شخصیات من الحرمین الشریفین (47) عقیل بن ابي طالب الهاشمي (2)

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف


شخصيات من الحرمين الشريفين (47)
عقيل بن أبى طالب الهاشمى (2)

محمد سليمان

ما زلنا مع عقيل بن أبي طالب في الحلقة الثانية والأخيرة من سيرته، وبدايةً أقول: إنَّ عقيلاً من صلب رجل عظيم وسيد في قومه وأكبر زعيم لقريش، ونشأ وتربّى في بيت هذا السيد الكبير، وهو بالتالي من آلٍ عرفوا بالحكمة والقوّة والشجاعة، يعلِّمون ذلك مَن حولهم من الناس، وبالأولوية فإن عقيلاً وإخوته أحقّ الجميع بأن يتلقوا تلك المناقب ويتعلموها ويعيشوها ويتمثلوها في سيرتهم،... ومَن حولهم من الناس يعرفون ذلك فيهم، وكيف لا؛ ويرفرف فوق رؤوسهم ما روي عن رسول الله9: «لو ولد أبو طالب الناس كلّهم لكانوا شجعاناً»!

فالقول بأنَّ عقيلاً لم يكن له حضور في بعض مواقع المسلمين الأولى ومشاهدهم، وكذا في مواقع الإمام عليٍّ7، إما أنه يخلو من الدقّة، أو أنَّ للرجل عذراً كالمرض الذي صرّح به ابن سعد أو العمى، أو اعفاء الإمام عليٍّ7 له، وبالتالي لم يكن جبناً منه، أو عدم قناعة بأحقيّتها، وما جاء من أخبار تُشير إلى حضوره فيها، أو في بعضها على الأقل، هي الأقرب لنشأته كباقي إخوته وأخواته في بيت عرف بتلك الصفات، وهي الأرجح لعلاقته الطيبة بالنبيّ9 وبالإمام عليّ7، وبقبوله لما يحملانه من حقٍّ ومبادئ وقيم، وعدم وجود نقل يثبت معارضته وممانعته لذلك ...

وقعة مؤتة :

ومؤتة بلدة في الأردن، قُدر لها أن تكون ساحة للقتال بعد السابع من شهر جمادى الأولى في السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة بين المسلمين وأعدائهم الروم ومَن حالفهم من قبائل العرب، وتُعدُّ أول معركة للمسلمين خارج الجزيرة العربية، قادها كلٌّ من زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فعبد الله بن رواحة. وبعد استشهادهم، تولّى القيادة خالد بن الوليد وتَّم انسحاب المسلمين على يديه ... وكان عقيل بن أبي طالب من المشاركين فيها.

يقول ابن سعد وكذا غيره : شهد غزوة مؤتة ...

وعن  جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنَّه قال: «بارز عقيل بن أبي طالب رجلاً يوم مؤتة فقتله، فنفله رسول الله خاتمه وسلبه».

محمد بن عقيل قال: قتل عقيل رجلاً من المشركين يوم مؤتة، فأخذ خاتمه وجارية كانت معه، فأتى بهما رسول الله9 فأخذ الخاتم، فجعله في إصبعه، ثم قال: لولا التمثال. قال: فنفل عقيلاً خاتمه وجاريته.

وعن عبد الله بن محمد بن عقيل أنَّ جدَّه أصاب يوم مؤتة خاتماً فيه تماثيل فنفله أباه.

ويُقال: إنَّه بعد أن كان حاضراً في غزوة مؤتة، لم يُسمع له ذكرٌ في أي غزوة أُخرى لا في فتح مكة ولا بعدها.

فهم وإن صرحوا بحضوره مؤتة كابن سعد، إلّا أنهم ذكروا عذراً لعدم سماعهم بحضوره في غيرها، فيقول: خرج عقيل مهاجراً في أول سنة ثمان، وشهد مؤتة. ثمَّ رجع فتمرض مدّة، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة ولا حنين ولا الطائف، وقد أطعمه رسول الله9 بخيبر مائة وأربعين وسقاً كلّ سنة.

وكذا ابن حجر: وشهد غزوة مؤتة، ولم يسمع له بذكر في الفتح وحنين كأنَّه كان مريضاً، أشار إلى ذلك ابن سعد بقوله:.. شهد غزوة مؤتة، ثمّ رجع، فعرض له مرض، فلم يسمع له بذكر. لكن ابن حجر في فتح الباري قال: وممن ذكر الزبير بن بكار وغيره أنه ثبت يوم حنين أيضاً جعفر بن أبي سفيان بن الحرث وقثم بن العباس وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب وعقيل ابن أبي طالب وشيبة بن عثمان الحجي.

شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط وذلك قوله:

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة

وقد فرَّ من قد فرَّ عنه فأقشعوا

وفي تهذيب التهذيب يذكر ابن حجر قول ابن سعد: خرج عقيل مهاجراً في أول سنة (8) فشهد مؤتة، ثمَّ رجع فعرض له مرض، فلم يسمع له بخبر لا في فتح مكة ولا حنين ولا الطائف، وله عقب.

وبعد أن ينقل ابن حجر قول ابن سعد هذا، يقول: وفيما قال نظر، فقد روى الزبير بن البكار من طريق الحسين بن علي8، قال: كان ممن ثبت مع النبيّ9 يوم حنين العباس وعليٌّ7 وعقيل وسمّى جماعة.

وفي كتاب المرويات ذكر أيضاً عقيلاً ضمن عدد من الأسماء المشاركة في حنين: «قثم بن العباس، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وشيبة بن عثمان الحجبي، وأبو دجانة ـ سماك بن خرشة الأنصاري ـ  وأبو طلحة ـ زيد بن سهل الأنصاري ـ وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وأبو بشر المازني الأنصاري». ويأتي غيرها...[1]

فتح مكة :

في اليوم العشرين من شهر رمضان المبارك من العام الثامن للهجرة النبوية الشريفة تمَّ فتح مكة من قبل رسول الله9، وهو حدث كبير في تاريخ الرسالات وبالذات رسالة نبيّنا محمد9... وقد اختلف في حضور عقيل في فتح مكة وحتى في حنين والطائف كما ذكرنا أعلاه.

وهنا لا بدَّ أن نشير إلى أنَّ ما روي من أنَّ أمَّ هانئ أجارت أخاها عقيلاً يوم الفتح، وهو ما ذكره الطبراني في معجمه: «وإنَّ أمَّ هانئ بنت أبي طالب أجارت أخاها عقيلاً، فأجاز النبيُّ9 جوارها».

فهو إن لم نقل فيه اشتباه بسبب الراوي، وهو أبو مرّة مولى عقيل بن أبي طالب، وإلّا فهو يتصف بالضعف أو البطلان؛ لمخالفته لما أكّدته الأخبار من أنَّ اللذين أجارتهما أُمُّ هانئ من بني مخزوم ، كما جاء في كلامها: «... فرَّ إليَّ رجلان من أحمائي، من بني مخزوم...».

وكما عن ابن هشام في ذيل ما ذكره ابن اسحاق القائل: وحدثني سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة، مولى عقيل ابن أبي طالب، أنَّ أمَّ هانئ بنت أبي طالب قالت‏:‏ لما نزل رسول  الله9 بأعلى مكة، فرَّ إليَّ رجلان من أحمائي، من بني مخزوم، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي.

قالت ‏:‏ فدخل عليَّ عليُّ بن أبي طالب أخي، فقال‏:‏ والله لأقتلنهما، فأغلقتُ عليهما باب بيتي، ثمَّ جئت رسول الله9 وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل من جفنة إن فيها لأثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوبه، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به، ثمَّ صلّى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إليَّ.‏ فقال‏:‏ مرحباً وأهلاً يا أمَّ هانئ، ما جاء بك‏؟‏ فأخبرته خبر الرجلين وخبر عليٍّ7.  فقال9‏:‏ قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت، فلا يقتلهما‏.‏

قال ابن هشام:‏ هما الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة.

و ذكره المتقي الهندي:«وأنَّ أمَّ هانئ ابنة أبي طالب أجارت أخاها عقيل بن أبي طالب يوم الفتح، فأجاز رسول الله9 جوارها». (كر ـ وقال: هذا الحديث غير محفوظ، إنما أجارت رجلين من بني مخزوم).

وكذا قال ابن عساكر بعد أن نقل الرواية نفسها: إنَّ هذا الحديث غير محفوظ، وإنما أجارت رجلين من أحمائها من بني مخزوم، فأما عقيل، فتقدم إسلامه قبل الفتح، والله أعلم.

فهل ترك لنا عقيل ... ؟!

وهب رسول الله9 لعقيل داره التي تسمى دار ابن يوسف، قال الطبري: قيل: إنه ولد9 في الدار التي تعرف بدار ابن يوسف، وقيل: إنَّ رسول الله9 كان وهبها لعقيل بن أبي طالب، فلم تزل في يد عقيل حتى توفي، فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف، فبنى داره التي يقال لها دار ابن يوسف، وأدخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته الخيزران، فجعلته مسجداً يصلّى فيه ...

ويُقال: إنَّ عقيلاً، بعد هجرة رسول الله9 من مكة المكرمة إلى يثرب، (المدينة المنورة) باع دار رسول الله9 ويبدو أنَّها المنزل الذي تسكنه أُمُّ المؤمنين خديجة، وفيه ابتنى رسول  الله9 بها، وولدت أولادها، وبقيت فيه حتى وفاتها3. وبقي يسكنه رسول الله9 حتى هاجر إلى المدينة.

ويقال: اشتراه معاوية فيما بعد في خلافته، فاتخذه مسجداً. وفي خبرٍ أن بيت خديجة3 أخذه معتب بن أبي لهب ... ولم يبقَ بيت لرسول الله9 حتى أنَّه لما دخل مكة المكرمة في يوم فتحها، أو في عمرة القضية، أو في حجّة الوداع على اختلاف الروايات...

قيل له9: ألا تنزل منزلك من الشِّعب؟

قال9: فهل ترك لنا عقيل منزلاً؟ وهل ترك لنا عقيل من ظلّ؟

وفي بعضها في حديث أسامة بن زيد:«... من منزل»، وفي أُخرى: «وهل ترك لنا».

عقيل من رباع أو دور... ؟

عن أبي رافع قال: قيل للنبيّ9 يوم الفتح: ألا تنزل منزلك بالشعب؟ قال9: وهل ترك لنا عقيل منزلاً؟ قال: وكان عقيل بن أبي طالب قد باع منزل رسول الله9 ومنازل إخوته من الرجال والنساء بمكة حين هاجروا، ومنزل كلّ من هاجر من بني هاشم. فقيل لرسول الله9: فأنزل في بعض بيوت مكة في غير منزلك، فأبى رسول الله9 وقال: «لا أدخل البيوت»، فلم يزل مضطرباً بالحجون لم يدخل بيتاً. وكان يأتي المسجد من الحجون...

وعن أسامة بن زيد أيضاً ، قـال: قلت: يا رسول الله أين تنزل غداً في حجّته؟

قال9: وهل ترك لنا عقيل منزلاً، ثمّ قال9: نحن نازلون غداً إنْ شاء الله بخيف بني كنانة يعني المحصب...

وقد حدّث أبو رافع قائلاً: وكان عقيل قد باع منزل رسول الله9 ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة . فقيل لرسول الله9: فأنزل في بعض بيوت مكة في غير منازلك؟ فأبی رسول الله9 وقال: لا أدخل البيوت. فلم يزل مضطرباً بالحَجُون لم يدخل بيتاً، وكان يأتي إلى المسجد من الحَجُون!

