اقتباسٌ من کتاب: «الجرجانيون... بمكة المكرمة» حتي بدايات القرن الخامس الهجری

نوع المستند : مقالة البحثية

المؤلفون


وأنا أبحث وأُقلّب ما في المواقع العلمية من كتب وأبحاث إذ عثرتُ  على كتاب قيّم جميل يتوفّر على بحث رائع مفيد سطّره يراع الأُستاذ الفاضل  الدكتور إبراهيم عبد المنعم سلامة أبو العلا؛ أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية المساعد في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية ؛ جامعة السلطان قابوس ـ سلطنة عُمان .

وكان عنوان كتابه :

«الجرجانيون والحياة الثقافية والاجتماعية بمكة المكرمة حتى بدايات القرن الخامس الهجري». قدَّمه إلى ندوة مكّة المكرمة ؛ عاصمة الثقافة الإسلاميّة سنة 1426  هجرية. نُشر في 6 أكتوبر،  2019.

موقع ( وقفية الأمير غازي للفكر القرآني )

وما إن ظهر الكتاب للعيان حتى احتلَّ مكانةً كبيرة في المكتبة، وملأَ فراغاً فيها، وحظي باهتمام من شغلتهم البحوثُ التاريخيّة سواءً أكانوا أساتذةً وطلاباً أم كتّاباً ومحقّقين .. وكيف لا يحظى بهذه المنزلة، وهو يهدف إلى بيان التبادل العلمي والثقافي بين مكة المكرمة وجُرجان أو (گـُرگان) من بلاد فارس ، حتى ترك ثماراً معرفية كثيرة، كان منها بيان القدرات العلمية لعلماء جرجان، وما قدموه واكتسبوه هم وتلامذتهم من إنجازات ، وبناء علاقات اجتماعية في مكة المكرمة مع المكيين وغيرهم ممن وفقوا  لجوار البيت الحرام ، وهو جوار  ـ مع كونه يحتاج إلى الالتزام الأكيد بأحكامه وآدابه، وبالتالي إلى ضبطٍ عظيمٍ للنفوس وتصرفاتها ، وصبرٍ وتحملٍ غاية في الدّقة والشدّة خوف الوقوع في الآثام والتجاوزات والمحاذير .. ـ  تصبو إليه النفوس المؤمنة المُتأمّلة الراجية بركات هذا الجوار وأجره العظيم خاصة نفوس أولئك العبّاد والعلماء والفقهاء والأدباء والأعيان والتجار وغيرهم القادمين من شتى البلدان والوافدين من البقاع البعيدة  ، ومن ألوان الشعوب والقبائل والأقوام طلباً لجوار الحرم المكي ونيل بركاته ، فهذا الجوار له شأنٌ كبير وأجرٌ مضاعف!

لقد استقروا في مكة على مقربة من البيت الحرام ، واندمجوا بمجتمعها المكي الأصيل حتى شكّلوا جزءًا مهمًّا من هيكلها الاجتماعي، ولكن دون أن يلغي تنوعهم  في أعرافهم وتقاليدهم ومذاهبهم ، وفي خصوصياتهم ومظاهرهم، حتى كأنَّ الناظر إليهم يرى وسطاً مكتظًّا ذا ألوان وخصائص متباينة، ولعلّه مؤتلفٌ بفضل الإسلام وأحكامه ومفاهيمه وآدابه وأخلاقه ، وببركة السكن والجوار الطيب للمسجد الحرام، والالتزام بآدابه وضوابطه ، والذي يجمع بينهم سكناً وعِشرةً .. مما يخلق جوًّا دينيًّا وإنسانيًّا ، علميًّا ثقافيًّا، وترابطاً وتفاعلاً اجتماعيًّا واسعاً، وتعارفاً نافعاً.. لا فقط بين المجاورين للبيت الحرام وأهله، وبين المجاورين أنفسهم، بل بين بلدانهم وشعوبهم إذا رجعوا إليهم .. فيتمَّ ذلك التعارف القرآني الواسع المبارك:

(يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍوَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقٰاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).سورة الحجرات : 13.

في أجلى صوره، وأوسع أبوابه عبر جميع مفاصله الدينيّة والاجتماعيّة والثقافيّة .. وفي أقدس بقاع الأرض؛ حرم الله المطهر!

ولعلَّ جميع هذا يُعدُّ استجابةً لدعاء نبيِّ الله إبراهيم عليه السلام حين وطأت قدماه ذلك الوادي في المرّة الأولى، وصورةً مشرقةً لتلك الأفئدة، وثمرةً مباركةً  من تلك الثمرات التي تضمنها ذلك الدعاء الخالد: (رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ   غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المـُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)سورة إبراهيم : 37 .

وبعد هذا الإيجاز، نترك المؤلف يصف التواصل المعرفي والاجتماعي بين مكة وجرجان، وأنَّه لم يلقَ ما يناسبه من الاهتمام:

«ولقد لفت نظري تلك الصلات الثقافية و الاجتماعية المتبادلة بين مكة وجرجان؛ لأنّها أي جرجان كان لها شأن عظيم في التاريخ العلمي الإسلامي، لشهرتها بكثرة النابغين من علمائها و شيوخها و فضلائها، و مع ذلك فلم يُوجه الكتاب لهذه الصلات ما تستحقه من اهتمام، فلم يفردوا لها بحثاً قائماً بذاته، وكلّ ما كتب عنها لا يعدو نتفاً متفرقة في ثنايا الحديث عن العلوم الدينية الإسلامية خاصة علم الحديث، والصلات العلمية بين الحجاز و فارس».

وقد دفعته تلك الصلات الثقافية و الاجتماعية المتبادلة بين مكة وجرجان، وأيضاً موقف الكتّاب ؛ لمعالجتها في بحثه ، فأردف قائلاً:

«... مما دفعني لمعالجة هذا الموضوع في هذه الدراسة مستهدفاً إبراز صور تلك الصلات الثقافية و الاجتماعية المتبادلة، ونتائجها المتمثلة في تكوين اُطر ثقافية مكية، وانتشار سريع لعلوم المكيين في جرجان وغيرها من حواضر الثقافة في الشـرق الإسلامي».

ولذلك أفرد المؤلف لبيان ذلك النشاط الثقافي والعلمي والاجتماعي بين مكة المكرمة ومجاوريها من جرجان فصولاً أربعة :

ـ المجاورون الجرجانيون والحياة الثقافية بمكة.

ـ الحجاج الجرجانيون والحياة الثقافية بمكة.

ـ مساهمة علماء جرجان في الحياة الثقافية بمكة من خلال تلاميذهم هناك.

ـ الجرجانيون والحياة الاجتماعية بمكة.

ارتأينا اقتباسها من كتابه الثمين النافع ، ونكتفي بها لمناسبتها لهذه المجلة  «ميقات الحجَ»  واختصاصها ، وما تهدف إليه: خدمة الحرمين الشريفين: مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وما يتعلّق بهما ، وبفريضة الحجّ المباركة من الشؤون الثقافية والتاريخية والسياسية والاجتماعية ..

 أما الفصول الأولى من الكتاب ، والتي تناول فيها المؤلف:

ـ اسم جرجان و موقعها الجغرافي و الفتح الإسلامي لها.

ـ التقسيم الإداري لجرجان في العصر الإسلامي .

ـ عناصر السكان بجرجان في العصر الإسلامي.

ـ مذاهب أهل جرجان و فرقهم الدينية و صفاتهم الأخلاقية و العلمية.

فمع أهميتها التاريخية وفوائدها العلمية والاجتماعية .. ، تركنا ذكرها لا زهداً فيها، بل لما ذكرنا أعلاه، وبسبب المساحة المتاحة إلينا في المجلة وخوف الإطالة في مقالتنا.

 وهي فصول ليست ببعيدة عن القارئ الكريم ولمن أراد زيادة، فالكتاب متوفّر وميسّر بين يديه.

يقول  المؤلف في ملخص البحث :

كان لمكة تاريخ ديني و اقتصادي عريق قبل الإسلام، و رغم فقدانها أهميتها السياسية في عصر الدولة العربية الإسلامية، فإنّ في نفوس المسلمين الذين اعتبروها من أقدس البقاع عندهم ؛ فهي مسقط رأس نبيهم9، و مهد دعوته، و يوجد بها الكعبة المشرفة قبلتهم، و المسجدالحرام مسرى رسولهم الكريم، كما أنها تضمّ داخل حدودها و في أطرافها مشاعر الحج الركن الخامس من أركان الإسلام. فشدوا على اختلاف ألوانهم و مذاهبهم الرحال إليها، ووفدوا عليها من كل فجّ عميق لتأدية فريضة الحج. كما استقطبت مكة المكرمة أعداداً كبيرة من طلاب العلم الذين وفدوا، و استقر بعضهم بها لمجاورة المسجدالحرام. و قد قصد بعض الجرجانيين مكة المكرمة حجاجاً و طلاباً لتأدية الفريضة و الارتشاف من علم شيوخها و العلماء المجاورين بها و الوافدين عليها، فدرسوا في حلقاتهم و أخذوا عنهم مؤلفاتهم، كما ساهم بعضهم ممن جاور بها ـ و كانوا من العلماء المشهورين ببلدهم ـ مساهمة فعالة في الحياة العلمية بها، فتحلق حولهم طلاب العلم هناك، و رووا عنهم، مما ساهم في تشكيل ثقافة بعضهم و  وصولهم إلى منزلة عالية في الفقه الإسلامي. و عند رحيل الجرجانيين عن مكة المكرمة حملوا الكثير من مظاهر الحياة الثقافية بها، مما كان له الأثر الواضح على الحياة العلمية ببلادهم. و جدير بالذكر أنّ بعض الجرجانيين الذين استقروا بمكة قد تزوجوا بها، و  كان لهم هناك أهل و أولاد و أموال، مما ترك بصماته الواضحة على المجتمع المكي وأردف قائلاً : «و قد عالجت هذا الموضوع في هذه الدراسة مستهدفاً إبراز صور تلك الصلات الثقافية و الاجتماعية المتبادلة، و نتائجها المتمثلة في تكوين أطر ثقافية مكية، و انتشار سريع لعلوم المكيين في جرجان و غيرها من حواضر الثقافة في الشرق الإسلامي».

ملاحظة :

لم أجد فرقاً بين  ملخص البحث الذي تصدر البحث والتقديم ، فهما شيء واحد، إلّا هذا المقطع:

ولقد لفت نظري تلك الصلات الثقافية و الاجتماعية المتبادلة بين مكة وجرجان؛ لأنّها أي جرجان كان لها شأن عظيم في التاريخ العلمي الإسلامي، لشهرتها بكثرة النابغين من علمائها و شيوخها و فضلائها، و مع ذلك فلم يُوجه الكتّاب لهذه الصلات ما تستحقه من اهتمام، فلم يفردوا لها بحثاً قائماً بذاته، و كل ما كتب عنها لا يعدو نتفاً متفرقة في ثنايا الحديث عن العلوم الدينية الإسلامية خاصة علم الحديث، و الصلات العلمية بين الحجاز و فارس. مما دفعني لمعالجة هذا الموضوع في هذه الدراسة مستهدفاً إبراز صور تلك الصلات الثقافية و الاجتماعية المتبادلة، و نتائجها المتمثلة في تكوين اُطر ثقافية مكية، و انتشار سريع لعلوم المكيين في جرجان و غيرها من حواضر الثقافة في الشرق الإسلامي. 

وأيضاً هذه العبارة : «و قد عالجت هذا الموضوع في هذه الدراسة ..» أو «مما دفعني لمعالجة هذا الموضوع في هذه الدراسة».

لا أدري فلعلَّ للمؤلف عذراً في هذا التكرار، أو أنَّه وقع اشتباهاً.

الفصول الأربعة المقتبسة :

المجاورون الجرجانيون و الحياة الثقافية بمکة :

المجاورة لغوياً تعني: السکن أو الملاصقة في السکن، و جاور المسجد أي اعتکف به، و يقال جاور المدينة أو مکة، و البناء فيهما تعني: التمتع بجوارهما.[1] و يرجع تاريخ المجاورة بمکة المکرمة في العصر الإسلامي إلی ما ورد في الأثر عن فضل الإقامة بمکة علی جميع البلدان. و قد استحب کثير من العلماء المجاورة بمکة و منهم الشافعي، و أبو يوسف و محمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة، و ابن القاسم صاحب مالك و  غيرهم. لما يحصل فيها من ثواب لا يحصل في غيرها ؛ فالصلاة في الحرم أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه من المساجد، و رواية أهل الحرمين مقدمة علی غيرهم، و أنّ سکانها في ثواب دائم، و قد سماهم الرسول9 (أهل الله)، و اختارهم الله لجواره و ميزهم فضلاً منه بأنواع خاصة من الرحمات، و کره أبو حنيفة المجاورة بمکة، و  فهم ذلك ابن رشد القرطبي: خوف الملل و قلة الاحترام لمداومة الأنس بالمکان، و  خوف ارتکاب ذنب هناك فإنّ المعصية ليست کغيرها و تهيج الشوق بسبب الفراق. و لم يکره ابن حنبل المجاورة بمکة، و قال: إنها فضيلة، و ما يخاف من ذنب فيقابل بما يرجی لمن أحسن من تضعيف الثواب. و يذکر النووي في الإيضاح: أنّ المختار استحباب المجاورة بمکة إلّا لمن يغلب عليه الوقوع في المحذور.[2] و دلّل الفاسي المکي علی استحباب المجاورة بمکة برغبة النبي9 في سکناها لقوله: «والله إنك لخير أرض الله، و أحب أرض الله إلی الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت». أخرجه أصحاب السنن، و صححه جمع منهم الترمذي...[3]

و تجدر الإشارة إلی أنّ الحسن البصري قد صنف رسالة في فضل مکة و السکن فيها، و ذهب إلی أنّ المقام بها سعادة و الخروج منها شقاوة، و دلّل علی ذلك بآيات الذکر الحکيم و أحاديث النبي9 و أقوال الصحابة و کذلك بقصائد الشعراء في فضل مکة و ما خصها الله تعالی من الکرامة و الفضيلة.[4] و رغم فضل المجاورة بمکة...

