(... لَـنَتَّخِـذَنَّ عَلَيْهـِمْ مَّسْجـِداً ... )

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلف

المستخلص

بقاع طاهرة ومواضع مباركة حظيت بحبِّه تعالى وعنايته وتقديره  وتأكيد شرائعه على عظمة ذكره فيها صلاةً وقياماً ، تكبيراً وتسبيحاً وتحميداً... فهي بحقٍّ (...بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ...).[1]
وقد عدَّت السماءُ عمارتَها تشييداً وتطهيراً وتطييباً ، وإحياءَها عبر الحضور العباديّ فيها وظائف قلوب مؤمنة ونفوس واعية عاملة ، استحقت إشادة طيبة حملتها هذه الآية  المباركة: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَءَاتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلّاَ اللهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمهْتَدِينَ).[2]
فيما عدَّت إهمالها وتخريبها ومنعها عن أداء دورها الرسالي أفعال  نفوس ظالمة ، توعّدتها بخزي الدنيا وعذاب الآخرة: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهـُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلهَـُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .[3]
ولمعرفة أولئك الموحّدين بما يتوفّر عليه المسجد من مناقب وفضائل، ومن دور عباديّ مبارك يُقرّب إلى الله سبحانه، كان أعظم شيءٍ اتفقت كلمتهم عليه تكريماً ووفاءً لفتية (آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ). أن قالوا : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً).
يليق بمواقفهم، فيضمّ أبدانهم ويحفظ ذكراهم، وقد اتفقت كلمة أغلب المفسرين أو كادت أنَّ الغاية منه (يُصلّى فيه.. يُعبد الله فيه.. يُتبرّك به...) وهو ما ذكرته هذه المقالة بتفصيل مناسب.
 
[1]. سورة النور: 36 ـ 37 .
 
[2]. سورة التوبة : 18.
 
[3]. سورة البقرة: 114.
 

(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً).[1]

  المسجد الأوّل :

ممّا لا ريب فيه أنَّ المسجد الحرام هو أوّل بيت أُعدَّ لعبادة الله تعالى، وإن اختلف في تاريخ تأسيسه وإنشائه، لكنَّ المؤكّد أنَّه كان قبل البعثة المباركة لإبراهيم7 نبيًّا و  رسولاً  بوقت طويل ، يُعدُّ بقرون، و أنه7 اهتدى إليه من قبل الله تعالى، بعد أن أسكن كلاً من زوجته هاجر و رضيعهما إسماعيل7.

(رَبَّنَآ إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْـمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).[2]

بل ؛ و بعد أن عاد إلى وادي مكة حيث ابنه إسماعيل7، و قد (بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ). أي لـمّا شبَّ حتـى أدرك سعيُه سعيَ أبيه إبراهيـمَ7 فـي العمل، أن يتصرف و يمشي معه و يعينه على أموره، أو بلغ العمل لله و العبادة ...

و كان نبي ُّ الله إسماعيل7 يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنة ؛ ليكون شريكه في رفع أصول البيت الحرام  و في الدعاء:

(وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).[3]

فيُزيلا تلك الأطلال، المتكونة من كثبان الرمال و التراب و الصخور، التي احتضنت أُسس الكعبة المشرفة، و رفعا قواعدها التي وضعت قبل نبيِّ الله نوح بزمن بعيد، على اختلاف فيمن أنشأها ابتداءً: الملائكة و جدّدها نبيُّ الله آدم7، أو نبيُّ الله آدم7 بناها و جدّدها كلٌّ من إبراهيم و ابنه إسماعيل8 برفع قواعدها و تشييد جدرانها، لتكون بيتاً مباركاً كما وصفته الآية الكريمة: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَ هُدًى لِّلْعَالَمِين).[4]

بُني لتوحيد الله تعالى وعبادته فيه ..وبعد أن تمَّ لنبيِّ الله تعالى تشييد الكعبة، أمره الله تعالى أن يوجّه الناس لحجّها وأداء فصول عبادته ومناسكه فيها وفيما حولها، عبر ذلك الأذان المبارك : (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ).[5]

و أن يُعدّا بيته لاستقبالهم بتطهيره من كلِّ ما يتنافى و توحيد الله عزَّ وجلَّ  من شركٍ و عبادة وثنٍ و انحرافٍ. (وَ إِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْـرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَ الْقَآئِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ).[6] (وَ عَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَ  إِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعَاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُود).[7]

فالبيت المبارك الطاهر هو لهؤلاء الناس الذين هم بين طائفٍ و قائمٍ و عاكفٍ و راكعٍ و ساجدٍ، و أما الذين يُشركون بالله تعالى، و يعبدون غيره من أوثان و أصنام و أمثالها، فليس لهم نصيب في هذا البيت، و يحرمون من فضائله و بركاته و أجوره و ثوابه.

و كان الهدف الأسمى من إسكان إبراهيم بعض ذريته بذلك الوادي هو: (لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ). انطلاقاً من ذلك الوادي ؛ من المسجد الحرام الذي اتخذته السماء حول الكعبة.(لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ)، و إنّما خصَّ الصلاة بالذكر دون سائر العبادات فلعلّه ـ  والله أعلم ـ لصدق التوجه إلى الله تعالى و تكراره يومياً، و لأنها خيرعمل لذكر اسم الله كثيراً و دوامه، و لفضلها و دورها العظيم في استمرار العلاقة بين العبد و ربّه و تعميقها و  تثبيتها و لآثارها في بناء الفرد و المجتمع روحيًّا و أخلاقيًّا و سلوكيًّا..!

و دور المساجد لا يتوقف عند العبادة فيها، و لا تقتصر وظيفتها على ذلك بل تتعداها إلى كون المسجد مركزاً ثقافيًّا تعليمياً، و لكن من المؤسف أنَّ الدور الكبير للمسجد ؛ لو فُعل كما أرادته السماء ؛ لكان فيه خير كثير للناس، فالسلطات الحاكمة و التعصبات و الأهواء أدّت إلى تخريب دور المساجد و إفراغها من مضامينها القيّمة كما أنَّ الخطاب الديني البائس أدّى إلى الابتعاد عنها، أو ازدراء دورها في الأُمّة أو اتهامه.

كما أنَّ المساجد وجدت لتكون مثابةً للناس ؛ بقعةً آمنةً، يذكر فيها اسم الله من قبل أُمّة من الناس مؤمنة، تتصف بالهدوء و السكينة، و هي تؤدي عباداتها داخلها، و  الشريعة و إن أجازت العبادات خارج المساجد، يبقى للمسجد خصوصيته لعبادة الله تعالى بما في ذلك من عظيم الفضائل و الدرجات، و في الأجر و الثواب لا يحصل عليه العابد إلّا فيها، فضلاً عن أنَّ لإحيائها دوراً مؤثراً في الأمّة و أجراً مضاعفاً، و ذلك بالتواجد فيها و عدم خلوّها من العاملين العابدين، الذين أُنشئت و طهرت لأجلهم.

المسجد الثاني : 

و إلى جانب البيت الأول و الذي يسمّى المسجد الحرام، هناك المسجد الأقصى الذي احتلّ المكانة الثانية،  ففي التنزيل العزيز: (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمسْجِدِ الْحرَامِ إِلَىٰ الْمسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).[8]

فهذان المسجدان هما الأقدم، ولم يكن غيرهما معروفاً عند تلك الأمم،...

المسجد الثالث :

فالمسجدُ الحرام، الكعبة ؛ و المسجد الأَقصـى، مسجد بيت المقدس. و يبدو ـ والله العالم ـ أنَّ هذا المسجد في قوله تعالى: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً)،  هو المسجد الثالث قرآنيًّا، تمَّت الدعوة إليه، و إنشاؤه من قبل فريق الموحّدين المؤمنين و يحمل ذاك الدور الذي ذكرناه، و الهدف نفسه الذي كان من دعاء نبيِّ الله إبراهيم7 (لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ)، و هذا الهدف و إن لم تذكر الصلاة و لا العبادة  صراحةً في قول القائلين في قصة أهل الكهف: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً)، لكنهم و بقولهم هذا دلّلوا أنَّهم على ملّة إبراهيم7، و أنَّهم كانوا من المسلمين، و أنَّهم الأعرف بأهمية المسجد و  قيمته في حياتهم و في أداء العبادة فيه ؛ و كذا  بدور المسجد في تكريم فتية الكهف، و  حفظ ذكرياتهم، و إلّا لاكتفوا بقول الذين سبقوهم: (ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً)، فلنقف بعد هذا الإجمال عند هذا الجزء: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) فهذا الجزء من  الآية المباركة:21من سورة الكهف، و هي واحدة من مقطع قرآني كريم يبدأ بالآية التاسعة، و ينتهي بالآية السادسة و العشرين، يتحدّث عن قصة: (... فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ...)، يُعدُّ أمراً  مختلفاً عليه، و لا غرابة في الاختلاف، فما أكثر المختلف عليه في المعتقد و  الفقه و غيرهما.

فكما كان أولئك القوم: (يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) وقع أيضاً تنازع آخر و  لكن هذه المرّة بين مفسري و فقهاء المسلمين في كون هذا الجزء: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) يصلح دليلاً على جواز و صحة اتّخاذ مساجد على قبور الأموات أم لا، مع أنَّه اتفق أغلبهم إن لم أقل كلّهم إضافةً  للأخبار في ذيل هذا الجزء على أنَّ المراد أو الهدف من اتّخاذ هذا المسجد هو لعبادة الله تعالى، و للصلاة فيه، و للتبرّك به ...، و  هذه بعض كلماتهم: (يُصلّى فيه، يُعبد الله فيه، يتبرّك به ...)، سنتعرّض إليها فيما يأتي.

فإنَّ: أَعْثَرْنا لغةً، من عثر على الشيء يعثر عثراً إذا طلع، فعثر به، نظر إليه و عرفه، فكان الإعثار سبباً لحصول العلم. و عثر عليه و أعثرت عليه غيري،  و عثر على كذا: اطّلع عليه، و أعثره على كذا: أطلعه، و أعثره على أصحابه: دلّه عليهم. أي أطلعنا أهل مدينتهم عليهم ؛ أطلعنا عليهم قومهم و المؤمنين، أي على الفتية و هم في كهفهم. كما أنمناهم و بعثناهم، أعثرنا عليهم، أي أطلعنا الناس عليهم، و سمّي الإعلام إعثاراً ؛ لأنَّ من كان غافلاً عن شيء فعثر به، نظر إليه و عرفه، فكان الإعثار سبباً لحصول العلم، و سمّي الإعلام إعثاراً.

فيما يقول الراغب: عثر: عثر الرجل يعثر عثاراً و عثوراً إذا سقط، و يتجوز به فيمن يطلع على أمر من غير طلبه، قال تعالى: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا).[9]

 يقال عثرت على كذا، قال: (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ)، أي وقفناهم عليهم من غير أن طلبوا.

المَسجِد :

جاء في معاجم اللغة أنَّ المسجد من الفعل: سَجَدَ يَسجُد سُجُوداً: أي خضع و تطامن، وَضَعَ جَبْهَتَه على الأرض، فهو ساجد، جمعه : سُجَّدٌ و سُجُودٌ ، فيقال : فلان ساجدٌ، قَوْمٌ سُجَّدٌ و سُجُودٌ ؛ و منه سُجُودُ الصلاة و هو وضع الجبهة على الأرض و بابه دخل.

و منه المَسجَدُ بالفتح: مَوضع الجَبْهَةِ، أو جبهة الرجل حيث يُصيبه أثرُ السجود.

