فقه الشيعة الإمامية و أكذوبة تلويث الكعبة المقدسة

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

المستخلص

في القرون الأخيرة اتهموا الشيعة بأکاذيب... منها: تلويث الکعبة المقدسة! هذه المقالة ستردّ تلك التهمة بالدلائل الفقهية المحکمة، ولايخفی أنّ الوثائق والمستندات حول هذا الموضوع کثيرة جدّاً استفدنا من بعضها في مقالتنا هذه.
 فالاعتصام بحبل الله المتين  القوي في هذه الظروف الصعبة التي صارت أيادي أعداء الإسلام يداً واحدة ضدّ المؤمنين و المسلمين واجب و لازم، (وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَميعاً وَلَاتَفَرَّقُوا...).[1]  
[1]. سورة آل عمران : 103 .
 

الكلمات الرئيسية


إنّ عظمة وحرمة المسجدالحرام وخصوصاً الكعبة المشـرفة ممّا لاريب فيه وقد صرّح القرآن الكريم والسنة الشريفة بذلك (التعظيم والحرمة)، إضافة  إلی دليلي الاجماع والعقل.

أقول على ضوء ذلك، إنّ تنجيس المساجد حرام نصاً وفتوًى.

أمّا نحن الشيعة الإمامية لانرضی تأخير تطهير مسجد من المساجد العادية حينما يتنجّس، فکيف بالمسجد الحرام؟! نلوّثه؟! (... إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ)!!!.[1] وفقهاء الشيعة الإمامية کلّهم أفتوا بحرمة تنجيس المساجد.

فما صدر من  اتهامات للشيعة بتلويثهم الكعبة المقدسة ومسجدها الحرام، إن هو إلّا أكاذيب منبعها الحقد والکراهية والبغضاء والجهل، سنردّها ونُبطلها بالأدلة والأسانيد الموثقة والمعتبرة إن شاء الله تعالی.

فالمسلمون جميعاً مأمورون بالتمسك بالقرآن الکريم و السنة النبوية الشـريفة، والشيعة بالذات أشدّ التزاماً بحديث الثقلين الداعي إلی التمسك بکتاب الله تعالی وبعترة النبي9 أو سنته في قول ، والوارد بألفاظ عديدة، منها: «إني تاركٌ فيکم ما إن تمسَّکتم به ، لن تضلوا بعدي ـ أحدهما أعظم من الآخر ـ : کتاب الله ، حبلٌ ممدود من السماء إلی الأرض ، و عترتي أهل بيتي ، و لن يتفرَّقا حتی يَـرِدَا عليَّ الحوض ، فانظروا کيف تخلفوني فيهما».[2]

وتلويث المسجد الحرام وکعبته المبارکة عمل مخالف لما يحمله هذا الحديث المبارك من التمسك بالقرآن الذي يؤکد عدد من آياته طهارة المسجد وتدعو إلی حرمته وتطهيره، و کذا الحال مع الأحاديث النبوية و روايات أهل البيت:، فلا يمکن أن يتعمد أتباع أهل البيت:، تنجيس أو تلويث أي مسجد فضلاً عن أن يکون المسجد الحرام و الکعبة المشرفة!!

القرآنُ الكريم:

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).[3]

(...وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِى الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).[4]

(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ).[5]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمشـْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).[6]

(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).[7]

(وَإِذْ  بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْـرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).[8]

(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ).[9]

الروايات:

قَالَ الصَّادِقُ7 :«مَنْ تَنَخَّمَ فِي الْمسْجِدِ ثُمَّ رَدَّهَا فِي جَوْفِهِ لَمْ تَمُرَّ بِدَاءٍ إِلَّا أَبْرَأَتْهُ». [10]

قَالَ رَسُولُ الله9: «مَنْ كَنَسَ الْمسْجِدَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مِنَ التُّرَابِ مَا يُذَرُّ فِي الْعَيْنِ غَفَرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ».[11] 

قَالَ الصَّادِقُ7: «مَنْ مَشَى إِلَى الْمسْجِدِ لَمْ يَضَعْ رِجْلَيْهِ عَلَى رَطْبٍ وَ لَا يَابِسٍ إِلَّا يُسَبِّحُ لَهُ إِلَى الْأَرَضِينَ السَّابِعَةِ».[12]

