ميقاتُ العقيق (2)

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

المستخلص

نظراً لما تتبنّاه مجلة ميقات الحجّ من منهجٍ ؛ عنايته بالشؤون الثقافية والتاريخية والسياسية والاجتماعية للحجّ ودائرته المباركة .. ، فتحت بابها لا فقط لاستقبال ما يتفضل به الكتّاب ، ويبادر به العلماء والمحققون من بحوث ومقالات  من أفكار وآراء حول عنايتها المذكورة ، وإن لم تكتفِ بانتظار ما تجود به معرفتهم وأناملهم ، بل راحت إدارتها تسمع وتقرأ وتلاحق ما يكتب هنا وينشر أو يُلقى هناك ؛ ما دام يصبُّ في دائرتها المعرفية ؛ لإعطائه مساحة مناسبة في المجلة ، حرصاً منها في إغناء مكتبتها الخاصة وتراثها المعرفي ، ومشاركةً منها في نشر ما تصبو إليه من أهداف كبيرة ؛ تتمدّد على مساحة واسعة من الحرمين المباركين مكة المكرمة والمسجد النبوي وما حولهما من أماكن ومواقع ، وما فيهما من شخصيات إيمانية وجهادية وعلمية وأدبية ؛ سجلت مواقف مشهودة في تاريخنا الإسلامي ومراحل دعوته المباركة .. ،  وفي بثِّ كلّ ما يخصُّ فريضة الحج أحكاماً ومواقيت وآداباً ومفاهيم ،  ولهذا رأت إدارتها أن لا تغادر دراسةً تاريخيةً ، ولا تتجاوز تحقيقاً ميدانيًّا  لميقات العقيق للأستاذ جواد بن الشيخ عبدالهادي الفضلي ، عنوانه :
ميقَاتُ العَقِيق (دراسة تاريخية وتحقيق ميداني)
من الدمام في 4/7/1440هـ    3/3/2019م
 لما تحمله هذه الدراسة من أهمية تاريخية وجغرافية ، وفوائد ميدانية ، ومعرفة لهذا الميقات بحدوده وأحكامه ، ودوره في فريضة الحج وفي العمرة ، حتى عُدَّ واحداً من مواقيت الحج ، التي ينبغي الاطلاع عليها بنواحيها المتعددة وأحكامها وآدابها ، والتي تبدأ بها فريضة الحج وكذا العمرة ، وبالتالي تصحُّ مناسك كلٍّ منهما وأولها الإحرام انطلاقاً من المواقيت ، وإن صحّ  الإحرام من المسجد الحرام للتوجه إلى موقف عرفات.
ولهذا جاء في ملخّص البحث : 
«تُعدُّ معرفة مواقع المواقيت المكانية التي وقَّتها رسول الله9 أحد أهمِّ مسائل الحجِّ؛ فقد أجمع المسلمون على وجوب الإحرام من أحدها؛ فلا يجوز لحاجٍّ أو مُعْتَمِرٍ تجاوزها.
وقد كتب حول مواقعها الجغرافية الكثير من الدراسات التاريخية والتحقيقات الميدانية، ونظراً لتغيّر تلكم المعالم عبر الزمن، فالأفضل قيام الباحثين بإعادة التحقيق بين فينة وأخرى لتكون رافداً للفقهاء في دراساتهم.
ويأتي بحثنا هذا حول ميقات العقيق، الذي وقع حوله خلاف بين فقهاء المسلمين، إن من ناحية التوقيت، أو من ناحية حدوده الذي نأمل أن يكون هو الآخر رافداً من تلكم الروافد».
 

الكلمات الرئيسية


المنزل السادس والعشرون: (ذَاتُ عِرْق)، والمسافة بينه وبين (البستان): 21 ميلاً.

والجدير بالذكر -هنا- أنَّ الإمام الحربي أفاض بالحديث عن هذا المنزل، فذكر عددًا من الأحاديث الواردة عن النبي9 بشأن توقيت ذَاتِ عِرْق، ونقل بعض الأقوال عن أشخاصٍ ذَكَرَ أسماءَهم بشأن موقعها، ونقل كذلك كرامةً حصلت للنبي9 في قريةٍ قريبةٍ منها يقال لها قديمًا وحديثًا (رهاط)، وسأوجز ما قاله عن (ذَاتِ عِرْق)، في النقاط التالية:

أولاً: التسمية والموقع:

  1. ما ذكره الإمام الحربي بشأن التسمية، هو ما نقله عن عبدالله بن عمر البلخي أنَّه قال: «حدَّثنا عبدالله بن رباح بن الأحوص قال: أخبرني كثير بن يحيى بن سوادة عن أبيه قال: أقبل النبي9 حتى أشرف على ثنية مسجد النجد، فصلّى به، وأشرف على قرية ذَاتِ عِرْق، وكان يقال لها (عِرْق ذات)، فسأل عنها، ثمَّ جنَّبَ عنها ولم يدخلها، فسمَّاها رسول الله9 (ذَاتَ عِرْق)، وسار حتى ورد قريةً يقال لها (رهاط)، فوقف ناقته، وضرب عصاه فأنبط عينًا، فهي تسقي الأدنى وادي النخل، برهاط وأثر ناقته في صفاة».[1]

ونقل أيضًا حديثًا آخر عن أبي محمد ابن زمام عن أبيه: «أنَّ ذَاتَ عِرْق سُمِّيت على عِرْق في جبلٍ أبيض، بوادٍ منها يقال له ذات الحل، وكان ذات عِرْق بها في جبل الجاهلية أبيات قليلة، فلما كَثُر الناس حُوِّلت إلى هنا، وكان المهدي بنى بها مسجد المحرم».[2]

وفي شأن الموقع، نَقَلَ كلامًا عن ابن عُيَيْنَة عن أبيه، قال: «قلتُ لأهل ذَاتِ عِرْق مُنْجِدُون أنتم أم مُتْهِمُون؟[3] قالوا: لا مُنْجِدِين ولا مُتْهِمِين، نحن أهل الغور».[4]

وقد ذكر البكيري الأندلسي هذا القول وأضاف بيت الشعر التالي:[5]

وَنَحْنُ بِسَهْبٍ مُشْرِفٍ غَيْرِ مُنْجِدٍ

وَلَا مُتْهِمٍ فَالعَيْنُ بِالدَّمِعِ تَذْرِفُ

وقول آخر:

كَأَنَّ المَطَايَا لَمْ تُنخْ بِتُهَامَةٍ

إِذَا صَعَدَتْ مِنْ ذَاتِ عِرْق صُدُورُهَا

ثانيًا: الأحاديث التي ذكرها الإمام الحربي في شأن توقيت (ذَاتِ عِرْق):

لقد ذكر الإمام الحربي ستة أحاديث عن النبي9 بشأن توقيت ذَاتِ عِرْق كمكان لإحرام أهل العراق، ومنها ما يلي:

أ) الحديث المروي عن جابر: «أنَّ النبي9 وَقَّتَ لأَهْلِ العِرَاقِ ذَاتَ عِرْق».[6] وذكر الأستاذ الجاسر في الهامش تعليق صاحب كتاب (معجم ما استعجم) قوله: «والصحيح أنَّه توقيت عمر، وفي خلافته افْتُتِحَتْ العراق».[7]

ب) الحديث المروي عن عائشة: «أنَّ النبي9 وقَّت ذَاتَ عِرْق لأهل العراق»،[8] وفي الهامش نقل المحقِّق الجاسر ما جاء في كتاب (وفاء الوفاء) للسمهودي، قال الأسدي: «في وصف طريق ذَاتِ عِرْق من جهة نجدٍ والعراق: أنَّ بِرْكَة أَوْطَاس يسرة عن الطريق، بائنة عن المحجَّة، وبعدها مسجدٌ يُقال إنَّ النبي9 صلَّى فيه، ودون ذات عِرْق بميلين ونصف مسجد رسول الله9، وهو ميقات الإحرام، وهو أوَّلُ تِهَامَة، فإذا صِرْتَ عند الميل الثامن رأيتَ هناك بيوتًا في الجبل، خرابًا يمنة عن الطريق، يُقال: إنَّها ذَاتُ عِرْق الجاهلية، وأهل ذَاتِ عِرْق يقولون: الجبل كلُّه ذات عِرْق. وبعض أهل العلم كان يحبُّ أن يُحْرِم من ذَاتِ عِرْق الجاهلية».[9]

جبل عِرْق

ثالثًا: الكرامات النبوية التي ذكرها الإمام الحربي:

عن يحيى بن سوادة عن أبيه، قال:

«أقبل النبي9 حتى أشرف ثنية مسجد النجد، فصلَّى به، وأشرف على قرية ذَاتِ عِرْق، وسار حتى ورد قريةً يُقَال لها (رهاط)، فوقف ناقته، وضرب عصاه فأنبط عينًا، فهي تسقي الأدنى وادي النخل، برهاط وأثر ناقته في صفاة».[10]

 

صورة حديثة لقرية رهاط وتبدو مزارع النخيل

المنزل السابع والعشرون: (البستان)، والمسافة بينه وبين (مكَّة)...

وإلى هنا انتهى كلام الإمام الحربي عن طريق الكوفة، والمظنون قويًا أنَّ الكلام عن هذا الجزء وما يليه مفقود.

دوافع تحويل طريق الحجِّ عن قرية البعث:

من البديهي أنَّ أيَّ شخصٍ يقوم بعملٍ مَّا يكون له دافعٌ أو سببٌ من وراء هذا العمل. ربَّما يكون الدافع عفويًا، هذا إذا كان القائم بالفعل شخصٌ عادي، أمَّا إذا كان هذا الشخص حاكمًا لبلادٍ كبيرةٍ وشاسعةٍ، وفي بداية نشوء الدولة وبداية تولِّيه السلطة، فالأكيد أنَّ دوافعه لن تكون عفوية وعادية، وهذا ما حاولت أن ألخِّصَهُ بالنقاط التالية، والله أعلم:

  1. رغبة المنصور الاستحواذ على بِرْكَةِ الماء الرئيسة الواقعة في أوَّل أمكنة الميقات.
  2. رغبة المنصور فرض سيطرته الكاملة على طريق الحُجَّاج العراقيين.
  3. قَطْعُ الطريق على أيِّ تجمُّعٍ للمعارضة قد يستغلُّه الإمام الصادق 7؛ لأنّه -أي المنصور- كان يعتبره زعيم المعارضة آنذاك.
  4. إظهار المنصور نفسه للناس كشخصيَّةٍ إسلاميَّةٍ متديِّنةٍ ترعى شؤون المسلمين.

ملحوظة:

أعتقد -والله أعلم- أنَّ سبب ذِكْرِ الإمام الحربي بريد البَعْث كمكانٍ يُحْرِم منه بعض الحُجَّاج يعود لكونه من كبار فقهاء بغداد، قبل أن يكون مؤرِّخًا جغرافيًّا، فهو معاصر للإمام أحمد بن حنبل (164-241هـ) وتلميذه، والمظنون قويًّا أنَّه كان على علمٍ برأي الشيعة الإمامية حول أوَّل ميقات العقيق، ويظهر من كلامه أنَّه حتى بعد أن حَوَّل الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (95 -158هـ) الطريق عن موقع (البَعْث) إلى (المَسْلَح) استمرَّ بعض الحُجَّاج بالإحرام من (البَعْث).

وقوله: «...يقال إنَّ بريد البعث أوَّل بطن العقيق...» فيه إشارةٌ غير مباشرةٍ على إطِّلاعه على صحيحة معاوية بن عمار عن الإمام الصادق 7.

أمَّا قول ابن خرداذبة أنَّ (المَسْلَح) هو ميقات أهل العراق فقط دون الإشارة ولو بكلمة لموضع بريد البَعْث كميقاتٍ خصوصًا وأنَّه سبق الإمام الحربي بالكتابة عن طريق الحاجِّ الكوفي فهذا قطعًا يسترعي انتباه الباحث ويدعوه للبحث والتحليل لمعرفة السبب!.

فإذا عَلِمْنَا أنَّه كان يتقلَّدُ منصب مدير البريد والخبر في بغداد خلال فترة حكم الخليفة العباسي المعتمد (256-279هـ)، وأنَّه قد بدأ في تدوين كتابه (المسالك والممالك) حوالي سنة (232هـ)؛[11] فسيزول العَجَب.