فيما المَسجِدُ بالكسر هو: الموضع المبنيُّ للصلاة، أو الذي يُسجد فيه، أو كلّ موضع يُتعبد فيه فهو مسجد، أو هو البَيْتُ الذي يُسْجَد فيه، أو هو مِحْرَابُ البيوتِ و مُصَلَّى الجماعة، أو موضع السجود، جمعه مساجِد، بل الأرض بأجمعها ؛ ألا ترى ما جاء عن النبيّ9 كما في حديثه الشريف: «جُعلت لي الأرض مَسجِداً و طهوراً، فأيّما رجل من أُمّتي أدركته الصلاة، فليُصلِّ» أو «جُعلت لي الأرض مسجداً و ترابها طهوراً»؟ 

و لم تنجو هذه البقاع ؛ هذه المساجد الطاهرة من ظلم الظالمين و تعسّفهم عبر منع ذكر الله تعالى فيها، و عدم الاهتمام بها، بل و الإساءة إلى طهارتها بعبادة غير الله تعالى فيها. ألا ترى قوله عزَّ وجلَّ: (وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَهـُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

الشيخ الطبرسي: أي و أي أحد أشدّ و أعظم ظلماً: (مَنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله) من (أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) و يكون معناه لا أحد أظلم ممن منع أن يذكر في مساجد الله اسمه سبحانه، و عمل في المنع من إقامة الجماعة و العبادة فيها.

و إذا حمل قولـه: (مَسَاجِدَ اللهِ) على بيت المقدس أو على الكعبة، فإنما جاز جمعه على أحد وجهين، إمّا أن تكون مواضع السجود، فإنَّ المسجد العظيم يقال لكلّ موضع منه مسجد، و يقال لجملته مسجد، و إمّا أن يدخل في هذه اللفظة المساجد التي بناها المسلمون للصلاة.

و روي عن زيد بن عليٍّ عن آبائه عن عليٍّ7 أنه أراد جميع الأرض، لقول النبيِّ9 «جُعلت لي الأرض مَسجِداً و ترابها طهوراً».

الإعراب :

(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها). الكاف نعت لمصدر محذوف أي و كما أنمناهم و بعثناهم، أطلعنا عليهم قومهم و  المؤمنين و أعثرنا فعل و فاعل و المفعول به محذوف، و عليهم متعلقان بأعثرنا.

و ليعلموا: اللام للتعليل، و يعلموا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، و أن و ما في حيزها سدّت مسدّ مفعولي ليعلموا، و أنَّ و اسمها ؛ وحقٌّ خبرها، و أنَّ الساعة عطف، و أنَّ و اسمها، و لا نافية للجنس و ريبَ اسمها و فيها خبرها، و  جملة لا و اسمها و خبرها في محل رفع خبر أنَّ.

و المراد بوعد الله البعث ؛ لأنَّ من قدر على إنامتهم هذه النومة الطويلة و بعثهم بعدها قادر على أن يحييهم بعد الموت.

(إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ).

 الظرف متعلق بأعثرنا، أي أعثرنا عليهم قومهم حين يتنازعون و يختلفون في حقيقة البعث، فكان بعضهم يقول: تبعث الأرواح دون الأجساد، و بعضهم يقول: تبعث الأجساد مع الأرواح، و جملة يتنازعون في محل جرّ بإضافة الظرف إليها و بينهم ظرف مكان متعلق بيتنازعون.

و أمرهم نصب بنزع الخافض أي في أمرهم، و قيل : تنازعوا تنصب مفعولاً إذا كانت بمعنى التجاذب، فيكون في الكلام استعارة.

(فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً).

الفاء عاطفة و قالوا فعل و فاعل، و جملة ابنوا مقول القول، و هو فعل أمر و فاعل و عليهم متعلقان بابنوا، و بنياناً مفعول به ؛ أي قالوا ذلك حين توفى الله أصحاب الكهف.

و أكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدث «تمليخا» حامل الورق حديثهم موتاً حقيقياً و رجع من كان يساوره الشك في بعث الأجساد إلى اليقين أي ابنوا عليهم بنياناً ضنًّا بتربتهم و محافظة عليها و جملة ابنوا عليهم بنياناً مقول قولهم

(رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ)

 الجملة إمّا تتمة لمقولهم قالوا ذلك تفويضاً للعلم إلى الله سبحانه، و قيل : هو مقول كلام لله سبحانه ردًّا لقول المتنازعين فيهم أي دعوا ما أنتم فيه من التنازع، فإني أعلم بهم منكم، و الكلام مبتدأ و خبر و بهم متعلقان بأعلم.

(قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً)

 قال الذين فعل و فاعل و جملة غلبوا صلة الموصول، و على أمرهم متعلقان بغلبوا و هم المؤمنون، و كانت الكلمة لهم آنذاك.

لنتخذن: اللام موطئة للقسم، و نتخذن: فعل مضارع مبني على الفتح و فاعله مستتر، تقديره نحن و عليهم حال و مسجداً مفعول به.

هذا و أنَّ في (إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ)  استعارة مكنية، فقد شبه أمرهم بشيء كثر النزاع حوله، ثمَّ حذف ذلك الشيء، و استعير النزاع  القائم حوله.

من معاني التنازع، هو الاختلاف و التشاور و التناظر،  و التخاصم و التصارع.

و يبدو أنَّ أهل ذلك البلد اختلفوا و تخاصموا في شيء، تركهم إزاءه فريقين و قيل : أكثر، و اختلفت الأقوال  في موضوع التنازع هذا أو مراده.

الرازي: اختلفوا في المراد بهذا التنازع، فقيل: كانوا يتنازعون في صحة البعث فالقائلون به استدلوا بهذه الواقعة على صحته، و قالوا كما قدر الله على حفظ أجسادهم مدة ثلاث مئة سنة و تسع سنين فكذلك يقدر على حشر الأجساد بعد موتها.

و قيل: إنَّ الملك و قومه لما رأوا أصحاب الكهف و وقفوا على أحوالهم، عاد القوم إلى كهفهم، فأماتهم الله، فعند هذا اختلف الناس، فقال قوم: إنّهم نيام كالكرّة الأولى، و قال آخرون: بل الآن ماتوا.

و القول الثالث: أنَّ بعضهم قال: الأولى أن يسدّ باب الكهف ؛ لئلا يدخل عليهم أحد، و لا يقف على أحوالهم إنسان. و قال آخرون: بل الأولى أن يُبنى على باب الكهف مسجدٌ.

و هنا يُعقّب الرازي على قولهم هذا قائلاً: و هذا القول يدلُّ على أنَّ أولئك الأقوام كانوا عارفين بالله، معترفين بالعبادة و الصلاة.

و القول الرابع: أنَّ الكفار قالوا: إنّهم كانوا على ديننا فنتخذ عليهم بنياناً، و  المسلمون قالوا: كانوا على ديننا فنتخذ عليهم مسجداً.

و القول الخامس: أنَّهم تنازعوا في قدر مكثهم.

 و السادس: أنّهم تنازعوا في عددهم و أسمائهم.

ثمّ قال تعالى: (رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ)، و هذا فيه وجهان. أحدهما: أنّه من كلام المتنازعين كأنهم لما تذاكروا أمرهم، و تناقلوا الكلام في أسمائهم و أحوالهم و مدّة لبثهم، فلمّا لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك قالوا: (رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ). الثاني: أنَّ هذا من كلام الله تعالى ذكرُه ردًّا للخائضين في حديثهم من أولئك المتنازعين.

و أما في الأخبار فهذا بعض ما جاء في التنازع:

قال ابن عباس: يتنازعون في البنيان، فقال المسلمون: نبني عليهم مسجداً يُصلّي فيه الناس ؛ لأنهم على ديننا. و قال المشركون: نبني عليهم بنياناً ؛ لأنهم من أهل نسبنا.

و قال عكرمة: تنازعوا في البعث،  فقال المسلمون: البعث للأجساد و الأرواح معاً، و قال قوم: للأرواح دون الأجساد، فبعثهم الله تعالى، و أراهم أنَّ البعث للأجساد و  الأرواح.[10]

و هذا ما يدعو أولاً إلى متابعة ما ذكر في الأخبار و أقوال مشهور المفسـرين لبيان الطائفتين، و بالذات الثانية، و لبيان المراد و الهدف من هذا المسجد: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) عبر استعراض مجمل لآرائهم و أقوالهم، و التي منها: «يُصلّى فيه، يُعبد الله فيه، يتبرّك به...».

حرصتُ فيه أن أذكر ما تيسّر لي من أقوالهم، و بحسب ما يذهبون إليه من المواقف، مع ذكر أصحابها و مصادرها، و باختصار ؛ إثباتاً للأدلة و تيسيراً للقارئ .

فلقد كان هناك قولان أو ثلاثة أقوال لأهل  المدينة بعد أن انقسموا في شأن أهل الكهف ؛ فمن قائل: نتركهم كما هم عليه، و قائل: بل نسدُّ الكهف عليهم و قال فريق ثالث: نبني عليهم مسجداً يصلّي فيه الناس، و قد غلب هذا الرأي على بقية الآراء، كما أشار إلى هذا التقسيم بعض المفسرين، كان منهم الشيخ محمد جواد مغنية في التفسير الكاشف.

و لكن السياق القرآني  يحمل قولين لا ثلاثة أقوال، و بالتالي فهناك فريقان  بعد أن هرع الناس إلى الكهف.

فقولهم: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) جاء مقابل أولئك القائلين و هم الفريق الأول: )(ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً). و الأقوال في المراد من هذا البنيان الذي أراده الفريق الأول متعدّدة، منها:

أي على باب كهفهم ؛ لئلا يتطرّق إليهم الناس ضنًّا بتربتهم و محافظة عليها كما حفظت تربة رسول الله9 بالحظيرة.

أي استروهم من الناس بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان، كما يقال بنى عليه جداراً إذا حوطه و جعله وراء الجدار.

أي سدّوا عليهم باب كهفهم، و ذروهم على حالهم.

بناء البنيان ليكون مَعْلَماً لهم و...

و هذه أقوال بعض المفسرين في تأويل ما اختلف الناس يومذاك في صور تكريم أولئك الفتية، و حفظ قبورهم للتذكير بهم، بعد أن أظهر الله تعالى  آيتهم فقال فريق: (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ).

و فريق آخر: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا).

الطبري (ت310هـ) في جامع البيان في تفسير القرآن: .. و أمر الـملك فجعل كهفهم مسجداً يُصَلَّـى فـيه، و جعل لهم عيداً عظيـماً، و أمر أن يؤتـى كلّ سنة... و  إذا  الـملك مسلـم و أصحابه مسلـمون. فقال الـمشركون: نـحن أحقّ بهم هؤلاء أبناء آبـائنا. و قال الـمسلـمون: نـحن أحقّ بهم، هم مسلـمون منّا. فقال الـمشركون: نبنـي علـيهم بُنـياناً، فإنهم أبناء آبـائنا، و نعبد الله فـيها.

و قال الـمسلـمون: نـحن أحقّ بهم، هم منّا، نبنـي علـيهم مسجداً نصلّـي فـيه، و  نعبد الله فـيه.

و في خبر عن عبد الله بن عبـيد بن عمير: فقال الـمشركون: نبنـي علـيهم بنـياناً، فإنهم أبناء آبـائنا، و نعبد الله فـيها، و قال الـمسلـمون: بل نـحن أحقّ بهم هم منّا، نبنـي علـيهم مسجداً نصلّـي فـيه، و نعبد الله فـيه.