قَالَ عَلِيٌّ7: «صَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْـمَقدِسِ تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ وَ صَلَاةٌ فِي الْمسْجِدِ الْأَعْظَمِ تَعْدِلُ مِائَةَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ الْقَبِيلَةِ تَعْدِلُ خَمْساً وَ عِشْرِينَ صَلَاةً وَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ تَعْدِلُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ صَلَاةً وَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ تَعْدِلُ صَلَاةً وَاحِدَةً».[13] 

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ7: «مَنْ بَنَى مَسْجِداً كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ».[14] 

أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن آبائه:: «إنّ علياً7 قال: البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه».[15]

محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن موسى ابن يسار عن علي بن جعفر السكوني عن إسماعيل بن مسلم الشعيري عن جعفر عن أبيه عن آبائه: قال: «من وقر بنخامته المسجد لقى الله يوم القيامة ضاحكاً قد أعطي كتابه بيمينه».[16]

محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان عن العيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد الله7 عن البِيَع والكنايس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال: نعم».[17]

محمد بن علي بن محبوب عن الحسن بن علي بن النعمان عن محمد بن حسان عن إسحاق بن يشكر الكاهلي عن الحكم عن أنس قال: قال رسول الله9: «من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له مادام في المسجد ضوء من ذلك السراج.[18]

عن فضيل بن عثمان عن عبد الله بن الحسن قال: إذا دخلت المسجد فقل: «اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك»، وإذا خرجت فقل: «اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك».[19]

علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا عبد الله7 يقول: «من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة، قال أبو عبيدة: فمرّ بي أبو عبد الله7 في طريق مكة وقد سويت أحجاراً لمسجد فقلتُ جُعلت فداك: نرجو أن يكون هذا من ذاك، فقال: نعم».[20]

محمد بن علي بن الحسين قال: روي أنّ في التوراة مكتوباً: «ألا إنّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر، ألا بشّر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة».[21]

الإجماع :

وجوب إزالة النجاسة عن المسجد قد بحث في علم الأصول مفصلاً، مثل مبحث الترتب ومبحث اجتماع الأمر والنهي و...، وهذا يدلّ بدلالة واضحة علی أهمية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد فضلاً عن تنجيسه وتلويثه! فکيف بالکعبة؟! ولذلك کلّه ثبتت أهمية طرح هذا البحث، ( ... لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيـَى مَنْ حَىَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ  لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ).[22]

قال آقا رضا الهمداني1 في المصباح: ثمّ إنّ وجوب إزالة النجاسة عن المسجد على الفور بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن المدارك أو الذخيرة نسبته إلى الأصحاب، فإنّ المستفاد من الفتاوى ومعاقد الاجماعات المحكيّة على وجوب تجنيب المساجد النجاسة إنّما هو وجوب حفظ المسجد عن النجاسة وحرمة إحداث النجاسة أو إبقائها فيه.[23]

وقال السيد الگلپايگاني1: ثمّ إنّه كما يحرم تنجيس المساجد، كذلك يجب إزالة النجاسة عنها إجماعاً...[24]

وقال الميزرا القمي1: ... الظاهر ثبوت الإجماع على حرمة التنجيس مطلقاً...[25]

* * *

العقل:

بل دلالة بعض تلك الأدلّة على وجوب التطهير أوضح من دلالتها على حرمة تنجيس المساجد بل يستفاد من بعضها أوّلاً و بالذات وجوب التطهير و دلالة هذين قوله تعالى: (... فَلٰا يَقْرَبُوا الـمَسْجِدَ الْـحَرامَ...). وقوله تعالى: (...وَ طَهِّرْ بَيْتِىَ...). وقوله9: «جنّبوا مساجدكم النجاسة»، على حرمة التنجيس على نحو الاستلزام.[26]

