من تلك الذرية المباركة، ذرية إبراهيم وإسماعيل بالذات؛ ليكون إسلام الذرية وإسلام الأمّة من إسلامهما أو كإسلامهما بلا فرق، وهو الإسلام الخالص الصريح  الحقيقي المتمثّل بقولهما: )رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ(. فليس الإسلام الذي سألاه8 إلّا حقيقة الإسلام ـ كما يصفه العلّامة الطباطبائي ـ  وفي قوله تعالى: )أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ(. إشارة إلى ذلك، فلو كان المراد مجرد صدق اسم الإسلام على الذرية؛ لقيل: أمّة مسلمة، وحذف قوله: لك. وأن تُحقِّقَ استجابة هذا الدعاء )أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ(. حصـراً لك دون غيرك، مخلصةً وجهها إليه تعالى، مذعنةً لأوامره ونواهيه؛ ليستمر هذا الإسلام بهم جميعاً بقوّة الأمّة وإرادتها الثابتة المنفعلة بإسلامها الحقيقي! كما أنَّهما8 لم يقفا عند الدعاء لذاتيهما، كما لم يقف إبراهيم7 من قبلُ عند الدعاء لمكة بلداً وأهلاً؛ مرّةً بالأمن وتجنّب عبادة الأصنام: )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًاوَاجْنُبْنِي َبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ(.[9]

 وأُخرى بالأمن والرزق: )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ(.[10] 

  دون أن يواصلا دعاءهما لها ولأجيالها القادمة بالهداية والإسلام ؛ أن تنال هذه الذرية نعمة الإسلام، فهي نعمة عظيمة ما كان لإبراهيم ولا إسماعيل إلّا أن يتمنّياها لذريتهما؛ لبعض منها أن يحظى بهذه النعمة الطيبة. فقالا: )..وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ..(. وأردفا دعاءهما هذا بـ )وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا(.

بكلّ ما تحمله كلمة النسك من معاني العبادة في أعلى درجاتها حتى عُدّ النسك غاية العبادة، وإن شاع في فريضة الحجّ والعمرة؛ لما فيهما من جهدٍ ومشقّةٍ وكلفةٍ وبعدٍ عن الأهل والعمل والعادة والمألوف.. وختماه  برجاء التوبة: )وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ(. والتوبة لطاما ينشدها التائبون المخلَصون، والعائدون دائماً بصدق إلى الله وحده! رفعاً لدرجاتهم، ورقيّاً  في مقاماتهم..!

ونضيف على ما ذُكر عن التوبة في الحلقة السابقة ما قاله ابن عطية: واختلف في معنى طلبهم التوبة وهم أنبياء معصومون، فقالت طائفة: طلبا التثبيت والدوام، وقيل: أرادا من بعدهما من الذرية كما تقول: برني فلان وأكرمني، وأنت تريد في ولدك وذريتك، وقيل وهو الأحسن عندي: إنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت وأطاعا، أرادا أن يسنّا للناس أنَّ ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة.

وقال الطبري: إنه ليس أحد من خلق الله تعالى إلا وبينه وبين الله تعالى معانٍ يحب أن تكون أحسن مما هي. وبعد كلامه هذا، أردف ابن عطية قائلاً: وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة، واختلف في غير ذلك من الصغائر، والذي أقول به: إنهم معصومون من الجميع، وإنَّ قول النبيّ9: «إني لأتوب إلى الله في اليوم وأستغفره سبعين مرةً».

إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها؛ لتزيد علومه واطلاعه على أمر الله، فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى، والتوبة هنا لغوية.[11]

    إنَّ كلَّ  هذا الذي جاء منهما8 في دعائهما العام؛ لم يقفا عنده، بل كأنَّهما ـ والله أعلم ـ جعلاه مقدمةً؛ ليصلا إلى دعائهما الخاص؛ لمبعوث تُناط به مهام ومسؤوليات كبيرة..، وقد تمثّل هذا الدعاء بالآية المباركة محلّ كلامنا: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ(.[12]  

     لقد جاءت هذه الآية وهي الثانية في المقطع المذكور، تحكي لنا الدعاء  المبارك لإبراهيـم وإسماعيـل8، وقد بدءا دعاءهما بـ ) رَبَّنَا( الخالي من أداة البعد، وهو دعاء المقرّبين على ما يذكره بعض أهل التفسير..

والنداء في قوله: )ربنا وابعث(.يقول ابن عاشور عنه: كرر النداء؛ لأنه عطف غرض آخر في هذا الدعاء، وهو غرض الدعاء بمجيء الرسالة في ذريته؛ لتشـريفهم وحرصاً على تمام هديهم..

فالنداء في قوله: )ربنا وابعث(. اعتراض بين جمل الدعوات المتعاطفة، ومظهر هذه الدعوة هو محمد9؛ فإنه الرسول الذي هو من ذرية إبراهيم وإسماعيل كليهما، وأما غيره من رسل غير العرب، فليسوا من ذرية إسماعيل، وشعيب من ذرية إبراهيم، وليس من ذرية إسماعيل، وهود وصالح هما من العرب العاربة، فليسا من ذرية إبراهيم ولا من ذرية إسماعيل.

يقول سيد قطب:.. إنَّ إبراهيم وإسماعيل اللذين عهد الله إليهما برفع قواعد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والمصلين، وهما أصل سادني البيت من قريش.. إنهما يقولان باللسان الصريح: )رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ(. )وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ(. كما يقولان باللسان نفسه: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ...(. وهما بهذا وذاك يقرران وراثة الأمّة المسلمة لإمامة إبراهيم، ووراثتها للبيت الحرام سواء، وإذن فهو بيتها الذي تتّجه إليه، وهي أولى به من المشركين، وهو أولى بها  من قبلة اليهود والمسيحين!...[13]

تخصيص الدعاء: فكما جاء دعاؤه متمنيّاً  الإمامة لذريته: )وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ...(.[14]

فأجابته السماء بقولها: )لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ(. فأبعدت الظالمين عن دائرة الإمامة، وأنَّ عهدها المبارك لا ينال الظالمين، وبالتالي فلا هو يصلهم ويدركهم، ولا هم جديرون به. وخصّت الإمامة وعهدها وقيدتها بمن لم يرتكب ظلماً من الذرية الإبراهيمية!

كذلك دعاؤه بالأمن والرزق: )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ ... (.[15]

ولعلَّ  هذا الدعاء ـ والله أعلم ـ هو الأسبق، ولكن ما يُستفاد من كلام بعضهم حول هذا الجزء من الآية أنَّ دعاءه بالإمامة أسبق: قد خصَّ أيضاً بـ )مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ(. يعني وارزق المؤمنين من أهله خاصة.. وأما عن الجزء الأخير من قوله تعالى: )..قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمـَصِيرُ(.[16]

فإنَّ  ابن عباس يقول: كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون الناس، فأنزل الله: )ومن كفر(. أيضاً أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أأخلق خلقاً لا أرزقهم؟ أمتعهم قليلاً، ثم أضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير، ثم قرأ ابن عباس: )كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً(.[17]

الطبري: وهذه مسألة من إبراهيـم ربّه أن يرزق مؤمنـي أهل مكة من الثمرات دون كافريهم. وخصّ بـمسألة ذلك للـمؤمنـين دون الكافرين؛ لـما أعلـمه الله عند مسألته إياه أن يجعل من ذرّيته أئمة يقتدي بهم أن منهم الكافر الذي لا ينال عهده، والظالـم الذي لا يدرك ولايته. فلـما أن علـم أن من ذرّيته الظالـم والكافر، خصّ بـمسألته ربّه أن يرزق من الثمرات من سكان مكة الـمؤمن منهم دون الكافر، وقال الله له: إنـي قد أجبت دعاءك، وسأرزق مع مؤمنـي أهل هذا البلد كافرهم، فأمتعه به قلـيلاً.

الطبرسي: وإنما خصّ بذلك من آمن بالله؛ لأنَّ الله تعالى قد أعلمه أنه يكون في ذريته الظالمون في جواب مسألته إياه لذريته الإمامة بقولـه: )لا ينال عهدي الظالمين(.

فخصّ بالدعاء في الرزق المؤمنين تأدباً بأدب الله تعالى، وقيل: إنه7 ظنّ أنه إذا دعا للكفار بالرزق أنهم يكثرون بمكة ويفسدون، فربما يصدون الناس عن الحجّ، فخصَّ بالدعاء أهل الإيمان.

أما غيرهم، فيقول الشيخ الطوسي في تفسيره: وقولـه: )قال ومن كفر فأمتعه قليلاً(.

أي قال الله سبحانه: قد استجبت دعوتك فيمن آمن منهم، ومن كفر فأمتعه بالرزق الذي أرزقه إلى وقت مماته وقيل: فأمتعه بالبقاء في الدنيا، وقيل: أمتعه بالأمن والرزق إلى خروج محمد9، فيقتله إن أقام على كفره، أو يجليه عن مكة عن الحسن.