... عن إبراهيم الكرخي قال: سألت أبا عبد الله7 فقلت له: لأي علّة ترك عليّ بن أبي طالب7 لما ولي الناس، فقال: للاقتداء برسول الله9 لما فتح مكة، وقد باع عقيل بن أبي طالب داره، فقيل له يا رسول الله، ألا ترجع إلى دارك؟ فقال9: «وهل ترك عقيل لنا داراً»؟! إنا أهل بيت لا نسترجع شيئاً، يؤخذ منا ظلماً. فلذلك لم يسترجع فدك لماّ ولّى!

وظاهر هذه الأخبار أنَّ عقيلاً استولى على هذين الدارين للنبيّ9 دار ولادته9 ودار سكنه9 مع أُمّ المؤمنين خديجة3، وبالتالي ينافي الخبر الأول من أنَّ النبيَّ9 وهبه داره.

وعن الأزرقي:.. وسكت المهاجرون، فلم يتكلم أحد منهم في دار هجرها لله سبحانه، وسكت رسول الله9 عن مسكنيه كليهما؛ مسكنه الذي ولد فيه، ومسكنه الذي ابتنى فيه بخديجة بنت خويلد3 ، وولد فيه ولده جميعاً، وكان عقيل بن أبي طالب أخذ مسكنه الذي ولد فيه. وأما بيت خديجة3 فأخذه معتب بن أبي لهب، وكان أقرب الناس إليه جواراً، فباعه بعد من معاوية بمأة ألف درهم ...[2]

وتذكر بعض الأخبار أنَّ عقيلاً استولى على دور مَن هاجر من بني هاشم...

الغلول!

قد يمكننا وصفها بأنَّها ظاهرة وقعت في الساحة المسلمة وبالذات في المشاهد القتالية التي خاضها المسلمون ضدَّ خصومهم من المشركين، وسببها الوحيد هو حصول الغنائم من تلك المشاهد، وما انبثق عنها من التنافس بين الإخوة المسلمين المقاتلين فيها، والمسارعة من قبلهم في أخذ ما يرونه من حقٍّ لهم، وقد ظهر من بعضهم سوء خلق حين وقع تشكيكهم حتى في رسول الله9، ولخطورة هذه التهمة وما تضمنته من الخيانة.

نزلت: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ).[3]

وأردفها رسول الله9 بتحذيرات، كما روي عنه، حين كان إذا غنم مغنماً بعث منادياً: «ألا لا يغلن أحدٌ مخيطاً فما دونه، ألا لا يغلن أحدٌ بعيراً، فيأتي به على ظهره له رغاء، ألا لا يغلن أحدٌ فرساً، فيأتي به يوم القيامة على ظهره له حمحمة!

«وإيّاكم والغلول، فإنَّ الغلول عار ونار وشنار على أهله في الدنيا والآخرة»، وهناك أحاديث مثلها.

جاء هذا تعظيماً للغلول، وتشدياً بالوعيد عليه، وحرصاً على متانة الساحة المؤمنة وطهارتها، وإبعاداً للفرقة، ورصًّا لصفوفها، وبناءً للنفوس المؤمنة، وترسيخاً للورع في سلوكها وحسن الخلق، وحفظاً للأمانة، وإبعاداً للخيانة، وتذكيراً بالآخرة وحسابها، حين يلقى الإنسان ربَّه عزَّ وجلَّ، وما أجمله من لقاء إن كان بنفس نقيّة ويد نظيفة ...!

وبالتالي جاءت هذه الآية والروايات؛ لينفي سياقُها عن النبيِّ9 وبالتالي عن جميع الأنبياء والرسل أي شائبة من غلٍّ، فلا يخونون، ولا يأخذون شيئاً من غنيمة، ولايحتجزون جزءًا من مال بغير حقٍّ، ولا يعطون لأناس ويمنعون عن آخرين...

نقف قرآنيًّا عند هذه السلبية التي ظهرت في المجتمع المسلم، وبالذات بين المقاتلين بسبب وجود غنائم الحرب التي تعدُّ مصدراً مالياً لهم يومذاك. وسبباً عند كثير منهم للمشاركة في الغزوات ومشاهد القتال، ونتعرّف على آثارها والتي أدّت إلى نزول الآية المذكورة، وما تبعها من أحاديث ومواقف نبويّة.

فالغلُولُ: الخِيانَةُ، يُقال: غَلَّ ، يَغُلُّ، غُلُولاً، وإغلالاً أيْ: خانَ، وكُلُّ مَنْ خانَ في شَيْءٍ خُفْيةً فَقَدْ غَلَّ. وأَصْلُه مِن الغَلِّ: وهو التَّخَلُّلُ بين الشَّيْء ِ، يُقال: تَغَلْغَلَ الماءُ في الشَّجَرِ: إذا تَخَلَّلَها، ومنه سُمِّيَ المَسْروقُ مِن الغَنِيمَةِ غلولاً؛ كأَنّ صاحِبَهُ قد غَلَّهُ بين ثِيابِهِ، وقِيلَ: سُمِّيَ غلُولاً؛ لأنّ الأَيْدي فِيهِ مَغْلُولَةٌ، أيْ: مُقَيَّدَةٌ بِالأَغْلالِ... فغلَّ فلانٌ غلولاً وإغلالاً: خان في المغنم وغيره. بل الخيانة في كلّ شيءٍ والسرقة... أي أخذ المال من الغنيمة في خفاء، أغل الرجل إغلالاً، خان في الأمانة...

هذا لغةً ، وأما قراءةً :

فقد ذكر الشيخ الطوسي التالي: قرأ كلٌّ من ابن كثير وابن عمرو، وعاصم (يغل) بفتح الياء وضمّ الغين. الباقون بضم الياء وفتح الغين. فالذي قرأ بفتح الياء وضمّ الغين، فمعناه ما كان لنبيِّ أن يخون، يقال من الغنيمة غلَّ يغلَّ: إذا خان فيها. ومن الخيانة أغلَّ يغل قال النمر بن تولب: جزى الله عنا جمزة ابنة نوفل جزاءَ مغلٍّ بالأمانة كاذب بما سألت عني الوشاة ليكذبوا عليَّ وقد أوليتها في النوائب ويقال من الخيانة غلَّ يغلَّ.

ومن قرأ بضم الياء وفتح الغين أراد: وما كان لنبيّ أن يخون أي ينسب إليه الخيانة.

ويحتمل أن يكون أراد ما كان لنبيّ أن يخان بمعنى يسرق منه. ويكون تخصيص النبيّ بذلك تعظيماً للذنب.

قال أبوعلي الفارسي: لا يكاد يقال: ما كان لزيد أن يضرب، فهذه حجّة من قرأ بفتح الياء.

نزولها :

وقد اختلف في وقت نزول الآية 161 من سورة آل عمران: في بدر الكبرى:

نزلت في وقعة بدر الكبرى وغنائهما، وهي أول معركة للمسلمين ضدَّ مشركي مكة، وأول غنيمة يحصلون عليها بعد انتصارهم الكبير، فعن ابن عباس، وسعيد بن جبير في سبب نزولها: أنَّ قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من المغنم، فقال بعضهم: لعلَّ النبيَّ9 أخذها...

في وقعة أُحد: هناك رواية أنَّها نزلت حين ترك الرماة المركز يوم أُحد طلباً للغنيمة، وقالوا : نخشى أن يقول رسول الله9: مَن أخذ شيئاً فهو له، وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر. فقال النبيُّ9: «ظننتم أنا نَغلُّ ولا نقسم لكم». فأنزل الله تعالى هذه الآية.

في حنين: وهناك رواية عن ابن عباس في رواية الضحاك: إنَّ رسول الله9 لما وقع في يده غنائم هوازن يوم حُنين غلَّه رجل بمخيط، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وهناك من يبتعد عن كلِّ هذه الوقائع؛ ليذكر ما روي عن ابن عباس: أنَّ أشراف الناس استدعوا رسول الله9 أن يخصصهم بشيءٍ من الغنائم؛ فنزلت هذه الآية...

ما أرى إبرتكِ إلّا قد ذهبت !

وبما أننا نترجم للصحابي عقيل بن أبي طالب، فقد ذكروا له موقفاً يُشاد به ويُثنى بسببه عليه، ففي الثالث عشر من شهر شوال في السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة، وقعت معركة كبرى في وادي حنين الواقع بين مكة والطائف، دارت رحاها بين المسلمين من جهة وقبيلتي هوازن وثقيف من جهة أخرى، وقد ذكروا أنَّ عقيلاً كان مشاركاً مقاتلاً فيها، ومن الثابتين المدافعين عن رسول الله9 حسب بعض الأخبار، وقد اختلفت الأخبار حين فرَّ المقاتلون المسلمون في عدد الثابتين الواقفين مع رسول الله9 بين كونه9 بقي وحيداً يُقاتل، وبين أنَّهم أربعة أو تسعة نفر، اثنا عشر نفراً،...

فعن حسين بن علي8 قال: كان ممن ثبت مع النبيِّ يوم حنين: العباسُ، وعليٌّ7، وأبو سفيان بن الحارث، وعقيل بن أبي طالب ، وعبد الله بن الزبير بن عبدالمطلب، والزبير بن العوام، وأسامة بن زيد.

عن المغيرة بن الحارث بن نوفل بن الحارث، عن أبيه ، عن جدّه نوفل: أنّه كان يحدث عن يوم حنين، قال: فرَّ الناس جميعاً، وأعروا رسول الله9، فلم يبق معه إلّا سبعة نفر من بني عبد المطلب: العباس، وابنه الفضل ، وعليٌّ7، وأخوه عقيل، وأبوسفيان، وربيعة، ونوفل بنو الحارث بن عبد المطلب، ورسول الله9 مصلت سيفه في المجتلد، وهو على بغلته الدلدل، وهو يقول:

أنا النبيُّ لا كذب

أنا ابن عبد المطلب ...

ولما وضعت الحرب أوزارها، وجمعت الغنائم، أخذ عقيل إبرةً من الغنائم قبل توزيعها يوم حنين، ودخل على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة، وسيفه متلطِّخ دماً، فقالت‏:‏ إني قد عرفتُ أنَّك قد قاتلتَ، فماذا أصبتَ من غنائم المشركين‏؟ فقال‏:‏ دُونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابَك، فدفعها إليها.

فسمع مناديَ رسول الله9 يقول: مَن أخذ شيئاً فليردَّه؛ حتى الخِياط والمِخيَط. فرجع عقيل، فقال: ما أرى إبرتَكِ إلّا قد ذهبت، فأخذها، فألقاها في الغنائم!

وفي قول: لما عاد إلى ساحة القتال، ورأى النبيَّ9 قد أخذ يوم حنين وبرة من سنام بعير من الغنائم، فجعلها بين إصبعيه!

وسمعه يقول: «أيّها الناس إنَّه لا يحلّ لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه، إلّا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدّوا الخياط والمخيط، وإيّاكم والغلول، فإنَّ الغلول عار ونار وشنار على أهله في الدنيا والآخرة»!

ولما رأى الناس ـ وعقيل منهم ـ ذلك وسمعوا هذا الزجر المتضمن للوعيد من قبل الرسول9، وأيضاً سمعوا منادي رسول الله9 يقول: «مَن أخذ شيئاً فليردَّه، حتى الخِياط والمِخيَط»!‏

أخذهم الاشفاق والخوف الشديد على أنفسهم، ورغبتهم الأكيدة في تلبية أمر رسول  الله9 فرجع عقيل إلى امرأته، فقال لها‏: ما أرى إبرتك إلّا قد ذهبت! فأخذها وألقاها في الغنائم‏؛ لتصيبها قسمة الغنائم، وهو دليل ورعه وزهده والتزامه بأوامر

الرسول9 ونواهيه![4]

موقفه من الإمام عليّ7 :

سجلت لنا بعض الأخبار مواقف طيبة، تدلّ على ودّه وحبّه لأخيه عليّ7، بدءًا بما روي من قوله للإمام عليٍّ7: «يا أخي ما فرحت بشي ٔ كفرحتى بتزويجك فاطمة بنت محمد9، يا أخي فما بالك لا تسأل رسول الله9 يدخلها عليك، فنقر عيناً باجتماع شملكما! قال عليٌّ7: «والله يا أخي إني لأحبّ ذلك، وما يمنعني من مسألته إلّا الحياء منه»! فقال: أقسمت عليك إلّا قمت معي، فقمنا نريد رسول الله9، فلقينا في طريقنا أمَّ أيمن مولاة رسول الله9، فذكرنا ذلك لها، فقالت: لا تفعل و دعنا نحن نكلمه فإنَّ كلام النساء في هذا الأمر أحسن وأوقع بقلوب الرجال ...