قال السيد الإمام الخميني1: ... المقدّمة الثالثة: أنّ التزاحمات الواقعة بين الأدلّة بالعرض لأجل عدم قدرة المكلّف على الجمع بين امتثالها ـ كالتزاحم بين وجوب إزالة النجاسة من المسجد ووجوب الصلاة، حيث تكون متأخّرة عن تعلّق الحكم بموضوعاتها وعن ابتلاء المكلَّف بالواقعة ـ لم تكن ملحوظة في الأدلّة، ولا تكون الأدلّة متعرّضة لها، فضلاً عن التعرّض لعلاجها، فقوله: «أزل النجاسة عن المسجد» - مثلاً - لا يكون ناظراً إلى حالات الموضوع ـ كما عرفت في المقدّمة المتقدّمة ـ فضلاً عن أن يكون ناظراً إلى حالاته مع موضوع آخر ومزاحمته معه، فضلاً عن أن يكون ناظراً إلى علاج المزاحمة، فاشتراط المهمّ بعصيان الأهمّ  ـ الذي هو من مقدّمات الترتّب ـ لا يمكن أن يكون مفاد الأدلّة إن كان المراد شرطاً شرعياً مأخوذاً في الأدلّة... فظهر أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي عدم الأمر بضدّه في التكاليف الكلّية القانونية، كما فيما نحن فيه.... وثانيهما: أنّ المكلّف مع ترك الأهمّ والمهمّ يستحقّ عقابين؛ لما تقدّم تفصيله. ولو تأمّلت فيما تقدّم تأمّلاً صادقاً، وتدبّرت فيه تدبّراً أكيداً، يسهل لك التصديق بما ذكرنا، والله وليّ الأمر.[27]

قال السيد مصطفى الخميني1:... في الواجبين اللذين يكون أحدهما أهمّ، والآخر مهماً، وكان زمان وجوب الأهم والمهم واحداً، ولكن يتقدم أحدهما على الآخر نحو التقدم بالعلية، قالوا: بأنه لا يلزم منهما الجمع بين الضدين مثلاً، إذا كان أول زوال يوم الجمعة إزالة النجاسة من المسجد واجباً، وكان فيها وجوب الصلاة مشـروطاً بالعصيان، فإنه بعصيان الأهم تكون العبادة مأموراً بها، مع وحدة زمان التكليفين، وترتب أحدهما على الآخر. وهذه الصورة من الصور الكثيرة التي أجري فيها الترتب عند أربابه...[28]

هکذا يبحث علماؤنا حول وجوب إزالة النجاسة عن المسجد، فأكذوبة تلويث الکعبة أکذوبة مدسوسة مجعولة، وأكذوبة مفضوحة، وأكذوبة دنيئة قبيحة التي قذفوهم بها لإيجاد التفرق في صفوف المسلمين، قال الله تعالی: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ  وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللّهََ مَعَ الصَّابِرِينَ).[29]

* * *

أقوال الفقهاء:

وإن احتلمت في مسجد من المساجد فاخرج منه واغتسل، إلّا أن يكون احتلامك في المسجد الحرام أو في مسجد رسول الله9، فإنك إذا احتلمت في أحد هذين المسجدين، تيمّمت وخرجت، ولم تمش فيهما إلّا متيمّماً.[30]

... يكره النوم في المساجد كلها وخاصة في المسجد الحرام ومسجد النبي9 وإذا احتلم في أحد هذين المسجدين تيمم في مكانه وخرج واغتسل، وليس عليه ذلك في غيرها، ويستحب كنس المساجد وتنظيفها. ويستحب الإسراج في المساجد كلّها، ومن أكل شيئاً من المؤذيات مثل الثوم والبصل وما أشبههما نيّاً، فلا يحضـر المسجد حتى تزول رائحته، وإن كان مطبوخاً لا رائحة له لم يكن به بأس، وإذا أراد دخول المسجد ينبغي أن يتعاهد نعله أو خفّه أو غير ذلك لئلا يكون فيها شيئ من النجاسة.[31]

مسألة 217 : طهارة البدن والثياب وموضع السجود شرط في صحة الصلاة ، وبه قال جميع الفقهاء، وزاد الشافعي: موضع الصلاة أجمع، وأبو حنيفة موضع السجود والقدمين. وقال مالك يعيد في الوقت، كأنه يذهب إلى أن اجتناب النجاسة ليس شرطاً في صحة الصلاة. وذهبت طائفة إلى أن الصلاة لا تفتقر إلى الطهارة من النجاسة، روي ذلك عن ابن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن جبير، وأبي مجلز...

دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط. وأيضاً قوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّر) معناه من النجاسة لأن هذا حقيقته، وروي ذلك عن ابن سيرين.[32]

... وإذا احتلمت في المسجد الحرام، أو في مسجد الرسول9 فتيمّم، ولا تمرّ في المسجد إلاّ متيمّماً...[33]

... وعليك بالسّكينة والوقار والتخشّع إذا دخلت المسجد، فإنّه روي: «أنّ في التوراة مكتوباً: إنّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لمن تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي، وحقّ للمزور أن يكرم الزائر».[34]

... لا يجوز الدفن في شيء من المساجد... ويستحب الإسراج في المساجد كلها.[35]

... الثامن: يحرم إدخال النجاسة إليها (إلی المساجد) و إزالتها.[36]

بل الكلام إنما هو في العناوين المخصوصة المعنونة في كتب الفقهاء من وجوب الوضوء عند وجوب الصّلاة وحرمة الصلاة عند نجاسة المسجد...[37]

تجب إزالة النجاسة عن المساجد داخلها وسقفها وسطحها والطرف الداخل من جدرانها ، بل والطرف الخارج على الأحوط...[38]

مسألة: إذا رأى نجاسة في المسجد وقد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدماً على الصلاة مع سعة وقتها، ومع الضيق قدّمها، ولو ترك الإزالة مع السعة واشتغل بالصلاة عصى لترك الإزالة ، لكن في بطلان صلاته إشكال ، والأقوى الصحة، هذا إذا أمكنه الإزالة، وأما مع عدم قدرته مطلقاً أو في ذلك الوقت فلا إشكال في صحة صلاته، ولا فرق في الإشكال في الصورة الأولى بين أن يصلي في ذلك المسجد، أو في مسجد آخر، وإذا اشتغل غيره بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقق الإزالة.[39]

مسألة: إذا توقف التطهير على بذل مال وجب...[40]

وروى بكير في الحسن عن أحدهما8 قال: «إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد»، ولعل المراد بالحدث في المسجد مثل النوم والريح مثلاً، ومفهوم الرواية على ما ذكرنا أنه لو كان النوم في غير المسجد كره الوضوء له في المسجد ، ولا ينافي ذلك مفهوم الرواية الأولى بناء على حمل الوضوء فيها على الرافع للحدث، لأن ذلك مفهوم لقب.[41]

أما الوجوب لدخول المسجد فعند البعض مقيد بالتلويث ، والأدلة ظاهرة في المطلق كما هو رأى المصنف إن تمت وهو قوله صلى الله عليه وآله: «جنّبوا مساجدكم النجاسة». وقوله تعالى: (إنّما الـمُشرِكوُن نَجسٌ فَلَا يَقرَبُوا...). والاجماع على منعهم، والظاهر أنّ العلة هي النجاسة، وكذا قوله تعالى: (أن طهّرا بيتيَ للطائفين...).[42]

وفي الوسائل باب 24 حديث 2 من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة قال: روى جماعة من أصحابنا في كتب الاستدلال عن النبي9 أنه قال: «جنّبوا مساجدكم النجاسة».

مسألة 4: إذا رأى نجاسة في المسجد وقد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدّماً على الصلاة مع سعة وقتها...[43]

مسألة 44: تجب المبادرة إلى إزالة النجاسة من المسجد ، وآلاته وفراشه حتى لو دخل المسجد ليصلي فيه فوجد فيه نجاسة وجبت المبادرة إلى إزالتها مقدماً لها على الصلاة مع سعة الوقت ، لكن لو صلى وترك الإزالة عصى وصحت الصلاة ، أما في الضيق فتجب المبادرة إلى الصلاة مقدّماً لها على الإزالة.[44]

قال في المنتهى: ويحرم إدخال النجاسة إليها لقوله9:«جنّبوا مساجدكم النجاسة»، وغَسل النجاسة فيها: لأنه ينجسها.[45]

كما أنّه لا إشكال في حرمة تنجيس المسجد حدوثاً و وجوب إزالة نجاسته بقاءً، لامكان استفادته ممّا ورد بالعموم، نحو قوله9: «... جنّبوا مساجدكم النجاسة»، ولا ميز في ذلك بين الحدوث و البقاء أيضاً، حيث إنّ المستفاد منه عرفاً، هو مبغوضيّة تنجّس المسجد بما هو مسجد، فلو كان الموضع نجساً قبل الجعل ثمّ جعل مسجداً يلزم تطهيره بلا كلام.[46]