و قد جاور بمکة المکرمة کثير من الصحابة بعد وفاة النبي9،[5] کما جاور بها بعض التابعين و الخلفاء في العصرين الأموي و العباسي.[6] و کان معظم المجاورين بمکة علی مذهب السنة و الجماعة، کما جاور بها بعض أصحاب المذاهب الأخری لا سيما الزيدية بمکة، فقد کان لهم وجود کبير في الحقبة موضوع الدراسة، و کان هؤلاء المجاورون من العُبّاد و الزّهاد و رجال العلم، و ترکوا آثاراً واضحة علی الحياة الثقافية و الاجتماعية بمکة. و کانت حياة هذا الطراز من المجاورين تبدأ برحلة علمية يجوبون خلالها مراکز الثقافة الإسلامية للقاء علمائها و الأخذ عنهم، ثمّ يأتون مکة لأداء الفريضة و طلب العلم، فيلقون بها عصا الترحال، و يؤثرون الإقامة في جوها الروحي و العلمي لمدة زمنية قد تطول دون تقصّر حسب ظروفهم و تبعاً لراحتهم، بل أنّ معظم هؤلاء المجاورين فضلوا البقاء بمکة علی العودة إلی أوطانهم الأصلية حتی وفاتهم.[7]

  و کان أبو سهل عبد الکريم بن محمد من أوائل علماء جرجان الذين جاوروا بمکة المکرمة. و کان قد خرج من بلده فراراً من الاستمرار في منصب القضاء الذي کان يشغله، و استقر بمکة المکرمة و جاور بها حتی وافته منيته هناك سنة نيف و  سبعين و مئة. و کان القاضي أبو سهل عبد الکريم بن محمد الجرجاني قد تتلمذ علی شيوخ أجلّة نذکر منهم: زهير بن معاوية، و سليمان بن هوذة، و إبراهيم بن يزيد، و سالم الخياط، و الصلت بن دينار، و أبي حنيفة النعمان. کما روی عن الفقيه المحدث عبد العزيز بن جريج القرشي المکي، و کان کما يصفه البخاري: لا يتابع في حديثه.[8] و نستدل من الروايات أنه استقر بمکة المکرمة و جاور بها في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، و قد تتلمذ علی يده بعض طلاب العلم الذين سيصبح لهم شأن عظيم في الفقه الإسلامي في هذه الفترة الزمنية، و نذکر منهم: أبا يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة، و سفيان بن عيينة، و قتيبة بن سعد الخراساني، و ابن إدريس الشافعي.[9] و کان عبد الکريم الجرجاني کما يصفه ابن حبان من خيار الناس، و کان مُرجئاً، و وصفه تلميذه قتيبة بن سعد بقوله: لم أر مُرجئاً خيراً منه![10]

و قد حدث تلاميذ القاضي عبد الکريم الجرجاني برواياته التي سمعوها منه، فالسهمي يذکر أنه سمع عن شيوخ الجرجاني ما رواه قتيبة بن سعد عن معلمه عبد الکريم الجرجاني عن أسانيده وصف الصحابي الجليل سلمان الفارسي رفعة شأن النبي9 و عظم حرمته، و مکانته السامية في نفوس أصحابه و تأدبهم في مخاطبته و التعامل معه.[11] کذلك استفاد تلاميذ الشافعي بمصر و غيرها من البلدان التي انتشر بها المذهب الشافعي و منها جرجان، برواياته التي سمعها عن شيخه عبد الکريم الجرجاني بمکة المکرمة، و احتفظ السهمي ببعض هذه الروايات و تتعلق إحداها بنظرة الرسول9 لبعض الظواهر الطبيعية، مثل: کسوف الشمس، و خسوف القمر، و زوال النجوم عن مطالعها، و تفسيره لها بأنها آيات من آيات الله و أنها لا تحدث بسبب موت أحد العظماء کما کان بعض أصحابه يعتقدون، و کذلك حدثه9 عن الدجالين و منهم الأعور الدجال الذين سيفتنون المسلمين بکذبهم علی الله و رسوله، و تحذيره لأصحابه من تصديقهم.[12]

و کان الحافظ المحدث أبو زرعة أحمد بن حميد الصيدلاني أحد مشاهير علماء جرجان الذين وفدوا مکة المکرمة و أثروا في حرکتها الثقافية تأثيراً کبيراً خاصة في علم الحديث. فقد قضی سنواته حافظاً يعرف علل الحديث، و وافته منيته هناك. و  کان أبو زرعة الصيدلاني يروي عن شيوخ المحدثين في عصره و نذکر منهم: محمد بن الأعلی، و عمرو بن علي، و أبا حفص الفلاس، و صحب المحدث المشهور يحيی بن سعيد القحطان و تتلمذ عليه، فأظهر نبوغاً في علم الحديث لدرجة أنّ شيخه يحيی بن سعيد عهد بابنه سعيد إليه ليفيده من علمه.[13] و لتأکيد مکانة أبي زرعة الصيدلاني العلمية، و بالتالي مدی تأثيره في الحياة الثقافية بالبلاد التي نزل بها و منها مکة المکرمة التي جاور بها و قد بلغ مکانة عالية، أنّ علماء الحديث قد عرفوا قدره و علوّ منزلته و  قوة حفظه و تأثيره في تلاميذه، فأبو عمران إبراهيم بن هانيء الجرجاني الفقيه الشافعي الذي يرتفع نسبه إلی المهلب بن أبي صفرة کان يری الصيدلاني أحفظ من الحافظ أبي زرعة الرازي محدث الري الذي کان يحفظ ست مئة ألف حديث.[14] کما کان أبو عمران موسی بن هارون البزاز الإسترآبادي يأخذ علل الرجال عنه و يدخلها في کتابه.[15]

  و کان أبو عبدالله محمد بن إسحاق الفاکهي المکي (ت272أو279هـ/885أو892م)، أحد أشهر تلاميذه الذين أخذوا عليه بمکة. فقد سمع منه الکثير، و روی عنه اثنتي عشـرة رواية أوردها في کتابه «أخبار مکة»، بعضها بإسناد صحيح، و بعضها الآخر بإسناد حسن، و بقيتها بين إسناد ضعيف . متروك و منقطع. و منها رواية عن نقض بني بکر حلفاء قريش لعهدها مع الرسول9 في الحديبية، فعن عبد الله بن أبي بکر و غيره قالوا: ثمّ إنّ النبي9 أقام بالمدينة، و أقامت قريش علی الوفاء سنة و بعض أخری. ثمّ إنّ بني بکر غدروا علی خزاعة بماء لهم بأسفل مکة، يقال له الوتير، فأصابوا منهم رجالاً.[16] و جدير بالذکر أنّ إعلان قبيلة خزاعة التحالف مع المسلمين علناً دون هيبة قريش، کان أحد النتايج المهمّة لصلح الحديبية. و کانت خزاعة تخفي حقيقة تعاطفها مع المسلمين منذ قيام دولتهم بالمدينة عن قريش حفاظاً علی علاقاتها معها، و قد نقضت قريش الهدنة مع المسلمين عند ما أعانت حلفاءها بني بکر بالخيل و السلاح و الرجال ضد خزاعة، فأوقعوا بها الخسائر بالوتير، و أ‌لجاؤوهم إلی الحرم و قاتلوهم فيه، و بلغ عدد قتلی خزاعة عشرين رجلاً. فاستنصرت خزاعة بالمسلمين، فعوّل الرسول9 علی انتهاز هذه الفرصة للقضاء علی مناوأة قريش، و تحقيق رغبته في فتح مکة و ضمها إلی دولته، فوعد عمرو بن سالم الخزاعي بالمساعدة، و قال: «نصرت يا عمرو». و کان ذلك سبباً مباشراً لفتح مکة.[17]

و روی الفاکهي عن شيخه أبي زرعة الصيدلاني أيضاً أحاديث أخری عن ميلاد عمر بن الخطاب، و نهاية ثورة عبد الله بن الزبير ضد عبد الملك بن مروان، و بعض أخبار المطربين و منهم معبد و الغريض، و بعض أخبار تتعلق بممارسات الحجاج داخل الحرم المکي الشريف.[18]

و يحتفظ السهمي ببعض الروايات التي رواها أبو زرعة الصيدلاني لتلاميذه عن شيخه محمد بن عبد الأعلی، و منها قول أبي هريرة: لاتزال التوبة مقبولة. أو قال: العمل مقبولاً حتی تطلع الشمس من مغربها.[19]

و کان أبو سعيد عبد الرحمن بن سليمان بن موسی بن عدي أحد علماء جرجان الذين نزلوا مکة المکرمة و جاوروا بها، و يصفه السهمي بـ: نزيل مکة.[20] و لا ندري متی جاور هذا العالم الجرجاني بمکة، و لا نعلم مدة مجاورته بها، غير أنه يتضح من لقبه (نزيل مکة)، أنه مکث بها طويلاً. و کان أبو سعيد عبد الرحمن بن سليمان قد تتلمذ علی أيدي کثير من الشيوخ و روی عنهم، و نذکر منهم: أحمد بن سعيد الرازي، و  إسحاق بن إبراهيم البصري الجرجاني، و أحمد بن سلمة بن عمرو الکوفي الجرجاني، و عبد الوهاب بن علي بن عمران الجرجاني. و لا شك أنه قد استفاد من مجاورته بمکة المکرمة و تأثر و أثر إيجابياً في حياتها الثقافية، فيفهم من الروايات أنّ طلاب العلم تحلقوا حوله بمکة ينهلون من علمه، و کان منهم مکيّون و مقيمون و وافدون لأداء الفريضة. و منهم طلاب العلم الجرجانيون أنفسهم، و منهم أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ الجرجاني الذي روی لتلاميذه عند عودته إلی جرجان أحاديث نزيل مکة التي کان يحدث بها طلابه بمکة عن شيوخه، و منها:

رواية شيخه أحمد بن سلمة عن أسانيده عن ابن عباس أنّ النبي9 قال: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها، من أراد العلم فليأتها من قبل بابها»، أخرجه الحاکم في المستدرك علی الصحيحين.[21]

کما روی نزيل مکة عن شيخه عبد الوهاب بن علي بن عمران الجرجاني عن أسانيده عن جابر بن عبد الله الأنصاري حديثاً للرسول9 عن حرمة مکة و ساکنيها و هو: «لا يسکن مکة آکل الربا و لا سافك الدم و لا مشاء بنميمة»، أخرجه الصنعاني في مصنفه.[22] کماروی عن شيخه أحمد بن سعيد عن أسانيده عن المسور بن مخرمة أنّ النبي9 قال: «لاطلاق قبل النکاح»، أخرجه ابن ماجة بإسناد حسن،[23] و قد تتلمذ بعض البغداديين علی نزيل مکة و استفادوا من علمه، ثمّ حدّثوا طلابهم الجرجانيين بما سمعوه منه، فالسهمي يذکر أنّ أبابکر محمد بن أحمد المفيد الجرجرائي (نسبة إلی جرجرايا إحدی القری المشهورة ببغداد)،[24] أخبره إجازة بجرجرايا حديثاً نبوياً سمعه من نزيل مکة عن شيخه أحمد بن سعيد الرازي بإسناده عن الصحابي الجليل عمرو بن عبسة أنّ الرسول9 قال: «من کذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، أخرجه الطبراني في المعجم الکبير بإسناد حسن.[25]

و نستدل من الروايات أنّ أبا عبد الله محمد بن حميد الوراق الجرجاني ساهم في الحياة الثقافية بمکة المکرمة. فقد استقر بها و عمل بالوراقة و هي من المهن وثيقة الصلة بالحياة الثقافية، مما أتاح له فرصة عظيمة للاحتکاك بالعلماء المکيين و المجاورين و الوافدين لأداء الفريضة، فأخذ عنهم ثمّ حدّث بما سمعه منهم بمکة أيضاً، فاستفاد منه طلاب العلم و منهم بعض أهل جرجان القادمين للحج.

و کان الحافظ أبو زرعة محمد بن يوسف بن الجنيد الکشي الجرجاني قد تتلمذ علی أيدي شيوخ عصـره بجرجان، و نذکر منهم: الفقيه الحافظ أبا نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الإسترآبادي و الحافظ موسی بن العباس الأزاذياري(ت324هـ/935م)، و  عبد الله بن محمد بن مسلم و أحمد بن عبد الله بن زکريا الفقيه الجرجاني،[26] و جماعة غيرهم، ثمّ رحل عن جرجان في رحلة علمية جاب فيها مراکز الثقافة الإسلامية في المشـرق، فأخذ عن شيوخ خراسان و نيشابور و سرخس و الري و همدان، و عند ما حل بالعراق کان قد اکتمل تحصيله و مع ذلك فقد أخذ عن شيوخ العراق، ثمّ حدّث ببغداد، و دخل البصـرة في عام 347هـ/984م، و جلس للتدريس في مسجدها الجامع، فأخذ عنه کثير من طلاب العلم من أهلها و من الغرباء الذين وفدوا عليها ليدرسوا علی مشاهيرها، و کان السهمي الجرجاني ممن درس علی أبي زرعة الکشي و  کتب عنه في مسجد البصرة في شعبان سنة 374هـ.