وأخيرًا:

بعد هذا التطواف مع النصوص التي ذكرها كبار الجغرافيين العرب القدامى والمتأخِّرين؛ بغية معرفة الموقع الجغرافي لـ (بريد البَعْث) قديمًا وحديثًا، باعتباره يمثِّل الموضع الأوَّل من مواضع ميقات العقيق الذي وقَّتَه رسول الله9 لأهل نجد والعراق، أقول:

من مجمل كلام الإمام الحربي والمؤرِّخين والشعراء حول وادي العقيق بصفةٍ عامَّةٍ، والمواضع التي يُعتقد أنَّها تمثِّل ميقات العقيق، وهي: (بَرِيد البَعْث)، و(المَسْلَح)، و(غَمْرَة)، و(أَوْطَاس)، و(ذَاتُ عِرْق)، يُفْهَمُ عدَّةُ أمورٍ:

  1. أنَّ وادي العقيق وادٍ طويلٌ ومتشعِّبٌ، وله روافدُ كثيرةٌ، ويبدأ سَيْلُهُ من وادي السيل الصغير ووادي قران بالقرب من الطائف مارًّا بعددٍ من القرى ليس من بينها (ذات عِرْق) وصولاً إلى قرية حاذة شمالاً.
  2. أنَّ (ذَاتَ عِرْق) -بحسب ما ذكره ابن منظور في لسان العرب- تقع بالقرب من العقيق.
  3. أنَّ (ذَاتَ عِرْق) تقع على ضفاف وادي الضريبة، وليس على ضفاف العقيق.
  4. أنَّ قرية (البَعْث) تقع في أوَّلِ بطن العقيق.
  5. أنَّ (بَرِيدَ البَعْثِ) كانت أوَّل أمكنة الإحرام لأهل نَجْدٍ والعراق.
  6. أنَّ (بَرِيدَ البَعْثِ) كان أحد منازل طريق الحجِّ الكوفي.
  7. أنَّ (بَرِيدَ البَعْثِ) كان قريةً عامرةً، وتضمُّ بِرْكَةً يَغْتَسِلُ منها الحُجَّاج، وفيها قَصْرٌ لعلي بن عيسى.
  8. أنَّ قرية (المَسْلَح) أُنْشِئت في عهد أبي جعفر المنصور (136-158هـ).
  9. أنَّ طريق الحاجِّ الكوفي قُلِبَ (حُوِّل) في عهد أبي جعفر المنصور من (بَرِيدِ البَعْثِ) إلى قرية (المَسْلَح) ، فَهُجِرَتْ الأولى، وعُمِّرَت الثانية.
  10. أنَّ (غَمْرَة) كانت محلَّ الإحرام لكثيرٍ من الحُجَّاج.
  11. ومن قول الشاعر أبو وجزة السعدي:

يا صَاحِبَيَّ انْظُرَا هَلْ تُؤْنِسَانِ لَنَا

بَين العَقِيْقِ وَأَوْطَاسٍ بِأَحْدَاجِ

وقول الشاعر -هنا- فيه دلالةٌ واضحةٌ أنَّ أَوْطَاس لا تقع على العقيق، وأثناء زيارتنا لموقع أَوْطَاس اتَّضح لنا أنَّها تقع على ضفاف وادي سلحة، وليس على وادي العقيق.

  1. أنَّ ميقات ذو الحُلَيْفَة يُعدُّ أبعد المواقيت عن مكَّة المكرَّمة، ويليه في البُعْدِ ميقات العقيق.

 

 

 

 

الفصل الثاني

التسمية والموقع حديثًا

وادي العقيق:

يُعْرَفُ حديثًا بـ (عَقِيق عُشَيْرَة)، وإن كان يشار له على الخرائط الرسمية للمملكة بـ (وادي العقيق)، ويبلغ طوله (115كم)، ومنبعه من السيل الصغير بالقرب من الطائف، وله روافد كثيرة، وقد أنشأت الحكومة السعودية بِرَكًا كثيرة في مجرى سيول الوادي وقريبةً من البِرَك التي كانت قائمةً على درب الحاجِّ الكوفي، كما أنشأت سدَّا حديثًا على الوادي في فيضة المَسْلَح؛ بغية استفادة أهالي المنطقة من مياه السيول.

أوَّلاً: قرية البَعْث:

تُسَمَّى المنطقة التي يقع فيها بريد البعث حاليًا (جبال شعر)، وهذه التسمية تشمل منطقةً واسعةً جدًّا؛ بحيث تشمل مكان القرية قديمًا، والجبال والأودية حولها.

وتقع في الشمال الشرقي لقرية (فيضة المَسْلَح) الحالية على مسا×فة (10 كم).

ثانيًا: المَسْلَح أو المَسْلَخ:

لم يبقَ من قرية المَسْلَح القديمة سوى بِرْكَة أبي جعفر المنصور التي أُعِيدَ إِحياؤها من قبل الحكومة السعودية؛ ليستفيد منها أهل المنطقة، وبعض آثارٍ لبيوتٍ وبِئرٍ قريبةٍ من البِرْكَة، وتوجد كذلك مقبرة مسوَّرةٌ بشبكٍ حديدي.

وتقع القرية بين أَكَمَاتٍ.[12] سُودٍ على بعد (3 كم) غرب قرية فيضة المَسْلَح الحالية.

فَيْضَة المَسْلَح:

قريةٌ حديثةٌ تقع بالقرب من القرية القديمة، بين طريقي الحاجِّ العراقي الكوفي والبصري، فيمرُّ الأوَّلُ من شرقها وجنوبها، ويمرُّ الثاني من غربها وشمالها.

ويمكن الوصول للقرية من عدِّة طرقٍ، جميعها مُعَبَّدةٌ وحديثةٌ، وتتبع القرية إداريًّا محافظة الطائف، وهي تبعد عن مدينة عُشَيْرَة (86 كم)، وعن مفرق عُشيرة-المحاني، مسافة (22 كم تقريبًا)، وترتبط القرية كذلك بطريقٍ معبَّدٍ يصلها بقرية حاذة.

وعلى مسافة (1.5 كم) شمال شرق القرية يقع سدُّ فيضة المَسْلَح الذي أنشئ من قبل الحكومة السعودية؛[13] للاستفادة من مسيل وادي العقيق.

ثالثًا: غَمْرَة:

تُعْرَفُ حاليًا بـ (بِرْكَة العَقِيق)، ولها مُسَمَّياتٌ عدَّة، منها: (بِرْكَة البركة)، و(بِرْكَة زُبَيْدَة).

ذكر الدكتور الراشد قرية غَمْرَة، فقال: «وعلى مسافةٍ تُقَدَّرُ بحوالي (35 كيلاً) جنوب المَسْلَح تقع آثار إحدى محطَّات الحجِّ القديمة، والتي تُسَمَّى الآن بالبركة، أو بركة العقيق، تقع المحطَّة على الضفَّة الشرقية لوادي العقيق الذي تتجه مياهه من الشمال إلى الجنوب».[14]

أمَّا الآثار الموجودة في الموقع فهي خير شاهدٍ على أنَّ القرية كانت كبيرةً وعامرةً.

ومن أبرز معالم غَمْرَة الأثرية التي لا زالت قَيْدَ الاستعمال (بركة العقيق)، أو (البركة)، وهي بحالةٍ جيِّدةٍ.

يقول الدكتور الراشد عن البركة: «بُنِيَتْ البِرْكَة على شكلٍ مربَّعٍ، ومُدَرَّجة من كافَّةِ أضلاعها إلى الأسفل، بحيث تصبح أبعادها عند القاع (35 × 35م)، بينما تكون عند الحافة (49 × 49م)، ويصل عمق البركة حوالي (5.5م)، ويرتفع جدار البركة الخارجي حوالي (1.5م) عن سطح الأرض...، وتنتشر المنازل السكنية في منطقةٍ مرتفعةٍ إلى الغرب من البركة، وتدلُّ على أنَّ هذه المحطَّة كانت مدينةً كبيرةً في العصور المبكِّرَة».[15]

ووصف تقرير المسح الأثري موقع غَمْرَة بما يلي: «الموقع عبارة عن منحدرٍ غرب وادي العقيق الضيِّق، والذي لا يزيد عرضه على مئة متر، وتقوم المباني والمنشآت جميعها فوق المنحدر الغربي، حيث تتمتَّع بالحماية الطبيعية من السيول».[16]

وتتبع غَمْرَة إداريًا منطقة مكَّة المكرَّمة.

وتقع على مفترق الطرق المعبَّدةِ الحديثةِ (مكة - المدينة المنورة - الطائف - الرياض - القصيم)، وتبعد عن محافظة الطائف باتجاه الشمال بنحو (112 كم)، وعن مركز عُشَيْرَة (45 كم) شمالاً، وعلى مسافة (45 كيلومترًا) شمال شرق موقع وادي الضريبة.

وتقع على دائرة عرض (22°11›22.94) شمالاً، وخطِّ طولٍ (40°43›52.71) شرقًا.

وما لفت نظرنا أثناء تجوالنا في القرية وجود قبرين، أحدهما لرجلٍ، والآخر لامرأة، ويدلُّ على ذلك الشاهد الذي يُوضَعُ على القبر، فأهل الحجاز يضعون شاهدًا واحدًا على القبر إنْ كان المتوفَّى رجلاً، وشاهدين إنْ كانت المتوفَّاة إمرأةً، ويبدو أنَّ القبرين يعودان لبعض الحُجَّاجِ الذين وافتهم المنية على الطريق، والقرية مسورَّةٌ بالكامل من قبل الحكومة السعودية.

رابعًا: أَوْطَاس:

أُمُّ خُرْمَان:

يُعرف جُبَيْل أُمِّ خُرْمَان حاليًا باسم (جبل الزرابة)، وهو في الحقيقة عبارة عن ثلاثة تلالٍ صخريةٍ متجاورةٍ، وأثناء تجوالنا في المنطقة لاحظنا بقايا أثر لنُصْبٍ على قِمَمِهَا، ويبدو لي أنَّ شُعْلَة النَّارِ كانت تُوضَعُ عليها، ويقابل هذه التلال الثلاثة من جهة الشمال بِرْكَةُ ماءٍ قديمةٍ تُسَمَّى قديمًا وحديثًا (البريكة)، التي أنشأتها الدولة العباسية، وبالقرب منها توجد بِرْكَةٌ كبيرةٌ أنشأتها الحكومة السعودية، وبين التلال الثلاثة والبركتين أرضٌ سهلةٌ منبسطةٌ وواسعةٌ، وشرقيّهما على مسافةٍ ليس بالقصيرة يمكن رؤية جبل المنيبر، الذي وُضِع اسمه على الخريطة التي أعدتها هيأة المساحة الجيولوجية، وغرب تلال الزرابة والبركة وعلى مسافةٍ قريبةٍ يمكن رؤية سلسلةٍ من الجبال متوسِّطة الحجم تُسمَّى جبال الزلامة.

أَوْطَاس:

تُعْرَفُ قرية أَوْطَاس حاليًا باسم (حزم الصريم)، وهي عبارة عن أرضٍ واسعةٍ ومنبسطةٍ تقع على ضفَّةِ وادي سَلْحَة بالقرب من جُبَيْل أُمِّ خُرْمَان (الزرابة).

ووصفها تقريرٌ حديثٌ لوكالة الأنباء السعودية كالتالي: «أَوْطَاس، أو ما يُعْرَفُ بجبل (أُمِّ خُرْمَان)، وهي ملتقى حُجَّاج طريقي البصرة والكوفة، وتبعد عن محطة (الغَمْرَة) ما يقارب العشرة كيلومترات، وينحرف الطريق من محطة (الغَمْرَة) ناحية الجنوب الغربي متجهًا نحو وادي (الضريبة)، وطريقها في منطقة خفيفة التضاريس إلى الغرب من وادي العقيق وصولاً إلى بركة أَوْطَاس التي تعرف أيضًا ببركة (البريكة). وأَوْطَاس تقع على أحد أذرع وأكبر روافد وادي العقيق وهو (وادي سلحة)، الذي ينبع من حرَّة (بِسْ الأسفل) المتاخم لعُشَيْرَة من الغرب مرورًا بوادي الرانة، وهذه البركة هي واحدة من سلسلة البرك التي حفرت على درب زبيدة.

الصورة تشير بوضوح إلى موقع أَوْطَاس على ضفة وادي سلحة، وتشير كذلك إلى وادي سلحة كرافد من روافد العقيق

وتقع بِرْكَة (البريكة) بين سهل (ركبة، وحزم الصريم)، وحزم الصريم هو نفسه (أَوْطَاس)، أسماه أهل المنطقة بذلك؛ لكونه شهد قبل قرنٍ من الزمان وفاة عددٍ كبيرٍ من الحُجَّاج، الذين أطلق عليهم أهل المنطقة أهل الطرابيش نتيجة للبرد القارس، وكون المنطقة مفتوحة، وشاسعة وتضاريسها عبارة عن أحجارٍ ناعمةٍ بلون تربة المكان».[17]

ويقول الدكتور الراشد: «إذا اعتمدنا على المسح الأثري المسمَّى (سلحة) يتفق موضعه مع أَوْطَاس، وحدِّدت (سلحة) بأنَّها إلى الشمال الشرقي من الضريبة بحوالي 26 كيلًا، والمسافة بينها وبين بركة العقيق -يقصد غَمْرَة- تقل عن 20 كيلاً».

خامسًا: ذَاتُ عِرْق:

ذَاتُ عِرْق: وهو جبل صغير يُسَمَّى «عِرْق»، يُعْرَفُ حاليًا باسم القرية التي يقع فيها وهي (قرية الضريبة).

يُعبِّر الدكتور سعد الراشد عن الواقع الحالي لذَاتِ عِرْق، فيقول: «والواقع أنَّ ذَاتَ عِرْق لم تَعُدْ معروفةً بهذا الاسم، ويبدو أنَّها خُرِّبَتْ منذ قرونٍ مضت، وقامت بالقرب منها قرية تُسَمَّى (الضريبة)، وهي إلى الجنوب الغربي من بِرْكَة العقيق (الغمرة قديمًا) بحوالي 45 كيلاً».[18]

والقرية التي ذكرها الدكتور سعد تقع في شمال شرق مكَّة، في وادٍ يقال له وادي الضريبة -أحد أودية الحجاز-، وهي الحدُّ الفاصل بين تهامة ونجد، كما ذكر ذلك أغلب المؤرِّخين، والوادي يقع ضمن منطقة جبلية، تبعد عن مكَّة مسافة (92 كم تقريبًا)، ويُعدُّ أحد روافد وادي (مر الظهران)، أو ما يُسمَّى حاليًا بوادي فاطمة.