)ثم اضطره إلى عذاب النار(. أي أدفعه إلى النار وأسوقه إليها في الآخرة )وبئس المصير(. أي المرجع والمأوى والمال.

ويقول أبو حيان:.. ولما سمع في الإمامة قوله تعالى: )لا ينال عهدي الظالمين(.. قيد هنا من سأل له الرزق فقال: )من آمن منهم بالله واليوم الآخر(. والضمير في منهم عائد على أهله. دعا لمؤمنهم بالأمن والخصب؛ لأنَّ الكافر لا يدعى له بذلك. ألا ترى أنَّ قريشاً لما طغت، دعا عليها رسول الله9:«...اللهم اشدد وطأتك على مضـر، واجعلها عليهم سنين، كسني يوسف»، وكانت مكة إذ ذاك قفراً، لا ماء بها ولا نبات، كما قال:  )بواد غير ذي زرع(. فبارك الله فيما حولها، كالطائف وغيره، وأنبت الله فيه أنواعاً من الثمر.

وروي: أنَّ الله تعالى لما دعاه إبراهيم، أمر جبريل فاقتلع فلسطين، وقيل: بقعة من الأردن، فطاف بها حول البيت سبعاً، فأنزلها بِوَاد، فسميت الطائف بسبب ذلك الطواف.

وقال بعضهم:                           كلّ الأماكن إعظاماً لحرمتها

                                                                            تسعى لها ولها في سعيها شرف!

ابن عاشور: وقوله )مَن آمن منهم بالله(. بدل بعضٍ من قوله ) أهله(.يفيد تخصيصه؛ لأنَّ أهله عام إذ هو اسم جمع مضاف وبَدل البعض مخصص وخَصَّ إبراهيم المؤمنين بطلب الرزق لهم حرصاً على شيُوع الإيمان لساكِنيه؛ لأنهم إذا علموا أنَّ دعوة إبراهيم خصّت المؤمنين، تجنبوا ما يحيد بهم عن الإيمان، فجَعل تيسير الرزق لهم على شرط إيمانهم باعثاً لهم على الإيمان، أو أراد التأدب مع الله تعالى فسأله سؤالاً أقرب إلى الإجابة، ولعله استشعر من رد الله عليه عموم دعائه السابق إذ قال: )ومن ذريتي(.فقال: )لا ينال عهدي الظالمين(.[18] أنَّ غير المؤمنين ليسوا أهلاً لإجراء رزق الله عليهم، وقد أعقب الله دعوته بقوله: )ومن كفر...(.

أما سيد قطب، وهو يواصل كلامه عن تلك الوراثة، وقبل أن يشير إلى  التخصيص المذكور ببعض الذرية، فيقول: وإذن فمن كان يربط ديانته بإبراهيم من اليهود والنصارى، ويدعي دعاواه العريضة في الهدى والجنة بسبب تلك الوراثة، ومن كان يربط نسبه بإسماعيل من قريش، فليسمع: أنَّ إبراهيم حين طلب الوراثة لبنيه والإمامة، قال له ربّه: )قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ(. )مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ(. ولما أن دعا هو لأهل البلد بالرزق والبركة خصّ بدعوته وحين قام هو وإسماعيل بأمر ربّهما في بناء البيت وتطهيره كانت دعوتهما: أن يكونا مسلمين لله، وأن يجعل الله من ذريتهما أمّة مسلمة، وأن يبعث في أهل بيته رسولاً منهم..[19]
وهذا التخصيص كانا يتمنياه ويهدفان إليه أن يبعث في )مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ(. والتي سيكون وجودها بعد قرون وأجيال في مكة المكرمة وما حولها، مَن يواصل مسيرتهما تلك، يُثبت وجودها، يرفع عنها ما قد يُصيبها من تحريف واعتداء وتضييع، ويُعلم الأُمّة دينها وشرائعه، والتي منها المناسك العبادية لبيته العتيق، الذي هم بقربه وحوله وهو بينهم؛ ليحجّوه  على علم ومعرفة.

فكان رسول الله9 الذي لم يُبعث سواه في مكة المكرمة، استجابةً لدعائهما! بُعث9 ليواصل ما بدأ به كلٌّ من إبراهيم وإسماعيل8 من تشييد البيت الحرام  وتطهيره، فإعلان مناسك حجّه، فالأذان بالحجّ... وحتى تعرف هذه الأمّة معالم دينها، فيقرر لهم ما ينفعهم من تعاليم الكتاب، ومن  نظمٍ  عملية وأخلاقية، وكذا نظم الشعائر  الدينية، والتي منها المناسك العبادية لبيته العتيق وأحكامه، بل وكلٌّ منها يشكّل أهمَّ عناصر الساحة المؤمنة المنتظَرَة ومقوماتها!

إذن فإبراهيم7 لم يقف عند الدعاء لهذه الذرية أن يرزقها الله تعالى من الثمرات دون أن يواصل هو وابنه إسماعيل دعاءهما لها ولأجيالها القادمة بالهداية والمعرفة والعلم والزكاة.. ففيها حياتهم الطيبة في الدنيا وفي الآخرة، وهو هدف بعثة الأنبياء والرسل بكتبهم ومواقفهم وتضحياتهم الجليلة العظيمة، إذا استجابت تلك الأمم وتلك الأجيال لهم ولرسالة السماء التي حملوها وأمروا بتبليغها: )ياأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ...(.[20] بمعنى أن  لا تترك هذه الذرية وهذه الأُمّة المسلمة بعيداً عمّا يجدد لها حياتها ، بل يُحييها عبر عقيدة وشريعة تُنجيها من كلّ وهم وجهل وانحراف ومن العبودية لغيره تعالى..  وبلا أن تتواصل هذه النعم المباركة، التي هي مقوماتها الحياتية الصحيحة لها ولأجيالها المتعاقبة، وأن يريهم مناسكهم وعباداتهم.

وفعلاً رأت هذه الذرية وهذه الأمّة ذلك كلَّه ورأت مناسكها؛ سواء أكانت هذه الرؤيا رؤيةً بصريةً أم رؤيةً قلبيةً أو هما معاً، أو هي بمعنى علّمنا.. مناسكها جمع منسك: المصدر، جمع لاختلافها، ولعلّها معالم ومواقف وأعمال حجّها وعمرتها؛ الكعبة والمسعى؛ الطواف والصلاة، وعرفة والمزدلفة ومنى وأحكامها الشـرعية، وإن قيل: كلّ عبادة يتعبد بها الله تعالى...[21]

الاستعانة: وبما أنَّ ظاهر الآية، الذي يحكي دعاء إبراهيم وإسماعيل8، لم يُشر صراحةً لا إلى ذكر اسم  الأُمّة، ولا اسم الرسول المبعوث فيها،  بمعنى لم يبين ذلك، واكتفى التنزيل العزيز بقوله: )...رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ(. فقد استعانوا لإيضاح ذلك بالآية 164من سوره آل عمران: )لَقَدْ مَنَّ ٱللهُ عَلَى الْـمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(.

فالامتنان: يُعدُّ من أكبر النعم وأعظمها! أن امتنَّ سبحانه وتعالى على أهل مكة ومن حولها والناس أجمع برسول كريم، معروف نسبه لهم، فهو منهم من قبيلتهم من قومهم من بلدهم وبيئتهم، أدركوا صدقه، وخبروا أمانته، واعتادوا أدبه وخُلقه.. يعرفونه رؤوفاً بهم مشفقًا حريصاً عليهم، ناصحًا لهم... كلُّ هدفه  وكلُّ همّه أن يهديهم للإيمان بالله تعالى، وأن يُرغبهم فيه، ويحذرهم من خلافه، فيتمّ إنقاذهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وبالتالي يُبعدهم ويمنعهم من الهلكة، حتى يصل بهم إلى الخير والبركة في الدنيا، وجنّة عرضها السماوات والأرض في الآخرة...!

لنقف قليلاً عند ) مَنَّ(. في الآية المذكورة:

لغةً: أبو حيان: ومعنى مَنَّ: تطوّل وتفضل.

الراغب:.. والمنة: النعمة الثقيلة ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله: )لقد مَنَّ الله على المؤمنين ـ كذلك كنتم من قبل فمَنَّ الله عليكم ـ ولقد مننّا على موسى وهارون ـ يمنُّ على من يشاء ـ ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا(. وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى. والثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلّا عند كفران النعمة، ولقبح ذلك قيل: المنة تهدم الصنيعة، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النعمة حسنت المنة.

وقوله: )يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ(.[22]

فالمنّة منهم بالقول، ومنّة الله عليهم بالفعل، وهو هدايته إياهم كما ذكر...[23]

وعند: ) أَنْفُسِهِمْ(.