حدث هذا من عقيل، بعد أن أعدَّ الإمام عدّة الزواج ومكث ينتظر شهراً، كما يقول الإمام: «... ومكثتُ بعد ذلك شهراً، لا أعاود رسول الله9 في أمر فاطمة بشئ استحياءً من رسول الله9، غير أني كنتُ إذا خلوتُ برسول الله9، يقول لي: «يا أبا الحسن ما أحسن زوجتك وأجملها، أبشر يا أبا الحسن فقد زوجتك سيدة نساء العالمين»!

قال عليٌّ7: «فلما كان بعد شهر دخل عليَّ أخي عقيل بن أبي طالب، فقال: ومروراً بحضوره زواجه من سيدة النساء فاطمة الزهراء3، فقد ذكر ابن شهرآشوب: كتاب مولد فاطمة، عن ابن بابويه في خبر: أمر النبيُّ9 بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة، وأن يفرحن يرجزن ويكبرن ويحمدن، ولا يقولن ما لا يرضی الله.

قال جابر: فأركبها على ناقته، وفي رواية: على بغلته الشهباء، وأخذ سلمان زمامها، وحولها سبعون حوراء، والنبيّ9 وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت: يمشون خلفها مشهرين سيوفهم، ونساء النبيّ9 قدامها يرجزن.

فأنشأت أمّ سلمة:

سرن بعون الله جاراتي واشكرنه في كلّ حالات

وإذ كرن ما أنعم ربّ العلى من كشف مكروه وآفات

هدانا بعد كفر وقد أنعشنا ربّ السماوات

وسرن مع خير نساء الورى تفدى بعمات وخالات

يا بنت من فضله ذو العلى بالوحي منه والرسالات.

ثم قالت عائشة:

يا نسوة استرن بالمعاجر واذكرن ما يحسن في المحاضر

 واذكرن ربّ الناس إذ خصنا بدينه مع كلّ عبد شاكر

فالحمد لله على أفضاله والشكر لله العزيز القادر

سرن بها فالله أعطى ذكرها وخصّها منه بطهر طاهر.

ثم قالت حفصة :

فاطمة خير نساء البشر ومن لها وجه كوجه القمر

فضلك الله على كلّ الورى بفضل من خصّ بآي الزمر

زوجك الله فتًى فاضلاً أعني عليًّا خير من في الحضر

فسرن جاراتي بها إنّها كريمة بنت عظيم الخطر .

ثم قالت معاذة أمّ سعد بن معاذ:

أقول قولاً فيه ما فيه وأذكر الخير وأبديه

محمد خير بني آدم ما فيه من كبر ولاتيه

بفضله عرفنا رشدنا فالله بالخير مجازيه

ونحن مع بنت نبي الهدى ذي شرف قد مكنت فيه

في ذروة شامخة أصلها فما أرى شيئاً يدانيه .

وكانت النسوة يرجعن أول بيت من كلّ رجز، ثم يكبرن ودخلن الدار، ثم أنفذ رسول  الله9 إلى عليٍّ7 ودعاه إلى المسجد، ثم دعا فاطمة3 فأخذ يديها ووضعها في يده، وقال: بارك الله في ابنة رسول الله ...!

أقول: كان ذلك الزواج المبارك في اليوم الأول من شهر ذي الحجّة من العام الثاني للهجرة النبوية الشريفة، ففي الكافي عن الإمام السجاد7 أنّ النبي9 وبعد هجرته إلى المدينة بسنة، زوّج السيدة فاطمة3 من الإمام عليٍّ7.

الطبري نقلاً عن الإمام الباقر7: أنَّ الإمام عليًّا7 تزوّج السيدة فاطمة3 في السنة الثانية للهجرة، وقبل أن ينتهي شهر صفر بعدّة أيام.

وفي خبرٍ آخر ذكره الطبري في تاريخه، قال: زُفّت السيدة فاطمة3 إلى عليٍّ7 بعد غزوة بدر.

ومن المعلوم أنَّ وقعة بدر الكبرى كانت في السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني للهجرة النبوية الشريفة.

وبالتالي هنا ملاحظات منها أنَّ جعفراً رضوان الله عليه كان في الحبشة مهاجراً، ولم يعد إلّا في فتح خيبر في العام السابع، ووقتها نسب إلى الرسول9 أنَّه قال: «ما أدري بأيهما أنا أسر؛ بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر»؟!

ولم أجد من يذكر أنَّ جعفراً عاد إلى المدينة من هجرته للحبشة قبل هذا التاريخ؛ هذا أولاً.

وأما ثانياً: فإنَّ عقيلاً كان يومذاك في مكة المكرمة، ولم يدخل المدينة إلّا أسيراً في وقعة بدر الكبرى في شهر رمضان من العام الثاني من الهجرة النبوية، اللهم إلّا أن نأخذ بروايتي الطبري المذكورتين أعلاه:.. أنَّ الإمام عليًّا7 تزوّج السيدة فاطمة3 في السنة الثانية للهجرة، وقبل أن ينتهي شهر صفر بعدّة أيام.

أو: زُفّت السيدة فاطمة3 إلى عليٍّ7 بعد غزوة بدر في السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني من الهجرة النبوية المباركة.

والسيدة أُمّ سلمة تزوجها النبيُّ9  بعد وقعت اُحد في شوال سنة 3 هجرية، والتي جُرح فيها زوجها أبو سلمة المخزومي، ثمَّ استشهد إثر جُرحه هذا، وإما أنَّه خرج بعدها في سرية، ولما عاد منها في جمادى الآخرة من السنة الرابعة للهجرة انتقض عليه جرحه ومات. وبالتالي يكون زواجه9 منها على أقل تقدير في أوائل السنة الرابعة.

والقول نفسه في زواجه9 من حفصة بنت عمر، فإنَّ زوجها خنيس بن حذافة السهمي هو الآخر استشهد بعد إصابته في أحد 7 شوال 3 هجرية وقيل: بعد غزوة بدر...[5]

وبالتالي لم يكنَّ من نسائه9 وقت زواج وزفاف السيدة المطهرة الزهراء3 من الإمام عليٍّ7.

فهذه الأخبار تنقصها الدقّة والتحقيق كما يبدو لي.

وحضر وفاة الصديقة الطاهرة سلام الله عليها

هذا وكان عقيل واحداً ممن حضر وفاتها سلام الله عليها، وشارك في الصلاة عليها كما في الخبر:.. وصلّى عليها أمير المؤمنين، والحسن والحسين:، وعمار، والمقداد، وعقيل، والزبير، وأبوذر، وسلمان، وبريدة، ونفر من بني هاشم في جوف الليل، ودفنها أمير المؤمنين7 سرًّا بوصية منها في ذلك!

ويقال: إنَّ عقيلاً هو الذي اختار أُمَّ البنين رضوان الله عليها زوجةً للإمام عليٍّ7؛ لتكون أول امرأة يتزوّجها7، بعد وفاة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء3.

ولكنه7 في قولٍ قد تزوّج، بعد وفاة الصديقة الطاهرة3، أمامة بنت أبي العاص؛ وهو ابن أخت أُمّ المؤمنيبن خديجة3. وأُمّها زينب بنت رسول الله9 وفي قولٍ: زينب هذه كانت ربيبة المصطفى9 والعرب يزعمون أنّ الربيبة بنت ...؛ لوصيةٍ نُسبت للزهراء3 حين قالت للإمام علي7: «يا بن عمّ رسول الله، أُوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، فإنّ الرجال لابدّ لهم من النساء ...».[6]

وبالتالي فأُمامة تُعدُّ الزوجة الأولى للإمام علي7 بعد سيدة النساء3، وقبل زواجه من أُمّ البنين ، التي أنجبت له أربعة ، شاركوا في واقعة كربلاء يوم عاشوراء، و استشهدوا جميعاً مع أخيهم الإمام الحسين7، وهم العباس وعبدالله وعثمان وجعفر سلام الله عليهم.

وكان أبرزهم العباس7، وهو المقصود بالخبر التالي: «فتلد لي غلاماً فارساً المولود في اليوم الرابع من شهر شعبان من العام (26هـ).

و إن صحَّ التاريخ المذكور لولادة أبي الفضل العباس7، فيعني أنَّ وقت زواج الإمام عليٍّ7 من السيدة أُمّ البنين إلى ما يقرب من العام المذكور، أي بعد رحلة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء3 بأكثر من أربعة عشر عاماً. وبالتالي فإنَّ طلب الإمام عليٍّ7، إن صحَّ، من أخيه عقيل قد تأخر طويلاً...

وطلب الإمام7 ذكره ابن عنبة المتوفى (٨٢٨هـ) ولم يذكر سنداً ولا مصدراً، وكأنَّه تفرّد بما ذكره في المقطع الأول قائلاً: وقد روى أنَّ أمير المؤمنين عليًّا7 قال لأخيه عقيل ـ وكان نسابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم ـ : «اُنظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب؛ لأتزوّجها، فتلد لي غلاماً فارساً».

مضيفاً عليه: ولما كان يوم الطف، قال شمر بن ذي الجوشن الكلابي للعباس واخوته: أين بنو أختي؟ فلم يجيبوه.

فقال الحسين7 لإخوته: أجيبوه وإن كان فاسقاً فإنّه بعض أخوالكم.

فقالوا له: ما تريد؟

قال: اخرجوا إليَّ فانّكم آمنون، ولا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم.

فسبّوه وقالوا له: قبحت وقبح ما جئت به، أنترك سيّدنا وأخانا ونخرج الى أمانك؟ وقتل هو وإخوته الثلاثة في ذلك اليوم.

ولكني وجدتُ الشيخ أبا نصر البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري (والمتوفى 398 أو341 هـ) في كتابه سرّ السلسلة العلوية يقول: قال أمير المؤمنين7 لعقيل بن أبي طالب ـ وهو أعلم قريش بالنسب ـ أطلب لي امرأة ولدتها شجعان العرب حتى تلد لي ولداً شجاعاً، فوقع الاختيار على أمّ البنين الكلابية، وولدت العباس بن علي وأخوته. ولم يذكر هو الآخر مصدراً لهذا.

وفي التعريف بالكتاب المذكور يقول السيد محمد صادق بحر العلوم:.. فانَّ صاحب (عمدة الطالب) كثيراً ما ينقل عن (سرّ السلسلة العلوية).

ولعلّ ابن عنبة اكتفى بنقل هذا الخبر من السلسلة العلوية الذي هو الآخر لا أدري من أين جاء به؟[7]

وداع أبي ذرٍّ الغفاري!

صدر قرار الخليفة الثالث عثمان بإبعاد الصحابي الجليل صاحب أصدق لهجة ... كما روي عن رسول الله9 أنَّه قال: «ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجةٍ أصدقَ من أبي ذر»! عن المدينة المنوّرة إلى حيث الربذة ؛ ليموت وحده كما بشّره بذلك حبيبُه رسولُ  الله9!