الصورة تشير إلى سير وادي العقيق وهو قادم من قرب الطائف ومتجه إلى غَمْرَة، وتشير كذلك إلى أنَّ ذَاتَ عِرْق وأَوْطَاس لا تقعان على العقيق، فالأولى تقع على ضفة وادي الضريبة، والثانية تقع على ضفة وادي سلحة

ويقول الدكتور عبدالله آل بسام: «وقد قمت بشهر محرم في عام (1402هـ) من مكَّة المكرَّمة إلى هذا الميقات ومعي الشريف محمد بن فوزان الحارثي، وهو من العارفين بتلك المنطقة ومن المطلعين على التاريخ، وقصدي بحث طريق الحجِّ من الضريبة إلى مكَّة على الإبل، فوجدت الميقات المذكور شعبًا بين هضاب، طوله من الشرق إلى الغرب ثلاثة أكيال، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نصف كيل، ويحدُّه من جانبيه الشمالي والجنوبي هضابه، ويحدُّه من الشرق (ريع أنخل)، ويحدُّه من الغرب وادي الضريبة الذي يصبُّ في وادي مرّ، ويعتبر هذا الميقات من الحجاز، فلا هو من نجد ولا من تهامة، ولكنَّه حجاز منخفض، يكاد يكون حرة فليس فيه جبال عالية، ويقع عنه شرقًا بنحو عشـرة أكيال وادي العقيق، ثم يلي العقيق شرقًا صحراء ركبة الواسعة حيث تبتدئ بلاد نجد.

ويحرم من العقيق الشيعة؛ مخالفةً لعمر الذي جعل ذَاتَ عِرْق ميقاتًا».[19]

وحدَّدت هيأة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية موقع ميقات ذَاتِ عِرْق بقرارٍ صادر عنها «برقم (177) وتاريخ 29/3/1414هـ».[20]

..........................

..............................

.................................

(الصورة تشير بوضوح لوقوع ذَاتِ عِرْق على ضفَّةِ وادي الضريبة وليس على ضفة وادي العقيق)

مسجد الميقات الحديث

جاء في تقرير وكالة الأنباء السعودية المذكور آنفًا: «تقدَّر مساحة المشـروع بنحو (65) ألف متر مربع، عملت بنظام صرفٍ لمياه الأمطار والسيول، وحوائط ساندة من الخرسانة المُسَلَّحة بهدف تغطية فروق المناسيب بالموقع العام، إضافةً إلى عمل خزَّاناتِ مياهٍ أرضيةٍ بمساحاتٍ كبيرةٍ، وأخرى علويةٍ ومواقفَ سيَّاراتٍ تتسع لنحو 600 سيارة.

ويشمل مشروع ميقات ذَاتِ عِرْق مبنًى للمسجد، يتكوَّن من دورٍ أرضيٍّ بمساحة (2775م)، يتسع لأكثر (2700مصلٍّ ومصلِّية)، وميزانين بمساحة (750م)، يتسع لنحو (900) مصلٍّ، والثالث دور القبو بمساحة (3200م)، ويستخدم مواقف سيارات يتسع لنحو (200 سيارة)، ويشتمل المشروع على مبنى دورات المياه والمواضئ، بمساحة إجمالية تقدَّر بنحو (2500م)، تحتوي على (450) دورة مياه ومواضئ، ويشمل المشروع أيضًا على عدد من الملاحق تتضمَّن مبنى سكن الإمام والمؤذِّن، وعددٍ من المباني للمحلات التجارية، ودور للمرافق الإيواء السكني، ومبنى إداري، ومبنى لخدمة السيارات وأعمال صيانتها».[21]

 

صورة حديثة لمسجد ميقات ذَاتِ عِرْق، وهو لايزال قيد الإنشاء، ويقع في وادي الضريبة

حدود وادي العقيق:

يُعدُّ وادي العقيق (عقيق عُشَيْرَة) من الأودية العظيمة والطويلة والمتشعِّبة في الحجاز، وهو ما دعا المؤرِّخ الحجازي (عاتق البلادي) إلى وصفه بوادٍ فحل، أمَّا عن بدايته ونهايته فيقول: «يأخذ أعلى مساقط مياهه من شمال الطائف حيث يسيل وادي قُرَّان من شمال حويّة الطائف، ثمَّ يتَّجه العقيق مشمّلاً بين حرَّتي (بِسّ).[22] غربًا، ثمّ حرّة الروقة وحرّة كشب شرقًا، حتى يدفع في قاع حاذة جنوب مهد الذهب».[23]

فبداية وادي العقيق أو منابعه تكون: من السيل الصغير ووادي قُرَّان شمال الطائف، ونهايته أو مصبّه، يكون: في قاع قرية حاذة.

وكان الناس يظنُّون أنَّ العقيق يصبُّ في المدينة المنورة، إلَّا أنَّ المؤرِّخ عاتق البلادي رأى أنَّ أقصى ما قد يصل إليه سيل وادي العقيق هي سبخة أرن.[24]

الطرق المؤدِّية لميقات العقيق حديثًا:

توجد عدَّةُ طرقٍ يمكن الوصول عبرها لميقات العقيق:

أولاً: على طريق الطائف - الرياض السريع:

l الانطلاقة تكون من مركز مدينة الطائف، ثمَّ السير على طريق الرياض السـريع لمسافة (75 كم)، ثمَّ الانعطاف جهة اليسار عند مفرق عُشَيْرَة، ومن المفرق السير على طريق (عُشَيْرَة - المحاني)، مسافة (65 كم تقريبًا)، ثمَّ الانعطاف جهة اليسار عند مفرق قرية (مدركة)، وعلى بُعْدِ أقلِّ من نصف كيلومتر من المفرق تقع قرية غَمْرَة (بركة العقيق).

l أمَّا وَجْرَة (بِرْكَة الخرابة) فيمكن الوصول لها عبر نفس الطريق، ولكن قبل مفرق مدركة بأقل من ألفي متر الانعطاف جهة اليمين، وعلى مسافة تسعة كيلومترات تقريبًا تقع بِرْكَة الخرابة، والتي تُعدُّ من أجمل البِرَك.

l وأَمَّا من يريد الوصول لقرية المَسْلَح فعليه السير على طريق (عُشَيْرَة - المحاني) لمسافة (75 كم تقريبًا) وصولاً لمفرق المَسْلَح، ثمَّ الانعطاف يمينًا، والسير لمسافة (22كم) وصولاً لقرية فيضة المَسْلَح، وعندها ينتهي الطريق المعبَّد.

l وعلى بعد (3 كم) من جهة الجنوب الغربي لقرية فيضة المَسْلَح تقع قرية المَسْلَح.

l وعلى بعد (12كم) من جهة الشمال الشرقي لقرية فيضة المَسْلَح تقع قرية البَعْث.

ثانيًا: على طريق الطائف - مكة (المار بالسيل الكبير):

l من مفرق الزيمة مرورًا بقرى القفيف وأبو عشر.

l وصولاً لمفرق المَسْلَح على طريق (عُشَيْرَة - المحاني).

l ثمَّ إلى قرية فيضة المَسْلَح، ومنها إلى قرية المَسْلَح وقرية البَعْث.

ثالثًا: على طريق جدَّة - الطائف (المار بهدى الشام):

l من شمال جدَّة وعلى طريق عسفان مرورًا بالقرى التالية: (هدى الشام، مدركة، رهاط).

l وصولاً لمفرق المَسْلَح على طريق (عُشَيْرَة - المحاني)، ثمَّ إلى قرية فيضة المَسْلَح، ومنها إلى قرية المَسْلَح وقرية البَعْث.

رابعًا: على طريق جدة - الطائف (المار بالجموم):

l إمَّا من مفرق الزيمة إلى فيضة المَسْلَح.

l أو على طريق هدى الشام وصولاً لطريق (عُشَيْرَة - المحاني) إلى فيضة المَسْلَح.

خامسًا: على طريق المدينة - مكَّة السريع:

l من مفرق مهد الذهب إلى مدينة المهد.

l ومن ثمَّ السير على طريق (عُشَيْرَة - المحاني) إلى المَسْلَح.

سادسًا: على الطريق الحديث الرابط بين القصيم ومكَّة (قيد الإنشاء):

وحسب ما هو معلن فإنَّه سيمرُّ بذَاتِ عِرْق.

الطريق من مكة إلى فيضة المَسْلَح

 

 

 

 

الفصل الثالث:

أدلَّةُ شرعيَّةِ ميقات العقيق

لا خِلَافَ بين فقهاء الإمامية على أنَّ العقيق (عَقِيق عُشَيْرَة) هو ميقات أهل نجد والعراق.

نعم، بدا ثمَّة خلاف حول: هل وادي العقيق بأكمله هو الميقات بحسب الروايات الكثيرة التي صرَّحت بذلك؟، أم بطنه هو الميقات، كما ورد في صحيحة معاوية؟.

وأيًا يكن؛ فإنَّنا نستطيع أن نلخِّص شرعية الميقات بالتالي:

أ. اتفاق فتوى فقهاء الإمامية.

ب. النصوص الشرعية.

ج. السيرة العملية القطعية المتصلة بعصر التشريع.

فتاوى الفقهاء:

أفاد فقهاء الإمامية في فتاواهم التي استفادوها من الروايات الشريفة عن أئمة أهل البيت:، وفيما يلي نستعرض بعض النماذج من هذه الفتاوى:

l ففي (فقه الرضا)،[25]: «وَقَّتَ لأهل العراق العَقِيق، وأَوَّلُه المَسْلَح، ووسطه غَمْرَة، وآخره ذَاتُ عِرْق، وأوَّله أفضل».

l وفي (المُقنع)،[26] و(الهداية)،[27]: «وَقَّتَ لأهل العراق العَقِيق، وأَوَّلُ العَقِيق المَسْلَخ، ووسطه غَمْرَة، وآخره ذَاتُ عِرْق».

l وفي (المقنعة)،[28] و(المسائل الناصريات)،[29] و(المراسم)،[30] وفي (الجمل)،[31] و(الكافي في الفقه)،[32]: «وَقَّتَ لأهل العراق بَطْنَ العَقِيق، وأَوَّلُه المَسْلَخ، ووسطه غَمْرَة، وآخره ذَاتُ عِرْق».

l وفي (النهاية)،[33]: «وَقَّتَ لأهل العراق، ومَنْ حجَّ على طريقهم: العَقِيق، وله ثلاثة أوقات: أَوَّلُهُ المَسْلَخ وهو أفضلها، ولا ينبغي أن يُؤَخِّرَ الإنسانُ الإحرامَ منه إلَّا عند الضـرورة، وأَوْسَطُهُ غَمْرَة، وآخِرُهُ ذاتُ عِرْق، ولا يجعل إحرامَهُ من ذَاتِ عِرْق إلَّا عند الضـرورة والتقيَّة، ولا يتجاوز ذَاتَ عِرْقٍ إلَّا مُحْرِمًا على حال».

l وفي (اللمعة)،[34]: «والعَقِيقُ وهو وادٍ طويلٌ يزيدُ على بريدين للعراق، وأفضله المَسْلَخ وهو أوَّلُهُ من جهة العراق، ورُوِيَ أنَّ أوَّلَهُ دونه بستة أميال، وليس في ضبط المَسْلَخ شيء يعتمد عليه».

l وفي (كشف الغطاء)،[35]: ذكر الشيخ جعفر كاشف الغطاء شيئًا من التفصيل، فيرى أنَّ العَقِيق ميقاتٌ لأهل نَجْدٍ والعراق، إلَّا أنَّه قسَّمَهُ على أربعة مواضع، أحدها: بريد البَعْث، والمَسْلَح (المراد به أوَّل العَقِيق)، وغَمْرَة، وذَاتُ عِرْق.

l وفي (الفتاوى الواضحة): «وادي العَقِيق، وهذا الميقات له أجزاءٌ ثلاثةٌ: المَسْلَخ، وهو اسمٌ لأوَّلِهِ. والغَمْرَة، وهو اسمٌ لوسطِهِ. وذَاتُ عِرْق، وهو اسمٌ لآخِرِهِ. ويُقَدَّرُ بعد آخِرِهِ عن مكَّة المكرَّمة بحوالي أربعة وتسعين كيلومترًا -على ما قيل-، والأَحْوَطُ وُجُوبًا أن يُحْرِمَ المُكَلَّفُ قبل أن يصلَ إلى ذَاتِ عِرْقٍ فيما إذا لم تمنعه عن ذلك تَقِيَّة».

العقيق في النصوص الروائية:

  1. صحيحة أبي أيوب الخزاز، قال: قلت لأبي عبدالله 7: حَدِّثْني عن العَقِيق، أَوَقْتٌ وَقَّتَهُ رسول الله9 أو شيءٌ صنعه الناس؟، فقال: إنَّ رسول الله9 وَقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفة، ووَقَّتَ لأهل المغرب الجحفة، وهي عندنا مكتوبة مهيعة، وَوَقَّتَ لأهل اليمن يَلَمْلَم، وَوَقَّتَ لأهل الطائف قَرْنَ المنازل، وَوَقَّت لأهل نَجْدٍ العَقِيق وما أَنْجَدت».[36]
  2. صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله 7 قال: «من تَمَامِ الحجِّ والعمرة أن تُحْرِمَ مِنَ المَوَاقِيتِ التي وَقَّتَهَا رسول الله9، لا تُجَاوِزْهَا إِلَّا وَأَنْتَ مُحْرِمٌ، فَإنَّه وَقَّتَ لأهلِ العِرَاقِ -ولم يكن يومئذٍ عراق- بطنَ العقيقِ من قِبَلِ أهل العراق، ووقَّتَ لأهلِ اليمنِ يَلَمْلَم، ووقَّتَ لأهل الطائف قرن المنازل، ووقَّتَ لأهل المغرب الجحفة، وهي مهيعة، ووقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفة، ومَنْ كَانَ منزله خَلْفَ هذه المواقيت مِمَّا يلي مكة فَوَقْتُهُ منزِلُه».[37]
  3. صحيحة أبو حسن الحلبي، قال: قال أبو عبدالله 7: «الإحرام من مواقيت خمسة وَقَّتَهَا رسول الله9 لا ينبغي لحاجٍّ ولا لمعتمرٍ أن يُحْرِمَ قبلها ولا بعدها، وَقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفة، وهو مسجد الشجرة يصلّى فيه ويفرض الحجّ، ووَقَّتَ لأهل الشام الجحفة، ووَقَّتَ لأهل نجد العَقِيق، ووَقَّتَ لأهل الطائف قرن المنازل، ووَقَّتَ لأهل اليمن يَلَمْلَم، ولا ينبغي لأحدٍ أن يرغب عن مواقيت رسول الله9».[38]
  4. صحيحة علي بن رئاب قال: «سألت أبا عبدالله 7 عن الأوقات التي وَقَّتَهَا رسول الله9 للناس، فقال: إنَّ رسول الله9 وَقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة، ووَقَّتَ لأهل الشام الجحفة، ووَقَّتَ لأهل اليمن قرن المنازل، ولأهل نجد العقيق».[39]

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه 8: «أمَّا أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن العقيق».[40]

  1. صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله 7، قال: «وَقَّتَ رسول الله9 لأهل المشرق العقيق نحوًا من بريدين، ما بين بريد البَعْث إلى غَمْرَة، ووَقَّت لأهل المدينة ذو الحليفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يَلَمْلَم».[41]

والذي يفهم من النصوص الشريفة، أمران:

الأوَّل: أنَّ العقيق بأكمله هو الميقات.