... بضـرورة المذهب إن لم تكن من الدّين، و في النبويّ «جنّبوا مساجدكم النجاسة».[47]

ثم انّه كما يحرم تنجيس المساجد كذلك يجب إزالة النجاسة عنها إجماعاً و مستند ذلك- بعد الإجماع- هي الأدلّة المتقدّمة، أعني قوله تعالى: (... فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ...). وقوله تعالى: (... وَ طَهِّرْ بَيْتِىَ... ). وقوله9: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» بل دلالة بعض تلك الأدلّة على وجوب التطهير أوضح من دلالتها على حرمة تنجيس المساجد بل يستفاد من بعضها أوّلاً و بالذات وجوب التطهير كقوله تعالى: (وَ طَهِّرْ بَيْتِىَ) و قوله9:«جنّبوا مساجدكم النجاسة»، و دلالة هذين على حرمة التنجيس على نحو الاستلزام.[48]

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد و المشاهد و المصاحف و التربة.[49]

مسألة : لا فرق في المسجد (حرمة تلويثه و وجوب إزالته عنه) بين المعمورة والمخروبة والمهجورة.[50]

مسألة: تجب إزالة النجاسة عن المساجد.[51]

مسألة: يحرم تنجيس المساجد.[52]

مسألة 436: إذا توقف تطهير المسجد على بذل مال وجب، إلّا إذا كان بحيث يضر بحاله، ولا يضمنه من صار سبباً للتنجيس كما لا يختص وجوب إزالة النجاسة به.

مسألة 437: إذا توقف تطهير المسجد على تنجس بعض المواضع الطاهرة وجب، إذا كان يطهّر بعد ذلك.

مسألة 438: إذا لم يتمكن الانسان من تطهير المسجد وجب عليه إعلام غيره إذا احتمل حصول التطهير بإعلامه.[53]

مسألة:  في جواز تنجيس مساجد اليهود والنصارى اشكال، وأما مساجد المسلمين فلا فرق بين فِرقهم.[54]

مسألة 432: تجب المبادرة إلى إزالة النجاسة من المسجد إذا استلزمت هتك حرمته...[55]

* * *

الوثائـق والمستندات:

لقد وجدت وثائق ومستندات حاکية عن کذب تلويث الکعبة، وتلك الوثائق والمستندات، وبتلك رُفع الستار بوضوح عن التهمة والافتراء والحقد، وبيّنت أنّ هذا الاتهام ليس طريقاً صحيحاً، فيلزم علی کلّ المسلمين اجتماعهم تحت ظلّ الوحدة الإسلامية، وعدم التنازع کما قال الله عزّوجلّ في کتابه الکريم (وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).[56]

وفي رواية زيد الشحّام أمر الإمام الصادق7 أصحابه بحسن الجوار مع أهل السنة: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله7 قال: «يا زيد! خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا فى مساجدهم، وعودوا مرضاهم، و اشهدوا جنائزهم، و إن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذّنين فافعلوا، فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه و إذا تركتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه».[57]

الافراط والتفريط کلاهما غير صحيح من أي شخص، ولايفعل ذلك إلّا من کان في قلبه مرض، وکيف إذا کان تهمة وافتراءً؟! أعاذنا الله وإيّاکم.

ومع الأسف قذفوا الشيعة بهذه الاتهامات الواهية مرّات، ولکلّ مرّة قتلوا عدداً من حجاج الشيعة الأبرياء من أي بلد، ليشوهوا وجه الشيعة عند المسلمين.

* * *

بعض هذه  المستندات:

تلطيخ الکعبة ـ العياذ بالله ـ

وفي شوال 1088هـ . ق أصبح الناس فإذا بالکعبة ملطخة بما يشبه العذرة فاتهم الناس الشيعة بهذا جرياً على اعتقاد قديم لا أدري کيف تجيزه عقولهم، وهکذا اشتدت حمية الأتراك المجاورين والحجاج فأوقعوا ببعض الشيعة وقتلوا منهم أشخاصاً رمياً بالحجارة وضرباً بالسيوف. وينقل السيد دحلان عن العصامي في تاريخه أنه رأى بعينه ما تلوثت به الکعبة فإذا هو ليس من القاذورات وإنما هو من أنواع الخضروات عجن بعدس وأدهان معفنات فصارت رائحته کريهة، وسواء صحّ هذا أو لم يصح فالواقع أن الإسلام في حاجة إلى التواد الذي يجمع کلّ المخالفين في جادة واحدة، وأن أبناءه في غنىً عن أن يوسعوا شقة الخلاف بينهم بما يتوهمونه في المخالفين منهم.