القرطبي (ت671هـ) في الجامع لأحكام القرآن: فقال الملك: ابنوا عليهم بنياناً، فقال الذين هم على دين الفتية: اتخذوا عليهم مسجداً. و روي أنَّ طائفة كافرة قالت: نبني بيعةً أو مضيفاً، فمانعهم المسلمون و قالوا: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً). و روي أنّ بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم و تركهم فيه مغيّبين. و روي عن عبدالله بن عمر أنَّ الله تعالى أعمى على الناس حينئذٍ أثرهم و حجبهم عنهم فلذلك دعا الملك إلى بناء البنيان ؛ ليكون مَعْلَماً لهم.

و قيل: إنَّ الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب فأتاه آتٍ منهم في المنام، فقال: أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل فإنّا من التراب خلقنا و إليه نعود، فدعنا.

و روي أنَّ طائفة ذهبت إلى أن يطمس الكهف عليهم و يتركوا فيه مغيبين و بعد أن ذكر هذا أبوحيان (ت754هـ) في البحر المحيط قال: وقالت الطائفة الغالبة: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) فاتخذوه.

و روي أنَّ التي دعت إلى البنيان كانت كافرة أرادت بناء بيعة أو مصنع لكفرهم، فمانعهم المؤمنون و بنوا عليهم مسجداً. و قرأ الحسن و عيسى الثقفي: غلبوا بضم الغين و كسر اللام، و المعنى أنَّ الطائفة، التي أرادت المسجد كانت تريد أن لا يبني عليهم شيء و لا يعرض لموضعهم.

و روي أنَّ طائفة أخرى مؤمنة أرادت أن لا يطمس الكهف، فلما غلبت الأولى على أن يكون بنيان و لابدَّ، قالت يكون (مسجداً) فكان.

ابن عاشور (ت1393هـ) في التحرير و التنوير: و إنما ارتأوا أن يبنوا عليهم بنياناً  لأنهم خشوا عليهم من تردد الزائرين غير المتأدبين، فلعلهم أن يؤذوا أجسادهم و  ثيابهم باللمس و التقليب، فأرادوا أن يبنوا عليهم بناءً يمكن غلق بابه و حراسته. و جملة رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ يجوز أن تكون من حكاية كلام الذين قالوا : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا). و المعنى ربّهم أعلم بشؤونهم التي تنازعنا فيها، فهذا تنهية للتنازع في أمرهم. و يجوز أن تكون معترضة من كلام الله تعالى في أثناء حكاية تنازع الذين أعثروا عليهم، أي ربّ أهل الكهف أو ربّ المتنازعين في أمرهم أعلم منهم بواقع ما تنازعوا فيه. و  الذين غلبوا على أمرهم ولاة الأمور بالمدينة، فضمير (أمْرهم) يعود إلى ما عاد إليه ضمير (فقالوا). أي الذين غلبوا على أمر القائلين: ابنوا عليهم بنياناً. و إنّما رأوا أن يكون البناء مسجداً ؛ ليكون إكراماً لهم و يدوم تعهد الناس كهفهم.

أقول : أما الفريق الثاني، فكان كما يبدو أكثر فهماً لسيرة هؤلاء الفتية و تثميناً لموقفهم، و تكريماً لسيرتهم و معاناتهم و تضحيتهم من أجل عقيدتهم ؛ عقيدة التوحيد و ما تستلزمه منهم، و أنَّ أولئك الفتية لإيمانهم و ثباتهم ضدَّ ما مورس معهم من ظلم و تعسّف و إذلال و تهديد بالقتل، و لأنَّ هذا الفريق يُدرك أهمية المسجد و قدسيته عند  الله تعالى و عند المؤمنين و أنَّ القوم القائلين به، و الداعين إليه كانوا عارفين بالله تعالى، معترفين بالعبادة و الصلاة ؛ و الفتية أصدق المؤمنين  أُنموذجاً و أعظمهم مثالاً، فهم يستحقون تلك الأهمية و الرعاية لهم، و تلك القدسية التي لا تتأتى بمجرد البنيان عليهم، دون أن يكون دار عبادة، مسجداً نُصلّي بجانبهم، قريباً منهم، فإنَّهم أُناس مباركون، فيأخذ هذا البناء طابع الحرمة و التقديس، و الطهارة و الأمان، و عبادة الله تعالى بالصلاة فيه... كما لا يتم تكريمهم، و لا يدوم تعهد الناس لهم، و حفظ ذكراهم و قصتهم و مبادئهم، إلّا أن يكون البناء عليهم مسجِداً فما يتوفّر بالمسجد لا يتوفّر في أي بناء آخر، فتتجسد رحمة الله تعالى و عنايته بعباده المخلصين، و تخلد العِبرة، و  تتوارثها الأجيال أنَّ الله سبحانه حفظ هؤلاء الفتية الذين آمنوا به و وحدوه، في زمن انتشر فيه الشرك و الكفر و ملوك الضلال و تعسفهم، حتى أنَّ هؤلاء الأحداث و  الشباب، أو الفتية كما سمّاهم التنزيل العزيز  تعرّضوا للشتم و الضرب و الملاحقة، و  التهديد بالاغتيال، لا لشيءٍ إلّا لأنّهم أولاً: (فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَ زِدْنَاهُمْ هُدًى * وَ  رَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً) .

بين قوسين  [فِتْيَةٌ]  أبو حيان: يشعر بأنهم كانوا شباباً، و كذا روي أنهم من أبناء الأشراف و العظماء مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب و هم من الروم اتبعوا دين عيسى7.

ابن كثير: فألهمهم الله رشدهم، و آتاهم تقواهم، فآمنوا بربّهم، أي اعترفوا له بالوحدانية، و شهدوا أنه لا إله إلّا هو. و قد ذكر ابن كثير أيضاً: و الشباب أقبل للحقّ، و أهدى للسبيل من الشيوخ، الذين قد عتوا و انغمسوا في دين الباطل و لهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى و لرسوله9 شباباً، و أما المشايخ من قريش، فعامتهم بقوا على دينهم، و لم يسلم منهم إلّا القليل.

فيما جاء عن سليمان بن جعفر الهمداني، قال: قال لي جعفر بن محمد7: «يا سليمان، مَن الفتى؟ قال: فقلتُ له: جعلت فداك، الفتى عندنا الشاب. قال لي: أما علمتَ أنَّ أصحاب الكهف كانوا كهولاً، فسمّاهم الله فتية بإيمانهم. يا سليمان، مَن آمن بالله و اتقى فهو الفتى».

و بمثل ذلك، و بعد أن ذكر القرطبي أنَّهم شباب و أحداث، قال: حكم لهم بالفتوّة حين آمنوا بلا واسطة، كذلك قال أهل اللسان: رأس الفتوّة الإيمان.

و قال الجنيد: الفتوّة بذل النَّدى، و كفُّ الأذى، و ترك الشكوى. و قيل: الفتوّة اجتناب المحارم، و استعجال المكارم. و قيل غير هذا. و هذا القول حسن جدًّا ؛ لأنّه يعمّ بالمعنى جميع ما قيل في الفتوّة!

ابن عجيبة: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) شبان كاملون في الفتوة (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) فيه التفات إلى ذكر الربوبية، التي اقتضت تربيتهم و حفظهم.[11]

أذكر هذا، لأنه ـ والله العالم ـ لعلّه يُعدُّ من أهم الأسباب التي دعت الفريق الغالب أن يقول: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)، تكريماً لفتوّتهم بما تحمله هذه التسمية من تلك المناقب و زيادة، هذا أولاً. و أما ثانياً: فلأنَّ هذا الوصف، لم توصف به جماعة من قِبل الله تعالى إلّا هُم  فتية الكهف، و لم يوصف به شخصٌ من المؤمنين عبر التاريخ الديني من قبل الله تعالى، إلّا واحد ؛ إنَّه أمير المؤمنين الإمام عليّ7: «لاسيف إلّا ذو الفقار، و لا فتى إلّا عليٌّ».

فأحببتُ الإشارة إلى ذلك، و جعلتها بين قوسين.

و ثانياً ؛ لأنَّهم شخّصوا ما عليه قومهم: (هَـؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِباً).   

إلى أن أجبروا أن يفروا بعيداً عن بلدهم، و لم يجدوا مكاناً يلجؤون إليه من الأذى و القتل إلّا مغارةً ؛ إلّا كهفاً.

(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُـرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً).[12]

تنتظرهم فيه رحمة الله تعالى و عنايته، و رفقه و لطفه، و تجسّدت لهم في الكهف ضيافته تعالى، و ذلك حين أكرم في هذا المكان قدوم ضيوفه حتى بعد موتهم أن كان مسجداً، و المسجد هو الأطيب و الأطهر تربةً من الأرض، و الأقرب بقاعاً إلى حبّه تعالى و رضاه!

ففرق كبير بين القولين، و فرق عظيم  بين المشروعين ؛ مشروع البنيان المجرّد و المناسب لما يعتقده قائلوه،  و مشروع المسجدية الملائم لقيم الإيمان و الموافق لمبادئ التوحيد، و الأنسب لمسيرة هؤلاء الفتية، و الأحسن مكافأةً لصنيعهم!

فهم مختلفون فيما ذهب كلٌّ منهما إليه، و إلّا لو كانا متساويين في الموقف من الفتية و في النظرة إليهم و لمعاناتهم و صبرهم و ثباتهم على دينهم ، و كذا في الاعتقاد فلكلٍّ فريق معتقده الخاص به، لما وقع التنازع بينهما، و لما ذهب كلُّ فريق لما يريد على القول بأنَّ (إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) وقع بهذا الخصوص بين: (ابْنُواْ) و (لَنَتَّخِذَنَّ) أي أنَّ الأمر المتنازع فيه خصُّ بالبناء و المسجد، فالذين قالوا: (ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) اكتفوا بمجرد البناء عليهم...

فيما  الفريق الثاني، و معرفة منهم بما أراده الفريق الأول من البناء: ابنوا على باب كهفهم بنياناً ؛ حتى لا يصل الناس إليهم، و حتى نصونهم من الأذى.

أراد البناء أيضاً ؛ لكنه بناءٌ آخر، و وفق شكّل و مضمون أو مراد آخر فجعلوا عنوانه مسجداً ؛ لما للمسجد من موقع معنوي كبير، و العبادة و التبرك فيه أعظم، و هو الأنسب مقاماً للفتية و الأكثر تقديراً و توقيراً، و الأحفظ لذكرهم و لفصول قصتهم، و هو مدعاة لإقبال الناس عليهم، فالمسجد بقعة طيبة جاذبة للمؤمنين، يقصدونها على الدوام ؛ ليذكروا اسم الله سبحانه فيها.

فهذا ابن عاشور في التحرير و التنوير يقول: و إنّما رأوا أن يكون البناء مسجداً ؛ ليكون إكراماً لهم، و يدوم تعهد الناس كهفهم.

و كذا يقول العلّامة الطباطبائي في الميزان: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)  يُعبد فيه الله، و يبقى ببقائه ذكرهم.

و عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي قال: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) أي: نعبد  الله تعالى فيه، و نتذكر به أحوالهم، و ما جرى لهم.

و أيضاً وردت هذه المعاني: (يُعبد الله فيه، ُيصلّى فيه، يُتبرك به، يُصلّي فيه المؤمنون تبركاً بهم، يتبركون بهم و بمكانهم، نستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد)؛ وردت عند كثير من المفسّرين من جهات متعددة.