الثاني: أنَّ بطن العقيق هو الميقات، وليس العقيق بأكمله.

ولحلِّ الإشكال الأوَّل لا بدَّ لنا من الرجوع للتالي:

أ. النصوص الشرعية المشتملة على لفظ (بطن).

ب. المعاجم اللغوية.

ج. أهل المنطقة؛ لمعرفة مرادهم من قول: (بطن العقيق)، أو (بطن الوادي)؛ باعتبار أنَّ العقيق أحد أودية الحجاز، وكثيرًا ما يستعمل هذا التعبير في حديثهم الدارج، وفي أدبياتهم، قديمًا وحديثًا.

الاستعمال القرآني لكلمة (بطن):

ورد ذكر كلمة بطن ومشتقاتها في عددٍ غير قليل من آي القرآن الكريم، وفي أكثر من معنًى، ومنها:

  1. قوله تعالى: ﴿فَضُرِبَبَيْنَهُمْبِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾، [الحديد: 13].

بمعنى: الجهة.

  1. وقوله تعالى: ﴿وَلَاتَقْرَبُواالْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، [الأنعام: 151].

بمعنى: السر.

  1. وقوله تعالى: ﴿وَأَسْبَغَعَلَيْكُمْنِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20].

بمعنى: المعرفة.

  1. وقوله تعالى:﴿وَهُوَالَّذِيكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾، [الفتح: 24].

بمعنى: المكان.

  1. وقوله تعالى: ﴿هُوَالْأَوَّلُ وَالْآخِرُوَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾، [الحديد: الآية 3].

بمعنى: العلم والقرب.

  1. قوله 7: «وَارْمِهَا مِنْ بَطْنِ الوَادِي»، في موضوع رمي الجمار بمنى.

بمعنى: أسفل؛ لأنَّ الجمرة -سابقًا- كانت تقع عند سفح الجبل، ويبدو أنَّ بعض الحُجَّاج كان يرميها وهو على سفح الجبل، أي أنَّه كان يرميها من أعلى.

استعمال كلمة (بطن) في الأدب العربي:

قال الأعشى:

جَازِعَاتٍ بَطْنَ العَقِيقِ كَمَا تَمْـ

ـضِي رِفَاقٌ أَمَامَهُنَّ رِفَاقُ

ويقال: جَزَعْتُ الوَادِيَ: إذا قطعته عَرْضًا.[42]

وقال عبدالسلام بن يوسف:

عَلَى سَاكِنِي بَطْنَ العَقَيقِ سَلَامُ

وَإِنْ أَسْهَرُونِي بِالْفِرَاقِ وَنَامُوا

وقال ثور بن سلمة في رثاء أخيه:

أَرَى الأَثْلَ مِنْ بَطْنِ العَقِيقِ مُجَاوِرِي

مُقِيمًا وَقَدْ غَالَتْ يَزِيدَ غَوَائِلُهْ

وقال عدي بن زيد:

سَقَى بَطْنَ العَقِيقِ إِلَى أُفَاقٍ

فَقَاثُورٍ إِلَى لَبَبِ الكَثِيبِ

كلمة (بَطْن) في معاجم اللغة:

وكما وردت كلمة (بَطْن) في القرآن الكريم بأكثر من معنًى؛ فكذلك في المعاجم اللغوية لها أكثر من معنًى، ومن تلكم المعاني: خلاف الظهر، ووسط الشيء، وداخل الشيء، وما خفي من الأمر...، إلخ.

l قال ابن منظور في لسان العرب:

بَطَنَ الوَادِيَ: دَخَلَهُ، بَطَنْتُ الوَادِيَ: دَخَلْته. واسْتَبْطَنَ الوَادِيَ: جَوَّلَ فِيهِ، واسْتَبْطَنْتُ الشَّيءَ وتَبَطَّنْتُ الكَلَأَ: جَوَّلْتُ فِيهِ.

والبُطْنُ: مَسَايِلُ المَاءِ في الغَلْظ. والظَّهْرُ من الأَرْضِ: ما غَلُظَ وارْتَفَعَ.

والبَطْن من الأرض: ما لَانَ مِنْهَا وسَهُلَ وَرَقَّ واطْمَأَنَّ».[43]

l وفي مفردات غريب القرآن:

البَطْنُ: «خلاف الظهر في كلِّ شيءٍ، ويقال للجهة السفلى: بَطْن، وللجهة العليا: ظَهْر، وبه شبِّه بَطْنُ الأمر، وبَطْنُ الوَادِي».[44]

l وفي تاج العروس:

«والبَطِيحَةُ والبَطْحَاءُ والأَبْطَحُ، وهذه الثَّلاثةُ ذَكَرها الجوهريُّ وغيرُه: مَسِيلٌ وَاسِعٌ فيه دُقاقُ الحَصَى.

وعن ابن سيده: قيل: بَطْحَاءُ الوَادِي: تُرَابٌ لَيِّنٌ مِمَّا جَرَّتْهُ السُّيُولُ.

وقال ابن الأَثير: بَطْحَاءُ الوَادِي، وأَبْطَحُهُ: حَصَاهُ الليِّنُ في بَطْنِ المَسِيلِ.

ومنه  الحديث: «أَنَّه صَلَّى بالأَبْطَحِ»، يَعنِي أَبْطَحَ مَكَّة. قال: هو مَسِيلُ وَادِيهَا.

وعن أَبي حَنِيفة: الأَبْطَحُ لا يُنْبِتُ شيئًا، إِنّما هو بَطْنُ المَسِيلِ.

عن النَّضْر: الأَبْطَحُ: بَطْنُ التَّلْعةِ والوَادِي، وهو البَطْحَاءُ، وهو التَّرَابُ السَّهْلُ في بُطُونِهَا مِمَّا قد جَرَّتْهُ السُّيُولُ.

يقال: أَتَيْنَا أَبْطَحَ الوَادِي فنمْنَا عليه. وبَطْحَاؤُهُ، مثلُه، وهو تُرَابُه وحَصَاهُ السَّهْلُ اللَّيِّنُ».[45]

 

استعمال أهل الحجاز لجملة (بطن العقيق):

كثيرًا ما يستعمل أهل الحجاز جملة «بَطْن العَقِيق»، ومرادهم بها: المَكَانُ الوَاسِعُ القَرِيبُ مِنْ مَسَايِلِ المَاءِ الصَّالِحِ لِلمَرَاحِ والصَّلَاةِ.

فعندما يقول أحدهم: «أَمْرَحَ عِنْدِي» فهو يقصد بها (نَامَ عِنْدِي)، وعندما يقولون: «مَرَاح الإِبِل» فيعنون بالكلمة (مَبِيتُ الإِبِل).

وعادةً ما يكون عدد أفراد قوافل الحُجَّاجِ غير قليلٍ، وإبلهم كثيرة؛ فهم بحاجةٍ لمكانٍ واسعٍ ومريحٍ؛ ليؤدُّوا فيه الصلاة والمبيت.

وقطعًا لا يعنون بجملة بَطْن الوَادِي (داخل الوادي أو وسط الوادي) كمكانٍ للرَّاحَةِ والمَبِيت؛ لأنَّ أخطر الأمكنة في الأودية هي بطونها، فلذلك تراهم دائماً ينصحون بعضهم البعض بتجنُّب بطون الأودية، ويعنون بها مجرى السيول.

وينصح الدكتور عبدالله المسند (أستاذ الجغرافيا بجامعة القصيم) في تغريدةٍ له على موقعه في شبكة التواصل الاجتماعي أهل البادية بقوله: «لا تتخذوا بطون الأودية مَسْكَنًا ولا مُسْتَوْطَنًا... لا للإنسان ولا للحيوان، وأهيب بأهل الحلال إخراج حلالهم من بطون الأودية، والمنخفضات، ولا تكونوا كنبتة رجلة، تنبت في بطن الوادي، قالت العرب: «أحمق من رجلة».[46]

 

الصورة لأحد بطون الأودية، ويظهر فيها السيل وهو يجرف الإبل

وذكر في حديث عن عبدالله بن عمر أنَّ الرسول9 كان ينزل بذي الحليفة حين ذهابه للعمرة أو الحجَّ، تحت سمرة،[47] في موضع المسجد (مسجد المعرس)،[48] ويهبط بطن وادي العقيق، فإذا ظهر من بطن الوادي، أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية. فهبوط النبي9 لبطن الوادي لم يكن إلّا لملء قربة الماء أو الوضوء، أمَّا مبيته فكان في (البطحاء)، وهي منطقة تختلف عن بطن الوادي، ويدلُّ على ذلك قول الراوي: «فإذا ظهر من بطن الوادي، أناخ بالبطحاء».

وأَنَاخَ بالمكان: أي أَقَامَ فيه.

يقول الشاعر:

أَنِخْ رِكَابَكَ يَا مَنْ شِئْتَ مَغْفِرَةً

بِأَبِي قُبَيْسٍ وَاقْصُدْ ذَلِكَ الحَرَمِ

والأَبْطَحُ -كما عرَّفته معاجم اللغة- هو: سَهْلٌ، أَرْضٌ مُنْبَسِطَةٌ فَسِيحَةُ الأَرْجَاء، يَسِيلُ فيها الماءُ تَارِكًا فيها الرَّمْلَ وصِغَارَ الحَصَى.

نعم، ذكرت المعاجم أنَّ أحد معاني (بطن الشيء): داخله، كما ورد عن النبي9 أنَّه رمى جمرة العقبة من بطن الوادي؛ لأنَّها كانت تقع قرب سفح الجبل، وبعض الناس كانوا يرمونها من على سفح الجبل.

والذي أراه أنَّ المراد من (بطن العقيق) -هنا- هو: المكان الواسع والصالح للمبيت والصلاة والاستراحة، ويكون بالقرب من مَسِيلِ الوادي.

وقول الإمام الحربي -عند وصفه بريد البَعْث-: «يقال: أنَّها أوَّل بطن العقيق»، فيه دلالةٌ واضحةٌ على ما ذهبنا إليه في تفسيرنا لـ (بطن العقيق).

أضف إلى ذلك أنَّ كثيرًا من البِرَكِ بُنِيَتْ على مَسِيلِ العقيق؛ ليتجمع ماء السيل داخلها، وبطريقةٍ مُدَرَّجَةٍ؛ لكي يتمكَّن أكبر عددٍ ممكنٍ من الحُجَّاج من ملء قِرَبِهِمْ بالماءِ في آنٍ واحدٍ.

يقول الدكتور الراشد ـ بعد ذكر وصفه الدقيق لبِرْكَة غَمْرَة ـ : « تنتشر آثار المنازل السكنية في منطقة مرتفعة إلى الغرب من البركة...، كذلك تنتشر بقايا المباني السكنية حول البركة».[49]

أمَّا بالنسبة لموقع المَسْلَح، فيقول الدكتور الراشد: «ويبعد الموقع الأثري للمَسْلَح عن مسار الطريق خمسة أكيال تقريبًا، وترتفع التلول الصخرية المحيطة بالموقع عن مستوى السهل بحوالي ستة أمتار، ويتكوَّن الموقع من مجموعةٍ من الآثار المعمارية الباقية، وهي عبارة عن: البِرْكَة الرئيسة، ومجموعة من الآبار، وبقايا أطلال المنازل السكنية، أمَّا بقايا التحصينات أو القصور فهي على المرتفع الشمالي الغربي من الموقع الرئيسي».[50]

ويفهم من كلام الدكتور الراشد (أستاذ الآثار الإسلامية في الجزيرة العربية بجامعة الملك سعود)، أنَّ الحُجَّاج لم يكونوا ينزلون بطن الوادي للاستراحة والصلاة، وإنَّما لملء قرب الماء من بطن الوادي، سواء وجدت بِرْكَة أم لم توجد.

وهذا ما شاهدناه أثناء زيارتنا الميدانية، حيث إنَّ بِرْكَة أبي جعفر المنصور في المَسْلَح تقع على مجرى العقيق، وكذلك بِرْكَة غَمْرَة، في حين أنَّ أمكنة الميقات الثلاثة (بريد البَعْث، المَسْلَح، غَمْرَة) وجدنا أنَّها جميعًا تقع في أرضٍ مرتفعةٍ عن بطن العقيق، وهي واسعة تصلح مكانًا للتجمّع والمبيت والصلاة.[51]

وقول سماحة المرجع الشيخ الفيَّاض: «فإنَّ المتفاهم العرفي من بطن العقيق بمناسبة الحكم والموضوع هو داخله في مقابل الخارج عنه، باعتبار أنَّ العقيق محدَّدٌ بحدٍّ معيَّنٍ ومسافةٍ».[52]

ويبدو لي أنَّ كلامه هنا أتى في سياق حديثه عن حدود العقيق، وليس لبيان مدلول كلمة (بَطْن).

