و أَرِنا منَاسكنَا (2)

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف


(...وَ أَرِنَا مَنَاسِکنَا...) (2)

محسن الأسدي.[1]

لعلّنا في هذه المقالة، نوفّق في دراسة آيات قرآنيّة، ذُكرت فيها مفردة النسك ومشتقاته، وبيان مدى علاقتها بالحجِّ والعمرة أحكاماً ومفاهيم وآداباً وتأريخاً..، بل تطلق في الأعم الأغلب على ما يتضمنه الحجُّ من شعائر وعبادات ومواقع، إن لم نقل قد اختصّت بها... وهو ما نريد الوقوف عنده في هذه المقالة بأكثر من حلقة إن شاء الله تعالى.

*  *  *

ما زلنا وعبر الحلقة الثانية نعيش قصة الدعاء الإبراهيمي الإسماعيلي الذي وقع في عمق التاريخ، قبل آلاف السنين، يوم أفاض الله عزَّ وجلَّ بركاته: (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)، بوادٍ جافٍّ قاحلٍ خالٍ من الحياة، لا يعرف له اسمٌ، ولا هناك مَن يرغب فيه فيقطنه .. ومن تلك البركات أنَّه: (عِندَ بَيْتِكَ الْـمُحَرَّمِ).

فكانت هذه العندية تضفي عليه حياةً، تتجلّى بأعظم مقوماتها، وخلوداً بأجمل الصور، فما أزكاها وأثمرها من حياة، انبثقت من ذلك البيت، فأفاضها القرب المبارك على هذا الوادي؛ ليخلد في النفوس حين راحت تهوي إليه أفئدةٌ من الناس وما زالت! فما أعظمه من قربٍ، وما أجلَّه من جوارٍ!

* * *

بدءًا بدعائهما8 ـ وقد ذكرناه في الحلقة السابقة ـ الذي تذوّقا به الإسلام وحلاوة مضامينه..: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ).

وخلاصته: أنَّ ابن عباس وفي قولٍ وابن عوف بن الأعرابي قرآ «مسلمِين» بصيغةِ الجمع. وروي هذا في الشواذ كما جاء عن الشيخ الطوسي1 في تبيانه.

وذكرنا أيضاً تأويلين لذلك: أحدُهما: أنهما أَجْرَيَا التثنية مجْرَى الجمعِ، وبه استدلَّ مَنْ يَجْعَلُ التثنيةَ جمعاً. والثاني: أنهما أرادا أنفسهما وأهلَهما كهاجر.

وأنَّ لهم في (مُسْلِمَيْنِ) أقوالاً:

وذكرنا بعضها، وكان منها قول الشيخ الطوسي1 ، وتبعه الطبرسي1 مضيفاً أنَّه: قيل: إنَّ معنى مسلمين موحدين مخلصين لك لا نعبد إلّا إياك ولا ندعو ربًّا سواك.

وقيل: قائمين بجميع شرائع الإسلام مطيعين لك؛ لأنَّ الإسلام هو الطاعة والانقياد والخضوع وترك الامتناع.

(مُسْلِمَيْنِ). مخلصين لك أوجهنا، من قوله: (...أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ...).[2] أو مستسلمين. يقال: أسلم له وسلم واستسلم، إذا خضع وأذعن. والمعنى زدنا إخلاصاً أو إذعاناً لك.

وقولهما: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ... )، يفيد الحصر بكلمة (لك) أي نكون مسلمين لك مخلصين لك، لا لغيرك، كذلك فيما تمنياه في دعائهما لبعض ذريتهما: (... وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)....

وهو ما سنؤخر الكلام عنه حتى نصل إلى: (...  مُّسْلِمَةً لَّكَ... ).[3]

ثمَّ إنهما بعد دعائهما لنفسيهما بالإسلام: (... رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ... ). لم يقفا عند هذا الدعاء، دون أن يواصلا دعاءهما أن تنال هذه الذرية؛ بعضها، ولأجيالها القادمة بالهداية والإسلام؛ فنعمة الإسلام، نعمة عظيمة ما كان لإبراهيم ولا إسماعيل إلّا أن يطلباها لذريتهما. فانصبَّ دعاؤهما إما للذرية جميعها وإما لبعض منها ـ على الاختلاف ـ أن تحظى بهذه النعمة الطيبة. فقالا: (... وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ... ). وهنا لابدَّ لي من وقفة عند (مِن) المذكورة في الآية: فمعرفة هذا الأمر يهمنا وينفعنا في الموقف اللغوي والنحوي فالعقدي من: (مِنْهُمْ). الواردة في الآية الآتية: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ... ).

وخصوصاً في دخولها على الضمائر، وقد دخلت، وذكرت في الكثير من الآيات القرآنيّة، حتى صارت ساحة نزاع علميّ بين العلماء، ومعركة للآراء قديماً وحديثاً، ويتّضح هذا النزاع والاختلاف جليًّا؛ خصوصاً في تفسيرهم للآية29من سورة الفتح. فهل هي في هذه الحالة بعضيّة أو بيانيّة؟ وبالتالي إن قلنا بالأولى فقد بعث (رَسُولاً) في (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ ... ). من قسم أو فريق خاص، وإن قلنا بالثانية فعندئذ تكون بعثته9 من جميعهم...!

و (مِن) وإن تعددت معانيها أو أقسامها، حرف جرٍّ تدخل على الأسماء والضمائر، ولكن يبدو أنَّ في دخول (مِن البيانية) على الضمائر خلافاً بينهم. نعم تدخل على الأسماء الظاهرة، هذا متفق عليه في الغالب ، وقد  استشهد عدد من المعنيين باللغة والنحو والتفسير بآيات قرآنيّة منها: (... فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ... ).[4]

وقوله تعالى: (يُـحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ).[5]

ولكن الذي يفيدنا هو في دخولها على الضمائر، وفي هذه الحالة أتفيد التبعيض دون التبيين، أو تفيدهما معاً، أو أنَّها بيانيّة؟

ففي (مِن) أقوال: أحدها: أنَّها للتبعيض. وعلامتها جواز الاستغناء عنها بـ (بعض)، ومجيئها للتبعيض كثير. والثاني: أنَّها للتبيين، أو بيانية للجنس. والثالث: أن تكون لابتداءِ غايةِ الجَعْل. والرابع: أنّها للتوكيد.

ولقد فصّل فيها المرادي المالكي (ت: 749هـ) فذكر أنَّ: مِن: حرف جرّ، يكون زائداً، وغير زائد، فغير الزائد له أربعة عشر معنى:

الأول: ابتداء الغاية. الثاني: التبعيض، نحو (منهم مَن كلم الله). وعلامتها: جواز الاستغناء عنها ببعض، ومجيئها للتبعض كثير. الثالث: بيان الجنس، نحو: (فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ). (وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ). قالوا: وعلامتها أن يحسن جعل الذي مكانها؛ لأنَّ المعنى: فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن. ومجيئها لبيان الجنس مشهور في كتب المعربين، وقال به قوم من المتقدمين والمتأخرين. وأنكره أكثر المغاربة، وقالوا: هي في قوله تعالى: (من الأوثان)، لابتداء الغاية وانتهائها؛ لأنَّ الرجس ليس هو ذاتها، فمن في الآية كمن في نحو: أخذته من التابوت. وأما قوله: من سندس، ففي موضع الصفة، فهي للتبعيض.[6]

أما ابن هشام (ت761هـ) في المغني، فيذكر أنَّ (مِن)، تأتى على خمسة عشـر وجهاً:.. الثاني: التبعيض، نحو: (مِنْهُمْ مَّن كَلَّمَ اللهُ).[7] وعلامتها إمكان سدّ بعض مسدّها، كقراءة ابن مسعود (حتى تنفقوا بعض ما تحبون). الثالث: بيان الجنس، وكثيراً ما تقع بعد ما ومهما، وهما بها أولى؛ لافراط إبهامهما نحو: (مَّا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا).[8]

(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَـةٍ...).[9] (...مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَـةٍ...).[10] وهي ومخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال. ومن وقوعها بعد غيرهما:( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ)....[11]

الشاهد في غير الأولى فإن تلك للابتداء، وقيل: زائدة. ونحو: (فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ).[12]

وأنكر مجيئ (مِن) لبيان الجنس قوم، وقالوا: هي في (مِن ذَهَبٍ) و (مِّن سُنْدُسٍ)، للتبعيض، وفي (مِنَ الأَوْثَانِ) للابتداء، والمعنى فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو عبادتها، وهذا تكلف.