قـراءةً: وإن ذكروا أنَّه قرأ كلٌّ من الضحاك وأبی الجوزاء: )من أنفسهم(. بفتح الفاء. لكن بعضهم ذكرها كقراءة شاذة، حيث قال: وقرِىء في الشّواذ «من أنْفَسِهِم» بفتح الفاء يعني من أشرفهم؛ لأنه من بني هاشم، وبنو هاشم أفضلُ من قريش، وقريشٌ أفضل من العرب، والعربُ أفضل من غيرهم.

وأيضاً قرأت عائشة وفاطمة والضحاك، ورواها أنس عنه9 بفتح الفاء من النَّفاسة، وهي الشرف أي: أشرفِهم نسباً وخَلْقاً وخُلُقاً. وعن عليّ ٍ7 عنه9: «أنا أنْفَسُكم نَسَباً وحَسَباً وصِهْراً»!

الزمخشري: وفي قراءة رسول الله9 وقراءة فاطمة3 من «أَنْفَسِهِم»، أي من أشرفهم؛ لأنَّ عدنان ذروة ولد إسماعيل، ومضـر ذروة نزار بن معد بن عدنان، وخندف ذروة مضـر، ومدركة ذروة خندف، وقريش ذروة مدركة، وذروة قريش محمد9.

وفيما خطب به أبو طالب في تزويج خديجة3  ـ وقد حضر معه بنو هاشم ورؤساء مضـر: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضـىء معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسوّاس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً، وحرماً آمنا، وجعلنا الحكام على الناس. ثمَّ إنَّ ابن أخي هذا محمد بن عبد الله مَن لا يوزن به فتى من قريش إلّا رجح به، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل! ومع هذا  بقيت قراءتُها، وهي قراءة الجمهور: )مِنْ أنْفُسِهِمْ(. بضمّ الفاء أي: مِنْ جملتهم وجنسهم. هي القراءة المشهورة والمعمول بها.[24]

وأما بياناً  فيقول الشيخ الطبرسي: وموضع المنة فيه أنه بعث فيهم من عرفوا أمره وخبَّروا شأنه. وقبل قوله هذا، قال عن قوله تعالى: )لقد منَّ الله(. أي أنعم الله )على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً(. منهم خصَّ المؤمنين بالذكر، وإن كان9 مبعوثاً إلى جميع الخلق؛ لأنَّ النعمة عليهم أعظم لاهتدائهم به وانتفاعهم ببيانه.

الطبري: يعني بذلك: لقد تطوّل الله على المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولاً، حين أرسل فيهم رسولاً من أنفسهم، نبياً من أهل لسانهم، ولـم يجعله من غير أهل لسانهم، فلا يفقهوا عنه ما يقول.

الزمخشري: )لَقَدْ مَنَّ ٱللهُ عَلَى الْمـُؤمِنِينَ(. على من آمن مع رسول الله9 من قومه. وخصّ المؤمنين منهم؛ لأنهم هم المنتفعون بمبعثه )مِنْ أنفُسِهِمْ(. من جنسهم عربياً مثلهم. وقيل: من ولد إسماعيل كما أنه من ولده، فإن قلت مما وجه المنة عليهم في أن كان من أنفسهم؟ قلت: إذا كان منهم كان اللسان واحداً، فسهل أخذ ما يجب عليهم أخذه عنه ، وكانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة، فكان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه والوثوق به، وفي كونه من أنفسهم شرف لهم، كقوله : )وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ(.[25]

وأيضاً الشيخ الطبرسي: وقولـه: )من أنفسهم(. فيه أقوال: أحدها: أنَّ المراد به من رهطهم يعرفون منشأه وصدقه وأمانته، وكونه أميّاً لم يكتب كتاباً ولم يقرأه؛ ليعلموا أنَّ ما أتى به وحي منزل، ويكون ذلك شرفاً لـهم وداعياً إياهم إلى الإيمان. وثانيها: أنَّ المراد به أنه يتكلم بلسانهم، فيسهل عليهم تعلم الحكمة منه فيكون خاصاً بالعرب. وثالثها: أنه عام لجميع المؤمنين، والمراد بأنفسهم أنه من جنسهم، لم يبعث ملكاً ولا جنياً... و بكون المبعوث هو )مِنْ أنْفُسِهِمْ(. يذكر ابن الجوزي أربعة أقوال:
أحدها: لكونه معروف النسب فيهم، قاله ابن عباس، وقتادة.
والثاني: لكونهم قد خبروا أمره، وعلموا صدقه، قاله الزجاج.
والثالث: ليسهل عليهم التعلم منه؛ لموافقة لسانه للسانهم، قاله أبو سليمان الدمشقي.
والرابع: لأنَّ شرفهم يتمُّ بظهور نبيٍّ منهم، قاله الماوردي.

ثمّ یجیب عن سؤال یضعه: وهل هذه الآیة خاصة أم عامة؟ فیه قولان: أحدهما: أنها خاصة للعرب، روي عن عایشة والجمهور... والثانی: أنها عامة لسائر المؤمنین، فیکون المعنی أنه لیس بملكٍ، ولا من غیر بني آدم، وهذا اختیار الزجاج..

ومن ضمن ما يتحدث به سيد قطب عن المن في قوله تعالى: )لَقَدْ مَنَّ ٱللهُ عَلَى الْمـُؤمِنِينَ(. الوارد في الآية: )لَقَدْ مَنَّ ٱللهُ عَلَى الْـمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ...(. وصفه بـ : ...إنها المنة العظمی أن یبعث الله فیهم رسولاً، وأن یکون هذا الرسول «من أنفسهم» .. إنَّ العنایة من الله الجلیل، بإرسال رسول من عنده إلی بعض خلقه، هي المنة التي لاتنبثق إلّا من فیض الکرم الإلهي. المنة الخالصة التي لا یقابلها شيء من جانب البشر. وتتضاعف المنة بأن یکون هذا الرسول «من أنفسهم».. لم یقل «منهم» فإنّ للتعبیر القرآني «من أنفسهم» ظلالاً عمیقة الایحاء والدلالة..[26]

علاقة بين آيتين: هذا ومن ضمن ما توفّر عليه هذا الدعاء ـ والله أعلم ـ أنَّه جاء؛ ليؤكّد واقعاً تاريخياً يذكر إبراهيم فيه ذريته والأمة المسلمة ببعثة رسول: «فيهم .. ومنهم» أي لا يكون فقط يبعث )فِيهِمْ(؛ لأنه قد يكون من غيرهم، أي أنَّ البعث فيهم لا يستلزم البعث منهم؛ ولهذا لم يكتفِ في دعائه عليه السلام، إلّا أن يقول: )مِنْهُمْ(. من أنفسهم لا من غيرهم. توكيداً وتذكيراً لهم بنعمته وفضله تعالى عليهم .. فهو فضل إلهيٌّ ما أعظمه، ومنَّة ٌ ربانيّة ما أجلَّها!

يقول الإمام أمير المؤمنين7 في معنى هذا الفضل الإلهي: «فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حيث بعث إليهم رسولاً، فعقد بملّته طاعتهم، وجمع على دعوته ألفتهم، كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها، و أسالت لهم جداول نعيمها، والتفت الملّة بهم في عوائد بركتها، فأصبحوا في نعمتها غرقين، وفي خضرة عيشها فكهين...»![27]

وهذا التذكير المرفق بمنّته تعالى عليكم لم يتوقف عند هذه الآية فقط، فهو موجود بعد المقطع القرآني الكريم عن القبلة، في الآية151من سورة البقرة: )كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ(. فبعد الحديث عن القبلة ونعمها على الأُمّة المسلمة، ابتدأت هذه الآية بكاف التشبيه كأنَّه يقول ـ والله العالم ـ: إنَّ إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع والنعم المتممة، ليس ذلك ببدع من إحساننا،  ولا بأوله، بل أنعمنا عليكم بأصول النعم ومتمماتها، فأبلغها إرسالنا إليكم هذا الرسول الكريم منكم، تعرفون نسبه وصدقه، وأمانته وكماله ونصحه...[28] فيبدو ـ والله العالم ـ  أنَّ هناك ارتباطاً أو نوع علاقة بين قوليه تعالى: )رَبَّنا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ...(.[29] و)كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ(.[30]

أبوحيان: )كما أرسلنا فيكم( الكاف هنا للتشبيه، وهي في موضع نصب على أنها نعت لمصدر محذوف...

آل درويش: الكاف: حرف جرّ وتشبيه. ما: مصدريّة. أرسلنا: فعل ماض مبنيّ على السكون. نا: فاعل. والمصدر المؤوّل ما أرسلنا:  في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله أتمّ. أي: أتمّ نعمتي إتماماً  كإرسالنا فيكم رسولاً منكم. في: حرف جرّ. كم: ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ )أرسلنا(. رسولاً: مفعول به منصوب. منكم: مثل فيكم متعلّق بمحذوف نعت لـ (رسولاً).