فكان عقيل ضمن أُولئك المودّعين للصحابي الجليل أبي ذرٍّ؛ قائلاً له قولاً سديداً لا يخلو من حكمة ورشاد، في وقت منعت سلطة الخلافة أن يُكلمه أحدٌ وأن يُشيعه وحتى حظرت على الناس أن يُقاعدوه...

ففي خبرٍ ذكره ابن أبي الحديد عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لما أُخرج أبو ذرّ إلى الربذة، أمر عثمان، فنودي في الناس ألّا يُكلم أحدٌ أبا ذر ولايشيّعه. وأمر مروان بن الحكم أن يخرج به. فخرج به، وتحاماه الناس إلّا علىّ بن أبي طالب7 وعقيلاً أخاه وحسناً وحسيناً8، وعماراً، فإنهم خرجوا معه يشيّعونه، فجعل الحسن7 يكلم أباذر، فقال له مروان: إيهاً يا حسن! ألا تعلم أنَّ أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل؟! فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك، فحمل عليّ7 على مروان، فضرب بالسوط بين أذني راحلته، وقال7: «تنحَّ لحاك الله إلى النار»!

فرجع مروان مغضباً إلى عثمان: فأخبره الخبر، فتلظّى على عليّ7.

ووقف أبو ذر فودعه القوم، ومعه ذكوان مولى أمّ هانئ بنت أبي طالب. قال ذكوان: فحفظت كلام القوم ـ وكان حافظاً ـ فقال عليٌّ7: «يا أبا ذر، إنّك غضبت لله! إنَّ القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك. فامتحنوك بالقلى، ونفوك إلى الفلا، والله لو كانت السماوات والأرض على عبدٍ رَتقا، ثمَّ اتقى الله؛ لجعل له منها مخرجاً. يا أبا ذر لا يؤنسنك إلّا الحقّ، ولا يوحشنّك إلّا الباطل».

ثم قال لأصحابه: «ودعوا عمَّكم، وقال لعقيل: ودع أخاك»! فتكلم عقيل، فقال: ما عسى أن نقول يا أبا ذر، وأنت تعلم أنا نحبّك، وأنت تحبّنا فاتق الله، فإنَّ التقوى نجاة، واصبر فإنَّ الصبر كرم، وأعلم أنَّ استثقالك الصبر من الجزع، واستبطاءك العافية من اليأس، فدع اليأس والجزع!

ثمَّ تكلّم الحسن7... ثمَّ تكلّم الحسين7... ثمَّ تكلّم عمّار= مغضباً...

فبكى أبو ذر=، وكان شيخاً كبيراً، وقال: «رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة! إذا رأيتُكم ذكرتُ بكم رسول الله9؛ ما لي بالمدنية سكنٌ ولا شجنٌ غيركم، إني ثَقُلتُ على عثمان بالحجاز، كما ثَقُلتُ على معاوية بالشام، وكره أن أجاور أخاه وابنَ خاله بالمصرين، فأُفسِد الناس عليهما، فسيّرني إلى بلدٍ ليس لي به ناصر ولا دافع إلّا الله، والله ما أريد إلّا الله صاحباً، وما أخشى مع الله وحشةً»!

ورجع القوم إلى المدينة، ... وبفلاة من الأرض رحل أبو ذرٍّ إلى ربّه وحيداً؛ تظلّله كلمةٌ مباركةٌ قالها له رسول الله9: «رحم الله أبا ذرٍّ يُحشر وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده»!

وسمعها مَن حوله، وذلك حين رآه، وقد أبطأ بعيره في غزوة تبوك، فحمل متاعه على ظهره، وتبع أثر الرسول9 ماشياً حتى لحق به.

ويبدو أنَّ أبا ذرٍّ ظلَّ يحمل متاعه الحقيقي وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طيلة مسيرته في الإسلام، حتى حظي بثمار صدقه، أن حلَّ (فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍۢ مُّقْتَدِرٍ).[8]

رسالة عقيل للإمام7، البلاذري عن عبّاس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد أنّ عقيلاً كتب إلى أخيه عليّ7: «أمّا بعد كان الله جارك من كلّ سوء، وعاصمك من المكروه على كلّ حال، إنّي خرجت ــ يا بن أمّ ــ معتمراً، ولقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح في نحو من أربعين شاباً من أبناء الطلقاء، فقلت لهم ــ وعرفت المنكر ــ : أين تريدون يا بني الطلقاء؟ أبمعاوية تلحقون عداوة لنا غير مستنكرة منكم ، تحاولون تغيير أمر الله وإطفاء نور الحق! فأسمعوني وأسمعتهم، ثمّ إنّي قدمت مكة وأهلها يتحدّثون بأنّ الضحاك بن قيس أغار على الحيرة وما يليها، فأف لدهر جرأ علينا الضحاك، وما الضحاك إلّا فقع بقرقر، فاكتب إليّ يا بن أمّ برأيك وأمرك، فإنْ كنت الموت تريد، تحمّلت إليك ببني أخيك وولد أبيك، فعشنا معك ما عشت، ومتنا معك إذا مت.

فكتب إليه الإمام عليّ7: «أنّ ابن أبي سرح وغيره من قريش قد اجتمعوا على حرب أخيك اليوم كاجتماعهم على حرب ابن عمّك قبل اليوم، وإنَّ الضحاك أقلَّ وأذلَّ من أن يقرب الحيرة، ولكنه أغار على ما بين القطقطانية والثعلبية».

أمّا الثقفي فقد أورد الرواية نفسها التي وردت عند البلاذري مع شيء بسيط من الاختلاف، منها: بدلاً من أبناء الطلقاء ذكر أبناء الشائنين، وأضاف على قصّة إغارة الضحاك قوله: «فاحتمل من أموالهم ما شاء ثمّ انكفأ راجعاً سالماً... ثم قال: وقد توهّمت حين بلغني ذلك أنّ شيعتنا وأنصارك خذلوك، فاكتب إليّ يا بن أمّ برأيك... فوالله ما أحبّ أن أبقى في الدنيا بعدك فواقاً، وأقسم بالأعزّ الأجلّ إنّ عيشاً نعيشه بعدك في الحياة لغير هنيء ولا مريء ولا نجيع، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وعن الدينوري: خروج علي7 من المدينة... فلما كان في بعض الطريق، أتاه كتاب أخيه عقيل بن أبي طالب، وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد يا أخي، كلاك الله، والله جائرك من كلّ سوء، وعاصمك من كلّ مكروه على كلّ حال، وإني خرجت معتمراً، فلقيت عائشة معها طلحة والزبير وذووهما، وهم متوجهون إلى البصرة، قد أظهروا الخلاف، ونكثوا البيعة، وركبوا عليك قتل عثمان، وتبعهم على ذلك كثير من الناس، من طعناتهم وأوباشهم، ثم مرّ عبد الله بن أبي سرح، ...

وردّ عليه أمير المؤمنين7 بقوله: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب: سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا أله إلّا هو، أمّا بعد كلأنا الله وإيّاك كلاءة من يخشاه بالغيب إنّه حميد مجيد، فقد وصل إليّ كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي، تذكر فيه أنّك لقيت عبد الله بن سعيد بن أبي سرح مقبلاً من قديد في نحو من أربعين شاباً من أبناء الطلقاء متوجّهين إلى المغرب، وأنّ ابن أبي سرح طالما كاد الله ورسوله وكتابه، وصد عن سبيله وبغا عوجاً، فدع ابن أبي سرح ودع عنك قريشاً، وخلّهم وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، إلّا وإنّ العرب قد اجتمعت على حرب أخيك اليوم اجتماعها على حرب النبيّ9 قبل اليوم، فأصبحوا قد جهلوا حقّه وجحدوا فضله، وبادروه العداوة ونصبوا له الحرب، وجهدوا عليه كلّ الجهد، وجرّوا عليه جيش الأحزاب، اللّهمّ فأجز قريشاً عنّي الجوازي فقد قطعت رحمي، وتظاهرت عليَّ، ودفعتني عن حقّي، وسلبتني سلطان ابن أمّي، وسلّمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول9 وسابقتي في الإسلام، إلّا أن يدّعى مدّع ما لا أعرفه ولا أظن الله يعرفه، والحمد لله على كلّ حال.

وأمّا ما ذكرت من غارة الضحّاك على أهل الحيرة فهو أقلّ وأذلّ من أن يلمّ بها أو يدنو منها ولكنه قد كان أقبل في جريدة خيل فأخذ على السماوة حتّى مرّ بواقصة وشراف والقطقطانية فما والى ذلك الصقع، فوجّهت إليه جنداً كثيفاً من المسلمين، فلمّا بلغه ذلك فرّ هارباً، فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن، وكان ذلك حين طفلت الشمس للإياب، فتناوشوا القتال قليلاً كلّا ولا، فلم يصبر لوقع المشرفية وولّى هارباً، وقتل من أصحابه تسعة عشر رجلاً، ونجا جريضاً بعد ما أخذ منه بالمخنق ولم يبق منه غير الرمق فلأيا بلأي ما نجا.

والله ما سألتني أن أكتب إليك برأيي فيما أنا فيه فإنّ رأيي جهاد المحلّين حتّى ألقى الله، لايزيدني كثرة الناس معي عزّة، ولا تفريقهم عنّي وحشة ؛ لأنّي محقّ والله مع الحقّ، والله ما أكره الموت على الحقّ، وما الخير كلّه بعد الموت إلّا لمن كان محقّاً.

وأمّا ما عرضت عليّ من مسيرك إليّ ببنيك وبني أبيك فلا حاجة لي في ذلك، فأقم راشداً محموداً فوالله ما أحبّ أن تهلكوا معي إنْ هلكت، ولا تحسبن أنّ ابن أمّك ـ ولو سلّمه الناس ـ متخشّعاً ولا متضرّعاً ولا مقراً للضيم واهناً ولا سلس الزمام للقائد ولا وطئ الظهر للراكب المقتعد، إنّي لكما كما قال أخو بني سليم:

فإن تسأليني كيف أنت فإنّني

صبور على ريب الزمان صليب

يعـزّ عليّ أن ترى بــي كآبــة

فيشمت عـاد أو يسـاء حبيب».

وقد ورد الكتاب في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين7 قوله: «ومن كتاب له7 إلى أخيه عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء»، وهو جواب كتاب كتبه إليه عقيل فسرحت إليه جيشاً كثيفاً من المسلمين، فلمّا بلغه ذلك شمّر هارباً ونكص نادماً، فلحقوه ببعض الطريق، وقد طفلت الشمس للإياب، فاقتتلوا شيئاً كلا ولا، فما كان إلّا كموقف ساعة حتى نجا جريضاً بعد ما أخذ منه بالمخنق ولم يبق منه غير الرمق فلأيا بلأي ما نجا.

فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه، فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله9 قبلي، فجزت قريشاً عنّي الجوازي، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمّي.

وأمّا ما سألت عنه مِن رأيي في القتال، فإنّ رأيي قتالُ المحلّين حتى ألقى الله، لا يزيدني كثرة الناس حولي عزّةً ، ولا تفرقهم عنّي وحشةً، ولا تحسبن ابن أبيك ـ ولو أسلمه الناس ـ متضرّعاً متخشّعاً، ولا مقرًّا للضيم واهناً، ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطئ الظهر للراكب المقتعد، ولكنَّه كما قال أخو بنى سليم:

فإن تسأليني كيف أنتَ فإنَّني

صبورٌ على ريب الزمان صليبُ

يعزُّ علىَّ أن تُرى بي كآبةٌ

فيّشمت عادٍ أو يُساء حبيبُ.[9]

أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟!