ثمّ ألقی عصا التسيار بمکة و جاور و حدّث بها سنين إلی أن توفي بها في سنة 390هـ/999م. و يفهم من إحدی الروايات أنه کان موجوداً بها في عام 385هـ/995م،[27] مما يدل علی أنه جاور بها في هذا التاريخ أو قبله.

و يذکر الذهبي أنّ أبا زرعة الکشي سمع من شيوخ الحرم عند استقراره بمکة المکرمة و کتب عنهم.[28] و لقد ساهم أبو زرعة الکشي في الحرکة الثقافية بمکة منذ أن استقر بها، و استفاد المکيون و غيرهم من الوافدين عليها لأداء الفريضة من علمه الغزير الذي حصّله في رحلته العلمية الطويلة، فالسهمي يذکر أنه سمع منه في سنة385هـ/990م، بعض الأحاديث النبوية التي رواها عن شيخه أبي محمد عبدالله بن محمد بن الحسن النيشابوري عن أسانيده. و کذلك سمع أبو معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني من أبي زرعة الکشي و کتب عنه بمکة، عند ما کان يؤدي فريضة الحج في عام385هـ/990م.[29]

و کان الحافظ عبد الغني بن سعيد ممن تحلق حول أبي زرعة الکشـي و تتلمذ عليه بمکة. و يذکر الذهبي أنّ عبد الغني بن سعيد سمع من الکشـي رواياته عن شيخه محمد بن عبد الرحمن الدغولي السرخسـي (ت325هـ/936م)، و قد صنف کتاباً في معرفة الصحابة، و منها روايته عن مصادره عن الصحابي الجليل ابن أبي أوفی أنه غزا مع رسول  الله9 سبع غزوات (أو ست عند بعض أصحاب السنن) يأکل معه الجراد.[30] و جدير بالذکر أنّ الإسلام أحل للمسلمين أکل الجراد ؛ و مع ذلك فقد دعا رسول الله9 علی الجراد بالهلاك لإفسادها أرزاق الناس، فعن أنس بن مالك أنّ الرسول9 دعا علی الجراد فقال: «أللهم أهلك  الجراد و خذ بأفواههم عن معاشنا و أرزاقنا إنك سميع الدعاء». أخرجه الترمذي.[31] و من مظاهر تأثر أبي زرعة الکشـي بالحياة الثقافية بمکة المکرمة أنه تبحر في معرفة أنساب القرشيين، و صار عالماً بها مما جعل السهمي يعتمد عليه کمصدر مهم في تاريخه لعلماء جرجان خاصة الذين أدعوا انحدارهم  من أصول قرشية، فعند ما سأله بمکة عن نسب أبي الحسين أحمد بن الحسن الجرجاني، و هل هو من ولد جرير بن عبد الملك المکي؟ نفی ذلك.[32] و لا شك أنّ تخصص أبي زرعة الکشي في علم الأنساب جعل کثيراً من المکيين يرجعون إليه لتأصيل أنسابهم و تأکيدها. و يتضح من الروايات أنّ أبا زرعة الکشي کان علی دراية کبيرة بأقدار العلماء و مکانتهم العلمية، فعند ما سأله السهمي عن المحدث أحمد بن محمد بن رميح النسوي الذي حدث بجرجان، قال: إنه ضعيف.[33]

کذلك جاور أبو القاسم الخيمي عبد الرحمن بن محمد بن الحسين الجرجاني بمکة المکرمة سنين کثيرة و مات بها في سنة405هـ/1014م. و کان قد تلقی العلم علی مشاهير شيوخ بلده و روی عنهم، و منهم: أبو بکر الإسماعيلي و أبو أحمد بن عدي و  أبو بکر الصرامي و غيرهم. و من المرجح أنّ هذا الجرجاني المجاور قد ساهم بفعالية في الحياة الثقافية بمکة لطول إقامته بها، و تکوينه العلمي المتين، و مما لا شك فيه أنه طلب العلم و اشتغل به.[34]

الحجاج الجرجانيون و الحياة الثقافية بمكة.

وفد کثير من أهل جرجان إلی مکة المکرمة لأداء الفريضة و تلقي العلم علی أيدي العلماء الموجودين بها، فأخذوا عن المکيين و عن علماء الأمصار الإسلامية الأخری الذين جاوروا و استقروا بها، و منهم علماء جرجان أنفسهم. و کان أبو عبد الله کرز بن وبرة الحارثي من مشاهير أهل جرجان الذين تأثروا بالحياة الثقافية بمکة المکرمة و أثروا فيها. و کان ينتسب إلی الکوفة، و دخل جرجان غازياً مع يزيد بن المهلب في عام 98هـ/716م فسکنها و استقر بها، و أصبح له بها موال، و شيد مسجداً في طرف سليمان آباد، ظل باقياً إلی بدايات القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي بقرب قبره. و کان کرز بن وبرة الحارثي معروفاً بالزهد و الورع و العبادة و الخوف من الله، حتی إنه کما يذکر تلميذه محمد بن فضيل عن والده لم يرفع رأسه إلی السماء أربعين سنة حياء من ربه.[35] کما اشتهر بکثرة الصلاة...

و قد تردد کرز بن وبرة علی مکة کثيراً و کان يلازم المسجد الحرام و يکثر من الطواف حول الکعبة حتی اشتهر بذلك. و کان يروي عن عبدالله بن عمر بعض أحاديث النبي9، کما تتلمذ علی يد الفقيه المحدث أبي محمد عطاء بن أبي رباح القرشي المکي مولی فهر مفتي أهل مکة في عصره (ت115هـ/733م)،[36] و روی کثيراً عن أبي هريرة کما روی عن کبار الصحابة ومنهم أبو سعيد الخدري و ابن عباس و  غيرهم، و قد استفاد أهل جرجان من العلوم التي حصّلها کرز بن وبرة في مکة. فالروايات تذکر أنّ تلاميذه تحلقوا حوله بجرجان و أخذوا منه الأحاديث النبوية الشريفة التي سمعها بمکة، ثمّ قاموا بدورهم بروايتها لطلابهم في جرجان و في غيرها من البلدان الإسلامية الأخری، و منها سمرقند و بخاری.[37]

و کان الزاهد أبو طيبة عيسی بن سليمان الدارمي الجرجاني (ت153هـ/770م)، أبرز علماء جرجان الذين صحبوا کرز بن وبرة و تتلمذوا عليه. و قد روی عنه کثيراً من الأحاديث النبوية الشريفة التي سمعها من کبار الصحابة و التابعين...[38] و جدير بالذکر أنّ کثيراً من الجرجانيين الذين وفدوا مکة المکرمة لأداء فريضة الحج قد أخذوا عن العلماء الذين استوطنوها و المجاورين حول الحرم.

و مما لا شك فيه أنّ تلاميذ حماد بن زيدك من أهل جرجان قد استفادوا من علمه الذي تلقاه عن شيوخه بمکة و رووه عنه و من أشهرهم: الحافظ عمار بن رجاء الإسترآبادي و کان محدثاً ثقة. و إسحاق بن إبراهيم بن خالد الطلقي المؤذن الإسترآبادي و کان من أهل الرأي الثقة في الحديث.[39]

کذلك وفد عبد الوهاب بن إدريس الجرجاني علی مکة المکرمة، فأدی الفريضة و  تردد علی حلقات العلم هناك، فأخذ عن علمائها و روی عنهم و منهم تمام أو ثمامة. و قد انتشرت روايات تمام بين الجرجانيين الذين أخذوا عن تلاميذ عبد الوهاب بن إدريس.

و کان عبد الوهاب بن علي بن عمران من علماء جرجان الذين وفدوا إلی مکة لأداء الفريضة و تلقي العلم، و يفهم من الروايات أنّ عبد الوهاب بن علي الجرجاني قد تأثر بالحياة العلمية بمکة المکرمة، فقد أخذ عن العلماء الموجودين بها، و منهم: عبد  الله بن الوليد العدني المکي، و أبو الحارث المدني ؛ کما ساهم هذا العالم الجرجاني بشکل غير مباشر في الحياة العلمية بمکة، فقد ساهم في تشکيل ثقافة کثير من العلماء الذين جاوروا بمکة و أثروا في حياتها الثقافية، و منهم: عبد الرحمن بن سليمان الجرجاني نزيل مکة، و روی عنه بعض الجرجانيين و منهم أحمد بن حفص السعدي، و عبدالرحمن بن سليمان الجرجاني، و أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع، و أبو عمران إبراهيم بن هانيء الفقيه الشافعي و غيرهم.[40]

و کان أبو أحمد محمد بن أحمد بن يحيی بن شرين المعروف بالمأمون من أهل جرجان الذين قدموا مکة في الربع الأول من ق3هـ/ق9، و تتلمذ علی أيدي علمائها، و منهم المحدث علي بن الجعد، و الحافظ الثقة أبو زکريا يحيی بن عبد الله بن بکير القرشي المخزومي صاحب مالك بن أنس. وقد استفاد بعض الجرجانيين من العلم الذي حصّله الشريني بمکة و کتبوه عنه ثمّ حدثوا به تلاميذهم بجرجان، فالسهمي يذکر أنه سمع من شيوخه، و منهم أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الصرام، و علي بن محمد بن هارون الواعظ الجرجاني روايات ابن شرين الجرجاني عن علي بن الجعد المکي.[41]

و کان أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن عبدك الوراق العدسي الجرجاني من العلماء الرحالة الذين جابوا الأقطار الإسلامية للقاء علمائها والأخذ عنهم سماعاً أو إجازة، فقد رحل إلی اليمن والتقی المحدث إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدَّبري الملقب بـ «مسند الدين» بصنعاء (ت285هـ/898م)،[42] و نستدل من الروايات أنّ رحلة ابن عبدك العلمية کانت في مطلع شبابه، و أنه عاد بعدها إلی بلده جرجان و حدث بها تلاميذه، ومنهم أحمد بن موسی بن عيسی شيخ السهمي، بما استفاده من خلال هذه الرحلة خاصة سماعه عن الدبري و علي بن عبد العزيز.[43]

و قدم جعفر بن أحمد بن إسماعيل بن شهريل الإسترآبادي(ت322هـ/934م) مکة المکرمة و أخذ عن علمائها و کتب عنهم، و نذکر منهم: سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، و عبد الرحمن بن عبد الله المقريء. و کان جعفر بن شهريل قد تتلمذ علی شيوخ عصره من أهل إسترآباد و جرجان وروی عنهم، و منهم عمار بن رجاء و إسحاق بن إبراهيم الطلقي، و جعفر بن أحمد بن بهرام و غيرهم. و کان ابن عدي الإسترآبادي من رواته.[44] کما تتلمذ الحسن بن حاتم بن سهيل بن حماد الإسترآبادي علی الفقيه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي بمکة و سمع منه.

و کان الفقيه أبو الحسن يوسف بن إسحاق الجرجاني ممن وفد علی مکة المکرمة و  درس علی شيوخها و منهم: عبد الرحمن بن عبد الله المقريء و روی عنه، و کان هذا الفقيه الجرجاني يروي کذلك عن شيوخ بلده، و منهم أبو نعيم ابن عدي الإسترآبادي و جماعة غيره.[45]

و کان الحافظ الحجة أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الإسترآبادي (242ـ323هـ/935م)، الرحال الجوال من مفاخر أهل جرجان الذين نهلوا من علوم أهل الحجاز و استفادوا منها، فالذهبي يذکر أنه کتب بالحرمين. و کان ابن عدي قد تتلمذ علی شيوخ عصره بجرجان و روی عنهم و منهم: إسحاق بن إبراهيم الطلقي، و محمد بن عيسی الدامغاني، و عمار بن رجاء، و تخرج علی أبي زرعة و أبي حاتم. کما روی في رحلته أيضاً عن علماء أهل العراق و مصر و خراسان. [46] و عند ما وفد إلی مکة و جلس إلی أبي القاسم الصوفي عبد السلام بن محمد بن أبي موسی المخزومي شيخ الحرم المجاور بمکة سنين طويلة (توفي بمکة سنة364هـ/974م)، و کان ممن جمع علم الشريعة و الحقيقة و الفتوة و حسن الأخلاق، و روي عنه.[47] و  يتضح من المکانة الرفيعة التي بلغها أبو نعيم الجرجاني في الفقه الإسلامي، قيمة العلم الذي حصّله في الحجاز و البلدان الإسلامية الأخری، فکان من أئمة المسلمين مقدماً في الفقه و الحديث، و من الحفاظ لشرايع الدين مع صدق و تقيظ و ورع، و کان أحفظ فقهاء عصره للفقهيات و أقوال الصحابة.[48]