ولكنه لم يقف عند عرضه المسألة العلميّة اللغويّة، بل نقل عما فى كتاب المصاحف لابن الأنباري (ت328هـ): أنَّ بعض الزنادقة تمسّك بقوله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً).[13] في الطعن على بعض الصحابة؛ والحقّ أنَّ (مِن) فيها للتبيين لا للتبعيض، أي الذين آمنوا هم هؤلاء ومثله: (الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ للهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).[14] وكلّهم محسن ومتّق. (وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

فالمقول فيهم ذلك كلّهم كفار.[15]

أقول : ولا أدري لماذا وصف ابن الأنباري هذا الفريق بالزندقة، على ما حكاه ابن هشام عنه، ولم يفعل الفريق المذكور شيئاً، إلّا أنَّه تمسّك بما ذكرتم من شروط عمل (مِن البيانية) لاغير. وهو ليس طعناً بقدر ما هو تمسّك بقيد عملها، فأخذ هذا التمسك به إلى أنَّ (مِن) في مِنْهُم، في الآية: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً). ليست بيانيّة بل هي بعضيّة، وبالتالي فإنَّ بعضهم صالح لنيل هذه المغفرة والأجر العظيم، وهم: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ  مِنْهُم).

وبعضهم غير صالح لهذا، فالموعود بالمغفرة بعضهم دون كلّهم. فيما ذهب آخرون إلى كونها بيانيّة، وبالتالي تشملهم جميعاً بلا استثناء، ولكلٍّ من  المتخاصمين دليل يركن إليه...

هذا ومادام الاختلاف في دائرة الدليل ، وحيثما مال نميل كما يُقال ،  فلا ضير ،   نعم اعطاء الرأي أو الالتزام بقول وموقف بلا حجّة ولا برهان ، يعدُّ  اتباعاً للهوى، وكذا  محاولة جعل الدليل تابعاً للموقف وتسخيره للآراء ، بمعنى أن يكون الدليل تابعاً لنا بدل أن نكون تابعين له ،  هو الذي يشكل خطورةً وضرراً بالغاً على البحث العلمي النزيه ، وهو موقف باطل قطعاً ، وباطل ما يترتب عليه ...!

هذا وأنَّ ذلك يتضح جليلاً بين أهل التفسير في (مِنْهُم) الواردة في الوعد الإلهي الذي ذكرته الآية 29من سورة الفتح: (وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).

وسورة الفتح نزلت في السنة السادسة من الهجرة النبويّة بين مكة والمدينة عند مرجعه9 ومن معه من المسلمين من الحديبية، أي عقب صلح الحديبية.[16]

فمن جعلها بيانية لا تبعيضية، ذهب إلى شمولها لمطلق الصحابة ـ ووسعوا  ذلك لتشمل حتى مَن لم يكن في الحديبية، ووفّق للإسلام بعدها، ولمن جاء بعدهم إن اقتفى أثرهم، أي التابعين ـ مدحاً لهم، ووعداً لهم جميعاً بالمغفرة والأجر العظيم، دون النظر إلى شرطية بقاء الإيمان والعمل الصالح واستمرارهما...، واتخذوها دليلاً على عدالتهم جميعاً، وعدم جواز التعرّض لهم حتى بالنقد فضلاً عن غيره؛ لوجوب احترامهم وتوقيرهم وتعظيمهم والثناء عليهم...!

وهذا الفريق استدل بدخول (مِن) البيانية على الأسماء، وهو أمر مفروغ منه، وكلامنا في جواز دخولها على الضمائر بالقيود التي ذكرها ابن هشام، ومن قبله ابن أُمّ قاسم المرادي.

ويبدو من أهل التفسير أنَّه لا فرق عندهم بين دخولها على الأسماء أو الضمائر،  أو أنَّ هناك تقارباً بين كلٍّ من البيانية والبعضية، يصعب التفريق بينهما إلّا بجهد، أو لمعنى خفي، أو للسياق... أو أنَّ للموقف من (عدالة عموم الصحابة) أثراً ضاغطاً على بعض المفسرين لاختيار إحداهما على الأُخرى...

الزمخشري: ومعنى (مِنْهُم) البيان، كقوله تعالى:(فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الاْوْثَانِ).

ابن كثير: مِن هذه لبيان الجنس (مَغْفِرَةً) أي لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) أي ثواباًجزيلاً ورزقاً. ووعد الله حقٌّ وصدق لا يخلف ولا يبدل، وكلّ من اقتفى أثر الصحابة، فهو في حكمهم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمّة...

القرطبي في الرابعة: قوله تعالى: (وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ آمَنُواْ)، أي وعد الله هؤلاء الذين مع محمد، وهم المؤمنون الذين أعمالهم صالحة (مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)، أي ثواباً لا ينقطع وهو الجنة. وليست (مِن) في قوله: (منهم) مبعّضة لقوم من الصحابة دون قوم، ولكنها عامة مجنّسة، مثل قوله تعالى: (فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ). لا يقصد للتبعيض، لكنه يذهب إلى الجنس، أي فاجتنبوا الرجس من جنس الأوثان، إذ كان الرجس يقع من أجناس شتَّى، منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب، فأدخل (مِن) يفيد بها الجنس وكذا (منهم)، أي من هذا الجنس، يعني جنس الصحابة. ويقال: أنفق نفقتك من الدراهم، أي اجعل نفقتك هذا الجنس. وقد يخصص أصحاب محمد9 بوعد المغفرة تفضيلاً لهم، وإن وعد الله جميع المؤمنين المغفرة.

وفي الآية جواب آخر: وهو أنَّ (من) مؤكدة للكلام، والمعنى وعدهم الله كلَّهم مغفرة وأجراً عظيماً. فجرى مجرى قول العربي: قطعت من الثوب قميصاً يريد قطعت الثوب كلّه قميصاً. و (من) لم يبعض شيئاً. وشاهد هذا من القرآن (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ).[17]

معناه وننزل القرآن شفاء؛ لأنَّ كلّ حرف منه يشفي، وليس الشفاء مختصًّا به بعضه دون بعض. على أنّ من اللغويين من يقول: (من) مجنسة تقديرها ننزل الشفاء من جنس القرآن، ومن جهة القرآن، ومن ناحية القرآن.

قال زهير: أمن أمّ أوْفَى دِمْنَةٌ  لم تَكَلَّم، أراد من ناحية أمّ أَوْفَى دِمْنَةٌ، أم من منازلها دِمْنَة.

وقال الآخر: أخُو رغائبَ يعطيها ويسألها* يأبى الظُّلامةَ منه النَّوْفَلُ الزُّفَرُ.

فـ(من) لم تُبَعِّض شيئاً، إذ كان المقصد يأبى الظلامة؛ لأنه نَوْفَلٌ زُفَرُ. والنَّوْفَل: الكثير العطاء. والزُّفَر: حامل الأثقال والمؤن عن الناس.

وقد سبقه ابن عطية في هذا، حيث يقول: (منهم) هي لبيان الجنس وليست للتبعيض؛ لأنه وعد مرجٍ للجميع.

وأما أبوحيان فقد استشهد بقول ابن عطية : وقوله منهم، لبيان الجنس وليست للتبعيض؛ لأنَّه وعد مدح للجميع. (وفي الأصل مرجٍّ) بعد أن ذكر التالي: ومعنى: (منهم): للبيان، كقوله تعالى: (فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ).

وإلى هذا  ذهب غيرهم كالسمين الحلبي القائل: قوله: (مِنْهم)،(مِنْ) هذه للبيانِ لا للتبعيضِ...

والغرناطي ابن جزى: (مِنْهُم) لبيان الجنس لا للتبعيض؛ لأنه وعد عمَّ جميعهم...[18]

فيما الذي جعلها تبعيضية، ذهب إلى أنَّها تخصُّ مَن أقام منهم على الإيمان والعمل الصالح...

وهو ما  ذكره الزجاج  في الوجه الثاني لها:.. والوجه الثاني أن يكون المعنى وعد الله الذين أقاموا منهم على الإيمَانِ والعمل الصالح مَغْفِرةً وأجراً عظيماً.

واكتفى ابن الجوزي بهما.

وكذا قاله الطبرسي: أي وعد من أقام على الإيمان والطاعة (منهم مغفرة)، أي ستراً على ذنوبهم الماضية (وأجراً عظيماً)، أي ثواباً جزيلاً دائماً.