وشدّ ما يؤسفني أن يتوهم العامة إلى اليوم أنّ الشيعة العجم لايتم حجّهم في مذهبهم إلّا إذا لوث الکعبة الحاج! لو کنا نحتکم إلى منطق العقل لعلمنا أن صحة الفکرة تقتضـي أن تلوث الکعبة في کلّ عام بالألوف المؤلفة من القاذورات تبعاً لعدد الشيعة من الحجاج وهو ما لا يسلم به الواقع الملموس، ولکننا نلغي عقولنا بالنسبة لمخالفينا.[58]

محنة الشيعة:

... فزعم بعض العامة أنهم وضعوا نجاسة في الکعبة المعظمة وثاروا لذلك، وثار بثورتهم العسکر وقصد الثائرون القاضي فهرب خوفاً من فتنتهم، ثم قصدوا إلى بيت المفتي فأخرجوه من بيته کما أخرجوا غيره من العلماء ذوي الهيئات واجتمعوا عند وزير الإمارة وطلبوا إليه إقامة الدعوى دون أن يعينوا خصماً معلوماَ ثم استطاعوا بتألبهم أن ينتزعوا أمراً من الوزير بإبعاد الشيعة من مکة وخرجوا إلى السوق ينادون بطردهم ونهب بيوتهم وذهبوا في اليوم الثاني إلى بيت القاضي وطلبوا منه أن يتوسط لدى أمير مکة في التصديق على أوامر الوزير التي بأيديهم إبعاد الشيعة فامتنع الأمير ثم ما لبث أن اضطر إلى مجاراتهم خوف الفتنة العامة.

وهکذا خفّ بعض الشيعة إلى الطائف وبعضهم إلى جدة ومکثوا مدة على ذلك حتى هدأت الفتنة واستطاع أمير مکة أن يقبض على دعاتها ثم أرسل إلى الهاربين فعادوا إلى مکة.

وينقل الدحلان عن تاريخ الرضي أن ماحدث کان نتيجة لتعصب بعض أراذل الناس والأتراك وأن أهل مکة الحقيقيين لم يکونوا راضين عن ذلك، وإني لا أميل إلى اتهام أشخاص معنيين بقدر ما أميل إلى نعي الجهل المتأصل في عامة المسلمين من جميع الأجناس والمذاهب، وقد کان ولايزال سبباً قوياً من أسباب تفرقة المسلمين وتشتيت کلمتهم.[59]

 وقال أحمد السباعي في کتابه (تاريخ مکة): و شدّ ما يؤسفني أن يتوهم العامة إلی اليوم أنّ شيعة العجم لا يتمّ حجّهم في مذهبهم إلاّ إذا لوث الكعبة الحاج!!![60]

وفي ذي الحجة عام 1362ق، 1322ش، (قبل 78 سنة) وقعت حادثة مؤلمة أدت إلی قتل أحد الأبرياء الحاج أبي طالب اليزدي بتهمة تلويث البيت الشـريف، نأتي ببعض الوثائق حول هذا الموضوع:

 

 

 

 

 

 

 

 وللحصول علی کلّ الوثائق والمستندات في هذا الموضوع راجع مکتبة الحج والزيارة بقم المقدسة، رقم الوثائق:3092 .

ــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــــ

ـــــــــ

ـــــ

يا كاذباً أصبح في كذبه

أعجوبة أية أعجوبه

وناطق ينطق في لـفظـة

واحدة سبعين أكذوبه.[61]

* * *

 

 

[1]. سورة ص : 5 .

 

[2]. مسند أحمد ، أحمد بن حنبل 3 : 17؛ سنن الترمذي 5 : 662 ؛ الخلاف، الشيخ الطوسي 1 : 27.

 

[3].  سورة البقرة : 125.

 

[4]. سورة البقرة : 187.

 

[5]. سورة آل عمران: 96.

 

[6]. سورة التوبة : 28.

 

[7]. سورة التوبة : 108.

 

[8]. سورة الحجّ : 26.

 

[9]. سورة المدثّر : 4.