و على هذا، و هو ما استفاده المفسرون، يتضح لنا أنَّ الراغبين ببناء المسجد كانوا يدركون دور المسجد و خصوصيته، و أنّه هو الأنسب لهؤلاء الفتية المؤمنين الصالحين في حفظ مسيرتهم، و وعي قصتهم و فصولها، و التمسك بذكراهم من قبل المؤمنين الأحياء.

و جميل ما قاله هيكل: و نحن لا نقيم الآثار لمن سبقونا متاعًا لهم بها فمتاعهم في عالمهم بما قدَّموا من عمل صالح، و إنّما نقيمها ذكرًا و معتبرًا للأجيال في تعاقبها حثًّا لأبنائها على أن يجدوا في السابقين الأولين الأسوة و المثل.

و كأنهم بالعبادة فيه يجدّدون ما كان عليه الفتية من عبادتهم في هذه البقعة، إذ  دخلوا الكهف يعبدون الله فيه، قبل أن يضرب الله تعالى على آذانهم، فخلّدها الفتيةُ و هم أحياء بقعةً عباديّةً مباركةً، و خلدوها و هم أموات حين اكتملت ببناء مسجد عليهم بعد رحيلهم إلى الملكوت الأعلى. (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا).

(عَلَيْهِمْ) كما نصّت الآية، لا على باب كهفهم أو بجواره أو قريباً منه أو منهم؛ بل (عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)، وهذا لا يخلو من عظيم المنزلة لهم، والاهتمام بهم، و زيادةً في تكريمهم، و تخليداً لذكراهم، و تقديراً لمعاناتهم و تضحياتهم، وهم يؤدّون دورهم الكبير في رحلتهم الإيمانيّة المباركة.

و قد استفاد بعضهم هذا المعنى وقال به: (عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)  من فوقهم أو على باب الكهف.

كما جاء عن صاحب  تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد. جاء هذا في آخر كلامه عن المتنازعين و مرادهم، قيل: إنَّ تنازعهم فى أمر أصحاب الكهف هو ما خصَّ الله له بقوله (فَقَالُوا) أى قال بعضهم (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) يسترهم سدًّا للطريق إليهم فلا يأتيهم الناس، و لا يتنافسون فى أمرهم، و لا يتسارعون إلى أخذ ترابهم.

و قيل: المعنى ابنو عليهم بنياناً، يسكنه الناس و تتخذونه قربة، و إلّا لا نسب بقوله: (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ).

و على الثانى يقال المعنى حاصل ما يفعل أن يبنى عليهم بنيان و ندع التنازع فى أمرهم ربّهم أعلم بهم.

و ذكر بعضهم أنَّ القائلين: (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) هم المشركون المنكرون للبعث مطلقاً، أو المنكرون لبعث الأجساد، فإن أقروا بالله كما هو المتبادر من إنكار بعث الأجساد، فالمراد بربّهم الله، فشرك هؤلاء بإنكار البعث أو إنكار بعث الأجساد، و إن لم يقروا به، فمرادهم بالربّ من كان ربًّا لأصحاب الكهف بدون أَن يعلم هؤلاء القائلون أنّ ربّهم الله.

قال ابن عباس:  قال المشركون: نبنى عليهم بنياناً ؛ لأنهم من أهل ديننا.

(قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا ) استولوا أو غلبوا غيره (عَلَى أَمْرِهِمْ) أمر الفتية أصحاب الكهف، و هؤلاء الغالبون هم المؤمنون، و قيل الملوك و الرؤساء.

(لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ) من فوقهم أو على باب الكهف. (مَسْجِداً) يصلّى فيه المؤمنون و يتبركون بهم و بمكانهم ؛ لأنهم على ديننا.[13]

وأحسن الشعراوي إذ يقول:.. حدث هذا التنازع من الجماعة الذين عثروا عليهم، ويبدو أنهم كانوا على مِسْحة من الدين، فأرادوا أنْ يحافظوا على هذه الآية الإلهية، ويصحّ أنهم بمجرد أنْ عثروا عليهم قضى أجلهم فماتوا. وهذه مسألة يجب أن يُؤرّخ لها، وأن تخلد لذلك جعلوها مثلاً شَرُوداً للعالم كله لتُعرف قصة هؤلاء الفتية الذين ضَحَّوْا في سبيل عقيدتهم وفَرُّوا بدينهم من سَعَة الحياة إلى ضيق الكهف ؛ ليكونوا مثلاً لكلّ أهل العقيدة، ودليلاً على أنَّ الله تعالى ينصـر أهله ويدافع عنهم، ويُخلِّد ذكراهم إلى قيام الساعة.

 لذلك قال بعضهم لبعض: (ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً..) أي: مطلق البنيان، فعارضهم آخرون بأنَّ البناء يجب أن يكون مسجداً (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) ليكون موضعاً للسجود لله وللعبادة ؛ ليتناسب مع هذه الآية العظيمة الخالدة.[14]

فالأمر إذن ينحصر بين هذين الفريقين، وهذين القولين إما البناء عليهم، وإما اتخاذ مسجد عليهم، ومع أنَّهما بناءٌ، لكن الأول عام، وأما الثاني ففيه خصوصية المسجدية، التي من شؤونها إقامة العبادة وأصدقها الصلاة ... كما أنَّ البناء يقوم به الجميع سواء أكانوا مسلمين أم غيرهم، فيما الثاني يدل على أنَّ القائلين كانوا مسلمين،  فهم العارفون بما يتضمنه معنى المسجد، وهم الداعون إليه والقائمون به ..

 صحيح أنَّ التنزيل العزيز لم يصرح من هم أولئك (الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ)ولكن دعواهم إلى إقامة المسجد تدلُّنا على أنَّهم أُناس موحدون، مسلمون، يعرفون ما للمسجد من آثار وقيم ... عارفين بالله تعالى، ويعترفون بالعبادة و الصلاة ...

فنفس قولهم : مسجداً يدل على أنَّ القائلين كانوا مسلمين، وأنَّ المسجدية من شؤونها إقامة العبادة وأصدقها الصلاة .. وبالتالي لا مسوغ إلى التردّد بين كونهم مسلمين أم كفاراً .

يقول  الشنقيطي: قوله تعالى (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً).  لم يبين الله هنا مَن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم، هل هم من المسلمين أو من الكفار؟

 وذكر ابن جرير وغيره فيهم قولين أحدهما : أنّهم كفار. والثاني : أنهم مسلمون، وهي قولهم (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) لأنَّ اتخاذ المساجد من صفات المؤمنين لا من صفات الكفار. هكذا قال بعض أهل العلم.

  الجيلاني في تفسيره: فاختلف الناس في أمرهم، فقال المسلمون: هم منا لأنا موحدون، وقال الكافرون: بل هم منا لكونهم أولاد الكفار.

وبالجملة: (فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) قال المسلمون: نحن نبني عليهم مسجداً، وقال الكافرون نحن نبني عليهم كنسيةً، وكلا الفريقين ليسوا عالمين بكفرهم وإيمانهم، بل (رَبُّهُمْ) الذي ربّاهم بأنواع التربية ورحمهم بأنواع الرحمة (أَعْلَمُ بِهِمْ) وبحالهم، فأمرُهم موكولُ إلى الله مفوض إليه، ثم لما تمادى النزاع بينهم وتطاول جدالهم (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ) بالقدرة الحجة، وهم الموحدون المسلمون (لَنَتَّخِذَنَّ) ونبنين (عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) نتوجه فيه لله، ونتبرك بهم، ونجعله محل الحاجات وقضاء المناجاة، فاتخذوه وجعلوه مرجعاً يرجع إليه الأقاصي والأداني.[15]

وقد سبقهم لهذا من القدماء وممن تبعهم،  وأيضاً من المعاصرين من ذهب إلى ذلك ؛ نوجز عباراتهم مع ذكر قائلها ـ بمعنى أني لا أكتفي بذكر واحد منهم أو اثنين ـ وذلك لأهمية الموضوع، ولمزيد فائدة، وتسهيلاً للقارئ والمتابع: الطبري (ت 310 هـ) في تفسيره: فقال الـمشركون: نبنـي علـيهم بنـياناً، فإنهم أبناء آبـائنا، ونعبد الله فـيها.

وقال الـمسلـمون: بل نـحن أحقّ بهم، هم منا، نبنـي علـيهم مسجداً نصلـي فـيه، ونعبد الله فـيه.

الماتريدي (ت 333هـ) في تأويلات أهل السنة: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) يحتمل بناء المسجد عليهم إكراماً لهم وإعظاماً؛ ليذكروهم في ذلك المكان على قرب منهم، على ما ظهر عندهم من إكرام الله إياهم . أو يتخذون مسجداً لعبادة أنفسهم؛ ليعبدوا  الله على قرب منهم؛ ليسألوا من بركتهم ونحوه، والله أعلم.

السمرقندي (ت 375 هـ) في تفسير بحر العلوم: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ) يعني: الذين كانوا على دين أصحاب الكهف وهم المؤمنون (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا) قال الزجاج: فيه دليل أنه ظهر أمرهم وغلب الذين أقروا بالبعث على غيرهم ؛ لأنهم اتخذوا مسجداً والمسجد يكون للمسلمين.

الزجاج (ت سنة 311هـ) ذكر في معاني القرآن عن قوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)، هذا يدل ـ والله أعلم ـ أنه لما ظهر أمْرُهُمْ غلب المؤمنون بالبعث والنشُور؛ لأن المَساجِدَ للمؤمنين.

الزمخشـري (ت 538 هـ) في الكشاف: (فَقَالُواْ) حين توفى الله أصحاب الكهف (ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَـانًا) أي على باب كهفهم ؛ لئلا يتطرّق إليهم الناس ضناً بتربتهم، ومحافظة عليها كما حفظت تربة رسول الله9 بالحظيرة.

(قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ) من المسلمين وملكهم، وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم (لَنَتَّخِذَنَّ) على باب الكهف (مَّسْجِدًا) يصلّي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم... وعن الفتية يقول: ودخلوا الكهف فكانوا يعبدون الله فيه، ثم ضرب الله على آذانهم.

الطوسي (ت 460 هـ) في التبيان: فقال بعضهم: ابنوا عليهم مسجداً ؛ ليُصلي فيه المؤمنون تبركاً بهم.

الواحدي (ت 468 هـ) في الوجيز: (إذ يَتَنَازَعوُنَ) أَي: اذكر يا محمد إذ يتنازع أهلُ ذلك الزَّمان أمرَ أصحاب الكهف (بَينَهُم) وذلك أنَّهم كانوا يختلفون في مدَّة مكثهم وفي عددهم. وقيل: تنازعوا، فقال المؤمنون: نبني عندهم مسجداً، وقال الكافرون: نُحوِّط عليهم حائطاً. يدلُّ على هذا قوله: (ابنُوا عَلَيهِم بُنيَاناً) استروهم عن النَّاس ببناءٍ حولهم، وقوله: (رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم) يدلُّ على أنَّه وقع تنازعٌ في عدَّتهم. (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أمرِهِم) وهم المؤمنون، وكانوا غالبين في ذلك الوقت. (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَّسجِداً) فذكر في القصَّة أنّه جعل على باب الكهف مسجد يصلَّى فيه.

الطبرسي (ت 548 هـ) في المجمع: ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَّسجِداً) أي معبداً وموضعاً للعبادة والسجود يتعبد الناس فيه ببركاتهم، ودلَّ ذلك على أنَّ الغلبة كانت للمؤمنين، وقيل :مسجداً يصلّي فيه أصحابُ الكهف إذا استيقظوا عن الحسن.