وعليه:

فإنَّ استعمال (بَطْن العَقِيق) في الرواية الشريفة، ليس فيها دلالة على «أنَّ تمام وادي العقيق ليس بميقات، وإنَّما الميقات بطنه».[53]

كما ذهب لهذا المعنى موسوعة الفقه الإمامي، ولا تعني وسط الشيء؛ لأنَّ أوَّل أمكنة الميقات الثلاثة (بريد البعث) يقع في أوَّلِ بطن العقيق من جهة العراق، ما يعني أنَّ المراد من كلمة (بطن) هنا شيء آخر وليس وسط الشيء، وليس مقابل تمام العقيق.

وغاية ما في الأمر -حسب فهمي والله أعلم- أنَّ المراد من بطن العقيق -هنا- أمر إرشادي من النبي9 للحُجَّاج للاستراحة والمبيت في المكان الأنسب والأصلح، ولا غرابة في ذلك؛ فهو9 ابن البادية، وأعرف الناس بأيِّ الأمكنة هي أصلح للمبيت.

وبعبارةٍ مختصرةٍ: فإنَّ المراد من قولهم «بطن العقيق» هو: الأرض الرملية الواسعة التي تقع بالقرب من مسايل الماء، وتصلح للمراح والصلاة.

حدود ميقات العقيق :

فيما سبق دار البحث حول الموقع الجغرافي والواقع التاريخي لميقات العقيق، وما خلصنا إليه من نتائج ما يلي:

  1. أنَّ المراد من جملة (بطن العقيق) هو المكان الواسع الذي يقع بالقرب مسيل الوادي، ويكون صالحًا للمراح والمبيت.
  2. أنَّ بريد البَعْث هو أوَّلُ بَطْنِ العَقِيق، ما يعني أنَّه بداية الميقات.
  3. أنَّ بعض الحُجَّاج كانوا يُحْرِمُون من بريد البَعْث.
  4. أنَّ نهاية حدود الميقات هي غَمْرَة وليس ذات عِرْق أو أَوْطَاس، باعتبار أنَّهما لا تقعان على العقيق جغرافيًا.
  5. أنَّ التغيير الذي حصل في مبدإ ومنتهى حدِّ الميقات عائدٌ لأسبابٍ ذكرناها في محلِّها.

وفي ضوء هذه النتائج سنحاول معرفة حدود ميقات العقيق طِبْقًا للروايات الشريفة الواردة عن أئمة أهل البيت:، وهي على ثلاث طوائف:

l الطائفة الأولى: حدَّدت بدايته بـ (بريد البَعْث)، ونهايته بـ (غَمْرَة).

  1. صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله7 قال: «أَوَّلُ العَقِيقِ بَرِيدُ البَعْثِ، وَهُوَ دُونَ المسْلَخِ بِسِتَّةِ  أَمْيَالٍ مِمَّا يَلي العِرَاقَ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ غَمْرَةَ أَرْبَعَةٌ وَعشْرُونَ ميلاً : بَرِيدَانِ».[54]
  2. صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله 7 قال: «وَقَّتَ رَسُولُ الله9 لِأَهْلِ المَشْرِقِ العَقِيقَ نَحْوًا مِنْ بَرِيدَيْن، مَا بَيْنَ بَرِيدُ البَعْثِ إِلَى غَمْرَةَ».[55]
  3. عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق 7: «أَوَّلُ العَقِيقِ بَرِيدُ البَعْثِ، وَهوَ من دُون بَرِيدِ غَمْرَةَ».[56]

l الطائفة الثانية: حدَّدت بدايته بـ (المَسْلَح)، ونهايته بـ (ذَاتِ عِرْق).

  1. خبر أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله 7، يقول: «حَدُّ العَقِيقِ: أوَّلُهُ المَسْلَخ، وآخِرُهُ ذَاتُ عِرْقٍ».[57]
  2. مُرْسَلَةُ الصَّدُوقِ، عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق 7: «وَقَّتَ رسولُ الله9 لِأَهْلِ العِرَاقِ العَقِيق، وأَوَّلُه المَسْلَخ، ووسطه غَمْرَة، وآخِرُهُ ذَاتُ عِرْقٍ، وأوَّله أفضل».[58]
  3. عن أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في (الاحتجاج)، عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري أنَّه كتب إلى صاحب الزمان 7 يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء، ويكون مُتَّصِلاً بهم، يَحُجُّ ويأخذ عن الجادة، ولا يُحْرِمُ هؤلاء من المَسْلَخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يُؤَخِّر إحرامه إلى ذَاتِ عِرْقٍ فيحرم معهم لما يخاف الشهرة؟ أم لا يجوز إلَّا أنْ يُحْرِمَ من المَسْلَخ، فكتب إليه في الجواب: «يُحْرِمُ من مِيقَاتِهِ، ثمَّ يلبسُ الثيابَ ويُلَبِّي في نفسه، فإذا بَلَغَ إلى ميقاتهم أظهره».[59]

l الطائفة الثالثة: حَدَّدتْ نهايته بـ (أَوْطَاس).

صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله 7 قال: «آخر العَقِيق بريد أَوْطَاس، وقال: بريد البَعْث دون غَمْرَة ببريدين».[60]

ويستفاد من الروايات الشريفة بصفة عامة، ما يلي:

  1. أنَّ طول الميقات يبلغ بريدين (24ميلاً، أي 48كم).
  2. أنَّ بداية الميقات، إمَّا بريد البَعْثِ، أو المَسْلَخ.
  3. أنَّ نهايته إمَّا غَمْرَة، أو أَوْطَاس، أو ذات عِرْق.

والملاحظ هنا أنَّ هذا الميقات تميَّز عن غيره من المواقيت، بميزتين:

أ. جواز الإحرام من أكثر من مكان يقع على العقيق.

ب. طوله -حسب المشهور بين الفقهاء (رواية أبي بصير)- حيث إنَّ المسافة بين أوَّله (المسْلَخ)، وآخره (ذات عِرْق) تبلغ (37 ميلاً)، أي ما يعادل (74 كم).

وأيًّا كان؛ فقد جوَّز الفقهاء المتقدِّمين والمتأخِّرين الإحرام من ثلاثة مواضع تقع على العقيق (عقيق عُشَيْرَة)، وهو المعروف والمشهور بينهم، وأنَّ أوَّل تلكم المواضع هو المسْلَخ، تليه غَمْرَة، وآخره ذات عِرْق، وأنَّ أفضله المسْلْخ، تليه غَمْرَة، ثمَّ ذات عِرْق، وقيَّدوا الإحرام من الموضع الأخير؛ لتقيَّةٍ أو ضرورةٍ.

قال الشيخ الطوسي في النهاية: «العقيق، وله ثلاثة أوقات: أوَّلها المَسْلَخ، وهو أفضلها، ولا ينبغي أن يُؤَخِّر الإنسان الإحرام منه إلّا عند الضرورة، وأوسطه غَمْرَة، وآخره ذَاتُ عِرْق، ولا يجعل إحرامه من ذات عِرْقٍ إلّا عند الضرورةِ والتقيَّةِ».[61]

واستدلَّ القائلون بهذا الرأي بمُرْسَلَةِ الصدوق، وخبر أبي بصير المذكورين سابقًا.

ولحلِّ هذا الإشكال أو التعارض بين الروايات الشريفة -كما يبدو من ظاهرها من ناحيةٍ فقهيةٍ-، لا بُدَّ من الرجوع للبحوث الاستدلالية لفقهاء مدرسة أهل البيت:.

وبلا شكٍّ أنَّ الفقهاء قد سخَّروا جُلَّ طاقاتهم لحلِّ هذا التعارض، كُلاًّ حسب مبانيه.

وبعد مطالعتي لعددٍ غير قليلٍ من تعليقات الفقهاء على العروة الوثقى -للسيِّد اليزدي-؛ وجدتها تكاد تكون متطابقة في النتائج، باعتمادهم رواية أبي بصير المشهورة كدليلٍ معتبرٍ على أنَّ المَسْلَح يمثِّل أوَّلَ العقيق، تليه غَمْرَة، وآخره ذات عِرْق، وأنَّ أوَّلهُ أفضل.

وكدنا في لحظة من اللحظات نفقد الأمل في العثور على رأيٍ فقهيٍّ يطابق نتائج البحث الجغرافي والتاريخي، وقد جادت قريحة رفيق الدرب في تلكم اللحظات بالأبيات التالية:

أَبْحَرَ فِي لُـجَاجِ (بَيْتِ الحِكْمَةْ)،[62]

وَلَمْ تَخِرْ فِي الظُّلُمَاتِ الهِمَّةْ

مُسْتَمْسِكًا بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى عَلَى

تَقَطُّعِ العُرَى إِلَى أَنْ وَصَلَا

لِبَاسِطِ المَسْأَلَةِ المَقْبُوضَةِ

وَمُطْلقِ الأَدْمِغَةِ المرُوضَةِ

وعندما وقع بصري على ما جاء في تعليقاتٍ مبسوطةٍ على العروة الوثقى لسماحة المرجع الشيخ إسحق الفيَّاض، وجدت نفسي تركن وتميل لهذا الاستدلال؛ لتوافقه في جزءٍ كبيرٍ منه مع النتائج التي توصَّلنا لها في بحثنا التاريخي الجغرافي، ولسان الحال يردِّد ما قاله الشيخ الوائلي:

حَتَّى تَدَارَكَنَا كَالرَّعْدِ مُنْطَلِقًا

صَوْتُ الفَتَاوَى عَلَى أَفْوَاهِ مَنْ زَأَرُوا

دَوَّى بِهَا نَفَرٌ مِنْ خَيْرِ قَادَتِنَا

عِنْدَ الخُطُوبِ فَمَرْحَى أَيُّهَا النَّفَرُ

فَانْجَابَ لَيْلٌ وَوَلَّتْ ظُلْمَةٌ وَمَشَى

ضوْءٌ وَرَفْرَفَ فَتْحٌ أَبْلَجٌ نَضِرُ

استدلال سماحة المرجع الفيَّاض:

يقول سماحة المرجع الشيخ الفيَّاض -دام ظلّه- في تعاليقه المبسوطة على العروة الوثقى في الجزء التاسع في الصفحات (182-185): «هذا هو المعروف والمشهور  بقصد أنَّ أوَّل الميقات هو المَسْلَح، وآخره ذاتُ عِرْق-  بين الأصحاب وقد استدلَّ على ذلك:

  1. برواية أبي بصير، قال: سمعت أبا عبدالله 7، يقول: «حَدُّ العَقِيقِ أَوَّلُهُ المَسْلَخُ، وآخِرُهُ ذَاتُ عِرْق»، فإِنَّها تحدِّد العَقِيقَ من حيث المبدأ والمنتهى بوضوح.
  2. وبِمُرْسَلَةِ الصَّدُوق، قال: قال الصادق 7: «وَقَّتَ رسولُ الله9 لِأَهْلِ العِرَاقِ العَقِيق، وأَوَّلُه المَسْلَخ، ووسطه غَمْرَة، وآخِرُهُ ذَاتُ عِرْقٍ، وأوَّله أفضل».

ولكن للنظر في ذلك مجال:

l أمَّا المرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها من جهة إرسالها.

ودعوى أنَّ ضعفها منجبرٌ بعمل المشهور بها مدفوعة بما ذكرناه غير مرَّةٍ من المناقشة في كون عمل المشهور بروايةٍ ضعيفةٍ جابرٌ لضعفها نظريًا وتطبيقيًا.

l وأمَّا رواية أبي بصير، فإنَّ الراوي عنه عمار بن مروان وهو مردَّد بين اليشكُري وبين الكلبي، وهو بعنوان اليشكُري ثقة دون الكلبي، ولم يثبت أنَّهما عنوانان لشخصٍ واحدٍ؛ إذ لا دليل على الاتحاد وعلى التعدُّد، فهل المراد منه في الرواية اليشكري الثقة حتى تكون الرواية معتبرة، أو الكلبي حتى تكون الرواية ضعيفة.

ودعوى أنَّ المراد منه الأوَّل للانصراف من جهة أنَّه المعروف والمشهور مدفوعة بأنَّ شهرة عمار بن مروان بعنوان اليشكري لم تصل إلى درجة كلَّما أطلق عمار بن مروان كان المنصرف منه اليشكري، فإنَّه ليس من الرواة المعروفين والمشهورين؛ حيث إنَّ وقوعه بعنوان اليشكري في إسناد الروايات قليل.

فالنتيجة: أنَّه لا يمكن حصول الوثوق والاطمئنان بأنَّ المراد منه اليشكري، غاية الأمر حصول الظنِّ به ولا قيمة له.

هذا إضافة إلى أنَّها معارضة لصحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله 7 قال: «أَوَّلُ العَقِيقِ بَرِيدُ الْبَعْثِ، وَهُوَ دُونَ الْمسْلَخِ بِسِتَّةِ  أَمْيَالٍ مِمَّا يَلِي الْعِرَاقَ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ غَمْرَةَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ميلاً : بَرِيدَانِ» فإنَّها تنصُّ على أنَّ أوَّل العقيق بريد البعث لا المسْلَخ، وبينه وبين غَمْرَة بريدان، ومثلها صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله 7 قال: « وَقَّتَ رسول الله9 لأهل المشرق العقيق نحوًا من بريدين، ما بين بَرِيدِ البَعْثِ إلى غَمْرَة -الحديث-».

l وعلى هذا فإنْ قُلْنَا بأنَّ رواية أبي بصير لم يثبت اعتبارها كما هو الأظهر فالمرجع حينئذٍ هو صحيحة معاوية.