أما السيد العلّامة في ميزانه: فله كلام مفصل و ردود لأدلة أقوال جعلتها بيانية، نكتفي منه بهذه الخلاصة: وقوله: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً). ضمير (منهم) للذين معه، و (مِن) للتبعيض على ما هو الظاهر المتبادر من مثل هذا النظم، ويفيد الكلام اشتراط المغفرة والأجر العظيم بالإِيمان حدوثاً وبقاءً وعمل الصالحات، فلو كان منهم من لم يؤمن أصلاً كالمنافقين الذين لم يعرفوا بالنفاق كما يشير إليه قوله تعالى:(وَمِنْ أَهْلِ الـْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)،[19] أو آمن أولاً ثم أشرك وكفر كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْـهُدَى)...، إلى أن قال: (وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ).[20] أو آمن ولم يعمل الصالحات كما يستفاد من آيات الإِفك وآية التبيّن في نبإ الفاسق وأمثال ذلك، لم يشمله وعد المغفرة والأجر العظيم...

وقيل: إنَّ (مِن)، في الآية بيانية لا تبعيضية، فتفيد شمول الوعد لجميع الذين معه. ويردُّ السيد هذا القيل بقوله: وهو مدفوع ـ كما قيل ـ بأنَّ (مِن) البيانية لا تدخل على الضمير مطلقاً في كلامهم، والاستشهاد لذلك بقوله تعالى: (لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ).[21] مبني على إرجاع ضمير تزيلوا إلى المؤمنين وضمير (منهم) للذين كفروا، وقد تقدم في تفسير الآية أنَّ الضميرين جميعاً راجعان إلى مجموع المؤمنين والكافرين من أهل مكة فتكون (مِن) تبعيضية لا بيانية...

وتبعه في هذا الشيخ جعفر السبحاني ، وله أيضاً كلام مفصل وردود، يبدؤها بأنَّ كلمة (منهم) تعرب عن أنَّ المغفرة لا تعمّ جميع الأصحاب، بل هي مختصة بطائفة دون أخرى. وما ربما يقال من أنَّ (من) بيانية لا تبعيضية غير تام؛ لأنَّ من البيانية لا تدخل على الضمير، ويؤيد ذلك قوله تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْمـَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)....[22]

والحاصل: إنه لا يمكن القول بشمول أدلة المغفرة والأجر العظيم لقاطبة من أصحاب النبيّ9 مع أنهم على أصناف شتى...

الشيخ مكارم: ويضيف القرآن مختتماً بهذه الآية المباركة: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)، بديهي أنّ أوصاف أصحاب النبيّ9 التي وردت في بداية الآية محل البحث جمعت فيها الإيمان والعمل الصالح، فتكرار هذين الوصفين إشارة إلى استمرارهما وديمومتهما؛ أي أنَّ الله وعد أولئك الذين بقوا على نهجهم من أصحاب محمد9 واستمروا بالإيمان والعمل الصالح، وإلّا فإنَّ مَن كان يوماً مع النبيّ9 ويوماً آخر مع سواه وعلى خلاف طريقته، فلا يشملون بهذا الوعد أبداً،
والتعبير بـ : (مِنْهُم) مع الالتفات إلى هذه المسألة، وهي أنَّ الأصل في كلمة (مِنْ) في مثل هذه الموارد التبعيض، وظاهر الآية يعطي هذا المعنى أيضاً، وهذا التعبير يدل على أنَّ أصحاب النبيّ9 ينقسمون قسمين ـ فطائفة منهم ـ يواصلون إيمانهم وعملهم الصالح وتشملهم رحمة الله الواسعة وأجره العظيم، وطائفة يحيدون عن نهجه فيحرمون من هذا الفيض العظيم. وليس معلوماً السبب في إصرار بعض المفسرين على أنَّ (مِنْ) في كلمة ( مِنْهُم)  بيانية حتماً، في حين لو ارتكبنا خلاف الظاهر، وقلنا: إنَّ (مِنْ)  هنا بيانية، فكيف يمكن أن ندع القرائن العقلية هنا، فلا أحد يدعي أبداً أنَّ جميع أصحاب النبيّ9 معصومون، وفي هذه الصورة يزول احتمال أنَّ كلّ واحد منهم بقي على عمله الصالح وإيمانه، ومع هذه الحال، فكيف يعدهم الله بالمغفرة والأجر العظيم دون قيد وشرط سواء عملوا الصالحات في طول مسيرتهم، أو أن يعملوا الصالحات في وقت، ثم ينحرفوا من منتصف الطريق...[23]

إذن فالفريق الرافض لبيانيتها يذهب إلى أنَّها لا تدخل على الضمائر مطلقاً، وإن دخلت فهي تبعيضية، ويؤيد هذا عدم ورود (ما) أو (مهما) في السياق، وهذا يرجح أن لا تكون ((مِنْ)) بيانية.

أقول: ويا ليت مَن ذهب إلى الإطلاق في قوله: مِن البيانية لا تدخل على الضمير مطلقاً، دلَّنا  على المصدر اللغوي أو النحوي الذي يقول بهذا الإطلاق، أو أشار إلى مَن يذكر شروط وصفها بالبيانيّة! وجنبنا عناء البحث! فلقد تابعتُ ما تيسر لي من مصادر اللغة فلم أوفق لذلك! وكلُّ ما ذكره ابن هشام عنها هو:.. وكثيراً ما تقع بعد ما ومهما، وهما بها أولى لافراط إبهامهما... وابن أُمّ قاسم المرادي، وهو ما ذكرناه أعلاه.

وثالث جوّز أو ذكر الاثنين: الشيخ الطوسي: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوُا) يعني من عرف الله ووحده وأخلص العبادة له وآمن بالنبيّ9 وصدقه (وَعَمِلُوا) مع ذلك الأعمال (الّصَالِـحَاتِ مِنهُم).

قيل: إنه بيان يخصّهم بالوعد دون غيرهم.

وقيل: يجوز أن يكون ذلك شرطاً فيمن أقام على ذلك منهم؛ لأنَّ من خرج عن هذه الأوصاف بالمعاصي، فلا يتناوله هذا الوعد (مَغفِرَةً)، أي ستراً على ذنوبهم الماضية (وأجراً) أي ثواباً (عظيماً) يوم القيامة. فيما لم يذهب الشيخ إلى التبعيضيّة في تفسيره (مِنْهُمْ) في الآية: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ).[24] بل إلى أنَّ قوله: مِنْهُمْ، معناه تبيين الصفة لا التبعيض.

وكذا ذهب الميرزا محمد المشهدي في تفسيره لهذه الآية إلى البيانية حيث يقول: (لِلَّذيِنَ أحسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوا أجرٌ عَظيِمٌ)، بجملته، و (مِنْ) للبيان، والمقصود من ذكر الوصفين، المدح والتعليل، لا التقييد، لأنَّ المستجيبين كلّهم محسنون متقون.[25]

القشيري: قوله: (مِنْهُمْ) للجنس، أو للذين ختم لهم منهم بالإيمان.[26]

أقول: (للذين ختم لهم منهم بالإيمان) هو التبعيض بعينه، أي الذي لم يبدل إيمانه حتى نال حسن العاقبة.

الطنطاوي: (من) في قوله: (مِنْهُم) الراجح أنها للبيان والتفسير، كما فى قوله  تعالى:  (فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ). أى وعد الله تعالى بفضله وإحسانه، الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وهم أهل بيعة الرضوان، ومن كان على شاكلتهم فى قوة الإِيمان... وعدهم جميعاً مغفرة لذنوبهم، وأجراً عظيماً لا يعلم مقداره إلّا هو سبحانه. ثمَّ يقول: ويجوز أن تكون من هنا للتبعيض، لكى يخرج من هؤلاء الموعودين بالمغفرة والأجر العظيم أولئك الذين أظهروا الإِسلام وأخفوا الكفر، وهم المنافقون الذين أبوا مبايعة الرسول9 وأبوا الخروج معه للجهاد، والذين من صفاتهم أنهم كانوا: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ).[27]

أما الرازي:  فيأتي بتأويل آخر للقول المحتمل أنَّها للتبعيض، فبعد أن يذكر أنَّ الآية: وعد ليغيظ بهم الكفار، يقال رغماً لأنفك أنعم عليه. يقول في  قوله تعالى: (مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)، لبيان الجنس لا للتبعيض، ويحتمل أن يقال هو للتبعيض، ومعناه: ليغيظ الكفار والذين آمنوا من الكفار لهم الأجر العظيم، والعظيم...