و قد أدرك طلاب العلم و العلماء مکانة أبي النعيم العلمية، فشدوا الرحال إليه و  قصدوه للاستفادة منه و النهل من فيض علمه، فالسهمي يقول: و کانت الرحلة إليه في أيامه.[49] و يذکر الذهبي أنّ ابن صاعد قد حدث عن ابن عدي مع تقدمه في العلم، کما حدث عنه أيضاً أبو علي الحافظ، و أبو إسحاق المزکي، و أبو بکر الجوزفي،[50] مما يدل علی أنه أصبح أحد شيوخ العلم في عصـره، و أنّ جرجان صارت إحدی مراکز الثقافة الإسلامية. و قد ترك الحافظ ابن عدي الإسترآبادي آثاراً علمية مهمة تتمثل في بعض التصانيف في الفقه، و کتاب الضعفاء في عشرة أجزاء.[51]

و وفد الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، المعرف بابن القطان مکة في صدر شبابه في أواخر القرن الثالث الهجري، و کان قد کتب الحديث في عام 290هـ/902م، عن أحمد بن حفص السعدي و غيره بجرجان قبل أن يرحل في طلب العلم عام 297هـ/909م، فأخذ عن شيوخ العراق والشام ومصر. ويفهم من الروايات أنه سمع بمکة علی شيوخها و المجاورين بها. و منهم عبد الرحمن بن سليمان بن عدي الجرجاني «نزيل مکة».[52] و کان أبو أحمد عبد الله بن عدي حافظاً متقناً لم يکن في زمانه أحد مثله، و کان قد جمع أحاديث مالك بن أنس و الأوزاعي، کما جمع أيضاً أحاديث سفيان الثوري و شعبة و إسماعيل بن أبي خالد و جماعة من المقلين، وصنف کتاباً بعنوان «الانتصار» علی أبواب مختصـر المزني في فروع الشافعية وهو مفقود، و  معجماً عن شيوخه الذين زادوا کما يذکر بنفسه علی ألف شيخ و هو مفقود، کما صنف کتاباً في ضعفاء المحدثين اسمه «الکامل» في ستين جزءاً، أخرج فيه اثنا عشر ألف حديثاً مسنداً، و اثنا عشر ألف مقطوع.[53] و هو کتاب مهم جامع، و قد استهله ابن عدي بالحديث عن عظم و هول و سوء عاقبة الکذب علی رسول الله9، ثمّ ترجم بعد ذلك لأعلام الأئمة الذين استجازوا الکلام في الرجال ذباً عن بيضة الدين و حفظاً من کلّ حاقد لئيم، و صنف ابن عدي کتابه علی حروف المعجم، ليکون أسهل علی مَن طلب رواياتهم. و في ترجمة کلّ راوٍ مترجم حديثاً أو أکثر من غرائبه و مناکيره. و کان ابن عدي يبدأ باسم صاحب الترجمة، ثمّ يذکر کنيته و لقبه و بلده، و بعض أسانيده ثمّ يذکرأقوال الأئمة في الجرح و التعديل و غيرهم مدحاً أو ذمّاً، فلم يحاج في أحکامه. و بين ذلك عند ما قال: فلعل من قبح أمره أو حسنه تحامل عليه أو مال إليه. و لم يعتمد ابن عدي في ذکره لأقوال العلماء نمطاً معيناً فمرة يقدم البخاري و مرة ابن معين. و جدير بالذکر أنّ العلّامة الکوثري ألّف کتاباً خاصاً في نقد کتاب الکامل، سماه «إبداء وجوه التعدي في کامل ابن عدي» لا يزال مخطوطاً.[54]

و يتضح من آثار أبي عبد الله بن عدي الجرجاني العلمية أنه تأثر کثيراً بالعلوم التي حصّلها بمکة و غيرها من البلاد التي درس بها، و أنه يدين بالفضل في تکوينه العلمي المتين إلی هؤلاء العلماء الذين درس عليهم خاصة شيخه نزيل مکة، کذلك أثرت ثقافته العلمية المکية في تلاميذه بجرجان، فاستفادوا من کتابه الکامل علی وجه الخصوص، و کان فيه الکفاية في علم الجرح و التعديل، فالسهمي يذکر أنه سأل الدار قطني أن يصنف کتاباً في الضعفاء فرفض و أرشده إلی کتاب ابن عدي و قال: فيه کفاية لا يزاد عليه.[55]

و قد سمع ابن عدي عن شيخه عبد الرحمن بن سليمان بن عدي بمکة أخباراً مهمة من سيرة النبي9 ثمّ رواها لتلاميذه بجرجان، و نستدل من الروايات أنّ علم ابن عدي قد انتشر بعد وفاته عن طريق تلاميذه في مکة و جرجان، فقد کان أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن الحسين الخيمي المجاور بمکة أحد تلاميذه الذين درسوا عليه و أخذوا منه. و لا شك أنه حدّث بما سمعه منه بمکة أثناء جواره بها.[56]

و کان سعيد بن عثمان من العلماء الجرجانيين الذين ساهموا في الحياة الثقافية بمکة المکرمة، فقد حدّث بها و تتلمذ عليه کثير من طلاب العلم الذين تحلقوا حوله هناك، فأخذ منه عبد الله بن محمد السعدي رواياته عن شيوخه عن عبدالله بن عمر، کما أخبر عنه حفص بن أحمد بن عمران الشيباني عن شيوخه قيام أنس بن مالك بأداء الصلاة کما کان يؤديها الرسول9 و هي صلاة حسنة لم يطول فيها. کذلك استفاد سعيد بن عثمان الجرجاني من العلماء الذين لقيهم بمکة و روی عنهم، و منهم محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الذي أخذ عنه کثيراً. و تتضح قيمة الروايات التي سمعها الفقيه الجرجاني عن ابن أبي فديك عن شيوخه، أنها أصبحت مصدراً مهمّاً لتلميذه ابن أبي الدنيا صاحب کتاب القبور خاصة أنها توضح بجلاء برکة زيارة قبر النبي9 بالمدينة المنورة. و منها رواية أنس بن مالك عن الرسول9 أنه قال: «من زارني بالمدينة محتسباً کنت له شفيعاً و شهيداً يوم القيامة»، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان.[57] و منها أيضاً رواية أحد الأوائل أنه قال: «بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي9 فتلا هذه الآية: (إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،[58] قال: صلی الله عليك يا محمد، حتی يقولها سبعين مرة، ناداه ملك: صلی  الله عليك يا فلان، لم تسقط لك حاجة».[59]

و تذکر الروايات أنّ أبا زرعة أحمد بن محمد بن أحمد بن هارون الإسترآبادي انتقل من بلده إلی مکة المکرمة ليدرس بها. و کان قد روی عن شيوخ بلده، ومنهم أبو نعيم عبد الملك بن عدي و جعفر بن شهريل. و يفهم من رواية السهمي أنه نهل من علوم مکة الکثير، وبعد ما تأهل بها خرج منها علی طريق البصـرة في عام 380هـ/990م، ففقد.[60]

و کان أبو القاسم عبيد الله بن أحمد الجرجاني البزاز من علماء جرجان الذين ساهموا في الحياة الثقافية بمکة، و کان قد أخذ عن الربيع بن سليمان و روی عنه، و  تذکر الروايات أنّ بعض المکيين قد تتلمذوا عليه بمکة و رووا عنه، و منهم يوسف بن أحمد بن يوسف بن الدخيل الصيدلاني المکي (ت388هـ/988م).[61]

وکان الإمام شيخ الإسلام أبوبکر أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن العباس الإسماعيلي الجرجاني (277ـ371ه‍/ 890ـ981م) من أبرز علماء الحديث في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. و کان قد تتلمذ في صغره علی إبراهيم بن هانئ شيخ الشافعية بجرجان، فأظهر نبوغاً کبيراً، کما نهل من الثقافة المکية بطريقة غير مباشرة و هو بعيد في العاشرة من عمرة، فقد سمع من علماء جرجان بين عامي 287ـ289ه‍/ 900ـ902م، رواياتهم عن شيوخهم عن العلماء المکيين وکتبها عنهم،

... وتذکر الروايات أنّ أبابکر الإسماعيلي خرج من جرجان في رحلة علمية إلی نساً يطلب الحديث، فقرأ علي الحسن بن سفيان مسنده و غيره من أمهات الکتب، کما قام برحلة علمية ثانية مع بعض أقاربه إلی بغداد في عام 296ه‍/ 908م، فأخذ عن شيوخها و روی عنهم.[62] و عند عودته تتلمذ علي وجوه علماء الحديث بجرجان،‌ ومنهم عبدالرحمن بن عبد المؤمن بن خالد المهلبي (ت 309/ 921م) وکان صدوقاً ثبتاً يعرف الحديث،[63] کما روی عن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن زهير القرشي (ت316ه‍/ 928م)،[64] وغيرهما. و نستدل من الروايات أنه قدم إلی مکة و نهل من ثقافتها، فقد تحلق حول شيوخها و المجاورين و الوافدين عليها و سمع منهم، فالسهمي يذکر أنه جلس إلی أبي عبدالله محمد بن حميد الوراق الجرجاني بمکة، وأخذ عنه عن أسانيده بعض الأحادث النبوية الشريفة.[65]

وکان أبوبکر الإسماعيلي جيد القراءة غزير العلم والفهم والجلالة، وکان ذا حديث حسن، ووصفه بعض شيوخ بغداد بقولهم: «کان مقدما في جميع المجالس، وکان أذا حضر مجلساً لا يقرأ غيره»، وصنف کتبا کثيرة منها: «الجامع علی جامع الصحيح للبخاري»، وبعض المجموعات والتصانيف الفقهية. وأما کتابه الجامع فليس فيه أحاديث مستقلة زائدة علی البخاري، وإنما تحصل الزيادة في بعض المتون وقد طافت شهرته ومصنفاته الآفاق، وکان علماء مصر والعراق وغيرها يسألون تلاميذه عنها. وکانت الرحلة إليه في عصره، فالسهمي يذکر أنّ طلاب العلم من مختلف الآفاق کانوا يقصدون مجلسه بجرجان. مما يدل علی عظم مکانته العلمية. ولا شك أنه ساهم في نشر العلوم التي حصّلها علی مدار حياته العلمية، ومنها علوم المکيين عندما کان يحدث بها تلاميذه، فالسهمي يذکر أنه سمع منه الأحاديث النبوية الشريفة التي سمعها صغيراً بجرجان، وتلك التي سمعها بمکة علی شيوخه هناك.[66]

وکان الإمام أبو سعد إسماعيل (333ـ396ه‍/944ـ1005م) ابن الإمام أبي بکر أحمد بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلي، من مفاخر علماء جرجان الذين نهلوا من الثقافة المکية. ويُعد هذا الإمام نموذجاً للعالم الموسوعي الذي يسعی إلی توسيع معارفه رغم أستاذيته وألمعيته وتقدمه في العلوم، فقد کان إمام زمانه في الفقه الشافعي وأصول الفقه، وصنف کتاباً کبيراً في أصول الفقه بعنوان «تهذيب النظر»، وکتاباً آخر في الأشربة رد علی الجصاص، کما کان عالماً في العربية والکتابه والشروط والکلام. وقد قدم مکة لأداء الفريضة والأخذ عن علمائها في عام 384ه‍/ 994م، وهو في الخمسين من عمره، فحج في نفس العام، ومکث بمکة وحج ثانية في العام التالي، ثم رجع إلی وطنه في عام 386ه‍/ 996م. وکان يرافقه أولاده الخمسة في هذه الرحلة کما سنری.[67]

و لا شك أن الإمام أبا سعد الإسماعيلي استفاد من فترة وجوده بمکة، فقد ساهم بفعالية في الحرکة الثقافية بها مُتعلماً ومُعلماً، فالروايات تذکر أنه روی عن أبي بکر محمد بن إبراهيم الشافعي، ومحمد بن إسحاق الفاکهي المکي (مسنداً من طريقه)، ودعلج بن أحمد السجزي، والإمام أبي العباس الأصم محمد بن يعقوب بن يونس النيسابوري (ت346ه‍/ 959م) الملقب ب‍ «محدث الشرق»،[68] وکان محدث عصر بلا مدافعة، وغيرهم. وقد تحلق حوله طلاب العلم من المکيين وغيرهم من المقيمين بها والوافدين عليها لأداء الفريضية، فحدثهم في أصول الفقه خاصة الفقه الشافعي، کما حدثهم بما سمعه من علماء مکة. ويتضح من الروايات أنّ الإمام أبا سعد الإسماعيلي ساهم في نشر الثقافة المکية في کثير من البلدان التي زارها عند عودته من رحلة الحج؛ فکان يحدث تلاميذة بما استفاده بمکة، وتخرج علی يده جماعة من الفقهاء من أهل جرجان وطبرستان وغيرهما من البلدان،[69] فالسهمي الذي رافقه في رحلته وحج معه حجته يذکر أنه سمع منه بمکة‌ وبغداد روايته عن الفاکهي عن أسانيده ...

کذلك کان أخوه الفقيه الشافعي أبو نصر محمد بن الإمام أبي بکر الإسماعيلي (ت405ه‍/ 1014م) من مشاهير علماء الحديث الجرجانيين الذين استفادوا من علوم المکيين. ومن المرجح أنه نهل منها منذ صغره عن طريق سماعه من والده، ومن شيخه الحافظ أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن محمد البحري الجرجاني (ت 337ه‍/ 949م)، فالسهمي يذکر أن أبانصر الإسماعيلي کتب عن شيخه أبي يعقوب البحري الحديث الکثير.[70] و کان أبو يعقوب البحري يروي لتلاميذه الجرجانيين أحاديث الرسول9 بروايات شيوخه بأسانيدهم عن کبار الصحابة... کما کان يُملي ما سمعه من شيوخه بأسانيدهم عن بعض العلماء المکيين...