الطبري: يعنـي بقوله جل ثناؤه: )كَمَا أرْسَلْنَا فِـيكُمْ رَسُولاً(. ولأتـمّ نعمتـي علـيكم ببـيان شرائع ملتكم الـحنـيفـية، وأهديكم لدين خـلـيـلـي إبراهيـم7، وأجعل لكم دعوته التـي دعانـي بها ومسألته التـي سألنـيها فقال: )رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ  (.[31] كما جعلت لكم دعوته التـي دعانـي بها ومسألته التـي سألنـيها، فقال: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ(.[32] فـابتعثت منكم رسولـي الذي سألنـي إبراهيـم خـلـيـلـي وابنه إسماعيـل أن أبعثه من ذرّيتهما.

فيما الرازي وهو يتحدث عن الكاف )كَمَا (. في قوله تعالى: )كَمَآ أرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً...(. يقول: هذا الكاف إما أن يتعلق بما قبله، أو بما بعده، فإن قلنا: إنه متعلق بما قبله، ففيه وجوه: الأول: ... الثاني: أنَّ إبراهيم7 قال: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُزَكّيهِمْ(. )وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا(. وقال أيضاً : فكأنه تعالى قال: ولأتم نعمتي عليكم ببيان الشرائع، وأهديكم إلى الدين إجابةً لدعوة إبراهيم، كما أرسلنا فيكم رسولاً إجابةً  لدعوته.. وأما عن ) فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ(. فيقول: وفي إرساله «فيهم ومنهم»، نعم عظيمة عليهم؛ لما لهم فيه الشرف، ولأنَّ المشهور من حال العرب الأنفة الشديدة من الانقياد للغير،  فبعثه الله تعالى من واسطتهم؛  ليكونوا إلى القبول أقرب.

أبو حيان: واختلف في تقديره، فقيل التقدير: ولأتم نعمتي عليكم إتماماً مثل إتمام إرسال الرسول فيكم. ومتعلق الإتمامين مختلف:.. أو الإتمام الأول بإجابة الدعوة الأولى لإبراهيم في قوله: )من ذريتنا أمّة مسلمة لك(. والإتمام الثاني بإجابة الدعوة الثانية في قوله ... )ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم(. ونأخذ شيئاً مختصـراً من كلام مفصل ونافع لابن عاشور في هذه الآية 151 البقرة، ولكن بعد أن يُبيّن علاقة التشبيه بحرف الكاف من )كَمَا(. بالجزء الأخير من الآية التي سبقتها أي 150 البقرة: ).. وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(. بالعلتين: )وَلأُتِمَّ(. )وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(. أي ذلك من نعمتي عليكم كنعمة إرسال محمد9، وجعل الإرسال مشبهاً به؛ لأنه أسبق وأظهر تحقيقاً للمشبه،... فالخطاب في قوله: «فيكم» وما بعده للمؤمنين من المهاجرين والأنصار تذكيراً لهم بنعمة الله عليهم؛ بأن بعث إليهم رسولاً بين ظهرانيهم ومن قومهم؛ لأنَّ ذلك أقوى تيسيراً لهدايتهم، وهذا على نحو دعوة إبراهيم: )ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم(.[33] وقد امتن الله على عموم المؤمنين من العرب وغيرهم بقوله: )لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم(.[34] أي جنسهم الإنساني؛ لأنَّ ذلك آنس لهم مما لو كان رسولهم من الملائكة قال تعالى: )ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً(.[35] ولذلك علق بفعل )أرسلنا(. حرفُ فِي ولم يعلَّق به حرف إلى كما في قوله:   )إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم(.[36] لأنَّ ذلك مقام احتجاج وهذا مقام امتنان، فناسب أن يذكر ما به تمام المنة وهي أن جعل رسولهم فيهم ومنهم، أي هو موجود في قومهم...

وهذا سيد قطب في حديثه عن آيات القبلة  في مقطع قرآني كريم من سورة البقرة  142،152يقول:.. فإنَّ لهذا الدعاء دلالته ووزنه فيما كان يشجر بين اليهود والجماعة المسلمة من نزاع عنيف متعدد الأطراف، وإذن فهو بيتها الذي تتجه إليه، وهي أولى به من المشركين. وهو أولى بها من قبلة اليهود والمسيحيين! ويقول أيضاً:.. نرى السياق يستطرد في تذكير المسلمين بنعمة الله عليهم، بإرسال هذا النبيّ منهم إليهم، استجابة لدعوة أبيهم إبراهيم، سادن المسجد الحرام قبلة المسلمين ويربطهم ـ سبحانه ـ  به مباشرة في نهاية الحديث:)كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ* فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (. البقرة 151،152.

والذي يلفت النظر هنا، أن الآية تعيد بالنصّ دعوة إبراهيم التي سبقت في السورة، وهو يرفع القواعد من البيت هو وإسماعيل. دعوته أن يبعث الله في بنيه من جيرة البيت، رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.. ليذكر المسلمين أن بعثة هذا الرسول فيهم، ووجودهم هم أنفسهم مسلمين، هو الاستجابة المباشرة الكاملة لدعوة أبيهم إبراهيم. وفي هذا ما فيه من إيحاء عميق بأن أمرهم ليس مستحدثاً إنما هو قديم وأنَّ قبلتهم ليست طارئة إنما هي قبلة أبيهم إبراهيم، وأن نعمة الله عليهم سابغة فهي نعمة الله التي وعدها خليله وعاهده عليها منذ ذلك التاريخ البعيد. إنَّ نعمة توجيهكم إلى قبلتكم، وتمييزكم بشخصيتكم هي إحدى الآلاء المطردة فيكم، سبقتها نعمة إرسال رسول منكم:
)كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ(. فهو التكريم والفضل أن تكون الرسالة فيكم، وأن يختار الرسول الأخير منكم...[37]

وأيضاً استعانوا بالآية الثانية والثالثة من سورة الجمعة ، فهذا الشنقيطي يقول: لم يبين هنا مَن هذه الأمة التي أجاب الله بها دعاء نبيه إبراهيم وإسماعيل، ولم يبين هنا أيضاً هذا الرسول المسؤول بعثه فيهم من هو؟ ولكنه يبين في سورة الجمعة أنَّ تلك الأمة العرب، والرسول هو سيد الرسل محمد9، وذلك في قوله: )هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ *  وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ ... (.[38] لأنّ الأميين العرب بالإجماع، والرسول المذكور نبينا محمد9 إجماعاً، ولم يبعث رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل إلّا نبينا محمد9 وحده. وثبت في الصحيح أنه هو الرسول الذي دعا به إبراهيم، ولا ينافي ذلك عموم رسالته9 إلى الأسود والأحمر.

وعن ) ٱلأُمِّيِّينَ (.

أقول: هم أهل مكة المكرمة، إذا ما  أخذنا بأنَّهم المنسوبون إلى اُمِّ القرى وهي مكة كما في الآية الكريمة: )... وَهَـذَا كِتابٌ أنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا(.[39]

الشيخ الطبرسي: يعني بأمّ القرى مكة ومن حولها أهل الأرض كلهم عن ابن عباس ، وهو من باب حذف المضاف يريد لتنذر أهل أمّ القرى ،  وإنما سميت مكة أمّ القرى؛ لأنَّ الأرض دحيت من تحتها، فكأن الأرض نشأت منها. وقيل: لأنَّ أول بيت وضع في الدنيا وضع بمكة، فكأنَّ القرى تنشأت منها عن السدي. وقيل: لأنَّ على جميع الناس أن يستقبلوها ويعظّموها؛ لأنها قبلتهم كما يجب تعظيم الأمّ عن الزجاج والجبائي.

القمّي: يعني: مكة وإنما سميت أمَّ القرى؛ لأنها أول بقعة خلقت.

والفيض الكاشاني: القميّ قال: سمّيت أمّ القرى؛ لأنّها أوّل بقعة خلقها الله من الأرض وَمَنْ حَوْلَهَا(.أهل الشرّق والغرب .. .

أقول : وإن تعددت الأقوال ، لكنها تبقى  مكة هي أُمُّ القرى ، فكانت النسبة إليها  )ٱلأُمِّيِّينَ(. كما في الآية المذكورة.  و «ٱلأُمِّيَّ» كما في الآية: )ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ(.[40]

وفي رواية العياشي: عن علي بن أسباط قال: « قلت لأبي جعفر7: لِمَ سمّي النبيُّ9 الأُامّي؟ قال: نسب إلى مكة، و ذلك من قول الله: )وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا(. وأُمّ القرى: مكة»، فقيل: أُمّيّ لذلك. هذا إذا لم نأخذ بالمعنى الآخر للأميِّينَ وهم العرب كلهم، مَن كتب منهم ومَن لم يكتب؛ لأنهم لم يكونوا أهل كتاب، أو هم الذين لايكتبون. وكذلك كانت قريش. وللأُمّي وهو الذي لا يقرأ ولا يكتب، أو الذي يقرأ ولايكتب...[41]

وفي الروايات: بعد هذا نعود للآية: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ(. روائيًّا، فقد جاءت عدّة روايات من الفريقين تتحدث عن الذرية والأُمّة التي بعث «فِيهِمْ .. مِّنْهُمْ» رسول الله9. فعن الإمام الصادق7، وفي رواية العياشي عنه7: «أراد بالأمة بني هاشم خاصة».

عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله7، قال: قلت له: أخبرني عن أُمّة محمد عليه الصلاة و السلام، مَن هم؟ قال: «أُمّة محمد بنو هاشم خاصة! قلت: فما الحجّة في أُمّة محمد أنهم أهل بيته، الذين ذكرت دون غيرهم؟ قال:قول الله: )وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (.». فلما أجاب الله إبراهيم وإسماعيل، وجعل من ذريتهم أمة مسلمة، و بعث فيها رسولاً منها ـ يعني من تلك الأُمة ـ يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ردف إبراهيم7 دعوته الأُولى بدعوته الأُخرى، فسأل لهم تطهيراً من الشرك ومن عبادة الأصنام؛ ليصح أمره فيهم، ولا يتبعوا غيرهم، فقال: )وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (.[42]  

ففي هذه دلالة على أنه لا تكون الأئمة والأُمة المسلمة ، التي بَعث فيها محمداً صلى الله عليه و آله إلا من ذرية إبراهيم عليه السلام ؛ لقوله :

)  وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ (.

علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ(. قال: يعني من ولد إسماعيل7، فلذلك قال رسول الله9: «أنا دعوة أبي إبراهيم7».

عن الصادق7 ورواه العياشي: «ولم يبعث من ذريتهما غير نبينا9».

وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: )ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم(. يعني أمّة محمد. فقيل له: قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: )وابعث فيهم رسولاً منهم (. قال: هو محمد9.

وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك: أنَّ النبيَّ9 قال: «أنا دعوة إبراهيم». قال وهو يرفع القواعد من البيت: )ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم(. حتى أتمَّ الآية.[43]

  هذا فيما تيسـّر لنا من روايات، وتعالوا معي لما ذكره المفسـرون عن دعائهما8 بأن يكون المبعوث «فيهم .. ومنهم»، وهم يعرفون أهله جيداً ومفاصل نشأته في مكة، وكانوا يصفونه بالصادق الأمين...!

نقف عند)فِيهِمْ(: وبعد أن نُشير إلى أنَّ أبيَّ قرأها: وابعث فيهم في آخرهم  أو وابعث في آخرهم. نذكر قولهم: في هذا الضميرِ، أي في الهاء والميم من )فيهم(. قولان، بل ثلاثة أقوال: أحدُهما: أنه عائدٌ على معنى الأمّة، إذ لو عادَ على لفظِها؛ لقال: ( فيها) قاله أبو البقاء.فيما أبو حيان يعيده على أمة مسلمة. الضمير في قوله )وَٱبْعَثْ فِيهِمْ (. راجع إلى الأمة المسلمة المذكورة سابقاً. والثاني: أنه يعودُ على الذريةِ. قاله مقاتل والفراء. واحتمله الشوكاني  في تفسيره. وقيل: يعودُ على أهل مكة، ويؤيده)الَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنهُم(. وبعد أن يذكر أبو حيان تلك الاحتمالات عن عودة الضمير في )فِيهِمْ(...، يقول: ولا خلاف أنه رسول الله9، وصح َّ عنه  أنه قال: «أنا دعوة أبي إبراهيم». ولم يبعث الله إلى مكة وما حولها إلّا هو9. وقرأ أبيّ: وابعث فيهم في آخرهم. ثمَّ يختم كلامه هذا بقول ابن عباس: كلّ الأنبياء من بني إسرائيل إلّا عشرة: نوح، وهود، وصالح، وشعيب، ولوط، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ومحمد9...

ابن الجوزی: قوله تعالی )ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم(. فی الهاء والمیم من )فیهم(. قولان، أحدهما: أنها تعود علی الذریة، قاله مقاتل والفراء. والثانی: علی أهل مکة فی قوله: )وارزق أهله(. والمراد بالرسول: محمد9.

وقد روی أبوأمامة عن النبي9، أنه قیل: یا رسول الله ما کان بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهیم، وبشری عیسی، ورأت أمّي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام».

 ابن عاشور: وإنما قال )فيهم(. ولم يقل لهم؛ لتكون الدعوة بمجيء رسول برسالة عامة، فلا يكون ذلك الرسول رسولاً إليهم فقط، ولذلك حذف متعلق)رسولاً( ليعم، فالنداء في قوله: )ربنا وابعث(، اعتراض بين جمل الدعوات المتعاطفة، ومظهر هذه الدعوة هو محمد9، فإنه الرسول الذي هو من ذرية إبراهيم وإسماعيل كليهما، وأما غيره من رسل غير العرب، فليسوا من ذرية إسماعيل، وشعيب من ذرية إبراهيم وليس من ذرية إسماعيل، وهود وصالح هما من العرب العاربة، فليسا من ذرية إبراهيم ولا من ذرية إسماعيل...[44]

وأما عن )مِنْهُمْ(. فالزمخشري هو الآخر الذي يذهب إلى أنَّ )فيهم(. في الأُمّة المسلمة، ويذهب إلى أنَّ )رسولاً منهم( من أنفسهم. وروي أنه قيل له: قد استجيب لك وهو في آخر الزمان، فبعث الله فيهم محمداً9. قال عليه الصلاة والسلام: «أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى ورؤيا أمي».

وأما  الشيخ الطوسي، فبعد أن يُشير إلى أنَّ الضمير في قوله: )فيهم(.راجع إلى الأُمّة المسلمة، التي سأل الله إبراهيم من ذريته. يقول: المعنى بقوله )رسولاً منهم(.هو النبيّ9؛  لما روي عن النبيِّ9 أنه قال: «انا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى7». يعني قولـه: )ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد(.[45] وهو قول الحسن وقتادة والسدي وغيرهم من اهل العلم. ويدل على ذلك أيضاً، وأنَّ المراد به نبينا9 دون الأنبياء، الذين بعثهم الله من بني اسرائيل، أنه دعى بذلك لذريته، الذين يكونون بمكة وما حولها على ما تضمنته الآية.

وفي قوله: )ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم(. يقول الشيخ: ولم يبعث الله من هذه صورته إلّا محمداً9.

أما الرازي فيتناول «فيهم .. منهم»، ويقول في الآية: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ(. وهذا الدعاء يفيد كمال حال ذريته من وجهين: أحدهما: أن يكون فيهم رسول يكمل لهم الدين والشـرع، ويدعوهم إلى ما يثبتون به على الإسلام. والثاني: أن يكون ذلك المبعوث منهم لا من غيرهم لوجوه: أحدها: ليكون محلهم ورتبتهم في العزّ والدين أعظم؛ لأنَّ الرسول والمرسل إليه إذا كانا معاً من ذريته، كان أشرف لطلبته إذا أجيب إليها. وثانيها: أنه إذا كان منهم، فإنهم يعرفون مولده ومنشأه، فيقرب الأمر عليهم في معرفة صدقه وأمانته. وثالثها: أنه إذا كان منهم، كان أحرص الناس على خيرهم، وأشفق عليهم من الأجنبي لو أرسل إليهم. إذا ثبت هذا فنقول ـ والكلام ما زال للرازي ـ: إذا كان مراد إبراهيم7 عمارة الدين في الحال وفي المستقبل، وكان قد غلب على ظنّه أنَّ ذلك إنما يتمُّ ويكمل بأن يكون القوم من ذريته، حسن منه أن يريد ذلك؛ ليجتمع له بذلك نهاية المراد في الدين، وينضاف إليه السرور العظيم بأن يكون هذا الأمر في ذريته؛ لأن لا عزَّ ولا شرف أعلى من هذه الرتبة.

وقبل أن نغادر كلام الرازي، لا بدَّ لنا من ذكر ما دوّنه من أدلة على أنَّ )رسولاً(. المقصود به محمد بن عبد الله9 حيث يقول: وأما أنَّ الرسول هو محمد9، فيدل عليه وجوه: أحدها: إجماع المفسرين وهو حجّة. وثانيها: ما روي عنه9 أنه قال: «أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى». وأراد بالدعوة هذه الآية، وبشارة عيسى7 ما ذكر في سورة الصف من قوله: )مُبَشّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى ٱسْمُهُ أَحْمَد(.[46] وثالثها: أنَّ إبراهيم7 إنما دعا بهذا الدعاء بمكة لذريته، الذين يكونون بها وبما حولها، ولم يبعث الله تعالى إلى مَن بمكة وما حولها إلّا محمداً9.