ابن عاشور: قال بجواز البيانية، وبالتبعيضية ولكنها أتت تحذيراً حيث يقول: أعقب تنويه شأنهم والثناء عليهم بوعدهم بالجزاء على ما اتصفوا به من الصفات التي لها الأثر المتين في نشر ونصر هذا الدين، وقوله منهم يجوز أن تكون من للبيان كقوله: (فَاجتَنِـبُوا الرِّجسَ مِنَ الأوثَانِ). وهو استعمال كثير، ويجوز إبقاؤه على ظاهر المعنى من التبعيض؛ لأنه وعد لكلّ من يكون مع النبيّ9 في الحاضر والمستقبل،  فيكون ذكر مِن تحذيراً وهو لا ينافي المغفرة لجميعهم؛ لأنَّ جميعهم آمنوا وعملوا الصالحات وأصحاب الرسول9 هم خيرة المؤمنين.[28]

بعد هذه الوقفة، نعود إلى دعاء هذين النبيين الكريمين: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)، وبالذات عند: ...( وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)...، والذي يقول عنه سيد قطب: إنه رجاء العون من ربهما في الهداية إلى الإسلام، ... وأنَّ الهدى هداه، وأنه لا حول لهما ولا قوة إلّا بالله، فهما يتجهان ويرغبان، والله المستعان. ثم هو طابع الأمة المسلمة.. التضامن.. تضامن الأجيال في العقيدة: (وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ). وهي دعوة تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن. إنَّ أمر العقيدة هو شغله الشاغل، وهو همّه الأول. وشعور إبراهيم وإسماعيل8 ـ بقيمة النعمة التي أسبغها الله عليهما.. نعمة الإيمان.. تدفعهما إلى الحرص عليها في عقبهما، وإلى دعاء الله ربّهما ألّا يحرم ذريتهما هذا الإنعام الذي لا يكافئه إنعام.. لقد دعوا الله ربّهما أن يرزق ذريتهما من الثمرات، ولم ينسيا أن يدعواه ليرزقهم من الإيمان، وأن يريهم جميعاً مناسكهم، ويبين لهم عباداتهم، وأن يتوب عليهم. بما أنه هو التواب الرحيم. ثم ألّا يتركهم بلا هداية في أجيالهم البعيدة.[29]

وقبل الكلام عَن و مِن، في دعائهما8، نقف قليلاً عند الذرية لغةً: جذرها: ذرأ... والذريّة: الخلق والنسل مأخوذة من الذّرء، ذرأ اللهُ الخلق: خلقهم. وذرية الرجل: وَلدهُ، نَسْلُهُ ذكوراً وإناثاً. وفي قول: الذرية أصلها الصغار من الأولاد وإن كان قد يقع على الصغار والكبار معاً في التعارف، ويستعمل للواحد والجمع وأصله الجمع. وقيل: مأخوذ من الذّرّ وهو: النشر، فيُقال: ذَرّ الشيء يَذرُّه: أي نشره. وقيل: أصله من الذّرّ، أي صغار النمل؛ لأنَّ الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذّرّ، وجمعها:  ذُريَّات وذَراريّ. وهي أي الذرية تُعدُّ الامتداد الطبيعي الذي يتمنّاه كلُّ إنسان، وهي إما ذريّة طيبة صالحة تقرُّ بها العيون، وتستريح بها القلوب! وإما غير ذلك... وقد جاءت في العديد من آيات التنزيل العزيز، من ذلك: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا).[30] (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً).[31] (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[32]    

وكذا الذرية التي تناسلت، بعد أن وضعت هاجر وابنها الرضيع إسماعيل8 في ذلك الوادي، حين أسكنهما الأب إبراهيم7 فيه، كما جاء في دعائه7 أسكنه من ذريته بجوار البيت المحرم، ولمن يأتي منهم، وبعدهم كما عبّر التنزيل العزيز: (مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ) (لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ)، (رَّبَّنَآ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْـمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).[33](رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ) .[34] وهكذا هو في دعائه الآخر أن يجعله لا هو فقط مديماً للصلاة، بل ومن ذريته من يديمها ويؤديها كاملةً على أصولها!

وإلّا فهناك أهداف أُخرى ووظائف للذين يأتون هذه الديار المقدّسة ومعالمها،  تحدّث عنها التنزيل العزيز، وكان منها: (لِيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأَنـعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ*  ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).[35]

ولمعرفة أنَّ (مِن) المذكورة في الآية: (وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)، أهي بيانية أم تبعيضية؟ ولماذا خصّا بعض الذرية دون بعض آخر؟ ومَن هي الأُمّة المسلمة في هذه الآية؟

ولأهمية هذه الأسئلة، وضرورة معرفة الأمّة المسلمة بالذات؛ لكون رسول الله9 سيُبعث منها، نضيف هنا أقوالاً أُخر  على ما ذكرناه من أجوبة بعض المفسرين عن هذه الأسئلة في الحلقة السابقة، تحت عنوان: (مِن البعضيّة) بعد أن نذكر من يجيز الحالتين (لمِن) زيادةً في الفائدة.

وقبل هذا نُشير إلى أنَّ نبيَّ الله إبراهيم7، وكما عوّدنا عليه في أدعيته، ما من وظيفة تكلّفه بها السماء، أو فضيلة ومنقبة، منحتها له، أو دعا بها لنفسه، إلّا وتمنّاها لبعض ذريته؛ ليتواصل منهج الله سبحانه وتعالى في الأرض، ويستمر تكليف السماء، وتبليغ الإسلام الذي أراداه من الله تعالى لنفسيهما ولذريتهما بين الناس؛ من ذرية واعية صالحة إلى ذرية مثلها؛ ومن أُمّة طيبة إلى أُخرى مثلها؛ ليستمر الإسلام الذي ينشدانه عبر (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ). عبر سلسلة طهر متواصلة إيماناً بالله تعالى وإخلاصاً وتبليغاً لشرائعه... وأما  أجوبة التخصيص، فمنها  أنَّ (مِن)، في الآية تأتي للتبعيض، أي أنَّ بعض الذرية خُصّت دون بعض آخر؛ لأنَّه تعالى أعلم إبراهيم7 بأنَّ من ذريته ظلَمة... بدليل آية الإمامة: (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).[36]

وبدليل الواقع أنَّ الذرية ليست خالصةً مما قد يعلق بها من شوائب، بل وانحرافات وابتعاد عن الأخلاق السليمة والقيم الحسنة، فهي بين محمود السيرة ومذمومها...

الطبري يقول: وأما قوله: (وَمِنْ ذَرّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِـمَةً لَكَ)، فإنهما خَصَّا بذلك بعض الذرية؛ لأنَّ الله تعالـى ذكره قد كان أعلـم إبراهيـم خـلـيـله7 قبل مسألته هذه أنَّ من ذرّيته مَن لا ينال عهده لظلـمه وفجوره، فخصّا بـالدعوة بعض ذرّيتهما.

وهو ما ذهب إليه الطبرسي أيضاً بقوله: وإنما خصَّا بعضهم؛ لأنه تعالى أعلم إبراهيم7 أنَّ في ذريته من لا ينال عهدُه الظالمين لما يرتكبه من الظلم.

أو أنَّه خصّهم بالذكر في دعائه7؛ لأنهم أحقّ بالشفقة والنصيحة... وهو ما ذهب إليه الزمخشري في جوابه لإن قلت:  لِمَ خصّا ذرّيتهما بالدعاء؟ قلت: لأنهم أحقّ بالشفقة والنصيحة. (قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً).[37] ولأنّ أولاد الأنبياء إذا صلحوا، صلح بهم غيرهم وشايعوهم على الخير، ألا ترى أنَّ المقدّمين من العلماء والكبراء إذا كانوا على السداد، كيف يتسببون لسداد مَن وراءهم؟... وهو قبل كلامه هذا ذكر أنَّ (وَمِن ذُرّيَّتِنَا)، واجعل من ذرّيتنا (أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)، و (مِن) للتبعيض أو للتبيين، كقوله: (وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ). حيث ذكر في هذه الآية: الخطاب لرسول الله9 ولمن معه. ومنكم للبيان، كالتي في آخر سورة الفتح، وعدهم الله أن ينصـر الإسلام على الكفر، ويورّثهم الأرض، ويجعلهم فيها خلفاء، كما فعل ببني إسرائيل، حين أورثهم مصر والشام بعد إهلاك الجبابرة، وأن يمكن الدين المرتضى وهو دين الإسلام...

وكذا النسفي ذهب إلى ما ذكره الزمخشري.