وکان أبونصر الإسماعيلي قد تتلمذ على يد عدد من شيوخ الحديث الجرجانيين والعلماء الوافدين عليها، وکتب و روى عنهم، ونذکر منهم: أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم (مُحدث الشرق) وکتب عنه الحديث الکثير، وأبا العباس أحمد بن عبدالله بن عتاب الجرجاني، وأبا القاسم عبدالله بن إبراهيم بن يوسف الآبندوني الجرجاني الزاهد وکان ثقة مأموناً فيما يرويه، وأبا علي الحسن بن يعقوب بن إسماعيل السجزي نزيل جرجان وکان مدافعاً عن الدين والسنة، وأبا الحسن علي بن الفضل الفقيه البغدادي المعروف بالخيوطي، وأبا الحسن علي بن محمد بن عبدالله بن يوسف المقدسي.[71] ويتضح من الروايات أنه لم يکتف بما حصّله من العلوم على يد العلماء بجرجان،‌بل خرج منها في رحلة‌ علمية طالباً المزيد من علوم الحديث على يد شيوخه في مراکز الثقافة‌ الإسلامية في المشرق،‌ فشّد الرحال إلى العراق، ‌والري‌، وهمدان،‌ وکتب عن علماء الحديث هناك، ثم وفد إلى مکة‌ فأدي الفريضة‌، و تحلق حول شيوخها والعلماء الوافدين عليها والمجاورين بها، فأخذ منهم وکتب الحديث عنهم.[72] وهکذا ساهمت الثقافة‌ المکية ‌في تکوينه العلمي المتين،‌ مما سيترك أثراً واضحاً فيما وصل إليه من مکانة علمية رفيعة. فالسهمي يصفه بأنه کان يعرف الحديث ويدري، وکان له جاه عظيم وقبول عند الخواص والعوام في کثير من البلدان الإسلامية التي حلّ بها. ولقد صنف أبو نصر الإسماعيلي کتاباً فيماً في الحديث بعنوان «العقد» تحلى به.[73] ولا شك أنه اعتمد في تأليفه على أصوله التي جمعها ببلده وبالبلدان الأخرى التي تعلّم فيها ومنها مکة.

ونستدل على ارتفاع مکانة أبي نصر الإسماعيلي العلمية وعظمها، بل واعترف أئمة الحديث في عصره بها وإجازتهم له، أنه ترأس في حياة والده الإمام أبي بکر الإسماعيلي وبعد وفاته؛ فقد عقد مجلساً للإملاء في مسجد الصفارين بجرجان يوم السبت من کل أسبوع منذ عام 366ه‍/ 976م، وحتى وفاته في سنة 405ه‍/ 1014م. وقد تحلق حوله في هذا المجلس کثير من طلاب العلم الجرجانيين والوافدين، وکان السهمي من أبرز تلاميذه الذين سمعوا منه وکتبوا عنه، وقد احتفظ بسماعه منه واعتمد عليه کثيراً في کتابه تاريخ جرجان.[74] ولا شك أنه حدّث تلاميذه برواياته التي حصّلها في حياته العلمية، و منها رواياته التي سمعها بمکة من شيوخه بإسنادهم عن بعض العلماء المکيين، فساهم بذلك في نشر ثقافة المکيين بينهم.

وکان الجرجانيون حريصين على تعليم أبنائهم واصطحابهم إلى مجالس العلم، وقد حرص بعضهم على أن يرافقوهم في رحلاتهم العلمية لتحصيل العلم على شيوخ الأمصار الإسلامية. وکان بنو الإسماعيلي من أشهر بيوت العلم بجرجان، وقد حرص بعض أفراد هذا البيت على تخريج أولادهم في العلوم تخريجاً حسناً، فکانوا يصطحبونهم في رحلاتهم العلمية لمقابلة العلماء والتتلمذ على أيديهم. فالسهمي يذکر أنّ الإمام أبا سعد إسماعيل بن أبي بکر الإسماعيلي قد حمل أولاده الخمسة، وهم: أبومعمر المفضل،[75] وأبو الحسن مبشر،[76] وأبوالفضل مسعدة،[77] وأبو سعيد سعد،[78] وأبوالعلا السري،[79] إلى مکة لأداء الفريضة في عام 384ه‍/ 994م، وبقي هؤلاء الأولاد مع والدهم هناك إلى أن حجوا ثانية في عام 385ه‍/ 995م، ثم رجعوا معه إلى جرجان في عام 386ه‍/ 996م.[80]

وقد نهل هؤلاء الأبناء من الثقافة الإسلامية خلال وجودهم بمکة المکرمة، فتحلقوا حول علمائها والمجاورين بها والقادمين لأداء الفريضة، وسمعوا من يوسف بن الفضيل وأبي زرعة الکشي الجرجاني وجماعة غيرهم، وکتبوا عنهم، وکان جدهم الإمام أبو بکر الإسماعيلي و والدهم الإمام أبو سعد قد اهتما بتعليمهم وتخريجهم تخريجاً حسناً منذ صغرهم، فيفهم من الروايات أنّ الإمام أبا بکر الإسماعيلي قد خص أبا العلا السرى بسماع تفسير شبل في عام 368ه‍/ 978م، وهو بعد في الثامنة من عمره، کما حدثه هو وأخاه أبا معمر المفضل بأحادث محمد بن عثمان بن أبي شيبة صاحب المصنف (ت 235ه‍/ 849م). ويذکر السهمي أنّ أبا معمر المفضل قد روى عن جدّه الکتب الکثيرة، وسمع منه کتابه الجامع على جامع الصحيح للبخاري وغيره من المجموعات والتصانيف والأمالي. ويبدو أنه أظهر نبوغاً کبيراً في ذلك مما جعل جده يثني عليه ويقرظه، فقال عنه إنه: «له سبع سنين يحفظ القرآن ويعلم الفرائض وأصاب في مسألة أخطأ فيها بعض قضاتنا».[81] کذلك ضبط لهم والدهم الإمام أبوسعد سماعهم، ثم حملهم معه في رحلة علمية في عام 384ه‍ / 994م إلى بغداد، فسمعوا على مشاهير علمائها ومنهم أبو الحسن الدار قطني، سمعوا منه أکثر کتبه ومصنفاته، کما سمعوا من أبي حفص بن شاهين وأبي الحسن الختلي، وأبي حفص الکتاني، وعبيدالله بن حباجة وغيرهم، کما رحلوا أيضاً إلى الکوفة والري وهمدان، والمدينة المنورة وسمعوا من علمائها. وکانوا قد تتلمذوا أيضاً على أيدي شيوخ جرجان، ومنهم الإمام الحافظ أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي الجهم (ت 377ه‍ / 987م)،[82] وأبويعقوب بن إبراهيم السهمي، وعمهم أبو نصر محمد بن أبي بکر الإسماعيلي وغيرهم من الغرباء.[83]

وقد أفاد أبناء الإمام أبي سعد الإسماعيلي تلاميذهم الجرجانيين بما درسوه في مکة وغيرها من مراکز الثقافة الإسلامية، فعند عودة أبي العلاء السري من رحلته العلمية جلس لتدريس الفقه والفرائض وتخرج على يده جماعة، کما آلت إليه هو وأخيه أبي معمر المفضل رئاسة الفتيا بعد وفاة والدهم،[84] ويصفهم السهمي بقوله: إنّ أبامعمر قد صار إماماً مقدماً في العلوم، أما أبو العلاء، فإنه کان عالماً في الفقه والأدب.[85] وتجدر الإشاره إلى أنّ بقية أخواتهما أبا سعيد سعد وأبا الفضل مسعدة وأبا الحسن مبشر قد سمعوا من جميع العلماء الذين سمعا منهما خلال رحلتهم العلمية.[86]

وکان المحدث أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن موسي بن إبراهيم السهمي القرشي من علماء جرجان الذين ساهموا بفعالية ـ تأثراً و تأثيراً ـ في الحياة الثقافية بمکة. فقد قدمها کما يذکر ابنه حمزة السهمي صاحب تاريخ جرجان وحدّث بها، وکان قد حدّت بغيرها من المدن الإسلامية التي زارها، ومنها بغداد والکوفة والري وهمدان بالإضافة إلى بلده جرجان.[87] ويتضح عمق مساهمة هذا المحدث في الحياة الثقافية بمکة إذا علمنا متانة تکوينه العلمي وأصالة مصادر معرفته، فقد درس على شيوخ عصره بجرجان، و روى عنهم، ومنهم: أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي، وعبدالله بن محمد بن مسلم، وموسى بن العباس، وعلي بن محمد بن حاتم وعلي بن مهرويه. وکان المحدث أبو يعقوب يوسف السهمي معلماً لولده أبي حمزة، فقد سمع منه رواياته عن شيوخه الجرجانيين عن فقهاء مکة... کذلك کان أبو يعقوب يوسف مصدراً لابنه أبي حمزة حيث نقل عنه أسانيده عن سعيد بن المسيب...

وکان حمزة بن يوسف السهمي القرشي من علماء جرجان الذين تأثروا بعمق بالحياة الثقافية بمکة. ويتضح من الروايات أنه تأثر بهذه الثقافة عن طريقين أولهما: السماع المباشر من العلماء المسلمين الذين نهلوا من علوم المکيين، ومنهم شيوخه الجرجانيين وغيرهم من علماء الأمصار الإسلامية الأخرى الذين أخذ منهم خلال رحلته العلمية. وثانيهما: الاتصال المباشر بعلماء مکة والمجاورين بها والزائرين لها ومنهم جرجانيون، والسماع منهم عندما کان يؤدي فريضة الحج. وکان أول سماع حمزة السهمي للحديث بجرجان في عام 354ه‍/ 965م في وقت کانت جرجان عامرة بکبار الحفاظ الذين تأثروا بالثقافة المکية ومنهم أبو عبدالله بن عدي وأبوبکر الإسماعيلي، والحافظ المتقن الإمام أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي (ت 377ه‍/ 987م)، وغيرهم، فاغتنم والده ذلك و بکّر في السماع، فأرسله إلى مجالس العلم، فکان يفهم و يضبط ما يسمع، ثم خرج في رحلته العلمية سنة 368ه‍/ 978م، فدخل أصبهان والري ونيسابور وغزنة وغيرها من بلاد خراسان والأهواز، ودخل العراق، فسمع بالبصرة والکوفة وبغداد، کما سمع بالشام على شيوخ الرقة ودمشق وعسقلان وتنيس، کذلك زار مصر والحجاز فسمع بمکة وشيوخه کثيرين جداً صنف في تراجمهم کتاباً خاصاً هو معجم شيوخه. وکان حمزة واسع العلم کثير الرواية، وقد لازم أبا عبدالله بن عبدي وأبا بکر الإسماعيلي وسمع منهما مصنفاتهما.[88] وهذا البحث يمتلئ بنماذج لرواياته عن شيوخه بجرجان وخراسان والعراق والشام ومصر ومکة فلا داعي لتکرارها هنا.

وقد صنف حمزة السهمي تصانيف جليلة والمعروف منها تاريخ جرجان، ومعجم شيوخه، وکتاب الأربعين في فضائل العباس عمّ النبي9،[89] وسؤالاته للدارقطني في الجرح والتعديل هو کتاب مشهور. ولم يقتصر تأثير حمزة السهمي الجرجاني في الحياة الثفافية بمکة على فترة وجوده بها فحسب، بل امتد هذا التأثير لعصور تالية، فقد ظلت بعض مؤلفاته مصدراً هاماً من مصادر المعرفة لعلماء مکة حتى القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، فالفاسي المکي يذکر أنّ أبابکر بن عمر بن شهاب الهمداني نزيل مکة وشيخ الصوفية بالحرم المکي الشـريف (ت647ه‍/ 1249م) سمع من شيخه أبي الفرج يحيى بن ياقوت البغدادي شيخ الحرم کتاب فضائل العباس لحمزة السهمي، ثم حدّث به طلابه الذين کانوا يتحلقون حوله برباط خاتون بالمسجد الحرام،[90] وکان الحافظ شرف الدين الدمياطي أحد الذين سمعوا هذا الکتاب على شيخه ابن شهاب الهمداني، کذلك سمعه منه المحدث تقي الدين عبدالله بن عبدالعزيز المهدوي، و أورد حديثاً منه (أي من کتاب فضائل العباس) في کتابه «مجتبي الأزهار في ذکر مَنْ لقيناه من علماء الأمصار».[91]