أبوحيان: )ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم(، لما دعا ربَّه بالأمن لمكة، وبالرزق لأهلها، وبأن يجعل من ذريته أمّة مسلمة، ختم الدعاء لهم بما فيه سعادتهم دنيا وآخرة، وهو بعثة محمد9 فيهم، فشمل دعاؤه لهم الأمن والخصب والهداية... )ثم بعثناكم(، والمراد هنا: الإرسال إليهم.[47]

حكمٌ عديدةٌ ! وأما عن الحكمة في أن يكون الرسول منهم: يقول أبوحيان: فهم يعرفون وجهه ونسبه ونشأته، كما قال: )لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم(. ودعا بأن يبعث الرسول «فيهم .. منهم»؛ لأنه يكون أشفق على قومه، ويكونون هم أعزّ به وأشرف وأقرب للإجابة؛ لأنهم يعرفون منشأه وصدقه وأمانته. قال الربيع: لما دعا إبراهيم قيل له: قد استجيب لك، وهو في آخر الزمان.

وشبیه بهذا ما قاله البقاعي: ليكون أرفق بهم وأشفق عليهم، ويكونوا هم أجدر باتباعه والترامي في نصره، وذلك الرسول هو محمد9، فإنه لم يبعث من ذريتهما بالكتاب غيره، فهو دعوة إبراهيم7 أبي العرب وأكرم ذريته؛ ففي ذلك أعظم ذمّ لهم بعداوته مع كونه مرسلاً لتطهيرهم بالكتاب الذي هو الهدى لا ريب فيه،...

الآلوسي: وبعد أن يذكر  أنَّ )فِيهِمْ(. أي أرسل في الأمة المسلمة ـ وقيل: في ـ الذرية ـ وعود الضمير إلى أهل مكة بعيد، يقول عن )رَسُولاً مّنْهُمْ(. .. أي من أنفسهم. ويتابع كلامه قائلاً: ووصفه بذلك ليكون أشفق عليهم، ويكونوا أعزّ به وأشرف، وأقرب للإجابة، لأنهم يعرفون منشأه وصدقه وأمانته، ولم يبعث من ذرية كليهما سوى محمد9، وجميع أنبياء بني إسرائيل من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام ـ لا من ذريتهما ـ فهو المجاب به دعوتهما، كما روى الإمام أحمد وشارح السنة عن العرباض عن رسول الله9 أنه قال: «سأخبركم بأول أمري، أنا دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمّي التي رأت حين وضعتني»، وأراد9 إثر دعوته، أو مدعوه، أو عين دعوته ـ على المبالغة ـ )رَسُولاً مّنْهُمْ(، من أنفسهم، أي بضعة منهم کما یذهب سید قطب في تفسیره للآیة 128من سورة التوبة، وهي الآیة التي تتحدث عن الصلة بین رسول الله9 وقومه: )لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزیز علیه ما عنتم حریص علیکم بالمؤمنین رؤوف رحیم(. حین یقول: ولم یقل: لقد جاءکم رسول منکم، ولکن قال: )من أنفسکم(، وهي أشدُّ حساسیة وأعمق صلةً، وأدّل علی نوع الوشیجة التي تربطهم به، فهو بضعة من أنفسهم، تتصل بهم صلة النفس بالنفس، وهي أعمق وأحسن. وکذا؛ بعد أن یذکر في تفسیره للآیة 164من سورة آل عمران: )لقد مَنّ الله عَلى المؤمِنين إذ بَعثَ فيِهم رَسولاً من أنفسهِم یتلوا عَلیهم آیاتهِ وَیزکیهم ویعلّمُهُم الکتابَ والحکمةَ وإن کانُوا مِن قَبل لَفی ضَلالٍ مُبینٍ(. ـ وكما ذكرنا جزءًا قليلاً منه أعلاه ـ ... إنها المنة العظمى أن يبعث الله فيهم رسولاً، وأن يكون هذا الرسول)مِنْ أَنْفُسِهِمْ».. إنَّ العناية من الله الجليل، بإرسال رسول من عنده إلى بعض خلقه، هي المنة التي لا تنبثق إلّا من فيض الكرم الإلهي. المنة الخالصة التي لا يقابلها شيء من جانب البشر. وإلّا فمن هم هؤلاء الناس، ومن هم هؤلاء الخلق، حتى يذكرهم الله هذا الذكر، ويعنى بهم هذه العناية، ويبلغ من حفاوة الله بهم، أن يرسل لهم رسولاً من عنده، يحدثهم بآياته ـ سبحانه ـ وكلماته، لولا أن كرم الله يفيض بلا حساب، ويغمر خلائقه بلا سبب منهم ولا مقابل؟ فبعد أن يذكر كلامه هذا ويدوّنه في تفسيره للآية، يقول: وتتضاعف المنة بأن يكون هذا الرسول «مِنْ أنْفُسِهِمْ».. لم يقل «منهم» فإنَّ للتعبير القرآني «مِنْ أنْفُسِهِمْ» ظلالاً عميقة الإيحاء والدلالة.. إنَّ الصلة بين المؤمنين والرسول هي صلة النفس بالنفس، لا صلة الفرد بالجنس، فليست المسألة أنه واحد منهم وكفى. إنما هي أعمق من ذلك وأرقى. ويواصل كلامه قائلاً: ثمَّ إنهم بالإيمان يرتفعون إلى هذه الصلة بالرسول، ويصلون إلى هذا الأفق من الكرامة على الله. فهو منة على المؤمنين.. فالمنة مضاعفة، ممثلة في إرسال الرسول، وفي وصل أنفسهم بنفس الرسول، ونفس الرسول بأنفسهم على هذا النحو الحبيب ...[48]

الاستجابة: لقد تمّت الاستجابة لدعائهما، أن بعث الله تعالى رسولاً من ذريتهما  بعد قرون وقرون في ذلك الوادي، الذي انبثقت منه أدعية نبيّ الله إبراهيم وابنه نبيّ الله إسماعيل8، وكأن السماء أبت إلّا أن تكون استجابة الدعاء من حيث انطلق، من بقعة مباركة شُيّد فيها بيت الله الحرام، الذي شرف بأن نسبه الله تعالى إليه)بَيْتِيَ(. حين عهد إلى كلٍّ من إبراهيم وإسماعيل تطهيره: )وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ(.[49] )وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ (.[50] فزادته هذه النسبة العظيمة طهارةً وبركةً وتشريفاً! ولعل إضافة البيت إلى نفسه فيه إشارة واضحة أنَّ العبادة فيه لا تصحّ لغيره تعالى.

لينبههم بإضافة البيت إلى نفسه: إنّه لا يليق أن يعبد فيه غيره، كما جاء في تفسير المنار. أبوحيان: )بَيْتِيَ( هذه إضافة تشريف، لا أنَّ مكاناً محل لله تعالى، ولكن لما أمر ببنائه وتطهيره وإيفاد الناس من كلّ فجٍّ إليه، صار له بذلك اختصاص، فحسنت إضافته إلى الله بذلك، وصار نظير قوله: )ناقة الله(.[51] )روح الله(.[52] من حيث أنَّ في كلّ منهما خصوصية لا توجد في غيره، فناسب الإضافة إليه تعالى.[53]

أقول: وقد غدا هذا البيت المبارك، الذي نسبه الله تعالى إليه مثابةً وأمناً! وهو ما كان يهدف إليه إبراهيم وإسماعيل8، فلقد ظلَّ إبراهيم7 يدعو لهم ولأجيالهم  بالرزق وبالأمن ...، وإن اختلفت عصورهم وتناءت بلدانهم وديارهم، وإن اختلفت قومياتهم وقبائلهم وألوانهم، وتعدّدت لغاتهم وثقافاتهم وأعرافهم،.. وإن لاذوا هنا ولجأوا هناك.. تبقى مكة المكرمة هي الأصل؛ ويبقى البيت الحرام مثابةً لجميع الناس )سواء العاكف فيه والباد(، لا يختصُّ به واحد دون الآخر، ولا تختصُّ به فئة دون أخرى، ولا بلد دون بلد، فلقد صيّرته السماء مثابةً لهم وأمناً بقولها: )وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً(.[54] .. وفي قراءة الأعمش وطلحة: مثابات على الجمع.

المثابة: مفعلة، من ثاب القوم إلى الموضع، إذا رجعوا إليه. وفي قول: إنَّ الهاء في مثابة للمبالغة؛ لكثرة من يثوب إليه منهم... فهم يثوبون إليه مثاباً ومثابة ً..