يذكر الرازي: أنه تعالى لما أعلم إبراهيم7 أنَّ في ذريته من يكون ظالماً عاصياً، لا جرم سأل ههنا أن يجعل بعض ذريته أمة مسلمة، ثم طلب منه أن يوفق أولئك العصاة المذنبين للتوبة؛ فقال: وَتُبْ عَلَيْنَا، أي على المذنبين من ذريتنا، والأب المشفق على ولده إذا أذنب ولده، فاعتذر الوالد عنه، فقد يقول: أجرمت وعصيت وأذنبت فاقبل عذري، ويكون مراده: إن ولدي أذنب فاقبل عذره؛ لأنَّ ولد الإنسان يجري مجرى نفسه، والذي يقوي هذا التأويل وجوه:

 نكتفي نحن منها بالوجه الأول: ما حكى الله تعالى في سورة إبراهيم أنه قال: (وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأًصْنَامَ رَّبّ إِنَّهُمْ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).[38] فيحتمل أن يكون المعنى: ومَن عصاني، فإنك قادر على أن تتوب عليه إن تاب، وتغفر له ما سلف من ذنوبه.

أبو حيان: (وَمِن ذُرِّيَتِنَا أمَّةً مُسلِمَةً لَكَ)، لما تقدّم الجواب له بقوله: (لَا يَنَالُ عَهدِي الظَّالمِينَ)، علم أن من ذريتهما الظالم وغير الظالم، فدعا هنا بالتبعيض لا بالتعميم ، فقال: (وَمِن ذُرِّيَتِنَا)، وخصّ ذريته بالدعاء للشفقة والحنوّ عليهم، ولأنَّ في صلاح نسل الصالحين نفعاً كثيراً لمتبعهم، إذ يكونون سبباً لصلاح مَن وراءهم.

والنسفي: وإنما خصّا بالدعاء ذريتهما؛ لأنهم أولى بالشفقة كقوله تعالى: (قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً).

وكذا قاله الآلوسي:.. وإنما خصّا الذرية بالدعاء؛ لأنهم أحقُّ بالشفقة... ولأنهم أولاد الأنبياء، وبصلاحهم صلاح كلّ الناس، فكان الاهتمام بصلاحهم أكثر، وخصّا البعض لما علما من قوله سبحانه: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّـالِمِينَ)... (مِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَـالِمٌ  لّنَفْسِهِ).[39] ... وأنَّ الحكمة الإلهية تستدعي الانقسام، إذ لولاه ما دارت أفلاك السماء، ولا كان ما كان من أملاك السماء.

ابن عاشور: وقوله تعالى: ( وَمِن ذُرِّيَتِنَا أمَّةً مُسلِمَةً لَكَ)، يتعين أن يكون (مِن ذُرِّيَتِنَا) و(مسلِمَةً) معمولين لفعل (وَاجعَلنَا) بطريق العطف، وهذا دعاء ببقاء دينهما في ذريتهما، و(مِن) في قوله تعالى: (وَمِن ذُرِّيَتِنَا) للتبعيض، وإنما سألا ذلك لبعض الذرية جمعاً بين الحرص على حصول الفضيلة للذرية وبين الأدب في الدعاء؛ لأنَّ نبوءة إبراهيم7 تقتضي علمه بأنه ستكون ذريته أمماً كثيرة، وأنَّ حكمة الله في هذا العالم جرت على أنه لا يخلو من اشتماله على الأخيار والأشرار، فدعا الله بالممكن عادة، وهذا من أدب الدعاء... ونظيره في قوله تعالى: (قَالَ وَمِن ذُرِّيَتِي). ومن هنا ابتدىء التعريض بالمشركين الذين أعرضوا عن التوحيد واتبعوا الشـرك، والتمهيد لشـرف الدين المحمدي.

بعد هذا نلخص ما يقوله بعض عن هذه الذريّة التي صارت شعوباً وقبائل...

ابن إسحاق: فمن عدنان تفرقت القبائل من ولد إسماعيل بن إبراهيم8، فولد عدنان رجلين معد بن عدنان، وعك بن عدنان...

وعن ابن هشام:.. فالعرب كلّها من ولد إسماعيل وقحطان، وبعض أهل اليمن يقول: قحطان من ولد إسماعيل، ويقول: إسماعيل أبو العرب كلّها...

ابن جزى الغرناطي:.. والضمير المجرور لذرية إبراهيم وإسماعيل؛ وهم العرب الذين من نسل عدنان. وأما الذين من قحطان، فاختلف هل هم من ذرية إسماعيل أم لا...[40]

وأما عن السؤال الثالث: ومَن هي الأُمّة المسلمة في هذه الآية: (أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)؟ وهو أمر مهم جدًّا أنَّ نتعرّف على هذه الأمة المسلمة التي يكون إسلامها خالصاً لله تعالى، المنبثقة من ذريتهم ، فهي التي يُبعث فيها ومنها ذلك الرسول الذي دعا له كلٌّ من إبراهيم وإسماعيل8.

وكما حدثنا التفسير والتاريخ، فلعلّها قريش، وهي التي ترجع بأُصولها وأنسابها إلى إسماعيل فإبراهيم8، وتستمد وجودها وقوامها منهما وتشرفها بما ورثته منهما: قوامة البيت وعمارته، وبه حظيت فضلاً وشرفاً ووجاهةً ورفعةً ومنزلةً بين مَن حولها من أقوام وقبائل، كان لها  هذا بعد أن أسكنها قصي بن كلاب بدلاً من قبيلة خزاعة، التي أخرجها وآخرين من مكة، وصارت قريش قسمين؛ قريش البطاح الذين سكنوا حول البيت؛ الأبطح أو بطحاء الحرم. ولأنَّهم سكنوا بطن مكة بين أخشبيها، يُطلق عليهم: قريش البواطن. تُقابلهم قريش الظواهر، وهم الذين يسكنون ظواهر مكة بأمر من قصي الذي لم يأذن لهم بدخول أبطح مكة، هذا حسب سكنها، أما بحسب نسبها فهي بطون عديدة...[41]

أو هي الأمّة المسلمة كما هو ظاهر الدعاء التي بقيت على دين إبراهيم7 وشريعته وملّته كما في آيات، منها: (... دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا...). ولعلّ منهم الحنفاء وهو ما يدفعنا للحديث ولو قليلاً عنهم، عاشوا في الجاهلية، وفي الجاهلية المتصلة بالإسلام، ومنهم من أدرك الرسول9، وهم من قبائل شتى، جَمَعَهُم رفضُهم لتعدد الآلهة، واكتفاؤهم بالإيمان بإله واحد، لا رادّ لأمره، وهو الخالق البارئ الرازق المحيي المميت..، وإيمانهم  باليوم الآخر، ونبذ عبادة الأوثان، وكلّ ما يدعو للشرك.. والتزامهم بالحجّ ومناسكه وتعظيم الكعبة، وكُرههم للخمر وشربها، وامتناعهم عن أكل المَيْتَةِ والدِّمِ والذبائح التي تذبح لغير الله.. فهم على شريعة إبراهيم7، وهناك من يقول: إنَّ منهم من اعتنق النصرانيّة دون اليهوديّة، لكون الأولى ديانة منفتحة تبشيريّة، فيما الثانية مغلقة على نفسها، فليست تبشيريّة، وتشترط على من ينتسب إليها أن تكون أُمُّه يهودّية بالرتبة السابقة..

وقد أدخل المسعودي بعض الأحناف في جماعة أهل الفترة ممن كانوا  بين المسيح ومحمد، ومن أهل التوحيد، ممن يقر بالبعث. ثمَّ قال: وقد اختلف الناس فيهم، فمن الناس من رأى أنهم أنبياء، ومنهم من رأى غير ذلك. فالأحناف هم الذين نبذوا عبادة الأصنام في الجاهلية، و وحدوا الله تعالى، بعد البحث والجدّ والاجتهاد، فكانوا من أتباع ملّة إبراهيم حنيفاً، ففارقوا في موقفهم هذا ما عليه قومهم.. و زيد بن عمرو بن نفيل، كان واحداً ممن ضمّهم اجتماع لقريش يوماً في عيد لهم عند صنم من أصنامهم، كانوا يعظمونه وينحرون له، ويعكفون عنده، ويدورون به، وكان ذلك عيداً لهم في كلّ سنة يوماً، فخلص منهم أربعة نفر نجيا، ثم قال بعضهم لبعض: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، قالوا: أجل. وهم: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، و أُمّه أميمة بنت عبد المطلب، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل.