وتحتفظ المصادر بتراجم بعض الجرجانيين الذين قدموا مکة لأداء الفريضة ثم رحلوا عنها، دون أن تشير إلى مساهماتهم في الحياة الثقافية بها. ورغم عدم وجود إشارات تدل على تأثرهم بالحياة العلمية بمکة، فإننا نرجح أنهم لم يترکوا مثل غيرهم من الحجاج هذه الفرصة لکي ينهلوا من علوم المکيين في هذا الموسم الديني الثقافي. يؤيد هذا التخريج أنهم کانوا من العلماء، ثم أنهم واصلوا رحلاتهم العملية بعد رحيلهم عن مکة، فقصدوا بلداناً أخرى للقاء علمائها والأخذ عنهم قبل عودتهم إلى جرجان. ومن هؤلاء الجرجانيين أبو عمرو إسماعيل الجوزفلقي المقرئ تلميذ أبي نعيم الإسترآبادي (وروي عنه في صحيح البخاري) الذي قدم مکة للحج، ثم رحل إلى مصر والشام وکتب بها الحديث.[92] ومنهم أيضاً الفقيه إبوالقاسم الخليل بن محمد بن عبد الرحمن من قرية وسسکن قرب جرجان، وکان قد تتلمذ على شيوخ بلده وروى عنهم، ونذکر منهم: والده، ومحمد بن حمدان الجرجاني، والحافظ ابن عدي الإسترآبادي وغيرهم. وخرج إلى مکة لأداء الفريضة ثم رحل إلى العراق ولکن المنية وافته في البادية سنة 405ه‍/ 1015م،[93] ويذکر الخطيب البغدادي نقلاً عن أحمد بن محمد العتيقي أنّ أبا العباس أحمد بن محمد بن محمد بن جعفر الجرجاني قدم بغداد في طريقه إلى الحج في عام 383ه‍/ 993م، وروى بها عن بعض شيوخها، ومنهم عبدالله ابن إبراهيم الأبندوني، و نعيم بن أبي نعيم الذي سمع منه عن أسانيده... ولا شك أن هذا الفقيه الجرجاني قد ساهم في الحرکة العلمية بمکة خلال موسم الحج، فأخذ عن علمائها، وحدّث طلاب العلم هناك بما سمعه من شيوخه البغداديين.[94]

ومنهم أيضاً الفقيه أبو عبدالله محمد بن علويه بن الحسين الرزاز الجرجاني، وکان قد روى عن جماعة من شيوخ العراق والشام ومصر والحجاز ولقد ساهم ابن علوية في تشکيل ثفافة الجرجانيين وأفادهم بعلمه الذي حصّله على شيوخه ومنهم الحجازيون، فقد تتلمذ عليه بعض العلماء الجرجانيين الذين سيصبح لهم مکانة عالية في الفقه الإسلامي ونذکر منهم: أبا بکر الإسماعيلي وابن عدي الإسترآبادي، وإسماعيل بن سعيد وجماعة. وقد حدّث أبو بکر الإسماعيلي عنه ما رواه أبو شيبة إبراهيم بن عبدالله بن أبي شيبة عن أسانيده...

ومنهم أيضاً الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن دلان الجرجاني، وکان قد تغرب کثيراً في طلب العلم، فرحل إلى مصر في سنة 353ه‍/ 964م، وأخذ عن علمائها ومنهم أبو العباس عتبة الرازي، کما تردد على العراق عدة مرات وتتلمذ على شيوخه، کذلك شدّ الرحال إلى اليمين في عام 367ه‍/ 977م وقصد أبا عبدالله النقوي ليسمع منه، واختتم رحلاته العلمية بزيارة مکة المکرمة حاجاً في عام 368ه‍/ 978م.[95] ومن المرجح أنه ساهم في الحياة العلمية بمکة، فقد رأيناه يجوب الأقطار لينهل من العلم على أيدي شيوخها، وما أکثر العلماء المسلمين بمکة خاصة في موسم الحج. ولا شك أنه أخذ عنهم، وسمعوا منه. ومما يؤيد تخريجنا هذا أنّ السهمي (وکان قد سمع منه بجرجان رواياته عن شيوخه) قد رآه في مکة في موسم الحج عام 368ه‍/ 978م.[96] فلاشك أنه واصل السماع عليه والأخذ منه لاسيما ما حصّله من علم في رحلته الأخيرة إلى اليمن قبل أن يحضر إلى مکة لأداء مناسك الحج.

کذلك تأثر الجرجانيون المقيمون بالبلدان الإسلامية الأخرى بالحياة الثقافية بمکة المکرمة وأثروا فيها. فالروايات تذکر أنّ أبا عبدالله الحسين بن عبدالله بن الحسين الجرجاني (ت390ه‍/ 999م) المقيم في بعض قرى اليمن، کان يحج سنوياً حتى بلغ عدد حجاته خمسين حجة. ولا شك أنه أخذ عن کثير من علماء مکة والمجاورين بها طوال هذه السنين وروى عنهم، ومنهم الإمام الحافظ الثقة الزاهد أبو سعيد أحمد بن زياد بن الأعرابي البصري فقيه مکة محدث الحرم المجاور به (ت341ه‍/ 952م)، وکان من کبار المحدثين.[97] فقد تحلق حوله ونهل من فيض علمه، وکان مستمليه.[98]

ويتضح من الروايات أن هذا الفقيه الجرجاني قد حدّث بما استفاده من علم ابن الاعرابي بمکة المکرمة، وأنّ کثيراً من الجرجانيين نهلوا من هذا العلم ونشـروه ببلدهم، فالسهمي يذکر أنه أخذ عنه في المسجد الحرام عام 387ه‍ / 997م روايته عن ابن الأعرابي عن أسانيده عن عبدالله بن مسعود حديث النبي9 «نضّر الله امرأ سمع منا حديثاً فبلغه، فرب مُبلغ أحفظ من سامع»، حديث صحيح أخرجه ابن ماجة.[99]

ولم تقتصر مساهمة الجرجانيين في الحياة الثفافية بمکة على العلوم الدينية فحسب، بل کان لهم دور بارز في ميادين التاريخ و الأنساب. و من مظاهر مساهمة المؤرخين الجرجانيين في الحياة الثقافية بمکة، اهتمامهم الکبير بالمکيين وأنسابهم وتحريهم الدقة في أثباتها وتوثيقها. وکان القاضي أبو الحسن علي بن عبدالعزيز المؤرخ الجرجاني مصدراً هاماً لغيره من المؤرخين، ومنهم ابن عبدالبر القرطبي الأندلسي فيما يتعلق بأنساب المکيين فهو ينقل عن مصنف الجرجاني ... و قد أثنى ابن عبدالبر على مصداقية النسّابة الجرجاني، وقرظ تصحيحه لرواية الزبير و مصعب صاحب نسب قريش.[100]

مساهمة علماء جرجان في الحياة الثقافية بمکة من خلال تلاميذهم هناك

ولم تکن مساهمة العلماء الجرجانيين في الحياة الثفافية بمکة بشکل مباشر عن طريق وجودهم بها فحسب، بل ساهموا فيها أيضاً بشکل غير مباشر من خلال تلاميذهم من الأقطار الإسلامية الأخرى الذين وفدوا على مکة وحدّثوا بها بما سمعوه من شيوخهم الجرجانيين، فالرواية تذکر أنّ أبا عبدالله عبدالحميد بن عصام الجرجاني وکان محدثاً ثقة فيما يرويه، قد نزل همدان في عام 254ه‍/ 868م، وحدّث بها، وأنّ بعض الهمدانيين تحلقوا حوله وأخذوا منه، ونذکر منهم: أحمد بن محمد بن أويس المقرئ. ويذکر السهمي أنّ تلاميذ عبد الحميد بن عصام الهمدانيين قد نشروا علمه بمکة وحدثوا برواياته هناك، فأخذها عنهم طلاب العلم المکيون والوافدون عليها ومنهم محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني...[101]

وجدير بالذکر أنّ هؤلاء الهمدانيين قد حدّثوا تلاميذهم الجرجانيين عند نزولهم همدان بروايات شيخهم عبد الحميد بن عصام.

الجرجانيون و الحياة الاجتماعية بمکة :

لم تقتصر مساهمة الجرجانيين الذين قدموا إلى مکة حجاجاً وطلاب علم في حياتها الثقافية فحسب، بل تفاعلوا أيضاً في حياتها الاجتماعية ولم يکونوا بمعزل عنها. ورغم قلة المعلومات المتوفرة في المصادر المتاحة بين أيدينا حول هذا الموضوع، غير أننا استنطقنا هذا النذر اليسير منها لنضع تصوراً حول طبيعة هذا التفاعل.

کان أهل جرجان ـ کما سبق أن ذکرنا ـ من أهل الأخلاق المحمودة والمروءات، کما کانوا موصوفين بالوقار والستر، واشتهر عنهم شغفهم بالعلوم والآداب وبذل الأموال الکثيرة في تحصيلها ببلادهم وشدّ الرحال في طلبها خارجها. مما يعني ارتفاع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لکثير ممن وفد منهم إلى مکة. فالفقيه سعيد بن عبد الواسع الدارمي الذي اصطحب ابنه عبد الواسع بن سعيد إلى مکة لأداء فريضة الحج في سنة نيف و مائتين للهجزة، کان من أثرياء جرجان. فقد ورث عن جده أبي طيبة عيسي بن سليمان الدارمي نعمة ظاهرة من الضياع والعقار،[102] کذلك کان الإمام أبو سعد الإسماعيلي بن الإمام أبي بکر الإسماعيلي الذي وفد مکة لأداء الفريضه و طلب العلم في عام 384ه‍ / 994م، من أثرياء جرجان، إذ کان لديه أموال کثيرة وضياع وعقار وتجارة واسعة.[103] ولقد کان بعض علماء جرجان الذين زاروا مکة من التجار مثل أبي القاسم عبيد الله بن أحمد البزاز،[104] ولا شك أنهم حملوا معهم بعض سلعهم لينفقوا من ريعها خلال إقامتهم هناك. ويؤکد هذا التخريج شهرة محاصيل جرجان ومنتجاتها التي کانت تحمل إلى سائر البلاد ومنها: العنّاب الجيّد والنِشاب والظروف والأطباق الخشبية خاصة المصنوعة من خشب الخَلنج، وشهرتها کذلك في صناعة‌ ثياب الأبريسم الحريرية،[105] والمقانع القزّيات وأکسية الديباج التي کانت تُحمل إلى جميع الآفاق لاسيما اليمن ومکة.[106] ويذکر المقدسي أنه رأى‌ الأکسية الجرجانية والطبرستانية تباع بمکة بمبالغ مالية کبيرة.[107] وهذا يدل على جوْدتها، والأرباح الکبيرة التي کان يجنيها تجاز البز الجرجانيون.

ونستدل من الروايات أنّ بعض الحاج الجرجانيين کانوا يحملون معهم بعض الأطعمة لاسيما التي کانت تشتهر بها جرجان، ليقتاتوا بها في طريقهم وفي أثناء إقامتهم بالحجاز، وکان بعضهم لاسيما التعجلين يعودون بفضلة طعامهم زاداً لطريق عودتهم. فالمقدسي يذکر أنّ الجرجانيين خاصة أهل بيار قد اشتهروا بصنع نوع من المعجنات يسمي آشروسنة (وکان يُصنع من الدقيق والسمن ويؤکل رطباً) عجيب لا ترى مثله في الدنيا،‌ وأنه ( المقدسي) رأى بعض أهل جرجان يحملون منها إلى مکة، ثم ردوه معهم إلى جرجان ولم يتغير طعمه.[108] ومن المرجح أنهم حملوا معهم أيضاً کميات کبيرة من التين والزيتون والبلح، حيث کانت جرجان تشتهر بکثرة نخيلها ووفرة محصوله.[109]

کما کان بعض المجاورين الجرجانيين بمکة من المستورين؛ فرغم انشغالهم بحياة الزهد والانقطاع للعبادة والاشتغال بالعلم، إلّا أنهم قد امتهنوا بعض المهن ليقتاتوا منها ولا يصبحون عالة على المجتمع المکي، ونذکر منهم: أبا عبدالله محمد بن حميد الوراق الذي عمل بالوراقة بمکة.[110]

ولا شك أنّ أثرياء الحجاج وطلاب العلم الجرجانيين أنعشوا المجتمع المکي من الناحية الاقتصادية، بما أنفقوه من نفقات کبيرة على مأکلهم ومسکنهم الذي يتناسب مع مکانتهم الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما أنّ بعضهم قد اصطحبوا أسرهم معهم لأداء الفريضة وطلب العلم.