حفظاً لبيت مال المسلمين، وتجذيراً لمبدإ الإنصاف بينهم ، وبعيداً عن تضييع حقوقهم، ومنعاً للتبذير والتجاوزات، وإبعاداً لطمع القريب وتسلط العشيرة،... رسم الإمام عليّ7 منهجه في العدل والإحسان بين عباد الله تعالى.

ومن مصاديق هذا موقفه من أخيه عقيل بن أبي طالب الذي لطالما سأله عطاءً، وذلك حين جاءه يوماً يطلب منه أكثر من حقّه، قال7: «والله لأن أبيتُ على حسك السعدان مسهداً، أو أجرّ في الأغلال مصفّدًا، أحبُّ إليَّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها، والله لقد رأيتُ عقيلاً وقد أملق، حتى استماحني من برّكم صاعاً، ورأيتُ صبيانه شعثَ الشعور غُبرَ الألوان من فقرهم، كأنما سُوِّدت وجوههم بالعِظْلم، وعاودني مؤكداً وكرّر عليَّ القول مردداً، فأصغيتُ إليه سمعي، فظنَّ أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقتي، فأحميتُ له حديدةً، ثمَّ أدنيتُها من جسمه؛ ليعتبر بها، فضجَّ ضجيجَ ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها! فقلتُ له: ثكلتك الثواكلُ يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانُها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارُها لغضبه، أتئن من الأذى ولا أئن من لظى...!

حدثنا محمد، عن ... عن جعفر بن علي بن الحسين8، قال: روى الثقفي، قال: قدم عقيل على عليٍّ7، وهو جالس في صحن مسجد الكوفة، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله. قال: وعليك السلام يا أبا يزيد، ثم التفت إلى الحسن بن علي8، فقال: قم وأنزل عمَّك، فذهب به فأنزله وعاد إليه.

فقال له: اشتر له قميصاً جديداً، ورداءً جديداً، وإزاراً جديداً، ونعلاً جديداً.

فغدا على عليٍّ7 في الثياب، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.

قال7: وعليك السلام يا أبا يزيد.

قال: يا أمير المؤمنين، ما أراك أصبتَ من الدنيا شيئًا إلّا هذه الحصباء؟!

قال7: يا أبا يزيد، يخرج عطائي فأعطيكاه!

قال حميد بن هلال: أتى عقيل عليًّا7، فقال: يا أمير المؤمنين، إني محتاج وإني فقير فأعطني. قال: اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم.

فألحَّ عليه، فقال لرجل: خذ بيده، فانطلق به إلى حوانيت أهل السوق، فقل: دقّ هذه الأقفال، وخذ ما في هذه الحوانيت. فقال: يا أمير المؤمنين، أردت أن تتخذني سارقًا! قال: أنت ـ والله ـ أردت أن تتخذني سارقًا، أن آخذ أموال الناس فأعطيكها دونهم.

قال: لآتيَنَّ معاوية. قال: أنت وذاك!...

وعن عبدالصمد، عن جعفر بن محمد8 قال: قلت: يا أبا عبدالله حدثنا حديث عقيل، قال : نعم، جاء عقيل إليكم بالكوفة وكان علي7 جالساً في صحن المسجد وعليه قميص سنبلاني قال: فسأله، قال: أكتب لك إلى ينبع، قال: ليس غير هذا؟ قال: لا، فبينما هو كذلك إذ أقبل الحسين7 (الحسن بن عليّ7).

فقال: اشتر لعمّك ثوبين، فاشترى له.

قال: يا ابن أخي ما هذا؟

قال: هذه كسوة أميرالمؤمنين7.

ثم أقبل حتى انتهى إلى عليّ7، فجلس فجعل يضرب يده على الثوبين، وجعل يقول: ما ألين هذا الثوب يا أبا يزيد!

قال: يا حسن أخد عمّك قال: قال: ما أملك صفراء ولا بيضاء، قال: فمر له ببعض ثيابك، قال: فكساه بعض ثيابه، قال: ثم قال: يا محمد أخد عمك، قال: والله ما أملك درهماً ولا ديناراً، قال: اكسه بعض ثيابك.

قال عقيل: يا أمير المؤمنين، ائذن لي إلى معاوية؟

قال: في حلّ محلل!

إلى حيث معاوية!

ليَسمَعَ معاويةُ عقيلاً يُعلنها صريحةً قويّةً في ميدان سلطته؛ سلطة بني أُميّة، حين يُجيبه عن سؤاله: كيف تركتَ عليًّا وأصحابَه؟

قال عقيل: كأنَّهم أصحاب رسول الله9 يوم بدر، إلّا أنَّي لم أرَ رسول الله9 فيهم!

وكأنَّك وأصحابك أبو سفيان يوم أُحد، إلّا أنّي لم أرَ أبا سفيان معكم!

فليس عقيل التقى بمعاوية طلباً للرفد وطمعاً بالمال بمعنى أنَّه كان في أزمة معيشية، يعاني منها كما ذكروا، ولكني أرى أنَّه برحلته هذه إضافةً إلى أنَّه أخذ ما يراه حقًّا له من المال، أظهر لا فقط الدنس في نسب معاوية، بل والخسّة في سيرته وسيرة من تبعه من أصحابه وجنده!

فإن صحّت أخبار الرواة أنَّ عقيلاً أفي حياة الإمام عليٍّ7 ، بعد أن استأذن منه، أو بعد رحلة الإمام7 إلى الملكوت الأعلى على الاختلاف في هذا، ارتحل إلى الشام حيث معاوية بن أبي سفيان، وهذا هو ما أشار إليه ابنُ أبي الحديد في قوله: واختلف الناس في عقيل؛ هل التحق بمعاوية وأمير المؤمنين حيٌّ؟ فقال قوم: نعم ... ورووا أنَّ معاوية قال يوماً وعقيل عنده هذا أبو زيد لولا علمه فقال: إني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه. فقال عقيل: أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنياي، أسأل الله خاتمة خير!

وقال قوم: إنه لم يعد إلى معاوية إلّا بعد وفاة أمير المؤمنين7، واستدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه في آخر خلافته، والجواب الذي أجابه7... ويختم هذا بقوله: وهذا القول هو الأظهر عندي.

وأما الكتاب فهو رقم 36 في الجزء 16 : 148 من الشرح المذكور. وعنوانه: من كلام له7 إلى أخيه عقيل بن أبي أبي طالب، وهو جواب كتاب إليه كتبه عقيل: فَسَرَّحْتُ إِلَيْهِ جَيْشاً كَثِيفاً مِنَ الْـمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ شَمَّرَ هَارِباً وَ نَكَصَ نَادِماً، فَلَحِقُوهُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ... و هو الضحّاك بن قيس... فيما يفهم من ابن قتيبة (المتوفى سنة 276هـ) في كتابه الإمامة والسياسة ـ إن صحّت نسبته إليه ـ أنَّ عقيلاً خرج إلى معاوية في حياة أخيه الإمام عليٍّ7.

وأيضاً يقول التستري: و في كتاب عقيل إليه (أي إلى الإمام7):

«فافّ لحياة في دهر جرؤ عليك الضحّاك، و ما الضحّاك إلّا فقع بقرقر» أي: كمأة رخوة في قاع أملس تطأها كلّ دابة».

وهو جواب كتاب كتبه إليه أخوه عقيل. المفهوم من ابن قتيبة أنّ عقيلاً كتب إليه في أوّل خلافته كتاباً، فأجابه بما في العنوان.

وأما كتاب أو رسالة عقيل للإمام7.

فعن البلاذري عن عبّاس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد أنّ عقيلاً كتب إلى أخيه عليّ7: أمّا بعد كان الله جارك من كلّ سوء، وعاصمك من المكروه على كلّ حال، إنّي خرجت ــ يا بن أمّ ــ معتمراً، ولقيت عبدالله بن سعد بن أبي سرح في نحو من أربعين شاباً من أبناء الطلقاء، فقلت لهم ــ وعرفت المنكر ــ :أين تريدون يا بني الطلقاء؟ أبمعاوية تلحقون عداوة لنا غير مستنكرة منكم، تحاولون تغيير أمر الله وإطفاء نور الحق!! فأسمعوني وأسمعتهم، ثمّ إنّي قدمت مكة وأهلها يتحدّثون بأنّ الضحاك بن قيس أغار على الحيرة وما يليها، فأف لدهر جرأ علينا الضحاك، وما الضحاك إلّا فقع بقرقر، فاكتب إليّ يا بن أمّ برأيك وأمرك، فإنْ كنت الموت تريد، تحمّلت إليك ببني أخيك وولد أبيك، فعشنا معك ما عشت، ومتنا معك إذا مت.

فكتب إليه الإمام عليّ7: «أنّ ابن أبي سرح وغيره من قريش قد اجتمعوا على حرب أخيك اليوم كاجتماعهم على حرب ابن عمّك قبل اليوم، وإنَّ الضحاك أقلَّ وأذلَّ من أن يقرب الحيرة، ولكنه أغار على ما بين القطقطانية والثعلبية».[10]

إنَّ أهم ما في هذه الرحلة إلى معاوية، هي تلك اللقاآت والحوارات التي تخللتها، وإجابات عقيل عمّا يسأل عنه معاوية، وردوده على كلّ ما طرحه معاوية إن ساخراً أو مستفهماً. وبلا شك أنَّها جميعاً تركت دروساً وعبراً ومواعظ: لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ. فضلاً عمّا كشفته من حقيقة بني أُميّة ومعاوية ومَن تبعه، وخصومتهم للإمام عليٍّ7!

ومن الجدير ذكره هنا أنَّه يُقال وحسب عدد من الأخبار أنَّ عقيلاً أُصيب في آخر عمره بالعمى، أي قبل وفاته، وإن قيل بأنَّه كان أعور قبل ذلك، وبعضها يذهب إلى أنَّه أُصيب بالعمى وهو في الكوفة، ولما ذهب إلى معاوية كان كذلك، أي دخل على معاوية وقد كُفَّ بصره، فأجلسه معاوية على سريره، ثمَّ قال له: أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم!! قال: وأنتم معشر بني أمية تصابون في بصائركم، وأحسَّ وانتبه لما فعله معاوية حين دخل عتبة بن أبي سفيان، فوسع له معاوية بينه وبين عقيل فجلس بينهما، فقال عقيل: من هذا الذي أجلس أمير المؤمنين بيني وبينه؟ قال: أخوك وابن عمّك عتبة.

قال: أما إنه إن كان أقرب إليك مني، إني لأقرب لرسول الله9 منك ومنه، وأنتما مع رسول الله9 أرض ونحن سماء.

قال عتبة: أبا يزيد! أنت كما وصفت، ورسول الله9 فوق ما ذكرت، وأمير المؤمنين عالم بحقّك، ولك عندنا مما تحبّ أكثر مما لنا عندك مما تكره إذن لم يمنعه العمى ولا كبر سنّه من أي حركة أو قول، بل هو يحتفظ بقدرته وانتباهه لما يدور حوله وفي مجالسه، وبحضوره الذهني وقوّة حجّته في المحاججة، وردوده القويّة على معاوية وأمثاله، حينما التقى به في أواخر عمره، وعندما يحتدم الجدال بينه وبين عقيل وبين عقيل وجلساء معاوية...

يقول عنه الجاحظ: كان عقيل رجلاً قد كفَّ بصره، وله بعد لسانه وأدبه ونسبه وجوابه، فلما فضل نظراءه من العلماء بهذه الخصال، صار لسانه بها أطول..!

كان عقيل أسرع الناس جواباً وأشد عارضة، وأحضرهم مراجعة في القول وأبلغهم في ذلك. وهذه بعض كلمات حقٍّ أطلقها عقيل، وأسمعها معاوية وجلساءه، يجدها القارئ في أي لقاء ضمَّ عقيلاً ومعاوية، وبحضور جلساء سلطانه ومريديه!