فقال بعضهم لبعض: تعلَّموا والله ما قومكم على شيء! لقد أخطئوا دينَ أبيهم إبراهيم. ما حجر نُطيف به، لا يسمع ولا يُبصر ولا يضرّ ولا ينفع! يا قوم، التمسوا لأنفسكم ديناً، فإنكم والله ما أنتم على شيء. فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية، دين إبراهيم... ومما قاله زيد بن عمرو بن نفيل في فراق قومه..:

أربَّا واحداً أم ألف ربٍّ

أدين إذا تُقسمت الامورُ

عزلتُ اللات والعزى جميعاً

كذلك يفعل الجلد الصبورُ

فلا العُزى أدين ولا ابنتيها

ولا صنمي بني عمرو أزورُ

ولا هُبلاً  أدين وكان ربَّاً

لنا في في الدهر إذ حلمي يسيرُ

ولكن أعبد الرحمن ربّي

ليغفر ذنبي الربُّ الغفورُ

فتقوى الله ربّكم احفظوها

متى ما تحفظوها لا تبوروا

ترى الأبرار دارهم جِنان

وللكفّار حامية سعيرُ

وخزي في الحياة وأن يموتوا

يلاقوا ما تضيق به الصدورُ.

وهنا  نعرض لما ذكره الرازي في تفسيره لقوله تعالى: (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ).

وما حكاه عن القفال في السؤال الثالث وما ذكر فيه من الإشكال، وذلك بعد أن يُشير إلى أنَّ: الظاهر أنَّ الله تعالى لو ردَّ هذا الدعاء لصرح بذلك الردّ، فلما لم يصرح بالردّ، علمنا أنه أجابه إليه. وبعد أن ذكر هذا، يقول: وحينئذ يتوجه الإشكال، فإنَّ في زمان أجداد محمد9 لم يكن أحد من العرب مسلماً، ولم يكن أحد سوى العرب من ذرية إبراهيم وإسماعيل8.

وفي جوابه ينقل ما ذكره القفال: أنه لم يزل في ذريتهما من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً، ولم تزل الرسل من ذرية إبراهيم، وقد كان في الجاهلية: زيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة (الأيادي)، ويقال: عبد المطلب بن هاشم جدّ رسول الله9، وعامر (وعمرو) بن الظرب، كانوا (كانا) على دين الإسلام، يقرون بالإبداء والإعادة، والثواب والعقاب، ويوحدون الله تعالى، ولا يأكلون الميتة، ولا يعبدون الأوثان.

فهم جميعاً ـ ولعلّه بدليل سياق الآيات26-27 من سورة البقرة وبغيرها من آيات تتحدث عن هذا الوادي وما يتعلق ببيت الله الحرام فيه ـ ومَن كان قبلهم أهل الحرم، وهم المقصودون الذين شملهم  دعاء إبراهيم بالرزق، ولكن مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المـَصِيرُ).

وبالتالي يمكن القول بأنَّهم أمّة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه على الخصوص الذين هم في: أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا، وهي مكة. خصوصاً وأنَّ نبيّ الله وخليله إبراهيم7 إنما وقع دعاؤه لذريته سواء بالأمن وبالرزق وبالإسلام وبالصلاة و... وهو بمكة لا بغيرها، بل بوادي مكة نفسها، وهذا قرينة بل دليل على أنَّ مراده7 سكنة هذه البقعة من عهده إلى قريش بقبائلها، وبالذات إلى صالحيهم من ذرية إسماعيل7...

صاحب المنار: ذكر الله تعالى العرب أوّلاً بنعمته عليهم بهذا البيت؛ أن جعله مثابةً للناس وأمناً، وبدعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام لبلد البيت واستجابة الله تعالى دعاءه إذ جعله بلداً آمناً تجبى إليه الثمرات من البلاد البعيدة ، فيتمتّع أهله بها، وهي نعم يعرفونها لا ينكرها أحد، وانتقل منها إلى التذكير بالنعم المعنويّة، فذكر عهده إلى إبراهيم وإسماعيل بأن يطهرا بيته للطائفين والعاكفين والركّع السجود؛ لينبههم بإضافة البيت إلى نفسه: إنّه لا يليق أن يعبد فيه غيره. وبتطهيره؛ لأجل الطواف والاعتكاف والصلاة: أنّه يجب تنزيهه عن الأصنام والتماثيل وعبادتها الفاسدة، وعن سائر الأعمال الذميمة، كطواف العريان وكانوا يفعلونه.
ثم ذكرهم بعد هذا بأنّ إبراهيم7 هو الذي بنى هذا البيت بمساعدة ابنه إسماعيل7، وذكر لهم من دعائهما هنالك ما يرشدهم إلى العبادة الصحيحة والدين الحقّ، ويجذبهم إلى الإقتداء بذلك السلف الصالح الذي ينتمون إليه ويفاخرون به، فإنّ قريشاً كانت تنتسب إلى إبراهيم وإسماعيل8 بحقّ، وتدّعي أنّها على ملّة إبراهيم7، ولذلك كانت ترى أنّها أهدى من الفرس والروم، وسائر العرب تبع لقريش... ثمَّ يذكر قول أستاذه الإمام محمد عبده: قال الأستاذ الإمام: أضافا الذرية إلى ضمير الإثنين، للدلالة على أن المراد الذريّة التي تنسب إليهما معاً، وهي ما يكون من ولد إسماعيل، اللفظ ظاهر في هذا المعنى، ويرجّحه الحال والمحل الذي كانا فيه، وعزم إبراهيم7 على أن يدع إسماعيل7 في بلاد العرب داعياً إلى توحيد الله، وإسلام القلب إليه، ويرجع هو إلى بلاد الشام. وكذلك الدعاء لهذه الذريّة بأن يبعث الله فيهم رسولاً منهم كما سيأتي. وقد استجاب الله تعالى دعاء إبراهيم وولده8، وجعل في ذريتهما أمّة الإسلام، وبعث فيها منها خاتم النبيّين عليه الصلاة والسلام، وإلى هذا الدعاء الإشارة بقوله في سورة الحجّ: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْـمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ).[42]

وبالتالي حصلت من ذلك  أُمّة مسلمة؛ وليتضح لنا أكثر من خلال إجاباتهم عن السؤال: مَن هي هذه الأُمّة؟!

والتي يقول عنها ابن عاشور: والأمّة اسم مشترك يطلق على معان كثيرة، والمراد منها هنا الجماعة العظيمة التي يجمعها جامع له بال من نسب أو دين أو زمان، ويقال: أمّة محمد مثلاً للمسلمين؛ لأنهم اجتمعوا على الإيمان بنبوّة محمد9، وهي بزنة فُعله، وهذه الزنة تدلّ على المفعول مثل لقطة وضحكة وقدوة، فالأمّة بمعنى مأمومة، اشتقت من الأم بفتح الهمزة وهو القصد؛ لأنَّ الأمة تقصدها الفرق العديدة التي تجمعها جامعة الأمة كلّها، مثل الأمة العربية؛ لأنها ترجع إليها قبائل العرب، والأمة الإسلامية؛ لأنها ترجع إليها المذاهب الإسلامية... ويقول أيضاً: وقد استجيبت دعوة إبراهيم في المسلمين من العرب الذين تلاحقوا بالإسلام قبل الهجرة وبعدها حتى أسلم كلّ العرب  إلّا قبائل قليلة لا تنخرم بهم جامعة الأمة، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: (وَابعَث فيِهِم رَسُولاً مِنهُم).[43] وأما من أسلموا من بني إسرائيل مثل عبد الله بن سلام فلم يلتئم منهم عدد...[44]

ونبدأ بما ذكره أقدم المفسرين السُّدِّي الكبير، (ت128هـ)، قول السُّدِّي: نفرده تحت هذا العنوان؛ لأهمية قوله، ولأنه الأقدم، ولأنَّه صار محل قبول أو ردٍّ من قبل بعض كبار المفسرين. وأما قوله فهو: (وَمِنْ ذُرّيَتِنَا أمَّةً مُسْلِـمَةً لَكَ)، : يعنـيان العرب.[45]