ولم يتقصر تفاعل بعض أثرياء جرجان بالمجتمع المکي خلال وجودهم هناك على النفقات الکبيرة لمعيشتهم فحسب، بل کان بعضهم يتصدق على المحاويج والفقراء بالطعام والأموال تقرباً إلى الله، کما کانت دورهم هناك عامرة بإخوانهم الجرجانيين الذين رافقوهم في رحلة الحج وغيرهم من العلماء الوافدين والمکيين. ونستدل على ذلك من وصف السهمي لأخلاق الإمام أبي سعد الإسماعيلي، فکان فيه من الخصال المحمودة التي لا تُحصى کحسن الخلق وطلاقة الوجه والسخاء في الإطعام وبذل المال، کما يذکر السهمي الذي رافقه في رحلة الحج أيضا أنه (أي الإمام) لم يتغير عن خلقه الحميد، وأنه کان معظماً مبجلاً بمکة وفي جميع البلدان التي مرّ عليها في طريق عودته إلى بلده سنة 386ه‍/ 996م.[111]

ومع ذلك فالأمر لا يخلو من وجود بعض الجرجانيين الذين کانوا عالة على المجتمع المکي، لاسيما الحجاج الفقراء والمجاورين من الزهاد والعُباد. وتجدر الإشارة إلى أنّ جرجان کانت تشتهر بکثرة الصوفية الذين کانوا يعرفون
بالفقراء.[112] ومما يؤيد تخريجنا بوجود عدد من الجرجانيين الفقراء وغير القادرين بمکة، أنّ أحوال أهل جرجان الاقتصادية والاجتماعية قد تبدلت وتغيرت لاسيما في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، بسبب هلاك أرزاقهم لمصادرة بعض الحکام لأملاکهم،‌ وانعدام الأمن الذي مکّن جند الترك وقطّاع الطرق من الإغارة عليهم وسلب بضائعهم وسلعهم.[113] وقد انصرف هؤلاء عن الکسب والعمل لينقطعوا للعبادة، فشاع بينهم الفقر والعوز، وعاش معظمهم على الصدقات والأُعطيات التي کانت تأتيهم من الحجاج الأثرياء وأبناء‌ البيوتات الأسلامية الحاکمة خاصة في مواسم الحج. فالروايات تذکر أنّ أبا بکر محمد بن علي الماذرائي (ت345ه‍/956م)، کان يحمل معه إلى الحجاز ـ وکان کثير التردد عليه لأداء الفريضة ـ مبالغ مالية کبيرة وکميات ضخمة من الطعام والحبوب والحلوى والثياب ليوزعها هناك، وکان لا ينصرف عن الحجاز کما يقول ابن سعيد المغربي إلّا وجميع منْ فيه مستورون.[114] و عندما أدت جميلة بنت ناصر الدولة فريضة الحج في عام 366ه‍/977م، أنفقت أموالاً طائلة في مجاوري مکة، وأمرت بکسوتهم جيمعاً تقرباً إلى الله تعالى وابتغاء مرضاته.[115]

ومن المرجح أنّ الجرجانيين المجاورين في مکة من الزُهّاد والعُبّاد والمشتغلين بالعلم هناك، قد استفادوا مثل غيرهم من المجاورين من النفقات العامة‌ للدولة العباسية، فابن فهد يذکر أنّ علي بن عيسي بن الجراح الوزير في أيام الخليفة المقتدر بالله العباسي رتب منذ عام 306ه‍ /920ق، بأن يُحمل إلى الحرمين الشريفين والمجاورين بهما وأرباب الوظائف بمکة والمدينة في کلّ عام 300 ألف دينار.[116] ونستدل من أحدى الروايات أنّ المجاورين بمکة کانوا يستفيدون أيضاً من کميات الورق والأدوات الکتابية الضخمة التي کانت توفرها لهم الحکومة.[117]

ورغم عدم وجود أدلة على أماکن إقامة الحجاج و المجاورين الجرجانيين الفقراء، والصوفية في مکة. غير أننا نرجح أن بعضهم لم يستطع کراء منازل أو رباع لإقامتهم هناك، وأنهم أصبحوا بلا مأوى. ولعلّهم أقاموا في الأربطة التي أقامها أهل الخير وأوقفوها لسکنى الحجاج الفقراء والمجاورين الذين لا يجدون مأوى لهم في مکة. ويدهم هذا التخريج أنّ زهاد جرجان ومتصوفيها قد اعتادوا سکنى الأربطة ببلدهم والإقامة فيها مثل رباط دهستان.[118] ومن الأربطة بمکة في الفترة موضوع الدراسة رباط السدرة و کان في الأساس دار القوارير التي شيدها حماد البربري للخليفة هارون الرشيد (170ـ193ه‍/ 786ـ809م)،[119] ويقع هذا الرباط بالجانب الشرقي من المسجد الحرام على يسار الداخل إلى المسجد من باب بني شيبة، وکان هذا الرباط موقوفاً کما يذکر الإمام الفاسي منذ عام 400ه‍/1010م.[120]

وجدير بالذکر أنّ أهل جرجان کانوا يشتهرون بالحذق والبراعة في عمل الطوب النيئ (الطين) والبناء به، «حتى لا ترى رئيساً ولا عالماً إلّا وله فيه حذق، بعضهم يبني خُصاً أو يرفع حائطاً، لهم هندسة وفطنة في عمل البناء من غير تعلُم».[121] ولعلّ هذا يدفعنا إلى ترجيح قيام بعض الصوفية والزهاد الجرجانيين بمکة ممن لا مأوى لهم، ببناء أکواخ من الطين وعُرش (هي بيوت من عيدان منصوبة ويُظلل عليها) في الأودية والشعاب لإقامتهم وعبادتهم.

وکان للجرجانيين مثل غيرهم من المسلمين الذين استقروا بمکة وجاوروا بها، تأثير في حياتها الاجتماعية من خلال ظاهرة التزاوج بينهم وبين المکيات، حيث ترکت هذه الظاهرة بصماتها الواضحة على المجتمع المکي. وجدير بالذکر أنه قد وردت في المصادر أقوال عن بعض الصحابة في الترغيب في نکاح نساء اهل مکة، ولما کنّ يتمتعن به من خصال حسنة وأخلاق حميدة. ولعلّ هذا الترغيب في نکاح المکيات کان وراء إقدام الغرباء على الاقتران بهنّ، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى التي تتعلق بطول فترة إقامتهم بمکة، والرغبة في تحصين فروجهم. وتحتفظ المصادر بأمثلة متعددة لزيجات بين الغرباء وخاصة المجاورين وبين المکيات، فتذکر أنّ عدداً منهم تزوجوا بمکة، وکان لهم بها أهل وولد وأموال، وکان بعضهم خاصة الأثرياء يبالغون في تلك الزيجات حتى إنّ أحدهم تزوج ستين امرأة أثناء إقامته بمکة على مدار نصف قرن.[122]

ويذکر السهمي أنّ أبا عبدالله الحسين بن الحسين بن عبدالله الجرجاني المقيم باليمن والذي کان يحج سنوياً، کان له بمکة أهل وأولاد وأموال.[123] ويبدو أنّ هذا الجرجاني کان يمارس بعض الأعمال ـ لعلّها التجارة بين اليمن ومکة ـ التي کانت تدر عليه هذه الأموال الکثيرة، وأنّ أولاده بمکة کانوا يراعونها طوال غيابه باليمن ويُنمونها. وکان لأبي القاسم الخيمي عبد الرحمن بن محمد بن الحسين الجرجاني المجاور بمکة ابن يسمى عبد العزيز، وکان على ما يبدو من رواية السهمي بمکة وباليمن.[124] ومن المرجح أنّ هذا المجاور اقترن بإحدى النساء بمکة وأنجب منها هذا الولد. يؤيد هذا التخريج انتشار ظاهرة التزاوج بين المجاورين والمکيات، کذلك طول إقامته بمکة التي دفعته للزواج ليحصن فرجه.

وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض أبناء العلماء الجرجانيين وأحفادهم قد نزلوا بمکة واستوطنوها، فالسهمي يذکر أنّ بعض أبناء وأحفاد الفقيه أبي القاسم عبدالله بن أحمد بن الجرجاني (ت 375ه‍/ 985م) نزيل البصرة، قد استقروا بمکة وسکنوها.[125] ولا شك أنهم صاروا جزءاً من نسيج المجتمع المکي وتأثروا به وأثروا فيه، لطول إقامتهم هناك.

 

*   *   *

 

ثمَّ يذكر المؤلف تحت عنوان :  الخاتمة ، يقول فيها :

استعرضنا في هذه الدراسة صلة الجرجانيين بالحياة الثقافية والاجتماعية بمكة المكرمة من الفتح الإسلامي حتى بدايات القرن الخامس الهجري ؛ الحادي عشـر الميلادي.

وأمكن تأكيد بعض الحقائق من خلال تحليل ومناقشة النصوص التي وردت بالمصادر.

وراح يذكر  خمس  عشرة  حقيقة كما سمّاها ، ونحن بدورنا نختار منها ما يتعلّق بما اقتبسناه وهو الفصول الأربعة الأخيرة من الكتاب، وهي:

ـ و أثرّوا فيها بعمق بالحياة الثقافية بمکة وأثروا فيها، وکانت مساهمتهم هذه عن طريق مجاورتهم بها، وزيارتهم لها، لأداء مناسك الحج والعمرة. فقد کانوا يتصلون بعلمائها والمجاورين بها والوافدين عليها، وينهلون من فيض علمهم. کذلك حدّثوا بها، فتحلق حولهم طلاب العلم المکيين وغيرهم من المجاورين والوافدين، مما ساهم في تشکيل ثقافتهم، ووصول بعضهم إلى مکانة سامية في الفقه الإسلامي.

ـ إنّ جرجان اشتهرت بکثرة بيوت العلم، وأن أرباب هذه البيوتات کانوا يحرصون على تخريج إولادهم في العلوم تخريجاً حسناً، فکانوا يصطحبونهم معهم في رحلاتهم العلمية إلى مراکز الثقافة الإسلامية ومنها مکة، ليتتلمذوا على شيوخها،‌ ومن أشهر هذه البيوتات التي بلغ أفرادها مکانة مرموقة في الفقه الإسلامي بنو الدارمي، وبنو عدي، وبنو الإسماعيلي، وبنو السهمي.

ـ إنّ الجرجانيين الذين نهلوا من الثقافة المکية قد أفادوا تلاميذهم بجرجان وغيرها من الأمصار الإسلامية الأخرى بهذه العلوم، مما ساهم على نشرها في الآفاق.

ـ إنّ الجرجانيين المقيمين بالبلدان الإسلامية الأخرى قد أثروا أيضاً بالثقافة المکية عند زيارتهم لها، وأنهم حدثوا طلابهم هناك بهذه العلوم.

ـ إنّ بعض العلماء الجرجانيين أثّروا في الحياة الثقافية بمکة عن طريق تلاميذهم من الأقطار الإسلامية الأخرى الذين حدّثوا بمکة بعلوم الجرجانيين.

ـ إنّ بعض الحجاج وطلاب العلم الجرجانيين الأثرياء قد أنعشوا المجتمع المکي اقتصادياً واجتماعياً بما کانوا ينفقونه من أموال أثناء معيشتهم هناك، وبما کانوا يُخرجونه من صدقات وأعطيات لفقراء المجاورين والزهاد والصوفية.

ـ إنّ بعض الجرجانيين من المجاورين والزهاد والصوفية الذين انصرفوا عن الکسب والعمل وتفرّغوا للعبادة وانقطعوا لها، کانوا يعيشون عالة على المجتمع المکي. وکانوا کغيرهم من أشباههم يعيشون على الصدقات والأعطيات التي کانوا يحصلون عليها من الأثرياء لاسيما في مواسم الحج، وکذلك من النفقات العامة للدولة.

ثمَّ يستعرض المؤلف مصادر ومراجع بحثه القيّم هذا وهي:

أولاً : المصادر العربية وعددها واحد وسبعون  مصدراً  .

ثانياً : المراجع العربية الحديثة والمعربة  وعددها  ستة وعشرون  مرجعاً .

 

[1]. الرازي، مختار الصحاح : 17  دار التنوير العربي، بيروت، بدون تاريخ ؛ إبراهيم مصطفی وآخرون، المعجم الوسيط : 146 المکتبة الإسلامية، استانبول، بدون تاريخ.

 

[2]. الأزرقي، أخبار مکة، 1965م، 2: 155 ؛ الفاسي، شفاء الغرام 1 : 84 دار الکتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ .

 

[3]. الترمذي، جامع الترمذي 5 : 679، طبعة أحمد محمد شاکر، دار الکتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ؛ (وکرهه الشيعة الإمامية الجعفرية الاثناعشرية تبعاً لأئمتهم والأخبار عنهم:. اليوسفي الغروي).

 

[4]. الفاکهي، أخبار مکة 1 : 288ـ300 .

 

[5] . المحبي، القری لقاصد أم القری : 662 .

 

[6] . الفاکهي، أخبار مکة 1 : 300 ـ 304 .

 

[7]. أحمد عمر الزيعلي، مکة وعلاقاتها الخارجية : 137ـ 138، 143 .

 

[8]. الفاسي، العقد الثمين، رقم1820، 5 : 445 ـ رقم1854، : 478 .

 

[9]. السهمي، تاريخ جرجان : 239 .

 

[10] . الفاسي، العقد الثمين 5 : 479 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، الطبعة الأولی، حيدرآباد الدکن، 1326هـ، 6 : 375ـ376 .

 

[11]. السهمي، تاريخ جرجان : 240 .

 

[12]. السهمي، نفس المصدر : 239ـ240 .

 

[13]. السهمي، نفس المصدر، رقم2،  : 240 . 

 

[14]. السهمي، نفس المصدر : 61، 133 . 

 

[15]. السهمي، نفس المصدر : 61 ؛ الذهبي، تذکرة الحفاظ، دارالفکرالعربي، بدون تاريخ، م1، ح2، : 424 .

 

[16]. الفاکهي، أخبار مکة، م3، رقم2913، : 102ـ103 .

 

[17]. الواقدي، المغازي 2 : 781ـ 784، تحقيق مارسدن جوتس، الطبعة الثالثة، عالم الکتب، بيروت، 1984م .

 

[18]. الفاکهي، أخبار مکة، الأحاديث أرقام: 236، 2913، 2915، 2517، 2132، 2127، 1738، 1737، 1733، 1679، 1511.

 

[19]. السهمي، تاريخ جرجان : 61 .

 

[20]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 416، : 256 .

 

[21]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم7،  :  65 ؛ الحاکم النيشابوري، المستدرك علی الصحيحين، تحقيق مصطفی عبدالقادر عطا، الطبعة الأولی، دارالکتب العلمية، بيروت،1990، ح3 أرقام4637ـ 4639.

 

[22]. الصنعاني، المصنف، باب ما يبلغ الإلحاد ومن دخله کان آمناً، ح5، رقم9224، :151.

 

[23]. ابن ماجة، السنن، ح1 رقم2048، : 660 .