ففي مواجهة له لمعاوية، وقد سأله فأعطاه مائة ألف، ثم قال: اصعد المنبر، فاذكر ما أولاك عليٌّ من نفسه، وما أوليتُك من نفسي!

فصعد عقيل، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: أيها الناس، إني أخبركم أني أردتُ عليًّا على دينه، فاختار دينه! وإني أردتُ معاوية على دينه، فاختارني على دينه!

ومن أقواله الأُخرى: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثارت دنياي، وأسأل الله خاتمة خير!

يا أهل الشام، إنَّ أخي خير لنفسه وشرّ لي، وإنَّ معاوية شرّ لنفسه، وخير لي!

إنَّ أخي آثر دينه على دنياه، وأنت آثرتَ دنياك على دينك، فأخي خير لنفسه منك لنفسك!

وجدتُ عليًّا انظر لنفسه منه لي، ووجدتُك انظر لي منك لنفسك.

فأنت خير لي من أخي، وأخي خير لنفسه منك!

وردًّا على سؤال معاوية: يا أبا يزيد، كيف تركت عليًّا؟

فقال: تركتُه على ما يُحبّ اللهُ ورسولُه، وألفيتُك على ما يكره اللهُ ورسولُه!

هذا وما أن رأى كلٌّ منهما الآخر في أول لقاءٍ لهما ـ كما يبدو من الأخبار ـ في الشام حيث معاوية وسلطانه، قال معاوية ساخراً: هذا عقيل وعمّه أبو لهب!

فقال عقيل: هذا معاوية عمّته حمالة الحطب!

وفي خبرٍ أنَّه قال: يا أهل الشام، هل سمعتم قول الله في كتابه: (تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ). قالوا: نعم. قال: فإنَّ أبا لهب عمّ عقيل. فقال عقيل: فهل سمعتم قول الله عزَّوجلَّ: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ). قالوا: نعم! قال: فإنّها عمّته. قالوا: نعم!

وأنا أقول: ويكفي ردًّا هو أنَّ معاوية لما أراد أن يغضب عقيلاً، عيّره بعمّه أبي لهب، فردّ عليه بأنَّ عمَّته حمالة الحطب، فأسكته... وليس هذا يُعدُّ ردًّا على معاوية فقط، بل هو يصلح أن يكون ردًّا ضمن ردود عديدة على أولئك المشككين بإيمان سيد البطحاء وشيخها أبي طالب رضوان الله عليه.

إذ لو كان أبو طالب رضوان الله عليه غير مسلم؛ لعيّر معاوية عقيلاً به قبل أن يُعيّره بعمّه، فالأب أقرب من العمّ، والعار به أوقع، والسخرية والانتقاص من عقيل بأبيه أخطر أثراً وأبلغ وقعاً أمام الملإ الذين كانوا حضوراً. لكنَّ معاوية لم يجد في سجله ما فيه دنسٌ في نسب عقيل وبيت شيبة الحمد؛ شيبة بني هاشم أبي طالب رضوان الله عليه، إلّا ما وجده في أبي لهب، فلم يستطع كتمانه، فبدأ به، وختم به. ولم يردّ على عقيل بشيءٍ أبداً، حينما عيّره بعمّته امرأة أبي لهب!!

الحديدة المحماة !

وما أسرع ما تَذكَّر معاويةُ قصةَ الحديدة المحماة، فراح يسأل عقيلاً عنها! فبكى، وقال: نعم أقويت وأصابتني مخمصة شديدة، فجمعتُ صبياني وجئتُه بهم، والبؤس والضرُّ ظاهران عليهم، فقال: إئتني عشية لأدفع إليك شيئاً.

فجئتُه يقودني أحدُ ولدي، فأمره بالتنحي، ثم قال: ألا فدونك، فأوهيت حريصاً قد غلبني الجشع، أظنّها صرةً، فوضعتُ يدي على حديدة تلتهب ناراً، فلما قبضتها نبذتها، وخرتُ كما يخورالثورتحت يد جازره!

فقال لي: ثكلتك أمُّك، هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا، فكيف بك وبي غداً إن سلكنا في سلاسل جهنم! ثم قرأ: (إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ).[11]

ثم قال: ليس لك عندي فوق حقّك الذي فرضه الله لك إلّا ما ترى، فانصرف إلى أهلك! فجعل معاوية يتعجب ويقول: هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن مثله!!!.

وفي خبرٍ: فلما سمع به معاوية، نصب كراسيه، وأجلس جلساءه.

فورد عليه، فأمر له بمائة ألف درهم، فقبضها، فقال له معاوية: أخبرني عن العسكرين.

قال: مررتُ بعسكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب7، فإذا ليل كليل النبيّ9، ونهار كنهار النبيّ9، إلّا أنَّ رسول الله9 ليس في القوم.

ومررتُ بعسكرك، فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله9 ليلة العقبة.

ثمَّ قال: مَن هذا الذي عن يمينك يا معاوية؟ قال: هذا عمرو بن العاص.

قال: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر، فغلب عليه جزارها! فمَن الآخر؟ قال: الضحاك بن قيس الفهري.

قال: أما والله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيس.

فمَن هذا الآخر؟ قال: أبو موسى الأشعري.

قال: هذا ابن المراقة. وفي شرح النهج: السراقة.

فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه، قال: يا أبا يزيد ما تقول فيَّ؟

قال: دع عنك.

قال: لتقولن.

قال: أتعرف حمامة؟

قال: ومَن حمامة؟

قال: أخبرتك! ومضى عقيل!

فأرسل معاوية إلى النسابة، قال: فدعاه ، فقال: أخبرني مَن حمامة؟!

قال: أعطني الأمان على نفسي وأهلي، فأعطاه، قال: حمامة جدّتك، وكانت بغية في الجاهلية، لها راية تؤتى.

قال الشيخ: قال أبو بكر بن زبين: هي أمّ أمّ أبي سفيان.

ونقله ابن أبي الحديد في شرح النهج ( 1: 157، س6) من دون نسبة ومع زيادة وهي: فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه، علم أنه إن استخبره عن نفسه قال فيه سوءًا، فأحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء، فيذهب بذلك غضب جلسائه (إلى أن قال) فقال معاوية لجلسائه: قد ساويتكم وزدت عليكم فلا تغضبوا!

وقال معاوية لعقيل: إنّ فيكم يا بني هاشم لخصلة لا تعجبني.

قال: وما تلك الخصلة؟

قال: اللين.

قال: وما ذلك اللين؟

قال: هو ما أقول لك.

قال: أجل يا معاوية، إنَّ فينا لليناً من غير ضعف، وعزًّا في غير عنف، فإنَّ لينكم يا بن صخر غدر، وسلمكم كفر!

فقال معاوية: ما أردنا كلّ هذا يا أبا يزيد!

فقال عقيل: لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الإنسان إلّا ليعلما

أنَّ السفاهة طيش من خلائقكم لا قدس الله أخلاق الملاعين (الملاعينا).

فأراد معاوية أن يقطع كلامه فقال: ما معنى كلمة (طه)؟

فقال عقيل: نحن أهله وعلينا نزل لا على أبيك ولا على عمّك ولا على أهل بيتك، طه بالعبرانية يا رجل!

أقول : الملتمس لقب شاعر جاهلي، اختلف في اسمه بين جرير بن عبد المسيح أو جرير بن عبد العزى، يُقال: إنَّه كان يكره الظلم، ويتصف بأنه سليط اللسان، نسبوا إليه أنَّه من ضمن أشعاره قال:

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

و مـا عُــلِّم الإنســـان إلّا ليعــلما

وهو مثل يضرب لمن إذا نُبِّه انتبه!

من طرائفه ونوادره :

عرف الرجل بذكائه وسرعة بديهيتة، وأجوبته الحاضرة، وواقع ما يتكلم به، وقد وصفت بعض ردوده بالطرافة، فقد سجلوا له أنَّه لما تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، ودخل عليها، قالت: أين عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة؟ فيسكت عنها.

حتى إذا دخل عليها يوماً وهو برم، قالت: أين عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة؟ قال: عن يسارك في النار إذا دخلت، فشدّت عليها ثيابها، فجاءت عثمان، فذكرت ذلك له فضحك!

قال معاوية لعقيل: يا أبا يزيد! أين يكون عمّك أبو لهب اليوم؟

قال: إذا دخلت جهنم، فاطلبه تجده مضاجعاً لعمّتك أمّ جميل بنت حرب بن أمية!

وفي خبرٍ قال له يوماً: يا أبا يزيد! أين ترى عمَّك أبا لهب؟

فقال له عقيل: إذا دخلت النار، فانظر عن يسارك تجده مفترشاً عمَّتك، فانظر أيّها أسوء حالاً الناكح أم المنكوح؟!

وقال معاوية له: ما أبين الشبق في رجالكم يا بني هاشم!

قال: لكنه في نسائكم يا بني أمية أبين!

دخل عقيل على معاوية وقد كفّ بصره، فلم يسمع كلاماً، فقال: يا معاوية: أما في مجلسك أحد؟

قال: بلى.

قال: فما لهم لا يتكلمون؟

فتكلم الضحاك بن قيس، فقال عقيل: مَن هذا؟

فقال له معاوية: هذا الضحاك بن قيس.

قال عقيل: كان أبوه خاصي القردة، ما كان بمكة أخصى لكلب وقرد من أبيه!

وفي خبرٍ:.. قال عقيل: يا أمير المؤمنين، ائذن لي إلى معاوية؟

قال: في حلّ محلل.

فانطلق نحوه، وبلغ ذلك معاوية، فقال: اركبوا أفره دوابكم والبسوا من أحسن ثيابكم، فإنَّ عقيلاً قد أقبل نحوكم، وأبرز معاوية سريره، فلما انتهى إليه عقيل، قال معاوية: مرحباً بك يا أبا يزيد! ما نزع بك؟

قال: طلب الدنيا من مظانها!

قال: وقفتَ وأصبتَ، قد أمرنا لك بمائة ألف، فأعطاه المائة الالف.

ثم قال: أخبرني عن العسكرين اللذين مررت بهما عسكري وعسكر عليّ.

قال: في الجماعة أخبرك أو في الوحدة؟

قال: لا بل في الجماعة.

قال: مررتُ على عسكر عليٍّ7، فإذا ليل كليل النبيّ9، ونهار كنهار النبيّ9، إلّا أنَّ رسول الله9 ليس فيهم!

ومررتُ على عسكرك، فإذا أول من استقبلني أبو الأعور وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله9، إلّا أنَّ أبا سفيان ليس فيهم!

فكفّ عنه حتى إذا ذهب الناس قال له: يا أبا يزيد! أيش صنعت بي؟

قال: ألم أقل لك: في الجماعة أو في الوحدة فأبيت عليّ؟

قال: أما الآن فاشفني من عدوي، قال: ذلك عند الرحيل.

فلما كان من الغد شدّ غرائره ورواحله، وأقبل نحو معاوية وقد جمع معاوية حوله، فلما انتهى إليه قال: يا معاوية مَن ذا عن يمينك؟

قال: عمرو بن العاص، فتضاحك، ثم قال: لقد علمت قريش أنه لم يكن أحصى لتيوسها من أبيه، ثم قال: مَن هذا؟ قال: هذا أبو موسى، فتضاحك، ثم قال: لقد علمت قريش بالمدينة أنه لم يكن بها امرأة أطيب ريحاً من قِبّ أُمّه!