وقول الطبري، ـ وكما ذكرناه في الحلقة السابقة، نعيده لنذكر ردَّ ابن كثير عليه ـ بعد أن يذكر قول السدي: وقد قـيـل: إنهما عنـيا بذلك العرب. ذكر من قال ذلك:.. عن السدي: (وَمِنْ ذُرّيَتِنَا أمَّةً مُسْلِـمَةً لَكَ)، يعنـيان العرب. يردُّه الطبري قائلاً: وهذا قول يدلّ ظاهر الكتاب علـى خلافه؛ لأنَّ  ظاهره يدلّ علـى أنهما دعوا الله أن يجعل من ذريتهما أهل طاعته وولايته والـمستـجيبـين لأمره، وقد كان فـي ولد إبراهيـم العرب وغير العرب، والـمستـجيب لأمر الله، والـخاضع له بـالطاعة من الفريقـين، فلا وجه لقول من قال: عنى إبراهيـم بدعائه ذلك فريقاً من ولده بأعيانهم دون غيرهم، إلّا التـحكم الذي لا يعجز عنه أحد... وأما الأمة فـي هذا الـموضع، فيقول عنها الطبري: فإنه يعنـي بها الـجماعة من الناس، من قول الله: (وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ).[46]

فيما ابن كثير يقول:.. وهذا الذي قاله ابن جرير لا ينفيه السدي، فإنَّ تخصيصهم بذلك لا ينفي مَن عداهم، والسياق إنما هو العرب، ولهذا قال بعده: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ)، الآية. والمراد بذلك محمد9، وقد بعث فيهم كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى) (الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ)، ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود؛ لقوله تعالى:  (قُلْ يٰاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا).

الطوسي ـ وقد ذكرنا قوله في الحلقة السابقة ـ: وانما خصّا بالدعوة بعض الذرية في قوله: (ومن ذريتنا)؛ لأنَّ (من) للتبعيض من حيث أنّ الله تعالى كان أعلمه أنَّ في ذريتهما من لا ينال العهد؛ لكونه ظالماً. ثمَّ نقل قول السدي: وقال السدي: إنما عنيا بذلك العرب. لكنه قال: والأول هو الصحيح. وهو قول أكثر المفسرين.

وتبعه في هذا الشيخ الطبرسي، والذي بعد أن يذكر ما جعله القول الأول: أي واجعل من ذريتنا أي من أولادنا ومن للتبعيض، وإنما خصَّا بعضهم؛ لأنه تعالى أعلم إبراهيم7 أنّ في ذريته من لا ينال عهده الظالمين؛ لما يرتكبه من الظلم. وذكر قول السدي: أراد لذلك العرب. ثم يختار الأول بقوله: والصحيح الأول، (أمَّةً مُسْلِـمَةً لَكَ)، أي جماعة موحدة منقادة لك يعني أمّة محمد9 بدلالة قولـه: (وَابعَث فِيهِم رَسُولاً مِنهُم)؛ وروي عن الصادق7 أنَّ المراد بالأُمّة بنو هاشم خاصة. وغير ذلك من الأدلة القاطعة...

الزمخشري: أراد بالأُمة أمّة محمد9.

فيما يقول القرطبي: الذي ذكرنا  في الحلقة السابقة أنَّه يذهب إلى (مِن)  البعضيّة في قوله: (وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ)، وحكى الطبري أنه أراد بقوله: (وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ)، العرب خاصة. ثمَّ نقل قول السهيلي: وذريتهما العرب؛ لأنهم بنو نَبِت بن إسماعيل، أو بنو تيمن بن إسماعيل. ويقال: قَيْدَر بن نبت بن إسماعيل. أما العدنانية فمن نبت، وأما القَحْطانية فمن قيدر بن نبت بن إسماعيل، أو تيمن على أحد القولين.

قال ابن عطية : وهذا ضعيف؛ لأنَّ دعوته ظهرت في العرب وفيمن آمن من غيرهم ...[47]

رواية أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله7، ذكر صاحب تفسير البرهان: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله7: قلتُ له: أخبرني عن أُمّة محمد9، مَن هم؟ قال: «أُمّة محمد بنو هاشم خاصة». قلت: فما الحجّة في أُمّة محمد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم؟ قال: «قول الله»: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْـقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).[48]

فلما أجاب الله إبراهيم و إسماعيل8، وجعل من ذريتهم أُمّةً مسلمةً، و بعث فيها رسولاً منها ـ يعني من تلك الأُمّة ـ يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة.

ردف دعوته الأُولى بدعوته الأخرى، فسأل لهم تطهيراً من الشرك ومن عبادة الأصنام؛ ليصحّ أمره فيهم، ولا يتبعوا غيرهم، فقال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).[49]

ففي هذه دلالة على أنه لا يكون الأئمة والأُمّة المسلمة التي بعث فيها محمداً9، إلّا من ذرية إبراهيم7؛ لقوله: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)، وذكر صاحب البرهان روايةً أُخرى عن علي بن إبراهيم، في قوله تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ). قال: يعني من ولد إسماعيل7، فلذلك قال رسول الله9: «أنا دعوة أبي إبراهيم7».[50]

وعن الرواية الأولى التي أيضاً يذكرها السيد العلّامة الطباطبائي عن تفسير العياشي عن الزبيري عن أبي عبد الله7، «قال: قلت له: أخبرني عن أُمّة محمد عليه الصلاة و السلام، مَن هم؟ قال: أُمّة محمد بنو هاشم خاصة». قلت: فما الحجّة في أُمة محمد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم؟ قال: ...». وبعد أن يذكرها يقول عن استدلال الإمام7 فيها: استدلاله7 في غاية الظهور، فإنَّ إبراهيم7 إنما سأل أمة مسلمة من ذريته خاصة، ومن المعلوم من ذيل دعوته: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ).[51] أنَّ هذه الأُمّة المسلمة هي أُمّة محمد9. لكن لا أُمّة محمد بمعنى الذين بعث9 إليهم. ولا أُمّة محمد بمعنى مَن آمن بنبوّته. فإنَّ هذه الأُمّة أعمّ من ذرية إبراهيم وإسماعيل8. بل أُمّة مسلمة هي من ذرية إبراهيم7.

ويواصل السيد كلامه قائلاً: ثم سأل ربَّه أن يجنب ويبعد ذريته وبنيه من الشرك والضلال وهي العصمة، ومن المعلوم أنَّ ذرية إبراهيم وإسماعيل ـ وهم عرب مضر أو قريش خاصة ـ فيهم ضال ومشرك، فمراده من بنيه في قوله: (وَبَنِيَّ)، أهل العصمة من ذريته خاصه، وهم النبيُّ9 وعترته الطاهرة:، فهؤلاء هم أُمّة محمد9 في دعوة إبراهيم7.

ولعلَّ هذه النكتة هي الموجبة للعدول عن لفظ الذرية إلى لفظ البنين، قوله تعالى: (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، حيث أتى بفاء التفريع، وأثبت مَن تبعه جزءًا من نفسه، وسكت عن غيرهم، كأنه ينكرهم ولا يعرفهم. هذا وقوله7: «فسأل لهم تطهيراً من الشرك ومن عبادة الأصنام، إنما سأل إبراهيم7 التطهير من عبادة الأصنام، إلّا أنه7 علّله بالضلال، فأنتج سؤال التطهير من جميع الضلال من عبادة الأصنام ومن أي شرك حتى المعاصي، فإنَّ كلَّ معصية شرك كما مرّ بيانه في قوله تعالى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنـْعَمْتَ عَلَيْهِمْ). وقوله7: ففي هذا دلالة على أنه لا يكون الأئمة والأمة المسلمة... أي إنهما واحد، وهما من ذرية إبراهيم كما مرّ بيانه.

فإن قلتَ: لو كان المراد بالأُمّة في هذه الآيات ونظائرها كقوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...).[52]

عدة معدودة من الأُمّة دون الباقين، كان لازمه المجاز في الكلام من غير موجب يصحح ذلك، ولا مجوّز لنسبة ذلك إلى كلامه تعالى، على أن كون خطابات القرآن متوجهة إلى جميع الأُمّة ممن آمن بالنبيّ ضروري لا يحتاج إلى إقامة حجّة.

قلتُ: إطلاق أُمّة محمد وإرادة جميع مَن آمن بدعوته من الاستعمالات المستحدثة بعد نزول القرآن وانتشار الدعوة الإِسلامية ، وإلّا، فالأُمّة بمعنى القوم كما قال تعالى: (وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ).[53] وربما أطلق على الواحدة كقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلهِ...). وعلى هذا فمعناها من حيث السعة والضيق يتبع موردها الذي استعمل فيه لفظها، أو أُريد فيه معناها. فقوله تعالى: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ).