 

[24]. القزويني، آثار البلاد : 351 .

 

[25]. الطبراني، المعجم الکبير، ح12رقم12393ـ12394، 13153ـ13154 .

 

[26]. السهمي، تاريخ جرجان : 99، 454 .

 

[27]. السهمي، تاريخ جرجان : 455 .

 

[28]. الذهبي، تذکرة الحفاظ، م2، ح3، رقم928، :998 .

 

[29]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم927، : 464 .

 

[30]. الذهبي، تذکرة الحفاظ، م2، ح3، رقم928، :998 .

 

[31]. الترمذي، الجامع الصحيح، م4، رقم1823، : 269 .

 

[32]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 102، : 269 .

 

[33]. السهمي، تاريخ جرجان : 122 ؛ و لا يخفی أنه قال الحاكم: ثقة مأمون. وقال ابن أبي الفوارس: ثقة. وقال الخطيب: الصحيح أنه ثقة، ثبت. وضعفه أبو نعيم وأبو زرعة الكشـي، وقد حدث عنه الدارقطني، (ميزان الاعتدال، الذهبي 1: 135). ميقات الحج .

 

[34]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم424، : 260ـ261 .

 

[35]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم618، : 336ـ337 .

 

[36]. ابن خلکان، وفيات الأعيان 1 : 318 .

 

[37]. السهمي، تاريخ جرجان : 358 .

 

[38]. الطبراني، المعجم الأوسط : 201.

 

[39]. السهمي، تاريخ جرجان : 250 .

 

[40]. السهمي، تاريخ جرجان : 248 .

 

[41]. السهمي، تاريخ جرجان : 386 .

 

[42]. ابن عماد الحنبلي، شذرات الذهب 2: 190 .

 

[43]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم88، : 105 .

 

[44]. ابن حنبل، مسند أحمد 1 : 389 .

 

[45]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم1001، : 495 .

 

[46]. الذهبي، تذکرة الحفاظ، م2، ح3، : 817 .

 

[47]. الفاسي، العقد الثمين 5: 430ـ431 .

 

[48]. الذهبي، تذکرة الحفاظ، م2، ح3، : 817 .

 

[49]. السهمي، تاريخ جرجان : 276 .

 

[50]. الذهبي، تذکرة الحفاظ، م2، ح3، : 817 ـ 818 .

 

[51]. الذهبي، نفس المصدر .

 

[52]. السهمي، تاريخ جرجان : 256ـ257، 266ـ267 .

 

[53]. السهمي، تاريخ جرجان : 276 ؛ و يوجد من کتاب الکامل عدة نسخ .

 

[54]. ابن عدي الجرجاني، الکامل في ضعفاء الرجال 1: 1 ـ 2 .

 

[55]. السهمي، تاريخ جرجان : 267 .

 

[56]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 7، :65 .

 

[57]. البيهقي، شعب الإيمان : 50 .

 

[58]. سورة الأحزاب : 56 .

 

[59]. السهمي، تاريخ جرجان : 220ـ 221 .

 

[60]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 1050، : 513 .

 

[61]. الفاسي، العقد الثمين 7 : 482 .

 

[62]. السهمي،‌ نفسه : 109.

 

[63]. السهمي،‌ نفسه، رقم 415 ، :255.

 

[64]. السهمي، نفسه، رقم 418 ، :257.

 

[65]. السهمي، نفسه، رقم 843 ، :444.

 

[66]. السهمي، نفسه، :110ـ111، 115ـ116، أکرم ضياء العمري، بحوث في تاريخ السنة المشرفة، :358. و عن ترجمته أنظر: الذهبي، تذکرة الحفاظ، 2:  947 ، ح3، المعين في طبقات المحدثين، رقم 1286 ، :115، السبکي، طبقات الشافعية، ح3 ، :7، ابن کثير،‌ طبقات الشافعية، ‌1 : 297ـ 299، رقم 202،  السيوطي، طبقات الحفاظ، رقم 867، :381، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، ح3، :75.

 

[67]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 170 ، :147. تحتفظ المصادر بأبيات شعرية للإمام أبي سعيد الإسماعيلي تدل علی کثرة عبادته و اهتمامه بأمور الدين و النصيحة للمسلمين، و توضح إيضاً تمسکه بالمذهب الشافعي، و منها:

                   إني ادخرت ليوم ورد منيتي                                  عند الإله من الإمور خطيراً

                   قولي بأن  إلهنا  هو      أوحد                                    و نفيت عنه شريکه و نظيراً

                   و تمسکي بالشافعي وعلمه                             ذاك الذي فتق العلوم بحوراً

(السهمي، نفسه، :148ـ149، القزويني،‌ آثار البلاد، :350).

[68]. عن ترجمته راجع:‌ السيوطي، طبقات الحفاظ، رقم 805 ، :354. وقد تتلمذ کثير من أهل جرجان علی يد محدث الشرق وکتبوا و رووا عنه کثير من الأحاديث، حتی اشتهر ذکره ببلدهم وصارت له مدرسة للحديث بها. لمزيد من التفاصيل راجع: السهمي، نفسه، تراجم : 111، 167، 214، 423، 586، 879، 897، 962، 1031.

 

[69]. السهمي، نفس المصدر، :147.

 

[70]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 883 ، :453.

 

[71]. السهمي، تاريخ جرجان، تراجم، : 63، 248، 444، 527، 528، 883.

 

[72]. السهمي، تاريخ جرجان، :453.

 

[73]. السهمي، تاريخ جرجان، :453.

 

[74]. السهمي، تاريخ جرجان، صفحات متفرقة: 97ـ98، 266، 260، 275، 221، 186.

 

[75]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 927 ، :464ـ465.

 

[76]. السهمي، نفسه، رقم 929 ، :465.

 

[77]. السهمي، نفسه، رقم 928 ، :465.

 

[78]. السهمي، نفسه، رقم 361 ، :226.

 

[79]. السهمي، نفسه، رقم 360 ، :226.

 

[80]. السهمي، نفسه، :170.

 

[81]. السهمي، نفسه، :464، العمري، المرجع السابق، :301، 398ـ399.

 

[82]. عن ترجمته راجع: السهمي، نفسه، رقم 779، :430ـ432 ؛  الذهبي، تذکرة الحفاظ، 2 : 971،ح3؛ السيوطي، طبقات الحفاظ، رقم 882، :387 ؛  ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، ح3، :90.

 

[83]. السهمي، نفسه، :464، 226ـ465 ؛ و راجع أيضاً: السبکي، طبقات الشافعية، ح2، :400.

 

[84]. السهمي، نفسه، :226ـ465.

 

[85]. السهمي، نفسه، : 148.

 

[86]. السهمي، نفسه، أرقام 361، 928، 929 :226، 465.

 

[87]. السهمي، نفسه، رقم 1000، :494.

 

[88]. السهمي، تاريخ جرجان، :114ـ116؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان 2 : 122.

 

[89]. الفاسي، العقد الثمين، تحقيق محمود محمد الطناحي، القاهرة، 1969م، ح8، :16.

 

[90]. عن رباط خاتون أنظر: الفاسي، شفاء الغرام، ح1، :331 ؛ العقد الثمين، ح1، :119.

 

[91]. الفاسي، العقد الثمين، ح8، رقم 2818 ، :16ـ17.

 

[92]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 174، :151.

 

[93]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 316، :209.

 

[94]. الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، م5، رقم 2483 ، :88 .

 

[95]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 859، :447.

 

[96]. السهمي، نفس المصدر،‌ :447ـ448.

 

[97]. جاور أبوسعيد بن الأعرابي بالحرم ومات به سنة 341ه‍، وکان قد صحب الجنيد، وعمرو بن عثمان المکي، والثوري وغيرهم، روى عنه الطبراني والخطابي، وصنف کتباً في الطريق. عن ترجمته راجع: القشيري، الرسالة القشيرية، تحقيق د. عبدالحليم محمود ومحمود بن الشـريف، دار الکتب الحديثة، القاهرة، 1972، ح1، :176؛ الذهبي، تذکرة الحفاظ2 : 852، ح3،  المعين في طبقات المحدثين، رقم 1147 ، :111؛ السيوطي، طبقات الحفاظ، رقم 801 ، :352 ؛ ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، ح3، :354.

 

[98]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 288 ، :199.

 

[99]. ابن ماجه، باب من بلّغ علماً، سنن ابن ماجه، ح2، رقم 232 ، :85. وقد أخرج ابن ماجه هذا الحديث بشواهد کثيرة عن بعض الصحابة نذکر منهم: زيد بن ثابت وجبير بن مطعم (ابن ماجه، نفس المصدر، ح2 أرقام 230ـ231 ، :84ـ85)، السهمي، نفس المصدر، :200؛ الألباني، صحيح سنن ابن ماجه، ح1، :44ـ45.

 

[100].  ابن عبدالبر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ق4، رقم 3343 ، :1839؛ الفاسي، العقد الثمين، ح8، رقم 3344، :216. وکان علي بن عبدالعزيز قاضياً بجرجان، وقاضياً للقضاة بالري، وصنف تاريخاً (السهمي، تاريخ جرجان، رقم 560 ، :318)، کما کان أديباً شاعراً (القزويني، آثار البلاد، :350ـ351).

 

[101]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 406، :251ـ252؛ الطبراني، المعجم الکبير، ح25، أرقام 183ـ204، :75ـ80.

 

[102]. السهمي، تاريخ جرجان، :241،‌ 285، 292.

 

[103]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 170 ، :148.

 

[104]. السهمي، نفس المصدر، ‌رقم 461 ، :276؛‌ الفاسي، العقد الثمين، ح7، رقم 2764 ، :482.

 

[105]. المقدسي، أحسن التقاسيم، :284.

 

[106]. اليعقوبي، کتاب البلدان، :46؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان 2 :119.

 

[107]. المقدسي، أحسن التقاسيم، :282؛ کي لسترنج، بلدان الخلافة الشـرقية، :421. وجدير بالذکر أن أصل بذر أبريسم طبرستان الذي کان يصنع منه ثياب الأبريسم الحريرية التي کانت تُحمل إلى مکة وتباع هناك بمبالغ کبيرة، کان من جرجان. لأنه کان کما يذکر المقدسي أزکى و أتم، وکان لا يصنع من بذور طبرستان حرير بتة (المقدسي، نفس المصدر، :282).

 

[108]. المقدسي، نفس المصدر، :284.

 

[109]. اليعقوبي، کتاب البلدان، :46؛ المقدسي :282؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان2:  119.

 

[110]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 843 ، :444.

 

[111]. السهمي، تاريخ جرجان، :147.

 

[112]. القزويني، آثار البلاد، :349 .

 

[113]. ابن حوقل، صورة الأرض، :324. و من صور نکبات أهل جرجان الاقتصادية والاجتماعية؛ أنّ جند الأکراد وغيرهم من اللصوص وقطّاع الطرق کانوا يغيرون عليهم ويقطعون المسالك والطرق التجارية عليهم، وقد هاجموا بضائع الفقيه أبي سعد الإسماعيلي وتجارته التي کانت تأتيه من البلدان المجاورة کأصبهان وخراسان. کما أمر شمس المعالي قابوس بن وشمکير صاحب جرجان بسجنه ومصادرة جميع ضياعه (السهمي، نفس المصدر، رقم 170، :148)، کذلك نکب الأمير نفسه کل من أبي نصر محمد الاسماعيلي و أبي بشر الفضل بن محمد حفيد أبي بکر الإسماعيلي بعزلهما عن مناصبهما، وسجنهما وصادر أملاکهما (السهمي،‌ نفسه، تراجم 286، :198ـ199، 883 ، :452، 608 ، :333).

 

[114]. ابن سعيد المغربي، المغرب في حلي المغرب، طبعة جامعة فؤاد الأول، القاهرة، :350ـ352، :350، 352 ؛ الزيعلي، مکة وعلاقاتها الخارجية، :149.

 

[115]. ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، حيدر آباد، 1359ه‍، ح7، :84 ؛ الزيلعي، نفس المرجع، 149.

 

[116]. ابن فهد، اتحاف الوري بأخبار أم القري، تحقيق فهيم محمد شلتوت، الطبعة الأولي، مکتبة الخانجي، القاهرة، 1983م، (حوادث سنة 306ه‍) ح2، :365؛ الزيعلي، نفسه، :150.

 

[117]. الزيعلي نقلاً عن البکري صاحب المسالك والممالك، نفسه، 150.

 

[118]. المقدسي، أحسن التقاسيم، :282.

 

[119]. الأزرقي، تاريخ مکة، ح2، :75 ؛ الفاکهي، أخبار مکة، 2: 99، ح4 .

 

[120]. الفاسي، شفاء الغرام، ح1، :330 ؛ الزيلعي، نفسه، :150. وعن دار القوارير أنظر: الفاکهي، أخبار مکة، ح2، :166، 189، 200، 206، ح3 ، :287، 300، ح4 ، :99 .

 

[121]. المقدسي، أحسن التقاسيم، :282 .

 

[122]. الجعدي، طبقات فقهاء اليمن، :92 ؛‌ الفاسي المکي، العقد الثمين، ح7، :444 ؛ الزيعلي، مکة وعلاقاتها الخارجية، :150 .

 

[123]. السهمي، تاريخ جرجان، رقم 288، :199.

 

[124]. السهمي، نفس المصدر، رقم 424، :261.

 

[125]. السهمي، نفس المصدر، رقم451، ص273.