الرازي (ت 606 هـ) في مفاتيح الغيب: وقال آخرون: بل الأولى أن يبنى على باب الكهف مسجد، وهذا القول يدل على أنَّ أولئك الأقوام كانوا عارفين بالله معترفين بالعبادة والصلاة ... أنَّ الكفار قالوا: إنهم كانوا على ديننا فنتخذ عليهم بنياناً، والمسلمون قالوا : كانوا على ديننا فنتخذ عليهم مسجداً... ثم قال تعالى: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ) قيل : المراد به الملك المسلم، وقيل: أولياء أصحاب الكهف، وقيل: رؤساء البلد: ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَّسجِداً) لنعبد الله فيه، ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد.

ابن عربي (ت 638هـ) في تفسير القرآن المنسوب إليه: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أمرِهِم) من أصحابهم، والذين يلون أمرهم تبركاً بهم وبمكانهم ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَّسجِداً) يصلّى فيه.

البيضاوي (ت 685 هـ) في أنوار التنزيل وأسرار التأويل:.. قالت طائفة: نبني عليهم بنياناً يسكنه الناس ويتخذونه قربة. وقال آخرون: ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَّسجِداً) يُصلّى فيه.

القمي النيسابوري (ت 728هـ) في  غرائب القرآن ورغائب الفرقان: وقيل: أراد إذ يتنازع الناس بينهم أمر أصحاب الكهف ويتكلمون في قصتهم، أو يتنازعون بينهم تدبير أمرهم حين توفوا، كيف يخفون مكانهم وكيف يسدون الطريق إليهم، (فَقَالُوا ابنُوا) على باب كهفهم(بُنيَاناً) ... وبنی ( الملك) على باب الكهف مسجداً، فيكون فيه دليل على أنَّ أولئك الأقوام كانوا عارفين بالله تعالى ومعترفين بالعبادة والصلاة. وقيل: إنَّ الكفار قالوا: إنهم كانوا على ديننا، ونتخذ عليهم بنياناً، والمسلمين قالوا: بل كانوا على ديننا فنتخذ عليهم مسجداً ... ثمَّ قال: والذين غلبوا على أمرهم: المسلمون وملكهم المسلم؛ لأنهم بنوا عليهم مسجداً يُصلّى فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم، وكانوا أولى بهم بالبناء عليهم حفظاً لتربتهم بها وضناً بها. فقال بعضهم: ابنُوا عليهم بنياناً ونتركهم وشأنهم، فربُّهم أعلمُ بحالهم. (وَقَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أمرِهِم لَنَتَّخِذَنَّ) على مكانهم مسجداً نعبد الله فيه.

النسفي (ت710هـ) في تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل: (فَقَالُواْ) حين توفى  الله أصحاب الكهف (ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَـانًا) أي على باب كهفهم لئلا يتطرق إليهم الناس ضناً بتربتهم ومحافظة عليها كما حفظت تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحظيرة (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) من كلام المتنازعين كأنهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم، فلما لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك قالوا (رَبُّهُم أعلَمُ بِهِم) أو من كلام الله عزّوجلّ ردّاً لقول الخائضين في حديثهم (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أمْرِهِمْ) من المسلمين وملكهم وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ) على باب الكهف (مَسْجِدًا) يصلي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم.

ابن جزي الغرناطي (ت741هـ) في التسهيل لعلوم التنزيل: (فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) أي على باب كهفهم إما ليطمس آثارهم، أو ليحفظهم ويمنعهم ممن يريد أخذهم أو أخذ تربتهم تبركاً، وإما ليكون علماً على كهفهم ليعرف به.

(قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أمْرِهِمْ) قيل: يعني الولاة وقيل: يعني المسلمين ؛ لأنهم كانوا أحقّ بهم من الكفار، فبنوا على باب الكهف مسجداً لعبادة الله.

تفسير الجلالين، المحلی (ت المحلی864هـ) والسيوطي: (فَقَالُواْ) أي الكفار (ابْنُواْ عَلَيْهِمْ) أي حولهم (بُنْيَانًا) يسترهم (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ) أمر الفتية وهم المؤمنون (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ) حولهم (مَسْجِدًا) يصلّى فيه، وفعل ذلك على باب الكهف.

ابن عادل (ت880هـ) في اللباب في علوم الكتاب: وقيل: إنَّ بعضهم، قال: سدّوا عليهم باب الكهف؛ لئلاَّ يدخل أحدٌ عليهم، ويقف على أحوالهم. وقال آخرون: بل الأولى أن يبنى على باب الكهف مسجدٌ، وهذا القول يدلُّ على أنَّ هؤلاء القوم كانوا عارفين بالله تعالى، ويعترفون بالعبادة و الصلاة. وقيل: إنَّ الكفار قالوا: إنهم على ديننا، فنتخذ عليهم بنياناً، وقال المسلمون [إنّهم] على ديننا، فنتخذ عليهم مسجداً.

قوله: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً) يعبد الله فيه، ونستبقي آثار اصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد .

الأعقم (ت القرن9هـ) في تفسيره: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً) أي متعبداً أو موضعاً للسجود والعبادة، اتخذوا على باب الكهف مسجداً يصلّي فيه المسلمون.

الفيض الكاشاني (ت1090هـ) في الصافي في تفسير كلام الله الوافي: (فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً) حين توفّاهم ثانياً (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) اعتراض (قَالَ الَّذِين غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ) من المسلمين وملكهم (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً) يصلّي فيه المسلمون ويتبرّكون بمكانهم.

الشوكاني (ت1250هـ) في تفسير فتح القدير: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا) ذكر اتخاذ المسجد يشعر بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون، وقيل: هم أهل السلطان والملك من القوم المذكورين، فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم، والأوّل أولى. قال الزجاج هذا يدل على أنه لما ظهر أمرهم، غلب المؤمنون بالبعث والنشور؛ لأنَّ المساجد: للمؤمنين.

الآلوسي  في روح المعاني (ت1270هـ) له كلام طويل، هذا بعضه، ويأتي الآخر. وهذا القول من البعض عند بعض كان عن اعتناء بالفتية، وذلك أنهم ضنوا بتربتهم، فطلبوا البناء على باب كهفهم ؛ لئلا يتطرق الناس إليهم... والمذكور في القصة أنَّ الملك جعل على باب الكهف مسجداً، وجعل له في كلّ سنة عيداً عظيماً.... ويدل هذا على أنَّ الطائفة الأولى لم تكن كذلك، وقد روي أنها كانت كافرة، وأنها أرادت بناء بيعة أو مصنع لكفرهم، فمانعهم المؤمنون وبنوا عليهم مسجداً. ثم يقول: وظاهر هذا الخبر أنَّ المسجد مقابل البيعة، وما أخرج ابن أبـي حاتم عن سعيد بن جبير من أنَّ الملك بنى عليهم بيعة فكتب في أعلاها أبناء الأراكنة أبناء الدهاقين ظاهر في عدم المقابلة، ولعله الحقّ ؛ لأنه لا يصح أن يراد بالمسجد هنا ما يطلق عليه اليوم من مصلّى المحمديين، بل المراد به معبد المؤمنين من تلك الأمة، وكانوا على ما سمعت أولاً نصارى ... ومعبدهم يقال له بيعة.

وظاهر ما تقدم أنَّ المسجد اتخذ لأن يعبد الله تعالى فيه من شاء.

وأخرج أبو حاتم عن السدي أنَّ الملك قال: لأتخذن عند هؤلاء القوم الصالحين مسجداً، فلأعبدن الله تعالى فيه حتى أموت.

وعن الحسن: أنه اتخذ ليُصلّي فيه أصحابُ الكهف إذا استيقظوا. وهذا مبنيٌّ على أنهم لم يموتوا بل ناموا كما ناموا أولاً، وإليه ذهب بعضهم، بل قيل: إنهم لا يموتون حتى يظهر المهدي، ويكونوا من أنصاره، ولا معول على ذلك، وهو عندي أشبه شيء بالخرافات.

ثمّ لا يخفى أنه على القول بأنَّ الطائفة الأولى الطالبة لبناء البنيان عليهم إذا كانت كافرة لم تكن غاية الإعثار متحققة في جميع المعثرين، ولا يتعين كون (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) مساقاً لتعظيم أمر أصحاب الكهف، ولعل تلك الطائفة لم تتحقق حالهم، وأنهم ناموا تلك المدة ثم بعثوا، فطلبت انطماس الكهف عليهم، وأحالت أمرهم إلى ربّهم سبحانه، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

وقرأ الحسن وعيسى الثقفي (غُلِبوا) بضم الغين وكسر اللام على أن الفعل مبنيٌّ للمفعول، ووجه بذلك بأنَّ طائفة من المؤمنين المعثرين أرادت أن لا يبنى عليهم شيء ولا يتعرض لموضعهم.

 وطائفة أخرى منهم أرادت البناء وأن لا يطمس الكهف، فلم يمكن للطائفة الأولى منعها، ووجدت نفسها مغلوبة ؛ فقالت: إن كان بنيان ولا بد فلنتخذن عليهم مسجداً.

عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت1376هـ) في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: (فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) الله أعلم بحالهم ومآلهم، وقال من غلب على أمرهم، وهم الذين لهم الأمر: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً) أي: نعبد الله تعالى فيه، ونتذكر به أحوالهم، وما جرى لهم.

الجنابذي (ت القرن 14هـ) تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة:.. (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ) أمر الفتية أو أمر أهل البلد من الرّؤساء، أو قال الّذين غلبوا على أمر أنفسهم بالإسلام، وغلبتهم على الشّيطان (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً) معبداً يُعبد فيه ويُزار ويتبرّك.

ابن عجيبة(ت4122هـ) في البحر المديد: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أمْرِهِمْ) وهو الملك والمسلمون، وكانوا غالبين في ذلك الوقت: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً) فذكر في القصة أنه جعل على باب الكهف مسجدًا يصلّی فيه.

الصابوني (ت1930م) في صفوة التفاسير: لنتخذنَّ على باب الكهف مسجداً نُصلّي فيه ونعبد الله فيه.

محمد زكي إبراهيم (ت1419هـ) في الإفهام والإفحام أو قضايا الوسيلة والقبور؛146:.. فالفريقان اتفقوا على البناء لحفظه واحترامه، ثم اختلفوا في نوع البناية وهدفها، فقال الفريق الثاني: إنه لا يصح أن يتخذ على هؤلاء الصالحين بلا غاية ولا عائد، فاتخذوا المسجد عليهم للحفظ والبركة، ولا يبتنى المساجد إلّا المؤمنون، ويجب أن نفهم أن قصص القرآن إنما هي للتوجيه والأعتبار وليس الذين بنوا المسجد على قبر أهل الكهف ليس هم الكفرة والمتسلطون كما يزعم من يلوي عنق معاني الآية...

هذا ما جاء عن المفسرين وهم كثر، أما الروايات:

فقال ابن عباس: في البنيان فقال المسلمون: نبني عليهم مسجداً يُصلّي فيه الناس؛ لأنهم على ديننا. وقال المشركون: نبني بنياناً؛لأنهم على ملتنا، أو لأنهم من أهل نسبنا، أو لأنهم من سنّتنا.