قال ابن عباس: معاذاً وملجأ. وقال قتادة والخليل: مجمعاً .. ومثابةً ، قال مجاهد وابن جبير: يثوبون إليه من كلّ جانب، أي يحجّونه في كلّ عام، فهم يتفرّقون، ثم يثوبون إليه أعيانهم أو أمثالهم، ولا يقضي أحد منهم وطراً، وقال الشاعر: جعل البيت مثاباً لهم* ليس منه الدهر يقضون الوطر. وقال ورقة بن نوفل: مثاباً لا فناء القبائل كلها* تخب إليها اليعملات الطلائح. وقال بعضهم: كلّ الأماكن إعظاماً لحرمتها* تسعى لها ولها في سعيها شرف.[55]

فمن تلك البقعة المباركة، ومن ذلك الوادي عند بيت الله المحرم، ومن تلك الذرية الطيبة المهتدية نفسها، التي تنتمي لإسماعيل فإبراهيم8، بُعث رسول الله9 وانطلق نبيًّا مباركاً! بعد أن استجابت السماء للدعوة الخاصة: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ...(. وإن تأخّرت الاستجابة للدعاء، وإن بعدت زمناً طويلاً عن عهد إبراهيم وإسماعيل8. وقد كثرت الأمم، ونأت بقاعها، واتسعت رقعة وجودها وسكناها، .. إلّا أنَّها وقعت في الأجيال القادمة.. ولكن أصلها ثابت ..، أين؟! في  ذلك الوادي، الذي وصفته الآية: )عِندَ بَيْتِكَ ٱلْـمُحَرَّمِ(. في )أمَّ الْقُرَى(. انطلقت البعثة المحمديّة المباركة، وبها ومنها أشرقت الهداية وحلقت ظلالها؛ لتكون للناس كافةً و للعالمين رحمةً!! وكانت الاستجابة بعد آلاف من السنين. هي في عرف الناس أمد طويل، وهي عند الله أجل معلوم، تقتضي حكمته أن تتحقق الدعوة المستجابة فيه! إنَّ الدعوة المستجابة تستجاب، ولكنها تتحقق في أوانها الذي يقدره الله بحكمته. غير أنَّ الناس يستعجلون! وغير الواصلين يملون ويقنطون! وكانت الاستجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل هي بعثة هذا الرسول الكريم بعد قرون وقرون. بعثة رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل، يتلو عليهم آيات الله، ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويطهّرهم من الأرجاس والأدناس.

وبالتالي فهم أمّة محمد صلوات الله وسلامه عليه على الخصوص، الذين هم في )أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا(. وهي مكة. فهم جميعاً ـ ولعلّه بدليل سياق الآيات 126،27 سورة البقرة وبغيرها من آيات تتحدث عن هذا الوادي وما يتعلق ببيت الله الحرام فيه ـ ومَن كان قبلهم أهل الحرم، وهم المقصودون الذين شملهم دعاء إبراهيم بالرزق، ولكن هم في دائرة التخصيص أوالتقييد، التي ذكرناها، والتي يمكن استفادتها من الآية: )مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ(. فهؤلاء ـ والله العالم ـ هم  الذرية الصالحة والأُمّة المسلمة؛ المؤمنة بالله سبحانه وتعالى وباليوم الآخر.

وهذه  الذرية الصالحة والأُمّة المسلمة، هي التي شملها الدعاء الخاص لإبراهيم وإسماعيل8 أن يبعث الله عزَّ وجلَّ فيها ومنها رسولاً...

سيد قطب : فاستجاب الله لهما، وأرسل من أهل البيت محمد بن عبد الله، وحقّق على يديه الأمة المسلمة القائمة بأمر الله...! وليس هذا فحسب، بل )... بعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم..(! وبالتالي.. قد استجاب الله له، وحقق دعوته، وجعل له لسان صدق في الآخرين...!

فلنقف قليلاً عند دعائه عليه السلام: )وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ(.[56]

لعلّها تُعدُّ واحدةً من نتائج استجابة الدعاء، فإنَّ الذي يبدو لكلّ من يتدبر في دعاء إبراهيم7 أنَّه ما انفكَّ يتمنّى أن يبقى ذكره موجوداً في كلِّ ما تريده السماء وترتضيه، وأن يخلد ذكره في دائرة الامتداد الديني والروحي والعقدي، بل وحتى النسبي إن طهر ولم يك ظالماً..، وشريطة أن  لا تخرج تلك الذرية وهذه الأمة عن دائرة الإيمان والتوحيد، وأن تبقى مواظبةً في خدمة ما تريده السماء وترضاه؛ حبًّا منه لهذه الدائرة الممتدّة بإذن الله تعالى برموزها وكتبها وشرائعها في خلقه.. وحرصاً منه أن يبقى حيًّا بينهم، ذا  ثناءٍ حسن، وذكرٍ جميل، ومحل قبول دائم بينهم بقبول مشاريعه وديمومتها، التي أوحت له بها السماء، ومنها فريضة الحجّ والعمرة أحكاماً ومواقيت، وعمارة البيت الحرام ومعالمه..، وبالتالي فإنَّ استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل في دائرة التوحيد والتشريع والمواقف النبيلة؛ يُعدُّ حياةً ثانيةً حتى قيل: قد مات قومٌ وهم في الناس أحياء! أحياء بمواقفهم وحركاتهم الطيبة، ومشاريعهم النافعة، وفضائلهم الجليلة..!

وللشافعي:         قد مات قوم وما ماتت فضائلهم

                                                          وعاش قوم وهم في الناس أموات

وأن يبقى وكأنه مواظبٌ ومشارك ٌ معهم فيما يريده الله سبحانه وتعالى من شرائع عبر رسله وأنبيائه وكتبه والصالحين من عباده. وأن يذكروه ذكراً طيباً بحقّ وبصدق؛ فلعلهم بهذا لا ينسون كونه قدوةً مباركةً، ومواقفه تبقى ذكرى خالدة، ومشاريعه التي هي مشاريع السماء تبقى مواضع عبادة، وشرايعه يلتزم بها في فرض ومستحب ودعاء!

ولهذا نراه عليه السلام  يدعو ـ  والكلام لسيد قطب ـ : دعوة تدفعه إليها الرغبة في الامتداد، لا بالنسب ولكن بالعقيدة؛ فهو يطلب إلى ربّه أن يجعل له فيمن يأتون أخيراً لسان صدق يدعوهم إلى الحقّ، ويردهم إلى الحنيفية السمحاء دين إبراهيم. ولعلها هي دعوته في موضع آخر. إذ يرفع قواعد البيت الحرام هو وابنه إسماعيل ثم يقول: )ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك  وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك  ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم(. فيتضـرّع إلى الله تعالى قائلاً: )وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ(.[57]

الطبرسي: أي ثناءً حسناً في آخر الأمم، وذكراً جميلاً وقبولاً عاماً في الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة! فأجاب الله سبحانه دعاه، فكلّ أهل الأديان يثنون عليه ويقرُّون بنبوته.. وقيل: إنَّ معناه واجعل لي ولد صدق في آخر الأمم يدعو إلى الله ويقوم بالحقّ وهو محمد9!

والرازي وهو يذكر تأويلات دعاء إبراهيم7: التأويل الثاني: أنه سأل ربَّه أن يجعل من ذريته في آخر الزمان من يكون داعياً إلى الله تعالى، وذلك هو محمد9،  فالمراد من قوله: )وَٱجْعَل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى ٱلأَخِرِينَ(. بعثة محمد9. التأويل الثالث: قال بعضهم المراد اتفاق أهل الأديان على حبّه، ثم إنَّ الله تعالى أعطاه ذلك؛ لأنك لا ترى أهل دين إلّا ويتوالون إبراهيم7... الرازي أيضاً: سؤال وهو أنه يقال: ما الحكمة في ذكر إبراهيم7 مع محمد9 في باب الصلاة حيث يقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؟ وأجابوا عنه من وجوه: أولها: أنَّ إبراهيم7 دعا لمحمد9 حيث قال: )رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيـاتِكَ(. فلما وجب للخليل على الحبيب حقّ دعائه له، قضـى الله تعالى عنه حقَّه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيامة. وثانيها: أنَّ إبراهيم7 سأل ذلك ربَّه بقوله: )وَٱجْعَل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى ٱلأَخِرِينَ(.[58] يعني ابق لي ثناءً حسناً في أمة محمد9، فأجابه الله تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاءً للثناء الحسن عليه في أمته. وثالثها: أنَّ إبراهيم كان أب الملة لقوله: ) ملَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰهِيمَ(.[59] ومحمد كان أب الرحمة، وفي قراءة ابن مسعود: النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم.

وقال في قصته: )بالْـمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ(. «إنما أنا لكم مثل الوالد» وقال عليه السلام: يعني في الرأفة والرحمة، فلما وجب لكلّ واحد منهم حقّ الأبوة من وجه، قرب بين ذكرهما في باب الثناء والصلاة. ورابعها: أنَّ إبراهيم7 كان منادي الشريعة في الحجّ: )وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِالْـحَجّ(.[60] وكان محمد9 منادي الدين: )سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَانِ(. فجمع الله تعالى بينهما في الذكر الجميل!

البيضاوي: )وَٱجْعَل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلاْخِرِينَ(.جاهاً وحسن صيت في الدنيا يبقى أثره إلى يوم الدين، ولذلك ما من أمة إلّا وهم محبون له مثنون عليه، أو صادقاً من ذريتي يجدد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه وهو محمد9.