قال: أخبرني عن نفسي يا أبا يزيد! قال: تعرف حمامة؟ ثم سار فألقى في خلد معاوية، قال: أُمّ من أُمهاتي لستُ أعرفها، فدعا بنسابين من أهل الشام ، فقال: أخبراني أو لأضربن أعناقكما، لكما الأمان، قالا: فإنَّ حمامة جدّة أبي سفيان السابعة، وكانت بغيًّا، وكان لها بيت توفي فيه.[12]

رواياته :

نُسبت إليه عدّة روايات، وعلى قلّتها إلّا أنَّ لها أهمية في تراثنا العقدي والإمامي والتاريخي والفقهي، تدلُّ على مواكبته لبعض أحداث ومفاصل الرسالة المباركة لرسول الله9 ومتابعته لبعض مراحلها التي توفّرت على لقاءآت رسول الله9 وحواراته، وقد ذكروا أنَّ هناك مَن روى عن عقيل كابنه محمد وحفيده عبد الله بن محمد، والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح... وهكذا ذكروا له روايات عن رسول  الله9 وكُتب له مسندٌ تضمّنها، كان منها:

أنَّه قال: جاءت قريش إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب إنَّ ابن أخيك يأتينا في أفنيتنا وفي نادينا، فيسمعنا ما يؤذينا به، فإن رأيت أن تكفَّه عنا فافعل.

فقال لي: يا عقيل التمس لي ابن عمّك، فأخرجته من كبس ـ بيت صغير ـ من أكباس أبي طالب، فأقبل يمشي معي يطلب الفيء يمشي فيه فلا يقدر عليه حتى انتهى إلى أبي طالب، فقال له أبو طالب: يا ابن أخي والله ما علمت إن كنت لي لمطاعاً، وقد جاء قومُك يزعمون أنَّك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم، تسمعهم ما يؤذيهم، فإن رأيت أن تكفَّ عنهم!

فحلق ببصره إلى السماء، فقال9: «والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار!

فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قط، ارجعوا راشدين!

ومنها ما أخرجه أبو نعيم في الدلائل عن عقيل بن أبي طالب أنَّ النبيَّ9 لما أتاه الستة النفر من الأنصار، جلس إليهم عند جمرة العقبة، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه، فقرأ من سورة إبراهيم: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام)،[13] إلى آخر السورة.

فرق القوم واخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه!

ومنها أنَّه كان واحداً من الذين رووا حديث المنزلة الشريف، فعن عقيل بن أبي طالب، أنَّ رسول الله9 قال لعليٍّ7: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي».

ومنها عن عبد الله بن عمر عن عقيل بن أبي طالب ومحمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن الزهري، أنَّ العباس بن عبد المطلب مرَّ بالنبيِّ9، وهو يكلّم النقباء ويكلّمونه، فعرف صوت النبيّ9، فنزل وعقل راحلته، ثمَّ قال لهم: يا معشر الأوس والخزرج، هذا ابن أخي وهو أحبُّ الناس إليَّ، فإن كنتم صدقتموه وآمنتم به وأردتم إخراجه معكم، فإنّي أريد أن آخذ عليكم موثقاً تطمئن به نفسي، ولا تخذلوه ولا تغروه، فإنَّ جيرانكم اليهود، وهم لكم أو له عدو، ولا آمن مكرهم عليه.

فقال أسعد بن زرارة، وشقَّ عليه قول العباس حين اتهم عليه أسعد وأصحابه: يا رسول الله ائذن لي، فلنجبه غير مخشنين (اخشن صدره تخشين: أوغره) أي أهماه من الغيظ لصدرك ولا متعرضين لشيء مما تكره إلّا تصديقاً لإجابتنا إياك وإيماناً بك.

فقال رسول الله9: «أجيبوه غير متهمين».

فقال أسعد بن زرارة، وأقبل على النبيِّ9، فقال: يا رسول الله إنَّ لكلّ دعوة سبيلاً؛ إن لين وإن شدّة، وقد دعوتنا اليوم إلى دعوة متجهمة أو متهجمة للناس، متوعرة عليهم دعوتنا إلى ترك ديننا واتباعك إلى دينك، وتلك مرتبة أو رتبة صعبة، فأجبناك إلى ذلك، ودعوتنا إلى قطع ما بيننا وبين الناس من الجوار والأرحام والقريب والبعيد، وتلك رتبة صعبة، فأجبناك إلى ذلك ودعوتنا ونحن جماعة في عزّ (في المنتخب دار عزّ) ومنعة، لا يطمع فينا أحدٌ أن يرأس علينا رجلٌ من غيرنا، قد أفرده قومُه وأسلمه أعمامُه، وتلك رتبة صعبة، فأجبناك إلى ذلك، وكلّ هؤلاء الرتب مكروهة عند الناس، إلّا من عزم الله على رشده، والتمس الخير في عواقبها، وقد أجبناك إلى ذلك بألسنتنا وصدورنا إيماناً بما جئت به، وتصديقاً بمعرفة ثبتت في قلوبنا، نبايعك على ذلك، ونبايع الله ربّنا وربّك، يد الله فوق أيدينا، ودماؤنا دون دمك، وأيدينا دون يدك، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا، فإن نف بذلك، فبالله نفي، ونحن به أسعد، وإن نغدر فبالله نغدر، ونحن به أشقى، هذا الصدق منا يا رسول الله والله المستعان! ثم أقبل على العباس بن عبد المطلب بوجهه، وأما أنت أيّها المعترض لنا القول دون النبيّ9، فالله أعلم بما أردت بذلك، ذكرت أنه ابن أخيك، وأنه أحبّ الناس إليك، فنحن قد قطعنا القريب والبعيد وذا الرحم، ونشهد أنّه رسول الله أرسله من عنده، ليس بكذاب، وإن ما جاء به لا يشبه كلام البشر، وأما ما ذكرت أنّك لا تطمئن إلينا في أمره حتى تأخذ مواثيقنا، فهذه خصلة لا نردها على أحد لرسول  الله9، فخذ ما شئت، ثم التفت إلى النبيّ9، فقال: يا رسول الله خذ لنفسك ما شئت، واشترط لربّك ما شئت، فقال النبيّ9: «أشترط لربّي أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ونساءكم».

وقالوا: فذلك لك يا رسول الله!

ومنها أنَّه روى عن رسول الله9 حديثاً في الوضوء بالمدّ والطهور بالصاع.

«يجزئ مُدٌّ لِلْوُضُوءِ وَصَاعٌ لِلْغُسْلِ».

وعن الحسن، عن عقيل بن أبي طالب أنَّه تزوّج، فقيل له: بالرفاء والبنين. قال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول الله: «على الخير والبركة، بارك الله لك وبارك عليك».

وفي رواية: «كنا نؤمر بأن نقول: بارك الله لكم، وبارك عليكم، ولا نقول بالرفاء والبنين».

وفي خبرٍ: تزوّج عقيل... فخرج علينا فقلنا بالرفاء والبنين، فقال: مه لا تقولوا ذلك، فإنّ النبيّ9 قد نهانا عن ذلك، وقال: قولوا: بارك الله فيك وبارك لك فيها. وعنه أنَّه قال: قال رسول الله9: «يا عكاف ألك زوجة»؟ قال: لا. قال: «ولا جارية»؟ قال: لا. قال: «وأنت موسر بخير»؟ قال: نعم.

قال: «أنت إذن من إخوان الشياطين، إمّا أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم، وإمّا أن تكون منا فاصنع كما نصنع، لو كنت من النصارى لكنت من رهبانهم. وإنَّ من سنتا النكاح، شراركم عزابكم، وأراذل موتاكم عزابكم، إنَّ الشياطين يمرُسون، ما للشياطين من سلاح أبلغ في الصالحين من النساء، إلّا المتزوجون، أولئك المطهرون المبرأون من الخنا. ويحك ياعكاف! تزوّج، إنّهن صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف.

قيل: ومَن كرسف يا رسول الله؟!

قال9: «رجل كان في بني إسرائيل، يعبد الله بساحل من سواحل البحر ثلاثمائة عام، يصوم النهار ويقوم الليل، ثمَّ إنَّه كفر بالله العظيم في سبب امرأة غشيها، وترك ما كان عليه من عبادة الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ استدركه الله ببعض ما كان من عمل عمله، فتاب عليه. ويحك يا عُكاف! تزوّج، وإلّا فأنت من المذنبين! وعُكاف هذا هو عُكاف بن وداعة الهلالي.

أحرم عقيل بن أبي طالب في ثوبين وردائين، فرآه عمر (وكان عمر يهابه) فقال: ما هذا؟! فقال له: إنَّ أحداً لايعلمنا بالسنة!

وكذا عن أبي إسحاق قال: خرج عقيل بن أبي طالب في موردتين، فقال له عمر: قد أحرموا في بياض، فتحرم أنت في موردتين؟ إنَّك لحريص على الخلاف!

فقال له عقيل: دعنا منك، فإنه ليس أحد يعلمنا السنة.

فقال له عمر: صدقت صدقت![14]

في كتب علماء الرجال :

نكتفي ببعضهم: السيد البروجردي: عقيل بن أبي طالب، أخوه7 معظم لا يحتاج إلى التوصيف، بل هو أجلُّ من أن يسطر ويحرر، جليل عند أخيه7، وفي النبوي في جواب عليّ7 انّك لتحبّ عقيلا؟ قال: «اي والله لأحبه حبين حبًّا له وحبًّا لحب أبي طالب»، الحديث.[15]

وروى الصدوق1 في الخصال بإسناده إلى ابن عباس قال: كان بين طالب وعقيل عشر سنين، وبين عقيل وجعفر عشر سنين، وبين جعفر وعلي7 عشر سنين، وكان علي7 أصغرهم. باب الثلاثة، ثلاثة إخوة بين كلّ واحد منهم وبين الذي يليه عشر سنين، الحديث 247.

وروى الصدوق1 بسند ضعيف عن ابن عباس، قال: قال علي7 لرسول  الله9: «يا رسول الله9 إنك لتحب عقيلاً»!

قال9: «إي والله إني لأحبه حبين، حبّاً له وحبّاً لحب أبي طالب له، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك...»، الحديث.[16] 

وبنى السجاد7 دار عقيل بن أبي طالب التي هدمت من المال الذي بعثه إليه المختار.[17]

الشيخ الشاهرودي: هو أخو أمير المؤمنين7 يكنى أبا يزيد. وكان عالماً بأنساب العرب فصيحاً لطيف الطبع حسن المجاورة. وأخواه الآخران جعفر الطيار وطالب. وتقدم في أخيه جعفر عدة من الآيات النازلة في مدحه مع أخويه علي وجعفر صلوات الله عليهما... ويقول في ترجمة جعفر: فضائله ومناقبه كثيرة نتبرك بذكر بعضها، ونقدم الآيات التي نزلت فيه وفي إخوانه وعشيرته، وذكرنا مداركها في مستدرك سفينة، ونكتفي هنا بذكر متون الروايات.

ثمَّ راح يذكر الآيات، نكتفي منها بالتي ذكر عقيل كواحد من المصاديق فيها: قوله تعالى: (إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ).[18] هم أمير المؤمنين والحسن والحسين  وفاطمة صلوات الله عليهم وعقيل وجعفر في الجنة كما في الحديث النبوي.

ومنها: قوله تعالى: (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ). قال: ويبشر محمداً بالجنة وعلياً وجعفراً وعقيلاً وحمزة وفاطمة صلوات الله عليهم.[19]

أقول: بمعنى أنَّ الشيخ ذكر مدارك تلك الآيات في كتابه: مستدرك سفينة البحار وهو عشرة أجزاء، لكنه لم يُشر إلى الجزء والصفحة، حتى يُسهل على الباحث؛ ليتأكّد هو الآخر من دقّتها وصحتها. هذا أولاً، وأما ثانياً فإنَّ السيد العلامة الطباطبائي في تفسيره للآية: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ).[20]

وفي آخر (بحث روائي) وبعد أن ينقل ما جاء من روايات، يقول: والروايات ـ على ما بها من الاختلاف ـ تطبيقات من الرواة، والآية تأبى بسياقها عن أن تكون نازلة في بعض المذكورين، كيف؟ وهي في جملة آيات تقصّ ما قضاه الله وحكم به يوم خلق آدم وأمر الملائكة وإبليس بالسجود له، فأبى إبليس، فرجمه ثم قضى ما قضى، ولا تعلّق لذلك بأشخاص بخصوصيتهم هذا.