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: دعا الملك شيوخاً من قومه، فسألهم عن أمرهم، فقالوا: كان ملك يدعى دقيوس، وإن فتية فُقِدُوا في زمانه، وأنه كتب أسماءهم في الصخرة التي كانت على باب بالمدينة. فدعا بالصخرة فقرأها فإذا فيها أسماؤهم، ففرح الملك فرحاً شديداً وقال: هؤلاء قوم كانوا قد ماتوا فبعثوا، ففشا فيهم أن الله يبعث الموتى. فذلك قوله: (وَكَذَلِكَ أعثَرنَا عَلَيهِم لِيَعلَمُوا أنَّ وَعدَ الله حَقٌّ وَأنَّ السَّاعَةَ لَا رَيبَ فيِهَا) فقال الملك: لأتخذن عند هؤلاء القوم الصالحين مسجداً، فلأعبدن الله فيه حتى أموت. فذلك قوله: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً).

قال عبيد بن عمير: عمى الله عزَّ وجلَّ على الذين أعثرهم على أصحاب الكهف مكانهم فلم يهتدوا، فقال المشركون: نبني عليهم بنياناً فإنهم أبناء آبائنا، ونعبد الله فيها. وقال المسلمون: نحن أحقُّ بهم، فإنهم منا، نبني عليهم مسجداً نُصلّي فيه، ونعبد الله عزَّ وجلَّ فيه.

 أنهم الذين أسلموا حين رأوا أهل الكهف، قاله ابن السائب.[16]

هذا أولاً.

وأما ثانياً؛ فقد ذكروا أنَّ هناك قاعدة؛ تتلخص فيما يذكره القرآن من حكاية قول القائلين، فإما أن يعقبه بما يشعر بردّه بأن يذكره  قبله أو معه أو بعده، فهذا واضح في بطلانه. وإما أن يسكت عنه، فيدلّ على صحته، غالباً.

ويسوقون أمثلة قرآنيّة عديدة لذلك؛ منها: ما حكاه التنزيل العزيز من أقوال اليهود ومزاعمهم ودعاويهم الباطلة، كما في الآية 80 من سورة البقرة:(وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَة) فيأتي الردُّ ؛ ليكشف زيف زعمهم أنَّ النار لن تمسّهم إلّا هذه المدّة لا غير: (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).  

الشيخ الطبرسي: قل يا محمد لهم (أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْداً) أي موثقاً أنه لا يعذبكم إلّا هذه المدة، وعرفتم ذلك بوحيه وتنزيله، فإن كان ذلك، فالله سبحانه لا ينقض عهده وميثاقه (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الباطل جهلاً منكم به وجرأة عليه. الآية:111من  سورة البقرة: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُوداً أَوْنَصَارَى). الشيخ الطبرسي: ثمَّ حكى سبحانه نبذاً من أقوال اليهود ودعاويهم الباطلة، فقال: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُوداً أَوْنَصَارَى). وهذا على الإيجاز وتقديره قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلّا من كان يهودياً، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلّا من كان نصرانياً. ووحّد كان؛ لأنَّ لفظة مَن قد تكون للواحد وقد تكون للجماعة، وإنما قلنا : إنَّ الكلام مقدر هذا التقدير؛ لأنَّ من المعلوم أنَّ اليهود لا يشهدون للنصارى بالجنة، ولا النصارى لليهود، فعلمنا أنه أدرج الخبر عنهما للإيجاز من غير إخلال بشيء من المعنى، فإنَّ شهرة الحال تغني عن البيان الذي ذكرنا، ومثله قول حسان بن ثابت:

أمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُم

و يَمْدَحُـهُ وَ يَنْصُـرُهُ سَوَاءُ

تقديره ومن يمدحه وينصره، غير أنه لما كان اللفظ واحداً، جمع مع الأول، وصار كأنه إخبارٌ عن جماعة واحدة، وإنما حقيقته عن بعضين متفرقين، وهذا على الإيجاز؛ وتقديره قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلّا من كان يهودياً.

وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلّا من كان نصرانياً.

وحتى يفضح زعمهم هذا، ويُفنده، ويكشف أكاذيبهم، وأنَّها مجرّد أماني كاذبة يتمنونها على الله تعالى، يأتي الردُّ مباشرة: (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ).

الزمخشري: أمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم، أي تلك الأماني الباطلة أمانيهم.

وقوله: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ)، متصل بقولهم: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُوداً أَوْنَصَارَى). و (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ) اعتراض، أو أريد أمثال تلك الأمنية أمانيهم، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. يريد أن أمانيهم جميعاً في البطلان مثل أمنيتهم هذه. (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، هلموا حجّتكم على اختصاصكم بدخول الجنة (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) في دعواكم، وأنَّ كلّ قول لا دليل عليه فهو باطل غير ثابت.

الطبري:.. أنه أمانـيّ منهم يتـمنونها علـى الله بغير حقّ ولا حجّة ولا برهان ولا يقـين علـم بصحة ما يدعون، ولكن بـادّعاء الأبـاطيـل وأمانـي النفوس الكاذبة.

ثمَّ ردَّ عليهم أيضاً بالآية 112: (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).

الطبرسي: ثمَّ ردَّ الله سبحانه عليهم مقالتهم، فقال:  (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ). قيل: معناه من أخلص نفسه لله بأن سلك طريق مرضاته عن ابن عباس، وقيل: وجَّه وجهه لطاعة الله، وقيل : فوض أمره إلى الله، وقيل: استسلم لأمر الله وخضع وتواضع لله ؛ لأنَّ أصل الإسلام الخضوع والانقياد وإنما خص الوجه لأنه إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله، وقيل: وهو مؤمن، وقيل: مخلص (فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ) معناه فله جزاء عمله عند الله ( وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) في الآخرة.

القرطبي:.. ثم قال تعالى: (بَلَىٰ) رَدًّا عليهم وتكذيباً لهم أي ليس كما تقولون (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ) ومعنى «أسلم» استسلم وخضع. وقيل: أخلص عمله. وخصّ الوجه بالذكر؛ لكونه أشرف ما يُرَى من الإنسان، ولأنه موضع الحواس، وفيه يظهر العِزّ والذُّل. والعرب تُخبر بالوجه عن جملة الشيء.

الشوكاني: ثمَّ ردَّ عليهم، فقال: (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ)، وهو إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة، أي ليس كما يقولون بل يدخلها من أسلم وجهه لله... فقوله: (فَلَهُ)، هو الجزاء، ومجموع الشرط، والجزاء ردّ على أهل الكتاب، وإبطال لتلك الدعوى.

الآية: 113: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

الشوكاني:.. وفي هذا أعظم توبيخ، وأشدّ تقريع؛ لأنَّ الوقوع في الدعاوى الباطلة، والتكلم بما ليس عليه برهان هو وإن كان قبيحاً على الإطلاق، لكنه من أهل العلم والدراسة؛ لكتب الله أشدّ قبحاً، وأفظع جرماً، وأعظم ذنباً.

وقوله:  (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) المراد بهم كفار العرب، الذين لا كتاب لهم قالوا مثل مقالة اليهود اقتداءً بهم؛ لأنهم جهلة لا يقدرون على غير التقليد لمن يعتقدون أنه من أهل العلم. وقيل المراد بهم طائفة من اليهود، والنصارى، وهم الذين لا علم عندهم.

ثمَّ أخبرنا سبحانه بأنه المتولى لفصل هذه الخصومة التي وقع فيها الخلاف عند الرجوع إليه، فيعذب من يستحق التعذيب، وينجي من يستحق النجاة.

الآية:116: (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ).

الطبري: (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ) وهم النصارى الذين زعموا أنَّ عيسى ابن الله؟ فقال الله جلَّ ثناؤه مكذّبـاً قِـيـلَهم ما قالوا من ذلك، ومنفـياً ما نـحلوه وأضافوا إلـيه بكذبهم وفريتهم: (سُبْحَانَهُ) يعنـي بها: تنزيهاً وتبريئاً من أن يكون له ولد، وعلوًّا وارتفـاعاً عن ذلك!

الآية: 28 من سورة الأعراف: (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا).

كان المشركون يطوفون بالبيت عراة يقولون: نطوف كما ولدتنا أمهاتنا، فتضع المرأة على قبلها النسعة أو الشيء، أو أنَّ العرب كانت ما عدا قريشاً لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش، وهم الحمس، يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوباً، طاف فيه، ومن معه ثوب جديد، طاف فيه، ثم يلقيه، فلا يتملكه أحد، ومن لم يجد ثوباً جديداً، ولا أعاره أحمسي ثوباً، طاف عرياناً، وربما كانت امرأة، فتطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعض الستر، فتقول:

اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُه أَوْ كُلُّهُ

و ما بَـدا مِنْـهُ فَلا أُحِلُّهُ

وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل، وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أنّ فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع.

فأنكر الله تعالى عليهم ذلك، فقال: (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَاءَنَا وَاللهُ أمَرَنَا بِهَا). ففي هذه الآية ما هو حقٌّ وما هو باطل، فما هو حقٌّ قولهم: (قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا). وهنا لم يأتِ ردٌّ عليه، بمعنى لم يُبطل الله تعالى قولهم هذا؛ وبالتالي يدلُّ عدم إبطاله على صحته  ؛ أنَّهم وجدوا عليه آباءهم، ورثوه من آبائهم، قلّدوا آباءهم فيه .. فهذا قول صحيح لا ريب فيه  .

أما ما هو باطل من قولهم  فهو(وَاللهُ أمَرَنَا بِهَا)، أنّ ما فعلوه من الفاحشة نسبوه إلى الله تعالى، فهنا تدخّلت السماء لتردّه وتبطله بقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).

(قُلْ) أي يا محمد لمن ادعى ذلك (إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء) أي هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة، والله لا يأمر بمثل ذلك، (أتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). أي أتسندون إلى الله من الأقوال مالا تعلمون صحته. أو أتكذبون عليه.

ونجد ردًّا أو تعقيباً حتى في قصة أهل الكهف نفسها، حين وقع الاختلاف في عددهم في الآية 22 من سورة الكهف، نكتفي بشيء مختصـر منه: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أحَداً).

وقد بيَّن سبحانه وتعالى في هذه الآية تنازعهم في عددهم، فحكى التنزيل العزيز  ثلاثة أقوال، ويأتي الردُّ أو التعقيب مرّةً بقوله تعالى:(  رَجْماً بِالْغَيْبِ). وذلك حين أتبع القولين الأولين:  (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ). أي قذفاً بالظن من غير يقين ،كما قال الشاعر:

وأجْعَلُ مِنِّـي الـحَقَّ غَيْبـاً مُرَجَّمَا

أو رميًا بالخبر من غير اطلاع على حقيقة الأمر، أو ظنًا بالغيب من غير تحقيق، أو ظنًّا وحدساً من غير يقين، ومرّةً بقوله تعالى:  (قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ). والخطاب لرسول الله9 يقول الطبري:  (قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم). يقول عزّ ذكره لنبـيّه مـحمد9: قل يا مـحمد لقائلـي هذه الأقوال فـي عدد الفتـية من أصحاب الكهف رجماً منهم بـالغيب:  (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ).[17]

بعد هذا نأتي للآية موضع البحث التي تشير إلى أنَّ أهل البلد لما عثروا على الفتية، صاروا إزاءهم فريقين، يُعرف هذا من خلال القولين ومن خلال السياق: (فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً...). (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) .