والمقام مقام الدعاء بالبيان الذي تقدم ـ لا يراد به إلّاَ عدّة معدودة ممن آمن بالنبيّ9 وكذا قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). وهو في مقام الامتنان وتعظيم القدر وترفيع الشأن، لا يشمل جميع الأُمّة، وكيف يشمل فراعنة هذه الأُمّة ودجاجلتها، الذين لم يجدوا للدين أثراً إلّاَ عفوه ومحوه، ولا لأوليائه عظماً إلّا كسروه. وسيجيء تمام البيان في الآية إن شاء الله فهو من قبيل قوله تعالى لبني إسرائيل: (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ).[54] فإنَّ منهم قارون، ولا تشمله الآية قطعاً. كما أنَّ قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يٰا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواْ هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً).[55] لا يعمّ جميع هذه الأُمّة، وفيهم أولياء القرآن.  (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ). وأما قوله تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[56]

فالخطاب فيه متوجة إلى جميع الأُمّة ممن آمن بالنبيّ9، أو مَن بعث إليه.[57]

للبحث صلة

 

 

 

 

[1]1. محقّق وباحث ديني.

 

[2]. سورة البقرة : 112.

 

[3] . تفسير الدرّ المصون، السمين الحلبي ؛ التبيان للشيخ الطوسي ؛ مجمع البيان للطبرسي ؛ الكشاف للزمخشري ؛ تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، ابن عطية وغيرها: الآية.

 

[4] . سورة الحجّ : 30 .

 

[5] . سورة الكهف : 31 .

 

[6] . انظر كتاب الجنى الداني في حروف المعاني، ابن أُمّ قاسم المرادي أبو محمد بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت : 749هـ). المحقق: د فخر الدين قباوة الأستاذ محمد نديم فاضل. الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان : 308-310 .

 

[7] . سورة البقرة : 253 .

 

[8] . سورة فاطر : 2 .

 

[9] . سورة البقرة : 106.

 

[10] . سورة الأعراف : 132 .

 

[11] . سورة الكهف : 31 .

 

[12] . سورة الحجّ : 30 .

 

[13] . سورة الفتح : 29 .

 

[14] . سورة آل عمران : 172 .

 

[15] . مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري (ت761 هـ) 1 : 318ـ319 ؛ حاشية الدسوقي على مغني اللبيب، للشيخ مصطفى محمد عرفة الدسوقي (ت1230هـ) 2: 257 ؛ تفسير المفردات وذكر أحكامه، حرف الميم ؛  الإتقان في علوم القرآن للسيوطي2 : 293ـ294 (مِن).

 

[16] . أسباب نزول القرآن للواحدي : الآية .

 

[17] . سورة الإسراء : 82.

 

[18] . تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (ت 774 هـ) ، تفسير الكشاف، الزمخشـري (ت 538هـ) ؛ تفسير الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (ت671هـ) ؛ تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية (ت 546 هـ) ؛ تفسير البحر المحيط، أبو حيان (ت 754 هـ) ؛ تفسير الدر المصون، السمين الحلبي (ت 756 هـ) ؛ تفسير التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ)  29: الفتح .

 

[19]  . سورة التوبة : 101.

 

[20] . سورة  محمد : 30 .

 

[21] . سورة  الفتح : 25 .

 

[22] . سورة التوبة : 101 .

 

[23] . معاني القرآن وإعرابه للزجاج، الآية: 29 الفتح ؛ تفسير زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي (ت597هـ) ؛ مجمع البيان، للطبرسي ؛ تفسير الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي (ت1401هـ) ؛ كتاب الأمثال في القرآن الكريم للشيخ جعفر السبحاني : 254 ؛  وكذا الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، للشيخ مكارم الشيرازي، الآية: 29 من سورة الفتح.

 

[24] . سورة آل عمران: 172.

 

[25] . تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن، الشيخ الطوسي(ت460هـ) انظر تفسيره للآيتين: 29 الفتح و172آل عمران ؛ تفسير كنز الدقائق، الميرزا محمد المشهدي2 : 283، الآية: 172آل عمران.

 

[26] . تفسير لطائف الإشارات، القشيري (ت 465 هـ)، الآية .

 

[27] . سورة البقرة : 14 .

 

[28] . تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل، النسفي (ت710هـ) ؛ الوسيط في تفسير القرآن الكريم، طنطاوي (ت1431هـ) ؛ تفسير مفاتيح الغيب، التفسير الكبير، الرازي (ت606هـ) ؛ التحرير والتنوير لابن عاشور، الآية.

 

[29] . في ظلال القرآن: الآية.

 

[30] . سورة الإسراء :  3.

 

[31] . سورة آل عمران : 38 .

 

[32] . سورة آل عمران:34.

 

[33] . سورة إبراهيم : 37 .

 

[34] . سورة إبراهيم : 40 .

 

[35] . انظر معاجم اللغة ومنها: لسان العرب لابن منظور ؛ مفردات القرآن للراغب الأصفهاني : ذرية.

 

[36] . سورة البقرة : 124.

 

[37] . سورة التحريم : 6 .

 

[38] . سورة إبراهيم 35 ـ 36 .

 

[39] . سورة الصافات : 113.

 

[40] . تفسير جامع البيان في تفسير القرآن، الطبري (ت 310 هـ) ؛ مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي (ت 548 هـ) ؛ تفسير الكشاف، الزمخشري (ت 538 هـ) ؛ تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل، النسفي (ت 710 هـ) بتلخيص ؛ تفسير روح المعاني، الآلوسي (ت 1270هـ) ؛ التحرير والتنوير  لابن عاشور: الآية ؛  السيرة النبوية لابن هشام 1: 4 أو 1: 23 ذكر سرد النسب الزكي من محمد9 إلى آدم7 ؛ نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي (ت 821هـ) المحقق: إبراهيم الابياري ؛ التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى الغرناطي (ت741ه) الآية، أو 1: 60 ؛ وكتب الأنساب .

 

[41] . انظر المنمق في أخبار قريش لابن حبيب : 5 ؛ نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي: 131 ؛ جمهرة أنساب العرب لابن حزم : 5 ؛ وغيرها من كتب الأنساب.

 

[42] . انظر المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي 12: 37، بتصرف ؛ مروج الذهب للمسعودي 1 : 78 ؛ السيرة النبوية لابن هشام 1: 222ـ229، بتلخيص ؛ مفاتيح الغيب، التفسير الكبير،  الرازي (ت 606 هـ) ؛ تفسير البحر المحيط، أبو حيان (ت754هـ) ؛ تفسير المنار، محمدرشيد بن علي رضا (ت1354هـ) : الآية .

 

[43] . سورة البقرة : 129.

 

[44] . التحرير والتنوير : الآية .

 

[45] . انظر تفسير السُّدِّي الكبير للإمام أبي محمد إسماعيل بن عبد الرحمن السُّدِّي الكبير(ت 128هـ)، جمع وتوثيق ودراسة الدكتور محمد عطا يوسف: 132والهامش 3 .

 

[46] . سورة الأعراف : 156 .

 

[47] . انظر جامع البيان في تفسير القرآن، الطبري(ت310هـ) ؛ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير(ت774هـ) ؛ تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن، الطوسي(ت460هـ) ؛ مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي(ت 548هـ) ؛ تفسير الكشاف،  الزمخشري(ت 538هـ) : الآية ؛ وكذا الآية 55 من سورة النور. والآية 29 من سورة الفتح ؛ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي(ت671هـ): الآية ؛ تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل، النسفي(ت710هـ) ؛ تفسير البحر المحيط، أبوحيان(ت754هـ) ؛ تفسير مفاتيح الغيب، التفسير الكبير، الرازي(ت 606هـ) ؛ تفسير فتح القدير، الشوكاني(ت1250هـ) ؛ تفسير التحرير والتنوير، ابن عاشور(ت1393هـ).

 

[48] . سورة البقرة: 127ـ 128.

 

[49] . سورة إبراهيم: 35 ـ 36 .

 

[50] . البرهان في تفسير القرآن، هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ)، 12: 644، 13: 645.

 

[51] . سورة البقرة : 129 .

 

[52] . سورة آل عمران : 110 .

 

[53] . سورة هود : 48 .

 

[54] . سورة البقرة : 47 .

 

[55]  . سورة الفرقان : 30 .

 

[56]  . سورة البقرة : 134 .

 

[57] . انظر الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي (ت1401هـ) : الآية، وقد آليتُ أن أنقل هذا البحث كاملاً للسيد العلّامة رضوان الله تعالى عليه لأهمّيته وفائدته!