ومقتضاها أنَّ أوَّل العقيق بريد البَعْثِ لا المَسْلَخ.

نعم، إنَّها ساكتة عن آخره، ولكنَّ صحيحته الأخرى عن أبي عبدالله 7 قال: «آخِرُ العَقِيقِ بَرِيدُ أَوْطَاس، وقال: بَرِيدُ البَعْثِ دون غَمْرَة ببريدين» تَنُصُّ على أنَّ آخره أَوْطَاس.

ودعوى أنَّ كلتا الصحيحتين مخالفةٌ للمشهورِ المصرَّحِ به في كلماتهم من أنَّ أوَّلَ العَقِيقِ المَسْلَخ وآخره ذات عِرْق، باعتبار أنَّ الأولى مخالفة لهم في أوَّلِهِ، وتَنُصُّ على أنَّه بَرِيدُ البَعْثِ دونَ المَسْلَخ، والثانية مخالفةٌ لهم في آخره، وتَنُصُّ على أنَّه بريد أَوْطَاس لا ذات عِرْق، فلذلك كانتا مهجورتين لديهم، وذلك موجبٌ لسقوطهما عن الحجِّيَّة؛ مدفوعة بما ذكرناه غير مرَّةٍ بأنَّ الرواية إذا كانت معتبرة لا تسقط عن الحجِّيَّة بمخالفة المشهور وعدم عملهم بها.

فإذن؛ لا مناص من العمل بها. ويكون الناتج من ضمِّها لصحيحته الأولى أنَّ أوَّله بريد البَعْثِ وآخره أَوْطَاس.

l وأمَّا ذَاتُ عِرْق، فقد وَرَدَ في موثَّقة عمار قال: «سألت أبا الحسن7 عن المتمتِّع يجيء فيقضي متعة، ثمَّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة، وإلى ذات عِرْق، أو إلى بعض المعادن؟، قال: يرجع إلى مكَّة بعُمْرَة، إلى أن قال: كان أبي مجاورًا ههنا، فخرج يتلقَّى بعض هؤلاء، فلمَّا رجع فبلغ ذاتَ عِرْق أَحْرَمَ من ذاتِ عِرْق بالحجِّ، ودخل وهو مُحْرِمٌ بالحجِّ».[63]

فإنَّها تدلُّ على أنَّه من الميقات.

وأمَّا الإحرام من غَمْرَة فمضافًا إلى هاتين الصحيحتين؛ فقد ورد في موثَّقة إسحق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن7 عن الإحرام من غَمْرَة، قال: ليس به بأس، وكان بَرِيدُ العَقِيق أحبَّ إليَّ».[64]

l وأمَّا على تقدير أنَّ رواية أبي بصير معتبرة؛ فيقع التعارض بينها وبين صحيحة معاوية في تحديد أوَّل العقيق، فإنَّ مقتضى رواية أبي بصير أنَّ أوَّله المَسْلَخ، ومقتضـى الصحيحة أنَّ أوَّله بريد البَعْث، وبعد سقوطهما فيه بالمعارضة لم يثبت عنوان الأوَّليَّة لكلٍّ من المَسْلَخ وبَرِيدِ البَعْثِ.

وأمَّا أصل ميقاتية كلاً منهما فهو ثابت، ولا معارضة فيه باعتبار أنَّ التعارض إنَّما هو في عنوان الأوَّليَّة.

ونتيجة ذلك أنَّه يجوز الإحرام من المَسْلَخ، وغَمْرَة، وذاتِ عِرْق.

l وأمَّا ذات عِرْق فقد قيل: إنَّها كانت اسمًا لقريةٍ فخربت، وأمَّا غَمْرَة فهي داخلة في عمق العقيق، وأمَّا بَرِيد البَعْثِ فهو اسم لمبدئه بناءً على ما هو الصحيح من عدم اعتبار رواية أبي بصير، وأمَّا في الصحيحة الثانية لمعاوية من أنَّ آخر العقيق بريد أَوْطَاس فلم يرد في شيءٍ من الروايات جواز الإحرام منه.

l وأمَّا الإحرام من بَرِيدِ البَعْثِ الذي هو أوَّل العقيق فهو الأفضل، بمقتضى جملةٍ من الروايات.

والكلام لا زال للمرجع الشيخ الفيَّاض -دام ظله- فيقول:

لحد الآن قد تبين أنَّ المستفاد من مجموعة من روايات هذا الباب بضمِّ بعضها إلى بعض أنَّ العقيق الذي هو ميقاتٌ لأهلِ العراقِ محدَّدٌ من حيث المبدأ ببريد البعث، والمنتهى ببريد أَوْطَاس، والمسلخ بينهما، وأمَّا غَمْرَة، فهل هي نهاية العقيق؟ وأنَّ بريد أَوْطَاس داخلٌ فيها؟ أو أنَّ نهايته بريد أَوْطَاس بعد غَمْرَة؟

فلا يمكن استفادة ذلك من الروايات، فإنَّ تطبيق ذلك خارجًا يتطلَّبُ الرجوع إلى أهل الخبرة من المنطقة والسؤال منهم.[65]

وترشد إلى ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن عن أبي عبداﷲ 7 قال: «يجزئك إذا لم تعرف العَقِيق أن تسأل الناس والأعراب عن ذلك»...».[66]

فظهر ممَّا مرَّ أنَّ آخره بريد أَوْطَاس على ما نصَّ عليه في صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة.

وأمَّا ذات عِرْق، فقد ورد في روايتين أنَّ آخر العقيق ذات عِرْق، إحداهما رواية أبي بصير المتقدِّمة، والأخرى مُرْسَلَةُ الصدوق عن الصادق 7 قال: «وَقَّتَ رسولُ الله9 لِأَهْلِ العِرَاقِ العَقِيق، وأَوَّلُه المَسْلَخ، ووسطه غَمْرَة، وآخِرُهُ ذَاتُ عِرْقٍ، وأوَّله أفضل»، ولكن كلتا الروايتين لا يمكن الاعتماد عليهما.

أمَّا الأولى فقد مرَّ أنَّه لم تثبت صحتها، وأمَّا الثانية فلإرسالها.

نعم، ورد في موثَّقة عمار عن أبي الحسن 8 قوله: «كان أبي مجاورًا ههنا، فخرج يتلقَّى بعض هؤلاء، فلمَّا رجع فبلغ ذات عِرْق أَحْرَمَ من ذاتِ عِرْق بالحجِّ، ودخل وهو مُحْرِمٌ بالحجِّ».[67]

إلَّا أنَّه لا يدلُّ على أنَّه آخر العقيق، وإنَّما يدلُّ على أنَّه من الميقات.[68]

وإلى هنا ينتهي كلام سماحة المرجع الفيَّاض.

أقول: يُفْهَمُ من الجملة الأخيرة من كلام الشيخ المرجع الفيَّاض أنَّ ذاتَ عِرْق تعتبر أحد أمكنة الميقات، وتقع على العقيق، ولكن ليس في نهايته، وإنَّما في مكانٍ مَّا من العقيق!. في حين أثبت البحث الجغرافي أنَّ ذاتَ عِرْق لا تقع البتَّة على العقيق.

تعاليق موجزة على تعاليق المرجع الفيَّاض المبسوطة:

استدلَّ سماحة المرجع الفيَّاض وآخرون على توقيت ذات عِرْق بموثَّقة عمار التالية، قال: «سألت أبا الحسن7 عن المتمتِّع يجيء فيقضي متعة، ثمَّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة، وإلى ذات عِرْق، أو إلى بعض المعادن؟، قال: يرجع إلى مكَّة بعُمْرَة، إلى أن قال: كان أبي مجاورًا ههنا، فخرج يتلقَّى بعض هؤلاء، فلمَّا رجع فبلغ ذاتَ عِرْق أَحْرَمَ من ذاتِ عِرْق بالحجِّ، ودخل وهو مُحْرِمٌ بالحجِّ».[69]

ودعوى أنَّها تدلُّ على كون ذَاتِ عِرْق ميقات؛ مدفوعةٌ بموثَّقة سماعة، ونصُّها كما يلي:

«عن الإمام الصادق 7: مَنْ حَجَّ مُعْتَمِرًا في شوَّال، ومَنْ نِيَّتُهُ أَنْ يَعْتَمِرَ وَرَجَعَ إلى بِلَادِهِ؛ فلا بَأَسَ بِذَلِكَ.

وَإِنْ هُوَ أَقَامَ إلى الحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لأنَّ أَشْهُرَ الحَجِّ: شوَّال، وذو القِعْدَة، وذُو الحِجَّة، فَمَنْ اعْتَمَرَ فِيهِنَّ فَأَقَامَ إلى الحَجِّ؛ فَهِيَ مُتْعَةٌ.

وَمَنْ رَجَعَ إلى بِلَادِهِ ولَمْ يُقِمْ إلى الحَجِّ؛ فَهِيَ عُمْرَةٌ.

وَإِنْ اعْتَمَرَ في شَهْرِ رَمَضَان، أَوْ قَبْلَهُ، فَأَقَامَ إلى الحَجِّ؛ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَاوِرٌ أَفْرَدَ العُمْرَةَ.

فَإِنْ هُوَ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَتَّعَ في أَشْهُرِ الحَجِّ بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ؛ فَلْيَخْرُجْ مِنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَ ذَاتَ عِرْقٍ، أَوْ يَتَجَاوَزَ عَسفَانَ مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَتِهِ إلى الحَجِّ.

فَإِنْ هُوَ أَحَبَّ أَنْ يُفْرِدَ الحَجَّ؛ فَلْيَخْرُجْ إلى الجعرَانَة فَيُلَبِّي مِنْهَا».[70]

أسبقية موثَّقة سماعة:

إذا أخذنا بعين الاعتبار أنَّ موثَّقة سماعة سبقت موثَّقة عمار زمنيًا؛ ما يعني أنَّ موثَّقة عمار جاءت بصدد بيان الإمام الكاظم 7 ما قام به الإمام الصادق 7 من فِعْلٍ في هذا المقام.

ومن أسبقية موثَّقة سماعة نستفيد التالي:

أنَّ مَنْ كان مُجَاوِرًا وأرادَ أَنْ يَحُجَّ فَلَدَيْهِ خِيَارَان: إمَّا أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ إِفْرَادًا، أَوْ تَمَتُّعًا.

وعليه:

أ. فَإِنْ كانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَمَتَّعَ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجَاوِزَ ذَاتَ عِرْقٍ، أو عسفَانَ، ويُحْرِمَ مِنْ هُنَاكَ.

ب. وَإِنْ أرادَ الإفرادَ بِالحَجِّ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلى الجعرَانَةِ.

وعليه:

فَإِنَّ ذَاتَ عِرْق -الوارد ذكرها في موثَّقة سماعة- لا تدلُّ على أنَّها ميقاتٌ؛ بدليل قوله 7: «... يُجَاوِز ذَاتَ عِرْق، أو يَتَجَاوَز عسفَانَ...»، فلو قصد بكلامه 7 أنَّ ذَاتَ عِرْق ميقاتٌ لقال: (ذات عِرْق، أو الجحفة) باعتبار أنَّ عسفَانَ ليست ميقاتًا، وإنِّما تقع على طريق ميقات الجحفة، كما أنَّ ذَاتَ عِرْق تقع على طريق ميقات العَقِيق.

بمعنى أنَّه 7 لو قَصَدَ بكلامه أنَّ ذَاتَ عِرْق ميقاتٌ؛ فيعني أيضًا أنَّ عسفَانَ ميقات، في حين أنَّ الميقات هو الجحفة وليس عسفَانَ؛ ما يعني أنَّ ذَاتَ عِرْق -الوارد ذكرها في موثَّقة عمار- ليس فيها أيّ دلالةٍ على كَوْنِهَا ميقاتًا.

خلاصة الكلام:

بما أنَّ أَوْطَاس وذَاتَ عِرْق لا تقعان جغرافيًا على ضفاف وادي العقيق -كما أثبتنا ذلك-، وبما أنَّ موثَّقة عمار لم تدلّ على أنَّ ذاتَ عِرْق جزءٌ من الميقات؛ فمن الطبيعي أنَّهما -أعني أَوْطَاس، وذَاتَ عِرْق- غير داخلتين في حدود الميقات.

وعليه: تكون حدود ميقات العقيق، على النحو التالي:

  1. بريد البعث تمثِّل بدايةَ ميقاتِ العقيق.
  2. وقريةُ المَسْلَح داخلةٌ في الميقاتِ؛ باعتبارها تقع ما بين بريد البَعْث وغَمْرَة.
  3. وأنَّ غَمْرَة تمثِّل نهايةَ ميقاتِ العقيق.

وبِغَضِّ النظر عن اندثار بريد البَعْثِ بالكامل حتَّى لم يَعُدْ له أثر -إذْ من المؤكّد أنَّه لو تمَّ التنقيب في المنطقة الواقع فيها؛ فحتمًا سيتمُّ العثور على أثرٍ لبِرْكَةِ وقَصْرِ عيسى بن علي سابقي الذكر-، وبِغَضِّ النظر كذلك عن وجود بقايا أثر لقريتي المَسْلَح وغَمْرَة، وبِغَضِّ النظر عن المشهور فقهيًا؛ فإنَّ حدود ميقات العقيق هي كما في صحيحة معاوية عن الإمام الصادق 7: «أَوَّلُ الْعَقِيقِ بَرِيدُ الْبَعْثِ، وَهُوَ دُونَ المَسْلَخِ بِسِتَّةِ  أَمْيَالٍ مِمَّا يَلِي الْعِرَاقَ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ غَمْرَةَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ميلاً: بَرِيدَانِ».