وحسب السياق فالقول الأول يدلُّ على أنَّ قائليه هم المشـركون، فيما القول الثاني هو قول الموحدين، والتنزيل العزيز ذكر القولين دون استنكار، ودون أي تعقيب يحمل إبطالاً لكلا القولين، وبالأخص لقول من أراد اتخاذ المسجد، من أنَّ المسجد لا يصحُّ أن يُبنى عليهم، بمعنى أنّ التنزيل لم يُعقب على بطلان قولهم هذا: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) وبالتالي لو كان هناك باطل ؛ لكان المناسب الإشارة إليه، بل وإبطاله، فليس هناك انتقاد للقولين، ولم يطرحا بأسلوب رافض ولا ساخر،  بل  الآية طرحت قول الموحدين بسياق يفيد المدح، وأنه جاء قاطعاً (لَنَتَّخِذَنَّ) لا فقط مجرد بناء.. فالتنزيل العزيز لم يذكر تعقيباً على قولهم: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) يحمل نهياً أو ذمًّا أو استنكاراً، ولو كان عملهم عملاً منكراً لما سمّاه مسجداً، ولا يصحّ السكوت عنه، بل لا بدَّ من شجبه واستنكاره، حتى لا يفعلوه ولا يقتدي به غيرهم،  وكذلك لو كان  اتخاذ المسجد أو بناؤه على قبور الفتية  أو بجوارها، أو على باب الكهف معلماً على الشـرك، وداعياً إلى عبادة غير الله تعالى، فكيف يتبناه المؤمنون ويدعون إليه، ويصرحون به، ولماذا ذكر التنزيل العزيز اقتراحهم ذلك دون أي نقد أو ردّ له ؟ وفي هذه الحالة يكون تقريراً، والتقرير حجّة على صحّة بناء المسجد.

ثمَّ لماذا هذا الكم من المفسرين يذهبون إلى أنَّ المراد من قولهم: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) ليُصلّى به، لُيتبرك به، لنعبد الله فيه.

يقول الفقيه المحدث الأزهري محمد زكي إبراهيم (ت1419هجرية): ثمَّ إنَّ سياق الآية يفيد الاستحسان والتوجيه؛ لعدم التعقيب عليه بالنهي أو نحوه، ولهذا جاز الاستدلال بهذه الآية في الموضوع.

ثمَّ يواصل كلامه قائلاً: ولهذا استباح الصحابة والتابعين ومن بعدهم اتخاذ المسجد (بعد وقبل التوسعة) في جانب قبر رسول الله9 حتى أدخل القبر إلى المسجد نفسه، والدين حيٌّ، والعلماء ملء الديار، ولم يؤثر عن أحد منهم اعتراض عليه أو انتقاد، وإلّا لكان هؤلاء الذين فعلوا ذلك، والذين سكتوا عليه ملعونين!! وهم من خيرة الصحابة والتابعين وصالحي المسلمين الذين يتضاعف عددهم إلى يوم القيامة بلايين وبلايين.[18]

الشيخ السبحاني: قوله تعالى: (قَالَ الَّذينَ غَلَبوا عَلَى أمْرهمْ لَنَتَّخذَنَّ عَلَيْهم مَّسْجدًا). حيث أخبرنا الله تعالى عن المؤمنين الذين قررّوا أن يتّخذوا من مضجع الفتية المؤمنة مسجداً يسجدون له سبحانه فيه، ويعبدونه وهم مؤمنون وليسوا بمشركين، و لم يذمّهم الله تعالى على ذلك.

و ممّا لا شك فيه أنَّ شأن الأنبياء والأئمة: أرفع من شأن أولئك الفتية، فإذا جاز بناء قبورهم، فبالأولى جواز ذلك بالنسبة إلى الأنبياء والأئمة:.

فيظهر من الكتاب أنّ البناء على القبور، بل بناء المسجد عليها كان جــائزاً في الشرائع السابقة، وأنّ الناس عندما وقفوا على مكان أجساد أصحاب الكهف، اختلفوا على قولين: فمن قال: (ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً) ومن قال: (لَنَتَّخِذَنّ عَليْهِم مَسْجداً). والاستدلال بالآية واضح لمن يرى القرآن قـدوةً وأُسـوةً وفيـصلَ حقٍّ،  فإنّ القرآن ينقل كلا القولين، من دون أن ينتقدهما أو يعترض عليهما، بـــل الظاهر أنّه ينقلهما بصورة التحسين، وأنّ أصحاب الكهف بلغ بهم ثباتهم في طريق العقيدة إلى حدٍّ؛ لما عثر عليهم الناس اجتمعوا على تكريمهم واحترامهم، بل التـبرك بهم، فمن قائل بلزوم البناء عليهم وآخر باتخاذ مراقدهم مسجداً، وليس القرآن كتاب قصة وأُسطورة، وإنما هو كتاب إرشاد وقدوة وإمام لـنا، فلم يذم بناءهم على القبور، فلو كانوا في عملهم هذا ضالّين لاعـترض على عملهم، كما هو الحال فيما ينقل عن المشركين، والكافرين  عملاً أو رأياً.[19]

السيد محسن الأمين: ومما يدل على جواز بناء المساجد عند قبور الصالحين أو على قبورهم تبركاً بهم قوله تعالى: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً).

 في الكشاف: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أمْرِهِمْ) من المسلمين وملكهم، وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم لنتخذن على باب الكهف مسجداً يصلّي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم.

ونحوه عن تفسير الجلالين عن السنوي في معالم التنزيل قال المسلمون: نبني عليهم مسجداً يُصلّي فيه الناس لربّ العالمين.

وعن ابن عباس قال المسلمون: نبني عليهم مسجداً، يُصلّي فيه الناس؛ لأنهم على ديننا.

وعن النيشابوري في غرائب القرآن: (الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أمْرِهِم) وملكهم المسلم؛ لأنهم بنوا عليهم مسجداً يصلًي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم، وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم حفظاً لتربتهم.

وفي مجمع البيان: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ) يعني الملك المؤمن وأصحابه، وقيل: أولياء أصحاب الكهف من المؤمنين، وقيل: رؤساء البلد عن الجبائي ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً). متعبداً وموضعاً للعبادة والسجود يتعبد الناس فيه تبركاً بهم، ودلَّ ذلك على أنَّ الغلبة كانت للمؤمنين.

وبعد أن يذكر هذا، يقول السيد الأمين: فقد حكى الله تعالى مقالة المسلمين من غير ردٍّ عليهم ولا إنكار؛ لعلّه ذكرها في معرض المدح، فيكون ذلك تقريراً لها حكى الله تعالى قصص الماضين؛ لتعتبر بها هذه الأمّة وتقتدي بالحسن منها وتتجنب القبيح.

وبعد هذا يقول السيد الأمين: ومن الغرائب ما يحكى عن شارح كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب أنه قال بعد ذكر الآية: هذا دليل على أنَّ الذين غلبوا هم الكفار؛ إذ لو كانوا مؤمنين ما أرادوا أن يتخذوا على قبور الصالحين مسجداً؛ لأنَّ النبيَّ9 لعن فاعل ذلك.

ثمَّ يُعقّب السيد الأمين على هذا  قائلاً: فكأن معتقدات الوهابية عند هذا الرجل وحي منزل، فلذلك تكون ناسخة للقرآن الكريم، ويجب حمله عليها، ولا يجوز تطبيقها عليه، وهل يلتفت إلى هذا الاحتمال السخيف بعد إطباق المفسـرين على خلافه، ومنهم ابن عباس ترجمان القرآن وإمام المفسـرين، ومخالفته لظاهر الآية وسياقها؛ كما يفهم مما مرَّ مع أنَّ ظاهر قوله تعالى: ( إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً).

إنَّ الجميع كانوا متفقين على البناء الذي يحرمه الوهابية، وإنما كان التنازع في كيفيته، فالوهابيون بمنعهم البناء على القبور قد خالفوا المسلمين والكافرين، وقد نجى الله ذلك الملك المسلم ورعيته المسلمين في حياتهم، فلم يكن في زمانهم وهابية، وإلّا لكفروهم بعد إسلامهم وشركوهم بعد توحيدهم؛ لبنائهم مسجداً على أهل الكهف وتبركهم بهم، لكنهم لم يسلموا من الوهابيين بعد موتهم، وبعد أن مضـى على موتهم ألوف مؤلفة من السنين، فكفروهم بعدما صاروا تراباً في قبورهم.[20]

ومن المفيد أن نختم هذا الفصل بما ذكرته دار الافتاء المصـرية، ليتبيّن أنَّ  ما ذكرته لا يبتعد كثيراً، إن لم نقل بتطابقه مع ما ذكرناه لا بخصوص هذه القاعدة فقط، بل بما ذكرناه أعلاه من أقوال المفسرين، وما جاء من الأخبار والروايات بخصوص الآية الكريمة.

وللأمانة أنقل ما ذُكر عنها، وما ذُكر في موقعها، وكان جواباً عن سؤال (استفتاء)، وإن لم يكن هناك فرقٌ مخلٌّ بينهما:

الأول، ذكره الشيخ أبو عبد المعز محمد علي فركوس من الجزائر؛ ليردّه، وقد اعتبره شبهة، وبعد أن يُقرره فيقول: ووجه الاستدلال بالآية أنَّها أشارت إلى قصة أصحاب الكهف، حينما عثر عليهم الناس، فقال بعضهم: نبني عليهم بنياناً، وقال آخرون: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) والسياق يدلّ على أنَّ الأول: قول المشـركين، والثاني: قول الموحّدين.

والآيةُ طَرَحَتِ القولين دون استنكارٍ، ولو كان فيهما شيءٌ مِنَ الباطل، لَكان مِنَ المُناسِبِ أنْ تُشيرَ إليه، وتَدُلَّ على بطلانه بقرينةٍ ما، وتقريرُها للقولين يدلُّ على إمضاءِ الشريعة لهما، بل إنَّها طَرَحَتْ قولَ الموحِّدين بسياقٍ يُفيدُ المدحَ، وذلك بدليلِ المُقابَلةِ بينه وبين قول المشـركين المحفوف بالتشكيك، بينما جاء قولُ الموحِّدين قاطعًا: (لَنَتَّخِذَنَّ)نابعًا مِنْ رؤيةٍ إيمانيةٍ؛ فليس المطلوبُ عندهم مجرَّدَ البناء، وإنَّما المطلوبُ هو المسجد؛ وهذا القول يدلُّ على أنَّ أولئك الأقوامَ كانوا عارفين بالله مُعْتَرِفين بالعبادة والصلاة.

قال الرازي في تفسير (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَّسجِداً): نعبد اللهَ فيه، ونستبقي آثارَ أصحابِ الكهف بسبب ذلك المسجد.[21]

وقال الشوكانيُّ: ذِكْرُ اتِّخاذِ المسجد يُشْعِرُ بأنَّ هؤلاء الذين غَلَبُوا على أمْرِهم هم المسلمون، وقيل: هم أهلُ السلطانِ والملوكُ مِنَ القوم المذكورين؛ فإنهم الذين يغلبون على أمرِ مَنْ عَدَاهُمْ، والأوَّلُ أوْلى.[22]

وقال الزجَّاجيُّ: هذا يدلُّ على أنَّه لَمَّا ظَهَرَ أمرُهم غَلَبَ المؤمنون بالبعث والنشور؛ لأنَّ المساجد للمؤمنين. هذا بخصوصِ ما ذُكِرَ في كتاب الله فيما يخصُّ مسألةَ بناء المسجد على القبر.[23]

أما دار الفتوى المصرية؛ فقد قالت: الصلاة في المساجد التي بها أضرحة الأولياء والصالحين صحيحةٌ ومشروعةٌ، بل إنها تصل إلى درجة الاستحباب، وذلك ثابت بالكتاب، والسُّنَّة، وفعل الصحابة، وإجماع الأمّة الفعلي.

فمن القرآن الكريم قوله تعالى: (فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) .