 

[10] . من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق 1 : 233.

 

[11]. م.ن، 1: 233.

 

[12]. م.ن، 1: 233.

 

[13]. م.ن،  1: 235.

 

[14]. م.ن،  1: 236 .

 

[15]. تهذيب الأحکام، الشيخ الطوسي 3 : 256.

 

[16]. المصدر نفسه.

 

[17]. م.ن.

 

[18]. م.ن، 3 : 261.

 

[19]. م.ن، 3 : 263.

 

[20]. م.ن، 3 : 264.

 

[21]. وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي 5 : 244.

 

[22]. سورة الأنفال :  42.

 

[23]. آقا رضا الهمداني، مصباح الفقيه، 1: 586.

 

[24]. السيد الگلپايگاني، كتاب الطهارة، دار القرآن الكريم، قم ـ ايران، الطبعة الأولی، 1407 ه  ق، : 322.

 

[25]. الميرزا القمي، غنائم الأيام في مسائل الحلال و الحرام، 1 : 312.

 

[26]. السيد الگلپايگاني، كتاب الطهارة، دار القرآن الكريم، قم، الطبعة الأولی، 1407 هـ . ق، : 322.

 

[27]. لمحات الأصول، تقرير بحث السيد البروجردي، للسيد روح الله الخميني، في التعليقة : 176.

 

[28]. تحريرات في الأصول، السيد مصطفی الخميني 3 : 473.

 

[29]. سورة الأنفال : 46 .

 

[30]. الهداية، الشيخ الصدوق : 97.

 

[31]. المبسوط، الشيخ الطوسي 1 : 161.

 

[32]. الخلاف، الشيخ الطوسي 1 : 471 .

 

[33]. المقنع، الشيخ الصدوق : 28 .

 

[34]. م.ن : 89 .

 

[35]. النهاية، الشيخ الطوسي/المحقق الحلي 1: 343 .

 

[36]. الشهيد الأول، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة،  3 : 128.

 

[37]. مطارح الأنظار، الشيخ الأنصاري : 230 .

 

[38]. العروة الوثقی، السيد اليزدي 1 : 178

 

[39]. م.ن، 1 : 179.

 

[40]. م.ن : 184.

 

[41]. الحدائق الناضرة، المحقق البحراني 2 :412 .

 

[42]. المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان، جماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولی، 1403هـ ق  1: 323.

 

[43]. مستمسك العروة الوثقی، السيد محسن الحكيم 1: 496.

 

[44]. منهاج الصالحين، السيد محسن الحکيم 1 : 157.

 

[45]. المحقق الداماد، كتاب الصلاة، جماعة المدرسين، قم، الطبعة الثانية، 1416هـ ق  3 : 164.

 

[46]. السيد عبد الأعلی السبزواري، مهذب الأحكام، مؤسسة المنار، قم ـ ايران، الطبعة الرابعة، 1413هـ ق  1: 463.

 

[47]. م.ن،  5 : 513.

 

[48]. السيد الگلپايگاني، كتاب الطهارة، دار القرآن الكريم، قم، الطبعة الأولی، 1407 هـ . ق، : 322.

 

[49]. الإمام الخميني، كتاب الطهارة، ط ـ الحديثة،  4: 123.

 

[50]. الفاضل اللنکراني، الشيخ محمد، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، : 319.

 

[51]. موسوعة الإمام الخوئي،  3 : 251.

 

[52]. الشيخ لطف الله الصافي، هداية العباد،  1: 94.

 

[53]. منهاج الصالحين، الشيخ وحيد الخراساني 2 : 127.

 

[54]. حسن السعيد، تقرير بحث الشيخ حسين الحلي، 2 : 139.

 

[55]. منهاج الصالحين، الشيخ محمد إسحاق الفياض 1 : 180.

 

[56]. سورة الأنفال :  46.

 

[57]. وسائل الشيعة، (آل البيت) الحرّ العاملي 8 :430 .

 

[58]. تاريخ مکة، أحمد السباعي: 438 ـ 439 .

 

[59]. تاريخ مکة، أحمد السباعي: 482 ـ 483 .

 

[60]. تاريخ مکة، أحمد السباعي: 384 .

 

[61]. مجمع الأمثال لأبي الفضل الميداني ؛ معجم الأدباء، ياقوت الحموي 5 : 50 .