(بَرِيدُ البَعْثِ     المَسْلَح     غَمْرَة)

أقول: إنَّ كلام الإمام الصادق 7 في صحيحة معاوية بن عمار كان في غاية الدقَّة من ناحيتين:

الأولى: أنَّ تحديده لبداية ميقات العقيق ببريد البعث كان دقيقًا جدًّا؛ لأنَّها تقع في أوَّلِ بَطْنِ العقيق من جهة العراق.

الثانية: أنَّ تحديده المسافة بين كلٍّ من بريد البعث والمَسْلَح، والبالغة (ستة أميال = 12كم تقريبًا)، كان دقيقًا؛ فقد قمنا بقياس المسافة فوجدنا أنّها مطابقة لما قاله الإمام الصادق7.

وكذلك المسافة بين بريد البعث وغَمْرَة، والبالغة (24ميلاً = 48كم)، فهي مطابقة أيضًا لما جاء في الرواية الشريفة.

وفي الختام لنا ملحوظة:

لا أرى -والله أعلم- وجهًا للقول المشهور أَنَّ لميقاتِ العَقِيقِ ثلاثةُ أَمْكِنَةٍ؛ فَكِلتا الروايتين (صحيحة معاوية، أو معتبرة أبي بصير) لا تشيران لمكانٍ مُعَيَّنٍ بِعَيْنِهِ.

نعم، جاء في الروايتين كلمتا (أوَّل، وآخر)، والمراد منهما هنا هو بداية ونهاية حدود الميقات، وليس الأمكنة الثلاثة بعينها.

والأصحُّ -فيما أرى- أن يقال: إنَّ ميقات العقيق هو المنطقة المحصورة بين بَرِيدِ البَعْثِ وغَمْرَة، دون تحديدٍ لمنطقةٍ معيَّنَةٍ بينهما؛ لأنَّ القُرَى الواقعة بينهما تزدهر في حقبةٍ زمنيةٍ مَّا، وتندثر في أخرى، والله أعلم.

* * *

خريطة جغرافية تظهر عليها المواقع التالية: (بَرِيدُ البَعْث، والمَسْلَح، وغَمْرَة، وأَوْطَاس، وذَاتُ عِرْق، ومجرى وادي العَقِيق)

صورة فضائية لمواقع: (بَرِيدُ البَعْث، والمَسْلَح، وغَمْرَة، وأَوْطَاس، وذَاتُ عِرْق، وعسفَان، والجحفة).

والحمد لله ربّ العالمين.

 

مراجع البحث

  1. القرآن الكريم.
  2. لسان العرب، لابن منظور.
  3. المعجم الوسيط.
  4. تاج العروس، للزبيدي.
  5. مناسك الحربي، تحقيق حمد الجاسر، مؤسسة اليمامة، الرياض.
  6. وسائل الشيعة، الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث.
  7. سلسلة الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد، دار التراث، لبنان.
  8. موسوعة الفقه الإسلامي، تحقيق مؤسَّسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، إيران.
  9. الموسوعة الفقهية الكويتية.
  10. العروة الوثقى، السيد اليزدي، الدار الإسلامية، بيروت.
  11. تعاليق مبسوطة، الشيخ الفيَّاض.
  12. مبادئ علم الفقه، الشيخ عبدالهادي الفضلي، مركز الغدير للدراسات، بيروت.
  13. هداية الناسكين، الشيخ عبدالهادي الفضلي، دارة الغريَّين للدراسات والنشر، بيروت.
  14. الفتاوى الواضحة، الشهيد الصدر.
  15. كشف الغطاء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي، خراسان.
  16. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، للشهيد الأول، انتشارات دار التفسير، قم.
  17. معجم معالم المناسك، حسين المصطفى، دار المؤرِّخ العربي.
  18. معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعة جي، دار النفائس، بيروت، لبنان.
  19. معجم ألفاظ الفقه الجعفري، أحمد فتح الله، دار أطياف، القطيف.
  20. معجم معالم الحجاز، عاتق البلادي، دار مكة للنشر، 1401هـ.
  21. معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، عاتق البلادي، دار مكة.
  22. معجم البلدان، ياقوت الحموي.
  23. المشترك وضعًا والمفترق صقعًا، ياقوت الحموي.
  24. معجم ما استعجم، البكري.
  25. معجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري، سعد بن جنيدل، من إصدارات دارة الملك عبدالعزيز، الرياض 1419هـ.
  26. المجاز بين اليمامة والحجاز، عبدالله بن خميس، مطابع الفرزدق، الرياض.
  27. نظام البريد في الدولة العباسية، طلال جميل رفاعي، رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى.
  28. الأعلاق النفيسة، ابن رسته، دار إحياء التراث العربي، لبنان.
  29. كتاب البلدان، اليعقوبي، دار إحياء التراث العربي، لبنان.
  30. كتاب الخراج، ابن قدامة، دار إحياء التراث العربي، لبنان.
  31. تاريخ الطبري.
  32. درب زبيدة، سعد الراشد، دار الوطن للنشر، الرياض.
  33. المسالك والممالك، ابن خرداذبة، مطبعة بريل، ليدن، سنة 1889م.
  34. بلاد العرب، للأصفهاني، تحقيق حمد الجاسر، دار اليمامة، الرياض.
  35. صفة جزيرة العرب، الهمداني، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1410هـ.
  36. دليل هواة الرحلات البرية، من إصدارات هيأة المساحة السعودية، الرياض.
  37. تيسير العُلَّام شرح عمدة الأحكام، عبدالله آل بسام، مكتبة الصحابة، الشارقة، ط10، 2006م.
  38. الموقع الرسمي لوكالة الأنباء السعودية.
  39. خلاصة أصول البحث، الباحث، (مخطوط).
  40. لقاءات خاصة مع أهل المنطقة.

 

[1]. مناسك الحربي :349 .

 

[2]. م.ن.

 

[3]. يقصد السائل: هل أنتم من (نجد) أم من (تهامة)؟.

 

[4]. مناسك الحربي :347 .

 

[5]. معجم ما استعجم، البكيري الأندلسي1 :9ـ10 .

 

[6]. م.ن.

 

[7]. مناسك الحربي، هامش ص347.

 

[8]. م.ن.

 

[9]. م.ن.

 

[10]. مناسك الحربي، تحقيق حمد الجاسر : 349 .

 

[11]. انظر: درب زبيدة، الدكتور سعد الراشد : 28، دار الوطن للنشر، الرياض.

 

[12]. الأَكَمَة: التَّلُّ من القُفِّ من حِجَارَةٍ واحدةٍ، أَو هي دونَ الجبالِ، أَو الـمَوْضِعُ يكونُ أَشَدَّ ارْتِفاعًا ممَّا حَوْلَه.

 

[13]. دليل هواة الرحلات البرية في المملكة العربية السعودية، الصادر عن هيأة المساحة الجيولوجية السعودية.

 

[14]. درب زبيدة طريق الحج من الكوفة إلى مكَّة المكرمة، للدكتور سعد الراشد :275، دار الوطن للنشر والإعلام، الرياض 1414هـ.

 

[15]. درب زبيدة، الدكتور سعد الراشد : 278، دار الوطن للنشر والإعلام، الرياض.

 

[16]. أطلال، العدد2 :69 .

 

[17]. تقرير وكالة الأنباء السعودية، نشر حديثًا على موقعها الإلكتروني، بعنوان: (الطائف ملتقى طرق القوافل ودروب الحجِّ قبل 1277 عامًا)، وتاريخ: 1/12/1438هـ الموافق 23/08/2017م.

 

[18] م.ن، الصفحة: 283.

 

[19].  تيسير العُلّام شرح عمدة الأحكام، عبدالله آل بسام، ص362، مكتبة الصحابة، الشارقة، ط10، 2006م.

 

[20]. «الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:

فإنَّ مجلس هيأة كبار العلماء قد اطّلع في دورته الأربعين على الرسالة المقدمة من بعض سكان الضريبة المتضمِّنة طلب بناء مسجد في ميقات ذات عِرْق يكون مَعْلَمًا للميقات، يحرم منه من يمرُّ بهذا الميقات من يريد الحجَّ أو العمرة؛ لأنَّ عدم وجود مسجد في الميقات أدّى إلى تجاوز الميقات من بعض مريدي الحجِّ والعمرة من غير أهل المنطقة قبل الإحرام؛ لعدم وجود ما يرشد إليه، ولأهمية الموضوع ومسيس الحاجة لإيضاح هذا الميقات رأى المجلس تكليف أصحاب الفضيلة: الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام، والشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضوي المجلس، والشيخ عبدالعزيز بن محمد العبدالمنعم الأمين العام للهيأة بزيارة موقع الميقات المذكور، والعناية بتحديده وبيان ما يحتاج إليه من مسجد ومرافقه وقد قاموا بالمهمة وأعدوا التقرير اللازم، وفي الدورة الحادية والأربعين للمجلس المنعقدة في الطائف في الفترة من 18/3/1414هـ إلى 29/3/1414هـ . عرض الموضوع واطّلع المجلس على التقرير الذي أعدّه المشايخ الذي نصّه: «الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أمَّا بعد: فلمَّا كان ميقات (ذَاتِ عِرْق) مدرجًا في جدول أعمال الدورة الأربعين لمجلس هيأة كبار العلماء المنعقدة في الرياض ابتداءً من تاريخ 10/11/1413هـ ، وقد رأى المجلس -كما ورد في المحضر الأوَّل من محاضر هذه الدورة- تكليف كلاً من: عضوي المجلس الشيخين عبدالله بن عبدالرحمن البسام، والشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضوي المجلس، وأمين عام الهيأة الشيخ عبدالعزيز بن محمد العبدالمنعم، بزيارة ميقات (ذَاتُ عِرْق) وكتابة تقرير بشأنه يتضمن وصفًا له، وبيان حدوده، وتقديمه للمجلس في دورته الحادية والأربعين.

وانفاذًا لما رأه المجلس توجَّهت اللجنة المكلَّفة بالمهمة في يوم السبت الموافق 12/2/141هـ . إلى ميقات (ذَاتِ عِرْق)، وقد سلكت في ذهابها الطريق الموازي لوادي العقيق المتجه شمالاً من (عُشَيْرَة) إلى بلدة (المحاني)، وعند محاذاتها (ذَاتَ عِرْق) من الشرق تركت الطريق المزفت، واتجهت غربًا مارةً بوادي العقيق عرضًا مع خط ترابي ممسوح يصلنا بين الطريق المزفت وذَاتِ عِرْق، وقد حسبت المسافة من وادي العقيق إلى ذَاتِ عِرْق فبلغت ثمانية وعشرين كيلومترًا حسب عدَّاد السيارة.

وقد وصلت اللجنة ذَاتَ عِرْق، وتجوَّلت فيها وفيما حولها من وديان ومزارع، ثم كتبت ما انتهت إليه من معلومات وحقائق معتمدة  في ذلك على:

أ) ما ذكره بعض أهل العلم من مفسِّرين وفقهاء ومؤرِّخين عن هذا الميقات؛ حيث استعرضت اللجنة وهي في رحلتها قراءة كثير من أقوال أهل العلم في وصف هذا الميقات، وذكر بعض معالمه.

ب) مشاهدة معالم هذا الميقات من أودية وجبال، وتطبيق ما ذكره أهل العلم عليها، لا سيَّما ممَّن كتبوا في وصف طريق الحاجِّ، وأشاروا إلى كثيرٍ من المواضع مع ضبطها بالوصف والمسافات.

ج) الاستعانة ببعض أهل الخبرة من سكَّان تلك الجهة، فقد اتصلت اللجنة بثلاثة من كبار السنِّ من أهل تلك المنطقة، واصطحبتهم معها في جولاتها، ووقوفها على مختلف المعالم من جبالٍ وأوديةٍ وآبارٍ وخرائبَ، وتعرَّفت منهم على أسمائها، وعلى كلِّ ما يعرفونه عنها في القديم عندما كان الحاجُّ يستخدم الأبل في سفره، ويحرم بالنسك من هذا الميقات، وفي الحاضر حيث تغيَّرت وسائل المواصلات، فأصبح الإحرام منه منقطعًا، وذلك من أكثر من أربعين عامًا حيث ذكروا ذلك.

وتوصَّلت اللجنة إلى الحقائق التالية:

أنَّ (عِرْقًا) قمَّةُ جبلٍ مرتفعٍ يتميَّز عمَّا حوله بلونٍ يميل إلى السواد، ممتدٍّ من الشرق إلى الغرب بطول 2000 متر تقريبًا، يحدُّه من الشرق وادي (الحنو)، ومن الغرب وادي (العصلاء الشرقية)، وهذا الجبل هو الحدُّ الجنوبي للميقات .

أنَّ ميقات (ذَاتِ عِرْق) هو عبارة عن ريع -الريع: هو مَسيلُ الوَادِي من كُلِّ مكانٍ مُرْتَفِعٍ- يقعُ بين جبلين، فيه مجرى سيلٍ كبيرٍ متَّجهٍ من الشرق إلى الغرب (وادي الضريبة)، ويتسع هذا الريع في بعض نواحيه ويضيق في نواحي أخرى، ويبلغ اتِّساعه ما بين (200-500م)، وطوله من الشرق إلى الغرب ألفا مترٍ تقريبًا، ويطلق عليه اسم (الطرفاء)، وفي منتصفه بئر قديمة فيها ماء تُسمَّى (الخضراء)، يحرم عندها من يريد الإحرام من حُجَّاجِ أهل العراق وأهل البلد، أو من يمرُّ بها ممَّن حولها -حسب إفادة المرافقين للجنة من أهل المنطقة- وفي هذا المحدود يوجد خرائب وأساسات مباني قديمةلم يبق منها إلَّا ما هو ملاصق للأرض، وفي غربيِّه شمال مجرى الوادي نثار مقبرة قديمة، وتُغطِّي أشجار السلم والطلح والسمر عامَّةً أرض الميقات.