وسياق الآية يدل على أنَّ القول الأول هو قول المشركين، وأنَّ القول الثاني هو قول الموحِّدين، وقد حكى الله تعالى القولين دون إنكار؛ فدل ذلك على إمضاء الشريعة لهما، بل إنَّ سياق قول الموحدين يفيد المدح؛ بدليل المقابلة بينه وبين قول المشـركين المحفوف بالتشكيك، بينما جاء قول الموحدين قاطعًا، وأنَّ مرادهم ليس مجرد البناء، بل المطلوب إنما هو المسجد.

وقال الشهاب الخفاجي في حاشيته على (تفسير البيضاوي): في هذه دليل على اتخاذ المساجد على قبور الصالحين.[24]

إذن وبعد هذا كلّه (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) دلَّ على أنهم أُناس مؤمنون موحدون عارفون بفضيلة المسجد وقيمته، معترفين بالعبادة والصلاة فيه، اجعلوهم في مكانهم، وابنوا عليهم دار عبادة، يعني مسجداً نُصلّي وإلى جوارنا  فتية مباركون؛ وكان هذا رأي الذين غلبوا على أمرهم مقابل قول أولئك المشركين، الذي قد يكون محفوفاً بالتشكيك، وبعيداً عن تعظيم الفتية، والتشجيع على حفظهم وقصتهم، بعكس ما كان يهدف إليه الفريق المؤمن المتفاعل مع سيرة الفتية، وحرصه على توقيرهم وتكريمهم، وإشادةً بذكرهم واستبقاء ًلآثارهم ببناء المسجد كما ذكر الرازي: نعبد الله فيه، ونستبقي آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد.

ولتكون للناس على كَرِّ العصور مُدَّكَرًا وعِبْرة، كما يُعبر هيكل حين يتعرّض إلى ذكر البقيع: فلم يَغْلُ من سمَّاه جنة البقيع، ولم يَغْلُ من رفع القباب على قبور أصحابه، لو أنه قصد منها إلى الإشادة بذكرهم؛ لتكون للناس على كَرِّ العصور مُدَّكَرًا وعِبْرة.[25]

بأن يكون عليهم مسجداً يجذب المؤمنين إليهم، وتهوى إليه الأفئدة العارفة الواعية لمحنتهم وسيرتهم ضدَّ الظالمين، ولعلَ كثيراً من المفسـرين كما ذكرنا أقوالهم استفادوا ذلك، وراحوا يصرّحون بأنَّه  (يُصلّى به، يُعبد الله فيه، يُتبرك فيه،) ولم يُصرحوا بقبح مقالة الفريق الثاني، ولا ببطلان قولهم المحكي عنهم، بمعنى أنّ هؤلاء المفسرين لم يتوقفوا ولم يمتنعوا عن القول بهذا الهدف من اتخاذ المسجد. مع علمهم بأنه اتُخذ على فتية أموات؛ على قبورهم، و(الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ) يقول أكثر المفسـرين هم المؤمنون الموحدون غلبوا رأي المشركين الذين خالفوا بناء المسجد، وقالوا:(ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً) بل هو المتعين؛ لأنَّ الله سمّاه مسجداً، وغير الموحدين لا يبنون مسجداً، فبنوه ليعبدوا الله فيه، ويتبركوا بمن دُفن فيه أو بجواره.

 وقد يُستفاد أنَّ هذا الجزء من الآية لم يكن مجرد إخبار عن بناء مسجد على قبر الفتية المتوفّين، بل هو نصٌّ في ذلك، وعليه فإنَّ أي خبر أو رواية تخالف ما ذكره التنزيل العزيز لا يؤخذ بها، هذا  عند من يرى  أنّ القرآن الكريم أول المرجحات في قبول الروايات أو ردِّها، أي أنَّ الآية المذكورة  توجب ردَّ  ما رواه الطرف الآخر كاللعن لليهود والنصارى؛ لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد! فإن لم نؤول مثل هذه الروايات إن صحّت بأنهم جعلوا قبور أنبيائهم نفسها قبلةً يصلّون إليها أو يصلَّون لأصحاب القبور، أو يسجدون على وجه التعظيم لها أو عبادتها؛ كما يفعل الذين كانوا يسجدون للأصنام وللأوثان، وهو بلا شك عملٌ مرفوضٌ، ويُعدُّ شركاً صريحاً؛ وقد يكون لهذا انصبّ عليهم اللعن، والله العالم، وإلّا لا يمكن أن يُعقل أنَّ التنزيل العزيز يصرح ببناء مسجد على قبور فتية الكهف دون ردٍّ أو نهي، ثمَّ رسول الله9 يلعن الذين بنوا مساجد على قبور الأنبياء، وضمناً أولئك الذين قالوا: كما يأتينا عمّا يقوله الطرف الرافض للبناء على القبور (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً) ثمَّ أمامنا سيرة الصحابة؛ وقد دُفن النبيُّ9 في بيته في غرفته، دون أي اعتراض من الصحابة بأنَّ الغرفة بناءٌ ولها سقف، ولما تُوفي كلٌّ من الخليفة الأول والثاني نفذت وصيتهما بالدفن في الحجرة نفسها تبركاً برسول الله9 ورغبةً في شفاعته والقرب منه، وحتى في بقيع الغرقد، دُفن عدد من الصحابة في دورهم التي اتخذوها في البقيع. ولطالما دُفن الأولياء والعلماء والصالحون في بيوتهم، أو في قبور رفع متعلقوهم وأتباعهم قواعد وسقوفاً لها بعد دفنهم تكريماً واحتراماً لهم، وليس هناك من معترض طيلة قرون بأنَّ هذه الأفعال مخالفة للدين والشريعة.

هذه خلاصة ما عليه الطرف الأول المؤيد لبناء المساجد على القبور، ولا يرى بأساً ولا حرمة في ذلك، وأنَّ هذا لا يتنافى مع إخلاص العبودية والعبادة لله تعالى.

فقرآنيًّا وكما انتصرت إرادة أولئك الموحّدين، فاتخذوا مسجداً على الفتية الموتى، انتصرت ـ كما يبدو ـ إرادة الفريق الغالب من المسلمين على جواز بناء المساجد والقباب على قبور الصالحين، وبالذات أضرحة من يشكّلون الطهر والقدسية والعصمة والعلم والمعرفة والعطاء الكبير؛ أئمة أهل البيت:، وفاءً وتقديراً لهم وتكريماً لمنزلتهم، واحتراماً لذكراهم وآثارهم، لا لعبادتهم والعياذ بالله، أو التوسل بهم من دون الله تعالى، بل التوسل بهم إلى الله والتشفع بهم إليه طلباً لمرضاته تعالى، استناداً للأدلّة التي تطلب في محلّها.

وبعد هذا نأتي إلى أقوال الطرف الثاني: يبدو أنّ هذا الطرف الرافض بشدّة لمسألة البناء على الموتى، أغلب القائلين به هم الشيخ ابن تيمية، ومن تبعه من كبارتلاميذه ومريديه كابن قيّم الجوزية، وابن كثير؛ وإن سبقهم القرطبي؛ وينطلق هذا الفريق من أنَّ تعظيم قبور الأنبياء والصالحين، واتخاذها مساجد والصلاة فيها، وإضاءتها وإيقاد السـرج عليها، والبناء فوقها وتجصيصها، والكتابة عليها، ورفعها وتعليتها، ثمَّ اتخاذها عيداً واجتماعاً، يكون كلُّ هذا مدعاةً للغلو فيها، وبالتالي يُصيّرها أوثاناً تُعبد من دون الله تعالى، وأهم أدلتهم هو ما ذكروه من الروايات اللّاعنة لمن اتخذ القبور مساجد.

فالقرطبي سبقهم، حسب ما تيسّر لي، وقد يكون هناك غيره...[26]

 

 

[1].  سورة الكهف : 21 .

 

[2]. سورة إبراهيم : 37 .

 

[3]. سورة البقرة : 127 .

 

[4]. سورة آل عمران : 96 .

 

[5]. سورة الحجّ : 27 .

 

[6]. سورة الحجّ : 26 .

 

[7]. سورة البقرة : 125.

 

[8]. سورة الإسراء : 1 .

 

[9]. سورة المائدة : 107.

 

[10]. انظر معاجم اللغة ؛ القاموس الفقهي لغةً واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب : 167 ؛ تفسير مجمع البيان : سورة البقرة : 114 ؛ مفردات الراغب وغيرها ؛ إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين آلدرويش : سورة الكهف،  الآية : 21 ؛ تفسير مفاتيح الغيب ؛ التفسير الكبير، الرازي، الآية.

 

[11]. انظر تفسير البحر المحيط، أبو حيان ؛ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ؛ البرهان في تفسير القرآن، هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) ؛ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ؛ ابن عجيبة (ت1224هـ )، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، بتصرف فيها .

 

[12]. سورة الكهف:  16 .

 

[13]. محمد بن يوسف اطفيش (ت1332هـ) من مفسري الأباضية، تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد،.

 

[14]. خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) .

 

[15]. الشنقيطي (ت 1393 هـ)، تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن ؛ الجيلاني(ت 713)، تفسير الجيلاني .

 

[16]. ذكرت هذه الروايات في العديد من التفاسير، وكان منها: تفسير جامع البيان في تفسير القرآن،  الطبري (ت310هـ) ؛ تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه، مكي بن أبي طالب (ت437هـ ؛ تفسير معالم التنزيل، البغوي (ت516هـ) ؛ تفسير زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي (ت597هـ)؛ تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل، الخازن (ت725هـ ؛ تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السيوطي (ت911هـ) .

 

[17]. الطبرسي(ت548هـ)، مجمع البيان في تفسير القرآن ؛ ، الزمخشري (ت538هـ) تفسير الكشاف ؛ الطبري (ت310هـ) تفسير جامع البيان في تفسير القرآن ؛ القرطبي (ت671هـ) ؛ ، الشوكاني (ت1250هـ) تفسير فتح القدير ؛ ابن كثير (ت774هـ) تفسير القرآن العظيم ؛ الخازن (ت725هـ)، تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل.

 

[18]. انظر كتاب الإفهام والإفحام أو قضايا الوسيلة والقبور في ضوء سماحة الإسلام، الإمام السيد محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية، اعتنى به وخرج أحاديثه محيي الدين الأسنوي، تلميذ المؤلف: 146ـ147، تاسعاً: الاستدلال بآية سورة الكهف : 21 .

 

[19]. الشيخ جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل 4 : 197ـ 208.

 

[20]. انظر كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب، السيد محسن الأمين : 335 ـ 336 .

 

[21]. الرازي، تفسير الرازي ١١: ١٠٦.

 

[22]. الشوکاني، فتح القدير في التفسير ٣ : ٢٧٧.

 

[23]. انظر الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس، الكلمة الشهرية رقم : 36 في ردِّ شبهة دار الافتاء المصرية في الاستدلال بآية: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا .

 

[24]. انظر الموقع الإلكتروني لدار الفتوى المصرية .

 

[25]. محمدحسين هيكل، في منزل الوحي، جنّة البقيع : 512 .

 

[26]. و في العدد 54 «عدد خاص بالبقيع»، قد نشرت مقالة جيدة  للشيخ محمد القايني تحت عنوان «بناء الأضرحة...» وأيضاً مقالة جيدة للأستاذ محسن الأسدي ، مؤلف هذه المقالة ، تحت عنوان «بقيع الغرقد»، فردّ هذا القول الباطل لابن تيمية وأتباعه. مجلة ميقات الحج .