وثالثاً : هناك آيتان في التنزيل العزيز: الأولى تنتهي بـ: ...( أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً). (إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْـمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً).[21]

فيما الثانية تنتهي بـ: (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً). (ألْـحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَنـْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْـمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً).[22]

ولم يوضح الشيخ أي الآيتين هي مورد للرواية أو أنهما معاً.

وفاته :

وقد اختلفت المصادر كثيراً في وقت وفاته وموقعها ومكان دفنه: فقد ذكر ابن أبي الحديد أنَّ عقيلاً: «توفّي في خلافة معاوية في سنة خمسين هجرية وعمره ستة وتسعون سنة. قال ابن الضحاك: ولم يوقف على السنة التي مات فيها، ويقال: إنَّ وفاته سنة 50، وفي قولٍ سنة 52، وقيل: في سنة ٦٠ هـ كما ذكر السهيلي.

أمّا ابن كثير فأشار إلى وفاته في خلافة معاوية، وكذا قال الزركلي: إنّ عقيلاً توفّي في أوّل أيام يزيد، وقيل: في خلافة معاوية. وقيل: مات في أول خلافة يزيد قبل الحرة.

أما جعفر النقدي، فيقول: توفى عقيل بالشام في أيام معاوية.

وقيل: إنَّ بني أمية قتلوه في الطريق، وهو سائر من الشام إلى المدينة؛ لكلام جرى بينه وبين معاوية. والصحيح الأول.

قبره :

أما بخصوص موضع دفنه، فهناك روايات ذكرت وفاته وهو في طريقه إلى الشام، ولم تذكر مكان دفنه. فيما يقول أبو الفداء:.. الباب: بليدة صغيرة ذات سوق وحمام ومسجد جامع، ولها بساتين كثيرة نزهة، وأما بزاعا فضويعة من أعمال الباب، وبظاهرها مشهد به قبر عقيل بن أبي طالب، وهي على مرحلة من حلب في الجهة الشمالية الشرقية، وفي بساتينها يقول المنازي من أبيات، وقد اجتاز بها:

وقانا لفحة الرمضاء واد

وقاه مضاعف النبت العميم

الشمس أنى أوجهتها يصدّ

فيحجبها ويأذن للنسيم...

وكذا ذكره في صبح الأعشى، القلقشندي:

... الرابع والعشرون: عمل الباب وبزاغا وضبط الباب ... أما الباب فبليدة صغيرة، قال في تقويم البلدان: بها مشهد به قبر عقيل بن أبي طالب، وبها أسواق وحمام ومسجد جامع، وبها البساتين الكثيرة والنزه، وأما بزاغا فضيعة من أعمال الباب.

وبما أنَّه ـ على قولٍ ـ كان في المدينة وقت وفاته ، فلعلَّ مكان دفنه في مقبرة البقيع إلى جوار أُمّه السيدة فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها. قريب من قبره ، بقعة فيها زوجات النبيّ9، وقبر عمّة النبيّ9 صفية بنت عبد المطلب.

وقد ذكرت بعض المصادر أنَّ هناك في البقيع قبراً لعقيل يقع بين قبر العباس وقبور أزواج النبيّ9.

وفي قولٍ:

كان قبر صفية بنت عبد المطلب عند زاوية دار المغيرة بن شعبة، وقبرعقيل بن أبي طالب أخي عليٍّ في قبة في أول البقيع أيضاً، ومعه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار وابن أبي طالب الجواد المشهور، وقبور أزواج النبيّ، وهي أربعة قبور ظاهرة.

وبنحوه قالت مصادر وأضافت أنَّ بإزائه قبر عقيل بن أبي طالب وقبر عبد الله بن ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب، وبإزائهم روضة فيها قبور أمهات المؤمنين، ويليها روضة فيها قبرالعباس بن عبد المطلب عمّ رسول الله9، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب، وهي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الإحكام، عن يمين الخارج من باب البقيع، ورأس الحسن إلى رجلي العباس، وقبراهما مرتفعان عن الأرض متسعان، مغشيان بألواح بديعة الالتصاق، مرصعة بصفائح الصفر البديعة العمل.

وقال ابن النجار المتوفى 643:

وقبر عقيل بن أبي طالب أخي عليٍّ ، في قبة في أول البقيع أيضاً، ومعه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار ابن أبي طالب الجواد المشهور.[23]

فرضوان الله تعالى على عقيل بن أبي طالب

 

[1] . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد رقم 9699 ؛ مسند أحمد بن حنبل :  219 ؛ وكذا  الطبقات الكبرى: ٤ : ٤٣ ؛ السيرة النبوية لابن هشام: ٣ : ٣٦٥، وغيرها ؛ فتح الباري لابن حجر 8 : 23 ؛ وانظر تهذيب التهذيب لابن حجر 7 : 254 عقيل بن أبي طالب رقم 463 ؛ كتاب مرويات غزوة حنين وحصار الطائف، لإبراهيم بن إبراهيم قريبي 1 : 184.

 

[2] . تاريخ الطبري 1 : 571 ؛ أخبار مكة للأزرقي 2 : 161 ، 198 ، 199 ، 245 ، 246 ؛السيرة النبوية لابن هشام : فتح مكة ؛ كنز العمال للمتقي الهندي (ت975هـ) 22 : 425 ؛ الجامع الكبير للطبراني (ت360هـ) 10 : 521 رقم 30192 ؛ المسند، الأنصار رقم : 20771 ؛ علل الشرائع للشيخ الصدوق 1 : 155 رقم 2 ؛ مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 17 : 118 ؛ وانظر مقالتنا: أُمُّ هانئ ، في العددين: 56ـ57.

 

[3] . الآية 161 من سورة آل عمران .

 

[4] . انظر السيرة النبوية لابن هشام 4 : 135 . البداية والنهاية لابن كثير 4 : 353 . كتاب المغازي للواقدي 3 : 918 ؛ وقعة حنين ، الإصابة لابن حجر 4 : 438 رقم : 5632 ، 4564، أُسد الغابة لابن الأثير 4: 61 رقم 3733 . الأمالي للشيخ الطوسي : 574-575 .

تفسير التبيان للشيخ الطوسي ، جامع البيان في تفسير القرآن للطبري وغيرها : الآية .

[5] . انظر مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3 : 130ـ131عن كتاب مولد فاطمة عن ابن بابويه ؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي 43 : 115ـ 116 ـ 193 ؛ الكافي للشيخ الكليني، الروضة 2 : 180ـ 181 ؛ تاريخ الطبري 2 : 410 ، و 11 : 598 ؛ طبقات ابن سعد، أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ؛ الإصابة في تمييز الصحابة، عبد الله بن عبد الأسد، خنيس بن حذافة ؛ سير أعلام النبلاء للذهبي، أبو سلمة ؛ البداية والنهاية لابن كثير 4 : 104.

 

[6] . بحار الأنوار للعلامة المجلسي 18 : 138 ؛ وانظر أُسد الغابة 7 : 20 ، 6724 ؛ الإصابة 8: 25، 10828.

 

[7] . عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة ( ت ٨٢٨ هجرية ) ؛ سرّ السلسلة العلوية للشيخ أبي نصر البخاري : 88 ؛  التعريف بكتاب سرّ السلسلة العلوية للسيد محمد صادق بحر العلوم: 357 .

 

[8]  . سورة  القمر : 55 ؛ انظر شرح نهج البلاغة 8 : 252 ـ  254 ؛ كتاب السقيفة لعبد العزيز الجوهري ؛ وانظر مقالة أبو ذر الغفاري وحده في العدد 13 من هذه المجلة.

 

[9]  . أنساب الأشراف للبلاذري : 74 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 148 رقم36 ، 3 : 60 ؛ الغارات للثقفي ٢ : ٤٢٩، 431 ؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري 1 : 74 ـ 76 ؛  كتاب عقيل وجواب الإمام7، مع اختلافات يسيرة في الكتب.

 

[10]  . مختصر تاريخ دمشق لابن منظور17: 114ـ 122، رقم 36، وغيره ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد11 : 251 ؛ الإمامة والسياسة1 : 101 ـ 102 ؛ بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، الشيخ محمد تقي التستري10 ؛ أنساب الأشراف:74.

 

[11]  . سورة غافر : 71 .

 

[12] . انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 92ـ 93، 11 : 245 ، 252 ؛ كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي 1 : 65 مع الهامش، 2 : 551 ؛  بحار الأنوار للعلامة المجلسـي 34 : 263 ، 42: 111ـ112 ؛ مجمع الأمثال، أبو الفضل النيسابوري 1: 37 رقم 146 ؛ المصنّف لعبد الرزاق 6 : 513 ؛ أنساب الأشراف للبلاذري 2 : 72 وأيضاً : 75 .

 

[13]  سورة إبراهيم : 35 .

 

[14] . انظر في هذا جامع الأحاديث ؛ الجامع الصغير وزوائده والجامع الكبير للحافظ جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (ت911 هـ ) ... الجزء التاسع ؛ مسند عقيل بن أبي طالب، رقم 514 : 30ـ33 أرقام الروايات 18230 ـ8239 ؛ مسند أحمد بن حنبل، المجلد الثالث، حديث عقيل ؛ كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البرّ 3 : 78 رقم 1834 ؛ معرفة الثقات ١ : ٣١٤ ؛ البحر الزخار المعروف بمسند البزار، مسند عقيل بن أبي طالب عن النبيّ9 : 112ـ115 ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي ٤ : 214 ؛ المناقب للكوفي 2 : 40 رقم 527.

 

[15] . طرائف المقال للسيد علي البروجردي 2 : 100 رقم 7602 ؛ السيد الخوئي: عقيل بن أبي طالب، من أصحاب علي7، رجال الشيخ ؛ وقال ابن داود (981)، من القسم الأول.

 

[16]  . الأمالي، المجلس 27، الحديث 3.

 

[17] . ذكره الكشي في ترجمة المختار بن أبي عبيد (59) ؛ معجم رجال الحديث للسيد الخوئي 12 : 174-175 . رقم : 7755 .

 

[18]  . سورة الحجر : 47 .

 

[19]  . مستدركات علم الرجال للشيخ علي النمازي الشاهرودي 2 : 131ـ 134 رقم 2492 جعفر بن أبي طالب، 5 : 255ـ 256 رقم9453.

 

[20]  . سورة الحجر : 47 ؛ الآية، تفسير الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي (ت1401هـ).

 

[21] . سورة الإسراء : 9 .

 

[22]  . سورة الكهف : 2 .

 

[23] . انظر العقد الفريد لابن عبد ربه 4 : 91 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 250 ؛ الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، للسهيلي (ت581هـ) 5 : 353 ؛ البداية والنهاية لابن كثير 7 : 47 ؛ الأعلام للزركلي ٥ : ٤ ؛ الأنوار العلوية لجعفر النقدي : ١٨ ؛ صبح الأعشى في صناعة الإنشا لأحمد بن علي القلقشندي 4 : 132 ؛ تقويم البلدان، عماد الدين إسماعيل، أبو الفداء :307 ؛ شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 2 : 466 ؛ نهاية الإرب للنويري 33 : 217 ؛ رحلة ابن جبير : 174 ؛ رحلة ابن بطوطة : 119 ؛ الدرة الثمينة في أخبار المدينة لابن النجار 1 : 166 ؛ السمهودي في وفاء الوفا 3 : 96.