حدود الميقات: أمَّا حدود هذا الميقات كما وضح للجنة:

فيحدُّه من الشرق ملتقى وادي (الحنو) مع وادي (أنخل)، وعند مصبِّهما يتكوَّن وادي (الضريبة)، وعند ملتقى هذين الواديين يبتدئ العِرْق المنسوب إليه الميقات، ويوجد في هذا الحدِّ ثلاث نصائب، إحداها: في جنوبيه في سفح (عِرْق) المذكور عند ابتدائه من الشرق، حيث مجرى وادي (الحنو)، والثانية: فوق ملتقى وادي (الحنو) ووادي (أنخل) في المثلث الفاصل بينهما قبيل التقائهما، والثالثة: في سفح الجبل الشمالي المقابل لجبل (عِرْق) من الشمال، وهذه العلامات الثلاث ذكر المرافقون من أهل تلك الجهة أنَّها وضعت منذ حوالي ثلاثين سنة من قبل لجنةٍ خرجت من مكَّة؛ بقصد تحديد الميقات، ومنع التعدِّي عليه.

ويحدُّه من الغرب وادي العصلاء الشرقية المتجه من الجنوب إلى الشمال، حيث يصبُّ سيله في وادي الضريبة. ويمتدُّ الحدُّ الغربي شمالًا مسامته وادي العصلاء حتى يصل الجبل المقابل من الناحية الشمالية، ويوجد مجرى سيلٍ متَّجه من الجنوب إلى الشمال موازٍ للعصلاء الشرقية من الغرب يدعى (العصلاء الغربية)، وبينهما حوالي خمس مئة مترٍ، ويصبُّ سيله في وادي الضريبة، وقد وضعت نصائب من قبل اللجنة السابقة في الضفة الشرقية للعصلاء الغربية، وقال المرافقون: إنَّ هذا متجاوزٌ للحدِّ، وإنَّما وضعت هذه الأنصاب؛ لتكون حمًى للميقات، إذْ أنَّ حدَّ الميقات من الغرب هو العصلاء الشرقية -كما أوضحناه آنفًا- لوجود الآثار شرقيّها، ولأنَّ العِرْق المنسوب إليه هذا الميقات ينتهي عند هذا الحدِّ.

ونوصي بأن يبقى ما بين العصلاء الشرقية والعصلاء الغربية حمًى للميقات كما وضعته اللجنة السابقة، ولا يسمح لأحدٍ بإحيائه أو تملّكه؛ لئلا يضيق الميقات بالتعدِّي على حدوده.

ويحدُّ الميقات من الجنوب قمَّةُ جبل عِرْق ابتداءً من طرفه الشرقي عند مجرى وادي الحنو إلى طرفه الغربي، حيث ينتهي بمجرى العصلاء الشرقية.

ويحدُّه من الشمال الجبال المتصلة الواقعة شمال وادي الضريبة من مصبِّ وادي أنخل في وادي الضريبة شرقًا، ممتدًا حتى ملتقى وادي الضريبة بوادي العصلاء الشرقية غربًا.

وطول الميقات شرقًا وغربًا ألفا مترٍ تقريبًا وهو طول العِرْق المذكور.

وعرض الميقات يختلف باختلاف ما بين الجبلين ضيقًا واتِّساعًا، ويتراوح ذلك ما بين مئتي متر وخمس مئة متر، كما سبقت الإشارة إليه.

أمَّا موقع إقامة مسجد الميقات ومرافقه، فترى اللجنة أن يقام في المتسع الواقع شمال شرق بئر (الخضراء) لتوسّطه، ولأنَّ جميع من سألناهم أجمعوا على أنَّ الإحرام في الماضي والحاضر هو قرب هذه البئر التي يوجد حولها بقية الآبار المندفنة، والغرف المتهدِّمة، والمقابر في سفح الجبال الشمالية الغربية ممَّا يلي وادي الضريبة.

هذا ما توصَّلت إليه اللجنة فيما يتعلَّق بميقات (ذَاتِ عِرْق). ونسأل الله إصابة الحقِّ في القول والعمل، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم».

ولمزيد التأكُّد طلب المجلس حضور الشريف شاكر بن هزاع (قائم مقام مكَّة سابقًا)، واطِّلاعه على تقرير اللجنة، ومعرفة ما لديه من معلومات عن الميقات المذكور؛ لما له من خبرة في ذلك، وقد حضر عند هيأة كبار العلماء في يوم السبت الموافق 25/3/1414هـ، وأفاد أنَّ ما تضمَّنه تقرير اللجنة موافق لما قرَّرته اللجنة التي شُكِّلت في عام (1387هـ)؛ لتحديد (ذَاتِ عِرْق)، وكان عضوًا فيها ووضعت علامات حدود الميقات في ذلك الوقت التي لا تزال باقية إلى الآن، وهي نفس العلامات التي رأتها اللجنة التي شكَّلها المجلس.

كما قام كلٌّ من عضوي المجلس: فضيلة الشيخ محمد بن سليمان البدر، وفضيلة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد يوم الجمعة الموافق 24/3/1414هـ بزيارة لميقات ذَاتِ عِرْق، وأفادا المجلسَ بأنَّهما اطَّلعا على الميقات ومعالمه، وسألا عددًا من سكَان المنطقة عن الميقات، واتَّضح لهما أنَّ ما جاء في تقرير اللجنة -التي كلَّفها المجلس- فيه وصفٌ دقيقٌ لـ (ذَاتِ عِرْق)، يوافق واقعها على الطبيعة، وبناءً على ما تقدَّم فإنَّ المجلس يرى ما يلي:

أن تهتمَّ الحكومة بميقات ذَاتِ عِرْق الذي هو أحد المواقيت المكانية المعتبرة للحجِّ والعمرة من حيث المحافظة عليه، وذلك بوضع علاماتٍ واضحةٍ وبارزةٍ في بدايته من الشرق، ونهايته من الغرب، حسب الحدود الموضحة في تقرير اللجنة المذكور ضمن هذا القرار حتى لا يتجاوزه أحدٌ ممَّن يريد الحجَّ أو العمرة قبل الإحرام.

يوصي المجلس بتكليف اللجنة المختصة بالمبادرة بإنفاذ أمر خادم الحرمين الشريفين ببناء مسجدِ ميقاتِ ذَاتِ عِرْق، وتأمين ما يحتاجه من خدماتٍ ومرافقَ حسبما صرَّح به معالي وزير الحجِّ والأوقاف السابق، ونشر في جريدة الجزيرة في عددها (7470) الصادر في 19/9/ 1413هـ .

يقام المسجد في المكان الذي اقترحته اللجنة في تقريرها للأسباب التي ذكرتها وبالله التوفيق. وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

انظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، الجزء الخامس، القسم الأول، (5  :251).

مالك في الموطأ 1: 419، والدارقطني 2 :244، والبيهقي 5 :152. قال الألباني: ثبت موقوفًا، وانظر: إرواء الغليل 4 : 299.

[21]. تقرير وكالة الأنباء السعودية، نُشِرَ حديثًا على موقعها الإلكتروني، بعنوان: (الطائف ملتقى طرق القوافل ودروب الحج قبل 1277 عامًا)، وتاريخ 1/12/1438هـ الموافق 23/08/2017م.

 

[22]. حرّة: هي امتداد حرّة الحجاز العظيمة وآخرها من الجنوب الشرقي، تشرف على بلدة عُشَيْرة شمال الطائف على (40 كيلاً تقريبًا)، تشرف على البلدة من الشمال، يطيف بها وادي (عقيق عُشَيرة) من الجنوب والشرق، وكلُّ مياهها فيه، وهما حرَّتان متصلتان، بس الجنوبية، وبس الشمالية، بينهما وادٍ يصبُّ شرقًا في العقيق، وسكَّانها اليوم من عتيبة. (انظر: معجم معالم الحجاز 1 :220، ط1).

 

[23]. معجم معالم الحجاز، عاتق بن غيث البلادي 6 : 128ـ136، دار مكَّة للنشر والتوزيع، ط1، سنة 1401هـ-1981م.

 

[24]. انظر: الخريطة الجغرافية، والصورة الفضائية المرفقتين.

 

[25]. الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد، دار التراث والدار الإسلامية، بيروت، 7 :4 .

 

[26]. م.ن، :20.

 

[27]. م.ن، :48.

 

[28]. م.ن، :69.

 

[29]. م.ن، :135.

 

[30]. م.ن، :239.

 

[31]. م.ن، :104.

 

[32]. م.ن، :150.

 

[33]. م.ن، :174.

 

[34]. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، للشهيد الأول، انتشارات دار التفسير، قم،  :258 .

 

[35]. كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرَّاء، للشخ جعفر كاشف الغطاء، تحقيق: مكتب الإعلام الإسلامي فرع خراسان، 4 :540 .

 

[36]. وسائل الشيعة، الحر العاملي 11 : 307، باب المواقيت، ب1، ح1.

 

[37]. م.ن، ح2.

 

[38]. وسائل الشيعة، الحر العاملي11 : 308، باب المواقيت، ب1، ح3.

 

[39]. م.ن، 11 :309، باب المواقيت، ب1، ح7.

 

[40]. م.ن، 11 : 309، باب المواقيت، ب1، ح5.

 

[41]. م.ن، 11 : 309، باب المواقيت، ب1، ح6.

 

[42]. صحاح العربية للجوهري، وأساس البلاغة للزمخشري، مادة (جزع).

 

[43]. لسان العرب: مادة (بطن).

 

[44]. مفردات غريب القرآن، الراغب الأصفهاني.

 

[45]. تاج العروس: مادة (بطح).

 

[46]. الرجلة أو البَقْلَة الحَمْقَاء: هي نبات حولي عصاري، وسمّيت بالحمقاء؛ لأنَّها تنبت في المسِيلٍ، فيقلعها الماء ويجرفها.

 

[47]. نوعٌ من الشجر كبيرٌ نسبيًا، يستظلُّ تحته من يريد أن يرتاح لمدَّةٍ زمنيةٍ قليلةٍ، ويكثر هذا النوع الحجاز.

 

[48]. المعرس: هو المبيت في أوَّلِ الليل.

 

[49]. درب زبيدة، الدكتور سعد الراشد :276 .

 

[50]. م.ن .

 

[51]. انظر: صورة بِرْكَة غَمْرَة المدرجة .

 

[52]. العروة الوثقى، تعاليق مبسوطة4 :184 .

 

[53]. موسوعة الفقه الإسلامي، طبقًا لمذهب أهل البيت:، 6 : 454 .

 

[54]. وسائل الشيعة، الحر العاملي11 : 312، باب المواقيت، ب2، ح2.

 

[55]. م.ن، 11 : 309، باب المواقيت، ب1، ح6.

 

[56]. م.ن، 11 :313، باب المواقيت، ب2، ح8 .

 

[57] وسائل الشيعة، الحر العاملي11 : 313، باب المواقيت، ب2، ح7.

 

[58]. م.ن، 11 :313، باب المواقيت، ب2، ح9.

 

[59]. م.ن، 11 :313، باب المواقيت، ب2، ح10.

 

[60]. م.ن، 11 :312، باب المواقيت، ب2، ح1.

 

[61]. نقلاً عن موسوعة الفقه الإسلامي 6: 453 .

 

[62]. بيت الحكمة: مكتبة سماحة الوالد الشيخ عبدالهادي الفضلي1، وأستطيع أن أقول بعد هذه التجربة في التحقيق أنَّها بحق مكتبة باحثٍ إسلاميٍّ بإمتياز، وما ميّزها عن المكتبات الشخصية وجود ركنٍ خاصٍّ بالكتب التي تتعلَّق بأبحاث الحجِّ، وهذا الأمر غير مستغرب منه؛ فقد ألَّف وحقَّق سماحته في الحجِّ وشؤونه العديد من المؤلَّفات، من قبيل: تحقيقه لمنسك صاحب الجواهر، وتحقيقاته الميدانية لمعالم الحجِّ والزيارة، والجزء الثالث من كتابه الفقهي (مبادئ علم الفقه).

 

[63]. الوسائل، باب22، من أبواب أقسام الحجِّ، الحديث8.

 

[64]. م.ن، باب3 من أبواب المواقيت، الحديث3.

 

[65]. نَقَلَ هذه الفقرة من كلام الشيخ الفيَّاض القائمون على موسوعة الفقه الاسلامي طبقًا لمذهب أهل البيت: في المتن، ولا أدري لماذا قالوا: «وذكر بعض المعاصرين»، ولم يذكروا اسم صاحب القول على غرار ذكرهم لأسماء الآخرين؟! نعم، ذكروا في الهامش مصدر النقل ورقم الصفحة كما بقية المصادر المنقول عنها.

 

[66]. العروة الوثقى، تعاليق مبسوطة 4 :182ـ185.

 

[67]. الوسائل، باب22، من أبواب أقسام الحج، الحديث8.

 

[68].تعاليق مبسوطة، الشيخ الفيَّاض 9 :182ـ187، منشورات العزيزي، قم.

 

[69]. الوسائل، الباب22، من أبواب أقسام الحجِّ، الحديث8.

 

[70] الوسائل، الباب10 من أبواب أقسام الحجّ، الحديث2.