الآلوسي: ويحتمل أن يراد بالآخرين آخر أمة يبعث فيها نبـيٌّ، وأنه عليه السلام طلب الصيت الحسن والذكر الجميل فيهم ببعثة نبـيّ فيهم يجدد أصل دينه، ويدعو الناس إلى ما كان يدعوهم إليه من التوحيد معلماً لهم أنّ ذلك ملة إبراهيم7 فكأنه طلب بعثة نبـيّ كذلك في آخر الزمان لا تنسخ شريعته إلى يوم القيامة، وليس ذلك إلّا نبينا محمد9، وقد طلبا بعثته عليهما الصلاة والسلام بما هو أصرح مما ذكر أعني قوله: )وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ( . ولذا قال9: «أنا دعوة إبراهيم عليه السلام!».

فاستجاب الله عزَّ وجلَّ دعوة إبراهيم هذه، فبَعث رسول الله صلوات الله عليه وآله؛ ليواصل مسيرتهما؛ مسيرة إبراهيم وإسماعيل8 في الأمّة المسلمة، ويأخذ بها لما فيه هدايتها وصلاحها، باتباع ملّتهما، المنسوبة لإبراهيم7، والمعبّر عنها في التنزيل العزيز: ).. دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً .. (. وبين أيدينا الآيات القرآنيّة العديدة، التي تتحدّث عن ملّة إبراهيم والحنيفيّة، وتأمر باتباعها، وقد تمثّلت بآيات نكتفي منها بالآية، التي تحمل أمراً إلهيًّا للمبعوث رسولاً في وادي مكة، وفي تلك الذرية، وفي تلك الأمّة المسلمة الآتية بعدهما8 بزمنٍ طويل جدًّا،) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمـُشْرِكِينَ(.[61] وبالآية التي تُبيّن أن لا أحد أحسن اعتقاداً ولا أصوب طريقاً ولا أهدى سبيلاً: )مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً(. )وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً(.

أقول: وكان جميع هذا بركةً كلّه وعطاءً كلّه؛ ليس هناك أعظم منه أبداً، لأُمّة يُريدا لها أن تكون مستخلفة على دعوتهما8 في الأرض، متميّزةً بمناقب خاصة ومنهج هداية ربانيٍّ في الحياة كما وصفته الآيات المذكورة وأمثالها، منتظرةً قبوله تعالى ورضاه، وأجره في الآخرة![62]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى الحلقة الرابعة

 

[1]. سورة  البقرة : 128.

[2]. سورة الشعراء : 36.

[3]. سورة البقرة : 129 .

[4]. سورة الفرقان : 41 .    

[5]. سورة الجمعة : 2.  

[6]. إعراب القرآن الكريم وبيانه. محيي الدين آلدرويش، انظر معاجم اللغة، منها لسان العرب؛ مختار الصحاح للشيخ محمد بن أبي بكر الرازي: 23. المعجم الوسيط، قام بإخراجه إبراهيم مصطفى و..:62؛ تفسير البحر المحيط، أبو حيان؛ مفردات الراغب:  الآية؛ القاموس الفقهي لغةً واصطلاحاً، سعدي أبوجيب: 39.

[7]. سورة البقرة : 112.

[8]. سورة الزمر : 29 .

[9]. سورة إبراهيم: 35.

[10]. سورة البقرة : 126 .

[11]. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية (ت 546 هـ)، الآية : 128 سورة البقرة.

[12]. سورة البقرة : 129.

[13]. الميزان في تفسير القرآن للسيد العلامة الطباطبائي؛ التحرير والتنوير لابن عاشور؛ في ظلال القرآن لسيد قطب : الآية .

[14]. سورة البقرة : 124 .

[15]. سورة البقرة : 126.

[16]. سورة البقرة : 126.

[17]. سورة الإسراء : 20 .

[18]. سورة البقرة : 124.

[19]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (ت 774 هـ)؛ جامع البيان في تفسير القرآن، الطبري (ت310 هـ)؛ مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي (ت 548 هـ)؛ تفسير البحر المحيط، أبو حيان (ت754 هـ)؛ التحرير والتنوير لابن عاشور؛ في ظلال القرآن لسيد قطب.

[20]. سورة الأنفال : 24 .

[21]. انظر مقالتنا الأولى ) وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا(. في العدد 58 من هذه المجلة.

 

[22]. سورة الحجرات : 17 .

[23]. تفسير البحر المحيط، ابوحيان (ت754هـ)؛ مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني : 474.

[24]. انظر تفسير الدر المصون، السمين الحلبي (ت 756 هـ)؛ تفسير الكشاف، الزمخشـري (ت 538 هـ)؛ معجم القرءات، تأليف د. عبد اللطيف الخطيب 1 :615؛ سورة آل عمران ، الآية : 164.

[25]. سورة الزخرف : 44 .   

 

[26]. مجمع البيان للطبرسي؛ تفسير جامع البيان في تفسير القرآن، الطبري (ت310هـ)، تفسير الكشاف، الزمخشـري (ت 538هـ)، وأيضاً مجمع البيان للطبرسي، تفسير زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي (ت597هـ)، في ظلال القرآن لسيد قطب.

[27]. نهج البلاغة ، الخطبة، 192 : 373.

[28]. تفسير السعدي، الآية: 151البقرة.

[29]. 129 من سورة البقرة.

[30]. 151 من سورة البقرة.

[31]. سورة البقرة : 128.

[32]. سورة البقرة: 129.

[33]. سورة البقرة : 129.

[34]. سورة آل عمران : 164.

[35]. سورة الأنعام : 9.

[36]. سورة المزمل : 15.

[37]. البحر المحيط، أبوحيان؛ إعراب القرآن وبيانه، آلدرويش: الآية؛ جامع البيان في تفسير القرآن، الطبري (ت310هـ)؛ مفاتيح الغيب، التفسير الكبير، الرازي (ت606هـ) الآية: 151 البقرة؛ وأيضاً التحرير والتنوير لابن عاشور؛ في ظلال القرآن لسيد قطب، الآية: 151البقرة.

[38]. سورة الجمعة : 2ـ3 .

[39]. سورة الأنعام : 92 .

[40]. سورة الأعراف : 157 .

[41]. أضواء البيان في تفسير القرآن، الشنقيطي (ت1393هـ)، الآية؛ مجمع البيان للطبرسي؛ تفسير القرآن، علي بن ابراهيم القمي (ت القرن4هـ)؛ الصافي في تفسير كلام الله الوافي، الفيض الكاشاني (ت1090هـ)، الآية؛ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (ت671هـ)، الأعراف: 157، الجمعة 2ـ3؛ وانظر بعض روايات أهل  البيت: بهذا الخصوص «ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ» في البرهان في تفسير القرآن، هاشم الحسيني البحراني (ت1107هـ).

[42]. سورة إبراهيم: 35ـ36 .

[43]. الصافي في تفسير كلام الله الوافي، الفيض الكاشاني (ت1090هـ)؛ تفسير البرهان في تفسير القرآن، هاشم الحسيني البحراني (ت1107هـ)؛  الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السيوطي (ت911هـ) : الآية.

[44]. انظر التفاسير، منها: تفسير البحرالمحيط، ابوحيان (ت754هـ)؛ تفسير فتح القدير، الشوكاني (ت1250هـ)؛ زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي (ت597هـ)؛ التحرير والتنوير، ابن عاشور (ت1393هـ): الآية.

[45]. سورة الصف : 6 .

[46]. سورة الصف : 6 .

[47]. الكشاف للزمخشري؛ التبيان للشيخ الطوسي؛ مفاتيح الغيب، التفسير الكبيرللرازي؛ البحر المحيط، أبوحيان.

[48]. البحر المحيط، أبوحيان؛ نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، البقاعي (ت885هـ)؛ روح المعاني للآلوسي: الآية 164من سورة آل عمران؛ في ظلال القرآن، سيد قطب: الآية 128التوبة والآية 164آل عمران.

[49]. سورة البقرة : 125.

[50]. سورة الحج : 26 .

[51]. سورة الأعراف : 73 .

[52]. سورة يوسف : 87 .

[53]. تفسير المنار، محمد رشيد بن علي رضا (ت1354هـ)؛ البحر المحيط، أبوحيان: الآية.

[54]. سورة البقرة : 125.

[55]. تفسيرالبحر المحيط، أبوحيان (ت 754 هـ) : الآية، بتصرف وتلخيص.

[56]. سورة الشعراء : 84 .

[57]. سورة الشعراء : 84 .

[58]. سورة الشعراء : 84.

[59]. سورة الحج : 78 .

[60]. سورة الحجّ: 27 .

[61]. سورة الأنعام : 161 .

[62]. في ظلال القرآن لسيد قطب؛ مجمع البيان للطبرسي، الآية : 84 الشعراء؛ مفاتيح الغيب للرازي، الشعراء : 84، والبقرة : 129؛ تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل، البيضاوي (ت 685 هـ)؛ تفسير روح المعاني، الآلوسي(ت1270هـ)، الشعراء : 84 .